بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 11 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 11 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 9
صفحة 1 من اصل 1
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 9
ومن صدر سورة البقرة :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
فـــ : يا أيها : نداء لتنبيه الغافل .
الناس : عموم لا مخصص له ، فالمؤمنون على سبيل التوكيد ، وغيرهم على سبيل التأسيس .
اعبدوا : أمر تكليفي شرعي من مقتضيات ألوهية الله عز وجل .
ربكم : علة ما قبله ، فتأليهه فرع على ربوبيته التي اشتقت منه الصفة المشبهة : "رب" .
الذي خلقكم والذين من قبلكم : بيان بعد إجمال بذكر أحد أفراد الربوبية ، وهو الخلق والإيجاد ، فهو من باب التمثيل لأفعال الرب ، تبارك وتعالى ، فلا يخصص عموم فعله ، فله من كمال الفعال غير الخلق ما لا يحصيه العادون ، فهو الخالق الرازق المدبر ........... إلخ من أوصاف الأفعال الربانية ، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه .
لعلكم تتقون : رجوع إلى المعلول ، إذ ما ذكر من عطايا الربوبية إنما ذكر ليتقي الناس ربهم بامتثال أمره الشرعي ففي : "لعل" معنى لام التعليل .
الذي : بدل من النعت الأول من نعوت الباري عز وجل : "الذي خلقكم" ، وقد يرد على ذلك أن المبدل منه على نية الطرح ، إذ ما جيء به إلا توطئة للبدل ، وهو هنا : مقصود لذاته ، إذ هو كما تقدم من أخص أوصاف الربوبية ، فكيف يكون على نية الطرح في سياق ما ورد إلا تقريرا له ؟!!! .
وقد يقال بأن في الكلام إيجازا بالحذف ، فتكون المسألة من مسائل القطع إلى الرفع أو النصب مدحا وتعظيما للرب تبارك وتعالى ، وهو ما يتلاءم مع سياق إثبات كمال ربوبيته توطئة للأمر بكمال ألوهيته ، فيكون تقدير الكلام : هو الذي جعل لكم بالقطع إلى الرفع ، أو : أخص بالذكر أو المدح الذي جعل لكم بالقطع إلى النصب .
وقد يقال بأنها نعت بعد نعت ، فهو من قبيل : التفصيل في أوصاف الكمال مدحا ، فيكون في السياق : إطناب بتعداد أوصاف الممدوح ، وهو أمر مراد في سياق كهذا ، فأوصاف كماله ، عز وجل ، قائمة مقام : البينات على دعوى ألوهيته ، وكلما زاد عددها صارت أمكن في تقرير الدعوى الإلهية وإقامة الحجة الرسالية ، وإن كان الأمر كالشمس سطوعا ، فالكون كله شاهد بربوبية الرب الأحد ، الفرد الصمد ، فمن وحده ربا ، لزمه توحيده إلها معبودا .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
في الآية قسمة عقلية ثنائية بديعة استوفت نعم الباري ، عز وجل ، على المكلف ، فنعمة في نفسه بإيجاده ، ونعمة فيما حوله من الموجودات التي سخرت له ، فالأرض قد نبتت بالزرع ، والسماء قد أمطرت بالقطر ، فضلا ونعمة من الرب المنعم على العبد الجاحد
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً : فهو الذي جعل الموجودات كونا ، وجعل الكتب والرسالات شرعا ، مصداق قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وفي المقابلة بين السماء والأرض : حصر للظرف المكاني : فأرض تقل وسماء تظل ، وكلاهما بالنعمة يمد ، وقدم ذكر الأرض لمجاورتها الإنسان ، ومباشرته نعمها بخلاف السماء التي تعلوه فلا يصل إليه خيرها إلا نازلا ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، وفي الإخبار عن السماء بالبناء : تشبيه بليغ ، إذ حذف أداة التشبيه ووجهه بين السماء والبناء العالي ، فكلاهما يعلو الإنسان ويظله كالقبة التي تحيط بما تحتها .
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً : نسبة الفعل إلى فاعله ، عز وجل ، فبعد تفصيل النعمة الربانية بإفراش الأرض وإظلال السماء ، فصل بذكر منافعهما ، إمعانا في بيان المنة ، والسياق ، كما تقدم ، يقتضيه ، إطنابا في ذكر عطايا الرب المنعم جل وعلا .
و "ماء" : نكرة في سياق الإثبات لا تفيد عموما ، بأصل الوضع ، فالنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق ، ولكن سياق المنة الذي اطرد في هذا المقطع قرينة جعلت النكرة تفيد العموم ، فالنكرة في سياق المنة تفيد العموم .
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ :
الفاء التعقيبية مشعرة بعظم المنة ، فالماء ينزل فيعقب ذلك مباشرة خروج الثمرات ، والباء في : "به" سببية ، ولا عمل للسبب إلا بإذن مسبِبه عز وجل .
و "أل" : في "الثمرات" : جنسية استغراقية فلا يرد على سياق الامتنان ذكر جمع القلة : "الثمرات" ، والقلة في سياق الامتنان منغصة ، فكان ذكر جمع الكثرة : "الثمار" أولى ، لا يرد ذلك لأن "أل" الجنسية الاستغراقية قد قامت مقام جمع الكثرة لدلالتها على الاستغراق الشمولي لجميع أفراد مدخولها .
رزقا لكم : امتنان بذكر علة إخراج تلك الثمار فهي رزق ميسر تفضل به الباري ، عز وجل ، على عباده .
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
الفاء سببية تفريعية على ما تقدم ، فإذا تصور المكلف ما تقدم من النعم الكونية ، لزمه إفراد الله ، عز وجل ، بالعبادة ، فلا يجعل له : "أندادا" ، أي أنداد ، فتنكيرها في سياق النهي يفيد العموم .
وأنتم تعلمون : بعد إقامة الحجة الرسالية عليكم ببعث الرسل وإنزال الكتب .
&&&&&
وإلى قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
فهو استفهام فيه معنى التعجب من حالهم ، إذ كيف يجحدون حق الألوهية ، وهم الذين كانوا عدما فأحياهم الله ، عز وجل ، وتلك مئنة من البعث الثاني ، فإن من أوجد من العدم قادر ، من باب أولى ، على البعث بعد الموت ، ولذلك عقب بالتذكير بالنشأة الثاتية فرعا على النشأة الأولى ، مصداق قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ، والكل هين على الباري ، عز وجل ، فـــ : "أفعل" منزوعة الدلالة على التفضيل .
وفي العطف بالفاء بين : "أمواتا" فـــ : "أحياكم" : إشعار بالقرب ، وفي العطف بـــ : "ثم" : إشعار بالبعد ، وهو بعد نسبي ، إذ عمر الإنسان بالنسبة إلى زمن خلقه في رحم أمه طويل نسبيا ، وإن كان الكل عند التحقيق : ساعة ، وكذلك في العطف بــ : "ثم" الثانية إشعار بطول زمن البرزخ بالنسبة إلى عمر الإنسان .
ثم إليه ترجعون : تقديم ما حقه التأخير ، وكل ذلك باعث على امتثال الأمر الإلهي ، فمن إليه المرجع لبقائه الأزلي الأبدي ، أحق بالتأله من المعدوم ابتداء والفاتي الذي لا بقاء له انتهاء ، فأولية الله ، عز وجل ، وآخريته مطلقة ، وأولية وآخرية ما سواه مقيدة .
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا : امتنان بخلق كل ما في الأرض وتسخيره لبني آدم ، وفي : "لكم" معنى الاختصاص فلأجلنا خلقت الأرض بلا سابق منة ، إذ لا منة للمخلوق على خالقه ، ومع كل ذلك الفضل : قابلنا الإحسان بالإساءة ، والنعمة بالجحود ، و "ما" : نص في العموم ، و "أل" في : "الأرض" جنسية استغراقية ، وقد أكد عموم تلك المنة بالتوكيد اللفظي : "جميعا" وفي ذلك تعريض بالمكذبين الجاحدين فإن التوكيد على نعمة الرب ، عز وجل ، في مقابل كفران العبد توبيخ لا يخفى عند التأمل . فمن خلق أحق بالتأله ، ومن سخر أحق بالتأله ، ومن رزق أحق بالتأله ، ومن أنعم أحق بالشكر .
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
قصد إليها فسواها ، وذلك لا يكون إلا بعلم ، فإن خلق الأرضين وتسوية السماوات لا يكون إلا من رب عليم حكيم ، فدلالة ذلك على علم الرب المحيط : دلالة التزام ، فالله ، عز وجل ، فاعل بالعلم والإرادة ، فعلة صدور الكائنات صفاته الفاعلة ، لا ذاته القدسية ، كما ادعى الفلاسفة نفاة صفات الكمال ، إذ سقط في أيديهم لما رأوا هذا الخلق الباهر في مقابل ما ادعوه من نفي أوصاف الكمال التي تصدر عنها أفعال الباري ، عز وجل ، فلم يجدوا مناصا من تعليل ذلك بذات الخالق ، عز وجل ، فأظهروا مقالة : قدم العالم بقدم الذات القدسية ، إذ هي علة لا تنفك عن معلولها ، بزعمهم ، فمنشأ زللهم في الإلهيات التي خاضوا فيها خوض العميان : فساد تصورهم للباري ، عز وجل ، الذي جرده من صفات كماله فجعلوه وجودا مطلقا عن أي وصف ، لا وجود له ، عند التحقيق إلا في الأذهان ، وإنما نشأ ذلك الفساد في التصور لإعراضهم عن علوم النبوات التي جاءت بتفصيل ما لا تستقل عقول البشر بإدراكه من صفات الكمال الإلهية ، وكلما كان العبد أمكن في ذلك الباب : باب الأسماء الحسنى والصفات العلية وما يصدر عنها من أفعال الكمال الإلهية ، وهو الذي يهون منه كثير من المسلمين اليوم بدعوى كونه : "ترفا علميا" !!! ، كلما كان أمكن في ذلك الباب كان أمكن في باب الألوهية ، فإن من كان بالله أعلم كان له أتقى وأخشى ، و : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
وبقدر قرب أصحاب المقالات من مقالة الوحي المعصوم في ذلك الباب يكون تحقيقهم لمقام الألوهية ، ولينظر المنصف إلى مقالة أهل الإسلام عموما وأهل السنة خصوصا ومقالة غيرهم ليعلم من أشد الناس تعظيما وتوقيرا لمقام الباري عز وجل .
وفي تقديم ما حقه التأخير : "بكل شيء" : إشعار بالحصر والتوكيد فضلا عن دلالة "كل" على عموم إحاطته ، جل وعلا ، بكل المعلومات ، فهو العليم بالكليات والجزئيات ، بالكونيات فقد كتب المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، والشرعيات فقد أنزل الكتب بالشرائع المحكمات ، فإذا كان علمه قد بلغ الكمال في المقادير ، فكيف يخشى العباد غيره ، فيتزلفون إلى غيره دفعا للضر وطلبا للنفع ، وفي التنزيل : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ، ويستبدلون كلماته الشرعيات الكاملة بكلمات عباده الوضعيات الناقصة : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
وسر المسألة : سوء الظن بالباري ، عز وجل ، فإن من أساء الظن به في باب العلميات : هان عليه وصفه بالنقائص ، فمن قائل بأنه علة تفعل اضطرارا ، كفعل النار الحرق فهي فاعلة بالطبع لا بالإرادة والعلم ، ومن قائل بتعارض حكمته وقدرته ، كما وقع من نفاة القدر من النصارى ومن سار على طريقتهم من نفاة القدر من أصحاب المقالات ، ومن قائل بعجزه عن غفران ذنوب خلقه ، حتى اضطر إلى التضحية بنفسه فداء لهم ، ومن قائل بأنه موصوف بالعدميات ، بل بالممتنعات ، كغلاة أهل الباطن ، ومن قائل بوصفه بالوجود المطلق عن أي صفة كمال ، فهو عدم لا وجود له إلا في الأذهان ، ومن قائل بأنه موصوف بالسلوب والإضافات فلا صفات كمال ثابتة له في نفس الأمر ، ومن ناف لأسمائه وصفاته بحجة التنزيه ، ومن ناف لصفاته مثبت لأسماء لا معان لها كأسماء الجمادات !!! ، ومن مثبت لبعض الكمالات دون بعض في تفريق بين المتماثلات تأباه العقول الصريحات ، ومن معطل للرب ، جل وعلا ، عن الفعل ، فلا تتعلق أفعاله الحكيمات بآحاد كلماته الكونيات النافذات ، فلا يخلق إذا شاء ، ولا يحب إذا شاء ، ولا يبغض إذا شاء ، ولا يتكلم إذ شاء .............. إلخ ، وفي المقابل : ملحد يخلع صفات الباري ، عز وجل ، على عباده ، فيشبه العبد المربوب بالرب المعبود ، فيدعى فلان أو فلان من الأنبياء أو الأئمة أو الأولياء ، من دونه ، ويجعل ندا له ، تتعلق القلوب به ، وتسكب العبرات على عتباته ، وتذبح القرابين تزلفا إليه ، وسدنة الباطل من الرهبان وشيوخ السوء والبهتان توقد نيران معابد الصلبان والأوثان .
ولو علم المريدون صفات الرب الغني الذي أعرضوا عنه ، وصفات المعبود الفقير الذي أقبلوا عليه ، لانحل الإشكال ، وظهر الحق بأيسر عبارة وألطف إشارة ، فإن للحق نورا يبدد ظلمة الباطل ، فمعدنه نفيس لا يحتاج إلى زينة فهو حسن في ذاته ، ومعدن الباطل خسيس يفتقر إلى كل زينة فهو قبيح أشوه يخفي دمامته تحت ستار من القياس العقلي الكاسد والذوق الوجداني الفاسد ، فتجد في كتب أهل الباطل : العبارات الغامضة والإشارات الباطنة ، التي يدعي أصحابها التحقيق ، وهم أجهل الناس بالإلهيات ، وتجد عبارة النبوات : ساطعة لا لبس فيها ولا غموض ، عبارة : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ) ، فتقبل الفطرة السوية عليها ، ويسلم العقل الصريح لها ، فهي آيات بينات من لدن حكيم خبير ، فنقل صحيح إلى عقل صريح ، يبين إجمال الفطرة الأولى ويقوم ما اعوج منها ، كل أولئك هو : طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولا طريق إلى الباري ، عز وجل ، سواه .
ولا ينفك عطاء الربوبية عن تكليف بواجبات الألوهية :
ففي قوله تعالى : (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)
نداء لآدم عليه السلام مشعر بعظمة المنادي وعلو شأنه ، وذلك من لوازم كمال ربوبيته ، وقد أكد أمر السكنى بالضمير : "أنت" إمعانا في تقرير المنة الربانية على آدم عليه السلام ، وأطلق أمر الامتنان : "كلوا" فأباح لهم الأكل من كل ثمار الجنة ، وأكده بقوله : "حيث شئتما" ، وقيده تكليفا وابتلاء : (ولا تقربا هذه الشجرة) ، فيكون ذلك سببا في اتصافكما بالظلم بالخروج عن أمر الرب التكليفي ، فلا رب بلا تكليف لمربوبيه ، ولذلك أهبط آدم عليه السلام من الجنة بعصيانه الأمر الشرعي ، فلما تاب وأناب ، صح احتجاجه على موسى عليه السلام بالذنب ، إذ صار الذنب في حقه : مصيبة كونية تتعلق بمشيئة الرب ، جل وعلا ، النافذة ، فهي من أخص أوصاف ربوبيته ، فله المشيئة المطلقة ، فيعافي فضلا ، ويبتلي عدلا ، وقد سار آدم عليه السلام على طريقة الموحدين ، فلم يحتج بالقدر على المعصية إلا بعد أن تاب منها ، فلما رد القدر الكوني متعلق ربوبية الله ، عز وجل ، بالأمر الشرعي ، وهو التوبة ، متعلق ألوهية الله ، عز وجل ، صار احتجاجه بالقدر سائغا ، فظهر من ذلك الارتباط الوثيق بين الربوبية القاهرة والألوهية الآمرة .
وقبلها أيضا :
وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ :
فامتن عليه بنعمة العلم ، فعلمه الأسماء كلها ، فــ : "أل" في : "الأسماء" : جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه ، إذ سياق الامتنان والتفضيل يناسبه العموم ، ثم عرضهم على الملائكة فقال :
أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ : فالأمر للتحدي ، وكذلك الشرط في آخر الآية ، وفيه بيان لفضل آدم ، عليه السلام ، بتعريفه ما عجزوا عن معرفته ، فالتحدي مقرون بالتعجيز إظهارا لمقام الربوبية القاهر في مقابل مقام العبودية الخاضع ، ولو كان العباد المربوبون أشرف الكائنات العلوية ، وفي السياق : إيجاز بالحذف ، لجواب الشرط لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم أحقاءُ بالخلافة ممن استخلفته كما ينبىء عنه مقالُكم ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فإن كنتم صادقين في ذلك فأنبئوني بأسماء هؤلاء ، فالمذكور السابق دال على المحذوف اللاحق ، فلا يجمع بين العوض والمعوض عنه تفاديا للتكرار المعيب .
فلما ظهر لهم تمام الربوبية قالوا : سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، فنزهوا الباري ، عز وجل ، عن النقائص ، ونفوا عن أنفسهم جنس العلم ، جله ودقه ، كما دل على ذلك تسلط "لا" النافية للجنس على النكرة : "علم" ، فهو نص في العموم ، نفوا عن أنفسهم ذلك إلا ما علمهم الله ، عز وجل ، إياه ، فالقصر بأقوى أدواته : النفي والاستثناء : حقيقي في هذا السياق ، إذ لا علم لهم ولا لغيرهم من الكائنات إلا ما علمهم الله ، عز وجل ، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ، ثم هدى ، فهدى الحيوان الأعجم والإنسان الأفوه . والعليم ، عز وجل ، هو الذي أحاط بكل شيء علما ، وعلم غيره ما شاء ، فوصفه بالعلم : وصف ذات لازم ، ووصفه بالتعليم : وصف فعل يتعلق بمشيئته الكونية النافذة ، فمن شاء علمه فضلا ، ومن شاء حجبه عن العلم عدلا ، وأشرف العلوم : علوم النبوات التي جاءت بها الرسل إكمالا للفطر وتهذيبا لها كما تقدم ، وفي قولهم : إنك أنت العزيز الحكيم : تذييل يناسب المقام ، وقد يقال بأن فيه إيغالا في بيان افتقار كل عالم إلى تعليم الباري ، عز وجل ، بحصر صفة العلم في ذاته القدسية ، على طريقة الخنساء رضي الله عنها :
وإن صخرا لتأتم الهداة به ******* كأنه علم في رأسه نار
فالعلم بارز ولكنها أوغلت في بيان ذلك ، فشبهته بصورة مركبة من جبل شاهق ونار موقدة في رأسه فذلك أبلغ في بيان علو مكانته حتى صار إماما يقتدى به ، اقتداء الضال في البيداء بالنار الموقدة على شواهق الجبال .
فالحصر والتوكيد في الآية بــ : "إن" ، واسمية الجملة فتقدير الكلام قبل دخول الناسخ : أنت العليم الحكيم ، وضمير الفصل المؤكد : "أنت" ، وتعريف الجزأين : "أنت" و "العليم" ، فلما كان الحال كذلك من تمام أوصاف الربوبية كان لا بد من أمر تكليفي هو مقتضى تلك الربوبية ، فكان الأمر بالسجود لآدم عليه السلام : (اسْجُدُوا لِآَدَمَ) ، فظهر التلازم مرة أخرى بين الربوبية والألوهية ، وكانت استجابتهم لذلك الأمر الشرعي : قمة التوحيد ، فالذي خلقهم هو الذي أمرهم بالسجود لغيره تكريما ، خلافا لبعض المخرفين الذين قالوا بأن امتناع إبليس عن ذلك السجود مئنة من توحيده ، فهو الوحيد الذي لم يمتثل لذلك خشية الوقوع في الشرك !!! .
وفي قوله : (العليم الحكيم) : اقتران بين العلم ولازمه من الحكمة ، فلا علم إلا بحكمة ، ولا حكمة إلا بعلم .
ولما أهبط آدم عليه السلام بالقدر الكوني النافذ ، تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ : فاقترنت المصيبة الكونية النازلة بالإرادة الشرعية الرافعة ، فكانت الكلمات الشرعيات الرافعات للذنب : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، فحصلت التوبة عقبها ، فــ : تاب عليه ، وعلة ذلك : إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : وفي التذييل هنا أيضا : ما يناسب المقام ، فهو مقام توبة وصفح ، ولازمها الرحمة الخاصة : رحمة : "الرحيم" ، عز وجل ، بعباده التائبين ، وقد أكد بما تقدم في : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) . فعجبا ممن حجر واسعا فشيد مقالته على خطيئة أزلية طال شؤمها نسل آدم بلا ذنب اقترفوه ، ولا شر ارتكبوه حتى حصل الفداء المقدس !!! ، وكأن الباري ، عز وجل ، القدير الذي وسعت رحمته كل شيء قد عجز عن غفران ذنب آدم عليه السلام لما استغفر لما فات وتاب لما هو آت !! .
وللأمر الكوني الرباني : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا : ذخيرة يتسلح بها العبد من الأمر الشرعي الإلهي :
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : فالشرط فيه من الإلهاب على الامتثال ما فيه ، والهدى قد نكر فيه تعظيما ، والجزاء قد أكد بتكرار النفي في : "ولا هم يحزنون" ، فضلا عن الضمير : "هم" ، فلا يخافون مما فات ولا يحزنون على ما هو آت .
وفي المقابل :
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ :
فعلق استحقاقهم الوعيد على وصف الكفران والتكذيب الذي اشتقت منه جملة الصلة والمعطوف عليها ، وأشار إليهم إشارة البعيد تحقيرا ، وأكد على الوعيد وحصره فيهم زيادة في المساءة ، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير في : "فيها خالدون" حصرا وتوكيدا .
وتظل الثنائية :
ثنائية الربوبية وأمرها القاهر والألوهية وأمرها الشارع مطردة في آي الكتاب العزيز .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
فـــ : يا أيها : نداء لتنبيه الغافل .
الناس : عموم لا مخصص له ، فالمؤمنون على سبيل التوكيد ، وغيرهم على سبيل التأسيس .
اعبدوا : أمر تكليفي شرعي من مقتضيات ألوهية الله عز وجل .
ربكم : علة ما قبله ، فتأليهه فرع على ربوبيته التي اشتقت منه الصفة المشبهة : "رب" .
الذي خلقكم والذين من قبلكم : بيان بعد إجمال بذكر أحد أفراد الربوبية ، وهو الخلق والإيجاد ، فهو من باب التمثيل لأفعال الرب ، تبارك وتعالى ، فلا يخصص عموم فعله ، فله من كمال الفعال غير الخلق ما لا يحصيه العادون ، فهو الخالق الرازق المدبر ........... إلخ من أوصاف الأفعال الربانية ، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه .
لعلكم تتقون : رجوع إلى المعلول ، إذ ما ذكر من عطايا الربوبية إنما ذكر ليتقي الناس ربهم بامتثال أمره الشرعي ففي : "لعل" معنى لام التعليل .
الذي : بدل من النعت الأول من نعوت الباري عز وجل : "الذي خلقكم" ، وقد يرد على ذلك أن المبدل منه على نية الطرح ، إذ ما جيء به إلا توطئة للبدل ، وهو هنا : مقصود لذاته ، إذ هو كما تقدم من أخص أوصاف الربوبية ، فكيف يكون على نية الطرح في سياق ما ورد إلا تقريرا له ؟!!! .
وقد يقال بأن في الكلام إيجازا بالحذف ، فتكون المسألة من مسائل القطع إلى الرفع أو النصب مدحا وتعظيما للرب تبارك وتعالى ، وهو ما يتلاءم مع سياق إثبات كمال ربوبيته توطئة للأمر بكمال ألوهيته ، فيكون تقدير الكلام : هو الذي جعل لكم بالقطع إلى الرفع ، أو : أخص بالذكر أو المدح الذي جعل لكم بالقطع إلى النصب .
وقد يقال بأنها نعت بعد نعت ، فهو من قبيل : التفصيل في أوصاف الكمال مدحا ، فيكون في السياق : إطناب بتعداد أوصاف الممدوح ، وهو أمر مراد في سياق كهذا ، فأوصاف كماله ، عز وجل ، قائمة مقام : البينات على دعوى ألوهيته ، وكلما زاد عددها صارت أمكن في تقرير الدعوى الإلهية وإقامة الحجة الرسالية ، وإن كان الأمر كالشمس سطوعا ، فالكون كله شاهد بربوبية الرب الأحد ، الفرد الصمد ، فمن وحده ربا ، لزمه توحيده إلها معبودا .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
في الآية قسمة عقلية ثنائية بديعة استوفت نعم الباري ، عز وجل ، على المكلف ، فنعمة في نفسه بإيجاده ، ونعمة فيما حوله من الموجودات التي سخرت له ، فالأرض قد نبتت بالزرع ، والسماء قد أمطرت بالقطر ، فضلا ونعمة من الرب المنعم على العبد الجاحد
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً : فهو الذي جعل الموجودات كونا ، وجعل الكتب والرسالات شرعا ، مصداق قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وفي المقابلة بين السماء والأرض : حصر للظرف المكاني : فأرض تقل وسماء تظل ، وكلاهما بالنعمة يمد ، وقدم ذكر الأرض لمجاورتها الإنسان ، ومباشرته نعمها بخلاف السماء التي تعلوه فلا يصل إليه خيرها إلا نازلا ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، وفي الإخبار عن السماء بالبناء : تشبيه بليغ ، إذ حذف أداة التشبيه ووجهه بين السماء والبناء العالي ، فكلاهما يعلو الإنسان ويظله كالقبة التي تحيط بما تحتها .
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً : نسبة الفعل إلى فاعله ، عز وجل ، فبعد تفصيل النعمة الربانية بإفراش الأرض وإظلال السماء ، فصل بذكر منافعهما ، إمعانا في بيان المنة ، والسياق ، كما تقدم ، يقتضيه ، إطنابا في ذكر عطايا الرب المنعم جل وعلا .
و "ماء" : نكرة في سياق الإثبات لا تفيد عموما ، بأصل الوضع ، فالنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق ، ولكن سياق المنة الذي اطرد في هذا المقطع قرينة جعلت النكرة تفيد العموم ، فالنكرة في سياق المنة تفيد العموم .
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ :
الفاء التعقيبية مشعرة بعظم المنة ، فالماء ينزل فيعقب ذلك مباشرة خروج الثمرات ، والباء في : "به" سببية ، ولا عمل للسبب إلا بإذن مسبِبه عز وجل .
و "أل" : في "الثمرات" : جنسية استغراقية فلا يرد على سياق الامتنان ذكر جمع القلة : "الثمرات" ، والقلة في سياق الامتنان منغصة ، فكان ذكر جمع الكثرة : "الثمار" أولى ، لا يرد ذلك لأن "أل" الجنسية الاستغراقية قد قامت مقام جمع الكثرة لدلالتها على الاستغراق الشمولي لجميع أفراد مدخولها .
رزقا لكم : امتنان بذكر علة إخراج تلك الثمار فهي رزق ميسر تفضل به الباري ، عز وجل ، على عباده .
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
الفاء سببية تفريعية على ما تقدم ، فإذا تصور المكلف ما تقدم من النعم الكونية ، لزمه إفراد الله ، عز وجل ، بالعبادة ، فلا يجعل له : "أندادا" ، أي أنداد ، فتنكيرها في سياق النهي يفيد العموم .
وأنتم تعلمون : بعد إقامة الحجة الرسالية عليكم ببعث الرسل وإنزال الكتب .
&&&&&
وإلى قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
فهو استفهام فيه معنى التعجب من حالهم ، إذ كيف يجحدون حق الألوهية ، وهم الذين كانوا عدما فأحياهم الله ، عز وجل ، وتلك مئنة من البعث الثاني ، فإن من أوجد من العدم قادر ، من باب أولى ، على البعث بعد الموت ، ولذلك عقب بالتذكير بالنشأة الثاتية فرعا على النشأة الأولى ، مصداق قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ، والكل هين على الباري ، عز وجل ، فـــ : "أفعل" منزوعة الدلالة على التفضيل .
وفي العطف بالفاء بين : "أمواتا" فـــ : "أحياكم" : إشعار بالقرب ، وفي العطف بـــ : "ثم" : إشعار بالبعد ، وهو بعد نسبي ، إذ عمر الإنسان بالنسبة إلى زمن خلقه في رحم أمه طويل نسبيا ، وإن كان الكل عند التحقيق : ساعة ، وكذلك في العطف بــ : "ثم" الثانية إشعار بطول زمن البرزخ بالنسبة إلى عمر الإنسان .
ثم إليه ترجعون : تقديم ما حقه التأخير ، وكل ذلك باعث على امتثال الأمر الإلهي ، فمن إليه المرجع لبقائه الأزلي الأبدي ، أحق بالتأله من المعدوم ابتداء والفاتي الذي لا بقاء له انتهاء ، فأولية الله ، عز وجل ، وآخريته مطلقة ، وأولية وآخرية ما سواه مقيدة .
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا : امتنان بخلق كل ما في الأرض وتسخيره لبني آدم ، وفي : "لكم" معنى الاختصاص فلأجلنا خلقت الأرض بلا سابق منة ، إذ لا منة للمخلوق على خالقه ، ومع كل ذلك الفضل : قابلنا الإحسان بالإساءة ، والنعمة بالجحود ، و "ما" : نص في العموم ، و "أل" في : "الأرض" جنسية استغراقية ، وقد أكد عموم تلك المنة بالتوكيد اللفظي : "جميعا" وفي ذلك تعريض بالمكذبين الجاحدين فإن التوكيد على نعمة الرب ، عز وجل ، في مقابل كفران العبد توبيخ لا يخفى عند التأمل . فمن خلق أحق بالتأله ، ومن سخر أحق بالتأله ، ومن رزق أحق بالتأله ، ومن أنعم أحق بالشكر .
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
قصد إليها فسواها ، وذلك لا يكون إلا بعلم ، فإن خلق الأرضين وتسوية السماوات لا يكون إلا من رب عليم حكيم ، فدلالة ذلك على علم الرب المحيط : دلالة التزام ، فالله ، عز وجل ، فاعل بالعلم والإرادة ، فعلة صدور الكائنات صفاته الفاعلة ، لا ذاته القدسية ، كما ادعى الفلاسفة نفاة صفات الكمال ، إذ سقط في أيديهم لما رأوا هذا الخلق الباهر في مقابل ما ادعوه من نفي أوصاف الكمال التي تصدر عنها أفعال الباري ، عز وجل ، فلم يجدوا مناصا من تعليل ذلك بذات الخالق ، عز وجل ، فأظهروا مقالة : قدم العالم بقدم الذات القدسية ، إذ هي علة لا تنفك عن معلولها ، بزعمهم ، فمنشأ زللهم في الإلهيات التي خاضوا فيها خوض العميان : فساد تصورهم للباري ، عز وجل ، الذي جرده من صفات كماله فجعلوه وجودا مطلقا عن أي وصف ، لا وجود له ، عند التحقيق إلا في الأذهان ، وإنما نشأ ذلك الفساد في التصور لإعراضهم عن علوم النبوات التي جاءت بتفصيل ما لا تستقل عقول البشر بإدراكه من صفات الكمال الإلهية ، وكلما كان العبد أمكن في ذلك الباب : باب الأسماء الحسنى والصفات العلية وما يصدر عنها من أفعال الكمال الإلهية ، وهو الذي يهون منه كثير من المسلمين اليوم بدعوى كونه : "ترفا علميا" !!! ، كلما كان أمكن في ذلك الباب كان أمكن في باب الألوهية ، فإن من كان بالله أعلم كان له أتقى وأخشى ، و : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
وبقدر قرب أصحاب المقالات من مقالة الوحي المعصوم في ذلك الباب يكون تحقيقهم لمقام الألوهية ، ولينظر المنصف إلى مقالة أهل الإسلام عموما وأهل السنة خصوصا ومقالة غيرهم ليعلم من أشد الناس تعظيما وتوقيرا لمقام الباري عز وجل .
وفي تقديم ما حقه التأخير : "بكل شيء" : إشعار بالحصر والتوكيد فضلا عن دلالة "كل" على عموم إحاطته ، جل وعلا ، بكل المعلومات ، فهو العليم بالكليات والجزئيات ، بالكونيات فقد كتب المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، والشرعيات فقد أنزل الكتب بالشرائع المحكمات ، فإذا كان علمه قد بلغ الكمال في المقادير ، فكيف يخشى العباد غيره ، فيتزلفون إلى غيره دفعا للضر وطلبا للنفع ، وفي التنزيل : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ، ويستبدلون كلماته الشرعيات الكاملة بكلمات عباده الوضعيات الناقصة : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
وسر المسألة : سوء الظن بالباري ، عز وجل ، فإن من أساء الظن به في باب العلميات : هان عليه وصفه بالنقائص ، فمن قائل بأنه علة تفعل اضطرارا ، كفعل النار الحرق فهي فاعلة بالطبع لا بالإرادة والعلم ، ومن قائل بتعارض حكمته وقدرته ، كما وقع من نفاة القدر من النصارى ومن سار على طريقتهم من نفاة القدر من أصحاب المقالات ، ومن قائل بعجزه عن غفران ذنوب خلقه ، حتى اضطر إلى التضحية بنفسه فداء لهم ، ومن قائل بأنه موصوف بالعدميات ، بل بالممتنعات ، كغلاة أهل الباطن ، ومن قائل بوصفه بالوجود المطلق عن أي صفة كمال ، فهو عدم لا وجود له إلا في الأذهان ، ومن قائل بأنه موصوف بالسلوب والإضافات فلا صفات كمال ثابتة له في نفس الأمر ، ومن ناف لأسمائه وصفاته بحجة التنزيه ، ومن ناف لصفاته مثبت لأسماء لا معان لها كأسماء الجمادات !!! ، ومن مثبت لبعض الكمالات دون بعض في تفريق بين المتماثلات تأباه العقول الصريحات ، ومن معطل للرب ، جل وعلا ، عن الفعل ، فلا تتعلق أفعاله الحكيمات بآحاد كلماته الكونيات النافذات ، فلا يخلق إذا شاء ، ولا يحب إذا شاء ، ولا يبغض إذا شاء ، ولا يتكلم إذ شاء .............. إلخ ، وفي المقابل : ملحد يخلع صفات الباري ، عز وجل ، على عباده ، فيشبه العبد المربوب بالرب المعبود ، فيدعى فلان أو فلان من الأنبياء أو الأئمة أو الأولياء ، من دونه ، ويجعل ندا له ، تتعلق القلوب به ، وتسكب العبرات على عتباته ، وتذبح القرابين تزلفا إليه ، وسدنة الباطل من الرهبان وشيوخ السوء والبهتان توقد نيران معابد الصلبان والأوثان .
ولو علم المريدون صفات الرب الغني الذي أعرضوا عنه ، وصفات المعبود الفقير الذي أقبلوا عليه ، لانحل الإشكال ، وظهر الحق بأيسر عبارة وألطف إشارة ، فإن للحق نورا يبدد ظلمة الباطل ، فمعدنه نفيس لا يحتاج إلى زينة فهو حسن في ذاته ، ومعدن الباطل خسيس يفتقر إلى كل زينة فهو قبيح أشوه يخفي دمامته تحت ستار من القياس العقلي الكاسد والذوق الوجداني الفاسد ، فتجد في كتب أهل الباطل : العبارات الغامضة والإشارات الباطنة ، التي يدعي أصحابها التحقيق ، وهم أجهل الناس بالإلهيات ، وتجد عبارة النبوات : ساطعة لا لبس فيها ولا غموض ، عبارة : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ) ، فتقبل الفطرة السوية عليها ، ويسلم العقل الصريح لها ، فهي آيات بينات من لدن حكيم خبير ، فنقل صحيح إلى عقل صريح ، يبين إجمال الفطرة الأولى ويقوم ما اعوج منها ، كل أولئك هو : طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولا طريق إلى الباري ، عز وجل ، سواه .
ولا ينفك عطاء الربوبية عن تكليف بواجبات الألوهية :
ففي قوله تعالى : (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)
نداء لآدم عليه السلام مشعر بعظمة المنادي وعلو شأنه ، وذلك من لوازم كمال ربوبيته ، وقد أكد أمر السكنى بالضمير : "أنت" إمعانا في تقرير المنة الربانية على آدم عليه السلام ، وأطلق أمر الامتنان : "كلوا" فأباح لهم الأكل من كل ثمار الجنة ، وأكده بقوله : "حيث شئتما" ، وقيده تكليفا وابتلاء : (ولا تقربا هذه الشجرة) ، فيكون ذلك سببا في اتصافكما بالظلم بالخروج عن أمر الرب التكليفي ، فلا رب بلا تكليف لمربوبيه ، ولذلك أهبط آدم عليه السلام من الجنة بعصيانه الأمر الشرعي ، فلما تاب وأناب ، صح احتجاجه على موسى عليه السلام بالذنب ، إذ صار الذنب في حقه : مصيبة كونية تتعلق بمشيئة الرب ، جل وعلا ، النافذة ، فهي من أخص أوصاف ربوبيته ، فله المشيئة المطلقة ، فيعافي فضلا ، ويبتلي عدلا ، وقد سار آدم عليه السلام على طريقة الموحدين ، فلم يحتج بالقدر على المعصية إلا بعد أن تاب منها ، فلما رد القدر الكوني متعلق ربوبية الله ، عز وجل ، بالأمر الشرعي ، وهو التوبة ، متعلق ألوهية الله ، عز وجل ، صار احتجاجه بالقدر سائغا ، فظهر من ذلك الارتباط الوثيق بين الربوبية القاهرة والألوهية الآمرة .
وقبلها أيضا :
وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ :
فامتن عليه بنعمة العلم ، فعلمه الأسماء كلها ، فــ : "أل" في : "الأسماء" : جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه ، إذ سياق الامتنان والتفضيل يناسبه العموم ، ثم عرضهم على الملائكة فقال :
أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ : فالأمر للتحدي ، وكذلك الشرط في آخر الآية ، وفيه بيان لفضل آدم ، عليه السلام ، بتعريفه ما عجزوا عن معرفته ، فالتحدي مقرون بالتعجيز إظهارا لمقام الربوبية القاهر في مقابل مقام العبودية الخاضع ، ولو كان العباد المربوبون أشرف الكائنات العلوية ، وفي السياق : إيجاز بالحذف ، لجواب الشرط لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم أحقاءُ بالخلافة ممن استخلفته كما ينبىء عنه مقالُكم ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فإن كنتم صادقين في ذلك فأنبئوني بأسماء هؤلاء ، فالمذكور السابق دال على المحذوف اللاحق ، فلا يجمع بين العوض والمعوض عنه تفاديا للتكرار المعيب .
فلما ظهر لهم تمام الربوبية قالوا : سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، فنزهوا الباري ، عز وجل ، عن النقائص ، ونفوا عن أنفسهم جنس العلم ، جله ودقه ، كما دل على ذلك تسلط "لا" النافية للجنس على النكرة : "علم" ، فهو نص في العموم ، نفوا عن أنفسهم ذلك إلا ما علمهم الله ، عز وجل ، إياه ، فالقصر بأقوى أدواته : النفي والاستثناء : حقيقي في هذا السياق ، إذ لا علم لهم ولا لغيرهم من الكائنات إلا ما علمهم الله ، عز وجل ، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ، ثم هدى ، فهدى الحيوان الأعجم والإنسان الأفوه . والعليم ، عز وجل ، هو الذي أحاط بكل شيء علما ، وعلم غيره ما شاء ، فوصفه بالعلم : وصف ذات لازم ، ووصفه بالتعليم : وصف فعل يتعلق بمشيئته الكونية النافذة ، فمن شاء علمه فضلا ، ومن شاء حجبه عن العلم عدلا ، وأشرف العلوم : علوم النبوات التي جاءت بها الرسل إكمالا للفطر وتهذيبا لها كما تقدم ، وفي قولهم : إنك أنت العزيز الحكيم : تذييل يناسب المقام ، وقد يقال بأن فيه إيغالا في بيان افتقار كل عالم إلى تعليم الباري ، عز وجل ، بحصر صفة العلم في ذاته القدسية ، على طريقة الخنساء رضي الله عنها :
وإن صخرا لتأتم الهداة به ******* كأنه علم في رأسه نار
فالعلم بارز ولكنها أوغلت في بيان ذلك ، فشبهته بصورة مركبة من جبل شاهق ونار موقدة في رأسه فذلك أبلغ في بيان علو مكانته حتى صار إماما يقتدى به ، اقتداء الضال في البيداء بالنار الموقدة على شواهق الجبال .
فالحصر والتوكيد في الآية بــ : "إن" ، واسمية الجملة فتقدير الكلام قبل دخول الناسخ : أنت العليم الحكيم ، وضمير الفصل المؤكد : "أنت" ، وتعريف الجزأين : "أنت" و "العليم" ، فلما كان الحال كذلك من تمام أوصاف الربوبية كان لا بد من أمر تكليفي هو مقتضى تلك الربوبية ، فكان الأمر بالسجود لآدم عليه السلام : (اسْجُدُوا لِآَدَمَ) ، فظهر التلازم مرة أخرى بين الربوبية والألوهية ، وكانت استجابتهم لذلك الأمر الشرعي : قمة التوحيد ، فالذي خلقهم هو الذي أمرهم بالسجود لغيره تكريما ، خلافا لبعض المخرفين الذين قالوا بأن امتناع إبليس عن ذلك السجود مئنة من توحيده ، فهو الوحيد الذي لم يمتثل لذلك خشية الوقوع في الشرك !!! .
وفي قوله : (العليم الحكيم) : اقتران بين العلم ولازمه من الحكمة ، فلا علم إلا بحكمة ، ولا حكمة إلا بعلم .
ولما أهبط آدم عليه السلام بالقدر الكوني النافذ ، تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ : فاقترنت المصيبة الكونية النازلة بالإرادة الشرعية الرافعة ، فكانت الكلمات الشرعيات الرافعات للذنب : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، فحصلت التوبة عقبها ، فــ : تاب عليه ، وعلة ذلك : إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : وفي التذييل هنا أيضا : ما يناسب المقام ، فهو مقام توبة وصفح ، ولازمها الرحمة الخاصة : رحمة : "الرحيم" ، عز وجل ، بعباده التائبين ، وقد أكد بما تقدم في : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) . فعجبا ممن حجر واسعا فشيد مقالته على خطيئة أزلية طال شؤمها نسل آدم بلا ذنب اقترفوه ، ولا شر ارتكبوه حتى حصل الفداء المقدس !!! ، وكأن الباري ، عز وجل ، القدير الذي وسعت رحمته كل شيء قد عجز عن غفران ذنب آدم عليه السلام لما استغفر لما فات وتاب لما هو آت !! .
وللأمر الكوني الرباني : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا : ذخيرة يتسلح بها العبد من الأمر الشرعي الإلهي :
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : فالشرط فيه من الإلهاب على الامتثال ما فيه ، والهدى قد نكر فيه تعظيما ، والجزاء قد أكد بتكرار النفي في : "ولا هم يحزنون" ، فضلا عن الضمير : "هم" ، فلا يخافون مما فات ولا يحزنون على ما هو آت .
وفي المقابل :
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ :
فعلق استحقاقهم الوعيد على وصف الكفران والتكذيب الذي اشتقت منه جملة الصلة والمعطوف عليها ، وأشار إليهم إشارة البعيد تحقيرا ، وأكد على الوعيد وحصره فيهم زيادة في المساءة ، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير في : "فيها خالدون" حصرا وتوكيدا .
وتظل الثنائية :
ثنائية الربوبية وأمرها القاهر والألوهية وأمرها الشارع مطردة في آي الكتاب العزيز .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
مواضيع مماثلة
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 2
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 2
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin