مُلتَقى الدعوةُ والدعاةُ
نحن فى سعادة غامره بوجودكم معنا نرجوا من الله توفير كل ما يسعدكم فى هذا المنتدى ولكم جزيل الشكر

المدير العام
الشيخ محمدشوقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مُلتَقى الدعوةُ والدعاةُ
نحن فى سعادة غامره بوجودكم معنا نرجوا من الله توفير كل ما يسعدكم فى هذا المنتدى ولكم جزيل الشكر

المدير العام
الشيخ محمدشوقى
مُلتَقى الدعوةُ والدعاةُ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
» صلاة الغائب
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin

» هل الانجيل محرف
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin

» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin

» الفرق بين السنه والفقه
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالسبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin

» كيف عرفت انه نبي..
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin

» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin

» التدرج في التشريع
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin

» كتب عليكم الصيام،،
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin

» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Emptyالثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيل
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 25 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 25 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm

البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*

اذهب الى الأسفل

البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية* Empty البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء 20 أبريل 2016, 2:14 am

البيئة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية*
 إعداد: عصام الدين مصطفى الشعار
(مسئول النطاق الشرعي بشبكة إسلام أون لاين. نت)
 
مقدِّمة
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله صلعم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. وبعد..
إذا تأمَّلنا في البيئة بمدلولها الشامل لوجدناها قد حظيت بقدر عظيم من الاهتمام، ولقد وضع الإسلام الإطار العام لقانون حماية البيئة في قوله ـ جلَّ جلاله ـ: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾([1]). وقال جلَّ شأنه: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([2])، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾([3]).
وليس عجيبا أن تحظى البيئة في شريعة الإسلام باهتمام بالغ، فهي ميراث الأجيال، وفيها أودع الله كلّ مقومات الحياة للإنسان، لذلك أرسى الإسلام الأسس والقواعد والمبادئ التي تضبط وتقنن علاقة الإنسان ببيئته لتتحقق من خلالها العلاقة السوية والمتوازنة التي تصون البيئة من ناحية، وتساعدها على أداء دورها المحدد من قبل الخالق العليم في إعالة الحياة من ناحية أخرى. وقد أصبحت قضيَّة البيئة بمشكلاتها المتعددة بدءا من تلوّثها، واستنزاف مواردها، وصولاً إلى الإخلال بتوازنها، من القضايا الملحة في عالمنا المعاصر، وما تواجهه البشرية اليوم من مشكلات وكوارث بيئية إن دلّ على شيء، فإنَّمَا يدلّ على غياب الوعي والحس البيئي الإسلامي وتجاهلنا للبعد الإسلامي الذي يجب أن يحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه بيئتنا.
فلا شكّ أن سلوك الإنسان الخاطئ وغير الرشيد في تعامله مع موارد البيئة جعلها تتعرض لخطر شديد، وما يعانيه العالم اليوم من مشكلات ومخاطر بيئية والتي هي نتاج ما اقترفناه في حقّ بيئتنا من استغلال مدمّر ومستنزف لِمواردها، هذه المعاناة تعتبر نوعاً من العقوبة الإصلاحية يلفت الحقّ ـ جلّ في علاه ـ نظرنا إليها لعلَّنا نفيق عما نَحن فيه، ونرجع إلى تعاليم الإسلام وضوابطه في التعامل مع البيئة.
إن قضيَّة البيئة وما تضمنته من أبعاد متشعبة ومشكلات متعددة، قد طرحت نفسها في العقدين الأخيرين كواحدة من أخطر القضايا في العصر الحديث إن لم تكن أخطرها على الإطلاق. وإن تفاقم المشكلات البيئية في العالم أجمع، وما ترتب عليها من مخاطر تهدّد كلّ الكائنات على السواء أصبح من الأمور التي تستوجب من الجميع المشاركة الفاعلة في مواجهة تلك المشكلات البيئية سواء أكانت مشكلات بيئية على المستوى المادي (تلوّث الهواء ـ تلوّث الماء ـ التلوّث الإشعاعي ـ التلوّث الضوضائي ـ تلوّث التربة ـ تلوّث الغذاء… الخ) أم مشكلات معنوية (تلوّث خلقي ـ تلوّث ثقافي ـ تلوّث سياسي ـ تلوّث اجتماعي… الخ)، مع تسليمنا بأن النمط الثاني (التلوّث المعنوي) يعتبر الأساس بل والأخطر على البيئة من كل الأنواع الأخرى، بل ويستوجب اهتماما خاصا من كل الجهات المعنية على مستوى الحكومات أو مستوى الهيئات الرسمية وغير الرسمية.
وهذا البحث المتواضع هو إسهام من الباحث بالحديث عن سبل حماية البيئة من المنظور الإسلامي. والله تعالى أسأل التوفيق والسداد.
التعريف بالبيئة:
البيئة في اللغة: مشتقة من (البوء) وهو القرار أو اللزوم([4])، ومنه الآية ﴿والذين تبوءوا الدار والإيمان﴾([5])، والتبوء اتّخاذ المسكن وإلفه والتزامه.
وفي الاصطلاح: المحيط الذي يوجد فيه الإنسان وما فيه من عوامل وعناصر تؤثر في تكوينه وأسلوب حياته([6]).
وقد عرّف علمُ البيئة بأنه: “الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضمّ من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها”.
وعُرفت أيضاً: بأنها: “الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر”([7]).
مفهوم الإسلام للبيئة ودلائل عنايته بها:-
أما عن المفهوم الإسلامي للبيئة: فإنّه مفهوم شامل، فهي تعني الأرض والسماء والجبال وما فيها من مخلوقات، بما فيها الإنسان وما يحيط به من دوافع وعواطف وغرائز.
ويتميز مفهوم البيئة في الإسلام بشموليته فهو يضمّ كلّ مخلوقات الله من إنس وجان والبحار والأنهار والجبال والنبات والحيوانات والحشرات، وإن هذه المخلوقات سخّرها الله سبحانه وتعالى للإنسان.
ويتمتّع الإسلام بنظرة أعمق وأوسع للبيئة، حيث طالب الإنسان أن يتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب المحافظة عليها حتَّى يستمر الوجود، قال تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([8]).
وقد عُني الإسلام عنايةً خاصةً بنظافة البيئة باعتبارها المحل الذي يقيم فيه الإنسان ويحصل منه على احتياجاته ويمارس فيه عبادته وأعماله التي تعينه على مواجهة متطلبات الحياة، ومن الوسائل التي حرص عليها الإسلام في حفظ البيئة العناية بالنظافة، والإسلام في عنايته بالنظافة سبق كل الأديان وجميع الحضارات، فالنظافة في ديننا عبادة وقربة، بل فريضة من أهم فرائض الإسلام، ولذلك فإن المطالع لكتب الفقه الإسلامي أول ما تقع عينه فيها يجد الحديث عن الطهارة.
وليس أدل على اهتمام الإسلام بالنظافة والطهارة من أنه جعل طهارة البدن والثوب والمكان هي شرط من شروط صحة الصلاة، وهذه إشارة إلى السلوك الذي يجب أن يكون عليه المسلم في الصلاة وخارج الصلاة، فالنظافة هي عنوانه الدائم، ولذلك دعا النبيّ صلعم إلى:
– العناية بنظافة الجسد فحثنا على الاغتسال وخاصة يوم الجمعة الذي هو عيد المسلمين الأسبوعي، ففي الحديث «غسل الجمعة واجب على كلّ مُحتلم»([9])، «حقّ على كلّ مسلم في كل سبعة أيَّام يغسل فيه رأسه وجسده»([10]). 
– كما عني بنظافة الفم والأسنان فرغب في السواك وبخاصة عند الوضوء والصلاة، «تسوَّكوا فإنَّ السواك مطهرة للفم، مرضاة للربِّ، وما جاءني جبريل إلاَّ أوصاني بالسواك حتَّى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمَّتي»([11])، وكان النبيّ صلعم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلاَّ تسوك، فقد ثبت في الرواية أنّه صلعم «كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك»، كما أمر بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء، وأمر بنظافة الشعر «من كان له شعر فليكرمه»([12]). كما أمر بإزالة شعر الإبط والعانة وتقليم الأظافر، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبيّ صلعم قال: «الفطرة خمس ـ أو خمس من الفطرة ـ: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقصّ الشارب». 
ولم تقتصر عناية الإسلام بالنظافة على نظافة الجسد فحسب بل اتسعت الدائرة لتشمل نظافة البيوت والطرقات؛ فالنفس تنشرح للمكان النظيف وتنقبض لمنظر القذارة، ولذلك حث الرسول صلعم على نظافة البيوت فقال: «إن الله طيب يحب النظافة، جواد يحبّ الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود»([13])، فاليهود كانوا يُفرِّطون في نظافة بيوتهم من القمامة والفضلات، فنظافة البيت مستحبة طبعا وشرعا؛ لأن الإسلام دين طيب يدعو إلى النظافة، وقد وردت في ذلك نصوص عامة مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾([14]). ومثل قوله صلعم:«إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتَّى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحبّ الفحش ولا التفحش»([15]).
وتستهدف دعوة الإسلام إلى نظافة البيوت المحافظة على الصحة العامة؛ لأن تراكم الأوساخ في البيوت يعطي الحشرات والجراثيم مجالاً رحبًا للانتشار والتكاثر فضلاً عن انبعاث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، وتجعل البيوت مكانًا غير صالح للإقامة فيه([16]).
وقد ارتبطت نظافة البيئة في الإسلام ارتباطًا مباشرًا بالطهارة سواء طهارة البدن، أو طهارة المكان والتي تشمل الأسواق والمساجد وغيرها من الأماكن التي يقيم الإنسان فيها بصورة دائمة أو مؤقتة، فالمساجد هي البيوت المعدة لأداء الصلاة ولاجتماع المسلمين لطلب العلم والتفقه في الدين، ولذلك كان الاعتناء بنظافتها وهو ما أكـده أيضًا الرسول صلعم بقوله: «البصاق في المسجد خطيئة وكفّارتها دفنها»([17]).
إن نظرة الإسلام إلى البيئة نابعة من المعرفة بالله، والتصور الشامل للإنسان، والكون، والحياة، وإن أي خلل في التصوّر ينعكس فساداً في السلوك، فالإسلام ينظر إلى الإنسان على أنَّه سيّد الموقف، فهو سيّد هذا الكون، وكل ما في الكون مخلوق من أجله مسخر له باعتباره الخليفة المؤتمن، قــال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾([18])، وقـال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾([19]).
إن موقع الإنسان في هذا الكون يحدّد له الدور الذي ينبغي عليه القيام به لتحقيق المهمّة التي نيطت به، فالإنسان خليفة مؤتَمن، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾([20])، فالخلافة عن الخالق في الخلق، تلزم الإنسان الخليفة بالمحافظة على الكون ـ المستخلَف فيه ـ حتَّى يؤدِّي الأمانة التي حملها فلا يظلم نفسه، فهو سيّد هذا الكون، ولتحقيق هذه السيادة سخر له كل شيء حتَّى يتمكن من أداء الأمانة.
ولن يكون الإنسان جديرا بحمل أمانة الخلافة إذا أساء استعمال هذه النعم التي تتكون منها عناصر البيئة، أو تصرف فيها على نحو غير مشروع، جريا وراء منفعة خاصة، أو استسلاما لأنانية مقيتة، فالخلافة تعني أول ما تعني تعمير الأرض بإشاعة الخير والسلام فيها، وبالعمل على إظهار عظمة الخالق وقدرته عن طريق الانتفاع الإيجابي بكل المخلوقات التي سخرها الله لخدمة الإنسان، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، ومعنى ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ كما جاء في كتب التفسير: أي جعلكم عمارا تعمرونها وتسكنون بها، وهذا لا يتأتى إلاّ بأمريـن: أولهما: أن تبقي الصالح على صلاحه ولا تفسده، والثاني: أن تصلح ما يفسد وتزيد إصلاحه، ولا شكّ أن في الأمرين خير ضمان لحماية البيئة وسلامتها، وتحقيق التنمية واستدامتها.
ونظرة الإسلام إلى البيئة تتمثل في بعض الحقائق الهامة، ومنها:-
1- أن الشريعة الإسلامية وضعت تصوراً شاملاً للبيئة شمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد والماء والهواء، وجعلت الإنسان مكرماً على سائر المخلوقات وسخرتها له، انطلاقاً من قاعدة الاستخلاف.
2- لقد نظر الدين الإسلامي إلى البيئة من خلال استخلاف الإنسان في عمارة البيئة والكون؛ لأنه اعتراف بحق الإنسان في البيئة ومواردها.
3-   لقد أرست الشريعة الإسلامية مبدأ سد الذرائع إلى الفساد أياً كان نوعه تقييداً للتعامل مع البيئة بما يدرأ عنها المفسدة إبان التصرف السيّء في المباحات أو الحقوق، فضلاً عن المجاوزة والعدوان، وهو مبدأ عظيم الأثر في توثيق مصالح الأمة مادياً ومعنوياً بما يشمل موارد البيئة الطبيعية، فيندرج تحت مضمون هذا المفهوم الحفاظ علي البيئة.
4- إن الفقه الإسلامي تناول بالتنظيم والتأصيل، عقوداً مهمة، تتصل باستثمار الأرض مثل: عقد السلم والمزارعة والمساقاة وإحياء الأرض الموات… مِمَّا يعتبر دليلاً بيناً على أن الإسلام قد أولى عناية لهذه الموارد الطبيعية ليجعل من الأرض جنة الدنيا زراعة وغرساً وعمارة.
5- إن مفهوم الحماية في الشريعة الإسلامية واسع جداً، يشمل: الإقامة والإيجاد للموارد، إن لم يكن قائماً، وتثبيت قواعده،أو استثماره بأنجح السبل ليؤتي منافعه، كما يشمل التنمية، والتي من مفهومها التطوير إلى الأفضل، فضلاً عن شمولها للحفظ الذي يعني الإمداد بما يضمن استمرار القيام، ويدرأ أسباب النقص في الإنتاج، نتيجة لفساد الموارد.
 6- الالتزام بنظافة البيئة من الأمور الأساسية التي حرص عليها الرسول صلعم وأوصى بها، إذ نص أكثر من حديث على أن النظافة من الإيمان.
7- أكدت الشريعة الإسلامية في حديثها عن البيئة حقيقة الترابط القوي والفعال بين مكوناتها، فالهواء يحمل الماء، والماء ينزل على الأرض فيخرج النبات الذي يتغذى عليه الإنسان والحيوان.
8- حماية البيئة في الشريعة الإسلامية أمانة ومسئولية يتطلبها الإيمان، وتقتضيها عقيدة الاستخلاف في الأرض، وإذا كان من ثمرات الإيمان الصادق وآثاره الإخبات لله تعالى، وإخلاص العبادة إليه، فإن من ثمراتها أيضاً القيام بالتكاليف الشرعية كما أمر الله تعالى ورعاية البيئـــة والمحافظة عليها كما خلقها الله رحمــة بالمخلوقات([21]).
العناية بالبيئة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة:
إن بيئتنا التي أنعم الله علينا بها ومنحنا إياها، يتعين علينا أن نسعى لحمايتها والمحافظة عليها لتؤدي دورها كما أراد الله ـ تعالى ـ، وقد حذر ـ جلّ شأنه ـ كلّ من يسيء إليها أو يفسد فيها أو يبدلها… بالعقاب الشديد، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب﴾([22])، وقال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([23])، وقال تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾([24]). وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾([25]).
فعبارة ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾ تتضمن كلّ المعاني المادية والمعنوية التي تنتج عن سلوك الإنسان التخريبي في الطبيعة والمجتمع، والتلوّث بمعناه الواسع أقرب إلى مفهوم الفساد، وقد تقدم لفظ البر على البحر تأكيداً لحقيقة موضوعية وهي: أن نشاط الإنسان بدأ في البر أولاً، ثم امتدَّ إلى البحر.
﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ أي بالذي جمعته أيدي الناس وعملته نتيجة سعيها للكسب الجشع، فالمصانع والمعامل ومحطات الطاقة الذرية ووسائط النقل الجوية والبرية والبحرية، وطرائق استثمار الخيرات في البر والبحر، كالزراعة والصيد والتعدين والإنشاء والتعمير كلها وسائل وسبل للكسب، وهذه السبل أصبحت مصدراً لتلوّث البيئة من الماء والهواء والتراب.
﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ أفضل كلمة تعبر عن هذه المعاني المختلفة هي ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ عمل الإنسان الأسمدة والمبيدات الكيميائية وذاق التسمم من بعضها، وعمل الأشعة ليستخدمها لصالحه فدفع ثمن ذلك جزءاً من صحته، وعمل وسائط النقل لتريحه في الانتقال، ولكن تشهد الطرقات مئات الكوارث والمجازر من حوادث السير، ولولا هذا الذي يذوقه الإنسان من بعض ما عملته يداه، لما تنبه إلى خطورة ما يقدم عليه من تخريب للأنظمة البيئية، فبدأ يدقّ ناقوس الخطر لحماية البيئة([26]).
فالإسلام خاتم الرسالات الربانية إلى البشر تضمن قواعد وضوابط لسلوكيات البشر تجاه بيئتهم التي يعيشون فيها، كي تتحقق العلاقة المتوازنة والسوية بين الإنسان وبيئته لتسـتمر الحياة كما قدر الله، وحتى يرث الله الأرض وما عليها، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾([27]).
فالإنسان مستخلف وليس مالكاً حتَّى يتصرف فيها على هواه دون ضوابط، فالإنسان وصيّ على هذه الموارد البيئية لا مالك لها، مثلما هو مستخلف على نفسه وليس مالكاً لها فالإنسان ملك لخالقه.
وكون الإنسان مستخلفاً على إدارة واستثمار محيطه الذي يعيش فيه، فعليه صيانته والحفاظ عليه من أي تدمير أو تخريب، فأي شكل من أشكال الضرر سواء للبشر أو لغيرهم من المخلوقات قد نهى عنه الإسلام.
فالبيئة بمواردها الطبيعية لا تعتبر ملكاً خالصاً لجيل من الأجيال يتصرف بها كيفما يريد، إنما هي ملك وميراث دائم للبشرية، لا يستطيع أي جيل أن يدعي لنفسه ملك هذا الحق، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾([28])، وفكرة العمل على ضمان وصيانة وبقاء استمرار البيئة بالعطاء على مدى الزمن قد طرحت حديثاً من خلال مفهوم “التنمية القابلة للاستمرار أو التنمية المستديمة”، ومفهوم “تقويم الأثر البيئي للمشاريع” الذي يعني: ضرورة إجراء تقويم لِما قد تحدثه المشاريع للبيئة المحيطة بمنطقة المشروع بما في ذلك الإنسان ذاته، فإذا تبين أن لهذا المشروع ضرراً لعناصر البيئة المحيطة بمنطقة المشروع بما في ذلك الإنسان ذاته يتم تعديله لتجنب إحداث الضرر، وحتى إلغاء المشروع إن لم تتمكن الدراسات والتقنية المتوفرة حتَّى وقت إعداد المشروع من تجنب ومنع إحداث إضرار للبيئة، على اعتبار أن الحفاظ على موارد البيئة مقدم على المنفعة الاقتصادية،التي كثيراً ما قد تكون غير قابلة للاستمرار لإهمالها الاعتبارات البيئية، فالمشاريع التنموية غير القابلة للاستمرار تكون ذات آثار بيئية سلبية والأضرار التي ستحدثها سيكون كلفة إصلاحها مرتفعة، وقد تكون أضراراً غير قابلة للإصلاح، وبالتالي تكون خطط التنمية فاشلة وذات أثر اقتصادي سلبي على المواطنين المستهدفين بخطط التنمية وعلى اقتصاد الدولة ومواردها([29])، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يحبّ الْمُحْسِنِينَ﴾([30]).
ومن دلائل القرآن الكريم على الاهتمام بالبيئة أن نجد عددا من سوره تسمى بأسماء للحيوانات والحشرات، وبعض النباتات والمعادن، وبعض الظواهر الطبيعية.
فنجد من أسماء السور: سورة البقرة، وسورة الأنعام، وسورة الفيل، وسورة العاديات وهي الخيل… وكلها من الحيوانات.
ونجد سورة النحل، وسورة النمل، وسورة العنكبوت، وكلها من الحشرات.
ونجد في القرآن سورة التين وهو من النباتات، وسورة الحديد وهو من المعادن.
ونجد سورة الرعد، وهو من الظواهر الطبيعية، وسورة الذاريات، وهي الرياح التي تذرو الأشياء، وسورة النجم، وسورة الفجر، وسورة الشمس، وسورة الليل، وسورة الضحى، وسورة العصر، وكلها ظواهر طبيعية.
ونجد سورة الطور، وهو يعني الجبل مطلقا أو جبلا معينا، وسورة البلد، والمراد به مكة البلد الحرام، وسورة الأحقاف، وهي في الجزيرة العربية، وسورة الحجر، وسورة الكهف، وكلها أماكن.
فهذه التسميات للسور القرآنية لها دلالاتها وإيحاؤها في نفس الإنسان المسلم، وربطه بالبيئة من حوله، بحيث لا يكون في عزلة أو غفلة عنها([31]).
وقد اهتمت السنة النبوية المطهرة بالبيئة وعناصرها، فقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي تلفت نظر المسلم إلى الاهتمام بأمر البيئة كغرس الأشجار والزرع وحمايتها، وعدم قطعها لغير مصلحة عامة، وقد ربط الغرس والزرع بالأجر من الله والصدقة الجارية.
وقد وردت في هذا الصدد أحاديث كثيرة منها:
عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله صلعم: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة»([32]).
وقال رسول الله صلعم: «ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلاّ سأله الله عزّ وجل عنها يوم القيامة, قيل: يا رسول وما حقها؟ قال: حقها أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي به»([33]).
وقال رسول الله صلعم: «من قتل عصفورا عبثاً عج إلى الله عزّ وجل يوم القيامة يقول: يا ربّ، إنّ فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني لمنفعة»([34]).
وقال رسول الله صلعم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتَّى يغرسها فليغرسها»([35]).
فقد حثّ النبيّ الكريم على أن يظل الإنسان المسلم يغرس غرسه لتجميل البيئة وتحسينها ونشر الظل حتَّى لو قامت الساعة.
وقال رسول الله صلعم: «الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار»([36])، وقد حرص الإسلام على النظافة، وجعل المحافظة عليها من الإيمان.
عن أَبِي مالك الأَشْعَرِيِّ قال: قال رسول اللَّه صلعم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ»([37])، فنظافة الثوب والبدن والمكان من علامات الإيمان.
ونهى كذلك أن يبال في الماء الراكد، فقد روي عن جابر t عن النبيّ صلعم قَال: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائم الذي لا يجرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيه»([38]).
وجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فقد أخرج الطبراني في الكبير، والبخاري في الأدب المفرد، عن المستنير بن الأخضر بن معاوية بن مرة عن جده قال: كنت مع معقل بن يسار في بعض الطرقات، فمررنا بأذى فأماطه عن الطريق، فرأيت مثله فنحيته، فأخذ بيدي وقال: يا ابن أخي، ما حملك على ما صنعت؟ قلت يا عم: رأيتك صنعت شيئاً فصنعت مثله، فقال: سمعت رسول الله صلعم يقول: «من أماط أذى من طريق المسلمين كتب الله له حسنة، ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة»([39]).
وعن أَبِي هريرةَ أَنَّ رسولَ اللَّه صلعم قَالَ: «بينما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وجد غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَرِيقِ فَأَخَّرَهُ فشكر اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»([40]).
وهكذا نرى أن الإسلام بتعاليمه وأحكامه حرص على وقاية البيئة من التلوّث، وأوجب على الإنسان المحافظة على الكون وعمارته، لتتحقق له السعادة المنشودة، فإذا أدرك الإنسان السر، وأدى الأمانة التي تحملها، كانت له الحياة الطيبة، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([41]).
وإذا أعرض الإنسان ونأى بجانبه، ولم يؤدّ الأمانة على الوجه المطلوب، كانت حياته ضيقة قاسية، إذ الأمراض والأوبئة والتلوّث ضرب من ضروب الضيق، وصدق الله القائل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾([42]).
يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: “وقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وليس يخفى أن ثلاثاً على الأقـــل من هذه الضروريات الخمس وهي: النفس، والنسل، والعقل، لا تكتمل المحافظة عليها إلا بحفظ الصحّة”([43]).
وعن هذه الضروريات يقول الإمام الشاطبي: “والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما: ما يقيم أركانها، ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم([44]).
وهذا التصنيف البديع الذي وضعه الإمام الشاطبي ينطبق أفضل انطباق على الهدي الإسلامي في ضمان البيئة الصحية التي لا بد منها لحفظ هذه الضروريات.
سلامة البيئة في تراثنا الإسلامي
التراث الإسلامي يزخر بمؤلفات عديدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة، فعلى سبيل المثال ألّف الكندي “رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء، ورسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية”، ووضع ابن المبرد كتابا أسماه “فنون المنون في الوباء والطاعون”، وتكلم ابن سينا بالتفصيل في كتابه “القانون” عن تلوّث المياه بشكل عام وكيفية معالجة هذا التلوّث لتصبح المياه صالحة للاستعمال، كما أنه وضع شروطا تتعلق بطبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع ما للسكنى.
أما الرازي فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى ببغداد، فاختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة. وكانت المستشفيات بصورة عامة تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال، فعندما أراد السلطان صلاح الدين أن ينشئ مستشفى في القاهرة اختار له أحد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء وحوله إلى مستشفى ضخم كبير هو المستشفى الناصري.
وقد ألف الرازي “رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء تبعا لذلك”، بينما تحدث أبو مروان الأندلسي في كتابه “التيسير في المداواة والتدبير” عن فساد الهواء الذي يهب من المستنقعات والبرك ذات الماء الراكد. وجاء في كتاب “بستان الأطباء وروضة الألباء” لابن المطران الدمشقي، ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض، فقال: “ينبغي للطبيب إذا قدم على مداواة قوم في بلد، أن ينظر في وضع المدينة، ومزاج الهواء المحيط بها، والمياه الجارية فيها، والتدبير الخاص الذي يستعمله قوم دون قوم، فإن هذه هي الأصول، ثم بعدها النظر في سائر الشرائط”، وهذه رؤية متقدمة في “علم الطب البيئي”([45]).
وكتب ابن قيم الجوزية في كتابه “الطب النبوي” فصلا عن الأوبئة التي تنتشر بسبب التلوّث الهوائي، والاحتراز منها، وقد لخص ذلك الفصل بقوله: “والمقصود: أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام والعلة الفاعلة للطاعون، وأن فساد جوهر الهواء هو الموجب لحدوث الوباء، وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة: لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة والنتن والسمية، في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه في أواخر فصل الصيف، وفى الخريف غالبا، لكثرة اجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره. وفي الخريف لبرد الجوّ وردغة الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في فصل الصيف، فتنحصر فتسخن وتعفن: فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعدا قابلا، رهلا، قليل الحركة، كثير المواد، فهذا لا يكاد يفلت من العطب”([46]).
وقد تناول علماء الحضارة الإسلامية المشكلات البيئية في أجزاء أو فصول من مؤلفاتهم.. ولم يقف الأمر عن هذا الحد، حيث نجد من بين علماء المسلمين من رأى ضرورة معالجة الموضوع في كتاب مستقل ليؤكد أهميته في حياة الناس على مر العصور، فقد صنف محمَّد بن أحمد التميمي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كتابا كاملا عن التلوّث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وفصل الحديث فيه عن ثلاثية الهواء والماء والتربة، وتبادل التلوّث بين عناصرها، وجعل عنوانه: “مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء”، وأوضح في مقدمته الغرض من تأليفه بقوله: وكان الباعث لي على تأليف هذا الكتاب والعناية بهذا الأمر، أني نظرت حال علماء الأطباء، الساكنين بالأمصار الفاسدة الأهوية والبلدان المشهورة بالأوبئة، الكثيرة الأمراض، التي يحدث بها عند انقلابات فصول السنة الأمراض القاتلة والطواعين المهلكة لأجل فساد أهويتها بمجاورة الأنهار الكثيرة المدود، والمدائن التي تحدق بها الغدران، ومناقع المياه الآجنة، والمشارب الكدرة، التي تتصاعد أبخرتها إلى الجو فتفسده وتغلظه، مع ما يعضد ذلك ويقويه من أبخرة الزبول ومجاري مياه الحمامات بها، وأبخرة الجيف من الحيوانات الميتة الملقاة في أقنيتها وظواهرها وعلى ممر سالك طرقاتها، كأرض مصر ودمشق، والمدن التي تلي سواحل البحار ويعظم بها مدود الأنهار، مثل بغداد، والبصرة، والأهواز، وفارس، وسواحل بحر الهند، وسيراف، وعدن، وما جرى مجرى هذه الأمصار العظام التي تجاور البحار، وتخترقها الأنهار، وتحدق بها مناقع المياه الراكدة والجارية، وبخاص ما كان منها منكشفا لمهب ريح الجنوب مكتفلا بالجبال، وبأقوار الرمال عن مهب ريح الشمال، فكان الأولى بالذين يتولون منهم علاج ملوكها، وخاصة رؤسائها، وعامة أهلها، أن تكون عنايتهم بمداواة الهواء الفاسد، المحدث لوقوع الأوبئة بها، الجالب الطواعين على سكانها، أولى وأوجب من عنايتهم بمداواة ما يتحصل بذلك من الأمراض المخوفة في أجساد أهلها. وأن يصرفوا همهم إلى ذلك ويفرغوا له نفوسهم.
ولم يستعرض التميمي في كتابه أسباب ملوثات الهواء فقط بل طرح حلولاً لكيفية معالجة فساد الهواء، وذلك عن طريق إيقاد النيران وإحراق المواد ذات الروائح العطرية، فالنار تُولد تيارًا هوائيًّا يسمح بتبديل الهواء يصاحبه طرد الهواء الملوث وإيصال هواء جديد، والنار بدرجة الحرارة العالية التي تسببها في الجو كفيلة بقتل الجراثيم الموجودة في هذا الجو المحيط بها، ويرى أن من طرق الوقاية إعطاء الأصدقاء بعض الأدوية التي تقوي المناعة لمنع إصابتهم بالأمراض. واتّخاذ تدابير خاصة بمراقبة أماكن انتقال العدوى كالحمامات العامة([47]).
وفي الجملة يمكن القول: إن التراث الإسلامي سبق في وضع تشريعات محكمة لرعاية البيئة وحمايتها من آفات التلوّث والفساد ورسم منهجها في مبدأين هما: درء المفاسد وجلب المصالح وبذل الجهود التي من شأنها أن تحقق ذلك. وكلما دققنا النظر في نصوص الشريعة الإسلامية وصفحات التراث الإسلامي وجدنا منهجا إسلاميا حكيما ينهى عن التلوّث والفساد بكل صوره وأشكاله، ويعوّل قبل كل شيء على رقابة الضمير الذي يحترم القانون الإلهي لخير الناس أجمعين.
علم الفقه وأصوله ورعايتهما للبيئة
لقد حظيت البيئة بعناية بالغة في تراثنا الفقهي، ولكن الذي يطالع أبواب الفقه لن يجد النص على هذه التسمية (البيئة) صراحة، ولكن الحديث عنها جاء في أبواب شتى في الفقه الإسلامي.
فأول ما يتصل بالبيئة من الفقه نجده في كتاب الطهارة، كما يتضح ذلك في جملة أحكام ثبتت بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وإجماع الأمة.
ونجد للبيئة ورعايتها علاقة بالحج والحرم والإحرام، وتحريم الصيد وقطع النباتات ونحوها مِمَّا يتصل بما يسمى (البيئة المحمية). ونجد للبيئة علاقة بإحياء الموات في فقه المعاملات، ونجد للبيئة ورعايتها علاقة بالزرع والغرس والمزارعة والمساقاة، ونجد للبيئة ورعايتها علاقة بالبيوع وما يتصل بها، وبيع الماء ونحوه، وتملك الكلأ والنار والملح، وما فيها من أحكام. كما أن للبيئة علاقة بكتاب النفقات، وخصوصا على البهائم وما لها من حقوق على ملاكها، وما الواجب إذا أضاعوها وأهملوا فيها، وللبيئة علاقة بالجهاد، وماذا يباح فيه من إتلاف وما لا يباح… إلى آخر هذه الأبحاث المتصلة بالبيئة، وتدخل في أبواب متفرقة من أبواب الفقه، الذي ينظم الحياة الإسلامية كلها بأحكام الشرع، ويقود الدورة الحضارية للأمة المسلمة باعتبارها أمة صاحبة رسالة ومنهج متميز.
والفقه الإسلامي لا يتصل بالبيئة بوصفه أحكاما فحسب، بل يتصل بالبيئة اتصالا وثيقا بوصفه قواعد كلية كذلك، فكثير من هذه القواعد يدخل كثير منها في أمر البيئة وينظمها ويحميها ويوفر لها الرعاية ومن أشهر هذه القواعد:
قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، وهي قاعدة مأخوذة من نص حديث نبوي، صححه العلماء بمجموع طرقه، وهذه القاعدة الكلية يتفرع عنها قواعد جزئية شتى قررها الفقهاء، مثل قولهم:
-الضرر يزال بقدر الإمكان.
-الضرر لا يزال بضرر مثله.
– يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى .
– يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
– الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
– إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما.
– يختار أهون الشرين.
– درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
وهذه من القواعد الشرعية التي اعتمدتها مجلة الأحكام العدلية وجعلتها في مقدمة موادها التي قننت بها جوانب المعاملات في الفقه الحنفي، ورتبت عليها أحكاما شتى.
وهذه القواعد وأمثالها، وهي كثيرة معروفة لها وزنها وأهميتها حينما نريد أن نقنن الأحكام المتعلقة برعاية البيئة والحفاظ عليها.
ومن المعلوم أن العقوبات في الشريعة نوعان: عقوبات محددة منصوص عليها في جرائم معينة، وهي المعروفة في الفقه باسم الحدود والقصاص. وعقوبات غير منصوص عليها، وهي العقوبات التعزيرية، وهي المفوضة إلى رأي الإمام أو القاضي، وهذه العقوبة في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وهي تشمل معاصي كثيرة، وخصوصا ما يتعلق بحقوق العباد ومصالحهم، فيدخل فيها الحفاظ على البيئة دخولا أوليا. فالشريعة الإسلامية بجميع مذاهبها وإجماع فقهائها توجب حماية المجموع من تجاوزات الأفراد وإن كان في ذلك حجر على حرياتهم الفردية، فإن حريتهم ليست مطلقة، بل هي مقيدة بأن لا تضر الآخرين، وأصل هذا: الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير tما عن النبيّ صلعم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا»([48]).
والمحافظة على البيئة لا يؤيدها ويؤكدها الفقه وحده، بل تؤيدها وتؤكدها كذلك أصول الفقه، وخصوصا مقاصد الشريعة التي بين فيها الأصوليون: أن الشريعة إنما جاءت لإقامة مصالح العباد في المعاش والمعاد، أو في العاجل والآجل، وأن مقصود الشريعة من الخلق هي حفظ دينهم وأنفسهم ونسلهم وعقولهم وأموالهم.
سلامة البيئة وحفظها أحد مقاصد التشريع([49]):
هنالك منطلقان لإثبات هذه الفكرة وهما:
(1)    اعتبار ذلك مقصداً شرعياً مضافا إلى ما سبق تقريره من المقاصد الخمسة.
(2)    اعتبار ذلك مقصداً مستنداً إلى المقاصد الخمسة المعروفة (متمما للواجب).
(3)    باعتبار أن مقصد رعاية البيئة تتوقف عليه المقاصد الأساسية، وإهماله يتنافى مع حفظها.


وفيما يلي إيضاح ذلك:
1.    
Admin
Admin
الشيخ محمدشوقى المدير العام

عدد المساهمات : 7498
نقاط : 25568
تاريخ التسجيل : 16/08/2011
العمر : 52
الموقع : https://www.facebook.com/profile.php?id=100001995123161

https://qqqq.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى