بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 11 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 11 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
حكم فرض الضريبة في الفقه الإسلامي..
صفحة 1 من اصل 1
حكم فرض الضريبة في الفقه الإسلامي..
حكم فرض الضريبة في الفقه الإسلامي..
(مقارنة بين فرض الضرائب كما شرعها الإسلام وفرض الضرائب كما شرعتها القوانين الوضعية)
برجاء نشره بالقدر المستطاع لإفهام الناس حقيقة هذا الأمر ولا يتأثروا بالحملات الإعلامية السخيفة جمعاً لأموال الناس باطلاً
بقلم عيسى العمري
يختلط لدى كثير من عامة المسلمين مفهومي الضرائب والزكاة,كما أن أحكام الضرائب المفروضة من قِبَل الدول على مواطنيها تحتاج إلى بيان لحقيقة الحكم الشرعي لها, وهو ما سنتناوله من خلال هذا البحث.
ونقلا عن موقع لواء الشريعة وكما جاء بالبحث فإن مفهوم الضريبة في الفقه الإسلامي هو :
مقدار محدد من المال تفرضه الدولة في أموال الممولين؛ لضرورة طارئة مستندة في ذلك إلى قواعد الشريعة العامة، دون أن يقابل ذلك نفع معين للممول، تستخدمه الدولة في تغطية النفقات العامة للمواطنين، وتمتاز هذه الضرائب بأنها مؤقتة بالظروف التي فُرضت من أجلها، وليست تشريعًا دائمًا أصيلًا، بل هي استثنائية تنتهي بانتهاء الظروف التي استوجبتها.
أوجه الاتفاق والاختلاف بين معنى الضريبة في الفقه الإسلامي ومعناها في اصطلاح الاقتصاديين:
أوجه الاتفاق:
* 1- كلاهما تفرضه الدولة على سبيل الجبر والإلزام.
* 2- كلاهما فريضة نقدية.
* 3- لا يقابلها نفع معين يعود على الممول.
أما أوجه الاختلاف:
* 1. الضريبة في المفهوم الإسلامي تستند في فرضيتها إلى أصل شرعي من الكتاب أو السنة أو الآثار الواردة عن الصحابة، في حين أن الضريبة في المفهوم الاصطلاحي لدى علماء الاقتصاد لا تعتمد في فرضيتها على شيء من الشريعة، بل قد تفرضها على أساس نظرية سيادة الدولة، أو على أساس أن الأفراد ملزمون بحكم كونهم أعضاء في المجتمع بالمشاركة في النفقات العامة التي تقوم بها الدولة.
* 2. تُعتبر الضريبة في العرف الدولي موردًا من موارد الدولة الثابتة، في حين أن الضريبة من وجهة نظر الشريعة تُفرض لظروف طارئة تعجز الدولة عن مواجهتها، وليست تشريعًا أصيلًا بل استثنائيًّا.
* 3. الضريبة في النظام الوضعي تتصف بالديمومة، بينما في الفكر الإسلامي مرتبطة بالظروف التي من أجلها فُرضت، وليست تشريعًا دائمًا.
وبما أن الدولة الحديثة تعتبر الضرائب من الموارد الأساسية للدولة؛ فكان لزامًا علينا تبيان الموارد المالية للدولة في الإسلام حتى نستطيع تحقيق المناط في الواقعة المراد بيان الحكم الشرعي لها.
الموارد المالية للدولة الإسلامية:
1- الزكاة: وتؤخذ من المسلم من سائر أمواله؛ نقدية أو زراعية أو عروضًا تجارية إذا بلغت أمواله النصاب الشرعي المقرر، فمن ملك النصاب يجب عليه أن يؤدي زكاة ماله للدولة, أو تقوم الدولة بجبايتها لتنفقها على مستحقيها، وقد جاءت فرضيتها في كتاب الله تعالى؛ حيث يقول جل وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام الرازي: (ظاهر الرواية يدل على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان؛ فيدخل فيه زكاة التجارة والنقدية والنعم، لأن ذلك لما يوصف بأنه مكتسب) [التفسير الكبير، الرازي، (4/66)].
2- الخُمس من غنائم الحرب، ومما يُستخرج من الأرض من المعادن والركاز: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخُمس) [متفق عليه، رواه البخاري، (6913)، ومسلم، (4562)].
3- الجزية: وهي ضريبة مالية تُؤخذ من غير المسلمين إذا دخلوا في ذمة المسلمين وعهدهم مع بقائهم على دينهم، يدفعونها للدولة الإسلامية نظير حماية المسلمين لهم من عدوهم وحقنًا لدمائهم، فلا يتعدي عليهم أحد من المسلمين، وكذلك نظير انتفاعهم بمرافق الدولة الإسلامية، وأما مقدارها فيجتهد فيه الإمام حسب حالة الناس المادية وظروفهم، وقد وردت شرعيتها في كتاب الله تعالى؛ إذ يقول سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
4- الخراج: ما وُضع على رقاب الأرضيين من حقوق تؤدى عنها [الأحكام السلطانية، الماوردي، ص(186)]، وهو جزء معين من الخارج منها؛ كالربع والثلث ونحوهما وقد يكون نصف الخارج، وهذا المورد ضريبة يفرضها الإمام على أراضي أهل الذمة بعد فتحها عنوة وإقرار أهلها عليها إن رغبوا [موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(295)].
5- العشور: وهي ما يُؤخذ من أموال التجارة، سواء كان المأخوذ عشرًا لغويًّا أو نصفه أو ربعه أو ما تأخذه الدولة ممن يجتاز بلده إلى غيره من التجار [ابن قدامة، المغني، (8/517)، موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(506)، حاشية على العناية مع شرح الهداية مع كتاب فتح القدير، سعدي جلبي، (2/170)]. وقد أصبح من موارد بيت المال في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كتب إليه أهل منبج من وراء بحر عدن يعرضون عليه أن يدخلوا تجارتهم أرض العرب وله منها العشر؛ فشاور عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأجمعوا على ذلك، فهو أول من أخذ منهم العشور.
وكذا سأل عمر المسلمين: (كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم أرضهم، قالوا: يأخذون عشر ما معنا، قال: فخذوا منهم مثل ما يأخذون منكم) [موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(506)، الأموال، القاسم بن سلام، ص(713)].
مدى توافق هذه الموارد مع مفهوم الضريبة المعاصرة:
1- أوجه التشابه أو التوافق بين الزكاة والضرائب
* أ- إن كلًّا منهما يدفعه المكلف قسرًا وإلزامًا إذا امتنع عن الدفع مختارًا، وتتضح قسرية الزكاة في التحصيل الجبري لها من الممتنع عند أدائها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء) [رواه أبو داود، (1577)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1575)]، كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل من امتنع عن دفع الزكاة.
* ب- الزكاة والضريبة تُدفعان إلى السلطات المحلية.
* ت- يشتركان في انعدام المقابل الخاص للممول، وإنما تُدفع منه بوصفه عضوًا في مجتمع مسلم يتمتع بحمايته وكفالته وأخوته، فعليه أن يسهم في معونة أبنائه [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/998)].
2- أما أوجه الاختلاف بين الزكاة والضريبة فهي كثيرة؛ منها:
من حيث الثبات والاستمرارية: فالزكاة فريضة دائمة وثابتة مادام في الأرض مسلمون يوحدون الله تعالى، لا يبطلها جور جائر ولا عدل حاكم، شأنها شأن الصلاة، وهي لا تخضع لتقنين التعديل أو التبديل أو الإلغاء، ولا تخضع لقاعدة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" [قواعد الفقة، البركتي، ص(113)]، وإنما تخضع لقاعدة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" [قواعد الفقة، البركتي، ص(108)].
أما الضريبة فليس لها صفة الدوام والثبات لا في نوعها ولا مقاديرها، ولكل حكومة أن تضع من الضريبة حسب ما تراه السلطة التشريعية فيها، فهي تجب حسب الحاجة وتزول بزوالها، فهي تكليف زمني تتحدد أحكامها تبعًا لمشيئة الوضع الحكومي [الزكاة الضريبية، غازي عناية، ص(44-45)].
من حيث تحديد المقادير في كل منهما: أن الزكاة فريضة إلهية في وجوبها ومقاديرها وأنصبتها وأوعيتها وشروطها وسائر أحكامها؛ فمقادير الزكاة من العشر، والخمس، ونصف العشر، وربع العشر، كلها مقادير من عند الله تعالى وليس لأحد أن يغير أو يبدل، بخلاف الضريبة؛ حيث تخضع في تقديرها لمشيئة الوضع الحكومي واجتهاد أولي الأمر، وإن بقاءها وعدمه مرهون بتقدير السلطة لمدى الحاجة إليها [الازدواج الضريبي، عطية صقر، ص(18)].
من حيث وجوه الإنفاق في كل منهما: فللزكاة مصارف خاصة محددة في كتاب الله تعالى والسنة النبوية، توزعها الدولة بعد جبايتها، أو يوزعها المسلم بنفسه إن شاء، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
في حين أن مصارف الضريبة ووجوه إنفاقها غير محددة، وتحكم فرضيتها المشاركة في تحمل الأعباء العامة، وتغطية أوجه الإنفاق العام، أضف إلى ذلك أن زكاة كل إقليم أو بلد مخصصة للإنفاق في نفس الإقليم أو البلد، ولا يجوز إخراجها إذا كان يوجد فيه من هو بحاجة إليها؛ فإذا فضل شيء عن حاجة فقراء البلد ومصالحهم فعندها يُنقل إلى بيت المال ليُنفق على سائر السكان، في حين أن الضريبة تعود فورًا إلى خزينة الدولة لتنفقها الدولة على ما تشاء في المصالح العامة.
حكم فرض الضريبة في الفقه الإسلامي:
انقسم الفقهاء حياله إلى فريقين، فريق قال بالجواز ولكن ليس على الإطلاق، وفريق منع من فرض الضريبة مطلقًا؛، وإليك بيان هذا الأمر:
المانعون لفرض الضرائب :
يرى هذا الفريق أن الحق الوحيد في المال هو الزكاة، فمن أخرج زكاة ماله فقد برئت ذمته، ولا يجوز بعد ذلك التعرض لما في يده من أموال دون حق، ولا يُطالب بشيء إلا أن يتطوع رغبة بالأجر من الله تعالى.
حجتهم في المنع: احتجوا لهذا الرأي بأحاديث؛ أهمها:
1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال: (تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئًا ولا أنقص منه، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) [متفق عليه، رواه البخاري، (1397)، ومسلم، (116)]، وفي رواية قال عليه السلام: (إن صدق الأعرابي؛ دخل الجنة) [رواه الترمذي، (622)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (619)]، ففي هذا الحديث أعلن الرجل أنه لا يزيد على الزكاة المفروضة ولا ينقص، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه من أهل الجنة.
2- روى الترمذي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أديت زكاة مالك؛ فقد قضيت ما عليك) [رواه ابن حبان، (3216)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1719)]، ومن قضى ما عليه في ماله، لم يكن عليه حق فيه ولا يُطالب بإخراج شيء آخر على سبيل الوجوب.
3- ما رواه ابن ماجة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته ـ تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة) [رواه ابن ماجه، (1861)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، (1789)]، وقالوا: إن ما جاء في بعض النصوص من إثبات حقوق في المال غير الزكاة مطلوبة على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب والالتزام كما في حق الضيف، أو قالوا: بأنها حقوق واجبة قبل الزكاة، فلما فُرضت الزكاة نسخت كل حق كان قبلها [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/967)].
4- احترام الملكية الشخصية؛ إذ أن الإسلام احترم الملكية الشخصية، وجعل كل إنسان أحق بماله، وحرم الأموال كما حرم الدماء والأعراض، والضرائب مهما يقول القائلون في تبريرها وتفسيرها ليست إلا مصادرة جزء من المال يُؤخذ من أربابه قسرًا وكرهًا.
5- الأحاديث الواردة بذم المكس ومنع العشور؛ فلقد جاءت الأحاديث النبوية بذم المكوس والقائمين عليها وتوعدهم بالنار والحرمان من الجنة، فعن رويفع بن ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن صاحب المكس في النار) [رواه أحمد في مسنده، (17464)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (787)].
وعن عقبة بن عامر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) [رواه أبو داود، (2939)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، (2937)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن عقبة بن عامر به مرفوعًا، وصححه ابن خزيمة والحاكم، (1/729)]، وعدَّ الذهبي المكس من الكبائر، وقال: (المكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم؛ فإنه يأخذ ما لا يستحق، ويعطيه من لا يستحق) [كتاب الكبائر، الذهبي، ص(112)].
المجيزون, وهو الراجح:
أ- الحنفية: يرى الحنفية جواز فرض الضرائب على الناس، إذا كانت هناك حاجة تدعو إليها؛ حيث يسمونها النوائب (النوائب: جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان بحق أو بباطل، ونوائب الرعية: ما يضربه السلطان من حوائج على الرعية؛ كإصلاح القناطر والطرق وغيرها) [قواعد الفقه، محمد عميم البركتي، ص(535)]، فقد جاء في حاشية رد المحتار ما نصه: (زمن النوائب ما يكون بالحق؛ كري النهر المشترك للعامة، وأجرة الحارس للمحلة والمُسمى الخفير، وما وظف للإمام ليجهز به الجيوش، وفداء الأسرى، بأن احتاج إلى ذلك ولم يكن في بيت المال شيء فوظف على الناس ذلك)، ويتابع فيقول: (وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك) [حاشية ابن عابدين، (2/336-337)].
ب- المالكية: قالوا يحق للإمام أن يوظف الضرائب لظروف خاصة، يقول الإمام القرطبي: (واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها) [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (2/242)]؛ والمقصود بالمال هنا غير مال الزكاة، وإنما أُخذ من قوله تعالى: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]، وقال الإمام مالك: (يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم) [أحكام القرآن، أبو بكر العربي، (1/60)].
ج- الشافعية: يقرون شرعية الضرائب على الأغنياء إذا احتاج الإمام من أجل مصلحة عامة؛ وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: (إذا خلت الأيدي من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول العدو ديار المسلمين، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد الإسلام؛ جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند) [المستصفى من علم الأصول، الغزالي، (1/426)]. وفتوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام للملك المظفر قطز في فرض الضرائب على الناس لأجل الاستعداد والتجهيز لقتال التتار، (إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص المذهبة، والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا) [النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردة، (7/72-73)].
د- أما فقهاء الحنابلة: فقد أجازوا فرضيتها وسموها الكلف السلطانية، واعتبروها من الجهاد بالمال، وفي ذلك يقول ابن تيمية في الفتاوى إذ يعتبر أن الكلف السلطانية أو ما يأخذه السلطان من أموال الأغنياء يُعد من قبيل الجهاد بالمال؛ فيقول: (وإذا طلب منهم شيئًا يؤخذ على أموالهم ورءوسهم، مثل الكلف السلطانية التي توضع عليهم كلهم، إما على عدد رءوسهم، أو على عدد دوابهم، أو على أكثر من الخراج الواجب بالشرع، أو تؤخذ منهم الكلف التي أحدثت في غير الأجناس الشرعية، كما يُوضع على المتابعين للطعام والثياب والدواب والفاكهة وغير ذلك، يُؤخذ منهم إذا باعوا، ويُؤخذ تارة من البائعين، وتارة من المشترين) [الفتاوى، ابن تيمية، (30/40-41)].
المستند الشرعي لرأي هذا الفريق:
أ- استدلالهم بالقرآن الكريم:
استدل هذا الفريق بقول الله عز وجل: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وجه الاستدلال في الآية الكريمة أن الله تعالى نص على إيتاء الزكاة كما نص على إيتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكين؛ مما يدل على أن المراد بإيتاء المال في الآية غير الزكاة، وأن في المال حقًا سوى الزكاة، يقول الفخر الرازي: (واختلفوا في المراد من هذا الإيتاء؛ فقال قوم: إنها الزكاة وهذا ضعيف؛ وذلك لأنه تعالى عطف الزكاة عليه بقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ}، ومن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يتغايرا، فثبت أن المراد به غير الزكاة .. وإن كان غير الزكاة إلا أنه من الواجبات) [التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، الرازي، (3/43-44)].
ب- استدلالهم من السنة النبوية؛ استدلوا بما يلي:
1- عن فاطمة بنت قيس قالت: (سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: (إن في المال لحقًا سوى الزكاة)، ثم تلا هذه الآية من سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177]) [رواه الترمذي، (661)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، (659)].
2- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له فضل زاد؛ فليعد به على من لا زاد له)، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل [رواه مسلم، (4614)].
3- عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم قدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إلا إذا جاعوا وعروا مما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله محاسبهم يوم القيامة حسابًا شديدًا، ومعذبهم عذابًا نكرًا) [رواه الطبراني في الأوسط، (3717)، وقال الهيثمي: (ثابت من رجال الصحيح وبقية رجاله وثقوا وفيهم كلام)، مجمع الزوائد، (3/197)].
4- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس)، وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة [متفق عليه، رواه البخاري، (3581)، ومسلم، (5486)].
ج- واستدلوا بالآثار الواردة عن الصحابة؛ ومن ذلك:
1- ما ورد عن الفاروق عمر رضي الله عنه أنه قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقرائهم)، وبهذا يرى عمر أنه يجوز لولي الأمر أن يفرض على الأغنياء من الصدقات غير الزكاة قدرًا تُسد به حاجة الفقراء، ويُمحى به الفقر من المجتمع، كما ذهب إلى ذلك أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وأبو ذر وعائشة وفاطمة بنت قيس رضي الله عنهم [الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص(495)، الجامع، القرطبي، (1/241)، المحلى، ابن حزم، (6/225)].
2- وصح عن الشعبي ومجاهد وعطاء وطاوس من التابعين رضي الله عنهم، أن في المال حقًا سوى الزكاة [انظر: المحلى، ابن حزم، (6/225)، الجامع، القرطبي، (1/241-242)، الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص(495-496)، فقه الزكاة، القرضاوي، (2/983)]، وهذه الأقوال لم تلق تعارضًا؛ فتكون بمثابة إجماع سكوتي على جواز فرض ضريبة مع الزكاة عند عدم كفايتها لسد حاجات الفقراء.
د- وأما ما يُستدل به من المعقول:
1- مبدأ التكافل الاجتماعي بين الفرد والمجتمع: فالفرد لا يمكن أن يكسب المال بجهده وحده، فلولا جهد المجتمع الذي شق له القنوات، ونظم له الري والصرف، وصنع له أدوات الحراثة والزراعة، وهيأ له الأمن والاستقرار؛ ما كان لجهده أن يؤدي إلى ثمرة، ومن أجل هذا فإن المال الذي يحوزه الفرد ويُنسب إليه هو بمثابة مال الجماعة أيضًا، يُنسب إليها ويجب عليها؛ قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، ويتبين من الآيات الكريمة أن الله تعالى أضاف الأموال فيها إلى جميع المخاطبين، فلم يقل: لا يأكل بعضكم مال بعض، بل قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} لينبه على أن المجتمع المسلم وحدة متضامنة في كل أمورها. يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية: (ذلك بأن الإسلام يجعل مال كل فرد من أفراد المتبعين له مالًا لأمته كلها، مع احترام الحيازة والملكية، وحفظ حقوقها؛ فهو يوجب على كل ذي مال كثير حقوقًا معينة لصالح العامة، كما يوجب عليه وعلى صاحب المال القليل حقوقًا أخرى لذوي الاضطرار من الأمة، ويحث فوق ذلك على البر والإحسان) [تفسير المنار، رشيد رضا، (5/39)].
2- مبدأ الإخاء الذي نادى به الإسلام: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، فإن لهذه الأخوة ثمرات ومتطلبات، تؤتي أكلها في مجال التضامن الأخوي العلمي والتكافل الاجتماعي، فهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، (والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره) [رواه مسلم، (6706)]، فهذا الإخاء الروحي في الرعية يجب أن يكون دافعًا للوقوف بجانب الدولة عند حدوث الظرف الاستثنائي غير العادي، فالإخاء علاقة روحية يجب أن تعكس واجب التضامن مع الدولة في محنتها.
3- الزكاة لا تغني عن الضرائب: لأن مصارفها محددة وغايتها اجتماعية ودينية وسياسية وأخلاقية، فهي ليست جمعًا للمال لإنفاقه على مرافق الدولة، بل محصورة في الأصناف الثمانية المعروفة؛ ولهذا فإن أموالها لا تخلط بأموال الموارد الأخرى، قال الفقهاء: لا تُصرف الزكاة إلى بناء الجسور وتمهيد الطرق وشق الأنهار، وبناء المساجد والمدارس والسقايات وسد البثوق ـ البثق: موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه، [المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، ص(36)] ـ [انظر: المغني، ابن قدامة، (2/667)].
وهذه المرافق العامة وغيرها الكثير ضروري للجماعة، والدولة هي المسئولة عن إصلاح هذه المرافق وإقامتها، فمن أين يُنفق على مصالح الجماعة ومن أين تُسد ثغور الوطن، إذًا لم يجز للحاكم أن ينفق عليها من أموال الزكاة؟ يبقى الجواب أنه حالة عجز الدولة عن القيام بهذه المرافق لابد من فرض ضرائب على ذوي الأموال بقدر ما يحقق المصلحة الواجب تحقيقها؛ وفقًا للقاعدة التي تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [المستصفى، الغزالي، (1/17)، أصول التشريع الإسلامي، علي حسب الله، ص(272)].
4- من قواعد الشريعة يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام: بمعنى أن نفع الجماعة مقدم على نفع الفرد، وكذلك درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وتفويت أدنى المصلحتين تحصيلًا لأعلاهما، كل ذلك لا يؤدي إلى إباحة فرض الضرائب فحسب، بل على العكس يحتم فرضها وأخذها بالقوة، إذا وقعت الدولة في مأزق أو ظرف طارئ يستوجب مالًا كثيرًا لا تتحمل خزينة الدولة القيام به وإن لم يدفع هذا الطارئ ربما تزول الدولة، أو ينخر الضعف كيانها، ناهيك عن الأخطار العسكرية من قِبَل أعدائها فيطمعون بها.
لا يُعقل أن يُمنع فرض الضرائب في حال النوازل بالأمة، وعدم قدرتها على مواجهة ذلك؛ فتفوت مصالح الأمة من أجل المحافظة على الملكية الخاصة، فالقاعدة الشرعية كذلك تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [المستصفى، الغزالي، (1/71)، الأحكام، الآمدي، (1/157)، أصول الخضري، ص(55)].
5- تطور الإنفاق: مطلوب من الدولة أن تتفوق في شتى جوانب الحياة العلمية والصناعية، والاقتصادية والعسكرية، بما يتلاءم مع تطور حياة أعدائها، وبما يحقق لأبنائها مواكبة التطور والعيش الكريم، ومن الطبيعي جدًّا أن زيادة عدد السكان تحتاج إلى زيادة في الإنفاق، كل هذا يفتقر إلى مقادير كبيرة من المال، قد تعجز الدولة إيجاده وتوفيره ولا يكون سبيل إلى ذلك إلا بفرض الضرائب؛ وعندها تكون هذه الضرائب نوعًا من الجهاد بالمال، والمسلم مأمور بذلك؛ ليحمي دولته ويقوي أمته ويحمي دينه وماله وعرضه [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1077)].
6- إن ما يُجمع من الضرائب لابد وأن يُنفق في المصالح العامة: ومرافق الدولة؛ كالدفاع والأمن، والتعليم والصحة ونحوه، وهذا لاشك يستفيد منه جموع المسلمين من قريب أو بعيد، وإذا كان الفرد يستفيد من وجود الدولة، ويتمتع بالمرافق العامة في ظل إشرافها وتنظيمها، وحمايتها للأمن الداخلي والخارجي، فلابد أن يسهم بالمال اللازم عند الحاجة، لتتمكن الدولة من القيام بأعبائها ومسئوليتها، فكما يغنم الفرد من المجتمع ممثلًا في الدولة ونشاطاتها يجب أن يغرم، ويدفع ما يخصه من ضرائب والتزامات؛ تطبيقًا للقاعدة الشرعية "الغرم بالغنم" [قواعد الفقه، محمد عميم البركتي، ص(94)].
7- أما مسألة حرمة المكس: فإن المكس غير الضريبة الشرعية، وإن الأحاديث الواردة في ذم المكس أكثرها لم تثبت صحتها [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1094)]، وإن كلمة المكس لا يُراد بها معنى واحد محدد لغة أو شرعًا، فهو يأتي بمعنى: ما يأخذه العشار، والضريبة التي يأخذها الماكس وأصله الجباية، ويأتي بمعنى النقص، والمكس: انتقاص الثمن في البياعة وما يأخذ الماكس ممن يدخلون البلد من التجار [لسان العرب، ابن منظور، مادة (م. ك. س.)، المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، ص(587)].
وعلى هذا يُحمل صاحب المكس على الموظف العامل الذي يجبي الزكاة فيظلم في عمله، ويتعدى على أرباب الأموال فيأخذ منهم ما ليس من حقه، أو يقل من المال الذي جمعه مما هو حق للفقراء وسائر المستحقين، وقد يدل لذلك ما جاء عن بعض الرواة من تفسير "العاشر" بالذي يأخذ الصدقة على غير حقها [مجمع الزوائد، الهيثمي، (3/87-88)]، كما أن أبا داود أخرج الحديث في باب "السعاية على الصدقة".
وهناك محمل آخر لكلمة المكس لعله هو الظاهر [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1095)]؛ والمراد بها: الضرائب الجائرة التي كانت تسود العالم يوم ظهور الإسلام وتُؤخذ بغير حق، وتُنفق بغير حق، ولم تكن تُنفق على مصالح الشعوب، بل في مصالح الملوك والرؤساء وشهواتهم وأتباعهم، ولم تكن تُؤخذ من الناس حسب قدراتهم على الدفع، فكثيرًا ما أُعفي الغني محاباةً، وأُرهق الفقر عدوانًا، قال في التبيين من كتب الحنفية: (وما ورد من ذم العشار محمول على من يأخذ أموال الناس ظلمًا كما يفعله الظلمة اليوم) [البحر الرائق، ابن نجيم، (2/249), حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، (2/310)].
فهذا النوع من الضرائب هو أولى أن يُطلق عليه اسم المكس الذي جاء فيه الوعد والوعيد، أما الضرائب التي تُفرض من قِبَل الحاكم العادل، وبالشروط التي يجب أن تتوافر بها كما سنبين إن شاء الله تعالى وعلى أساس المصلحة والعدالة، لتغطي نفقات الميزانية وتسد حاجات البلاد من الإنتاج والخدمات، وتقيم مصالح الأمة العامة؛ العسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية وغيرها؛ فإن مثل هذه الضرائب لمثل هذه الغايات وما شابهها، لا يشك ذو بصر في الإسلام أنها جائزة، بل قد تكون واجبة، وللحكومة الإسلامية الحق في فرضها وأخذها من الرعية حسب المصلحة وبقدر الحاجة [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1096)].
آراء الفقهاء المحدثين في جواز فرض الضريبة:
1- يرى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله أن الزكاة عبادة مالية، وليست ضريبة يجب إخراجها، وجدت حاجة إليها أو لم توجد، وهي مورد دائم للفقراء والمساكين، وأما الضرائب فهي من وضع الحاكم عند الحاجة، وإن إحداهما لا تغني عن الأخرى، وعليه؛ فيجب دفع الضرائب، وتكون بمثابة دين شغل به المال، ويقول: إن الحاكم الممثل للأمة إذا لم يجد ما يحقق به المصالح العامة للجماعة؛ كإنشاء دور التعليم، وتعبيد الطرق، وحفر الترع والمصانع، وإعداد العدة للدفاع عن البلاد، ورأى أن أغنياء الأمة قد قبضوا أيديهم، ولم يمدوه بالبذل والمعونة؛ جاز له وقد يجب، أن يضع عليهم من الضرائب ما يحقق به تلك المصالح دون إرهاق أو إعنات [الفتاوى الكبرى، الشيخ محمود شلتوت، ص(116-118)].
2- يؤكد الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى جواز فرض ضرائب بجوار الزكاة؛ مستندًا إلى أسانيد فقهية شرعية فيقول: زعم بعض العلماء أن الضرائب القائمة في الدولة الإسلامية تقوم مقام الزكاة وتغني غناءها، وذلك زعم لا يتفق مع أصل شرعة الزكاة؛ لأن هذه الضريبة كانت لعلاج الفقر والفقراء، وسد حاجة المحتاجين، والصرف على الجيش المجاهد في سبيل الدعوة الإسلامية، وليست هذه مصارف الضرائب التي تُفرض الآن.
ويُعلل عدم وجود ضرائب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لوجود تعاون كبير بين المؤمنين ورغبة تطوعية في الإنفاق في سبيل الله، والمؤاخاة بين المجاهدين والأنصار ضيقت مسارب الفقر وجيوبه، فلم تكن ثمة حاجة إلى فرض ضرائب غير الزكاة والجزية والخراج.
ويعزو جواز فرض ضرائب غير الزكاة الآن إلى تعقد الاجتماع واستبحار العمران، وحاجة الدولة الإسلامية إلى المال الكثير، وأن الزكاة لا تكفي؛ ولذا فإنه إذا كانت هناك حاجة شديدة في بيت المال، وكان القائمون عدولًا، تُفرض الضرائب؛ محتجًّا بقول مالك رحمه الله: (يجب على المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع) [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (2/242)].
كما يستند في فتواه إلى المصلحة المرسلة في التوظيف على الأغنياء، إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند، وليس فيه ما يكفيهم، وجعل حصة الأغنياء فيها أكبر نسبة من حصة غيرهم مادامت المصلحة توجب ذلك، ومادام ولي الأمر قائمًا بالعدل والقسطاس [التطبيق المعاصر للزكاة، شوقي شحادة، ص(47)].
3- ويرى المودودي جواز فرض الضرائب؛ فيقول: (أما حاجات الحكومة فما هي إلا حاجات الجمهور أنفسهم، فكل ما يطالبون به الحكومة، من واجبهم أن يكتتبوا لها من الأموال ما تحقق به مطالبهم، فكما أنه يكتتب بالمال مختلف الشئون الاجتماعية؛ فكذلك يجب على الناس أن يكتتبوا بالمال، ويمكِّنوا الحكومة من القيام بكل ما هم في حاجة إليه، وما الضريبة في الواقع إلا مال يكتتب به الناس لمصالحهم) [نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون، أبو الأعلى المودودي، ص(321-313)، الحرية الاقتصادية في الإسلام، أبو الفتوح، ص(147)].
الشروط المعتبرة لشرعية الضريبة:
1- أن تكون حاجة الدولة للمال حاجة حقيقية وضرورية لا وهمية أو ظنية، بحيث لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تحقق أهدافها.
ومما كتبه النووي إلى الظاهر بيبرس ينصحه، رسالة أوضح له فيها حكم الشرع، قال: (ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شيء مادام في بيت المال شيء من نقد أو متاع، أو أرض أو ضياع أو غير ذلك، وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان ـ أعز الله أنصاره ـ متفقون على هذا، وبيت المال بحمد الله معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيرًا وبركة) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، ابن العطار، ص(50-54)، الإمام النووي، عبدالغني الدقر، ص(144، 163)].
2- يُشترط أن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا، دعت إليه المصلحة العامة للدولة، وتدبيرًا مؤقتًا حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلة الداعية وانتهاء الحاجة. إذ أن تصرف الحاكم في فرض الضريبة منوط بالمصلحة؛ فالقاعدة الفقهية تقول: "التصرف على الشرعية منوط بالمصلحة"، ولذا؛ فإن نفاذ تصرفات الوالي على الغير تتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن التصرف؛ سواء كانت دينية أو دنيوية، فإن تضمن التصرف منفعة وجب على الغير تنفيذه وإلا فلا [شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، ص(247)، القواعد الكلية والضوابط الفقية، محمد عثمان، ص(352)، رسالة ماجستير: الضرائب في النظام المالي الإسلامي، إبراهيم محمد خريس، ص(111)، ومرجعه غياث الأمم، الجويني، ص(286)].
3- أن توزع أعباء الضريبة على الناس بالعدل، بحيث لا يُرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر، ولا يحابى فريق على حساب فريق آخر بغير مسوغ يقتضي ذلك، ولا نعني بالعدل أن يؤخذ من الجميع مقدارًا واحدًا محددًا؛ فإن المساواة بين المتفاوتين ظلم، فلا يُؤخذ بنسبة واحدة من الجميع، بل يجوز لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أن تختلف النسبة، فيُؤخذ من فرد أكثر من غيره نظرًا لحاله.
ولذلك تقتضي قواعد العدالة الضريبية التنويع في أسعار الضرائب، وذلك بتبني نظام النسبة في سعر الضريبة بأن يكون السعر بنسبة ثابتة من الدخل (5%) مثلًا أو أكثر حسب ما تتطلبه المصلحة العامة، ويراه ولي الأمر، بعد دراسة جادة وبصرف النظر عن مقدار الدخل، وبذلك يخضع الدخل الأعلى لسعر أعلى. يقول أبو يوسف: (إن العدل وإنصاف المظلوم وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأجر؛ يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل تكون، وهي تُفقد مع الجور) [الخراج، يحيى بن آدم، ص(120-121)].
4- أن يكون التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع [الثروة في ظل الإسلام، البهي الخولي، ص(223)]؛ أي يكون فرض الضريبة لإنفاق المال في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواء من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا لتنفق على ترفيه أسرهم وترفههم، ولا لترضية السائرين في ركابهم.رُوي أن رجلًا كان بينه وبين عمر بن الخطاب قرابة، فسأله مالًا؛ فزجره وأخرجه، فكُلِّم فيه، فقيل: يا أمير المؤمنين، فلان سألك فزجرته وأخرجته، فقال: (إنه سألني من مال الله ـ ويعني من مال جماعة المسلمين ـ فما معذرتي عند الله إن لقيته ملكًا خائنًا؟)، فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله [تاريخ الطبري، (5/19)، فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1085)، الطبقات الكبرى، ابن سعد، (1/219)، أخبار عمر، الطنطاوي، ص(299)].
ولهذا فلابد أن تفرض للدفاع عن الأمة ضد أي عدوان, وتحقيق الأمن الداخلي, وإشباع الحاجة إلى الخدمات الصحية؛ من علاج ومستشفيات ومصانع أدوية ونحوه، وإشباع الحاجات التعليمية من مدارس ومعلمين ونحوه.
5- أن تُؤخذ من فضل المال أو ما يزيد عن حاجة المكلفين الأساسية، فمن كان عنده من المكلفين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أُخذت الضريبة من هذا الفضل، ومن كان لا فضل عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيء [الأموال في دولة الخلافة، عبد النديم زلوم، ص(142)، سياسة الإنفاق العام في الإسلام، عوف الكفراوي، ص(447)]؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة عن ظهر غنى) [رواه مسلم، (2433)]، والمعيار الموضوعي للغنى؛ هو ملك النصاب ممن بلغ النصاب أو زاد، فإنه يُعتبر غنيًّا تُؤخذ منه الضريبة.
(مقارنة بين فرض الضرائب كما شرعها الإسلام وفرض الضرائب كما شرعتها القوانين الوضعية)
برجاء نشره بالقدر المستطاع لإفهام الناس حقيقة هذا الأمر ولا يتأثروا بالحملات الإعلامية السخيفة جمعاً لأموال الناس باطلاً
بقلم عيسى العمري
يختلط لدى كثير من عامة المسلمين مفهومي الضرائب والزكاة,كما أن أحكام الضرائب المفروضة من قِبَل الدول على مواطنيها تحتاج إلى بيان لحقيقة الحكم الشرعي لها, وهو ما سنتناوله من خلال هذا البحث.
ونقلا عن موقع لواء الشريعة وكما جاء بالبحث فإن مفهوم الضريبة في الفقه الإسلامي هو :
مقدار محدد من المال تفرضه الدولة في أموال الممولين؛ لضرورة طارئة مستندة في ذلك إلى قواعد الشريعة العامة، دون أن يقابل ذلك نفع معين للممول، تستخدمه الدولة في تغطية النفقات العامة للمواطنين، وتمتاز هذه الضرائب بأنها مؤقتة بالظروف التي فُرضت من أجلها، وليست تشريعًا دائمًا أصيلًا، بل هي استثنائية تنتهي بانتهاء الظروف التي استوجبتها.
أوجه الاتفاق والاختلاف بين معنى الضريبة في الفقه الإسلامي ومعناها في اصطلاح الاقتصاديين:
أوجه الاتفاق:
* 1- كلاهما تفرضه الدولة على سبيل الجبر والإلزام.
* 2- كلاهما فريضة نقدية.
* 3- لا يقابلها نفع معين يعود على الممول.
أما أوجه الاختلاف:
* 1. الضريبة في المفهوم الإسلامي تستند في فرضيتها إلى أصل شرعي من الكتاب أو السنة أو الآثار الواردة عن الصحابة، في حين أن الضريبة في المفهوم الاصطلاحي لدى علماء الاقتصاد لا تعتمد في فرضيتها على شيء من الشريعة، بل قد تفرضها على أساس نظرية سيادة الدولة، أو على أساس أن الأفراد ملزمون بحكم كونهم أعضاء في المجتمع بالمشاركة في النفقات العامة التي تقوم بها الدولة.
* 2. تُعتبر الضريبة في العرف الدولي موردًا من موارد الدولة الثابتة، في حين أن الضريبة من وجهة نظر الشريعة تُفرض لظروف طارئة تعجز الدولة عن مواجهتها، وليست تشريعًا أصيلًا بل استثنائيًّا.
* 3. الضريبة في النظام الوضعي تتصف بالديمومة، بينما في الفكر الإسلامي مرتبطة بالظروف التي من أجلها فُرضت، وليست تشريعًا دائمًا.
وبما أن الدولة الحديثة تعتبر الضرائب من الموارد الأساسية للدولة؛ فكان لزامًا علينا تبيان الموارد المالية للدولة في الإسلام حتى نستطيع تحقيق المناط في الواقعة المراد بيان الحكم الشرعي لها.
الموارد المالية للدولة الإسلامية:
1- الزكاة: وتؤخذ من المسلم من سائر أمواله؛ نقدية أو زراعية أو عروضًا تجارية إذا بلغت أمواله النصاب الشرعي المقرر، فمن ملك النصاب يجب عليه أن يؤدي زكاة ماله للدولة, أو تقوم الدولة بجبايتها لتنفقها على مستحقيها، وقد جاءت فرضيتها في كتاب الله تعالى؛ حيث يقول جل وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام الرازي: (ظاهر الرواية يدل على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان؛ فيدخل فيه زكاة التجارة والنقدية والنعم، لأن ذلك لما يوصف بأنه مكتسب) [التفسير الكبير، الرازي، (4/66)].
2- الخُمس من غنائم الحرب، ومما يُستخرج من الأرض من المعادن والركاز: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخُمس) [متفق عليه، رواه البخاري، (6913)، ومسلم، (4562)].
3- الجزية: وهي ضريبة مالية تُؤخذ من غير المسلمين إذا دخلوا في ذمة المسلمين وعهدهم مع بقائهم على دينهم، يدفعونها للدولة الإسلامية نظير حماية المسلمين لهم من عدوهم وحقنًا لدمائهم، فلا يتعدي عليهم أحد من المسلمين، وكذلك نظير انتفاعهم بمرافق الدولة الإسلامية، وأما مقدارها فيجتهد فيه الإمام حسب حالة الناس المادية وظروفهم، وقد وردت شرعيتها في كتاب الله تعالى؛ إذ يقول سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
4- الخراج: ما وُضع على رقاب الأرضيين من حقوق تؤدى عنها [الأحكام السلطانية، الماوردي، ص(186)]، وهو جزء معين من الخارج منها؛ كالربع والثلث ونحوهما وقد يكون نصف الخارج، وهذا المورد ضريبة يفرضها الإمام على أراضي أهل الذمة بعد فتحها عنوة وإقرار أهلها عليها إن رغبوا [موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(295)].
5- العشور: وهي ما يُؤخذ من أموال التجارة، سواء كان المأخوذ عشرًا لغويًّا أو نصفه أو ربعه أو ما تأخذه الدولة ممن يجتاز بلده إلى غيره من التجار [ابن قدامة، المغني، (8/517)، موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(506)، حاشية على العناية مع شرح الهداية مع كتاب فتح القدير، سعدي جلبي، (2/170)]. وقد أصبح من موارد بيت المال في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كتب إليه أهل منبج من وراء بحر عدن يعرضون عليه أن يدخلوا تجارتهم أرض العرب وله منها العشر؛ فشاور عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأجمعوا على ذلك، فهو أول من أخذ منهم العشور.
وكذا سأل عمر المسلمين: (كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم أرضهم، قالوا: يأخذون عشر ما معنا، قال: فخذوا منهم مثل ما يأخذون منكم) [موسوعة فقه عمر بن الخطاب، د.محمد رواس، ص(506)، الأموال، القاسم بن سلام، ص(713)].
مدى توافق هذه الموارد مع مفهوم الضريبة المعاصرة:
1- أوجه التشابه أو التوافق بين الزكاة والضرائب
* أ- إن كلًّا منهما يدفعه المكلف قسرًا وإلزامًا إذا امتنع عن الدفع مختارًا، وتتضح قسرية الزكاة في التحصيل الجبري لها من الممتنع عند أدائها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء) [رواه أبو داود، (1577)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1575)]، كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل من امتنع عن دفع الزكاة.
* ب- الزكاة والضريبة تُدفعان إلى السلطات المحلية.
* ت- يشتركان في انعدام المقابل الخاص للممول، وإنما تُدفع منه بوصفه عضوًا في مجتمع مسلم يتمتع بحمايته وكفالته وأخوته، فعليه أن يسهم في معونة أبنائه [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/998)].
2- أما أوجه الاختلاف بين الزكاة والضريبة فهي كثيرة؛ منها:
من حيث الثبات والاستمرارية: فالزكاة فريضة دائمة وثابتة مادام في الأرض مسلمون يوحدون الله تعالى، لا يبطلها جور جائر ولا عدل حاكم، شأنها شأن الصلاة، وهي لا تخضع لتقنين التعديل أو التبديل أو الإلغاء، ولا تخضع لقاعدة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" [قواعد الفقة، البركتي، ص(113)]، وإنما تخضع لقاعدة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" [قواعد الفقة، البركتي، ص(108)].
أما الضريبة فليس لها صفة الدوام والثبات لا في نوعها ولا مقاديرها، ولكل حكومة أن تضع من الضريبة حسب ما تراه السلطة التشريعية فيها، فهي تجب حسب الحاجة وتزول بزوالها، فهي تكليف زمني تتحدد أحكامها تبعًا لمشيئة الوضع الحكومي [الزكاة الضريبية، غازي عناية، ص(44-45)].
من حيث تحديد المقادير في كل منهما: أن الزكاة فريضة إلهية في وجوبها ومقاديرها وأنصبتها وأوعيتها وشروطها وسائر أحكامها؛ فمقادير الزكاة من العشر، والخمس، ونصف العشر، وربع العشر، كلها مقادير من عند الله تعالى وليس لأحد أن يغير أو يبدل، بخلاف الضريبة؛ حيث تخضع في تقديرها لمشيئة الوضع الحكومي واجتهاد أولي الأمر، وإن بقاءها وعدمه مرهون بتقدير السلطة لمدى الحاجة إليها [الازدواج الضريبي، عطية صقر، ص(18)].
من حيث وجوه الإنفاق في كل منهما: فللزكاة مصارف خاصة محددة في كتاب الله تعالى والسنة النبوية، توزعها الدولة بعد جبايتها، أو يوزعها المسلم بنفسه إن شاء، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
في حين أن مصارف الضريبة ووجوه إنفاقها غير محددة، وتحكم فرضيتها المشاركة في تحمل الأعباء العامة، وتغطية أوجه الإنفاق العام، أضف إلى ذلك أن زكاة كل إقليم أو بلد مخصصة للإنفاق في نفس الإقليم أو البلد، ولا يجوز إخراجها إذا كان يوجد فيه من هو بحاجة إليها؛ فإذا فضل شيء عن حاجة فقراء البلد ومصالحهم فعندها يُنقل إلى بيت المال ليُنفق على سائر السكان، في حين أن الضريبة تعود فورًا إلى خزينة الدولة لتنفقها الدولة على ما تشاء في المصالح العامة.
حكم فرض الضريبة في الفقه الإسلامي:
انقسم الفقهاء حياله إلى فريقين، فريق قال بالجواز ولكن ليس على الإطلاق، وفريق منع من فرض الضريبة مطلقًا؛، وإليك بيان هذا الأمر:
المانعون لفرض الضرائب :
يرى هذا الفريق أن الحق الوحيد في المال هو الزكاة، فمن أخرج زكاة ماله فقد برئت ذمته، ولا يجوز بعد ذلك التعرض لما في يده من أموال دون حق، ولا يُطالب بشيء إلا أن يتطوع رغبة بالأجر من الله تعالى.
حجتهم في المنع: احتجوا لهذا الرأي بأحاديث؛ أهمها:
1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال: (تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئًا ولا أنقص منه، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) [متفق عليه، رواه البخاري، (1397)، ومسلم، (116)]، وفي رواية قال عليه السلام: (إن صدق الأعرابي؛ دخل الجنة) [رواه الترمذي، (622)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (619)]، ففي هذا الحديث أعلن الرجل أنه لا يزيد على الزكاة المفروضة ولا ينقص، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه من أهل الجنة.
2- روى الترمذي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أديت زكاة مالك؛ فقد قضيت ما عليك) [رواه ابن حبان، (3216)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1719)]، ومن قضى ما عليه في ماله، لم يكن عليه حق فيه ولا يُطالب بإخراج شيء آخر على سبيل الوجوب.
3- ما رواه ابن ماجة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته ـ تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة) [رواه ابن ماجه، (1861)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، (1789)]، وقالوا: إن ما جاء في بعض النصوص من إثبات حقوق في المال غير الزكاة مطلوبة على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب والالتزام كما في حق الضيف، أو قالوا: بأنها حقوق واجبة قبل الزكاة، فلما فُرضت الزكاة نسخت كل حق كان قبلها [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/967)].
4- احترام الملكية الشخصية؛ إذ أن الإسلام احترم الملكية الشخصية، وجعل كل إنسان أحق بماله، وحرم الأموال كما حرم الدماء والأعراض، والضرائب مهما يقول القائلون في تبريرها وتفسيرها ليست إلا مصادرة جزء من المال يُؤخذ من أربابه قسرًا وكرهًا.
5- الأحاديث الواردة بذم المكس ومنع العشور؛ فلقد جاءت الأحاديث النبوية بذم المكوس والقائمين عليها وتوعدهم بالنار والحرمان من الجنة، فعن رويفع بن ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن صاحب المكس في النار) [رواه أحمد في مسنده، (17464)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (787)].
وعن عقبة بن عامر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) [رواه أبو داود، (2939)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، (2937)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن عقبة بن عامر به مرفوعًا، وصححه ابن خزيمة والحاكم، (1/729)]، وعدَّ الذهبي المكس من الكبائر، وقال: (المكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم؛ فإنه يأخذ ما لا يستحق، ويعطيه من لا يستحق) [كتاب الكبائر، الذهبي، ص(112)].
المجيزون, وهو الراجح:
أ- الحنفية: يرى الحنفية جواز فرض الضرائب على الناس، إذا كانت هناك حاجة تدعو إليها؛ حيث يسمونها النوائب (النوائب: جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان بحق أو بباطل، ونوائب الرعية: ما يضربه السلطان من حوائج على الرعية؛ كإصلاح القناطر والطرق وغيرها) [قواعد الفقه، محمد عميم البركتي، ص(535)]، فقد جاء في حاشية رد المحتار ما نصه: (زمن النوائب ما يكون بالحق؛ كري النهر المشترك للعامة، وأجرة الحارس للمحلة والمُسمى الخفير، وما وظف للإمام ليجهز به الجيوش، وفداء الأسرى، بأن احتاج إلى ذلك ولم يكن في بيت المال شيء فوظف على الناس ذلك)، ويتابع فيقول: (وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك) [حاشية ابن عابدين، (2/336-337)].
ب- المالكية: قالوا يحق للإمام أن يوظف الضرائب لظروف خاصة، يقول الإمام القرطبي: (واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها) [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (2/242)]؛ والمقصود بالمال هنا غير مال الزكاة، وإنما أُخذ من قوله تعالى: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]، وقال الإمام مالك: (يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم) [أحكام القرآن، أبو بكر العربي، (1/60)].
ج- الشافعية: يقرون شرعية الضرائب على الأغنياء إذا احتاج الإمام من أجل مصلحة عامة؛ وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: (إذا خلت الأيدي من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول العدو ديار المسلمين، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد الإسلام؛ جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند) [المستصفى من علم الأصول، الغزالي، (1/426)]. وفتوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام للملك المظفر قطز في فرض الضرائب على الناس لأجل الاستعداد والتجهيز لقتال التتار، (إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص المذهبة، والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا) [النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردة، (7/72-73)].
د- أما فقهاء الحنابلة: فقد أجازوا فرضيتها وسموها الكلف السلطانية، واعتبروها من الجهاد بالمال، وفي ذلك يقول ابن تيمية في الفتاوى إذ يعتبر أن الكلف السلطانية أو ما يأخذه السلطان من أموال الأغنياء يُعد من قبيل الجهاد بالمال؛ فيقول: (وإذا طلب منهم شيئًا يؤخذ على أموالهم ورءوسهم، مثل الكلف السلطانية التي توضع عليهم كلهم، إما على عدد رءوسهم، أو على عدد دوابهم، أو على أكثر من الخراج الواجب بالشرع، أو تؤخذ منهم الكلف التي أحدثت في غير الأجناس الشرعية، كما يُوضع على المتابعين للطعام والثياب والدواب والفاكهة وغير ذلك، يُؤخذ منهم إذا باعوا، ويُؤخذ تارة من البائعين، وتارة من المشترين) [الفتاوى، ابن تيمية، (30/40-41)].
المستند الشرعي لرأي هذا الفريق:
أ- استدلالهم بالقرآن الكريم:
استدل هذا الفريق بقول الله عز وجل: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وجه الاستدلال في الآية الكريمة أن الله تعالى نص على إيتاء الزكاة كما نص على إيتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكين؛ مما يدل على أن المراد بإيتاء المال في الآية غير الزكاة، وأن في المال حقًا سوى الزكاة، يقول الفخر الرازي: (واختلفوا في المراد من هذا الإيتاء؛ فقال قوم: إنها الزكاة وهذا ضعيف؛ وذلك لأنه تعالى عطف الزكاة عليه بقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ}، ومن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يتغايرا، فثبت أن المراد به غير الزكاة .. وإن كان غير الزكاة إلا أنه من الواجبات) [التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، الرازي، (3/43-44)].
ب- استدلالهم من السنة النبوية؛ استدلوا بما يلي:
1- عن فاطمة بنت قيس قالت: (سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: (إن في المال لحقًا سوى الزكاة)، ثم تلا هذه الآية من سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177]) [رواه الترمذي، (661)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، (659)].
2- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له فضل زاد؛ فليعد به على من لا زاد له)، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل [رواه مسلم، (4614)].
3- عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم قدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إلا إذا جاعوا وعروا مما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله محاسبهم يوم القيامة حسابًا شديدًا، ومعذبهم عذابًا نكرًا) [رواه الطبراني في الأوسط، (3717)، وقال الهيثمي: (ثابت من رجال الصحيح وبقية رجاله وثقوا وفيهم كلام)، مجمع الزوائد، (3/197)].
4- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس)، وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة [متفق عليه، رواه البخاري، (3581)، ومسلم، (5486)].
ج- واستدلوا بالآثار الواردة عن الصحابة؛ ومن ذلك:
1- ما ورد عن الفاروق عمر رضي الله عنه أنه قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقرائهم)، وبهذا يرى عمر أنه يجوز لولي الأمر أن يفرض على الأغنياء من الصدقات غير الزكاة قدرًا تُسد به حاجة الفقراء، ويُمحى به الفقر من المجتمع، كما ذهب إلى ذلك أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وأبو ذر وعائشة وفاطمة بنت قيس رضي الله عنهم [الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص(495)، الجامع، القرطبي، (1/241)، المحلى، ابن حزم، (6/225)].
2- وصح عن الشعبي ومجاهد وعطاء وطاوس من التابعين رضي الله عنهم، أن في المال حقًا سوى الزكاة [انظر: المحلى، ابن حزم، (6/225)، الجامع، القرطبي، (1/241-242)، الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص(495-496)، فقه الزكاة، القرضاوي، (2/983)]، وهذه الأقوال لم تلق تعارضًا؛ فتكون بمثابة إجماع سكوتي على جواز فرض ضريبة مع الزكاة عند عدم كفايتها لسد حاجات الفقراء.
د- وأما ما يُستدل به من المعقول:
1- مبدأ التكافل الاجتماعي بين الفرد والمجتمع: فالفرد لا يمكن أن يكسب المال بجهده وحده، فلولا جهد المجتمع الذي شق له القنوات، ونظم له الري والصرف، وصنع له أدوات الحراثة والزراعة، وهيأ له الأمن والاستقرار؛ ما كان لجهده أن يؤدي إلى ثمرة، ومن أجل هذا فإن المال الذي يحوزه الفرد ويُنسب إليه هو بمثابة مال الجماعة أيضًا، يُنسب إليها ويجب عليها؛ قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، ويتبين من الآيات الكريمة أن الله تعالى أضاف الأموال فيها إلى جميع المخاطبين، فلم يقل: لا يأكل بعضكم مال بعض، بل قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} لينبه على أن المجتمع المسلم وحدة متضامنة في كل أمورها. يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية: (ذلك بأن الإسلام يجعل مال كل فرد من أفراد المتبعين له مالًا لأمته كلها، مع احترام الحيازة والملكية، وحفظ حقوقها؛ فهو يوجب على كل ذي مال كثير حقوقًا معينة لصالح العامة، كما يوجب عليه وعلى صاحب المال القليل حقوقًا أخرى لذوي الاضطرار من الأمة، ويحث فوق ذلك على البر والإحسان) [تفسير المنار، رشيد رضا، (5/39)].
2- مبدأ الإخاء الذي نادى به الإسلام: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، فإن لهذه الأخوة ثمرات ومتطلبات، تؤتي أكلها في مجال التضامن الأخوي العلمي والتكافل الاجتماعي، فهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، (والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره) [رواه مسلم، (6706)]، فهذا الإخاء الروحي في الرعية يجب أن يكون دافعًا للوقوف بجانب الدولة عند حدوث الظرف الاستثنائي غير العادي، فالإخاء علاقة روحية يجب أن تعكس واجب التضامن مع الدولة في محنتها.
3- الزكاة لا تغني عن الضرائب: لأن مصارفها محددة وغايتها اجتماعية ودينية وسياسية وأخلاقية، فهي ليست جمعًا للمال لإنفاقه على مرافق الدولة، بل محصورة في الأصناف الثمانية المعروفة؛ ولهذا فإن أموالها لا تخلط بأموال الموارد الأخرى، قال الفقهاء: لا تُصرف الزكاة إلى بناء الجسور وتمهيد الطرق وشق الأنهار، وبناء المساجد والمدارس والسقايات وسد البثوق ـ البثق: موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه، [المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، ص(36)] ـ [انظر: المغني، ابن قدامة، (2/667)].
وهذه المرافق العامة وغيرها الكثير ضروري للجماعة، والدولة هي المسئولة عن إصلاح هذه المرافق وإقامتها، فمن أين يُنفق على مصالح الجماعة ومن أين تُسد ثغور الوطن، إذًا لم يجز للحاكم أن ينفق عليها من أموال الزكاة؟ يبقى الجواب أنه حالة عجز الدولة عن القيام بهذه المرافق لابد من فرض ضرائب على ذوي الأموال بقدر ما يحقق المصلحة الواجب تحقيقها؛ وفقًا للقاعدة التي تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [المستصفى، الغزالي، (1/17)، أصول التشريع الإسلامي، علي حسب الله، ص(272)].
4- من قواعد الشريعة يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام: بمعنى أن نفع الجماعة مقدم على نفع الفرد، وكذلك درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وتفويت أدنى المصلحتين تحصيلًا لأعلاهما، كل ذلك لا يؤدي إلى إباحة فرض الضرائب فحسب، بل على العكس يحتم فرضها وأخذها بالقوة، إذا وقعت الدولة في مأزق أو ظرف طارئ يستوجب مالًا كثيرًا لا تتحمل خزينة الدولة القيام به وإن لم يدفع هذا الطارئ ربما تزول الدولة، أو ينخر الضعف كيانها، ناهيك عن الأخطار العسكرية من قِبَل أعدائها فيطمعون بها.
لا يُعقل أن يُمنع فرض الضرائب في حال النوازل بالأمة، وعدم قدرتها على مواجهة ذلك؛ فتفوت مصالح الأمة من أجل المحافظة على الملكية الخاصة، فالقاعدة الشرعية كذلك تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [المستصفى، الغزالي، (1/71)، الأحكام، الآمدي، (1/157)، أصول الخضري، ص(55)].
5- تطور الإنفاق: مطلوب من الدولة أن تتفوق في شتى جوانب الحياة العلمية والصناعية، والاقتصادية والعسكرية، بما يتلاءم مع تطور حياة أعدائها، وبما يحقق لأبنائها مواكبة التطور والعيش الكريم، ومن الطبيعي جدًّا أن زيادة عدد السكان تحتاج إلى زيادة في الإنفاق، كل هذا يفتقر إلى مقادير كبيرة من المال، قد تعجز الدولة إيجاده وتوفيره ولا يكون سبيل إلى ذلك إلا بفرض الضرائب؛ وعندها تكون هذه الضرائب نوعًا من الجهاد بالمال، والمسلم مأمور بذلك؛ ليحمي دولته ويقوي أمته ويحمي دينه وماله وعرضه [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1077)].
6- إن ما يُجمع من الضرائب لابد وأن يُنفق في المصالح العامة: ومرافق الدولة؛ كالدفاع والأمن، والتعليم والصحة ونحوه، وهذا لاشك يستفيد منه جموع المسلمين من قريب أو بعيد، وإذا كان الفرد يستفيد من وجود الدولة، ويتمتع بالمرافق العامة في ظل إشرافها وتنظيمها، وحمايتها للأمن الداخلي والخارجي، فلابد أن يسهم بالمال اللازم عند الحاجة، لتتمكن الدولة من القيام بأعبائها ومسئوليتها، فكما يغنم الفرد من المجتمع ممثلًا في الدولة ونشاطاتها يجب أن يغرم، ويدفع ما يخصه من ضرائب والتزامات؛ تطبيقًا للقاعدة الشرعية "الغرم بالغنم" [قواعد الفقه، محمد عميم البركتي، ص(94)].
7- أما مسألة حرمة المكس: فإن المكس غير الضريبة الشرعية، وإن الأحاديث الواردة في ذم المكس أكثرها لم تثبت صحتها [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1094)]، وإن كلمة المكس لا يُراد بها معنى واحد محدد لغة أو شرعًا، فهو يأتي بمعنى: ما يأخذه العشار، والضريبة التي يأخذها الماكس وأصله الجباية، ويأتي بمعنى النقص، والمكس: انتقاص الثمن في البياعة وما يأخذ الماكس ممن يدخلون البلد من التجار [لسان العرب، ابن منظور، مادة (م. ك. س.)، المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، ص(587)].
وعلى هذا يُحمل صاحب المكس على الموظف العامل الذي يجبي الزكاة فيظلم في عمله، ويتعدى على أرباب الأموال فيأخذ منهم ما ليس من حقه، أو يقل من المال الذي جمعه مما هو حق للفقراء وسائر المستحقين، وقد يدل لذلك ما جاء عن بعض الرواة من تفسير "العاشر" بالذي يأخذ الصدقة على غير حقها [مجمع الزوائد، الهيثمي، (3/87-88)]، كما أن أبا داود أخرج الحديث في باب "السعاية على الصدقة".
وهناك محمل آخر لكلمة المكس لعله هو الظاهر [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1095)]؛ والمراد بها: الضرائب الجائرة التي كانت تسود العالم يوم ظهور الإسلام وتُؤخذ بغير حق، وتُنفق بغير حق، ولم تكن تُنفق على مصالح الشعوب، بل في مصالح الملوك والرؤساء وشهواتهم وأتباعهم، ولم تكن تُؤخذ من الناس حسب قدراتهم على الدفع، فكثيرًا ما أُعفي الغني محاباةً، وأُرهق الفقر عدوانًا، قال في التبيين من كتب الحنفية: (وما ورد من ذم العشار محمول على من يأخذ أموال الناس ظلمًا كما يفعله الظلمة اليوم) [البحر الرائق، ابن نجيم، (2/249), حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، (2/310)].
فهذا النوع من الضرائب هو أولى أن يُطلق عليه اسم المكس الذي جاء فيه الوعد والوعيد، أما الضرائب التي تُفرض من قِبَل الحاكم العادل، وبالشروط التي يجب أن تتوافر بها كما سنبين إن شاء الله تعالى وعلى أساس المصلحة والعدالة، لتغطي نفقات الميزانية وتسد حاجات البلاد من الإنتاج والخدمات، وتقيم مصالح الأمة العامة؛ العسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية وغيرها؛ فإن مثل هذه الضرائب لمثل هذه الغايات وما شابهها، لا يشك ذو بصر في الإسلام أنها جائزة، بل قد تكون واجبة، وللحكومة الإسلامية الحق في فرضها وأخذها من الرعية حسب المصلحة وبقدر الحاجة [فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1096)].
آراء الفقهاء المحدثين في جواز فرض الضريبة:
1- يرى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله أن الزكاة عبادة مالية، وليست ضريبة يجب إخراجها، وجدت حاجة إليها أو لم توجد، وهي مورد دائم للفقراء والمساكين، وأما الضرائب فهي من وضع الحاكم عند الحاجة، وإن إحداهما لا تغني عن الأخرى، وعليه؛ فيجب دفع الضرائب، وتكون بمثابة دين شغل به المال، ويقول: إن الحاكم الممثل للأمة إذا لم يجد ما يحقق به المصالح العامة للجماعة؛ كإنشاء دور التعليم، وتعبيد الطرق، وحفر الترع والمصانع، وإعداد العدة للدفاع عن البلاد، ورأى أن أغنياء الأمة قد قبضوا أيديهم، ولم يمدوه بالبذل والمعونة؛ جاز له وقد يجب، أن يضع عليهم من الضرائب ما يحقق به تلك المصالح دون إرهاق أو إعنات [الفتاوى الكبرى، الشيخ محمود شلتوت، ص(116-118)].
2- يؤكد الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى جواز فرض ضرائب بجوار الزكاة؛ مستندًا إلى أسانيد فقهية شرعية فيقول: زعم بعض العلماء أن الضرائب القائمة في الدولة الإسلامية تقوم مقام الزكاة وتغني غناءها، وذلك زعم لا يتفق مع أصل شرعة الزكاة؛ لأن هذه الضريبة كانت لعلاج الفقر والفقراء، وسد حاجة المحتاجين، والصرف على الجيش المجاهد في سبيل الدعوة الإسلامية، وليست هذه مصارف الضرائب التي تُفرض الآن.
ويُعلل عدم وجود ضرائب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لوجود تعاون كبير بين المؤمنين ورغبة تطوعية في الإنفاق في سبيل الله، والمؤاخاة بين المجاهدين والأنصار ضيقت مسارب الفقر وجيوبه، فلم تكن ثمة حاجة إلى فرض ضرائب غير الزكاة والجزية والخراج.
ويعزو جواز فرض ضرائب غير الزكاة الآن إلى تعقد الاجتماع واستبحار العمران، وحاجة الدولة الإسلامية إلى المال الكثير، وأن الزكاة لا تكفي؛ ولذا فإنه إذا كانت هناك حاجة شديدة في بيت المال، وكان القائمون عدولًا، تُفرض الضرائب؛ محتجًّا بقول مالك رحمه الله: (يجب على المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع) [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (2/242)].
كما يستند في فتواه إلى المصلحة المرسلة في التوظيف على الأغنياء، إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند، وليس فيه ما يكفيهم، وجعل حصة الأغنياء فيها أكبر نسبة من حصة غيرهم مادامت المصلحة توجب ذلك، ومادام ولي الأمر قائمًا بالعدل والقسطاس [التطبيق المعاصر للزكاة، شوقي شحادة، ص(47)].
3- ويرى المودودي جواز فرض الضرائب؛ فيقول: (أما حاجات الحكومة فما هي إلا حاجات الجمهور أنفسهم، فكل ما يطالبون به الحكومة، من واجبهم أن يكتتبوا لها من الأموال ما تحقق به مطالبهم، فكما أنه يكتتب بالمال مختلف الشئون الاجتماعية؛ فكذلك يجب على الناس أن يكتتبوا بالمال، ويمكِّنوا الحكومة من القيام بكل ما هم في حاجة إليه، وما الضريبة في الواقع إلا مال يكتتب به الناس لمصالحهم) [نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون، أبو الأعلى المودودي، ص(321-313)، الحرية الاقتصادية في الإسلام، أبو الفتوح، ص(147)].
الشروط المعتبرة لشرعية الضريبة:
1- أن تكون حاجة الدولة للمال حاجة حقيقية وضرورية لا وهمية أو ظنية، بحيث لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تحقق أهدافها.
ومما كتبه النووي إلى الظاهر بيبرس ينصحه، رسالة أوضح له فيها حكم الشرع، قال: (ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شيء مادام في بيت المال شيء من نقد أو متاع، أو أرض أو ضياع أو غير ذلك، وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان ـ أعز الله أنصاره ـ متفقون على هذا، وبيت المال بحمد الله معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيرًا وبركة) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، ابن العطار، ص(50-54)، الإمام النووي، عبدالغني الدقر، ص(144، 163)].
2- يُشترط أن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا، دعت إليه المصلحة العامة للدولة، وتدبيرًا مؤقتًا حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلة الداعية وانتهاء الحاجة. إذ أن تصرف الحاكم في فرض الضريبة منوط بالمصلحة؛ فالقاعدة الفقهية تقول: "التصرف على الشرعية منوط بالمصلحة"، ولذا؛ فإن نفاذ تصرفات الوالي على الغير تتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن التصرف؛ سواء كانت دينية أو دنيوية، فإن تضمن التصرف منفعة وجب على الغير تنفيذه وإلا فلا [شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، ص(247)، القواعد الكلية والضوابط الفقية، محمد عثمان، ص(352)، رسالة ماجستير: الضرائب في النظام المالي الإسلامي، إبراهيم محمد خريس، ص(111)، ومرجعه غياث الأمم، الجويني، ص(286)].
3- أن توزع أعباء الضريبة على الناس بالعدل، بحيث لا يُرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر، ولا يحابى فريق على حساب فريق آخر بغير مسوغ يقتضي ذلك، ولا نعني بالعدل أن يؤخذ من الجميع مقدارًا واحدًا محددًا؛ فإن المساواة بين المتفاوتين ظلم، فلا يُؤخذ بنسبة واحدة من الجميع، بل يجوز لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أن تختلف النسبة، فيُؤخذ من فرد أكثر من غيره نظرًا لحاله.
ولذلك تقتضي قواعد العدالة الضريبية التنويع في أسعار الضرائب، وذلك بتبني نظام النسبة في سعر الضريبة بأن يكون السعر بنسبة ثابتة من الدخل (5%) مثلًا أو أكثر حسب ما تتطلبه المصلحة العامة، ويراه ولي الأمر، بعد دراسة جادة وبصرف النظر عن مقدار الدخل، وبذلك يخضع الدخل الأعلى لسعر أعلى. يقول أبو يوسف: (إن العدل وإنصاف المظلوم وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأجر؛ يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل تكون، وهي تُفقد مع الجور) [الخراج، يحيى بن آدم، ص(120-121)].
4- أن يكون التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع [الثروة في ظل الإسلام، البهي الخولي، ص(223)]؛ أي يكون فرض الضريبة لإنفاق المال في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواء من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا لتنفق على ترفيه أسرهم وترفههم، ولا لترضية السائرين في ركابهم.رُوي أن رجلًا كان بينه وبين عمر بن الخطاب قرابة، فسأله مالًا؛ فزجره وأخرجه، فكُلِّم فيه، فقيل: يا أمير المؤمنين، فلان سألك فزجرته وأخرجته، فقال: (إنه سألني من مال الله ـ ويعني من مال جماعة المسلمين ـ فما معذرتي عند الله إن لقيته ملكًا خائنًا؟)، فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله [تاريخ الطبري، (5/19)، فقه الزكاة، القرضاوي، (2/1085)، الطبقات الكبرى، ابن سعد، (1/219)، أخبار عمر، الطنطاوي، ص(299)].
ولهذا فلابد أن تفرض للدفاع عن الأمة ضد أي عدوان, وتحقيق الأمن الداخلي, وإشباع الحاجة إلى الخدمات الصحية؛ من علاج ومستشفيات ومصانع أدوية ونحوه، وإشباع الحاجات التعليمية من مدارس ومعلمين ونحوه.
5- أن تُؤخذ من فضل المال أو ما يزيد عن حاجة المكلفين الأساسية، فمن كان عنده من المكلفين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أُخذت الضريبة من هذا الفضل، ومن كان لا فضل عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيء [الأموال في دولة الخلافة، عبد النديم زلوم، ص(142)، سياسة الإنفاق العام في الإسلام، عوف الكفراوي، ص(447)]؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة عن ظهر غنى) [رواه مسلم، (2433)]، والمعيار الموضوعي للغنى؛ هو ملك النصاب ممن بلغ النصاب أو زاد، فإنه يُعتبر غنيًّا تُؤخذ منه الضريبة.
مواضيع مماثلة
» الكفارات في الفقه الإسلامي
» ( دفع الصائل وأحكامه في الفقه الإسلامي) .
» أصول الفقه الفقه هو مجموعة القواعد
» أسس التشريع الإسلامي
» كلمةالبيعة فى التشريع الإسلامي
» ( دفع الصائل وأحكامه في الفقه الإسلامي) .
» أصول الفقه الفقه هو مجموعة القواعد
» أسس التشريع الإسلامي
» كلمةالبيعة فى التشريع الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin