بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 12 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 12 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
صفحة 1 من اصل 1
من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 3
ومن ذلك ، أيضا ، قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
فــ : "ولد" : نكرة في سياق نفي بــ : "ما" مؤكد بــ : "من" الدالة على التنصيص على عموم النفي ، فتفيد أقوى درجات عموم النفي ، فما اتخذ الله ، عز وجل ، من ولد ، أي ولد ، فهو الغني عن الولد ، وإنما يحتاج الولد من يخشى مستقبل الأيام ، فيرغب في ذرية تعينه إذا ما تقدم عمره وكلت قواه .
ونفي اللازم : "الولد" يستلزم نفي "الملزوم" : الصاحبة ، فأغنى النص على نفي أحدهما عن النص على نفي الآخر لتلازمهما ، وهذا ضرب من ضروب الإيجاز البليغ ، إذ يكتفى بذكر أحد المتلازمين ، فيدرك السامع الآخر بداهة .
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ : جواب لشرط محذوف تقديره : لو كان فيهما آلهة إلا الله إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ، ففيه أيضا : إيجاز بالحذف .
إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ : سبر وتقسيم ، كما يقول المناطقة ، فالمستدل يحصر الاحتمالات الممكنة ، ويختبرها ليصل إلى نتيجة صحيحة ، كما سبق في المداخلة الثانية ، فلو كان فيهما آلهة إلا الله ، للزم من ذلك :
استقلال كل إله بعابديه : وهذا غير حاصل ، فالكون كله خاضع لإرادة قاهرة واحدة ، وما ادعى أحد نفاذ إرادته في الكون من ساحر أو كاهن ......... إلخ إلا فضحه الله ، عز وجل ، على رؤوس الأشهاد .
أو : علو القوي على الضعيف فيسلبه ملكه ، كما هو مشاهد بين ملوك الدنيا ، وهذا ، أيضا ، يكذبه الحس ، فإن انتظام طريقة الكون على سنة واحدة ، دليل على وحدانية مدبره ، جل وعلا ، فلا شريك له في مِلْكه أو مُلْكه ، فهو مالك أعيان خلقه ، ومدبر أمرهم .
وإما أن يكون ملوك الدنيا كلهم مربوبين مقهورين لرب واحد لا شريك له ، وهذا هو الاحتمال الصحيح بعد سبر احتمالات هذه القضية العقلية .
وأهل العلم يقولون : التمانع في الربوبية يدل على التمانع في الألوهية ، فكما أنه هو الرب المتفرد بالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة .......... إلخ ، فهو الإله المستحق لصنوف العبادة وحده جل وعلا .
يقول ابن أبي العز رحمه الله :
"فَتَأَمَّلْ هَذَا الْبُرْهَانَ الْبَاهِرَ ، بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ الظَّاهِرِ . فَإِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا فَاعِلًا ، يُوصِلُ إِلَى عَابِدِهِ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضُّرَّ ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ آخَرُ يُشْرِكُهُ فِي مُلْكِهِ ، لَكَانَ لَهُ خَلْقٌ وَفِعْلٌ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرْضَى تِلْكَ الشَّرِكَةَ ، بَلْ إِنْ قَدَرَ عَلَى قَهْرِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ وَتَفَرُّدِهِ بِالْمُلْكِ وَالْإِلَهِيَّةِ دُونَهُ فَعَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْفَرَدَ بِخَلْقِهِ وَذَهَبَ بِذَلِكَ الْخَلْقِ ، كَمَا يَنْفَرِدُ مُلُوكُ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمُلْكِهِ ، إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْمُنْفَرِدُ مِنْهُمْ عَلَى قَهْرِ الْآخَرِ وَالْعُلُوِّ عَلَيْهِ . فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ .
وَإِمَّا أَنْ يَعْلُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ قَهْرِ مَلِكٍ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ ، بَلْ يَكُونُ وَحْدَهُ هُوَ الْإِلَهُ ، وَهُمُ الْعَبِيدُ الْمَرْبُوبُونَ الْمَقْهُورُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَانْتِظَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَإِحْكَامُ أَمْرِهِ ، مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَمَلِكٌ وَاحِدٌ ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ ، لَا إِلَهَ لِلْخَلْقِ غَيْرُهُ ، وَلَا رَبَّ لَهُمْ سِوَاهُ . كَمَا قَدْ دَلَّ دَلِيلُ التَّمَانُعِ عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ ، فَذَلكَ تَمَانُعٌ فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ ، وَهَذَا تَمَانُعٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ . فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ رَبَّانِ خَالِقَانِ مُتَكَافِئَانِ ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ" . اهـــ
فالتمانع في فعل الرب جل وعلا لازمه التمانع في فعل العبد ، فكما أن الفاعل واحد ، فكذلك المعبود واحد ، فإن على العبد أن يوحد في مطلوبه كما وحد في معلومه ، فقد علم أن انتظام أمر هذا الكون لا يكون إلا من مدبر واحد ، فلزمه توحيده في العمل فرعا على توحيده في العلم فالأول لازم الثاني .
*****
ومنه قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
فتصدير الشرط بـــ : "لو" مشعر بامتناع الأمر في ذاته ، وإنما هو مجرد افتراض عقلي محض تنزلا مع الخصم ، بدليل امتناع القضيتين : وجود آلهة مع الله ، وفساد الكون ، ومع ذلك صح الربط بينهما بـــ : "لو" ، فلما امتنع وجود آلهة آمرة سوى الله ، عز وجل ، امتنع فساد الكون ، لأن تعدد الأوامر من آلهة مختلفة مظنة التضارب الذي يؤدي إلى الفساد .
فالتمانع هنا : تمانع في الإلهية الآمرة لا الربوبية الموجِدة ، لأن الربوبية أمر قد سلم به المخالف ، مصداق قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ، فلا ينكر ربوبية الله ، عز وجل ، إلا جاحد مكابر ، مصداق قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ، ومتعلق الربوبية : الإيجاد ، والآية نصت على الفساد ، وهو لا يكون إلا بعد الإيجاد ، فلو كانت الآية نصا في الاستدلال على ربوبية الله ، عز وجل ، لقال : لم توجدا ابتداء ، لأن تعدد الأرباب مظنة الاختلاف في إيجاد الشيء من أساسه : فأحدهما يريد وجوده ، والآخر يريد : عدمه ، فلما كانت الربوبية محل تسليم من الخصم ناسب أن ينتقل مباشرة إلى محل النزاع : ألوهية الله ، عز وجل ، إذ تقرير ما هو متقرر عند الخصمين : تحصيل حاصل ، فليكن الكلام إذن في صلب الخلاف وهو ألوهية الله ، عز وجل ، والكلام في الألوهية ، أيضا ، يتضمن الكلام في الربوبية ، إذ الألوهية تتضمن الربوبية فهي كالمرقاة إليها فـــ : لا شريك له في أمره الشرعي فرع على لا شريك له في أمره الكوني ، فحصل التنبيه على الربوبية تبعا ، بخلاف ما لو قيل بأن الآية نص في الربوبية فإن التنبيه على الألوهية ، جوهر الصراع بين الرسل وأقوامهم ، لن يحصل حينئذ ، لأن التسليم بالربوبية لا يقتضي التسليم بالألوهية بخلاف العكس ، فإن من سلم بالألوهية فقد سلم بالربوبية لزوما .
يقول ابن أبي العز رحمه الله :
"وَقَدْ ظَنَّ طَوَائِفُ أَنَّ هَذَا دَلِيلُ التَّمَانُعِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ الخ ، وَغَفَلُوا عَنْ مَضْمُونِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَرْبَابٌ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُجُودِهِمَا ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا وَهُمَا مَوْجُودَتَانِ آلِهَةٌ سِوَاهُ لَفَسَدَتَا .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ : { لَفَسَدَتَا } ، وَهَذَا فَسَادٌ بَعْدَ الْوُجُودِ ، وَلَمْ يَقُلْ : لَمْ يُوجَدَا . وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آلِهَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، بَلْ لَا يَكُونُ الْإِلَهُ إِلَّا وَاحِدا ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَأَنَّ فَسَادَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْآلِهَةِ فِيهِمَا مُتَعَدِّدَةً ، وَمِنْ كَوْنِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ غَيْرَ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لَهُمَا إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ فِيهِمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا غَيْرُ . فَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ لَفَسَدَ نِظَامُهُ كُلُّهُ ، فَإِنَّ قِيَامَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالْعَدْلِ ، وَبِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ . وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الشِّرْكُ ، وَأَعْدَلُ الْعَدْلِ التَّوْحِيدُ" . اهـــــ
ثم عقب سبحانه بقوله : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) : إمعانا في تقرير استحقاقه كمال الألوهية ، إذ لا يسأل عما يفعل لكمال علمه وحكمته ، وعزته وقدرته ، وهم يسألون ، فكيف يسوى بين من لا يسأل ومن يسأل : أليس في ذلك تسوية بين المختلفات تأباها العقول الصريحات ؟!!!
*****
ومنه أيضا : قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا)
فالافتراض هنا أيضا على ما اطرد من طريقة القرآن في جدال الخصم : عقلي ، فلو كان معه آلهة :
لابتغوا سبيلا إلى مغالبته على عادة ملوك الدنيا في السطو المسلح على غيرهم طلبا للعلو والإفساد في الأرض ، وهذا غير حاصل ، أو لابتغوا سبيلا إلى التزلف له ، لأنه أقوى منهم ، والضعيف يتزلف دوما للقوي رغبة فيما عنده أو رهبة من بطشه ، كما يحدث اليوم من ملوك دويلات الطوائف العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية فالقوم ما بين : راغب طامع وراهب مشفق ، فبطل حينئذ ادعاؤهم الألوهية إذ الإله المعبود الحق لا يخشى شيئا من غيره ، فضلا عن أن يذل ويتزلف إليه !!!! ، فاستيفاء القسمة العقلية سبرا يبطل مقالتهم ، وقد نبه على عظم ألوهيته فرعا على عظم ربوبيته التي أشار إليها بكونه مالك أعظم المخلوقات : العرش ، فإذا كان مالكا لأعظم المخلوقات فهو مالك لما دونها من باب أولى ، وإذا ثبت تفرده بربوبية كل الكائنات : العرش فما دونه ، ثبت استخقاقه التفرد بالألوهية .
*****
ومنه قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)
ففي قوله : "وقالوا" : إجمال في الإشارة إلى أصحاب تلك المقالة المستشنعة من : اليهود والنصارى ومشركي العرب ، دل عليه عموم ضمير الجمع ، ولم ينص عليهم بأعيانهم إيجازا إذ المراد إبطال تلك المقالة بغض النظر عن قائلها ، فهي باطلة أيا كان القائل : كتابيا كان أو وثنيا . وفي الإعراض عن ذكرهم صراحة نوع تحقير لهم يناسب ما اقترفوه من مقالة سوء في حق الباري عز وجل .
وفي الالتفات في قوله تعالى : "لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا" : نوع تقريع لهم ، ففي مقام التوبيخ توجه الخطاب إليهم مباشرة ، فمقتضى السياق بلا التفات في غير القرآن : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جاءوا شَيْئًا إِدًّا ، ولكنه التفت من الغيبة في : "جاءوا" إلى المخاطبة في : "جئتم" للغرض السابق . كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، في تفسيره .
وأكد عظم ما ارتكبوه بــــ : "اللام" و "قد" التي دخلت على الفعل الماضي "جئتم" فأفادت التحقيق ، فقد جاءوا بأمر منكر مستشنع قطعا .
ولفظ "يتفطرن" : أبلغ في تصوير عظم مقالتهم من مجرد الانشقاق ، فإن التفطر هو الانشقاق مرة بعد مرة ، وصيغة الفعل "تفطر" : "تفعل" ، بتشديد العين أبلغ في البيان ، إذ فيها من التكلف ما ليس في "انفطر" على وزن : "انفعل" ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، في تفسيره والمقام مقام تكلف إذ لا أعظم من تلك المقالة ليتكلف في إنكارها والرد عليها ، فقد تكلفت السماوات والأرض ذلك فما بال العباد قد بردت دماؤهم فصاروا لا ينكرون تلك المقالة ، ولو بقلوبهم حرصا على مشاعر "الآخر" ، ومقام مجادلة المخالف بالتي هي أحسن لا يعني الانبطاح بالتسليم والرضا بباطله لأن ذلك من باب : حرية الرأي !!!!! ، فإذا كان حرا في انتحال تلك المقالة الخبيثة ، فنحن أحرار ، أيضا ، في بغضه والحكم عليه بالكفر امتثالا لوحي ربنا ، عز وجل ، الذي حكم عليه بذلك ، فليس الأمر هوى وإسرافا في تكفير المخالف ، ولكنه وحي ينزه الباري ، عز وجل ، عن مقالة السوء ، وهم يعتقدون كفرنا مع بطلان ما بيدهم : نقلا وعقلا ، أفيكون ذلك حلالا لهم حراما علينا ونحن الذين نمتلك وحيا قد قامت الأدلة النقلية والعقلية على صحته فلا يقدر مخالف على التشكيك فيه ، فأي الفريقين أصح حكما وأمثل طريقة ؟!!! . وقد حكمنا فعدلنا فيهم مع سوء أدبهم مع الله ، عز وجل ، وحكموا فكان ما كان في البلقان والقفقاز وبلاد الأفعان والعراق ............. إلخ ، فظهر الفرق بين تسامح النصرانية المزعوم وعدل الإسلام مع المخالف ، فلا إفراط بالظلم ولا تفريط بالمداهنة .
وفي قوله : "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا" : الإتيان باسم "الرحمن" أبلغ في الدلالة على بطلان تلك المقالة من الإتيان باسم "الله" ، إذ الرحمن هو : ذو الرحمة الواسعة التي عمت المؤمن والكافر ، البر والفاجر ، وذلك أبلغ في الدلالة على غناه عن خلقه ، فلا يفتقر إلى صاحبة أو ولد ، إذ كيف يفتقر إليهما ، وهو الذي أنعم على كل الكائنات بنعمة الإيجاد ، فكل ما سواه ، عز وجل ، إما :
منعم عليه بالنعمة العامة من حياة ورزق ......... إلخ وهي التي تشترك فيها كل الخلائق ، أو منعم عليه بالنعمة الخاصة : نعمة الإيمان التي انفرد بها الموحدون .
وإما : نعمة واصلة إلى عباده منه مادية كانت أو معنوية ، فكيف يصح في الأذهان أن يحتاج المنعم الغني إلى المنعم عليه الفقير فيضطر الغني إلى اتخاذ الصاحبة والولد من جنس الفقير ؟!!!! .
وفي قوله : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا : قصر حقيقي بأقوى أدوات القصر : النفي بـــ "إن" النافية والاستثناء بـــ : "إلا" ، وهو يناسب الرد على مقالة عظيمة البطلان كتلك المقالة ففي مقابل عظمها جاء الرد قويا ، بمنزلة النص على علة بطلانها ، إذ ما من كائن سوى الله ، عز وجل ، إلا آتي الرحمن يوم القيامة عبدا مذللا ، فـــ : "كل" نص في العموم لا مخصص له ، والعبودية هنا هي : العبودية العامة التي يشترك فيها البر والفاجر ولازمها : الذل والخضوع ، فهو السيد ، وما سواه : عبيد خاضعون لسلطان قهره ، فكلماته التكوينية نافذة فيهم شاءوا أو أبوا ، رضوا أو سخطوا ، فلا مبدل لكلماته الكونيات التي خضع لها من في السماوات والأرض . أفيحتاج من هذا وصفه من الغنى والسيادة إلى اتخاذ ولد ممن ذلك وصفه من الفقر والعبودية ؟!!! .
*****
وفي قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) :
يقال ما سبق في آيات سورة "مريم" ، وفي الآية الأولى : إضراب إبطالي لمقالتهم بـــ : "بل" ، وما بعدها بمنزلة النص على علة بطلانها ، أيضا ، فإن من ادعوا فيه البنوة من الملائكة : عباد مكرمون ، والعبد ، وإن علت منزلته لا يرتقي إلى منزلة سيده ، فكيف إذا كان ذلك السيد هو : الرب المليك الذي لا شريك له في ذاته أو اسمه أو وصفه أو فعله ، كيف يتخذ ابنا من عباده الذين : لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، فهم خاضعون لأمره التكويني ، لا يستقلون برأي أو فعل ، فليس ثم إلا الطاعة المطلقة للرب ، جل وعلا ، فهو الذي : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ، وكل ذلك من الإطناب في بيان أوصاف فقرهم الذاتي إلى الرب الغني بذاته ، عز وجل ، وذلك مما يدحض دعوى البنوة ، إذ لا يتخذ الأعلى من الأدنى ولدا يفتقر إلى معونته ، وهو الغني عنه ، بل المغني له المتفضل عليه ، والإطناب في أوصاف عبوديتهم في مقام كهذا من البيان بمكان .
وقوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) : شرط لا يلزم منه جواز فضلا عن وجوب ، وإنما سيق مساق الافتراض الذهني ، فلو فرض أن أحدهم خرج عن أمر الله ، عز وجل ، فادعى ما ليس له من الألوهية فـــ : ذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ، ولن يدعي أحد الألوهية إلا إذا ظن في نفسه كمال الاستغناء عن الرب المغني ، جل وعلا ، فصار النص على إبطال ألوهية ما سوى الله ، عز وجل ، متضمنا النص على إبطال ربوبية ما سواه ، وهو مقتضى دليل التمانع الذي تقدم ذكره ، فلا إله معبود سواه فرعا على لا رب خالق رازق مدبر سواه ، وهي الثنائية المطردة في آيات الكتاب العزيز : ثنائية : الرب والإله ، فله كمال الألوهية فرعا على كمال ربوبيته وغناه ، فكل غني سواه مفتقر إليه ، وهو المغني الذي لا يفتقر إلى سواه .
وهكذا يطرد بيان القرآن لمسألة الوحدانية ونفي الزوجية والتولد عن الباري ، عز وجل ، فلا ينفك المتصف بهما عن النقص ، ولذلك أقام الله ، عز وجل ، هذا الكون على معنى "الزوجية" : فذكر وأنثى ، وموجب وسالب ......... إلخ ، وانفرد بوصف الوحدانية والأحدية ، فظهر الفارق بين الرب المعبود والعبد المربوب .
وظهر الفارق بين طرائق القرآن والطرائق العقلية المحضة ، فالأولى : سلسلة العبارة ، تخاطب العقل بالبرهان وتملأ القلب بالإيمان ، والثانية : جافة معقدة لا يكاد يفهمها إلا آحاد الأذكياء ، ترهق العقل وتقسي القلب ، إذ هي أشبه بالبراهين الرياضية منها بالبراهين الإلهية ، وما استفاد البشر حجاجا عقليا ، أو عملا قلبيا باطنا أو بدنيا ظاهرا ، إلا وفي القرآن ما هو أعظم وأكمل منه ، فقد جاء بالهدى في كل مسائل العلم والعمل ، فعلومه أنفع العلوم ، وأعماله أصلح الأعمال للقلوب والأبدان . فالحمد لله أن أنزل هذا الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجا .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
فــ : "ولد" : نكرة في سياق نفي بــ : "ما" مؤكد بــ : "من" الدالة على التنصيص على عموم النفي ، فتفيد أقوى درجات عموم النفي ، فما اتخذ الله ، عز وجل ، من ولد ، أي ولد ، فهو الغني عن الولد ، وإنما يحتاج الولد من يخشى مستقبل الأيام ، فيرغب في ذرية تعينه إذا ما تقدم عمره وكلت قواه .
ونفي اللازم : "الولد" يستلزم نفي "الملزوم" : الصاحبة ، فأغنى النص على نفي أحدهما عن النص على نفي الآخر لتلازمهما ، وهذا ضرب من ضروب الإيجاز البليغ ، إذ يكتفى بذكر أحد المتلازمين ، فيدرك السامع الآخر بداهة .
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ : جواب لشرط محذوف تقديره : لو كان فيهما آلهة إلا الله إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ، ففيه أيضا : إيجاز بالحذف .
إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ : سبر وتقسيم ، كما يقول المناطقة ، فالمستدل يحصر الاحتمالات الممكنة ، ويختبرها ليصل إلى نتيجة صحيحة ، كما سبق في المداخلة الثانية ، فلو كان فيهما آلهة إلا الله ، للزم من ذلك :
استقلال كل إله بعابديه : وهذا غير حاصل ، فالكون كله خاضع لإرادة قاهرة واحدة ، وما ادعى أحد نفاذ إرادته في الكون من ساحر أو كاهن ......... إلخ إلا فضحه الله ، عز وجل ، على رؤوس الأشهاد .
أو : علو القوي على الضعيف فيسلبه ملكه ، كما هو مشاهد بين ملوك الدنيا ، وهذا ، أيضا ، يكذبه الحس ، فإن انتظام طريقة الكون على سنة واحدة ، دليل على وحدانية مدبره ، جل وعلا ، فلا شريك له في مِلْكه أو مُلْكه ، فهو مالك أعيان خلقه ، ومدبر أمرهم .
وإما أن يكون ملوك الدنيا كلهم مربوبين مقهورين لرب واحد لا شريك له ، وهذا هو الاحتمال الصحيح بعد سبر احتمالات هذه القضية العقلية .
وأهل العلم يقولون : التمانع في الربوبية يدل على التمانع في الألوهية ، فكما أنه هو الرب المتفرد بالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة .......... إلخ ، فهو الإله المستحق لصنوف العبادة وحده جل وعلا .
يقول ابن أبي العز رحمه الله :
"فَتَأَمَّلْ هَذَا الْبُرْهَانَ الْبَاهِرَ ، بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ الظَّاهِرِ . فَإِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا فَاعِلًا ، يُوصِلُ إِلَى عَابِدِهِ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضُّرَّ ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ آخَرُ يُشْرِكُهُ فِي مُلْكِهِ ، لَكَانَ لَهُ خَلْقٌ وَفِعْلٌ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرْضَى تِلْكَ الشَّرِكَةَ ، بَلْ إِنْ قَدَرَ عَلَى قَهْرِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ وَتَفَرُّدِهِ بِالْمُلْكِ وَالْإِلَهِيَّةِ دُونَهُ فَعَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْفَرَدَ بِخَلْقِهِ وَذَهَبَ بِذَلِكَ الْخَلْقِ ، كَمَا يَنْفَرِدُ مُلُوكُ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمُلْكِهِ ، إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْمُنْفَرِدُ مِنْهُمْ عَلَى قَهْرِ الْآخَرِ وَالْعُلُوِّ عَلَيْهِ . فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ .
وَإِمَّا أَنْ يَعْلُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ قَهْرِ مَلِكٍ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ ، بَلْ يَكُونُ وَحْدَهُ هُوَ الْإِلَهُ ، وَهُمُ الْعَبِيدُ الْمَرْبُوبُونَ الْمَقْهُورُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَانْتِظَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَإِحْكَامُ أَمْرِهِ ، مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَمَلِكٌ وَاحِدٌ ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ ، لَا إِلَهَ لِلْخَلْقِ غَيْرُهُ ، وَلَا رَبَّ لَهُمْ سِوَاهُ . كَمَا قَدْ دَلَّ دَلِيلُ التَّمَانُعِ عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ ، فَذَلكَ تَمَانُعٌ فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ ، وَهَذَا تَمَانُعٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ . فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ رَبَّانِ خَالِقَانِ مُتَكَافِئَانِ ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ" . اهـــ
فالتمانع في فعل الرب جل وعلا لازمه التمانع في فعل العبد ، فكما أن الفاعل واحد ، فكذلك المعبود واحد ، فإن على العبد أن يوحد في مطلوبه كما وحد في معلومه ، فقد علم أن انتظام أمر هذا الكون لا يكون إلا من مدبر واحد ، فلزمه توحيده في العمل فرعا على توحيده في العلم فالأول لازم الثاني .
*****
ومنه قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
فتصدير الشرط بـــ : "لو" مشعر بامتناع الأمر في ذاته ، وإنما هو مجرد افتراض عقلي محض تنزلا مع الخصم ، بدليل امتناع القضيتين : وجود آلهة مع الله ، وفساد الكون ، ومع ذلك صح الربط بينهما بـــ : "لو" ، فلما امتنع وجود آلهة آمرة سوى الله ، عز وجل ، امتنع فساد الكون ، لأن تعدد الأوامر من آلهة مختلفة مظنة التضارب الذي يؤدي إلى الفساد .
فالتمانع هنا : تمانع في الإلهية الآمرة لا الربوبية الموجِدة ، لأن الربوبية أمر قد سلم به المخالف ، مصداق قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ، فلا ينكر ربوبية الله ، عز وجل ، إلا جاحد مكابر ، مصداق قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ، ومتعلق الربوبية : الإيجاد ، والآية نصت على الفساد ، وهو لا يكون إلا بعد الإيجاد ، فلو كانت الآية نصا في الاستدلال على ربوبية الله ، عز وجل ، لقال : لم توجدا ابتداء ، لأن تعدد الأرباب مظنة الاختلاف في إيجاد الشيء من أساسه : فأحدهما يريد وجوده ، والآخر يريد : عدمه ، فلما كانت الربوبية محل تسليم من الخصم ناسب أن ينتقل مباشرة إلى محل النزاع : ألوهية الله ، عز وجل ، إذ تقرير ما هو متقرر عند الخصمين : تحصيل حاصل ، فليكن الكلام إذن في صلب الخلاف وهو ألوهية الله ، عز وجل ، والكلام في الألوهية ، أيضا ، يتضمن الكلام في الربوبية ، إذ الألوهية تتضمن الربوبية فهي كالمرقاة إليها فـــ : لا شريك له في أمره الشرعي فرع على لا شريك له في أمره الكوني ، فحصل التنبيه على الربوبية تبعا ، بخلاف ما لو قيل بأن الآية نص في الربوبية فإن التنبيه على الألوهية ، جوهر الصراع بين الرسل وأقوامهم ، لن يحصل حينئذ ، لأن التسليم بالربوبية لا يقتضي التسليم بالألوهية بخلاف العكس ، فإن من سلم بالألوهية فقد سلم بالربوبية لزوما .
يقول ابن أبي العز رحمه الله :
"وَقَدْ ظَنَّ طَوَائِفُ أَنَّ هَذَا دَلِيلُ التَّمَانُعِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ الخ ، وَغَفَلُوا عَنْ مَضْمُونِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَرْبَابٌ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُجُودِهِمَا ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا وَهُمَا مَوْجُودَتَانِ آلِهَةٌ سِوَاهُ لَفَسَدَتَا .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ : { لَفَسَدَتَا } ، وَهَذَا فَسَادٌ بَعْدَ الْوُجُودِ ، وَلَمْ يَقُلْ : لَمْ يُوجَدَا . وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آلِهَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، بَلْ لَا يَكُونُ الْإِلَهُ إِلَّا وَاحِدا ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَأَنَّ فَسَادَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْآلِهَةِ فِيهِمَا مُتَعَدِّدَةً ، وَمِنْ كَوْنِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ غَيْرَ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لَهُمَا إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ فِيهِمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا غَيْرُ . فَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ لَفَسَدَ نِظَامُهُ كُلُّهُ ، فَإِنَّ قِيَامَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالْعَدْلِ ، وَبِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ . وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الشِّرْكُ ، وَأَعْدَلُ الْعَدْلِ التَّوْحِيدُ" . اهـــــ
ثم عقب سبحانه بقوله : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) : إمعانا في تقرير استحقاقه كمال الألوهية ، إذ لا يسأل عما يفعل لكمال علمه وحكمته ، وعزته وقدرته ، وهم يسألون ، فكيف يسوى بين من لا يسأل ومن يسأل : أليس في ذلك تسوية بين المختلفات تأباها العقول الصريحات ؟!!!
*****
ومنه أيضا : قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا)
فالافتراض هنا أيضا على ما اطرد من طريقة القرآن في جدال الخصم : عقلي ، فلو كان معه آلهة :
لابتغوا سبيلا إلى مغالبته على عادة ملوك الدنيا في السطو المسلح على غيرهم طلبا للعلو والإفساد في الأرض ، وهذا غير حاصل ، أو لابتغوا سبيلا إلى التزلف له ، لأنه أقوى منهم ، والضعيف يتزلف دوما للقوي رغبة فيما عنده أو رهبة من بطشه ، كما يحدث اليوم من ملوك دويلات الطوائف العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية فالقوم ما بين : راغب طامع وراهب مشفق ، فبطل حينئذ ادعاؤهم الألوهية إذ الإله المعبود الحق لا يخشى شيئا من غيره ، فضلا عن أن يذل ويتزلف إليه !!!! ، فاستيفاء القسمة العقلية سبرا يبطل مقالتهم ، وقد نبه على عظم ألوهيته فرعا على عظم ربوبيته التي أشار إليها بكونه مالك أعظم المخلوقات : العرش ، فإذا كان مالكا لأعظم المخلوقات فهو مالك لما دونها من باب أولى ، وإذا ثبت تفرده بربوبية كل الكائنات : العرش فما دونه ، ثبت استخقاقه التفرد بالألوهية .
*****
ومنه قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)
ففي قوله : "وقالوا" : إجمال في الإشارة إلى أصحاب تلك المقالة المستشنعة من : اليهود والنصارى ومشركي العرب ، دل عليه عموم ضمير الجمع ، ولم ينص عليهم بأعيانهم إيجازا إذ المراد إبطال تلك المقالة بغض النظر عن قائلها ، فهي باطلة أيا كان القائل : كتابيا كان أو وثنيا . وفي الإعراض عن ذكرهم صراحة نوع تحقير لهم يناسب ما اقترفوه من مقالة سوء في حق الباري عز وجل .
وفي الالتفات في قوله تعالى : "لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا" : نوع تقريع لهم ، ففي مقام التوبيخ توجه الخطاب إليهم مباشرة ، فمقتضى السياق بلا التفات في غير القرآن : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جاءوا شَيْئًا إِدًّا ، ولكنه التفت من الغيبة في : "جاءوا" إلى المخاطبة في : "جئتم" للغرض السابق . كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، في تفسيره .
وأكد عظم ما ارتكبوه بــــ : "اللام" و "قد" التي دخلت على الفعل الماضي "جئتم" فأفادت التحقيق ، فقد جاءوا بأمر منكر مستشنع قطعا .
ولفظ "يتفطرن" : أبلغ في تصوير عظم مقالتهم من مجرد الانشقاق ، فإن التفطر هو الانشقاق مرة بعد مرة ، وصيغة الفعل "تفطر" : "تفعل" ، بتشديد العين أبلغ في البيان ، إذ فيها من التكلف ما ليس في "انفطر" على وزن : "انفعل" ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، في تفسيره والمقام مقام تكلف إذ لا أعظم من تلك المقالة ليتكلف في إنكارها والرد عليها ، فقد تكلفت السماوات والأرض ذلك فما بال العباد قد بردت دماؤهم فصاروا لا ينكرون تلك المقالة ، ولو بقلوبهم حرصا على مشاعر "الآخر" ، ومقام مجادلة المخالف بالتي هي أحسن لا يعني الانبطاح بالتسليم والرضا بباطله لأن ذلك من باب : حرية الرأي !!!!! ، فإذا كان حرا في انتحال تلك المقالة الخبيثة ، فنحن أحرار ، أيضا ، في بغضه والحكم عليه بالكفر امتثالا لوحي ربنا ، عز وجل ، الذي حكم عليه بذلك ، فليس الأمر هوى وإسرافا في تكفير المخالف ، ولكنه وحي ينزه الباري ، عز وجل ، عن مقالة السوء ، وهم يعتقدون كفرنا مع بطلان ما بيدهم : نقلا وعقلا ، أفيكون ذلك حلالا لهم حراما علينا ونحن الذين نمتلك وحيا قد قامت الأدلة النقلية والعقلية على صحته فلا يقدر مخالف على التشكيك فيه ، فأي الفريقين أصح حكما وأمثل طريقة ؟!!! . وقد حكمنا فعدلنا فيهم مع سوء أدبهم مع الله ، عز وجل ، وحكموا فكان ما كان في البلقان والقفقاز وبلاد الأفعان والعراق ............. إلخ ، فظهر الفرق بين تسامح النصرانية المزعوم وعدل الإسلام مع المخالف ، فلا إفراط بالظلم ولا تفريط بالمداهنة .
وفي قوله : "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا" : الإتيان باسم "الرحمن" أبلغ في الدلالة على بطلان تلك المقالة من الإتيان باسم "الله" ، إذ الرحمن هو : ذو الرحمة الواسعة التي عمت المؤمن والكافر ، البر والفاجر ، وذلك أبلغ في الدلالة على غناه عن خلقه ، فلا يفتقر إلى صاحبة أو ولد ، إذ كيف يفتقر إليهما ، وهو الذي أنعم على كل الكائنات بنعمة الإيجاد ، فكل ما سواه ، عز وجل ، إما :
منعم عليه بالنعمة العامة من حياة ورزق ......... إلخ وهي التي تشترك فيها كل الخلائق ، أو منعم عليه بالنعمة الخاصة : نعمة الإيمان التي انفرد بها الموحدون .
وإما : نعمة واصلة إلى عباده منه مادية كانت أو معنوية ، فكيف يصح في الأذهان أن يحتاج المنعم الغني إلى المنعم عليه الفقير فيضطر الغني إلى اتخاذ الصاحبة والولد من جنس الفقير ؟!!!! .
وفي قوله : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا : قصر حقيقي بأقوى أدوات القصر : النفي بـــ "إن" النافية والاستثناء بـــ : "إلا" ، وهو يناسب الرد على مقالة عظيمة البطلان كتلك المقالة ففي مقابل عظمها جاء الرد قويا ، بمنزلة النص على علة بطلانها ، إذ ما من كائن سوى الله ، عز وجل ، إلا آتي الرحمن يوم القيامة عبدا مذللا ، فـــ : "كل" نص في العموم لا مخصص له ، والعبودية هنا هي : العبودية العامة التي يشترك فيها البر والفاجر ولازمها : الذل والخضوع ، فهو السيد ، وما سواه : عبيد خاضعون لسلطان قهره ، فكلماته التكوينية نافذة فيهم شاءوا أو أبوا ، رضوا أو سخطوا ، فلا مبدل لكلماته الكونيات التي خضع لها من في السماوات والأرض . أفيحتاج من هذا وصفه من الغنى والسيادة إلى اتخاذ ولد ممن ذلك وصفه من الفقر والعبودية ؟!!! .
*****
وفي قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) :
يقال ما سبق في آيات سورة "مريم" ، وفي الآية الأولى : إضراب إبطالي لمقالتهم بـــ : "بل" ، وما بعدها بمنزلة النص على علة بطلانها ، أيضا ، فإن من ادعوا فيه البنوة من الملائكة : عباد مكرمون ، والعبد ، وإن علت منزلته لا يرتقي إلى منزلة سيده ، فكيف إذا كان ذلك السيد هو : الرب المليك الذي لا شريك له في ذاته أو اسمه أو وصفه أو فعله ، كيف يتخذ ابنا من عباده الذين : لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، فهم خاضعون لأمره التكويني ، لا يستقلون برأي أو فعل ، فليس ثم إلا الطاعة المطلقة للرب ، جل وعلا ، فهو الذي : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ، وكل ذلك من الإطناب في بيان أوصاف فقرهم الذاتي إلى الرب الغني بذاته ، عز وجل ، وذلك مما يدحض دعوى البنوة ، إذ لا يتخذ الأعلى من الأدنى ولدا يفتقر إلى معونته ، وهو الغني عنه ، بل المغني له المتفضل عليه ، والإطناب في أوصاف عبوديتهم في مقام كهذا من البيان بمكان .
وقوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) : شرط لا يلزم منه جواز فضلا عن وجوب ، وإنما سيق مساق الافتراض الذهني ، فلو فرض أن أحدهم خرج عن أمر الله ، عز وجل ، فادعى ما ليس له من الألوهية فـــ : ذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ، ولن يدعي أحد الألوهية إلا إذا ظن في نفسه كمال الاستغناء عن الرب المغني ، جل وعلا ، فصار النص على إبطال ألوهية ما سوى الله ، عز وجل ، متضمنا النص على إبطال ربوبية ما سواه ، وهو مقتضى دليل التمانع الذي تقدم ذكره ، فلا إله معبود سواه فرعا على لا رب خالق رازق مدبر سواه ، وهي الثنائية المطردة في آيات الكتاب العزيز : ثنائية : الرب والإله ، فله كمال الألوهية فرعا على كمال ربوبيته وغناه ، فكل غني سواه مفتقر إليه ، وهو المغني الذي لا يفتقر إلى سواه .
وهكذا يطرد بيان القرآن لمسألة الوحدانية ونفي الزوجية والتولد عن الباري ، عز وجل ، فلا ينفك المتصف بهما عن النقص ، ولذلك أقام الله ، عز وجل ، هذا الكون على معنى "الزوجية" : فذكر وأنثى ، وموجب وسالب ......... إلخ ، وانفرد بوصف الوحدانية والأحدية ، فظهر الفارق بين الرب المعبود والعبد المربوب .
وظهر الفارق بين طرائق القرآن والطرائق العقلية المحضة ، فالأولى : سلسلة العبارة ، تخاطب العقل بالبرهان وتملأ القلب بالإيمان ، والثانية : جافة معقدة لا يكاد يفهمها إلا آحاد الأذكياء ، ترهق العقل وتقسي القلب ، إذ هي أشبه بالبراهين الرياضية منها بالبراهين الإلهية ، وما استفاد البشر حجاجا عقليا ، أو عملا قلبيا باطنا أو بدنيا ظاهرا ، إلا وفي القرآن ما هو أعظم وأكمل منه ، فقد جاء بالهدى في كل مسائل العلم والعمل ، فعلومه أنفع العلوم ، وأعماله أصلح الأعمال للقلوب والأبدان . فالحمد لله أن أنزل هذا الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجا .
والله أعلى وأعلم .
أعلى تبليغ
ترقية الى مقال
مواضيع مماثلة
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 2
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 6
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 2
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 4
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 5
» من بلاغة القرآن في إثبات الوحدانية ونفي الشرك 6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin