بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
معانى الأسماء الحسنى 11
صفحة 1 من اصل 1
معانى الأسماء الحسنى 11
الله جل جلاله المَالِكُ :
المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك ، لأن علة استحقاق الملك أمران :
الأول : صناعة الشيء وإنشائه وإيجاده واختراعه ، وقد علم عقلا أن المخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر ، وعند البخاري أن عُمَر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ، وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) (2)، وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده أو يصنعه بمفرده فلا بد له من ظهير معين ، سواء من أهله وقرابته أو حزبه وجماعته أو عشيرته وقبيلته ، إذا علم ذلك فإن الله عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك أو يمسك السماء معه أن تقع على الأرض قال تعالى : } أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [الأعراف:54] ، وقال : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُدا { [الكهف :51] ، وعند البخاري من حديث عَمرانَ رضى الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه و سلم قال : ( كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) (3) .
أما العلة الثانية لاستحقاق الملك فهي دوام الحياة ، لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من على الأرض ميت زائل فان ، كما قال سبحانه وتعالى : } كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام { [الرحمن:27] ، وقال أيضا : } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون { [العنكبوت :57] ، ولما كانت الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله ، فإن الملك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه كما قال : } لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار { [غافر :16] ، وقال تعالى : } وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير { [آل عمران :180] .
فالملك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه ، وهو الملك من فوق عرشه لا خالق ولا مدبر للكون إلا الله ، فالمَلك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ، وملكه هو الحق الدائم له بحق دوام الحياة ، ولما كان الحق سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فإنه إلزاما ينفرد بالملك والتقدير ، وينفرد أيضا بأنه المالك المستحق للملك ، قال ابن القيم : ( الفرق بين الملك والمالك أن المالك هو المتصرف بفعله ، والملك هو المتصرف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره ) (4) ، ولعله يقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه ، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر .
الله جل جلاله الرَّزَّاقُ :
الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق (5) .
وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان عليه السلام : } أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ { [النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء ، وهو وعد الله فيما تم به القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال تعالى وجود الرزق قضاء في السماء : } وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ { [ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء : } وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { [العنكبوت:60] ، وقال : } وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا { [هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير .
فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله (6) ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه ويوحدوه ، قال تعالى : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ { [الذاريات:57] (7) .
فالأرزاق مقسومة ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وعند مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أنه قَالَ ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) ( .
وقال تعالى : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا { [الطلاق:3] ، وفي هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم والإجمال سيتولاه في الخلق على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق الخلاق القدير المقتدر ، قال ابن القيم :
وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان
والثاني سوق القوت للأعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بهذا الاعتبار وليس بالإطلاق دون بيان (9).
الله جل جلاله الوَكيلُ :
الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر المَوْكُول إليه ، يقال : تَوَكَّلَ بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، وَوَكَّلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه ، واعْتَمدت فِيه عَلَيه ، وَوَكَّل فُلان فُلاناً إذا اسْتَكفاه أَمْرَه إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزاً عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به (10) ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده ومنه ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من توكل لي ما بين رجليه ، وما بين لحييه ، توكلت له بالجنة ) (11) ، وقد يأتي التوكل بمعنى الاعتماد على الغير والركون إليه ومنه ما ورد في قوله تعالى : } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ { [الطلاق/3] ، وربما يفسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيلا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : ( لو أنكم كنتم توكلون على اللَّه حق توكله ، لرزقتم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ) (12) .
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا وهداية وتقديرا فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى : } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الأنعام:102] ، وقال تعالى : } اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الزمر:62] ، وقال هود عليه السلام : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا { [هود:56] ، فالوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم (13) .
وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ { [الأنفال:2] ، وقال سبحانه في وصف المؤمنين : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { [آل عمران:173] ، وقال لنبيه صلى الله عليه و سلم : } وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً { [الأحزاب:48] ، وقال : } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً { [المزمل:9] (14) .
ويذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه يتولي شئون أهله ووليه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف ، فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه ، وأما توكيل العبد ربه فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته (15) .
الله جل جلاله الرَّقيبُ :
الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن أبا بكر رضى الله عنه قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) (16) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون عليه السلام : } إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي { [طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه (17) .
والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [المجادلة:7] ، وقال : } أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ { [الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم إحاطة (18).
والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { [ق:16/18] ، وهو سبحانه وتعالى من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ، ورقيب أيضا على أفعال الإنسان ، قال تعالى : } وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ { [يونس:61].
الله جل جلاله المُحْسِنُ :
اسم الله المحسن ورد في السنة النبوية مطلقا منونا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند الطبراني وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا ، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )(1) ، وكذلك ورد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين قال : ( إن الله محسن يحب الإحسان إلي كل شيء ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (2) ، وقد ورد الحديث عند مسلم من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه لكن فيه ذكر الوصف دون الاسم قَالَ شَدَّاد : ( ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (3) .
الله جل جلاله الحَسيبُ :
ورد اسم الله الحسيب في القرآن مطلقا منونا مقرونا بمعاني العلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) [النساء:86] ، فالله من فوق عرشه حسيب باسمه ووصفه ، له الكمال المطلق في محاسبته لخلقه وله الكمال في علو شأنه ، فإن أضفت إلى الإطلاق اجتماع معاني العلو كان ذلك من جمال الكمال في الاسم والصفة ، وقد ورد الاسم مقيدا في قول الله تعالى : ( فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) [النساء:6] .
الله جل جلاله الشَّافِي :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه فعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَي مَرِيضًا أَوْ أُتِي بِهِ قَالَ : ( أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) (4) ، وكذلك ورد الحديث في صحيح مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ : أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) ، وهذه الأحاديث التي ثبتت في معظم كتب السنة ورد فيها الاسم والوصف معا (5) .
الله جل جلاله الرِّفيقُ :
اسم الله الرفيق ورد في السنة النبوية مطلقا معرفا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ : ( اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ، قُلْتُ : أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ) (6) ، وعند مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَي الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَي مَا سِوَاهُ ) (7) .
الله جل جلاله المُعْطي :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا عند البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ) ( ، وفي رواية أخرى عند البخاري ذكر الوصف بدلا من الاسم : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أَو حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ ) (9) ، والوصف لا يكفي وحده لإثبات المعطي المانع ، ولذا فإن الثابت اسم الله المعطي للحديث الذي سبق ونص على الاسم
الله جل جلاله المُحْسِنُ :
المحسن في اللغة اسم فاعل فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحُسْنُ ضدُّ القُبْح وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والمَحَاسِنُ ضد المساوئ ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : } لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { [يونس:26] ، فالحُسْنى هي الجنّة والزّيادة النظر إلى وجه اللَّه تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة من بعده (1) .
وقوله عزّ وجلّ : } وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى { [لقمان:22] المحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر رضى الله عنه قال : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ { [النحل:90] قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص ، وهو شرطٌ في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المُراقبة وحُسْن الطاعة ، فإِن مَنْ راقَب اللَّهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا (2) .
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : } اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله (3).
الله جل جلاله الحَسيبُ :
الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَفُ الثابِتُ في الآباءِ ، والحَسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي لَه آباءٌ يَفْعَلُونَ الخَيْرَ ولا يَفْعَلُه هو (4) .
والحسيب سبحانه هو الكافي الذي يخلق ما يكفي العباد من أرزاقهم ، قال أبو حامد الغزالي : ( الحسيب هو الكافي وهو الذي من كان له كان حسبه والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ) (5)، وهو سبحانه أيضا الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ { [آل عمران:173/174] ، وعند البخاري عن ابن عباس رضى الله عنه قال : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا : } إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { (6)، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه .
والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأقدارهم وأفعالهم ومآلهم ، في حال كونهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها وحِسابُه واقعٌ لا محالة ، لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب ، قال تعالى : } الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ { [غافر:17] (7).
والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11] ، وقال تعالي : } هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] ( .
الله جل جلاله الشَّافِي :
الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءََ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى : } وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ { [آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقَمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) (9)، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَال عن هجاء حسان رضى الله عنه لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) (10) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشْتفى بنَفْسِهِ أَي اخْتَصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتَفَيْتُ بكذا وتَشَفَّيْت من غَيْظِي (11) .
والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها إنما هو إلزام من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها ، وهداها وسيرها ، وهذا توحيد الربوبية ، وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا من خلالها تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع ، فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل كما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) (12) ، هو القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : } وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ { [الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ : إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللَّهِ ، فَشَفَاهُ اللَّهُ ) (13) .
والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها قال تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ { [يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية (14) .
المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك ، لأن علة استحقاق الملك أمران :
الأول : صناعة الشيء وإنشائه وإيجاده واختراعه ، وقد علم عقلا أن المخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر ، وعند البخاري أن عُمَر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ، وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) (2)، وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده أو يصنعه بمفرده فلا بد له من ظهير معين ، سواء من أهله وقرابته أو حزبه وجماعته أو عشيرته وقبيلته ، إذا علم ذلك فإن الله عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك أو يمسك السماء معه أن تقع على الأرض قال تعالى : } أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [الأعراف:54] ، وقال : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُدا { [الكهف :51] ، وعند البخاري من حديث عَمرانَ رضى الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه و سلم قال : ( كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) (3) .
أما العلة الثانية لاستحقاق الملك فهي دوام الحياة ، لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من على الأرض ميت زائل فان ، كما قال سبحانه وتعالى : } كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام { [الرحمن:27] ، وقال أيضا : } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون { [العنكبوت :57] ، ولما كانت الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله ، فإن الملك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه كما قال : } لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار { [غافر :16] ، وقال تعالى : } وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير { [آل عمران :180] .
فالملك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه ، وهو الملك من فوق عرشه لا خالق ولا مدبر للكون إلا الله ، فالمَلك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ، وملكه هو الحق الدائم له بحق دوام الحياة ، ولما كان الحق سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فإنه إلزاما ينفرد بالملك والتقدير ، وينفرد أيضا بأنه المالك المستحق للملك ، قال ابن القيم : ( الفرق بين الملك والمالك أن المالك هو المتصرف بفعله ، والملك هو المتصرف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره ) (4) ، ولعله يقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه ، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر .
الله جل جلاله الرَّزَّاقُ :
الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق (5) .
وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان عليه السلام : } أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ { [النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء ، وهو وعد الله فيما تم به القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال تعالى وجود الرزق قضاء في السماء : } وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ { [ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء : } وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { [العنكبوت:60] ، وقال : } وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا { [هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير .
فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله (6) ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه ويوحدوه ، قال تعالى : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ { [الذاريات:57] (7) .
فالأرزاق مقسومة ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وعند مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أنه قَالَ ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) ( .
وقال تعالى : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا { [الطلاق:3] ، وفي هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم والإجمال سيتولاه في الخلق على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق الخلاق القدير المقتدر ، قال ابن القيم :
وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان
والثاني سوق القوت للأعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بهذا الاعتبار وليس بالإطلاق دون بيان (9).
الله جل جلاله الوَكيلُ :
الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر المَوْكُول إليه ، يقال : تَوَكَّلَ بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، وَوَكَّلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه ، واعْتَمدت فِيه عَلَيه ، وَوَكَّل فُلان فُلاناً إذا اسْتَكفاه أَمْرَه إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزاً عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به (10) ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده ومنه ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من توكل لي ما بين رجليه ، وما بين لحييه ، توكلت له بالجنة ) (11) ، وقد يأتي التوكل بمعنى الاعتماد على الغير والركون إليه ومنه ما ورد في قوله تعالى : } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ { [الطلاق/3] ، وربما يفسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيلا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : ( لو أنكم كنتم توكلون على اللَّه حق توكله ، لرزقتم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ) (12) .
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا وهداية وتقديرا فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى : } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الأنعام:102] ، وقال تعالى : } اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الزمر:62] ، وقال هود عليه السلام : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا { [هود:56] ، فالوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم (13) .
وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ { [الأنفال:2] ، وقال سبحانه في وصف المؤمنين : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { [آل عمران:173] ، وقال لنبيه صلى الله عليه و سلم : } وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً { [الأحزاب:48] ، وقال : } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً { [المزمل:9] (14) .
ويذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه يتولي شئون أهله ووليه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف ، فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه ، وأما توكيل العبد ربه فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته (15) .
الله جل جلاله الرَّقيبُ :
الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن أبا بكر رضى الله عنه قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) (16) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون عليه السلام : } إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي { [طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه (17) .
والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [المجادلة:7] ، وقال : } أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ { [الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم إحاطة (18).
والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { [ق:16/18] ، وهو سبحانه وتعالى من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ، ورقيب أيضا على أفعال الإنسان ، قال تعالى : } وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ { [يونس:61].
الله جل جلاله المُحْسِنُ :
اسم الله المحسن ورد في السنة النبوية مطلقا منونا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند الطبراني وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا ، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )(1) ، وكذلك ورد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين قال : ( إن الله محسن يحب الإحسان إلي كل شيء ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (2) ، وقد ورد الحديث عند مسلم من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه لكن فيه ذكر الوصف دون الاسم قَالَ شَدَّاد : ( ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (3) .
الله جل جلاله الحَسيبُ :
ورد اسم الله الحسيب في القرآن مطلقا منونا مقرونا بمعاني العلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) [النساء:86] ، فالله من فوق عرشه حسيب باسمه ووصفه ، له الكمال المطلق في محاسبته لخلقه وله الكمال في علو شأنه ، فإن أضفت إلى الإطلاق اجتماع معاني العلو كان ذلك من جمال الكمال في الاسم والصفة ، وقد ورد الاسم مقيدا في قول الله تعالى : ( فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) [النساء:6] .
الله جل جلاله الشَّافِي :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه فعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَي مَرِيضًا أَوْ أُتِي بِهِ قَالَ : ( أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) (4) ، وكذلك ورد الحديث في صحيح مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ : أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) ، وهذه الأحاديث التي ثبتت في معظم كتب السنة ورد فيها الاسم والوصف معا (5) .
الله جل جلاله الرِّفيقُ :
اسم الله الرفيق ورد في السنة النبوية مطلقا معرفا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ : ( اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ، قُلْتُ : أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ) (6) ، وعند مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَي الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَي مَا سِوَاهُ ) (7) .
الله جل جلاله المُعْطي :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا عند البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ) ( ، وفي رواية أخرى عند البخاري ذكر الوصف بدلا من الاسم : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أَو حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ ) (9) ، والوصف لا يكفي وحده لإثبات المعطي المانع ، ولذا فإن الثابت اسم الله المعطي للحديث الذي سبق ونص على الاسم
الله جل جلاله المُحْسِنُ :
المحسن في اللغة اسم فاعل فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحُسْنُ ضدُّ القُبْح وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والمَحَاسِنُ ضد المساوئ ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : } لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { [يونس:26] ، فالحُسْنى هي الجنّة والزّيادة النظر إلى وجه اللَّه تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة من بعده (1) .
وقوله عزّ وجلّ : } وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى { [لقمان:22] المحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر رضى الله عنه قال : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ { [النحل:90] قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص ، وهو شرطٌ في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المُراقبة وحُسْن الطاعة ، فإِن مَنْ راقَب اللَّهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا (2) .
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : } اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله (3).
الله جل جلاله الحَسيبُ :
الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَفُ الثابِتُ في الآباءِ ، والحَسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي لَه آباءٌ يَفْعَلُونَ الخَيْرَ ولا يَفْعَلُه هو (4) .
والحسيب سبحانه هو الكافي الذي يخلق ما يكفي العباد من أرزاقهم ، قال أبو حامد الغزالي : ( الحسيب هو الكافي وهو الذي من كان له كان حسبه والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ) (5)، وهو سبحانه أيضا الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ { [آل عمران:173/174] ، وعند البخاري عن ابن عباس رضى الله عنه قال : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا : } إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { (6)، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه .
والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأقدارهم وأفعالهم ومآلهم ، في حال كونهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها وحِسابُه واقعٌ لا محالة ، لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب ، قال تعالى : } الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ { [غافر:17] (7).
والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11] ، وقال تعالي : } هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] ( .
الله جل جلاله الشَّافِي :
الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءََ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى : } وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ { [آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقَمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) (9)، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَال عن هجاء حسان رضى الله عنه لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) (10) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشْتفى بنَفْسِهِ أَي اخْتَصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتَفَيْتُ بكذا وتَشَفَّيْت من غَيْظِي (11) .
والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها إنما هو إلزام من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها ، وهداها وسيرها ، وهذا توحيد الربوبية ، وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا من خلالها تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع ، فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل كما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) (12) ، هو القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : } وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ { [الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ : إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللَّهِ ، فَشَفَاهُ اللَّهُ ) (13) .
والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها قال تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ { [يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية (14) .
مواضيع مماثلة
» معانى الأسماء الحسنى 6
» معانى الأسماء الحسنى 7
» معانى الأسماء الحسنى 8
» معانى الأسماء الحسنى 9
» معانى الأسماء الحسنى 10
» معانى الأسماء الحسنى 7
» معانى الأسماء الحسنى 8
» معانى الأسماء الحسنى 9
» معانى الأسماء الحسنى 10
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin