بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
معانى الأسماء الحسنى 8
صفحة 1 من اصل 1
معانى الأسماء الحسنى 8
الحفيظ :
الحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الموصوف بالحفظ ، فعله حفِظ يحفَظُ حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد الشيء وقلَّة الغفلة عنه ، ورجل حافظ وقوم حُفّاظٌ هم الذين رُزِقوا حِفْظَ ما سَمِعوا وقلما يَنْسَوْنَ شيئاً ، والحافِظُ والحَفِيظُ أيضا هو الموكَّل بالشيء يَحْفَظه ، ومنه الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى : } لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ { [الرعد: 11] ، أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى يأتي أجلها ، وكذلك الحفظة الذين يُحْصُونَ الأعمال ويكتبونها على بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:12] ، ويقال : حَفِظَ المالَ والسِّرَّ حِفْظاً رَعاه وصانه ، واحتفظ الشيءَ لنفسه يعني خَصَّها به ، والتحفُّظ قلَّة الغَفْلة في الأُمور والكلام (9) .
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء (10)، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (11) .
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان ، ويشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ، ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (12).
والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال تعالى : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ، وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن الحفظ في ذلك على وجهين :
الوجه الأول : إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ، ويضاده الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي لا يطول أمد بقائها ، مثل الحيوانات والنبات وغيرهما .
الوجه الثاني : أن الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها عن بعض ، كالتقابل بين الماء والنار ، فإنهما يتعاديان بطباعهما ، فإما أن يطفئ الماء النار ، وإما أن تحيل النار الماء إلى بخار ، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء كالإنسان والنبات والحيوان ، ولولا حفظه تعالى لهذه الأسباب وتنظيم معادلاتها ، وارتباط العلل بمعلولاتها ، لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل تركيبها ، وهذه هي الأسباب التي تحفظ الإنسان من الهلاك وتؤمن له بحفظ الله الحياة (13) .
المجيد :
المجيد في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله مجد يمجد تمجيدا ، والمجيد هو الكريم الفِعَال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سُمِّيَ مَجداً ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم ، والمَجْدُ المُرُوءةُ والكرمُ والسخاءُ والشرفُ والفخر والحسب والعزة والرفعة ، والمَجْدُ أيضا الأَخذ من الشرف والسُّؤْدَد ما يكفي ، وأَمجَدَه ومَجَّده كلاهما عظَّمَه وأَثنى عليه ، وتماجَدَ القومُ فيما بينهم ذكَروا مَجْدَهم (14)، والله عز وجل وصف كتابه بالمجيد فقال : } ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ { [قّ:1] ، لأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وصفة الكلام من صفاته العليا فالقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات والمعان ، وفيه كمال السعادة للإنسان ، فهو كتاب مجيد عظيم رفيع الشأن .
والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته وصفاته وأفعاله ، فمجد الذات الإلهية بيِّن في جمال الله وسعته وعلوه واستوائه على عرشه ، وقد ورد عند مسلم من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (15)، وعند مسلم أيضا من حديث أَبِي مُوسَى رضى الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (16) ، وكيفية جمال الذات أو كيفية ما هو عليه أمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه من كمال وصفه وجلال ذاته وكمال فعله (17)، ومِن مجد ذاته استواؤه على عرشه ؛ فهو العلي بذاته على خلقه ، يعلم السر وأخفى في ملكه ، وهو القائم عليهم والمحيط بهم ، قال تعالى : } الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5] ، وقد ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، وأنه فوق الماء ، وأن الماء فوق السماء ، والله عز وجل فوق ذلك محيط بالخلائق ويعلم ما هم عليه ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أنِ النَّبِي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) (18) .
وقد ذكر الله في كمال مجده اختصاص الكرسي بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتابه فقال سبحانه : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، والكرسي كما فسره السلف الصالح ما يكون تحت قدم الملك عند استوائه على عرشه ، وقد بين الله من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته وتوحيده في عبادته ، أن ملك من أشركوا به لو بلغ السماوات السبع والأرضون وما فيهن وما بينهن على عرضهن ومقدارهن وسعة حجمهن لا يمثلن شيئا في الكرسي الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ؟ وما بالك باتساع ملكه ؟ وعلى الرغم من ذلك لا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا فهو الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن وإدارتهن حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسكهن بقدرته وأبقاهن لحكمته ، ولذلك قال تعالى : } إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا { [فاطر:41] ، وقد ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (19) ، وصح عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه موقوفا أنه قال : ( الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ) (20) .
أما مجد أوصافه فله علو الشأن فيها ، لا سمي له ولا نظير ولا شبيه له ولا مثيل فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق وغلب على العرش واستقر له الملك فإنه مسلوب العظمة في علوه المحدود ، إما لمرضه أو نومه أو قدوم أجله أو غلبة غيره على ملكه أو غير ذلك من أنواع الضرورة والقيود ، فأي عظمة في علو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ؟ أيستحق المخلوق أن يكون معبودا من دون الله ؟ فما بالنا بمجد رب العزة والجلال الذي له في جميع الأسماء والصفات والأفعال العلو والكمال ، والعظمة والجمال ، له علو الشأن والقهر والفوقية ، وعظمته في علوه عظمة حقيقية ، فهو المجيد حقا وصدقا ، ومجد الظالمين زورا وإفكا .
وأي عاقل يقر بمجد أفعاله وبالغ كرمه وإنعامه وجوده وإحسانه فهو الذي أوجد المخلوقات وحفظها وهداها ورزقها ، فالله عز وجل مجيد في ذاته وصفاته وأفعاله وهو المعبود بحق في السماء والأرض ، قال تعالى : } فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ { [المؤمنون:116] وقال أيضا : } سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُون { [الزخرف:82] .
الفتاح :
الفتاح في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الفاتح ، فعله فَتَحَ يَفْتَح فَتْحاً ، والفَتْحُ نقيض الإِغلاق ، قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ { [الأعراف:40] ، والمعنى أن أَبواب السماء تغلق أمام أرواحهم فلا تَصْعَدُ أَرواحُهم ولا أَعمالهم بعكس المؤمنين ، والمفتاح كلُّ ما يُتَوَصَّل به إلى استخراج الْمْغلقاَت التي يَتَعذَّر الوُصُول إليها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ في يَدِي ) (21)، فأخْبر صلى الله عليه و سلم أنه أوتيَ مَفاتِيحَ الكَلِم وهو ما يَسَّر الله له من البَلاغة والفصاحة والوُصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحِكَم ومَحاسِن العِبارات والألفاظ التي أُغْلِقَت على غيره ، ومَن كان في يَده مفَاتيح شيء سَهُلَ عليه الوصول إليه ، والفتَّاحُ في اللغة أيضا هو الحاكِمُ يقال للقاضي الذي يحكم بين الناس فَتَّاحُ لأَنه يَفْتُحُ مواضع الحق (22) .
والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين أو يفتح أبواب البلاء لامتحان المؤمنين الصادقين ، فمن الأول ما ورد في قوله تعالى : } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ { [الأعراف :96] ، وقوله : } مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [فاطر :2] ، قيل معناه ما يأْتيهم به الله من مطر أَو رزق فلا يقدر أَحد أَن يمنعه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أَحد أَن يرسله ، ومن الفتح بمعنى فتح البلاء والامتحان ما ورد في قوله تعالى : } فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ { [الأنعام:44] (23) .
والفتاح هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ، ومنه قوله تعالى : } رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ { [الأعراف :89] ، وهو سبحانه الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين ، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلا منه وكَرَمًا لأن خزائن السماوات والأرض بيده ، يفتح منها ما يشاء بحكمته ، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته (24) .
قال ابن القيم :
وكذلك الفتاح من أسمائه : والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا : والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما : عدلا وإحسانا من الرحمن (25) .
الشهيد :
الشهيد في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الشاهد ، فعله شهد يشهد شهودا وشهادة ، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة ، وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضى الله عنه أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ ) (26) .
والشهادة هي الإِخْبار بما شاهَدَه ، شَهِدَ فلان على فلان بحق فهو شاهد وشهيد فالشاهد يلزمه أن يُبَيِّنُ ما عَلِمَهُ على الحقيقة ، وعند البخاري من حديث أَبِي بَكْرَةَ رضى الله عنه أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لاَ يَسْكُتُ ) (27) .
والشهادة تأتي بمعنى الحكم كما ورد عند البخاري من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ قالت عند وفاة عُثْمَان بْن مَظْعُونٍ : ( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ) (28) .
والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ، حاضر شهيد أقرب إليهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه ، وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تناسبه ، وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة ، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة .
والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط ، كما قال سبحانه وتعالى : } شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [آل عمران:19] ، وشهادة الله لنفسه بالوحدانية تضمنت عند السلف عدة مراتب ، قال ابن أبي العز الحنفي : ( وعبارات السلف في شهد تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ، فلها أربع مراتب ، فأول مراتبها علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته ، وثانيها تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها ، وثالثها أن يعلم غيره بما يشهد به ويخبره به ويبينه له ، ورابعها أن يلزمه بمضمونها ويأمره به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع ، علمه بذلك سبحانه وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به ) (30) ، فالله شهيد يشهد بصدق المؤمنين إذا وحدوه ويشهد لرسله وملائكته وفوق كل شهادة شهادته لنفسه بالوحدانية ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اسم الله المؤمن بما يغني عن الإعادة
الله جل جلاله المُقَدِّمُ :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه ، كما جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري والمسلم من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ .. إلى أن قال : فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) )(1) .
الله جل جلاله المُؤِّخرُ :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد مع الاسم الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) ، والذي ورد في القرآن الفعل كما في قوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) [المنافقون:10] ، لكن الاشتقاق من الفعل مرجعيته إلى النص وليس إلى اجتهاد الشخص ، ولذلك فإن اسم الله المؤخر ثابت لوروده في السنة .
الله جل جلاله المَلِيكُ :
اسم الله المليك ورد في القرآن مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه ، كما جاء في قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر ) [القمر:55] ، وقد ورد الاسم مقيدا في السنة ، فعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن أبا بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه قال : يَا رَسُولَ الله مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إذَا أَصْبَحْتُ وَإذَا أَمْسَيْتُ قَالَ : ( قُل : اللهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ ، قَالَ قُلهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) ) .
الله جل جلاله المَقْتَدِرُ :
اسم الله المقتدر سمى الله نفسه به في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ) [القمر:42] ، وقال أيضا : ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [القمر:55] ، فالاسم في الآيتين ورد مطلقا منونا مرادا به العلمية ودلا على كمال الوصفية ، وورد مقرونا بالعلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) [الكهف:45] ، وقد علمنا أن الاقتران بالعلو يزيد الإطلاق كمال على كمال ، ولذلك فإن هذه الآية بمفردها كافية في إثبات اسم الله المقتدر ، ولم يرد الاسم في حديث ثابت ، وإنما ورد في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي وهي رواية ضعيفة ، كما أن سرد الأسماء فيها من إدراج الرواة وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم )
الله جل جلاله المُقَدِّمُ :
الْمُقَدِّمُ في اللغة اسم فاعل ، فعله قدَّمَ يقَدَّم تقديما ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنه مرفوعا : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ) (1)، وعنده أيضا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) (2) ، والقَدَم كلُّ ما قدّمْتَ من خير أو شر ، وتَقَدَّمَتْ لفُلان فيه قَدَمٌ ، أي تَقَدُّم في خير وشرٍّ ، والقَدَمُ والقُدْمةُ السَّبْقَةُ في الأمر ، قال تعالى : } وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ { [يونس:2] ، ومعنى قدم صدق يعني عملاً صالحاً قدّموه ، يقال : لفلان قَدَمُ صِدْقٍ أَي أَثرَةٌ حَسَنة ، ويقول تعالى : } وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ { [الحجر:24] ، قيل معناه لقد علمنا المستقدمين منكم في طاعة أو من يأْتي منكم أَولاً إِلى المسجد ومن يأْتي متأَخراً ، أو من يتقدم من الناس على صاحبه في الموت (3) .
والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته ، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه ، وهو على نوعين ، كوني وشرعي ، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله : } قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ { [يونس:49] ، وقوله : } قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ { [سبأ:30] ، وأيضا من التدبير الكوني في التقديم ، اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه ، وتقديم بعض خلقه على بعضه ، بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات واصطفاء من شاء للرسالات كما قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ { [آل عمران:33] ، وقوله عن مريم : } وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ { [آل عمران:42] ، وقوله عن طالوت : } قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { [البقرة:247] ، فهذا اصطفاء وتقديم يتعلق بالتدبير الكوني .
أما التقديم الشرعي فهو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل ، وتقديم بعض الأحكام على بعض لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد ، كما في سنن النَسائي وصححه الألباني من حديث الْبَرَاءِ رضى الله عنه أَنَّ نَبِي اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ، وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) (4) ، وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً ) (5) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) (6)، ولا عبرة بمن ادعى أنه لا يرغب في التقدم إلى الصف الأول بحجة أن الناس يطلبون فيه الأجر وأن والعبادة الحق هي ما يكون بغير عوض أو مقابل (7) ، وعند البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ) ( .
فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقَدِّم الأشياءَ ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق ، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره ، والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الأنبياء تشريفا له على غيره ، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم (9) .
الله جل جلاله المُؤِّخرُ :
المؤخر في اللغة عكس المقدم ، فعله أخّر يؤخر تأخيرا ، تقول مضى قدما وتأخر أخرا والتأخر ضد التقدم ، ومنه ما ورد عند البخاري من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : ( فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ ) (10) ، وعند البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضى الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما سئل عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ ) (11)، وعند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ ) (12) .
والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء فَيَضَعُها في مَواضعها ، إما تأخيرا كونيا كما ورد عند مسلم من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قَالَ : ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه و سلم : قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (13) ، وإما تأخيرا شرعيا كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي عَطِيَّةَ أنه قَالَ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و سلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ : قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُود ، قَالَتْ : كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (14)) .
والمؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه قال تعالى : } وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ { [النحل:61] ، وقال سبحانه أيضا : } وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ { [إبراهيم:42] ، فالمؤخر هو المنزِلُ للأشياء منازلَها يقدِمُ ما يشاءُ بحكمته ويؤخرُ ما يشاءُ (15)، والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل .
الحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الموصوف بالحفظ ، فعله حفِظ يحفَظُ حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد الشيء وقلَّة الغفلة عنه ، ورجل حافظ وقوم حُفّاظٌ هم الذين رُزِقوا حِفْظَ ما سَمِعوا وقلما يَنْسَوْنَ شيئاً ، والحافِظُ والحَفِيظُ أيضا هو الموكَّل بالشيء يَحْفَظه ، ومنه الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى : } لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ { [الرعد: 11] ، أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى يأتي أجلها ، وكذلك الحفظة الذين يُحْصُونَ الأعمال ويكتبونها على بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:12] ، ويقال : حَفِظَ المالَ والسِّرَّ حِفْظاً رَعاه وصانه ، واحتفظ الشيءَ لنفسه يعني خَصَّها به ، والتحفُّظ قلَّة الغَفْلة في الأُمور والكلام (9) .
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء (10)، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (11) .
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان ، ويشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ، ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (12).
والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال تعالى : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ، وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن الحفظ في ذلك على وجهين :
الوجه الأول : إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ، ويضاده الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي لا يطول أمد بقائها ، مثل الحيوانات والنبات وغيرهما .
الوجه الثاني : أن الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها عن بعض ، كالتقابل بين الماء والنار ، فإنهما يتعاديان بطباعهما ، فإما أن يطفئ الماء النار ، وإما أن تحيل النار الماء إلى بخار ، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء كالإنسان والنبات والحيوان ، ولولا حفظه تعالى لهذه الأسباب وتنظيم معادلاتها ، وارتباط العلل بمعلولاتها ، لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل تركيبها ، وهذه هي الأسباب التي تحفظ الإنسان من الهلاك وتؤمن له بحفظ الله الحياة (13) .
المجيد :
المجيد في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله مجد يمجد تمجيدا ، والمجيد هو الكريم الفِعَال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سُمِّيَ مَجداً ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم ، والمَجْدُ المُرُوءةُ والكرمُ والسخاءُ والشرفُ والفخر والحسب والعزة والرفعة ، والمَجْدُ أيضا الأَخذ من الشرف والسُّؤْدَد ما يكفي ، وأَمجَدَه ومَجَّده كلاهما عظَّمَه وأَثنى عليه ، وتماجَدَ القومُ فيما بينهم ذكَروا مَجْدَهم (14)، والله عز وجل وصف كتابه بالمجيد فقال : } ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ { [قّ:1] ، لأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وصفة الكلام من صفاته العليا فالقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات والمعان ، وفيه كمال السعادة للإنسان ، فهو كتاب مجيد عظيم رفيع الشأن .
والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته وصفاته وأفعاله ، فمجد الذات الإلهية بيِّن في جمال الله وسعته وعلوه واستوائه على عرشه ، وقد ورد عند مسلم من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (15)، وعند مسلم أيضا من حديث أَبِي مُوسَى رضى الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (16) ، وكيفية جمال الذات أو كيفية ما هو عليه أمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه من كمال وصفه وجلال ذاته وكمال فعله (17)، ومِن مجد ذاته استواؤه على عرشه ؛ فهو العلي بذاته على خلقه ، يعلم السر وأخفى في ملكه ، وهو القائم عليهم والمحيط بهم ، قال تعالى : } الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5] ، وقد ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، وأنه فوق الماء ، وأن الماء فوق السماء ، والله عز وجل فوق ذلك محيط بالخلائق ويعلم ما هم عليه ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أنِ النَّبِي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) (18) .
وقد ذكر الله في كمال مجده اختصاص الكرسي بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتابه فقال سبحانه : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، والكرسي كما فسره السلف الصالح ما يكون تحت قدم الملك عند استوائه على عرشه ، وقد بين الله من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته وتوحيده في عبادته ، أن ملك من أشركوا به لو بلغ السماوات السبع والأرضون وما فيهن وما بينهن على عرضهن ومقدارهن وسعة حجمهن لا يمثلن شيئا في الكرسي الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ؟ وما بالك باتساع ملكه ؟ وعلى الرغم من ذلك لا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا فهو الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن وإدارتهن حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسكهن بقدرته وأبقاهن لحكمته ، ولذلك قال تعالى : } إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا { [فاطر:41] ، وقد ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (19) ، وصح عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه موقوفا أنه قال : ( الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ) (20) .
أما مجد أوصافه فله علو الشأن فيها ، لا سمي له ولا نظير ولا شبيه له ولا مثيل فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق وغلب على العرش واستقر له الملك فإنه مسلوب العظمة في علوه المحدود ، إما لمرضه أو نومه أو قدوم أجله أو غلبة غيره على ملكه أو غير ذلك من أنواع الضرورة والقيود ، فأي عظمة في علو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ؟ أيستحق المخلوق أن يكون معبودا من دون الله ؟ فما بالنا بمجد رب العزة والجلال الذي له في جميع الأسماء والصفات والأفعال العلو والكمال ، والعظمة والجمال ، له علو الشأن والقهر والفوقية ، وعظمته في علوه عظمة حقيقية ، فهو المجيد حقا وصدقا ، ومجد الظالمين زورا وإفكا .
وأي عاقل يقر بمجد أفعاله وبالغ كرمه وإنعامه وجوده وإحسانه فهو الذي أوجد المخلوقات وحفظها وهداها ورزقها ، فالله عز وجل مجيد في ذاته وصفاته وأفعاله وهو المعبود بحق في السماء والأرض ، قال تعالى : } فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ { [المؤمنون:116] وقال أيضا : } سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُون { [الزخرف:82] .
الفتاح :
الفتاح في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الفاتح ، فعله فَتَحَ يَفْتَح فَتْحاً ، والفَتْحُ نقيض الإِغلاق ، قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ { [الأعراف:40] ، والمعنى أن أَبواب السماء تغلق أمام أرواحهم فلا تَصْعَدُ أَرواحُهم ولا أَعمالهم بعكس المؤمنين ، والمفتاح كلُّ ما يُتَوَصَّل به إلى استخراج الْمْغلقاَت التي يَتَعذَّر الوُصُول إليها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ في يَدِي ) (21)، فأخْبر صلى الله عليه و سلم أنه أوتيَ مَفاتِيحَ الكَلِم وهو ما يَسَّر الله له من البَلاغة والفصاحة والوُصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحِكَم ومَحاسِن العِبارات والألفاظ التي أُغْلِقَت على غيره ، ومَن كان في يَده مفَاتيح شيء سَهُلَ عليه الوصول إليه ، والفتَّاحُ في اللغة أيضا هو الحاكِمُ يقال للقاضي الذي يحكم بين الناس فَتَّاحُ لأَنه يَفْتُحُ مواضع الحق (22) .
والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين أو يفتح أبواب البلاء لامتحان المؤمنين الصادقين ، فمن الأول ما ورد في قوله تعالى : } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ { [الأعراف :96] ، وقوله : } مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [فاطر :2] ، قيل معناه ما يأْتيهم به الله من مطر أَو رزق فلا يقدر أَحد أَن يمنعه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أَحد أَن يرسله ، ومن الفتح بمعنى فتح البلاء والامتحان ما ورد في قوله تعالى : } فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ { [الأنعام:44] (23) .
والفتاح هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ، ومنه قوله تعالى : } رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ { [الأعراف :89] ، وهو سبحانه الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين ، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلا منه وكَرَمًا لأن خزائن السماوات والأرض بيده ، يفتح منها ما يشاء بحكمته ، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته (24) .
قال ابن القيم :
وكذلك الفتاح من أسمائه : والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا : والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما : عدلا وإحسانا من الرحمن (25) .
الشهيد :
الشهيد في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الشاهد ، فعله شهد يشهد شهودا وشهادة ، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة ، وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضى الله عنه أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ ) (26) .
والشهادة هي الإِخْبار بما شاهَدَه ، شَهِدَ فلان على فلان بحق فهو شاهد وشهيد فالشاهد يلزمه أن يُبَيِّنُ ما عَلِمَهُ على الحقيقة ، وعند البخاري من حديث أَبِي بَكْرَةَ رضى الله عنه أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لاَ يَسْكُتُ ) (27) .
والشهادة تأتي بمعنى الحكم كما ورد عند البخاري من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ قالت عند وفاة عُثْمَان بْن مَظْعُونٍ : ( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ) (28) .
والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ، حاضر شهيد أقرب إليهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه ، وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تناسبه ، وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة ، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة .
والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط ، كما قال سبحانه وتعالى : } شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [آل عمران:19] ، وشهادة الله لنفسه بالوحدانية تضمنت عند السلف عدة مراتب ، قال ابن أبي العز الحنفي : ( وعبارات السلف في شهد تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ، فلها أربع مراتب ، فأول مراتبها علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته ، وثانيها تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها ، وثالثها أن يعلم غيره بما يشهد به ويخبره به ويبينه له ، ورابعها أن يلزمه بمضمونها ويأمره به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع ، علمه بذلك سبحانه وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به ) (30) ، فالله شهيد يشهد بصدق المؤمنين إذا وحدوه ويشهد لرسله وملائكته وفوق كل شهادة شهادته لنفسه بالوحدانية ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اسم الله المؤمن بما يغني عن الإعادة
الله جل جلاله المُقَدِّمُ :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه ، كما جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري والمسلم من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ .. إلى أن قال : فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) )(1) .
الله جل جلاله المُؤِّخرُ :
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد مع الاسم الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) ، والذي ورد في القرآن الفعل كما في قوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) [المنافقون:10] ، لكن الاشتقاق من الفعل مرجعيته إلى النص وليس إلى اجتهاد الشخص ، ولذلك فإن اسم الله المؤخر ثابت لوروده في السنة .
الله جل جلاله المَلِيكُ :
اسم الله المليك ورد في القرآن مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه ، كما جاء في قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر ) [القمر:55] ، وقد ورد الاسم مقيدا في السنة ، فعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن أبا بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه قال : يَا رَسُولَ الله مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إذَا أَصْبَحْتُ وَإذَا أَمْسَيْتُ قَالَ : ( قُل : اللهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ ، قَالَ قُلهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) ) .
الله جل جلاله المَقْتَدِرُ :
اسم الله المقتدر سمى الله نفسه به في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ) [القمر:42] ، وقال أيضا : ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [القمر:55] ، فالاسم في الآيتين ورد مطلقا منونا مرادا به العلمية ودلا على كمال الوصفية ، وورد مقرونا بالعلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) [الكهف:45] ، وقد علمنا أن الاقتران بالعلو يزيد الإطلاق كمال على كمال ، ولذلك فإن هذه الآية بمفردها كافية في إثبات اسم الله المقتدر ، ولم يرد الاسم في حديث ثابت ، وإنما ورد في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي وهي رواية ضعيفة ، كما أن سرد الأسماء فيها من إدراج الرواة وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم )
الله جل جلاله المُقَدِّمُ :
الْمُقَدِّمُ في اللغة اسم فاعل ، فعله قدَّمَ يقَدَّم تقديما ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنه مرفوعا : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ) (1)، وعنده أيضا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) (2) ، والقَدَم كلُّ ما قدّمْتَ من خير أو شر ، وتَقَدَّمَتْ لفُلان فيه قَدَمٌ ، أي تَقَدُّم في خير وشرٍّ ، والقَدَمُ والقُدْمةُ السَّبْقَةُ في الأمر ، قال تعالى : } وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ { [يونس:2] ، ومعنى قدم صدق يعني عملاً صالحاً قدّموه ، يقال : لفلان قَدَمُ صِدْقٍ أَي أَثرَةٌ حَسَنة ، ويقول تعالى : } وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ { [الحجر:24] ، قيل معناه لقد علمنا المستقدمين منكم في طاعة أو من يأْتي منكم أَولاً إِلى المسجد ومن يأْتي متأَخراً ، أو من يتقدم من الناس على صاحبه في الموت (3) .
والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته ، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه ، وهو على نوعين ، كوني وشرعي ، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله : } قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ { [يونس:49] ، وقوله : } قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ { [سبأ:30] ، وأيضا من التدبير الكوني في التقديم ، اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه ، وتقديم بعض خلقه على بعضه ، بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات واصطفاء من شاء للرسالات كما قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ { [آل عمران:33] ، وقوله عن مريم : } وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ { [آل عمران:42] ، وقوله عن طالوت : } قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { [البقرة:247] ، فهذا اصطفاء وتقديم يتعلق بالتدبير الكوني .
أما التقديم الشرعي فهو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل ، وتقديم بعض الأحكام على بعض لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد ، كما في سنن النَسائي وصححه الألباني من حديث الْبَرَاءِ رضى الله عنه أَنَّ نَبِي اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ، وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) (4) ، وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً ) (5) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) (6)، ولا عبرة بمن ادعى أنه لا يرغب في التقدم إلى الصف الأول بحجة أن الناس يطلبون فيه الأجر وأن والعبادة الحق هي ما يكون بغير عوض أو مقابل (7) ، وعند البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ) ( .
فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقَدِّم الأشياءَ ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق ، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره ، والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الأنبياء تشريفا له على غيره ، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم (9) .
الله جل جلاله المُؤِّخرُ :
المؤخر في اللغة عكس المقدم ، فعله أخّر يؤخر تأخيرا ، تقول مضى قدما وتأخر أخرا والتأخر ضد التقدم ، ومنه ما ورد عند البخاري من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : ( فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ ) (10) ، وعند البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضى الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما سئل عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ ) (11)، وعند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ ) (12) .
والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء فَيَضَعُها في مَواضعها ، إما تأخيرا كونيا كما ورد عند مسلم من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قَالَ : ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه و سلم : قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (13) ، وإما تأخيرا شرعيا كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي عَطِيَّةَ أنه قَالَ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و سلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ : قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُود ، قَالَتْ : كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (14)) .
والمؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه قال تعالى : } وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ { [النحل:61] ، وقال سبحانه أيضا : } وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ { [إبراهيم:42] ، فالمؤخر هو المنزِلُ للأشياء منازلَها يقدِمُ ما يشاءُ بحكمته ويؤخرُ ما يشاءُ (15)، والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل .
مواضيع مماثلة
» معانى الأسماء الحسنى 15
» معانى الأسماء الحسنى 1
» معانى الأسماء الحسنى 2
» معانى الأسماء الحسنى 3
» معانى الأسماء الحسنى 4
» معانى الأسماء الحسنى 1
» معانى الأسماء الحسنى 2
» معانى الأسماء الحسنى 3
» معانى الأسماء الحسنى 4
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin