بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 26 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 26 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك
صفحة 1 من اصل 1
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك
(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) :
وقالوا : أي : وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله ............. إلخ من المقالات المستشنعة التي تنزه الباري ، عز وجل ، عنها ، فأضمر ذكرهم في : "وقالوا" ليعم الضمير كل من قال بجنس تلك المقالة ، وليحقر من شأنهم ، فهم لا يستحقون مجرد الذكر ، على وزان قوله تعالى : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) ، فأعرض عن ذكرها تصغيرا لها في مقام المعصية .
اتخذ الله ولدا : الاتخاذ مئنة من التكلف ، وذلك أقبح وأقبح ، فلم يكتفوا بوصفه بنقص الولد بل جعلوا ذلك أمرا عسيرا ينال بمشقة ، والله ، عز وجل ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولو : (أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ، والآية إنما سيقت مساق الفرض العقلي الجدلي ، فلا يلزم من ذلك جوازها في نفس الأمر ، إذ الاحتمالات الذهنية مما يتوسع فيه ، فقد يتصور العقل أمورا محالة لذلتها لا وجود لها خارج الذهن أصلا من قبيل قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، فكذلك اتخاذ الولد : محال لذاته على الله ، عز وجل ، لما فيه من معنى النقص الذاتي الذي لا ينفك عنه ، والباري ، عز وجل ، منزه عن كل نقص متصف بكل كمال .
سبحانه : تنزيه للباري ، عز وجل ، عن مقالتهم ، والمقام يستلزم ذلك ، فيكون التعقيب بالتنزيه من باب المسارعة في دحض وإبطال مقالتهم ، فلا فاصل بين الدعوى والرد القاطع ببطلانها ، فهي مجرد دعوى لا مستند لها من نقل صحيح أو فطرة مستقيمة أو عقل صريح .
بل : إضراب آخر بذكر نقيض ما وصفوه به ، جل وعلا ، من النقص المطلق ، فمقابله الكمال المطلق فـــ : له ما في السماوات والأرض مِلكا ومُلكا ، فهو مالك الأعيان وخالق فِعالها ، لا يخرج عن أمره التكويني شيء ، قد أحاط بكل شيء علما وقدرة ، فهو : (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إثباتا ، و : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) نفيا ، فهو المستحق لــ : الثناء المطلق بوصف الكمال إيجابا ، ولـــ : التنزيه المطلق عن وصف النقصان سلبا ، قد اتصف بوصف الكمال : جلالا وجمالا ، فكل كمال في خلقه فرع على كماله ، وتنزه عن النقص : أزلا وأبدا ، فلا يعتريه نقص ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يكتسب كمالا كان معطلا عنه فهو الكامل بأسمائه وصفاته وأفعاله أزلا وأبدا ، فما حاجة من ذلك وصفه إلى ولد من جنسه ، وهو المتفرد بوصفه ، الغني بذاته ، فكل ما عداه مخلوق مربوب ، مفتقر إلى عطاء ربوبيته ، فهل يتخذ الكامل من الناقص ولدا ، وهل يحتاج الغني بذاته المغني لغيره إلى الفقير ليسد حاجته ؟!! .
وفي تقديم الجار والمجرور : حصر وتوكيد مع ما لــ : "لام" : "له" من معنى الملكية والاستحقاق ، فضلا عن عموم "ما" الموصولة ، فكل ما في السماوات والأرض من المخلوقات خاضع لأمره الكوني وقضائه الأزلي .
و "أل" في : "السماوات" و "الأرض" : جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه ، فكل الكائنات في كل الجهات تحت سلطان وقهر ربوبيته ، فكيف يفتقر إلى اتخاذ صاحبة أو ولد منها ؟!! ، ألا ينقض ذلك وصف الغنى : أخص أوصاف ربوبيته ؟!!!
كل : عموم آخر يناسب المقام ، وفي الكلام إيجاز بالحذف ، إذ التنوين في "كل" عوض محذوف تقديره : شيء ، وقدره القرطبي ، رحمه الله ، بضمير الغائب "هم" ، فتقدير الكلام على ذلك : كلهم له قانتون ، فكل شيء سواه خاضع له قانت ، فأمره الكوني نافذ ، وأمره الشرعي حاكم ، وإن أعرض عنه الطواغيت ، فإنه لا يقدح في كمال ربوبيته ، إذ ما أعرضوا عنه إلا بقدره ، فخرجوا من قدر إلى قدر ، وإنما القدح في كمال تألههم إلى الله ، عز وجل ، بأفعالهم ، فإن أقبلوا فقد وحدوا الله ، عز وجل ، بأفعالهم ، فرعا على توحيده بأفعاله ، وإن أعرضوا فقد أشركوا به بقدر إعراضهم عن وحيه .
وفي تقديم الجار والمجرور : "له" : ما قيل آنفا من الحصر والتوكيد .
والإطناب بنفي هذه التهمة المستشنعة غرض مقصود في هذا السياق ، فقد أطنب جل وعلا :
بالسلب في : التسبيح فهو تنزيه عن كل مقالات السوء التي افتروها ، وأول التوحيد : نفي بـــ : "لا إله" ، فقبل التحلية بأوصاف الكمال : تخلية من أوصاف النقص ، (مع التحفظ على المفهوم الصوفي لمصطلحي : التخلية والتحلية) ، وقبل الحمد بكل جميل ، تسبيح وتنزيه عن كل قبيح ، فنفي السوء ، وإن كان مقصودا لغيره ، إلا أنه سابق الإثبات ، فهو الموطئ له ، وفي التنزيل : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) ، فقدم الكفر بالطاغوت سلبا على الإيمان بالله إيجابا .
ثم ثنى بالإيجاب ، وهو المقصود لذاته في هذا المقام ، فجاء بأوصاف : (له ما في السماوات ..............) ، و : (كل له قانتون) ، ثم أطنب في أوصاف الكمال فقال :
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) :
فجاء بصيغة المبالغة : "بديع" إمعانا في وصف الكمال ، وحذف المبتدأ ، لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : هو بديع السماوات ، ومبنى الكتاب العزيز على الإيجاز والإعجاز ، فما دل السياق عليه استغني عن ذكره ، وتوجه السياق إلى محط الفائدة مباشرة ، وهي : وصف الله ، عز وجل ، بإبداع السماوات والأرض ، من غير مثال سابق ، وفي ذلك تنبيه على كمال ربوبيته ، وهو محل النزاع مع أولئك الضلال الذين نسبوا له الصاحبة والولد ، فقدحوا في ربوبيته ، فهذا دليل ثالث على استغنائه عن خلقه ، إذ هو الذي أبدعهم وصورهم وأمدهم بأسباب الحياة : فأوجدهم من عدم ، وأعدهم لقبول أسباب الحياة وهيأ لهم معادن الرزق ، فكيف يفتقر بعد ذلك إلى اتخاذ ولد منهم ؟!! .
ففي الآيات حجاج عقلي بديع ، إذ نفي أحد المتلازمين نفي لكليهما ، فوصف الولد ووصف الفقر متلازمان ، فمتى ارتفع أحدهما ارتفع الآخر ، ومتى وجب أحدهما وجب الآخر ، فكيف تدعون في إلهكم الكمال والغنى ، وأنتم تصفونه بالولد ولازمه : النقص والفقر ، أليس هذا تفريقا بين متماثلين بإثبات أحدهما ونفي الآخر ، وتسوية بين مختلفين ، بإثبات الشيء ونقيضه ؟!! .
وفيها من قياس الأولى ما يدحض شبهة الخصم ، فإن من خلق هذا الكون ابتداء لا يفتقر إليه من باب أولى ، فالصانع لا يفتقر إلى صنعته ، بل الصنعة هي التي لا تنفك عن فقر واحتياج إليه ، وفي التنزيل : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ، فلم يخلق الخلق ليأنس بهم من وحشة ، أو ليستكثر بهم من قلة ، أو ليتقوى بهم من ضعف ، أو ليستطعمهم من جوع ، بل هو القيوم : القائم بذاته فلا يفتقر إلى سواه ، المقيم لغيره فكل ما عداه مفتقر إليه .
وإذا قضى أمرا : "أمرا" : نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم ، أي : إذا قضى أمرا ، أي أمر ، فلا راد لقضائه ، وذلك أيضا مئنة من كمال غناه ، فلا زال الإطناب بذكر أوصاف الكمال في مقابل ما ادعوه من وصف النقص .
فإنما يقول له كن فيكون : تعقيب بالفاء يدل على الفورية فقضاؤه نافذ ، وفيه أيضا من مجاز الحذف : حذف المبتدأ ، "هو" ، فتقدير الكلام : فهو يكون ، أو : فإنه يكون كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
وقالوا : أي : وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله ............. إلخ من المقالات المستشنعة التي تنزه الباري ، عز وجل ، عنها ، فأضمر ذكرهم في : "وقالوا" ليعم الضمير كل من قال بجنس تلك المقالة ، وليحقر من شأنهم ، فهم لا يستحقون مجرد الذكر ، على وزان قوله تعالى : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) ، فأعرض عن ذكرها تصغيرا لها في مقام المعصية .
اتخذ الله ولدا : الاتخاذ مئنة من التكلف ، وذلك أقبح وأقبح ، فلم يكتفوا بوصفه بنقص الولد بل جعلوا ذلك أمرا عسيرا ينال بمشقة ، والله ، عز وجل ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولو : (أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ، والآية إنما سيقت مساق الفرض العقلي الجدلي ، فلا يلزم من ذلك جوازها في نفس الأمر ، إذ الاحتمالات الذهنية مما يتوسع فيه ، فقد يتصور العقل أمورا محالة لذلتها لا وجود لها خارج الذهن أصلا من قبيل قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، فكذلك اتخاذ الولد : محال لذاته على الله ، عز وجل ، لما فيه من معنى النقص الذاتي الذي لا ينفك عنه ، والباري ، عز وجل ، منزه عن كل نقص متصف بكل كمال .
سبحانه : تنزيه للباري ، عز وجل ، عن مقالتهم ، والمقام يستلزم ذلك ، فيكون التعقيب بالتنزيه من باب المسارعة في دحض وإبطال مقالتهم ، فلا فاصل بين الدعوى والرد القاطع ببطلانها ، فهي مجرد دعوى لا مستند لها من نقل صحيح أو فطرة مستقيمة أو عقل صريح .
بل : إضراب آخر بذكر نقيض ما وصفوه به ، جل وعلا ، من النقص المطلق ، فمقابله الكمال المطلق فـــ : له ما في السماوات والأرض مِلكا ومُلكا ، فهو مالك الأعيان وخالق فِعالها ، لا يخرج عن أمره التكويني شيء ، قد أحاط بكل شيء علما وقدرة ، فهو : (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إثباتا ، و : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) نفيا ، فهو المستحق لــ : الثناء المطلق بوصف الكمال إيجابا ، ولـــ : التنزيه المطلق عن وصف النقصان سلبا ، قد اتصف بوصف الكمال : جلالا وجمالا ، فكل كمال في خلقه فرع على كماله ، وتنزه عن النقص : أزلا وأبدا ، فلا يعتريه نقص ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يكتسب كمالا كان معطلا عنه فهو الكامل بأسمائه وصفاته وأفعاله أزلا وأبدا ، فما حاجة من ذلك وصفه إلى ولد من جنسه ، وهو المتفرد بوصفه ، الغني بذاته ، فكل ما عداه مخلوق مربوب ، مفتقر إلى عطاء ربوبيته ، فهل يتخذ الكامل من الناقص ولدا ، وهل يحتاج الغني بذاته المغني لغيره إلى الفقير ليسد حاجته ؟!! .
وفي تقديم الجار والمجرور : حصر وتوكيد مع ما لــ : "لام" : "له" من معنى الملكية والاستحقاق ، فضلا عن عموم "ما" الموصولة ، فكل ما في السماوات والأرض من المخلوقات خاضع لأمره الكوني وقضائه الأزلي .
و "أل" في : "السماوات" و "الأرض" : جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه ، فكل الكائنات في كل الجهات تحت سلطان وقهر ربوبيته ، فكيف يفتقر إلى اتخاذ صاحبة أو ولد منها ؟!! ، ألا ينقض ذلك وصف الغنى : أخص أوصاف ربوبيته ؟!!!
كل : عموم آخر يناسب المقام ، وفي الكلام إيجاز بالحذف ، إذ التنوين في "كل" عوض محذوف تقديره : شيء ، وقدره القرطبي ، رحمه الله ، بضمير الغائب "هم" ، فتقدير الكلام على ذلك : كلهم له قانتون ، فكل شيء سواه خاضع له قانت ، فأمره الكوني نافذ ، وأمره الشرعي حاكم ، وإن أعرض عنه الطواغيت ، فإنه لا يقدح في كمال ربوبيته ، إذ ما أعرضوا عنه إلا بقدره ، فخرجوا من قدر إلى قدر ، وإنما القدح في كمال تألههم إلى الله ، عز وجل ، بأفعالهم ، فإن أقبلوا فقد وحدوا الله ، عز وجل ، بأفعالهم ، فرعا على توحيده بأفعاله ، وإن أعرضوا فقد أشركوا به بقدر إعراضهم عن وحيه .
وفي تقديم الجار والمجرور : "له" : ما قيل آنفا من الحصر والتوكيد .
والإطناب بنفي هذه التهمة المستشنعة غرض مقصود في هذا السياق ، فقد أطنب جل وعلا :
بالسلب في : التسبيح فهو تنزيه عن كل مقالات السوء التي افتروها ، وأول التوحيد : نفي بـــ : "لا إله" ، فقبل التحلية بأوصاف الكمال : تخلية من أوصاف النقص ، (مع التحفظ على المفهوم الصوفي لمصطلحي : التخلية والتحلية) ، وقبل الحمد بكل جميل ، تسبيح وتنزيه عن كل قبيح ، فنفي السوء ، وإن كان مقصودا لغيره ، إلا أنه سابق الإثبات ، فهو الموطئ له ، وفي التنزيل : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) ، فقدم الكفر بالطاغوت سلبا على الإيمان بالله إيجابا .
ثم ثنى بالإيجاب ، وهو المقصود لذاته في هذا المقام ، فجاء بأوصاف : (له ما في السماوات ..............) ، و : (كل له قانتون) ، ثم أطنب في أوصاف الكمال فقال :
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) :
فجاء بصيغة المبالغة : "بديع" إمعانا في وصف الكمال ، وحذف المبتدأ ، لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : هو بديع السماوات ، ومبنى الكتاب العزيز على الإيجاز والإعجاز ، فما دل السياق عليه استغني عن ذكره ، وتوجه السياق إلى محط الفائدة مباشرة ، وهي : وصف الله ، عز وجل ، بإبداع السماوات والأرض ، من غير مثال سابق ، وفي ذلك تنبيه على كمال ربوبيته ، وهو محل النزاع مع أولئك الضلال الذين نسبوا له الصاحبة والولد ، فقدحوا في ربوبيته ، فهذا دليل ثالث على استغنائه عن خلقه ، إذ هو الذي أبدعهم وصورهم وأمدهم بأسباب الحياة : فأوجدهم من عدم ، وأعدهم لقبول أسباب الحياة وهيأ لهم معادن الرزق ، فكيف يفتقر بعد ذلك إلى اتخاذ ولد منهم ؟!! .
ففي الآيات حجاج عقلي بديع ، إذ نفي أحد المتلازمين نفي لكليهما ، فوصف الولد ووصف الفقر متلازمان ، فمتى ارتفع أحدهما ارتفع الآخر ، ومتى وجب أحدهما وجب الآخر ، فكيف تدعون في إلهكم الكمال والغنى ، وأنتم تصفونه بالولد ولازمه : النقص والفقر ، أليس هذا تفريقا بين متماثلين بإثبات أحدهما ونفي الآخر ، وتسوية بين مختلفين ، بإثبات الشيء ونقيضه ؟!! .
وفيها من قياس الأولى ما يدحض شبهة الخصم ، فإن من خلق هذا الكون ابتداء لا يفتقر إليه من باب أولى ، فالصانع لا يفتقر إلى صنعته ، بل الصنعة هي التي لا تنفك عن فقر واحتياج إليه ، وفي التنزيل : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ، فلم يخلق الخلق ليأنس بهم من وحشة ، أو ليستكثر بهم من قلة ، أو ليتقوى بهم من ضعف ، أو ليستطعمهم من جوع ، بل هو القيوم : القائم بذاته فلا يفتقر إلى سواه ، المقيم لغيره فكل ما عداه مفتقر إليه .
وإذا قضى أمرا : "أمرا" : نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم ، أي : إذا قضى أمرا ، أي أمر ، فلا راد لقضائه ، وذلك أيضا مئنة من كمال غناه ، فلا زال الإطناب بذكر أوصاف الكمال في مقابل ما ادعوه من وصف النقص .
فإنما يقول له كن فيكون : تعقيب بالفاء يدل على الفورية فقضاؤه نافذ ، وفيه أيضا من مجاز الحذف : حذف المبتدأ ، "هو" ، فتقدير الكلام : فهو يكون ، أو : فإنه يكون كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
مواضيع مماثلة
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 2
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 6
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin