بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*جزء ثان
صفحة 1 من اصل 1
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*جزء ثان
اعتبار سلامة البيئة مقصداً شرعياً بذاته:
ينطبق على (سلامة البيئة وحفظها) لأنه يتوقف عليه التمكن من تحقيق الهدف من أداء التكاليف الشرعية، وهو “إخراج المكلف من داعية هواه، ليكون عبداً لله اضطراراً”([50])، فإن البيئة إذا لم تكن سليمة نقية خالية ستعوق المكلف عن أداء ما أوجبه عليه الله من حقوق لربه تعالى ثم لنفسه وأهله ومجتمعه ومن يشاركون في الحياة.
2. اعتبار سلامة البيئة مقصداً متمماً للواجب:
بالتأمل في الأثر يترتب على سلامة البيئة وحفظها يتبين أنه يرجع إلى حفظ البيئة وحفظ النفس والنسل، فإنَّ أكثر العبادات والواجبات الدينية والدنيوية لا يمكن أداؤها أصلا، أو على الوجه الصحيح إلا إذا توافرت البيئة التي يعيش فيها الإنسان ويتعامل مع عناصرها من ماء نقي طاهر، وجو صحي يبقي على قوة بدنه وغذاء نافع لا يضعف بدنه، ويلحق به الأمراض والأعراض السيئة التي يورث بعضها لسلالته.
ويقرر أحد الفقهاء المعاصرين أن صحة الإنسان التي تهدف الشريعة إلى حفظها وصونها تقتضي أن كل تصرف سلبي في البيئة يؤثر سلباً على صحة الإنسان غير مقبول شرعاً؛ لأنه يتنافى ومقاصد الشريعة ([51]).
وإذا كان الطرح المعاصر السابق لمكانه حماية البيئة على أنها من مجالات التعاون لتحقيق مقصد الاستخلاف في الأرض، فإنَّ هناك طرحاً أقوي لموقع حفظ البيئة وهو أنه مقصد أساسي (ضروري) من مقاصد الشريعة، وذلك ما قرره الدكتور عبد المجيد النجار، وفيما يلي جوانب من بياناته لتقرير تلك الدعوى، فهو بعد أن أشار إلى أن على الإنسان أن ينجز مهمة الخلافة في الأرض، متمثلاً في كل ما له علاقة بالحياة الإنسانية من أرض وما عليها من حيوان ونبات وجماد، وما يحيط بها من غلاف جوي ومن سماء وما فيها من كواكب وإجرام تبين أن لها علاقة بالحياة وتأثيرا فيها قال([52]):
” المتأمل في أحكام الشريعة يجد أن كثيراً منها إنما شرع لتحقيق مقصد حفظ البيئة الطبيعية أن تعمل فيها يد الإنسان بتصرفات تخل بنظامها، أو تعطل مقدراتها على أن تكون صالحة للحياة منمية لها، أو تربك توازنها الذي تقوم عليه عناصرها المختلفة، وقد جاءت تلك الأحكام متضافرة كلها على منع الإنسان من ذلك، وأمره بان يبقى على الطبيعة صالحة كما خلقها الله، وأن يمارس عليها مهمة الخلافة على ذلك الوجه من الصلاح، وما فتئت تلك الأحكام تظهر أهميتها وتتأكد الحكمة في أوامرها ونواهيها، وذلك كلما أسفرت الأزمة البيئية عن وجهها الكالح، وتعالت نذرها بالمصير البائس للحياة، وذلك هو مبرر أن نفرد هذا المقصد الضروري بفصل مستقل من فصول المقاصد الضرورية للشريعة الإسلامية.
وجماع ما جاء في الدين من أمر بحفظ البيئة ونهي عن أي ضرر بها ما جاء في القرآن والسنَّة من نهي مغلظ عن الفساد في الأرض، ومن تشنيع كبير على هذا الصنيع، وذلك في مواطن متعددة ومواقف مختلفة مما يدلّ على أن حفظ البيئة من الفساد مقصد ضروري من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومما جاء في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾([53]).
وانطلق فيما ذهب إليه من مدلول الآيات بأن الفساد هنا لا يقتصر على الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي، وإنما يشمل الفساد الذي يطال البيئة الطبيعية وهو مقصد أساسي فيها وليس ثانوياً ملحقاً بذلك
واستشهد بما ذكره الطبري عن السدّي في تفسير ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾([54]) بأن الذي نزلت فيه هذه الآية إنّما نزلت في قتلة حُمُرا لقوم من المسلمين، وإحراقه زرعا لهم، وذلك وإن كان جائزاً أن يكون كذلك، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه، والمراد بها كلّ من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال، والذي يحل قتله في بعض الأحوال إذا قتله بغير حقّ، بل ذلك كذلك عندي؛ لأنّ الله تعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شيء بل عمّه” أي: وهذا التعميم يشمل بصفة أساسية الإفساد البيئي.
وفي تفصيل الحفاظ على البيئة من هذا الفساد، جاءت أحكام شرعية كثيرة تهدف إلى تحقيق هذا المقصد الشرعي، وهي أحكام تلتقي كلها عند ذات المقصد وإن كانت تصل إليه من زوايا مختلفة، فمن حفظها من التلف إلى حفظها من التلوّث، إلى حفظها من السرف الاستهلاكي، إلى حفظها بالتنمية المستديمة، علماً بأنّ الأحكام الشرعية الواردة في هذا الشأن لم تكن مفصلة بصفة مباشرة بما قد يتصور البعض أنّه قوانين قد وضعت خصيصاً لمعالجة الأزمة البيئية الراهنة، وَإِنَّمَا هي إشارات وتنبيهات وتوجيهات تنحو أحيانا منحى التعميم، وتنحو أحيانا أخرى منحى التفصيل، ولكنها تهدف كلها إلى تأسيس ثقافة بيئية تعصم التصرف الإنساني من الاعتداء إلى المحيط الطبيعي بالفساد في أي وضع كان فيه، وفي أي مستوى حضاري وصل إليه([55]).
عناصر البيئة
يمكن تقسيم البيئة وفق توصيات مؤتمر استوكهولم([56])، إلى ثلاثة عناصر هي:
1ـ البيئة الطبيعية:
وتتكون من أربعة نظم مترابطة ترابطاً وثيقاً هي: الغلاف الجوي، والغلاف المائي، واليابسة، والمحيط الجوي، بما تشمله هذه الأنظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن، ومصادر للطاقة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وهذه جميعها تمثل الموارد التي أتاحها الله تعالى للإنسان كي يحصل منها على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى.
2ـ البيئة البيولوجية:
وتشمل الإنسان “الفرد” وأسرته، وكذلك الكائنات الحية في المحيط الجوي، وتعد البيئة البيولوجية جزءاً من البيئة الطبيعية.
3ـ البيئة الاجتماعية:
ويقصد بالبيئة الاجتماعية ذلك الإطار من العلاقات الذي يحدد ماهية علاقة حياة الإنسان مع غيره، ذلك الإطار من العلاقات الذي هو الأساس في تنظيم أي جماعة من الجماعات سواء بين أفرادها بعضهم ببعض في بيئة ما، أو بين جماعات متباينة أو متشابهة معاً وحضارة في بيئات متباعدة، وتؤلف أنماط تلك العلاقات ما يعرف بالنظم الاجتماعية، واستحدث الإنسان خلال رحلة حياته الطويلة بيئة حضارية لكي تساعده في حياته فعمّر الأرض واخترق الأجواء لغزو الفضاء.
وعناصر البيئة الحضارية للإنسان تتحدد في جانبين رئيسين هما:
أولاً: الجانب المادي:
كلّ ما استطاع الإنسان أن يصنعه كالمسكن والملبس ووسائل النقل والأدوات والأجهزة التي يستخدمها في حياته اليومية.
ثانياً: الجانب غير المادي:
فيشمل عقائد الإنسان وعاداته وتقاليده، وأفكاره، وثقافته، وكل ما تنطوي عليه نفس الإنسان من قيم وآداب وعلوم تلقائية كانت أم مكتسبة([57]).
مبادئ شرعية تطبيقية في الحفاظ على سلامة البيئة: ([58])
1- حفظ البيئة من التلف:
من المنهيّ عنه نهياً مغلظاً في التعاليم الإسلامية الإتلاف للبيئة الذي يتمثل في أحد نوعين:
الإتلاف الذي يفضي إلى عجز البيئة عن التعويض الذاتي لِما يقع إتلافه، فيؤول إلى الانقراض والإتلاف في استخدام مواردها ولو كان ذلك الإتلاف استهلاكا في منفعة.
وَإِنَّمَا طلبت الشريعة الإسلامية صيانة البيئة من هذين النوعين من التلف لما يفضي إليه كل منهما من خلل بيئي يعطل كفاءة البيئة عن أداء مهمتها في إعالة الحياة، إذ كل شي فيها قدر تقديرا في سبيل تحقيق تلك الإعالة، ومن النصوص الناهية عن إتلاف البيئة بنوعيه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾، وقوله صلعم في النهي عن إتلاف الحيوان «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة، يقول: إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني في منفعة»([59])، وقوله صلعم : «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»([60])، وكذلك الأمر بالنسبة لإتلاف النبات، فقد قال صلعم في هذا الشأن: «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار»([61]).
2- حفظ البيئة من التلوّث([62]):
لا يكون الفساد في الأرض بإهلاك عناصر البيئة الطبيعية إهلاكا عبثياً أو إهلاكا قارضا فحسب، وَإِنَّمَا يكون الفساد أيضاً بتلويث البيئة بما يقذف فيها من عناصر مسمومة، أو بما يغير من النسب الكمية أو الكيفية لمكونات البيئة التي قُدِّرَت عليها في أصل خلقتها، فإنَّ ذلك يفضي إلى تعطيل العناصر البيئية في ذاتها أو في كيفياتها عن أن تؤدي دورها النفعي للإنسان، بل قد تحولها هي نفسها إلى عناصر وكيفيات مسمومة، وإذا أداؤها البيئي يتحول من نفع للحياة ولحياة الإنسان خاصة إلى إضرار بهما، وقد وجدت البيئة أصلا من أجل إعمار الحياة، وتمكين الإنسان من أداء مهمة الخلافة.
ومن أبين الأحكام المتعلقة بصيانة البيئة من التلوّث ما جاء من تشريع يوجب على الإنسان الطهارة في حياته كلها، ابتداءً من طهارة الجسم إلى طهارة الثوب والآنية والمنزل، وانتهاء بطهارة الشارع والحي والأماكن العامة. وقد ارتقت الأوامر الشرعية في هذا الشأن إلى أن أصبحت تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ السلوك، بل إنها ارتبطت بمفهوم العبادة ارتباطا أصبح معه التطهر بمفهومه العام جزءا من عبادة الله عالٍ، وناهيك عن ذَلِك أن الصلاة وهي رأس العبادات تتوقف في صحتها على تحقق الطهارة في الجسم والثوب والمكان، وقد قال تعالى في التطهر بمعنى عام: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾([63]).
ومن هذه الأحكام ذات الدلالة في صيانة البيئة من التلوّث ما جاء في تشريع يوجب التطهير للأماكن الخاصة والعامة، وصيانتها من كلّ ما عسى أن يلوثها من مختلف الملوثات، فقد قالصلعم: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله»([64])، وذلك على معنى أن يتخير لتصريف بوله موقعا تمحى فيه آثاره بسرعة، فلا يكون له تلويث يضر بما حوله، كما قال صلعم أيضا: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظلّ»([65])، ففي هذه المواضع يكون البراز أكثر تلويثا للبيئة إذا هي مواقع حركة من شأنها أن تزيده انتشارا، فورد النهي عنها منعاً للتلوّث، وفي هذا السياق قال النبيّ صلعم أيضا «لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثُمَّ يغتسل فيه»([66])، وذلك لِما يتسبب فيه هذا الصنيع من تلوّث المياه وعفونتها.
3- حفظ البيئة من فرط الاستهلاك: (وقوف)
إنّ كل كائن حي في البيئة حياته أن يكون من مواردها استهلاك مقدرة بالدورة الكبرى، محسوب في قيام توازنها ودوامه، والإنسان لا يخرج عن هذا القانون البيئي إلا أن المهمة التي كلف بها لتكون غاية لوجوده تقتضي لكي ينجزها أن يكون استهلاكه من مقدرات البيئة أوفى من الاستهلاك لمجرد الحفاظ على الحياة، مثل سائر الكائنات الحية الأخرى، إذ هو مكلف بالتعمير في الأرض وهي غير مكلفة بشيء، وهذا الاستهلاك الزائد الذي تقتضيه مهمة الإنسان في الحياة هو أيضا مقدر في التكوين البيئي، محسوب في قيام توازنها ودوامه.
والنصوص الشرعية كثيرة في ذم التبذير والإسراف وهو الإنفاق في غير حق سواء في الماء أو الشجر أو سائر موارد البيئة، وفي الاقتصاد والتوسط بين الإسراف والبخل ولاسيما فيما هو محدود الكمية غير قابل للتكاثر.
حفظ البيئة بالتنمية:
لَمّا كانت بعض الموارد تصير بالاستهلاك إلى نفاد ليس له جبر، فإنَّ التشريع الإسلامي جاء يصونها بالترشيد في ذلك الاستهلاك وعدم التبذير كما بيناه آنفا. ولكن تلك الموارد التي تصير هي أيضا إلى النفاذ ولكنها تقبل الجبر لذا جاء التشريع الإسلامي يوجه إلى صيانتها من النفاد بترشيد الاستهلاك فيها أيضا، فإنَّه جاء يوجه إلى صيانتها بطريقة أخرى أكثر فعالية في الصيانة، وهي طريقة التثمير والتنمية، وذلك ليكون ما يستهلك منها مخلوفا على الدوام بما ينمي ويثمر.
وفي هذا السياق جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ن فقد قال صلعم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»([67])، وكفى بذلك دافعا إلى التنمية البيئية في المجال النباتي.
ومن التشريعات الإسلامية في تنمية البيئة ما جعل في ملكية الأرض إذا كانت مهملة من أن إحياءها بالزرع هو السبب الذي يبتغى منه ملكيتها، فقد قال صلعم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»([68])، وما جعل من أن تعطيل تلك الأرض عن دورها الإنمائي للثروة النباتية قد يكون سببا في نزع ملكيتها من صاحبها، قد قال صلعم: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه»، وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فإنَّ ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة.
وسائل إسلامية معاصرة لرعاية البيئة
ذكر الدكتور القرضاوي في كتابه “رعاية البيئة في شريعة الإسلام” أهم الوسائل التي يجب أن ننتبه إليها إذا كنا ننشد بيئة صالحة خالية من كل صور الفساد والإفساد، فقال: “للإسلام وسائل عدة لحماية البيئة، وتنميتها وتحسينها، وعلاج مشكلاتها التي أمسى العالم كله يشكو من آثارها. وهذه الوسائل كلها تتعلق بدور الإنسان في البيئة، إذا الطبيعة من حولنا بشمسها وقمرها، وليلها ونهارها، وبحارها وصحاريها، لا نستطيع أن نتحكم فيها من ناحية؛ ولأنها لا مشكلة منها ولا خطر في ذاتها، إنما المشكلة تنبع من صلة الإنسان بها، ونظرته إليها، وتصرفه فيها، وتعامله معها.
فإذا أصلحنا الإنسان، فقد صلحت الحياة كلها من حوله، وإنما صلح الإنسان من داخله، لا من خارجه، ومن باطنه لا من ظاهره، ومن نفسه التي بين جنبيه لا من غلافه البدني، وهذه سنة ثابتة قررها القرآن الكريم حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾([69])، ومن المؤكد: أنه لا يصلح الأنفس شيء مثل الإيمان، فهو سبيل الخلاص، وطوق النجاة.
هذه الوسائل الإسلامية تتمثل فيما يلي:
1- تربية الناشئة:
أولى هذه الوسائل هي التربية والتعليم، وخصوصًا للناشئة في الحضانات والمدارس، بمستوياتها المختلفة حتَّى الجامعة.
فمن الواجب غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها، والتعامل معها بـالإحسان، الذي أمر الله به، وكتبه على كل شيء، كما جاء في الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» وبـالرفق الذي يحبه الله تعالى في الأمر كله، وما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
وبالاعتدال الذي يجعل الإنسان ينتفع بخيرات البيئة بلا شح ولا إسراف، انتفاع عباد الرحمن ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾([70]).
وبشكران النعمة الذي يجب أن يتصف به كل مؤمن، فهو الذي يحفظها عليه، بل يزيدها وينميها، وعلى المؤمن أن يقول ما قال سليمان: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾([71]).
كما عليه أن يتعامل مع البيئة ومكوناتها بتقوى الله تعالى، وهي الشعور برقابته عزّ وجل، وأنه لا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى، وأنه سبحانه سيجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
هذه المعاني يجب أن نغرسها في عقول أطفالنا، وفي وجدانهم منذ نعومة أظفارهم، فإنَّ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذه السن هي التي تتكون فيها العادات، وتكتسب الفضائل أو الرذائل، وقد قال الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتــدلــــت ولن تلين إذا قومتها الــخــشـــــب!
ومن اللازم هنا: أن يدخل جزء من (علم البيئة) وضرورة رعايتها والمحافظة عليها في المناهج، والكتب الدراسية بالقدر الملائم، وبالأسلوب المناسب لسن الطالب ومداركه، وبالطريقة المشوقة التي تشده إلى هذا اللون من الثقافة، الذي يجب أن يرتبط بالدين، باعتباره المؤثر الأول في حياة الإنسان عامة، والمسلم خاصة.
ولا يجوز للآباء والأمهات أن يلقوا كل العبء على المدرسة، ويتخليا عن واجبهما في الرعاية التربية، بل ينبغي أن يتعاون البيت والمدرسة في هذه التربية المنشودة، بحيث يكمل كل منهما الآخر، في تنشئة جيل المستقبل، الذي يؤدِّي واجبه كما يعرق حقه، ولا يقتصر على طلب الحقوق، مع التقصير في الواجبات.
2- التوعية والتثقيف للكبار:
والوسيلة الثانية، هي: التوعية والتثقيف للكبار، وللجماهير بصفة عامة، وذلك عن طريق المؤسسات الثقافية التي تعمل على الرقي بفكر الأمة، وتسمو بأذواقها واتجاهاتها العقلية والنفسية، وتصحح مفاهيمها الخاطئة، وتقوم أفكارها المنحرفة، متعاونة مع أجهزة الإعلام الواعي الهادف، الذي يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، بحيث ينشئ تصورًا معرفيا بيئيًا جديدًا منبثقًا من التصور الإسلامي العام لله سبحانه وللإنسان وللكون وللحياة، والوجود.
فالثقافة هي التي تغير الأفكار والأذواق والميول، وتكون اتجاهات الأفراد، خيرة كانت أم شريرة.
كما لا بد أن يدخل إصلاح البيئة، والحرص على سلامتها ونمائها، وأداؤها لما يطلب منها على الوجه الأكمل، في مناهج الإعلام مقروءًا، أو مسموعًا، أو مرئيًا، وأن تعد برامج ثقافية ملائمة، على شتى المستويات، بعضها أكاديمي يصلح للخاصة، وبعضها جماهيري ينفع العامة.
بل لا بد أن تدخل هذه المعاني والمفاهيم البيئية ضمن الأعمال الدرامية من التمثيليات والمسلسلات ونحوها، لما فيها من تشويق، وما لها من تأثير بالغ على الناس.
ولا بد للإعلام الديني أن يقوم بمهمته في التوعية والترشيد والتوجيه، المعتمد على القرآن والسنَّة، وهدي السلف الصالح، عن طريق خطبة الجمعة، ودرس المسجد، والمحاضرات الدينية، فلا ريب أن للمسجد تأثيره الكبير على عقول المسلمين، وضمائرهم، إذا تهيأ له الخطيب الصالح الذي يفقه دينه ويفقه عصره.
3- رقابة الرأي العام:
والوسيلة الثالثة: هي رقابة الرأي العام، الذي يمثل (الضمير الجماعي) للأمة، بمقتضى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي ميّز الله بها هذه الأمّة ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾([72]).
وهو من الأوصاف الأساسية لمجتمع المؤمنين والمؤمنات، كما وصفه الله تعالى في كتابه حيث قال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾([73]).
فقدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفرائض المعروفة: الصلاة، والزكاة، ليشعر بأهميته في الدين، وبهذا يتكون الضمير الاجتماعي للأمة، وتقرر رقابة الرأي العام الواعي على أوضاعها، والسهر على استقامتها.
ولا ريب أن إصلاح البيئة ورعايتها من المعروف، وأن إفسادها وتلويثها والاعتداء عليها من المنكر.
ومعنى هذا: أنّ كلّ مسلم مسئول مسئولية تضامنية عن سلامة البيئة وصلاحها، وإذا رأى من يجور عليها بتلويث أو إتلاف أو إفساد، وجب عليه أن ينهاه عن ذلك، بل المطلوب أساسًا أن يغير هذا المنكر بقدر استطاعته، بيده إن كان ذا سلطة، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وبهذا يحاصر المنكر والفساد حصارًا أدبيًا، ويبقى في أضيق نطاق ممكن، ويدخل في هذا المجال: إنشاء (الجمعيات الأهلية) للمحافظة على البيئة، وهذا من التعاون على البر والتقوى، وهذه الجمعيات هي البديل الشعبي عن دور (المحتسب) في عصور الحضارة الإسلامية.
وقد كان (المحتسبون) قديمًا يقومون بهذا الواجب الاجتماعي، وكانوا يفرضون رقابة قوية ـ بسلطان الشرع ـ على أفراد المجتمع وطوائفه المختلفة، ومؤسساته المتنوعة، بما لهم من كفاية وأعوان، وسلطة فيها طرف من هيبة القضاء، وطرف من قوة الشرطة، وقدرتهم على التنفيذ.
4- سلطة التشريع والعقاب:
وتبقى الوسيلة الرابعة، وهي: التشريع وسلطة القانون، الذي يلزم ويعاقب من لا يلتزم، عن طريق ولي الأمر، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾([74])، فمن لم يصلحه الكتاب والميزان أصلحه الحديد ذو البأس الشديد، وفي الحديث: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته»([75]).
ولقد قال الخليفة الثالث عثمان بن عفان t: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فإذا كان القرآن ينمي حوافز الإيمان وينشئ الضمائر الحية، فإنَّ السلطان يقف بالمرصاد لكلّ من يتجاوز الحدود.
ولهذا كان لا بد من دخول المحافظة على البيئة، ومعاقبة من يجور عليها في التشريعات الملزمة للأمة.
وعندنا من عمومات النصوص، ومن المصالح المرسلة، وسد الذرائع، ومن القواعد الفقهية ما يعيننا على إنشاء قانون للبيئة، وفق هذه القواعد الشرعية:
لا ضرر ولا ضرار، الضرر يزال، والضرر يدفع بقدر الإمكان، يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، يرتكب أخف الضررين، درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما أدى إلى الحرام فهو حرام، الضرورات تبيح المحظورات، ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ما بني على باطل فهو باطل، الأمور بمقاصدها، العادة محكمة، ما قارب الشيء يأخذ حكمه، النادر لا حكم له، للأكثر حكم الكل.
وعلى الدولة أن تتخذ من الإجراءات الإدارية والاقتصادية ما يحفظ البيئة، ويرمم ما خرب منها، ويصلح ما فسد، إلى جوار الإجراءات الوقائية التي تمنع الفساد قبل وقوعه.
بالإضافة إلى عقوبة من يعتدي على أي مكون من مكونات البيئة بأبي صورة من الصور: بالتلويث أو بالإسراف في الاستهلاك، أو بالإخلال بالتوازن، أو غير ذلك من أشكال الإفساد في الأرض.
ومن المعروف فقهًا: أن العقوبات نوعان: نصية كالحدود، واجتهادية كالتعزير، وهو عقوبة على كل معصية لا حد فيه ولا كفارة، ولا شك أن منها قضايا العدوان على البيئة.
وعلى أولي الأمر الشرعيين واجبات كثيرة نحو حماية البيئة وتنميتها، وإلزام الأفراد والشركات والمؤسسات بواجبهم نحوها، وإلزامهم بإزالة الأضرار الناشئة عن أعمالهم، وإصلاح المواقع التي تسببوا في تدهورها، ودفع تعويضات عن الأضرار التي يحدثونها في الطبيعة، ولا يمكن إزالتها أو معالجتها.
وعلى أولي الأمر كذلك إيقاف المشروعات المضرة بالبيئة، وإن كان فيها بعض النفع لأن العبرة بالأغلب، فما كان إثمه أكبر من نفعه فهو محرم، وعليهم عقاب كل من يتعدى أو يقصر في تنفيذ العقود المتعلقة بالبيئة؛ لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.
5- التعاون مع المؤسسات الإقليمية والعالمية:
والوسيلة الخامسة هي: التعاون مع الجماعات والمؤسسات الأهلية والرسمية الإقليمية والدولية، للحفاظ على البيئة، ومقاومة كل ما يهددها من الاستنزاف والتلوّث والإفساد، والإخلال بالتوازن الطبيعي والكوني، وهو ما دعا أحد الباحثين أن يؤلف كتابًا جعل عنوانه: “يا سكان الأرض اتّحدوا” أي ضدّ الأخطار الكبرى التي تنذر البشرية بشر مستطير إذا لم يتداركهم الله برحمته، ويسارعوا إلى العمل معًا لسد الخلل، وترميم الخراب، وإصلاح الفساد ويد الله مع الجماعة.
ولقد خاطب الله الناس جميعًا بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ﴾([76])، فعندما يكون العدو واحدًا، يجب أن يتحد الموقف ضده، وشيطاننا اليوم يتمثل في الذين يفسدون البيئة، ويخربونها بقصد أم بغير قصد، فهم أعداء الإنسانية جميعًا، وعلينا أن نجند كل القوى لمقاومتهم، وردهم إلى رشدهم.
هذه هي الوسائل الأساسية التي يتخذها الإسلام للمحافظة على البيئة وصلاحها، وهو يرحب بكل وسيلة يبتكرها البشر في هذا المجال، إذا لم يكن فيها ما يخالف قيم الإسلام وشرائعه، فالحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق الناس بها.
التربية البيئية في الإسلام
مفهومها ــ أهدافها
لما كانت التربية أثرها بعيد المدى في تنشئة وإعداد الأجيال إعدادا تربويا يتفق والقيم الأصيلة، ويؤصل لدى الأجيال مفاهيم خلقية، واجتماعية تحض على احترام البيئة وتقديرها، فهذا يلقي على المؤسسات التربوية (المدارس، والجامعات، والمساجد، والنوادي… الخ) العبء الأكبر في تحقيق هذا الهدف الأسمى.
ولعل الواقع الذي نحياه يملى علينا من المشكلات البيئية بأبعادها (المادية، والمعنوية) ما يجعل المؤسسات التربوية عاجزة عن القيام بمهامها، وقد يرجع السبب إلى عدم وجود منهج واضح وخطة واضحة ذات أهداف يسهل تحقيقها، وكذلك غياب مفهوم التربية البيئية لدى تلك المؤسسات.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف التربية البيئية في الإسلام بأنها: “النشاط الإنساني الذي يقوم بتوعية الأفراد بالبيئة وبالعلاقات القائمة بين مكوناتها، وبتكوين القيم والمهارات البيئية وتنميتها على أساس من مبادئ الإسلام وتصوراته عن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، ومطالب التقدم الإنساني المتوازن”.
وفي ضوء هذا التعريف للتربية البيئية من منظور إسلامي يجب أن يكون هناك تفاعل إيجابي بين الإنسان والبيئة، وأن يكون ذلك التفاعل شاملا ولا يقتصر على زمان معين أو مكان معين، وليصبح جهد الإنسان موحدا وموظفا توظيفا حضاريا وتاريخيا في ضوء العقيدة الإسلامية.
وتتضح حاجتنا الماسة إلى وجود التربية البيئية بصورة تطبيقية وليست نظرية في عصرنا الحالي، خاصة إذا تعرفنا على مظاهر سوء استخدام البيئة في العالم، ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: في المؤتمر العالمي الثاني للأمم المتحدة حول البيئة والتنمية عام 1992م والذي عقد في ريودي جانيرو في البرازيل، اجتمع ثلاثون ألف مشارك بما فيهم مئة زعيم ليواجهوا مجموعة حقائق رهيبة منها:
– انخفض إنتاج الحبوب في إفريقيا لكلّ فرد بمعدل 28% في السنوات الخمس والعشرين الماضية.
– فقدت إثيوبيا 90% من غاباتها منذ عام 1900م، الأمر الذي مكّن مليار طن متري من التربة الفوقية من الانجراف سنويا.
– تواجه حيوانات أستراليا الأصلية الانقراض، وكان قد انقرض 28% من حيواناتها الأصيلة.
– تحتاج الحياة البحرية في الخليج العربي 180عاما كي تتخلص من عشرة ملايين برميل من النفط التي انسكبت أثناء حرب الخليج.
– تعد 10% من الأنهار المنتشرة في أنحاء العالم ملوثة، كما تلتقط المحيطات 6.5 مليون طن من النفايات سنويا.
وهكذا تتنافس هذه القضايا الملحة على الاهتمام من قبل صناع القرار في العالم، وبالإضافة إلى ذلك تتوقع الدراسات أنه بحلول عام 2025م ستنفث البلدان النامية في الهواء أربعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنفثها الدول المتقدمة اليوم، كما يتوقع أن تفقد الأرض أكثر من 25% من الأجناس الموجودة حاليا.
إن الإنسان في دول الشمال يستهلك من المياه ويولد من الملوثات بما يزيد عن عشرين ضعفا عن المواطن في دول الجنوب.
إن التلوّث الذي يسببه مواطن أمريكي واحد يزيد على ذاك الذي يسببه مواطن عادي من دول العالم الثالث بعشرين إلى مائة مرة، ويماثل استهلاك الأمريكي الواحد للطاقة ما يستهلكه ثلاثة يابانيين، أو ستة مكسيكيين، أو 13 صينيا أو 35 هنديا أو 153 بنغلادش أو 499 إثيوبيا.
كما تشير الإحصاءات إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط حوالي 36 نوعا من الحيوانات الثديية، 94 نوعا من الطيور بالإضافة إلى تعرض 311 نوعا آخر للخطر، أما الغابات فهي في تناقص مستمر بمعدل 2% سنويا نتيجة الاستنزاف وتلوّث الهواء المنتج للأمطار الحامضية، وكذلك التربة فإنَّها تتناقص باستمرار بمعدل 7% من الطبقة العليا كلّ عقد، وذلك بسبب الانجراف والتآكل بشكل مستمر نتيجة الإنهاك المستمر بالزراعة الكثيفة أو الريّ الكثيف، مِمَّا يؤدِّي إلى ملوحة التربة وتصحرها.
كذلك تسود استخدامات المياه ممارسات خاطئة تؤدّي إلى ندرة المياه ونضوبها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه في باطن الأرض، الأمر الذي يهدّد البشرية بخطر حقيقي.
إنّ هذه الحقائق والإحصاءات توضح مدى خطورة الوضع الذي وصلت إليه الأرض نتيجة سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان، وهي مظاهر تستلزم التدخّل السريع للإنقاذ، ولا إنقاذ للبشرية إلا بالإسلام.
وتأتي أهمية وحتمية وجود أهداف للتربية البيئية من منظور إسلامي لتؤكد للجميع أن الإسلام دين يؤكد على احترام وتقدير البيئة انطلاقا من أهداف عدة منها:ـ
1ـ تنمية الوعي البيئي لدى الإنسان المسلم عن طريق تزويده بالرؤية الصحيحة عن البيئة ومكوناتها بما يحقق دوره المطلوب في الأرض باعتباره خليفة الله فيها.
2ـ تنمية وتكوين القيم والاتجاهات والمهارات البيئية الإسلامية لدى الإنسان المسلم، حتَّى يستطيع على ضوئها مواجهة مختلف صعابها بإرادة قوية، ومن ثم استغلالها بصورة نافعة بما يحقق أهداف الإسلام.
3ـ تنمية قدرة الإنسان المسلم على تقويم إجراءات وبرامج التربية والتعليم المتصلة بالبيئة من أجل تحقيق تربية بيئية أفضل.
4ـ إيجاد التوازن وتعزيزه بين العناصر الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية المتفاعلة في البيئة لِما فيه صالح الإنسان المسلم.
5ـ فهم الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والطبيعية وعلاقة الإنسان المسلم بالقضايا والتلوّث.
القيم البيئية الإسلامية:
هي: “مجموعة الأحكام المعيارية المنبثقة من الأصول الإسلامية، التي تكون بمثابة موجهات لسلوك الإنسان تِجاه البيئة، تمكنه من تحقيق وظيفة الخلافة في الأرض”.
أقسام القيم البيئية الإسلامية:
أولا ـ قيم المحافظة.
ثانيا ـ قيم الاستغلال.
ثالثا ـ قيم التكيف والاعتقاد.
رابعا ـ قيم الجمال.
1ـ قيم المحافظة: وتختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو المحافظة على مكونات البــيئة وتشمل:
-المحافظة على نقاوة الغلاف الجوى.
-المحافظة على نظافة الثروة المائية.
-المحافظة على رعاية الثروات النباتية.
-المحافظة على رعاية الثروات الحيوانية.
-المحافظة على استخدام الثروات المعدنية واللامعدنية.
-المحافظة على نظافة الطرقات.
-المحافظة على نظافة بيوت الله والبيوت العامة.
-المحافظة على الصحة البدنية.
-المحافظة على الهدوء وتوفيره.
2 ـ قيم الاستغلال: هي تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو الاستغلال الجيد لمكونات البيئة. وتتضمن عدم الإسراف،وعدم التبذير، والبعد عن الترف،الاعتدال والتوازن في كل شيء، حيث يدعو الإسلام إلى الاعتدال في استهلاك موارده البيئية بحيث تكفى ضرورته وحاجاته، بدون إفراط ولا تفريط.
3 ـ قيم التكيف والاعتقاد: هي تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو التكيف مع بيئتهم، ونحو تصحيح معتقداتهم السلبية تجاهها وتشمل الآتي:
التكيف مع التغيرات الطبيعية مثل: قسوة الظروف المناخية، طبيعة الأرض، وكذلك الابتعاد عن المعتقدات الخرافية مثل: التعاويذ والتمائم، والتبرك بالشجر، والكهانة، والتشاؤم.. الخ.
4 ـ قيم جمالية: وهى تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الإنسان نحو التذوق الجمالي لمكونات البيئة.. قال صلعم: «إن الله جميل يُحبّ الجمال، الكبر بطر الْحَقّ وغمط الناس»([77]).
قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾([78]).
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾([79]).
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾([80]).
وتبيّن الآيات عظيم صنعه وروعة وجمال الصنعة وعظمة الصانع ـ سبحانه وتعالى ـ، الذي خلق كلّ شيء جميل.
الخاتمة
الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن الحفاظ على البيئة ورعايتها هو واجب ديني تفرضه تعاليم الإسلام التي تحثّ على حماية البيئة والاهتمام بها، والتي تنهى عن الفساد والإفساد في الأرض، كما أنّه حماية البيئة والمحافظة عليها هو واجب اجتماعي، يجب أن تتكاتف من أجله الجميع المؤسسات والأفراد على حد سواء.
وما أحدقت الأخطار بالبيئة من حولنا إلاَّ حين تجاوز الإنسان حده وهو يتعامل معه؛ ولذلك فإنَّ خير ضمانة للمحافظة على البيئة هو أن نحيي مبدأ الوسطية ونحن نتعامل مع بيئتنا، فقد أقام الإسلام بناءه كله على الوسطية والتوازن والاعتدال والقصد، وهذا ما أرشدنا إليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا﴾([81])، كما نهى عن الإسراف في غير آية في كتاب الله عزّ وجل، فقال سبحانه: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يحبّ الْمُسْرِفِينَ﴾، وقال عزّ من قائل: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، بل إنّه دعا إلى الاعتدال حتَّى في الإنفاق، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾([82]).
فالوسطية الرشيدة إذن هي مسلك المسلمين ودعوة الإسلام لأتباعه في كلّ الأحوال وعموم الأوقات، ومن ثمَّ فإنَّها خير ضمان لحماية التوازن البيئي الذي سنّه الخالق ـ جلّ وعلا ـ لاحتضان الحياة واستمرار الوجود على كوكب الأرض، ولقد أجمعت الدراسات التي أجريت حول مشكلات التلوّث البيئي على وجود علاقة وثيقة بين إسراف الإنسان في تعامله مع مكونات البيئة المختلفة وبين التلوّث البيئي بجميع أشكاله، كما أن الإسراف يفضي إلى مشكلات بيئية أخرى لا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده بل يَمتدّ ليشمل باقي الأحياء التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض.
وفي ختام هذه الورقة يمكن أن نستخلص أهمّ التوصيات التالية:
1- غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها لدى الناشئة من خلال المناهج والكتب الدراسية، ولكن لا يجب أن يلقى العبء على المؤسسات التعليمية فقط، بل يجب أن تتكاتف الجهود فتقوم الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني بدورها التوجيهي والتربوي.
2- إصلاح البيئة لن يتحقّق إلاّ إذا صلح الإنسان، لذا لا بد من تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات الثقافية والمنابر الدعوية والإعلامية.
3- مناشدة الدول بسنّ القوانين والتشريعات الداخلية المتسمة بالصرامة في ملاحقة ملوّثي البيئة، وعدم التراخي في توقيع العقوبات عليهم، وملء الفراغ التشريعي في بعض البلدان النامية.
4- اتِّباع آلية أفضل لتبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية منه وغير الحكومية بشأن المشاكل البيئية تتّصف بالسرعة والدقّة، وبعيدة عن الجوانب الإجرائية والشكلية، وذلك للانتفاع بها واستخدامها في مواجهة أيّ خطر يهدد البيئة.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
ينطبق على (سلامة البيئة وحفظها) لأنه يتوقف عليه التمكن من تحقيق الهدف من أداء التكاليف الشرعية، وهو “إخراج المكلف من داعية هواه، ليكون عبداً لله اضطراراً”([50])، فإن البيئة إذا لم تكن سليمة نقية خالية ستعوق المكلف عن أداء ما أوجبه عليه الله من حقوق لربه تعالى ثم لنفسه وأهله ومجتمعه ومن يشاركون في الحياة.
2. اعتبار سلامة البيئة مقصداً متمماً للواجب:
بالتأمل في الأثر يترتب على سلامة البيئة وحفظها يتبين أنه يرجع إلى حفظ البيئة وحفظ النفس والنسل، فإنَّ أكثر العبادات والواجبات الدينية والدنيوية لا يمكن أداؤها أصلا، أو على الوجه الصحيح إلا إذا توافرت البيئة التي يعيش فيها الإنسان ويتعامل مع عناصرها من ماء نقي طاهر، وجو صحي يبقي على قوة بدنه وغذاء نافع لا يضعف بدنه، ويلحق به الأمراض والأعراض السيئة التي يورث بعضها لسلالته.
ويقرر أحد الفقهاء المعاصرين أن صحة الإنسان التي تهدف الشريعة إلى حفظها وصونها تقتضي أن كل تصرف سلبي في البيئة يؤثر سلباً على صحة الإنسان غير مقبول شرعاً؛ لأنه يتنافى ومقاصد الشريعة ([51]).
وإذا كان الطرح المعاصر السابق لمكانه حماية البيئة على أنها من مجالات التعاون لتحقيق مقصد الاستخلاف في الأرض، فإنَّ هناك طرحاً أقوي لموقع حفظ البيئة وهو أنه مقصد أساسي (ضروري) من مقاصد الشريعة، وذلك ما قرره الدكتور عبد المجيد النجار، وفيما يلي جوانب من بياناته لتقرير تلك الدعوى، فهو بعد أن أشار إلى أن على الإنسان أن ينجز مهمة الخلافة في الأرض، متمثلاً في كل ما له علاقة بالحياة الإنسانية من أرض وما عليها من حيوان ونبات وجماد، وما يحيط بها من غلاف جوي ومن سماء وما فيها من كواكب وإجرام تبين أن لها علاقة بالحياة وتأثيرا فيها قال([52]):
” المتأمل في أحكام الشريعة يجد أن كثيراً منها إنما شرع لتحقيق مقصد حفظ البيئة الطبيعية أن تعمل فيها يد الإنسان بتصرفات تخل بنظامها، أو تعطل مقدراتها على أن تكون صالحة للحياة منمية لها، أو تربك توازنها الذي تقوم عليه عناصرها المختلفة، وقد جاءت تلك الأحكام متضافرة كلها على منع الإنسان من ذلك، وأمره بان يبقى على الطبيعة صالحة كما خلقها الله، وأن يمارس عليها مهمة الخلافة على ذلك الوجه من الصلاح، وما فتئت تلك الأحكام تظهر أهميتها وتتأكد الحكمة في أوامرها ونواهيها، وذلك كلما أسفرت الأزمة البيئية عن وجهها الكالح، وتعالت نذرها بالمصير البائس للحياة، وذلك هو مبرر أن نفرد هذا المقصد الضروري بفصل مستقل من فصول المقاصد الضرورية للشريعة الإسلامية.
وجماع ما جاء في الدين من أمر بحفظ البيئة ونهي عن أي ضرر بها ما جاء في القرآن والسنَّة من نهي مغلظ عن الفساد في الأرض، ومن تشنيع كبير على هذا الصنيع، وذلك في مواطن متعددة ومواقف مختلفة مما يدلّ على أن حفظ البيئة من الفساد مقصد ضروري من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومما جاء في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾([53]).
وانطلق فيما ذهب إليه من مدلول الآيات بأن الفساد هنا لا يقتصر على الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي، وإنما يشمل الفساد الذي يطال البيئة الطبيعية وهو مقصد أساسي فيها وليس ثانوياً ملحقاً بذلك
واستشهد بما ذكره الطبري عن السدّي في تفسير ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾([54]) بأن الذي نزلت فيه هذه الآية إنّما نزلت في قتلة حُمُرا لقوم من المسلمين، وإحراقه زرعا لهم، وذلك وإن كان جائزاً أن يكون كذلك، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه، والمراد بها كلّ من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال، والذي يحل قتله في بعض الأحوال إذا قتله بغير حقّ، بل ذلك كذلك عندي؛ لأنّ الله تعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شيء بل عمّه” أي: وهذا التعميم يشمل بصفة أساسية الإفساد البيئي.
وفي تفصيل الحفاظ على البيئة من هذا الفساد، جاءت أحكام شرعية كثيرة تهدف إلى تحقيق هذا المقصد الشرعي، وهي أحكام تلتقي كلها عند ذات المقصد وإن كانت تصل إليه من زوايا مختلفة، فمن حفظها من التلف إلى حفظها من التلوّث، إلى حفظها من السرف الاستهلاكي، إلى حفظها بالتنمية المستديمة، علماً بأنّ الأحكام الشرعية الواردة في هذا الشأن لم تكن مفصلة بصفة مباشرة بما قد يتصور البعض أنّه قوانين قد وضعت خصيصاً لمعالجة الأزمة البيئية الراهنة، وَإِنَّمَا هي إشارات وتنبيهات وتوجيهات تنحو أحيانا منحى التعميم، وتنحو أحيانا أخرى منحى التفصيل، ولكنها تهدف كلها إلى تأسيس ثقافة بيئية تعصم التصرف الإنساني من الاعتداء إلى المحيط الطبيعي بالفساد في أي وضع كان فيه، وفي أي مستوى حضاري وصل إليه([55]).
عناصر البيئة
يمكن تقسيم البيئة وفق توصيات مؤتمر استوكهولم([56])، إلى ثلاثة عناصر هي:
1ـ البيئة الطبيعية:
وتتكون من أربعة نظم مترابطة ترابطاً وثيقاً هي: الغلاف الجوي، والغلاف المائي، واليابسة، والمحيط الجوي، بما تشمله هذه الأنظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن، ومصادر للطاقة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وهذه جميعها تمثل الموارد التي أتاحها الله تعالى للإنسان كي يحصل منها على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى.
2ـ البيئة البيولوجية:
وتشمل الإنسان “الفرد” وأسرته، وكذلك الكائنات الحية في المحيط الجوي، وتعد البيئة البيولوجية جزءاً من البيئة الطبيعية.
3ـ البيئة الاجتماعية:
ويقصد بالبيئة الاجتماعية ذلك الإطار من العلاقات الذي يحدد ماهية علاقة حياة الإنسان مع غيره، ذلك الإطار من العلاقات الذي هو الأساس في تنظيم أي جماعة من الجماعات سواء بين أفرادها بعضهم ببعض في بيئة ما، أو بين جماعات متباينة أو متشابهة معاً وحضارة في بيئات متباعدة، وتؤلف أنماط تلك العلاقات ما يعرف بالنظم الاجتماعية، واستحدث الإنسان خلال رحلة حياته الطويلة بيئة حضارية لكي تساعده في حياته فعمّر الأرض واخترق الأجواء لغزو الفضاء.
وعناصر البيئة الحضارية للإنسان تتحدد في جانبين رئيسين هما:
أولاً: الجانب المادي:
كلّ ما استطاع الإنسان أن يصنعه كالمسكن والملبس ووسائل النقل والأدوات والأجهزة التي يستخدمها في حياته اليومية.
ثانياً: الجانب غير المادي:
فيشمل عقائد الإنسان وعاداته وتقاليده، وأفكاره، وثقافته، وكل ما تنطوي عليه نفس الإنسان من قيم وآداب وعلوم تلقائية كانت أم مكتسبة([57]).
مبادئ شرعية تطبيقية في الحفاظ على سلامة البيئة: ([58])
1- حفظ البيئة من التلف:
من المنهيّ عنه نهياً مغلظاً في التعاليم الإسلامية الإتلاف للبيئة الذي يتمثل في أحد نوعين:
الإتلاف الذي يفضي إلى عجز البيئة عن التعويض الذاتي لِما يقع إتلافه، فيؤول إلى الانقراض والإتلاف في استخدام مواردها ولو كان ذلك الإتلاف استهلاكا في منفعة.
وَإِنَّمَا طلبت الشريعة الإسلامية صيانة البيئة من هذين النوعين من التلف لما يفضي إليه كل منهما من خلل بيئي يعطل كفاءة البيئة عن أداء مهمتها في إعالة الحياة، إذ كل شي فيها قدر تقديرا في سبيل تحقيق تلك الإعالة، ومن النصوص الناهية عن إتلاف البيئة بنوعيه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾، وقوله صلعم في النهي عن إتلاف الحيوان «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة، يقول: إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني في منفعة»([59])، وقوله صلعم : «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»([60])، وكذلك الأمر بالنسبة لإتلاف النبات، فقد قال صلعم في هذا الشأن: «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار»([61]).
2- حفظ البيئة من التلوّث([62]):
لا يكون الفساد في الأرض بإهلاك عناصر البيئة الطبيعية إهلاكا عبثياً أو إهلاكا قارضا فحسب، وَإِنَّمَا يكون الفساد أيضاً بتلويث البيئة بما يقذف فيها من عناصر مسمومة، أو بما يغير من النسب الكمية أو الكيفية لمكونات البيئة التي قُدِّرَت عليها في أصل خلقتها، فإنَّ ذلك يفضي إلى تعطيل العناصر البيئية في ذاتها أو في كيفياتها عن أن تؤدي دورها النفعي للإنسان، بل قد تحولها هي نفسها إلى عناصر وكيفيات مسمومة، وإذا أداؤها البيئي يتحول من نفع للحياة ولحياة الإنسان خاصة إلى إضرار بهما، وقد وجدت البيئة أصلا من أجل إعمار الحياة، وتمكين الإنسان من أداء مهمة الخلافة.
ومن أبين الأحكام المتعلقة بصيانة البيئة من التلوّث ما جاء من تشريع يوجب على الإنسان الطهارة في حياته كلها، ابتداءً من طهارة الجسم إلى طهارة الثوب والآنية والمنزل، وانتهاء بطهارة الشارع والحي والأماكن العامة. وقد ارتقت الأوامر الشرعية في هذا الشأن إلى أن أصبحت تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ السلوك، بل إنها ارتبطت بمفهوم العبادة ارتباطا أصبح معه التطهر بمفهومه العام جزءا من عبادة الله عالٍ، وناهيك عن ذَلِك أن الصلاة وهي رأس العبادات تتوقف في صحتها على تحقق الطهارة في الجسم والثوب والمكان، وقد قال تعالى في التطهر بمعنى عام: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾([63]).
ومن هذه الأحكام ذات الدلالة في صيانة البيئة من التلوّث ما جاء في تشريع يوجب التطهير للأماكن الخاصة والعامة، وصيانتها من كلّ ما عسى أن يلوثها من مختلف الملوثات، فقد قالصلعم: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله»([64])، وذلك على معنى أن يتخير لتصريف بوله موقعا تمحى فيه آثاره بسرعة، فلا يكون له تلويث يضر بما حوله، كما قال صلعم أيضا: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظلّ»([65])، ففي هذه المواضع يكون البراز أكثر تلويثا للبيئة إذا هي مواقع حركة من شأنها أن تزيده انتشارا، فورد النهي عنها منعاً للتلوّث، وفي هذا السياق قال النبيّ صلعم أيضا «لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثُمَّ يغتسل فيه»([66])، وذلك لِما يتسبب فيه هذا الصنيع من تلوّث المياه وعفونتها.
3- حفظ البيئة من فرط الاستهلاك: (وقوف)
إنّ كل كائن حي في البيئة حياته أن يكون من مواردها استهلاك مقدرة بالدورة الكبرى، محسوب في قيام توازنها ودوامه، والإنسان لا يخرج عن هذا القانون البيئي إلا أن المهمة التي كلف بها لتكون غاية لوجوده تقتضي لكي ينجزها أن يكون استهلاكه من مقدرات البيئة أوفى من الاستهلاك لمجرد الحفاظ على الحياة، مثل سائر الكائنات الحية الأخرى، إذ هو مكلف بالتعمير في الأرض وهي غير مكلفة بشيء، وهذا الاستهلاك الزائد الذي تقتضيه مهمة الإنسان في الحياة هو أيضا مقدر في التكوين البيئي، محسوب في قيام توازنها ودوامه.
والنصوص الشرعية كثيرة في ذم التبذير والإسراف وهو الإنفاق في غير حق سواء في الماء أو الشجر أو سائر موارد البيئة، وفي الاقتصاد والتوسط بين الإسراف والبخل ولاسيما فيما هو محدود الكمية غير قابل للتكاثر.
حفظ البيئة بالتنمية:
لَمّا كانت بعض الموارد تصير بالاستهلاك إلى نفاد ليس له جبر، فإنَّ التشريع الإسلامي جاء يصونها بالترشيد في ذلك الاستهلاك وعدم التبذير كما بيناه آنفا. ولكن تلك الموارد التي تصير هي أيضا إلى النفاذ ولكنها تقبل الجبر لذا جاء التشريع الإسلامي يوجه إلى صيانتها من النفاد بترشيد الاستهلاك فيها أيضا، فإنَّه جاء يوجه إلى صيانتها بطريقة أخرى أكثر فعالية في الصيانة، وهي طريقة التثمير والتنمية، وذلك ليكون ما يستهلك منها مخلوفا على الدوام بما ينمي ويثمر.
وفي هذا السياق جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ن فقد قال صلعم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»([67])، وكفى بذلك دافعا إلى التنمية البيئية في المجال النباتي.
ومن التشريعات الإسلامية في تنمية البيئة ما جعل في ملكية الأرض إذا كانت مهملة من أن إحياءها بالزرع هو السبب الذي يبتغى منه ملكيتها، فقد قال صلعم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»([68])، وما جعل من أن تعطيل تلك الأرض عن دورها الإنمائي للثروة النباتية قد يكون سببا في نزع ملكيتها من صاحبها، قد قال صلعم: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه»، وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فإنَّ ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة.
وسائل إسلامية معاصرة لرعاية البيئة
ذكر الدكتور القرضاوي في كتابه “رعاية البيئة في شريعة الإسلام” أهم الوسائل التي يجب أن ننتبه إليها إذا كنا ننشد بيئة صالحة خالية من كل صور الفساد والإفساد، فقال: “للإسلام وسائل عدة لحماية البيئة، وتنميتها وتحسينها، وعلاج مشكلاتها التي أمسى العالم كله يشكو من آثارها. وهذه الوسائل كلها تتعلق بدور الإنسان في البيئة، إذا الطبيعة من حولنا بشمسها وقمرها، وليلها ونهارها، وبحارها وصحاريها، لا نستطيع أن نتحكم فيها من ناحية؛ ولأنها لا مشكلة منها ولا خطر في ذاتها، إنما المشكلة تنبع من صلة الإنسان بها، ونظرته إليها، وتصرفه فيها، وتعامله معها.
فإذا أصلحنا الإنسان، فقد صلحت الحياة كلها من حوله، وإنما صلح الإنسان من داخله، لا من خارجه، ومن باطنه لا من ظاهره، ومن نفسه التي بين جنبيه لا من غلافه البدني، وهذه سنة ثابتة قررها القرآن الكريم حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾([69])، ومن المؤكد: أنه لا يصلح الأنفس شيء مثل الإيمان، فهو سبيل الخلاص، وطوق النجاة.
هذه الوسائل الإسلامية تتمثل فيما يلي:
1- تربية الناشئة:
أولى هذه الوسائل هي التربية والتعليم، وخصوصًا للناشئة في الحضانات والمدارس، بمستوياتها المختلفة حتَّى الجامعة.
فمن الواجب غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها، والتعامل معها بـالإحسان، الذي أمر الله به، وكتبه على كل شيء، كما جاء في الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» وبـالرفق الذي يحبه الله تعالى في الأمر كله، وما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
وبالاعتدال الذي يجعل الإنسان ينتفع بخيرات البيئة بلا شح ولا إسراف، انتفاع عباد الرحمن ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾([70]).
وبشكران النعمة الذي يجب أن يتصف به كل مؤمن، فهو الذي يحفظها عليه، بل يزيدها وينميها، وعلى المؤمن أن يقول ما قال سليمان: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾([71]).
كما عليه أن يتعامل مع البيئة ومكوناتها بتقوى الله تعالى، وهي الشعور برقابته عزّ وجل، وأنه لا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى، وأنه سبحانه سيجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
هذه المعاني يجب أن نغرسها في عقول أطفالنا، وفي وجدانهم منذ نعومة أظفارهم، فإنَّ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذه السن هي التي تتكون فيها العادات، وتكتسب الفضائل أو الرذائل، وقد قال الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتــدلــــت ولن تلين إذا قومتها الــخــشـــــب!
ومن اللازم هنا: أن يدخل جزء من (علم البيئة) وضرورة رعايتها والمحافظة عليها في المناهج، والكتب الدراسية بالقدر الملائم، وبالأسلوب المناسب لسن الطالب ومداركه، وبالطريقة المشوقة التي تشده إلى هذا اللون من الثقافة، الذي يجب أن يرتبط بالدين، باعتباره المؤثر الأول في حياة الإنسان عامة، والمسلم خاصة.
ولا يجوز للآباء والأمهات أن يلقوا كل العبء على المدرسة، ويتخليا عن واجبهما في الرعاية التربية، بل ينبغي أن يتعاون البيت والمدرسة في هذه التربية المنشودة، بحيث يكمل كل منهما الآخر، في تنشئة جيل المستقبل، الذي يؤدِّي واجبه كما يعرق حقه، ولا يقتصر على طلب الحقوق، مع التقصير في الواجبات.
2- التوعية والتثقيف للكبار:
والوسيلة الثانية، هي: التوعية والتثقيف للكبار، وللجماهير بصفة عامة، وذلك عن طريق المؤسسات الثقافية التي تعمل على الرقي بفكر الأمة، وتسمو بأذواقها واتجاهاتها العقلية والنفسية، وتصحح مفاهيمها الخاطئة، وتقوم أفكارها المنحرفة، متعاونة مع أجهزة الإعلام الواعي الهادف، الذي يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، بحيث ينشئ تصورًا معرفيا بيئيًا جديدًا منبثقًا من التصور الإسلامي العام لله سبحانه وللإنسان وللكون وللحياة، والوجود.
فالثقافة هي التي تغير الأفكار والأذواق والميول، وتكون اتجاهات الأفراد، خيرة كانت أم شريرة.
كما لا بد أن يدخل إصلاح البيئة، والحرص على سلامتها ونمائها، وأداؤها لما يطلب منها على الوجه الأكمل، في مناهج الإعلام مقروءًا، أو مسموعًا، أو مرئيًا، وأن تعد برامج ثقافية ملائمة، على شتى المستويات، بعضها أكاديمي يصلح للخاصة، وبعضها جماهيري ينفع العامة.
بل لا بد أن تدخل هذه المعاني والمفاهيم البيئية ضمن الأعمال الدرامية من التمثيليات والمسلسلات ونحوها، لما فيها من تشويق، وما لها من تأثير بالغ على الناس.
ولا بد للإعلام الديني أن يقوم بمهمته في التوعية والترشيد والتوجيه، المعتمد على القرآن والسنَّة، وهدي السلف الصالح، عن طريق خطبة الجمعة، ودرس المسجد، والمحاضرات الدينية، فلا ريب أن للمسجد تأثيره الكبير على عقول المسلمين، وضمائرهم، إذا تهيأ له الخطيب الصالح الذي يفقه دينه ويفقه عصره.
3- رقابة الرأي العام:
والوسيلة الثالثة: هي رقابة الرأي العام، الذي يمثل (الضمير الجماعي) للأمة، بمقتضى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي ميّز الله بها هذه الأمّة ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾([72]).
وهو من الأوصاف الأساسية لمجتمع المؤمنين والمؤمنات، كما وصفه الله تعالى في كتابه حيث قال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾([73]).
فقدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفرائض المعروفة: الصلاة، والزكاة، ليشعر بأهميته في الدين، وبهذا يتكون الضمير الاجتماعي للأمة، وتقرر رقابة الرأي العام الواعي على أوضاعها، والسهر على استقامتها.
ولا ريب أن إصلاح البيئة ورعايتها من المعروف، وأن إفسادها وتلويثها والاعتداء عليها من المنكر.
ومعنى هذا: أنّ كلّ مسلم مسئول مسئولية تضامنية عن سلامة البيئة وصلاحها، وإذا رأى من يجور عليها بتلويث أو إتلاف أو إفساد، وجب عليه أن ينهاه عن ذلك، بل المطلوب أساسًا أن يغير هذا المنكر بقدر استطاعته، بيده إن كان ذا سلطة، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وبهذا يحاصر المنكر والفساد حصارًا أدبيًا، ويبقى في أضيق نطاق ممكن، ويدخل في هذا المجال: إنشاء (الجمعيات الأهلية) للمحافظة على البيئة، وهذا من التعاون على البر والتقوى، وهذه الجمعيات هي البديل الشعبي عن دور (المحتسب) في عصور الحضارة الإسلامية.
وقد كان (المحتسبون) قديمًا يقومون بهذا الواجب الاجتماعي، وكانوا يفرضون رقابة قوية ـ بسلطان الشرع ـ على أفراد المجتمع وطوائفه المختلفة، ومؤسساته المتنوعة، بما لهم من كفاية وأعوان، وسلطة فيها طرف من هيبة القضاء، وطرف من قوة الشرطة، وقدرتهم على التنفيذ.
4- سلطة التشريع والعقاب:
وتبقى الوسيلة الرابعة، وهي: التشريع وسلطة القانون، الذي يلزم ويعاقب من لا يلتزم، عن طريق ولي الأمر، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾([74])، فمن لم يصلحه الكتاب والميزان أصلحه الحديد ذو البأس الشديد، وفي الحديث: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته»([75]).
ولقد قال الخليفة الثالث عثمان بن عفان t: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فإذا كان القرآن ينمي حوافز الإيمان وينشئ الضمائر الحية، فإنَّ السلطان يقف بالمرصاد لكلّ من يتجاوز الحدود.
ولهذا كان لا بد من دخول المحافظة على البيئة، ومعاقبة من يجور عليها في التشريعات الملزمة للأمة.
وعندنا من عمومات النصوص، ومن المصالح المرسلة، وسد الذرائع، ومن القواعد الفقهية ما يعيننا على إنشاء قانون للبيئة، وفق هذه القواعد الشرعية:
لا ضرر ولا ضرار، الضرر يزال، والضرر يدفع بقدر الإمكان، يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، يرتكب أخف الضررين، درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما أدى إلى الحرام فهو حرام، الضرورات تبيح المحظورات، ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ما بني على باطل فهو باطل، الأمور بمقاصدها، العادة محكمة، ما قارب الشيء يأخذ حكمه، النادر لا حكم له، للأكثر حكم الكل.
وعلى الدولة أن تتخذ من الإجراءات الإدارية والاقتصادية ما يحفظ البيئة، ويرمم ما خرب منها، ويصلح ما فسد، إلى جوار الإجراءات الوقائية التي تمنع الفساد قبل وقوعه.
بالإضافة إلى عقوبة من يعتدي على أي مكون من مكونات البيئة بأبي صورة من الصور: بالتلويث أو بالإسراف في الاستهلاك، أو بالإخلال بالتوازن، أو غير ذلك من أشكال الإفساد في الأرض.
ومن المعروف فقهًا: أن العقوبات نوعان: نصية كالحدود، واجتهادية كالتعزير، وهو عقوبة على كل معصية لا حد فيه ولا كفارة، ولا شك أن منها قضايا العدوان على البيئة.
وعلى أولي الأمر الشرعيين واجبات كثيرة نحو حماية البيئة وتنميتها، وإلزام الأفراد والشركات والمؤسسات بواجبهم نحوها، وإلزامهم بإزالة الأضرار الناشئة عن أعمالهم، وإصلاح المواقع التي تسببوا في تدهورها، ودفع تعويضات عن الأضرار التي يحدثونها في الطبيعة، ولا يمكن إزالتها أو معالجتها.
وعلى أولي الأمر كذلك إيقاف المشروعات المضرة بالبيئة، وإن كان فيها بعض النفع لأن العبرة بالأغلب، فما كان إثمه أكبر من نفعه فهو محرم، وعليهم عقاب كل من يتعدى أو يقصر في تنفيذ العقود المتعلقة بالبيئة؛ لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.
5- التعاون مع المؤسسات الإقليمية والعالمية:
والوسيلة الخامسة هي: التعاون مع الجماعات والمؤسسات الأهلية والرسمية الإقليمية والدولية، للحفاظ على البيئة، ومقاومة كل ما يهددها من الاستنزاف والتلوّث والإفساد، والإخلال بالتوازن الطبيعي والكوني، وهو ما دعا أحد الباحثين أن يؤلف كتابًا جعل عنوانه: “يا سكان الأرض اتّحدوا” أي ضدّ الأخطار الكبرى التي تنذر البشرية بشر مستطير إذا لم يتداركهم الله برحمته، ويسارعوا إلى العمل معًا لسد الخلل، وترميم الخراب، وإصلاح الفساد ويد الله مع الجماعة.
ولقد خاطب الله الناس جميعًا بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ﴾([76])، فعندما يكون العدو واحدًا، يجب أن يتحد الموقف ضده، وشيطاننا اليوم يتمثل في الذين يفسدون البيئة، ويخربونها بقصد أم بغير قصد، فهم أعداء الإنسانية جميعًا، وعلينا أن نجند كل القوى لمقاومتهم، وردهم إلى رشدهم.
هذه هي الوسائل الأساسية التي يتخذها الإسلام للمحافظة على البيئة وصلاحها، وهو يرحب بكل وسيلة يبتكرها البشر في هذا المجال، إذا لم يكن فيها ما يخالف قيم الإسلام وشرائعه، فالحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق الناس بها.
التربية البيئية في الإسلام
مفهومها ــ أهدافها
لما كانت التربية أثرها بعيد المدى في تنشئة وإعداد الأجيال إعدادا تربويا يتفق والقيم الأصيلة، ويؤصل لدى الأجيال مفاهيم خلقية، واجتماعية تحض على احترام البيئة وتقديرها، فهذا يلقي على المؤسسات التربوية (المدارس، والجامعات، والمساجد، والنوادي… الخ) العبء الأكبر في تحقيق هذا الهدف الأسمى.
ولعل الواقع الذي نحياه يملى علينا من المشكلات البيئية بأبعادها (المادية، والمعنوية) ما يجعل المؤسسات التربوية عاجزة عن القيام بمهامها، وقد يرجع السبب إلى عدم وجود منهج واضح وخطة واضحة ذات أهداف يسهل تحقيقها، وكذلك غياب مفهوم التربية البيئية لدى تلك المؤسسات.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف التربية البيئية في الإسلام بأنها: “النشاط الإنساني الذي يقوم بتوعية الأفراد بالبيئة وبالعلاقات القائمة بين مكوناتها، وبتكوين القيم والمهارات البيئية وتنميتها على أساس من مبادئ الإسلام وتصوراته عن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، ومطالب التقدم الإنساني المتوازن”.
وفي ضوء هذا التعريف للتربية البيئية من منظور إسلامي يجب أن يكون هناك تفاعل إيجابي بين الإنسان والبيئة، وأن يكون ذلك التفاعل شاملا ولا يقتصر على زمان معين أو مكان معين، وليصبح جهد الإنسان موحدا وموظفا توظيفا حضاريا وتاريخيا في ضوء العقيدة الإسلامية.
وتتضح حاجتنا الماسة إلى وجود التربية البيئية بصورة تطبيقية وليست نظرية في عصرنا الحالي، خاصة إذا تعرفنا على مظاهر سوء استخدام البيئة في العالم، ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: في المؤتمر العالمي الثاني للأمم المتحدة حول البيئة والتنمية عام 1992م والذي عقد في ريودي جانيرو في البرازيل، اجتمع ثلاثون ألف مشارك بما فيهم مئة زعيم ليواجهوا مجموعة حقائق رهيبة منها:
– انخفض إنتاج الحبوب في إفريقيا لكلّ فرد بمعدل 28% في السنوات الخمس والعشرين الماضية.
– فقدت إثيوبيا 90% من غاباتها منذ عام 1900م، الأمر الذي مكّن مليار طن متري من التربة الفوقية من الانجراف سنويا.
– تواجه حيوانات أستراليا الأصلية الانقراض، وكان قد انقرض 28% من حيواناتها الأصيلة.
– تحتاج الحياة البحرية في الخليج العربي 180عاما كي تتخلص من عشرة ملايين برميل من النفط التي انسكبت أثناء حرب الخليج.
– تعد 10% من الأنهار المنتشرة في أنحاء العالم ملوثة، كما تلتقط المحيطات 6.5 مليون طن من النفايات سنويا.
وهكذا تتنافس هذه القضايا الملحة على الاهتمام من قبل صناع القرار في العالم، وبالإضافة إلى ذلك تتوقع الدراسات أنه بحلول عام 2025م ستنفث البلدان النامية في الهواء أربعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنفثها الدول المتقدمة اليوم، كما يتوقع أن تفقد الأرض أكثر من 25% من الأجناس الموجودة حاليا.
إن الإنسان في دول الشمال يستهلك من المياه ويولد من الملوثات بما يزيد عن عشرين ضعفا عن المواطن في دول الجنوب.
إن التلوّث الذي يسببه مواطن أمريكي واحد يزيد على ذاك الذي يسببه مواطن عادي من دول العالم الثالث بعشرين إلى مائة مرة، ويماثل استهلاك الأمريكي الواحد للطاقة ما يستهلكه ثلاثة يابانيين، أو ستة مكسيكيين، أو 13 صينيا أو 35 هنديا أو 153 بنغلادش أو 499 إثيوبيا.
كما تشير الإحصاءات إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط حوالي 36 نوعا من الحيوانات الثديية، 94 نوعا من الطيور بالإضافة إلى تعرض 311 نوعا آخر للخطر، أما الغابات فهي في تناقص مستمر بمعدل 2% سنويا نتيجة الاستنزاف وتلوّث الهواء المنتج للأمطار الحامضية، وكذلك التربة فإنَّها تتناقص باستمرار بمعدل 7% من الطبقة العليا كلّ عقد، وذلك بسبب الانجراف والتآكل بشكل مستمر نتيجة الإنهاك المستمر بالزراعة الكثيفة أو الريّ الكثيف، مِمَّا يؤدِّي إلى ملوحة التربة وتصحرها.
كذلك تسود استخدامات المياه ممارسات خاطئة تؤدّي إلى ندرة المياه ونضوبها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه في باطن الأرض، الأمر الذي يهدّد البشرية بخطر حقيقي.
إنّ هذه الحقائق والإحصاءات توضح مدى خطورة الوضع الذي وصلت إليه الأرض نتيجة سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان، وهي مظاهر تستلزم التدخّل السريع للإنقاذ، ولا إنقاذ للبشرية إلا بالإسلام.
وتأتي أهمية وحتمية وجود أهداف للتربية البيئية من منظور إسلامي لتؤكد للجميع أن الإسلام دين يؤكد على احترام وتقدير البيئة انطلاقا من أهداف عدة منها:ـ
1ـ تنمية الوعي البيئي لدى الإنسان المسلم عن طريق تزويده بالرؤية الصحيحة عن البيئة ومكوناتها بما يحقق دوره المطلوب في الأرض باعتباره خليفة الله فيها.
2ـ تنمية وتكوين القيم والاتجاهات والمهارات البيئية الإسلامية لدى الإنسان المسلم، حتَّى يستطيع على ضوئها مواجهة مختلف صعابها بإرادة قوية، ومن ثم استغلالها بصورة نافعة بما يحقق أهداف الإسلام.
3ـ تنمية قدرة الإنسان المسلم على تقويم إجراءات وبرامج التربية والتعليم المتصلة بالبيئة من أجل تحقيق تربية بيئية أفضل.
4ـ إيجاد التوازن وتعزيزه بين العناصر الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية المتفاعلة في البيئة لِما فيه صالح الإنسان المسلم.
5ـ فهم الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والطبيعية وعلاقة الإنسان المسلم بالقضايا والتلوّث.
القيم البيئية الإسلامية:
هي: “مجموعة الأحكام المعيارية المنبثقة من الأصول الإسلامية، التي تكون بمثابة موجهات لسلوك الإنسان تِجاه البيئة، تمكنه من تحقيق وظيفة الخلافة في الأرض”.
أقسام القيم البيئية الإسلامية:
أولا ـ قيم المحافظة.
ثانيا ـ قيم الاستغلال.
ثالثا ـ قيم التكيف والاعتقاد.
رابعا ـ قيم الجمال.
1ـ قيم المحافظة: وتختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو المحافظة على مكونات البــيئة وتشمل:
-المحافظة على نقاوة الغلاف الجوى.
-المحافظة على نظافة الثروة المائية.
-المحافظة على رعاية الثروات النباتية.
-المحافظة على رعاية الثروات الحيوانية.
-المحافظة على استخدام الثروات المعدنية واللامعدنية.
-المحافظة على نظافة الطرقات.
-المحافظة على نظافة بيوت الله والبيوت العامة.
-المحافظة على الصحة البدنية.
-المحافظة على الهدوء وتوفيره.
2 ـ قيم الاستغلال: هي تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو الاستغلال الجيد لمكونات البيئة. وتتضمن عدم الإسراف،وعدم التبذير، والبعد عن الترف،الاعتدال والتوازن في كل شيء، حيث يدعو الإسلام إلى الاعتدال في استهلاك موارده البيئية بحيث تكفى ضرورته وحاجاته، بدون إفراط ولا تفريط.
3 ـ قيم التكيف والاعتقاد: هي تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الأفراد نحو التكيف مع بيئتهم، ونحو تصحيح معتقداتهم السلبية تجاهها وتشمل الآتي:
التكيف مع التغيرات الطبيعية مثل: قسوة الظروف المناخية، طبيعة الأرض، وكذلك الابتعاد عن المعتقدات الخرافية مثل: التعاويذ والتمائم، والتبرك بالشجر، والكهانة، والتشاؤم.. الخ.
4 ـ قيم جمالية: وهى تلك القيم التي تختص بتوجيه سلوك الإنسان نحو التذوق الجمالي لمكونات البيئة.. قال صلعم: «إن الله جميل يُحبّ الجمال، الكبر بطر الْحَقّ وغمط الناس»([77]).
قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾([78]).
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾([79]).
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾([80]).
وتبيّن الآيات عظيم صنعه وروعة وجمال الصنعة وعظمة الصانع ـ سبحانه وتعالى ـ، الذي خلق كلّ شيء جميل.
الخاتمة
الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن الحفاظ على البيئة ورعايتها هو واجب ديني تفرضه تعاليم الإسلام التي تحثّ على حماية البيئة والاهتمام بها، والتي تنهى عن الفساد والإفساد في الأرض، كما أنّه حماية البيئة والمحافظة عليها هو واجب اجتماعي، يجب أن تتكاتف من أجله الجميع المؤسسات والأفراد على حد سواء.
وما أحدقت الأخطار بالبيئة من حولنا إلاَّ حين تجاوز الإنسان حده وهو يتعامل معه؛ ولذلك فإنَّ خير ضمانة للمحافظة على البيئة هو أن نحيي مبدأ الوسطية ونحن نتعامل مع بيئتنا، فقد أقام الإسلام بناءه كله على الوسطية والتوازن والاعتدال والقصد، وهذا ما أرشدنا إليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا﴾([81])، كما نهى عن الإسراف في غير آية في كتاب الله عزّ وجل، فقال سبحانه: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يحبّ الْمُسْرِفِينَ﴾، وقال عزّ من قائل: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، بل إنّه دعا إلى الاعتدال حتَّى في الإنفاق، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾([82]).
فالوسطية الرشيدة إذن هي مسلك المسلمين ودعوة الإسلام لأتباعه في كلّ الأحوال وعموم الأوقات، ومن ثمَّ فإنَّها خير ضمان لحماية التوازن البيئي الذي سنّه الخالق ـ جلّ وعلا ـ لاحتضان الحياة واستمرار الوجود على كوكب الأرض، ولقد أجمعت الدراسات التي أجريت حول مشكلات التلوّث البيئي على وجود علاقة وثيقة بين إسراف الإنسان في تعامله مع مكونات البيئة المختلفة وبين التلوّث البيئي بجميع أشكاله، كما أن الإسراف يفضي إلى مشكلات بيئية أخرى لا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده بل يَمتدّ ليشمل باقي الأحياء التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض.
وفي ختام هذه الورقة يمكن أن نستخلص أهمّ التوصيات التالية:
1- غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها لدى الناشئة من خلال المناهج والكتب الدراسية، ولكن لا يجب أن يلقى العبء على المؤسسات التعليمية فقط، بل يجب أن تتكاتف الجهود فتقوم الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني بدورها التوجيهي والتربوي.
2- إصلاح البيئة لن يتحقّق إلاّ إذا صلح الإنسان، لذا لا بد من تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات الثقافية والمنابر الدعوية والإعلامية.
3- مناشدة الدول بسنّ القوانين والتشريعات الداخلية المتسمة بالصرامة في ملاحقة ملوّثي البيئة، وعدم التراخي في توقيع العقوبات عليهم، وملء الفراغ التشريعي في بعض البلدان النامية.
4- اتِّباع آلية أفضل لتبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية منه وغير الحكومية بشأن المشاكل البيئية تتّصف بالسرعة والدقّة، وبعيدة عن الجوانب الإجرائية والشكلية، وذلك للانتفاع بها واستخدامها في مواجهة أيّ خطر يهدد البيئة.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
مواضيع مماثلة
» البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*
» نصح الحاكم في الشريعة الإسلامية
» مفهوم الشريعة الإسلامية الواســــــع
» دفع الصائل في الشريعة الإسلامية .. أحكامه وشروطه
» لحق الرابع للإنسان من حيث هو إنسان فقط وقد كفلت له الشريعة الإسلامية ذلك
» نصح الحاكم في الشريعة الإسلامية
» مفهوم الشريعة الإسلامية الواســــــع
» دفع الصائل في الشريعة الإسلامية .. أحكامه وشروطه
» لحق الرابع للإنسان من حيث هو إنسان فقط وقد كفلت له الشريعة الإسلامية ذلك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin