بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
تفريغ الجزء الرابع من دروس المنطق
صفحة 1 من اصل 1
تفريغ الجزء الرابع من دروس المنطق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه أما بعد :
تحدثنا في المجالس الماضية عن مقدمات ومداخل لعلم المنطق ، وقلنا: إن علم المنطق معيار لترتيب الأفكار والمعارف والعلوم ، حتى يستطيع الإنسان أن يستخرج منها ما كان مجهولا بطريقة منضبطة .
فكأن المنطق مجموعة من القواعد والقوانين التي تنظم الفكر البشري إذا أراد التفكير .
وذكرنا أن فن المنطق أول من دون فيه كان فلاسفة اليونان.
وكنا قد ذكرنا قديما قاعدة : ( أن ما كان معقولا فبرهانه فيه ، ولا يحتاج إلى معرفة عين قائله إلا على جهة الكمال وأن ما كان منقولا فإنه يتوقف الأمر فيه على معرفة ناقله عينا وعدالة ، نعم ، فالمسائل العقلية التي برهانها الدليل العقلي لا يتوقف قبولها أو ردها على معرفة من قال بها لأن برهانها فيها ، ولا يحتاج إلى البحث عمن قال بها إلا على سبيل الكمال فهو من باب سعة المعرفة بأول من نبه على هذا الباب من المعارف والعلوم لكن لا نتوقف في قبولها أو ردها على معرفته، أما الأمور النقلية لا بد فيها من معرفة من نقل الخبر، فالأول: لا يحتاج فيه إلى معرفة الناقل ، والثاني: لا بد فيه من البحث عن الرواة وأحوالهم ومنزلتهم من الصدق والعدالة وهذه القاعدة نبه إليها سيدي الشيخ أحمد زروق البرنسي المالكي رحمه الله في كتاب قواعد التصوف فتراجع هناك بنصها .
إذن العلوم العقلية لا يتوقف الأمر فيها على معرفة رواتها ونقلتها ولا دونها وسبق إليها وذكرنا أن علوم اليونان حينما نقلت وترجمت إلى العربية قام علماء الأمة بواجب مزدوج .
الشق الأول: أن جماعة من أهل العلم حذروا من تلك العلوم جملة ونهوا الناس عن الخوض فيها ، وسددوا في التأكيد على عدم الاقتراب من تلك العلوم ، وكان هذا الدور الدافع له الحظ والصيانة على عقائد الناس ، حتى لا تتحرك عقائد العوام وحتى لا تبلبل أفكارهم مع عدم مقدرتهم على دفع الشبه والإشكالات .
الشق الثاني: الذي قام به علماء الأمة يمثل الدور التقدي الذي تقوم به هذه الأمة في استيعاب المعارف والعلوم التي تنقل إليها ثم ينكب العلماء على دراستها وتنقيحها وبيان الحق منها والباطل واستخراج ما هو مفيد منها ، وترتيب المقدمات التي تجعله ملائما لطريقة تفكير المسلم وكيفية تصوراته ونظرته للكون والحياة .
وكأن الشق الأول الذي يقوم به العلماء بمثابة خط دفاع يحفظ على الناس عقائدهم وأفكارهم إلى أن يتفرغ العلماء في الشق الثاني للدراسة والنقد والتمحيص والانتفاء والترشيح والاختيار ، حتى تقدم المعارف الصحيحة إلى الأمة بعيدا عن الشبه والإشكاليات.
وعلى الشق الأول تتنزل العبارات صدرت من أكابر حفاظ الأمة وعلمائها في النهي والزجر عن علوم اليونان كما هو المنقول عن الإمام الشافعي وجماعات من المتقدمين الذين شهدوا بواكير الترجمة ونقل علوم اليونان إلى العربية، وإلى منظومة الفكر الإسلامي .
الشق الثاني: قام به علماء الأمة في المشارق والمغارب من أهل علوم المعقول ، المتشبعين بالكتاب والسنة ومعرفة النموذج المعرفي الإسلامي ، فدققوا النظر في كل كلمة من المنقول ، وبدءوا يفصلون فيه ، والذي نقل من أعمال أرسطو ما كان يسمى بالأرجانون العظيم وكان يشتمل على عدد من العلوم والفنون .
فكان يشتمل على باب في الخطابة والشعر والموسيقى ، وكان يشتمل على أبواب في الفلسفة ، كما كان يشتمل على أبواب في المنطق ، فانتزع منه علماء الإسلام أبواب المنطق ، وخلصوا هذا القدر من الأمثلة والشوائب التي تلائم عقائد اليونان، وأضافوا إليه أبوابا لم تكن فيه كبقية الأشكال المنطقية ، بالإضافة إلى أبواب الدلالة فخرج علم المنطق علما آخر مغايرا تماما للصورة التي كان عليها أيام اليونان ، وصار علما إسلاميا صرفا عبر على عقول أئمة الإسلام ، وأساطين الملة ، وحراس هذا الدين ، وما سمحوا له أن ينتشر، وما اعتمدوه وأقروه إلا بعد أن اطمأنوا تماما إلى تنقيته من كل الشوائب التي علقت به وأضافوا إليه مقدمات وتممات انتقل بها علم المنطق إلى أن صار علما إسلاميا خالصا.
وكان هذا هو الطور الأول من والخلاف الجدل حول علم المنطق .
الطور الثاني كان في أيام الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى وقبله كانت المناظرة المشهورة بين أبي سعيد الشرافي وبين متى ابن يونس وقلنا إنه قد نقلها أبو حيان التوحيدي في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) .
وبعدها جاء طور آخر تعرض فيه ابن الصلاح رحمه الله للانتقاد لعلم المنطق .
وبعده جاء طور آخر على يد ابن تيمية في كتاب (نقد المنطق)، وفي كتاب (نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان).
وبعد ابن تيمية ... ـ رحمه الله ـ جاء الحافظ السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ فألف كتابه (صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام) ،وألف كتابه (القول المشرق في حرمة الاشتغال بالمنطق) .
فكانت أطوار متعاقبة وما بين كل فترة زمنية وأخرى يثور الجدل والنقاش حول علم المنطق حلا وحرمة، وحول جدواه ، وفائدته وتركيبه وكيفية الاستفادة منه، مدى مصداقية مقدماته ومناهجه وهكذا .
طبعا ذكرنا أن الخلاف الوارد في المنطق تحليلا وتحريما إنما هو في المنطق المختلط بالفلسفة ، أما المنطق المصفى كالذي ندرسه في أيامنا هذه وكثرت فيه مؤلفات أهل الإسلام فهو خارج عن الخلاف بالمرة .
مثال الأول كتاب (الشفا لابن سينا) ، فإنه كان المنطق فيه ما زال مختلط بعبارات وكلام وأمثلة اليونانيين .
وذكرنا أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قام بمحاولة كبيرة في إعادة صياغة علم المنطق ، والتعبير عن اصطلاحاته باصطلاحات فقهية شرعية ، وحاول أن يختار ألفاظا أخرى يعبر بها عن المدلولات والمعاني المنطقية في محاولة منه ، كأنه خطا خطوة أخرى في تقريب علم المنطق وفي إدخاله في لبنة العلم الإسلامي بعد تصفيته، وإن كانت هذه المحاولة كأنها انطفأت بعد الإمام الغزالي ولم تستعمل اصطلاحاته التي ارتئاها ورجعت الاصطلاحات التي كانت شائعة قبل الغزالي مما ارتضاه علماء الإسلام .
وبعض العلماء انتقد الغزالي على هذه المحاولة ؛ لأن تغيير المصطلح العلمي أمر فيه إشكال ، محفوف بالمخاطرة ، محاولة تغيير المصطلح العلمي بعد أن يستقر ويثبت ويشيع بين الناس يشتمل على ضرر كبير وارتباك في البيئة العلمية ، فمتى استقر المصطلح العلمي فلا ينبغي التعرض له بالتغيير حتى يستمر التفاهم والتواصل على نحل واحد في العلم ، وهذا المعنى تجدونه عند الشيخ الطاهر بن عاشور (1)
__________
(1) ابن عاشور (1296 - 1393 هـ = 1879 - 1973 م)
محمد الطاهر بن عاشور: رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس.
مولده ووفاته ودراسته بها.
عين (عام 1932) شيخا للإسلام مالكيا.
وهو من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة.
له مصنفات مطبوعة، من أشهرها (مقاصد الشريعة الإسلامية) و (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) و (التحرير والتنوير) في تفسير القرآن، ، و (الوقف وآثاره في الإسلام) و (أصول الإنشاء والخطابة) و (موجز البلاغة)
ومما عني بتحقيقه ونشره (ديوان بشار بن برد) أربعة أجزاء.
وكتب كثيرا في المجلات.
وهو والد محمد الفاضل الآتية ترجمته
نقلا عن : الأعلام للزركلي
في كتاب (أليس الصبح بقريب) فإنه انتقد الإمام الغزالي انتقادا شديدا على هذه المحاولة ، وتجدون في كتاب (المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم) لسماحة شيخنا العلامة د. علي جمعة مفتي الديار كلاما مطولا في هذا الباب ، في غاية الأهمية وهو مطبوع.
حيث يتكلم عن المصطلح العلمي وكيف أنه إذا ثبت فمن الخطورة الشديدة أن يحرك المصطلح وأن يغير عن معانيه ، وهذا الذي ألقى بظلال على الثقافة المعاصرة في قضية اختلال المصطلح .
المهم أن علم المنطق الموجة الأولى من التحذير منه أيام دخوله الأول إلى علوم أهل الإسلام كانت بمثابة الحفاظ على البيئة العلمية الشرعية المستقرة مما يتيح الفرصة والوقت للعلماء المتخصصين أن ينكبوا على ذلك العلم ، وأن يغربلوه وأن ينتقوا منه الصالح وهكذا .
وهذه ضرورة في الحقيقة أن علماء الإسلام على مستوى العوام يحذرونهم من الوافد الذي لم يختبر ولم ينضبط ولم يدقق فيه ، إنما على مستوى المتخصصين والعلماء والخبراء فإنهم لا يعتزلون أبدا عن أي فكر في الدنيا ، بل لا بد من استيعاب ثقافات الأمم ومعارفها حتى نتمكن من معرفة المداخل التي نستطيع من خلالها إيصال هذا الدين إليهم ، لا سيما وهذا الدين للعالمين .
ولربما علق بذهن البعض نفور من هذا العلم لأنه دون في صورته الأولى على يد اليونان .
وقلنا في المجالس الماضية إن هذه المشكلة تزول بمعرفة الفارق بين المنشئ والكاشف ، ومعنى هذا الكلام أن علم الأصول مثلا كان مستعملا موجودا في أذهان المجتهدين من الصحابة والتابعين ، أما ما قام به الشافعي رحمه الله تعالى فلم يكن إنشاءً لعلم الأصول من عدم إنما كان كاشفا عنه معبرا عن تلك الأفكار التي كانت سارية في أذهان المجتهدين من الصحابة والتابعين فلم يكن الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ منشئا لعلم الأصول إنما كان أول من عبر عنه ، وإن كان هذا العلم موجودا بالسليقة والملكة والقوة في نفوس وعقول الأئمة ممن سبقوا الشافعي واستخرجوا العلوم الشرعية والأقضية والفتاوى في المستجدات والحوادث والنوازل ، فالشافعي رحمه الله كاشف عن علم الأصول وليس منشئا له .
واليونانيون لم يكن لهم دخل في إنشاء علم المنطق بل كانوا هم أول من كشف عنه وكتب ودون ، وإن كان هذا العلم موجودا بالقوة في أذهان العلماء بل وعامة العقلاء قبل اليونانيين منذ أن وجدت الخليقة .
فليس لليونان دخل في إيجاد هذا العلم وتكوين بحوثه حتى يقال إنه علم تكون على أيدي غير المسلمين لأنه علم إنساني موجود في ذهن الإنسان منذ أن بدأ التفكير ، ثم اليونان كانوا أول من دون فيه فلا تبقى المشكلة إلا في التدوين والتعبير الذي يمكن تنقيته .
ويتضح الفارق بين الأمرين أن هذا العلم علم إنساني موجود في فطرة الإنسان وفي أذهان المفكرين والعباقرة عبر التاريخ قبل فلاسفة اليونان بكثير ، ففارق بينه وبين العقائد التي أنشأها اليونان والتي هي مرفوضة عندنا بالكلية لأنها من تكوينهم وتركيبهم واختراعهم ، فهذه العقائد مرفوضة كلا وجزءا لأنها وثنية وحتى الإلهيون منهم كانوا يأتون بعقائد مخالفة تماما لعقائد أهل لإسلام من قدم العالم، ومن عدم حشر الأجساد، ومن عدم علم الله بالجزئيات ، وهذا الباب مرفوض يعني لا ينتقى منه ، بل هو مرفوض بالكلية .
ففارق ما بين علم ركبه اليونان ابتداءً وأنشئوه فهو مرفوض ، وبين علم آخر لم يكن لهم دور في إنشائه وتركيبه في العقول لأن العقول درجت على استخدام هذه القوانين والمسالك في التفكير منذ أن وجد الإنسان
نعم
فكانت هذه لمحة عن أهم المواقف التاريخية التي جرى فيها جدل حول علم المنطق حلا وحرمة .
وقلنا إن من أجود كتب المعاصرين في تناول هذه المسألة والتعرض إلى للانتقادات التي وجهت إلى علم المنطق ، ورصد المحطات التاريخية التي ثار فيها جدل علمي حول المنطق كتاب (تدعيم المنطق) للشيخ سعيد فودة وهو مطبوع وهو كتاب مهم جدا في الحقيقة .
وبعد هذه الخلفية السريعة نأتي إلى أول مسألة في علم المنطق .
أول ما يتعرض له الدارسون لهذا العلم هو الكلام عن أنواع العلم الحادث ، فيقول العلماء :
إن العلم ينقسم إلى تصور وإلى وتصديق ، ويبدأ العلماء يتوقفون وقفات دقيقة ومركزة وعميقة أمام هذه الهيكلة للعلم .
فيبدأ العلماء يتكلمون عن أنواع العلم الحادث ، وقالوا أنواع العلم الحادث احترازا عن علم الله تعالى؛ لأنه ليس بتصور ولا تصديق فكأن البحث في تقسيم العلم إلى تصور وتصديق إنما هو في علوم الخلائق أما علم الله تعالى فهو منزه أن ينقسم إلى تصور أو إلى تصديق لماذا ؟
قال العلماء : لأن التصور معناه إدراك الصورة الحاصلة في النفس ففيه حدوث ، أي أنه استطاع فيه الفكر أن يصل إلى تكوين تصور عن معان ومفردات لم تكن حاصلة من قبل ، فهو مسبوق بجهل وجل الله عن ذلك .
إذن القسم الأول الذي هو تصور لا يطلق على علم الله تعالى لأن علم الله تعالى قديم ، علم الله تعالى لا يسبق بعدم علم ؛ لأن علمه قديم وكاشف محيط بالكائنات وهكذا.
ولا يسمى علم الله تعالى بالتصديق لآن التصديق معناه الإدراك الجازم وفيه معنى الضرورة وهذا معنى محال في حق الله، فضلا عن أن الألفاظ والأسماء التي تطلق في حق الله تعالى يتوقف الأمر فيها على الورود عند أهل السنة والجماعة .
إذن لا يسمى علم الله تعالى تصور ولا يسمى علم الله تعالى تصديق إنما يسمى العلم الإلهي الذي له خصائص وسمات مغايرة تماما لعلوم الخلائق جل الله تعالى أن يشبه شيئا من خلقه أو أن يشبهه شئ من خلقه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى/11] .
وعلمه سبحانه قديم ، علم محيط بالواجبات والمستحيلات والجائزات لآن العلم يتعلق بالأمور الثلاثة كما تدرسون في باب التعلق من علوم الكلام .
إنما العلم الذي ينقسم إلى تصور وإلى تصديق هو العلم الحادث ، أي علم الكائنات والمخلوقات .
وهناك فارق بين كلمة العلم المستخدمة عند المناطقة، وبين كلمة العلم في الاستعمال الشائع عند علماء الأصول لأن علماء الأصول يفرقون ما بين العلم والشك والظن وبين الجهل والتخليط والوهم ، الاصطلاحات الستة التي يجعلها علماء الأصول وعلماء الكلام متباينة متفاوتة فيفرقون بين
العلم الجهل والتخليط وبين الشك والظن والوهم .
فكلمة العلم هنا صارت لا تطلق إلا على الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ من دليل .
هذا العلم بهذا التعريف لا يقبل انقساما إلى تصور وإلى تصديق ، لا ينقسم لما سيأتي بعد قليل من تعريف التصور والتصديق، التصور إدراك المفردات ، والتصديق إدراكها مع الجزم والإذعان .
أدراك مفرد تصور علم ــ ودرك نسبة بتصديق وسم (1) .
فهناك فارق بين مفهوم التصور ومفهوم التصديق ، في أن التصور أدراك المفردات وأن التصديق أدراك النسب .
العلم الذي يقبل الانقسام إلى تصور وإلى تصديق ليس هو العلم الذي يعرفه الأصوليون ؛ لأن العلم هناك لا يتأتي ولا يتنزل إلا على مفهوم التصديق مثلا عند المناطقة .
فالعلم الذي يقبل الانقسام إلى تصور وإلى تصديق واسع يشمل مطلق الإدراك ، فيندرج تحته العلم ويندرج تحته الظن ويندرج تحته الجهل المركب ، بينما هناك عند الأصوليين كلمة العلم تصدق على مدلول معين يختلف تماما عن مدلول الظن يختلف تماما عن مدلول الجهل المركب ؛ لأنها هناك أقسام متفاوتة ، بينما هنا كلمة العلم تشمل كل هذه المفاهيم .
ولذلك فنحن سنبدأ بتقسيمها إلى عدة صور .
__________
(1) من منظومة الأخضري في المنظق
ولذلك فينبغي للدارس أن ينتبه إلى المصطلح الواحد كيف يستخدم في العلوم المختلفة بمعان مختلفة ، كمثل كلمة الحد فإنها تطلق عند المناطق على التعريف المستوفي لشروط معينة فإن الحد لا بد فيه من الجنس والفصل وهذا يختلف عن التعريف بالرسم ويختلف عن التعريف باللسان ويختلف عن التعريف اللفظي، فكلمة الحد عند المناطقة لا تتنزل ولا تصدق إلا على تعريف معين استوفى شروطا معينة بينما كلمة الحد عند علماء الصول تطلق على كل تعريف فلا يخصصون كلمة الحد هناك بما تركب من جنس وفصل ، وقد نبه على هذا الشيخ محمد يحيى أمان رحمه الله في شرحه على كتاب (اللمع) لأبي إسحاق الشيرازي وهو شرح نادر موجود في مكتبتي ، أنا ما وصلت إليه إلا بعد التي واللتيا .
إذن الحد يطلق عن الأصوليين على كل أنواع التعريف، ويطلق عند المناطقة على تعريف معين استوفى شروطا معينة .
العلم يطلق عند الأصوليين على الإدراك الجازم المطابق للواقع ، فهذا العلم لا يقبل انقساما إلى تصور وتصديق ، بينما العلم عند المناطقة يتحدث عن الإدراك الذي يحتمل تقسيما إلى تصور وتصديق فيندرج فيه العلم و يندرج فيه الظن ويندرج فيه الجهل المركب ؛ لأن الجهل المركب فهو وجودي باتفاق ، أما الجهل البسيط ففيه خلاف أهو وجودي أم عدمي ؟
يعني ماذا ؟
يعني الجهل البسيط الذي هو عدم المعرفة بالشيء ، هل هو أمر وجودي يخيم على الإنسان فيمنعه من المعرفة كالحجاب ، أو أنه أمر عدمي معناه انعدام وجود هذه المعرفة فقط ؟
ففيه خلاف طويل بين المناطقة وبين علماء المعقول في أن الجهل البسيط الذي هو عدم العلم بالشيء هل هو معنى وجودي أم عدمي بخلاف الجهل المركب فإنه وجودي باتفاق .
وطبعا تعرفون جميعا الفارق بين الجهل البسيط والجهل المركب ، الجهل المركب معناه المعرفة المغلوطة معناه المعرفة الزائفة، وليس معناه عدم العلم بالشيء ، بل معناه أنه لا يعلم ...
ما مفهوم الحد عند المناطقة رحمهم الله ؟
طالب : بالنسبة لمفهوم الحد عند علماء المنطق أنه ما اشتمل على الجنس والفصل ، وعلماء الأصول قالوا الحد مطلق التعريف ، طيب لم لا نقول : إن علماء المنطق إنما عرفوا الحد ليكون كالقاعدة النظرية التي يطبقها علماء سائر العلوم ؟ فيكون علماء الأصول هم المقصرون في توظيف هذه القاعدة التي وضعها علماء المنطق ، مع أن الظاهر أن علماء المنطق لم يضعوا الحد إلا ليكون كقاعدة للمعرفين ؟
رد . أسامة :
لأن الغزالي رحمه الله في (المستصفى) والسبكي في (منع الموانع عن جمع الجوامع) تكلما عن أن الحد المذكور في علم المنطق فيه شيء من العسر ؛ لأنه يتوقف على إدراك الذاتيات ، والتفرقة بين الذاتي واللازم والعرضي صعبة، والتوقف في كل مسألة إلى حين إدراك ذاتياتها مما يكون الحد المشترط عند المناطقة فيه شيء من الصعوبة، فلكي يسهل سريان العلوم ونقلها لا بد من التجوز في التعبير بعض الشيء ، هذا التجوز خروج عن الحدود الضيقة التي اشترطها المناطقة ففيه شيء من التسمح في العبارة فهمت.
وليس معنى هذا أن الحد بالصورة التي وضعها المناطقة يستحيل الوصول إليه بل فيه شيء من العسر ، بمعنى أننا لو أردنا عند كل مسألة مسألة أن نقف ونلجأ إلى أهل الاختصاص لتحديد ذاتياتها ثم نعيد بناء التعريف عليها هذا فيه عسر كبير ، تجد هذا الكلام في أوائل المستصفى وتجده في منع الموانع كما قلنا .
ولذلك فعند علماء المنطق لا بد من أن يخلو الحد من المجاز ، ثم رأوا أن هذا ضيق بعض الشيء ، يصعب أن أقف في كل مسألة لأنتقي عبارة حقيقية خالية من المجاز فاضطروا إلى أن يقولوا إلا إن اشتهر .
إذن فلا بد في الحد عند المناطقة من شروط كالخلو من المجاز ، ثم رجعوا يقولون إلا إن كان مجازا مشهورا بحيث يعتاد إطلاقه ويوصل إلى المعنى ، فيجوز دخوله في الحد
فالسبكي في منع الموانع يقول : (وأكثر الحدود التي رأيناها عند علماء الكلام قبل غيرهم لا تخلوا من المجاز وهو مجاز مشهور مؤدي للمعنى معبر ، قريب جدا من التعبير بالحقيقة إلا أنه مجاز .
فكأن علماء المنطق يتكلمون عن الأمر من حيث هو على ما ينبغي، وكأن علماء الأصول يتكلمون عنه بعد تطبيقه واستعماله والنظر في العسير منه واليسير ، مما رجع بعلماء المنطق المتأخرين منهم إلى إعادة التعريف والتعديل في التعبير حتى يشمل تلك الحدود إلى أبعد حد .
طبعا الوقوف والتفرقة بيت الذاتي واللازم والعرضي ـ وهذا شديد الأهمية في الحد الحقيقي ـ الوقوف عنده في الأمور المحسوسة سهل أما في المعاني العقلية والمعارف والأفكار والعلوم فإن التفريق فيها بين الذاتي والعرضي صعب يحتاج إلى أهل الاختصاص هم الذين يقفون عند كل باب وعند كل قضية وعند كل مسألة وعند كل علم ليفرقوا فيه بين الذاتي والعرضي ، ففارق كبير بين محاولة بناء الحد على النسق المنطقي وبين ما يريده أرباب تلك العلوم من الفراغ من قضية التعاريف حتى ننتقل إلى بناء الأحكام المترتبة على تلك التعاريف لأن العلم لم يقف عند محاولة البحث عن التعريف وضبط التعريف والتدقيق في التعريف ، إنما يريدون من التعريف أن يقرب إليه صورة المعرف إلى غاية الإمكان .
طالب : لكن سيدي سنتوصل إلى نتيجة أن علم المنطق غاية ما فيه والفائدة منه هو التعريف الصحيح فسنصل إلى نتيجة أنه لا يحتاج إليه في تعريف علم الأصول ولا علم النحو ولا علم البلاغة ولا أي علم من العلوم .
د. أسامة : ماهي المقدمة التي بنيت عليها هذا الكلام دقق فيها ؟
طالب : أن اختلاف المفهومين في الحد عند علماء المنطق وعلماء الأصول هل الاختلاف هذا نقول إن علماء الأصول عندما عرفوا الحد بأنه كذا ، لو قلنا أن مفهوم الحد عند علماء الأصول غير مفهوم الحد عند علماء المنطق لجعلنا أن المنطق ليس له فائدة .
د. أسامة : ما هو الر ابط بين المعنيين ؟
طالب : أن علماء المنطق إنما وضعوا هذه الحدود وهذه الاحترازات كالمقدمة للمعرفين؛ لكي يطبقوا هذه القاعدة ، فهذا يؤدي بنا إلى اختلاف مفهوم الحد عند النحويين وعند الأصوليين وعند كذا ، بل إن ابن هشام ـ سيدي ـ عندما شرح قطر الندى قدر اعتراض معترض قال له : وتعريفه بالجنس البعيد معيب عند أهل النظر .
د. أسامة ما قلته أنت كله الآن لخبطة كصاحبك هذا أيضا ، تأتي بشيء من المشرق وشيء من المغرب وتصنع منهما مشكلة لا وجود لها .
طالب : لكن المشكلة موجودة .
د. أسامة لا ليست موجودة .
طالب : علماء المنطق حينما ذكروا هذا .....
د. أسامة : أجل أنا استوعبت الكلام الذي قلته حضرتك ، وأخبرك الآن أن ما تعبر عنه ليس وراءه مشكلة في الحقيقة ، أنت متصور وجود مشكلة فيما لا مشكلة فيه ، أمنتبه أنت ؟ أنت متصور وجود مشكلة فيما لا مشكلة فيه ، أي أنك أتيت بمعطى من هنا ومعطى من هنا وبعض المعطيات ثم توهمت خطأ ـ لخطأ منك في تركيبها ـ أنها تؤدي إلى مشكلة .
وأنا أقول لك أن كل واحد من المعطيات التي أتيت بها أنت لا يتسق مع الآخر ولا يركب معه ولا يؤدي إلى النتيجة التي تريد أنت أن تصنع منها إشكال .
الكلام الذي يقوله ابن هشام هو عين الكلام الذي يقوله المناطقة من أن اللجوء إلى الجنس البعيد في التعريف مع إمكان الوصول إلى الجنس القريب درجة أقل ، فهذا عين ما يقوله المناطقة .
إذن كلام ابن هشام تطبيق لكلام علماء المنطق ، وليس انتقادا على التعريف ، ابن هشام يقول أن التعريف الذي أتينا به للكلام وللكلم ولما أشبه هذا التعريف فيه استعمال للجنس البعيد ، واستعمال الجنس البعيد معناه النزول درجة في سلم التعريف ، فلمَ نزلت درجة في سلم التعريف واضطررت إليه؟ فبدأ يذكر مسوغاته في اختيار هذا التعريف الذي هو غير معيب منطقيا بل هو جائز ، إذ المناطقة قالوا الحد هو : التعريف بالجنس والفصل ثم بدءوا يفصلون في أنواع الجنس فقالوا : الجنس قريب وبعيد ، فالتعريف بالجنس القريب أولى من التعريف بالجنس البعيد وكلاهما جنس وكلاهما حد إلا أن بعضهم أعلى من بعض ، فإذا أمكنني التعريف بصورة أصل فيها إلى الذاتيات من أقرب طريق وأمكنني التعريف مرة أخرى بصورة أصل فيها إلى الذاتيات من طريق أطول فكلاهما وصول إلى الذات وكلاهما حد منضبط تمام الانضباط منطقيا ، إلا أن هذا أولى من هذا فقط ليس إلا .
فكلام ابن هشام رحمه الله الذي توهمت أنه يوجه انتقادا إلى التعريف عند المنطقيين ليس كذلك بالمرة .
طالب : سيدي أنا لم أذكر أنه انتقاد بل أقول إنه توظيف للقاعدة التي ذكرها المناطقة.
د. أسامة : وما هي .
طالب : إن الذي أريد أن أقول أن الحد هو نفسه المصطلح عند كل علماء الأمة بدليل أن ابن هشام عندما ذكر وقدر اعتراض معترض قال : إن تعريفي صحيح لأنه توظيف للقاعدة التي ذكرها المناطقة .
د. أسامة : وما علاقة هذا بالموضع الذي نحن فيه من تباين مقهوم الحد بين الأصوليين والمناطقة ؟
طالب: علاقة الموضوع : إن علماء المنطق عندما قالوا الحد هو : (التعريف بالجنس والفصل ) فهذا قاعدة لمعرفي سائر العلوم فجاء ابن هشام فوظف هذا التعريف وهذه القاعدة ، ولكن علماء الأصول عندما يعرفون مثلا بالمثال أو بالقول الشارح مثلا فهذا لا يكون اصطلاحا عندهم بل هو معيب كما يذكر ـ سيدي ـ المحشون في حواشيهم على العلماء .
د. أسامة : وأين هذه الحواشي ؟ وأين المحشون هؤلاء ؟
طالب :عندما يذكرون وقد عرفه بال .... لا يقول عرفه بالجنس والفصل بل يقول لم يعرفوه كما ذكر الممتن بالجنس والفصل وإنما عرفوه بالقول الشارح .
د. أسامة : أين هؤلاء ؟ ومن هم ؟ أعطني مثالا مثلا ؟ من قال ؟ وفي أي حاشية وعلى كتاب ماذا ؟ أعطني مثالا واضحا ، أنت تقول : (كما يقولون) من هم ؟ أعطني مثالا قل لي مثلا كما قال الجمل في حاشيته على كتاب كذا وعبر بكذا .
أعطني مثالا لكي تفهم بوضوح ، أين كلام المحشين وأين كلام الشراح الذي تقوله حضرتك ؟
طالب : لا يحضرني .
د. أسامة : إذن لا تتكلم ما دام لا يحضرك ، إذن حضرتك لما نشأ عندك الإشكال قبل أن تسأل فيه قل : لا ، هنا نقطة تحتاج مني مراجعة ربما أكون مخطئا ، وارجع إلى البيت وأخرج الحواشي وتأكد من الإشكالية التي سبقت إلى ذهنك وائت بها.
إنما لا يصح أن تدل بشيء أنت غير متأكد منه أو لا تذكره ، أنت تقول كما قال المحشون . من هم المحشون ؟ وفي أي حاشية قالوا هذا الكلام وما هو أصلا الكلام الذي قاله المحشون ؟
أنت مرة تقول لي الأصوليون وظفوا كلام المناطقة بدليل قول ابن هشام الذي يقدر اعتراض يدفعه المحشون الذين خالفوا أصحاب التقارير التي نقلت عن أصحاب الأصول والمتون !!!
ما هذا ؟ هذا كلام أي كلام ، ولا يفيد أي شيء يعني . كيف حالك ؟
وأقول لك إن القضية لم تفهمها من البداية كيف ؟
أنت توهمت أن هناك مفارقة ومصادمة بين ما يستعمله الأصوليون وبين ما يستعمله المناطقة كأن علماء الأصول تناولوا مفهوم الحد عند المناطقة وأفسدوه أو أبطلوه أو اعترضوا عليه ، ليس هكذا أبدا
؛ لأنك أنت من البداية لم تعرف أن تتصور المعنى .
علماء الأصول يبنون تعاريفهم على ما توصل إليه المناطقة ، علماء الأصول اعتمدوا كلام المناطقة تماما كلا وجزءا وبنوا عليه ، وعلماء الأصول لهم استقراء زائد فيما ينقلونه من أصحاب العلوم كما نبه إليه الزركشي والسبكي رحمهما الله الزركشي في أوائل(البحر المحيط) ، والسبكي في أوائل (الإبهاج) نصا على أن علماء الأصول كلما احتاجوا إلى مسألة درست عند أصحاب فن من الفنون فإنهم لا ينقلونها على وجهها من المنطق أو اللغة أو المحدثين مثلا ويضعها في الأصول .
لا ، ولكن ينقل المسألة ثم يعيد النظر في دراستها ويدقق فيها تدقيقا زائدا حتى تلائم غرض الأصولي في فنه ، فتجد علماء الأصول ينازعون المحدثين في تعريف العدالة مع أن المعتمد في هذه الأبواب كلام المحدثين ، لكن للأصولي غرض آخر من أبواب لرجال يدفعه إلى دراسة المسألة دراسة خاصة به وبمقاصد فنه .
فليس معنى هذا أنه يفسد تعريف الحدث .
للسنة تعريف عند الأصوليين ولها تعريف عند المحدثين ، وليس معنى هذا أن علماء الأصول أرادوا إبطال تعريف السنة عند المحدث ، بل قالوا إن المحدث درسها دراسة تحقق مقاصد الفن الذي يدرسه ، ولنا من وراء هذه المسألة مقاصد أخرى لائقة بفننا، فسوف نأخذ منه المسألة ونعيد دراستها على نحو يحقق مقاصد العلم، فنضيف ونحذف ونعدل دون أن يقتضي هذا إبطال للتعريف عند المحدث، أو اعتراض عليه في فنه، بل معناه أن دراسة المسألة بهذه الطريقة تحقق مقاصد المحدث، إلا أنها لكي تحقق مقاصدنا لا بد أن ندرسها من زاوية أخرى ، فتجد كتبا بدأت تنشأ عن المسائل المختلف فيها بين الأصوليين وبين المحدثين وكتبت فيها أميرة الصاعدي (المسائل المختلف فيها بين الأصوليين والمحدثين)وليس هذا من الأصوليين تدخل ومزاحمة للمحدثين في اصطلاحاتهم الخاصة، بل معناه أن علماء الأصول نقلوا من المحدثين اصطلاحاتهم الخاصة بهم ثم أعادوا النظر فيها والتدقيق والاستقراء الزائد الذي يجعل المسألة الحديثية بعدما ركبت في جسم علم الأصول صارت تدرس من زاوية أخرى لائقة بعلم الأصول ومحققة لمقاصد علم الأصول .
ولذلك فإن الزركشي والسبكي قالا هذه الكلمة في معرض من يدعي أن الأصول مجرد تجميع من علوم مختلفة ، الزركشي يقول هكذا في أو ل البحر المحيط يقول وهل علم الأصول إلا نتف من اللغة ومن الكلام ومن المنطق ومن الحديث ...) .
قالوا: لا.. علماء الأصول نقلوا المسائل التي يحتاجون إليها من تلك العلوم مع استقراء زائد في تلك المسائل يحقق مقاصد الأصولي .
إذن هذا الفارق الأول ما بين تعريف الأصوليين للحد وبين تعريف المناطقة للحد ، الأصولي لم يقل إن تعريف الحد منطقيا تعريف فاسد أو غير دقيق أو غير منضبط ، أبدا بل أخذ هذا التعريف من المتخصصين فيه ثم قال: لكي أستطيع توظيفه عندي في فني فلا بد من زيادة، ولا أقول إن هذا الزيادة ستدخل في التعريف عند أهل المنطق، بل أقول إنها ستبقى في دائرة استعمالي ، لكن انتبه يا من تقرأ إلى أنني إذا قلت كلمة الحد فإنني لا أريد بها المعنى الحرفي المنطبق عند المناطقة حتى لا تداخل عليك الحدود ، إنما أستعملها على ما هي عليه هناك مع شيء من التجوز ، مع شيء من التوسع ، مع شيء من الإضافة ، مع شيء من الحذف ، إذن ليست القضية صدام بين أهل العلوم في التعاريف والحدود ، وإلا فإن علماء الأصول هم أول من ثبت أن المسألة المنقولة من فن إلى فن إنما تبرهن وتعلل وتقام عليها الأدلة في فنها الأصلي ، وتنقل إلى الفن الثاني مسلمة ، ولا يعاد البرهنة عليها في ذلك الفن ، لكن من الممكن أن تزاد ، أن تختلف الزاوية ، وينص على هذا الغزالي في أوائل المستصفى ، ونص عليه القرافي في الذخيرة ، ونص عليه أبو حيان في البحر المحيط وعدد من العلماء، أن المسألة إنما تدرس في الحقيقة وتشرح وتقام عليها الأدلة وتيرهن في فنها الأصلي ثم إذا نقلت منه نقلت منه مسلمة ؛ لأن هؤلاء أهل الاختصاص ، فلو أراد الأصوليون إعادة النظر في مسألة الحج من حيث إنها مسألة منطقية لوجب إرجاعها إلى أهل المنطق أو إذا ما كان الأصولي منطقيا أصوليا منطقيا فإنه يدرسها هنا من وجه وهو اصطلاح المنطقي وطريقة تفكير المنطقي ، فلما أن ينتقل إلى توظيفها في فن الأصول هل هذا التغيير معناه إبطال للحد عند المناطقة ، أو اعتراض على المناطقة في مفهوم الحد ؟
لا.. ليس هكذا ، ولكنه يقول إنني لما بدأت آخذ مفهوم الحد وأستعمله وأجري عليه في الأبواب والمسائل والقضايا أحوجني شيء من التوسع في استعماله ورأيت أن بعض المسائل شاعت بين الناس واستقرت بتعريف لو تبنيناه أصوليا لفهم الناس المقصود من المسألة وفرغنا منها ، ولكن تنبه أن هذا التعريف على طريقة المناطقة فيه شيء من التوسع ، فهل أتوقف إلى أن أعيد التعريف منطقيا ثم أرجع إلى الناس لأغير المفهوم الشائع عندهم ، ثم أرجع مرة أخرى إلى الفن لأبني عليه مقاصدي الأصولية ؟ قال لا .
بل إنني سأعتمد هذا التعريف فإذا أطلق القياس أعتمد التعريف الشائع بين كل الفقهاء في مفهوم القياس ؛ لأنهم يفهمونه ولأنه صار متداولا ، رغم أنه منطقيا ليس منضبطا على أصول المناطقة .
إذن لماذا تبنيته واستعملته ؟ قال لأنه عرف لأن شاع لأنه استقر لأن محاولة تغيير العرف الفقهي في كل المدارس الفقهية في تعريف القياس محتاج إلى زمن وصعب ، ما لم يكن هذا التعريف مشتملا على خطأ محض إذن وجب تغييره عند أهله وعند أربابه وعندنا وعند المناطقة وعند الكل .
إنما إذا كان التعريف صحيح مقربا من معنى المدلول وإن كان غير منضبط تماما على استعمالات المناطقة فليس فيه استعمال الجنس القريب بل لجئنا فيه إلى لجنس البعيد فلا أغيره ، ولا أقول لهم أعيدوا التعريف على نحو تتنتقلون فيه إلى الجنس القريب والفصل لأنه الأولى منطقيا ، بل أنظر أولا في البيئة التي شاع فيها ذلك التعريف هل هو شائع مستعمل فإذا أطلق انتقل منه الذهن إلى المفهوم الصحيح الذي نريده ويريده المناطقة ، فإن كان كذلك فلا يضرني أن العبارة فيها قصور على طريقة المناطقة .
إذن وهل أعتبره تعريفا ؟ أجل .
وهل أسميه حد ؟ أجل ، أسميه حدا ، ولكن انتبه أنني كأصولي أقول لك إنه ليس مرادي منه الحد عند المناطقة ، حتى لا تتوهم أننا نعيد النظر في الحد أو نخالف في تطبيق مفهوم الحد إنما نظرنا فرأيناه مستعملا شائعا دارجا مستقرا موصلا إلى المقصود عندنا وعند المناطقة فأمضيناه واستعملناه وجرينا عليه ، وسميناه حدا ؛ لأنه إذا قلنا لأي أحد ما هو حد الفقه عندك ؟ سيقول لك العبارة التي هي إذا وضعت على معايير الحد غير دقيقة عندنا وعند المناطقة وعند الخلق أجمعين ، لكننا سنقره وسنعتمده ، لماذا؟ لأنه عرف وشاع واستقر ولأنه ليس مقصودنا الوقوف عند الألفاظ بالتعاريف فهذا مقصود المنطقي ، إنما مقصودنا بناء الأحكام على تلك التعاريف .
إذن ما القضية أن الأصوليين قد أبطلوا مفهوم الحد عند المناطقة ولا غايروا فيه ؛ لأنه استعمال علمي وتطبيق واختيار ، وهناك فارق بين التقعيد والاختيار.
إننا وضعنا القواعد وطبقناها على مفرداتها ، ثم إنني بعد التطبيق على المفردات اخترت اختيارا خاصا بي ونبهتك إليه ، ولفت النظر .
ما نقوله كله حتى لا يتبادر إلى الذهن الإشكال الذي تقوله أنت ، وتأتي حضرتك تعترض على الكلام بالإشكال الذي إنما شرح الكلام ليزيله .
ما هذا الكلام ؟ وتقول إن ابن هشام قال وعاد ، وقال المحشون من هم المحشون هؤلاء ؟ في علم الغيب لا نعرفهم! لا يصح هذا ، هذا ليس كلاما علميا .
تقول قال المحشون .. قال الشيخ العطار في حاشيته على المحلي على جمع الجوامع كذا كذا كذا ليكون الكلام منطقيا ومنهجيا نبني عليه ، حتى لا تحيل على جهالة يا شيخ .
أفهمت هذا .
وهذا أيضا لا علاقة له بالرواية والدراية ، قضية تعريف علم الحديث رواية ودراية ليست من هذا القبيل وإن كان يمكننا أن نمضيها لأنها شاعت عند أهل الفن ، لولا أنها هي في ذاتها خطأ وهذا هو الذي رغب الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف في أن يقوله في (المختصر في علم الأثر) قال : هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ، تقول : لا هذا ليس اصطلاحا بل غير منطبق على المعرف .
إنما لو أن التعريف انطبق على المعرف ووصل إليه مع وجود تجوز يسير في العبارة هذا الذي نقول عنه إنه قد شاع ونبني عليه الأحكام ، وإن كان غير دقيق على طريقة المناطقة ، أفهمت ما نريد أن نقوله غير ما كنت متصوره تماما ، واضح الآن أم أشرحه مرة أخرى .
واضح .
الحمد لله وضحت .
إذن القضية ليست ابن هشام ، ولا الجنس القريب ، ولا وجود صدام بين المشايخ في الحد ، الحد واحد عند الجميع ولكنها مدارس علمية ، فاهم .
إذن فاللأصوليين في المسائل التي ينقلونها إلى فنهم استقراء زائد .
وهذه لا بد أن تحفظ جيدا .
فعندما ينقلوا مسألة من مسائل اللغة أو من مسائل البلاغة لا ينقلونها على ما هي عليه عند البلاغيين ، بل يدققون تدقيقا زائدا يجعلها ملائمة لمقاصد فنهم ، واذهب وقارن بين كتب البلاغة وكتب الأصول وانظر إلى الفارق ، قارن بين مفهوم المجاز في كتب البلاغة وكتب الأصول ، ستجد فروعا كثيرة هي هي في العلمين ، وستجد فروعا معينة تجد الأصولي قال فيها كلاما آخر ، فها هو، يوجد استقراء زائد وفي مسائل اللغة هكذا ، اللغويون أصحاب المعاجم ينقلون اللفظة ومدلولها عند العرب إنما ما مدى شدة دلالة اللفظ على المفهوم هل يقتضي الوجوب هل يقتضي الفور ، هل يقتضي التكرار ؟ هذا كلام لا يفكر فيه اللغوي أبدا ، ولكن يفكر فيه الأصولي ، مع أنه مبني على نقل أهل اللغة ، فهذا ليس معناه مزاحمة للغوي في فنه ، ولا إبطال لنقل اللغوي ؟ ولكن بعد أن انتهى اللغوي وأدى دوره المطلوب منه في علمه والمحقق لمقاصد فنه ، بدأ الأصولي يفكر في نفس المسألة من زاوية أخرى ليحقق مقاصد الأصولي .
لأن الأصولي يريد أن يعرف أن الأمر للفور أم للتراخي ؟ يفيد الوجوب أم يفيد الإباحة والندب والتهديد و..و..
يفيد التكرار أم لا يفيد التكرار ؟
اللغوي لا يفكر في هذا الكلام ، اللغوي يقول لك أن (اضرب) معناها عندهم الوكز والقصم فقط ولا علاقة له بأكثر من هذا ؛ لأنه مسئول عن أن ينقل لي ألفاظ العرب بإزاء المعاني التي استعملتها فيها العرب ، وهذه وظيفة المعاجم من ضمن أربع وظائف تقوم بها المعاجم :
1ـ حصر ألفاظ العرب .
2ـ حصر المعاني المستعملة بإزاء كل لفظ .
3ـ ضبط الألفاظ .
4ـ إيراد الشواهد .
أربع محاور تقوم عليها المعاجم العربية .
إذن ما معنى قضية الاستقراء الزائد ؟
المعنى الذي قلناه الآن فقط ، من أقرب طريق، قل لي المعنى الذي قلته أنت وانتهى الأمر !!.
ورغم أن هذا لا يصح منطقيا ، وإنما أقول لك أجل قبلته منك ، وهذا مثل المسألة التي نقولها !!.
ما هو الاستقراء الزائد ؟
ما هو ، السؤال بما ـ كما يقول الغزالي ـ كاشف عن الماهية .
فأنا أقول لك الآن : ما هو الاستقراء الزائد ؟
الواجب أن تبدأ تعرف لي الاستقراء الزائد ، فلو أنك قلت هو ما شرحت لكان هذا غير دقيق في التعريف ، لكن لشيوع استقراره في الدلالة على المعنى المتعارف بيني وبينك وبين العقلاء يجوز.
وهذا هو ما عمله أهل الأصول ، أقبله ، أقره ، وأقول لك أجبت .
مع أنه في الحقيقة ليس صحيحا ، فهذا ليس كاشفا عن ماهية الاستقراء الزائد .
فها هو مثال تطبيقي طبقنا به .
بقيت دقيقتان ؟
والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إذن اليوم يا جماعة الخير كان تطبيقا عمليا على مفهوم الحد وكيفية استعماله بعيدا عن التعريف الرسمي الذي نقوله في كل مجلس .
ورب إثارة ولدت إنارة.
والله أعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه أما بعد :
تحدثنا في المجالس الماضية عن مقدمات ومداخل لعلم المنطق ، وقلنا: إن علم المنطق معيار لترتيب الأفكار والمعارف والعلوم ، حتى يستطيع الإنسان أن يستخرج منها ما كان مجهولا بطريقة منضبطة .
فكأن المنطق مجموعة من القواعد والقوانين التي تنظم الفكر البشري إذا أراد التفكير .
وذكرنا أن فن المنطق أول من دون فيه كان فلاسفة اليونان.
وكنا قد ذكرنا قديما قاعدة : ( أن ما كان معقولا فبرهانه فيه ، ولا يحتاج إلى معرفة عين قائله إلا على جهة الكمال وأن ما كان منقولا فإنه يتوقف الأمر فيه على معرفة ناقله عينا وعدالة ، نعم ، فالمسائل العقلية التي برهانها الدليل العقلي لا يتوقف قبولها أو ردها على معرفة من قال بها لأن برهانها فيها ، ولا يحتاج إلى البحث عمن قال بها إلا على سبيل الكمال فهو من باب سعة المعرفة بأول من نبه على هذا الباب من المعارف والعلوم لكن لا نتوقف في قبولها أو ردها على معرفته، أما الأمور النقلية لا بد فيها من معرفة من نقل الخبر، فالأول: لا يحتاج فيه إلى معرفة الناقل ، والثاني: لا بد فيه من البحث عن الرواة وأحوالهم ومنزلتهم من الصدق والعدالة وهذه القاعدة نبه إليها سيدي الشيخ أحمد زروق البرنسي المالكي رحمه الله في كتاب قواعد التصوف فتراجع هناك بنصها .
إذن العلوم العقلية لا يتوقف الأمر فيها على معرفة رواتها ونقلتها ولا دونها وسبق إليها وذكرنا أن علوم اليونان حينما نقلت وترجمت إلى العربية قام علماء الأمة بواجب مزدوج .
الشق الأول: أن جماعة من أهل العلم حذروا من تلك العلوم جملة ونهوا الناس عن الخوض فيها ، وسددوا في التأكيد على عدم الاقتراب من تلك العلوم ، وكان هذا الدور الدافع له الحظ والصيانة على عقائد الناس ، حتى لا تتحرك عقائد العوام وحتى لا تبلبل أفكارهم مع عدم مقدرتهم على دفع الشبه والإشكالات .
الشق الثاني: الذي قام به علماء الأمة يمثل الدور التقدي الذي تقوم به هذه الأمة في استيعاب المعارف والعلوم التي تنقل إليها ثم ينكب العلماء على دراستها وتنقيحها وبيان الحق منها والباطل واستخراج ما هو مفيد منها ، وترتيب المقدمات التي تجعله ملائما لطريقة تفكير المسلم وكيفية تصوراته ونظرته للكون والحياة .
وكأن الشق الأول الذي يقوم به العلماء بمثابة خط دفاع يحفظ على الناس عقائدهم وأفكارهم إلى أن يتفرغ العلماء في الشق الثاني للدراسة والنقد والتمحيص والانتفاء والترشيح والاختيار ، حتى تقدم المعارف الصحيحة إلى الأمة بعيدا عن الشبه والإشكاليات.
وعلى الشق الأول تتنزل العبارات صدرت من أكابر حفاظ الأمة وعلمائها في النهي والزجر عن علوم اليونان كما هو المنقول عن الإمام الشافعي وجماعات من المتقدمين الذين شهدوا بواكير الترجمة ونقل علوم اليونان إلى العربية، وإلى منظومة الفكر الإسلامي .
الشق الثاني: قام به علماء الأمة في المشارق والمغارب من أهل علوم المعقول ، المتشبعين بالكتاب والسنة ومعرفة النموذج المعرفي الإسلامي ، فدققوا النظر في كل كلمة من المنقول ، وبدءوا يفصلون فيه ، والذي نقل من أعمال أرسطو ما كان يسمى بالأرجانون العظيم وكان يشتمل على عدد من العلوم والفنون .
فكان يشتمل على باب في الخطابة والشعر والموسيقى ، وكان يشتمل على أبواب في الفلسفة ، كما كان يشتمل على أبواب في المنطق ، فانتزع منه علماء الإسلام أبواب المنطق ، وخلصوا هذا القدر من الأمثلة والشوائب التي تلائم عقائد اليونان، وأضافوا إليه أبوابا لم تكن فيه كبقية الأشكال المنطقية ، بالإضافة إلى أبواب الدلالة فخرج علم المنطق علما آخر مغايرا تماما للصورة التي كان عليها أيام اليونان ، وصار علما إسلاميا صرفا عبر على عقول أئمة الإسلام ، وأساطين الملة ، وحراس هذا الدين ، وما سمحوا له أن ينتشر، وما اعتمدوه وأقروه إلا بعد أن اطمأنوا تماما إلى تنقيته من كل الشوائب التي علقت به وأضافوا إليه مقدمات وتممات انتقل بها علم المنطق إلى أن صار علما إسلاميا خالصا.
وكان هذا هو الطور الأول من والخلاف الجدل حول علم المنطق .
الطور الثاني كان في أيام الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى وقبله كانت المناظرة المشهورة بين أبي سعيد الشرافي وبين متى ابن يونس وقلنا إنه قد نقلها أبو حيان التوحيدي في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) .
وبعدها جاء طور آخر تعرض فيه ابن الصلاح رحمه الله للانتقاد لعلم المنطق .
وبعده جاء طور آخر على يد ابن تيمية في كتاب (نقد المنطق)، وفي كتاب (نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان).
وبعد ابن تيمية ... ـ رحمه الله ـ جاء الحافظ السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ فألف كتابه (صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام) ،وألف كتابه (القول المشرق في حرمة الاشتغال بالمنطق) .
فكانت أطوار متعاقبة وما بين كل فترة زمنية وأخرى يثور الجدل والنقاش حول علم المنطق حلا وحرمة، وحول جدواه ، وفائدته وتركيبه وكيفية الاستفادة منه، مدى مصداقية مقدماته ومناهجه وهكذا .
طبعا ذكرنا أن الخلاف الوارد في المنطق تحليلا وتحريما إنما هو في المنطق المختلط بالفلسفة ، أما المنطق المصفى كالذي ندرسه في أيامنا هذه وكثرت فيه مؤلفات أهل الإسلام فهو خارج عن الخلاف بالمرة .
مثال الأول كتاب (الشفا لابن سينا) ، فإنه كان المنطق فيه ما زال مختلط بعبارات وكلام وأمثلة اليونانيين .
وذكرنا أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قام بمحاولة كبيرة في إعادة صياغة علم المنطق ، والتعبير عن اصطلاحاته باصطلاحات فقهية شرعية ، وحاول أن يختار ألفاظا أخرى يعبر بها عن المدلولات والمعاني المنطقية في محاولة منه ، كأنه خطا خطوة أخرى في تقريب علم المنطق وفي إدخاله في لبنة العلم الإسلامي بعد تصفيته، وإن كانت هذه المحاولة كأنها انطفأت بعد الإمام الغزالي ولم تستعمل اصطلاحاته التي ارتئاها ورجعت الاصطلاحات التي كانت شائعة قبل الغزالي مما ارتضاه علماء الإسلام .
وبعض العلماء انتقد الغزالي على هذه المحاولة ؛ لأن تغيير المصطلح العلمي أمر فيه إشكال ، محفوف بالمخاطرة ، محاولة تغيير المصطلح العلمي بعد أن يستقر ويثبت ويشيع بين الناس يشتمل على ضرر كبير وارتباك في البيئة العلمية ، فمتى استقر المصطلح العلمي فلا ينبغي التعرض له بالتغيير حتى يستمر التفاهم والتواصل على نحل واحد في العلم ، وهذا المعنى تجدونه عند الشيخ الطاهر بن عاشور (1)
__________
(1) ابن عاشور (1296 - 1393 هـ = 1879 - 1973 م)
محمد الطاهر بن عاشور: رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس.
مولده ووفاته ودراسته بها.
عين (عام 1932) شيخا للإسلام مالكيا.
وهو من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة.
له مصنفات مطبوعة، من أشهرها (مقاصد الشريعة الإسلامية) و (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) و (التحرير والتنوير) في تفسير القرآن، ، و (الوقف وآثاره في الإسلام) و (أصول الإنشاء والخطابة) و (موجز البلاغة)
ومما عني بتحقيقه ونشره (ديوان بشار بن برد) أربعة أجزاء.
وكتب كثيرا في المجلات.
وهو والد محمد الفاضل الآتية ترجمته
نقلا عن : الأعلام للزركلي
في كتاب (أليس الصبح بقريب) فإنه انتقد الإمام الغزالي انتقادا شديدا على هذه المحاولة ، وتجدون في كتاب (المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم) لسماحة شيخنا العلامة د. علي جمعة مفتي الديار كلاما مطولا في هذا الباب ، في غاية الأهمية وهو مطبوع.
حيث يتكلم عن المصطلح العلمي وكيف أنه إذا ثبت فمن الخطورة الشديدة أن يحرك المصطلح وأن يغير عن معانيه ، وهذا الذي ألقى بظلال على الثقافة المعاصرة في قضية اختلال المصطلح .
المهم أن علم المنطق الموجة الأولى من التحذير منه أيام دخوله الأول إلى علوم أهل الإسلام كانت بمثابة الحفاظ على البيئة العلمية الشرعية المستقرة مما يتيح الفرصة والوقت للعلماء المتخصصين أن ينكبوا على ذلك العلم ، وأن يغربلوه وأن ينتقوا منه الصالح وهكذا .
وهذه ضرورة في الحقيقة أن علماء الإسلام على مستوى العوام يحذرونهم من الوافد الذي لم يختبر ولم ينضبط ولم يدقق فيه ، إنما على مستوى المتخصصين والعلماء والخبراء فإنهم لا يعتزلون أبدا عن أي فكر في الدنيا ، بل لا بد من استيعاب ثقافات الأمم ومعارفها حتى نتمكن من معرفة المداخل التي نستطيع من خلالها إيصال هذا الدين إليهم ، لا سيما وهذا الدين للعالمين .
ولربما علق بذهن البعض نفور من هذا العلم لأنه دون في صورته الأولى على يد اليونان .
وقلنا في المجالس الماضية إن هذه المشكلة تزول بمعرفة الفارق بين المنشئ والكاشف ، ومعنى هذا الكلام أن علم الأصول مثلا كان مستعملا موجودا في أذهان المجتهدين من الصحابة والتابعين ، أما ما قام به الشافعي رحمه الله تعالى فلم يكن إنشاءً لعلم الأصول من عدم إنما كان كاشفا عنه معبرا عن تلك الأفكار التي كانت سارية في أذهان المجتهدين من الصحابة والتابعين فلم يكن الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ منشئا لعلم الأصول إنما كان أول من عبر عنه ، وإن كان هذا العلم موجودا بالسليقة والملكة والقوة في نفوس وعقول الأئمة ممن سبقوا الشافعي واستخرجوا العلوم الشرعية والأقضية والفتاوى في المستجدات والحوادث والنوازل ، فالشافعي رحمه الله كاشف عن علم الأصول وليس منشئا له .
واليونانيون لم يكن لهم دخل في إنشاء علم المنطق بل كانوا هم أول من كشف عنه وكتب ودون ، وإن كان هذا العلم موجودا بالقوة في أذهان العلماء بل وعامة العقلاء قبل اليونانيين منذ أن وجدت الخليقة .
فليس لليونان دخل في إيجاد هذا العلم وتكوين بحوثه حتى يقال إنه علم تكون على أيدي غير المسلمين لأنه علم إنساني موجود في ذهن الإنسان منذ أن بدأ التفكير ، ثم اليونان كانوا أول من دون فيه فلا تبقى المشكلة إلا في التدوين والتعبير الذي يمكن تنقيته .
ويتضح الفارق بين الأمرين أن هذا العلم علم إنساني موجود في فطرة الإنسان وفي أذهان المفكرين والعباقرة عبر التاريخ قبل فلاسفة اليونان بكثير ، ففارق بينه وبين العقائد التي أنشأها اليونان والتي هي مرفوضة عندنا بالكلية لأنها من تكوينهم وتركيبهم واختراعهم ، فهذه العقائد مرفوضة كلا وجزءا لأنها وثنية وحتى الإلهيون منهم كانوا يأتون بعقائد مخالفة تماما لعقائد أهل لإسلام من قدم العالم، ومن عدم حشر الأجساد، ومن عدم علم الله بالجزئيات ، وهذا الباب مرفوض يعني لا ينتقى منه ، بل هو مرفوض بالكلية .
ففارق ما بين علم ركبه اليونان ابتداءً وأنشئوه فهو مرفوض ، وبين علم آخر لم يكن لهم دور في إنشائه وتركيبه في العقول لأن العقول درجت على استخدام هذه القوانين والمسالك في التفكير منذ أن وجد الإنسان
نعم
فكانت هذه لمحة عن أهم المواقف التاريخية التي جرى فيها جدل حول علم المنطق حلا وحرمة .
وقلنا إن من أجود كتب المعاصرين في تناول هذه المسألة والتعرض إلى للانتقادات التي وجهت إلى علم المنطق ، ورصد المحطات التاريخية التي ثار فيها جدل علمي حول المنطق كتاب (تدعيم المنطق) للشيخ سعيد فودة وهو مطبوع وهو كتاب مهم جدا في الحقيقة .
وبعد هذه الخلفية السريعة نأتي إلى أول مسألة في علم المنطق .
أول ما يتعرض له الدارسون لهذا العلم هو الكلام عن أنواع العلم الحادث ، فيقول العلماء :
إن العلم ينقسم إلى تصور وإلى وتصديق ، ويبدأ العلماء يتوقفون وقفات دقيقة ومركزة وعميقة أمام هذه الهيكلة للعلم .
فيبدأ العلماء يتكلمون عن أنواع العلم الحادث ، وقالوا أنواع العلم الحادث احترازا عن علم الله تعالى؛ لأنه ليس بتصور ولا تصديق فكأن البحث في تقسيم العلم إلى تصور وتصديق إنما هو في علوم الخلائق أما علم الله تعالى فهو منزه أن ينقسم إلى تصور أو إلى تصديق لماذا ؟
قال العلماء : لأن التصور معناه إدراك الصورة الحاصلة في النفس ففيه حدوث ، أي أنه استطاع فيه الفكر أن يصل إلى تكوين تصور عن معان ومفردات لم تكن حاصلة من قبل ، فهو مسبوق بجهل وجل الله عن ذلك .
إذن القسم الأول الذي هو تصور لا يطلق على علم الله تعالى لأن علم الله تعالى قديم ، علم الله تعالى لا يسبق بعدم علم ؛ لأن علمه قديم وكاشف محيط بالكائنات وهكذا.
ولا يسمى علم الله تعالى بالتصديق لآن التصديق معناه الإدراك الجازم وفيه معنى الضرورة وهذا معنى محال في حق الله، فضلا عن أن الألفاظ والأسماء التي تطلق في حق الله تعالى يتوقف الأمر فيها على الورود عند أهل السنة والجماعة .
إذن لا يسمى علم الله تعالى تصور ولا يسمى علم الله تعالى تصديق إنما يسمى العلم الإلهي الذي له خصائص وسمات مغايرة تماما لعلوم الخلائق جل الله تعالى أن يشبه شيئا من خلقه أو أن يشبهه شئ من خلقه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى/11] .
وعلمه سبحانه قديم ، علم محيط بالواجبات والمستحيلات والجائزات لآن العلم يتعلق بالأمور الثلاثة كما تدرسون في باب التعلق من علوم الكلام .
إنما العلم الذي ينقسم إلى تصور وإلى تصديق هو العلم الحادث ، أي علم الكائنات والمخلوقات .
وهناك فارق بين كلمة العلم المستخدمة عند المناطقة، وبين كلمة العلم في الاستعمال الشائع عند علماء الأصول لأن علماء الأصول يفرقون ما بين العلم والشك والظن وبين الجهل والتخليط والوهم ، الاصطلاحات الستة التي يجعلها علماء الأصول وعلماء الكلام متباينة متفاوتة فيفرقون بين
العلم الجهل والتخليط وبين الشك والظن والوهم .
فكلمة العلم هنا صارت لا تطلق إلا على الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ من دليل .
هذا العلم بهذا التعريف لا يقبل انقساما إلى تصور وإلى تصديق ، لا ينقسم لما سيأتي بعد قليل من تعريف التصور والتصديق، التصور إدراك المفردات ، والتصديق إدراكها مع الجزم والإذعان .
أدراك مفرد تصور علم ــ ودرك نسبة بتصديق وسم (1) .
فهناك فارق بين مفهوم التصور ومفهوم التصديق ، في أن التصور أدراك المفردات وأن التصديق أدراك النسب .
العلم الذي يقبل الانقسام إلى تصور وإلى تصديق ليس هو العلم الذي يعرفه الأصوليون ؛ لأن العلم هناك لا يتأتي ولا يتنزل إلا على مفهوم التصديق مثلا عند المناطقة .
فالعلم الذي يقبل الانقسام إلى تصور وإلى تصديق واسع يشمل مطلق الإدراك ، فيندرج تحته العلم ويندرج تحته الظن ويندرج تحته الجهل المركب ، بينما هناك عند الأصوليين كلمة العلم تصدق على مدلول معين يختلف تماما عن مدلول الظن يختلف تماما عن مدلول الجهل المركب ؛ لأنها هناك أقسام متفاوتة ، بينما هنا كلمة العلم تشمل كل هذه المفاهيم .
ولذلك فنحن سنبدأ بتقسيمها إلى عدة صور .
__________
(1) من منظومة الأخضري في المنظق
ولذلك فينبغي للدارس أن ينتبه إلى المصطلح الواحد كيف يستخدم في العلوم المختلفة بمعان مختلفة ، كمثل كلمة الحد فإنها تطلق عند المناطق على التعريف المستوفي لشروط معينة فإن الحد لا بد فيه من الجنس والفصل وهذا يختلف عن التعريف بالرسم ويختلف عن التعريف باللسان ويختلف عن التعريف اللفظي، فكلمة الحد عند المناطقة لا تتنزل ولا تصدق إلا على تعريف معين استوفى شروطا معينة بينما كلمة الحد عند علماء الصول تطلق على كل تعريف فلا يخصصون كلمة الحد هناك بما تركب من جنس وفصل ، وقد نبه على هذا الشيخ محمد يحيى أمان رحمه الله في شرحه على كتاب (اللمع) لأبي إسحاق الشيرازي وهو شرح نادر موجود في مكتبتي ، أنا ما وصلت إليه إلا بعد التي واللتيا .
إذن الحد يطلق عن الأصوليين على كل أنواع التعريف، ويطلق عند المناطقة على تعريف معين استوفى شروطا معينة .
العلم يطلق عند الأصوليين على الإدراك الجازم المطابق للواقع ، فهذا العلم لا يقبل انقساما إلى تصور وتصديق ، بينما العلم عند المناطقة يتحدث عن الإدراك الذي يحتمل تقسيما إلى تصور وتصديق فيندرج فيه العلم و يندرج فيه الظن ويندرج فيه الجهل المركب ؛ لأن الجهل المركب فهو وجودي باتفاق ، أما الجهل البسيط ففيه خلاف أهو وجودي أم عدمي ؟
يعني ماذا ؟
يعني الجهل البسيط الذي هو عدم المعرفة بالشيء ، هل هو أمر وجودي يخيم على الإنسان فيمنعه من المعرفة كالحجاب ، أو أنه أمر عدمي معناه انعدام وجود هذه المعرفة فقط ؟
ففيه خلاف طويل بين المناطقة وبين علماء المعقول في أن الجهل البسيط الذي هو عدم العلم بالشيء هل هو معنى وجودي أم عدمي بخلاف الجهل المركب فإنه وجودي باتفاق .
وطبعا تعرفون جميعا الفارق بين الجهل البسيط والجهل المركب ، الجهل المركب معناه المعرفة المغلوطة معناه المعرفة الزائفة، وليس معناه عدم العلم بالشيء ، بل معناه أنه لا يعلم ...
ما مفهوم الحد عند المناطقة رحمهم الله ؟
طالب : بالنسبة لمفهوم الحد عند علماء المنطق أنه ما اشتمل على الجنس والفصل ، وعلماء الأصول قالوا الحد مطلق التعريف ، طيب لم لا نقول : إن علماء المنطق إنما عرفوا الحد ليكون كالقاعدة النظرية التي يطبقها علماء سائر العلوم ؟ فيكون علماء الأصول هم المقصرون في توظيف هذه القاعدة التي وضعها علماء المنطق ، مع أن الظاهر أن علماء المنطق لم يضعوا الحد إلا ليكون كقاعدة للمعرفين ؟
رد . أسامة :
لأن الغزالي رحمه الله في (المستصفى) والسبكي في (منع الموانع عن جمع الجوامع) تكلما عن أن الحد المذكور في علم المنطق فيه شيء من العسر ؛ لأنه يتوقف على إدراك الذاتيات ، والتفرقة بين الذاتي واللازم والعرضي صعبة، والتوقف في كل مسألة إلى حين إدراك ذاتياتها مما يكون الحد المشترط عند المناطقة فيه شيء من الصعوبة، فلكي يسهل سريان العلوم ونقلها لا بد من التجوز في التعبير بعض الشيء ، هذا التجوز خروج عن الحدود الضيقة التي اشترطها المناطقة ففيه شيء من التسمح في العبارة فهمت.
وليس معنى هذا أن الحد بالصورة التي وضعها المناطقة يستحيل الوصول إليه بل فيه شيء من العسر ، بمعنى أننا لو أردنا عند كل مسألة مسألة أن نقف ونلجأ إلى أهل الاختصاص لتحديد ذاتياتها ثم نعيد بناء التعريف عليها هذا فيه عسر كبير ، تجد هذا الكلام في أوائل المستصفى وتجده في منع الموانع كما قلنا .
ولذلك فعند علماء المنطق لا بد من أن يخلو الحد من المجاز ، ثم رأوا أن هذا ضيق بعض الشيء ، يصعب أن أقف في كل مسألة لأنتقي عبارة حقيقية خالية من المجاز فاضطروا إلى أن يقولوا إلا إن اشتهر .
إذن فلا بد في الحد عند المناطقة من شروط كالخلو من المجاز ، ثم رجعوا يقولون إلا إن كان مجازا مشهورا بحيث يعتاد إطلاقه ويوصل إلى المعنى ، فيجوز دخوله في الحد
فالسبكي في منع الموانع يقول : (وأكثر الحدود التي رأيناها عند علماء الكلام قبل غيرهم لا تخلوا من المجاز وهو مجاز مشهور مؤدي للمعنى معبر ، قريب جدا من التعبير بالحقيقة إلا أنه مجاز .
فكأن علماء المنطق يتكلمون عن الأمر من حيث هو على ما ينبغي، وكأن علماء الأصول يتكلمون عنه بعد تطبيقه واستعماله والنظر في العسير منه واليسير ، مما رجع بعلماء المنطق المتأخرين منهم إلى إعادة التعريف والتعديل في التعبير حتى يشمل تلك الحدود إلى أبعد حد .
طبعا الوقوف والتفرقة بيت الذاتي واللازم والعرضي ـ وهذا شديد الأهمية في الحد الحقيقي ـ الوقوف عنده في الأمور المحسوسة سهل أما في المعاني العقلية والمعارف والأفكار والعلوم فإن التفريق فيها بين الذاتي والعرضي صعب يحتاج إلى أهل الاختصاص هم الذين يقفون عند كل باب وعند كل قضية وعند كل مسألة وعند كل علم ليفرقوا فيه بين الذاتي والعرضي ، ففارق كبير بين محاولة بناء الحد على النسق المنطقي وبين ما يريده أرباب تلك العلوم من الفراغ من قضية التعاريف حتى ننتقل إلى بناء الأحكام المترتبة على تلك التعاريف لأن العلم لم يقف عند محاولة البحث عن التعريف وضبط التعريف والتدقيق في التعريف ، إنما يريدون من التعريف أن يقرب إليه صورة المعرف إلى غاية الإمكان .
طالب : لكن سيدي سنتوصل إلى نتيجة أن علم المنطق غاية ما فيه والفائدة منه هو التعريف الصحيح فسنصل إلى نتيجة أنه لا يحتاج إليه في تعريف علم الأصول ولا علم النحو ولا علم البلاغة ولا أي علم من العلوم .
د. أسامة : ماهي المقدمة التي بنيت عليها هذا الكلام دقق فيها ؟
طالب : أن اختلاف المفهومين في الحد عند علماء المنطق وعلماء الأصول هل الاختلاف هذا نقول إن علماء الأصول عندما عرفوا الحد بأنه كذا ، لو قلنا أن مفهوم الحد عند علماء الأصول غير مفهوم الحد عند علماء المنطق لجعلنا أن المنطق ليس له فائدة .
د. أسامة : ما هو الر ابط بين المعنيين ؟
طالب : أن علماء المنطق إنما وضعوا هذه الحدود وهذه الاحترازات كالمقدمة للمعرفين؛ لكي يطبقوا هذه القاعدة ، فهذا يؤدي بنا إلى اختلاف مفهوم الحد عند النحويين وعند الأصوليين وعند كذا ، بل إن ابن هشام ـ سيدي ـ عندما شرح قطر الندى قدر اعتراض معترض قال له : وتعريفه بالجنس البعيد معيب عند أهل النظر .
د. أسامة ما قلته أنت كله الآن لخبطة كصاحبك هذا أيضا ، تأتي بشيء من المشرق وشيء من المغرب وتصنع منهما مشكلة لا وجود لها .
طالب : لكن المشكلة موجودة .
د. أسامة لا ليست موجودة .
طالب : علماء المنطق حينما ذكروا هذا .....
د. أسامة : أجل أنا استوعبت الكلام الذي قلته حضرتك ، وأخبرك الآن أن ما تعبر عنه ليس وراءه مشكلة في الحقيقة ، أنت متصور وجود مشكلة فيما لا مشكلة فيه ، أمنتبه أنت ؟ أنت متصور وجود مشكلة فيما لا مشكلة فيه ، أي أنك أتيت بمعطى من هنا ومعطى من هنا وبعض المعطيات ثم توهمت خطأ ـ لخطأ منك في تركيبها ـ أنها تؤدي إلى مشكلة .
وأنا أقول لك أن كل واحد من المعطيات التي أتيت بها أنت لا يتسق مع الآخر ولا يركب معه ولا يؤدي إلى النتيجة التي تريد أنت أن تصنع منها إشكال .
الكلام الذي يقوله ابن هشام هو عين الكلام الذي يقوله المناطقة من أن اللجوء إلى الجنس البعيد في التعريف مع إمكان الوصول إلى الجنس القريب درجة أقل ، فهذا عين ما يقوله المناطقة .
إذن كلام ابن هشام تطبيق لكلام علماء المنطق ، وليس انتقادا على التعريف ، ابن هشام يقول أن التعريف الذي أتينا به للكلام وللكلم ولما أشبه هذا التعريف فيه استعمال للجنس البعيد ، واستعمال الجنس البعيد معناه النزول درجة في سلم التعريف ، فلمَ نزلت درجة في سلم التعريف واضطررت إليه؟ فبدأ يذكر مسوغاته في اختيار هذا التعريف الذي هو غير معيب منطقيا بل هو جائز ، إذ المناطقة قالوا الحد هو : التعريف بالجنس والفصل ثم بدءوا يفصلون في أنواع الجنس فقالوا : الجنس قريب وبعيد ، فالتعريف بالجنس القريب أولى من التعريف بالجنس البعيد وكلاهما جنس وكلاهما حد إلا أن بعضهم أعلى من بعض ، فإذا أمكنني التعريف بصورة أصل فيها إلى الذاتيات من أقرب طريق وأمكنني التعريف مرة أخرى بصورة أصل فيها إلى الذاتيات من طريق أطول فكلاهما وصول إلى الذات وكلاهما حد منضبط تمام الانضباط منطقيا ، إلا أن هذا أولى من هذا فقط ليس إلا .
فكلام ابن هشام رحمه الله الذي توهمت أنه يوجه انتقادا إلى التعريف عند المنطقيين ليس كذلك بالمرة .
طالب : سيدي أنا لم أذكر أنه انتقاد بل أقول إنه توظيف للقاعدة التي ذكرها المناطقة.
د. أسامة : وما هي .
طالب : إن الذي أريد أن أقول أن الحد هو نفسه المصطلح عند كل علماء الأمة بدليل أن ابن هشام عندما ذكر وقدر اعتراض معترض قال : إن تعريفي صحيح لأنه توظيف للقاعدة التي ذكرها المناطقة .
د. أسامة : وما علاقة هذا بالموضع الذي نحن فيه من تباين مقهوم الحد بين الأصوليين والمناطقة ؟
طالب: علاقة الموضوع : إن علماء المنطق عندما قالوا الحد هو : (التعريف بالجنس والفصل ) فهذا قاعدة لمعرفي سائر العلوم فجاء ابن هشام فوظف هذا التعريف وهذه القاعدة ، ولكن علماء الأصول عندما يعرفون مثلا بالمثال أو بالقول الشارح مثلا فهذا لا يكون اصطلاحا عندهم بل هو معيب كما يذكر ـ سيدي ـ المحشون في حواشيهم على العلماء .
د. أسامة : وأين هذه الحواشي ؟ وأين المحشون هؤلاء ؟
طالب :عندما يذكرون وقد عرفه بال .... لا يقول عرفه بالجنس والفصل بل يقول لم يعرفوه كما ذكر الممتن بالجنس والفصل وإنما عرفوه بالقول الشارح .
د. أسامة : أين هؤلاء ؟ ومن هم ؟ أعطني مثالا مثلا ؟ من قال ؟ وفي أي حاشية وعلى كتاب ماذا ؟ أعطني مثالا واضحا ، أنت تقول : (كما يقولون) من هم ؟ أعطني مثالا قل لي مثلا كما قال الجمل في حاشيته على كتاب كذا وعبر بكذا .
أعطني مثالا لكي تفهم بوضوح ، أين كلام المحشين وأين كلام الشراح الذي تقوله حضرتك ؟
طالب : لا يحضرني .
د. أسامة : إذن لا تتكلم ما دام لا يحضرك ، إذن حضرتك لما نشأ عندك الإشكال قبل أن تسأل فيه قل : لا ، هنا نقطة تحتاج مني مراجعة ربما أكون مخطئا ، وارجع إلى البيت وأخرج الحواشي وتأكد من الإشكالية التي سبقت إلى ذهنك وائت بها.
إنما لا يصح أن تدل بشيء أنت غير متأكد منه أو لا تذكره ، أنت تقول كما قال المحشون . من هم المحشون ؟ وفي أي حاشية قالوا هذا الكلام وما هو أصلا الكلام الذي قاله المحشون ؟
أنت مرة تقول لي الأصوليون وظفوا كلام المناطقة بدليل قول ابن هشام الذي يقدر اعتراض يدفعه المحشون الذين خالفوا أصحاب التقارير التي نقلت عن أصحاب الأصول والمتون !!!
ما هذا ؟ هذا كلام أي كلام ، ولا يفيد أي شيء يعني . كيف حالك ؟
وأقول لك إن القضية لم تفهمها من البداية كيف ؟
أنت توهمت أن هناك مفارقة ومصادمة بين ما يستعمله الأصوليون وبين ما يستعمله المناطقة كأن علماء الأصول تناولوا مفهوم الحد عند المناطقة وأفسدوه أو أبطلوه أو اعترضوا عليه ، ليس هكذا أبدا
؛ لأنك أنت من البداية لم تعرف أن تتصور المعنى .
علماء الأصول يبنون تعاريفهم على ما توصل إليه المناطقة ، علماء الأصول اعتمدوا كلام المناطقة تماما كلا وجزءا وبنوا عليه ، وعلماء الأصول لهم استقراء زائد فيما ينقلونه من أصحاب العلوم كما نبه إليه الزركشي والسبكي رحمهما الله الزركشي في أوائل(البحر المحيط) ، والسبكي في أوائل (الإبهاج) نصا على أن علماء الأصول كلما احتاجوا إلى مسألة درست عند أصحاب فن من الفنون فإنهم لا ينقلونها على وجهها من المنطق أو اللغة أو المحدثين مثلا ويضعها في الأصول .
لا ، ولكن ينقل المسألة ثم يعيد النظر في دراستها ويدقق فيها تدقيقا زائدا حتى تلائم غرض الأصولي في فنه ، فتجد علماء الأصول ينازعون المحدثين في تعريف العدالة مع أن المعتمد في هذه الأبواب كلام المحدثين ، لكن للأصولي غرض آخر من أبواب لرجال يدفعه إلى دراسة المسألة دراسة خاصة به وبمقاصد فنه .
فليس معنى هذا أنه يفسد تعريف الحدث .
للسنة تعريف عند الأصوليين ولها تعريف عند المحدثين ، وليس معنى هذا أن علماء الأصول أرادوا إبطال تعريف السنة عند المحدث ، بل قالوا إن المحدث درسها دراسة تحقق مقاصد الفن الذي يدرسه ، ولنا من وراء هذه المسألة مقاصد أخرى لائقة بفننا، فسوف نأخذ منه المسألة ونعيد دراستها على نحو يحقق مقاصد العلم، فنضيف ونحذف ونعدل دون أن يقتضي هذا إبطال للتعريف عند المحدث، أو اعتراض عليه في فنه، بل معناه أن دراسة المسألة بهذه الطريقة تحقق مقاصد المحدث، إلا أنها لكي تحقق مقاصدنا لا بد أن ندرسها من زاوية أخرى ، فتجد كتبا بدأت تنشأ عن المسائل المختلف فيها بين الأصوليين وبين المحدثين وكتبت فيها أميرة الصاعدي (المسائل المختلف فيها بين الأصوليين والمحدثين)وليس هذا من الأصوليين تدخل ومزاحمة للمحدثين في اصطلاحاتهم الخاصة، بل معناه أن علماء الأصول نقلوا من المحدثين اصطلاحاتهم الخاصة بهم ثم أعادوا النظر فيها والتدقيق والاستقراء الزائد الذي يجعل المسألة الحديثية بعدما ركبت في جسم علم الأصول صارت تدرس من زاوية أخرى لائقة بعلم الأصول ومحققة لمقاصد علم الأصول .
ولذلك فإن الزركشي والسبكي قالا هذه الكلمة في معرض من يدعي أن الأصول مجرد تجميع من علوم مختلفة ، الزركشي يقول هكذا في أو ل البحر المحيط يقول وهل علم الأصول إلا نتف من اللغة ومن الكلام ومن المنطق ومن الحديث ...) .
قالوا: لا.. علماء الأصول نقلوا المسائل التي يحتاجون إليها من تلك العلوم مع استقراء زائد في تلك المسائل يحقق مقاصد الأصولي .
إذن هذا الفارق الأول ما بين تعريف الأصوليين للحد وبين تعريف المناطقة للحد ، الأصولي لم يقل إن تعريف الحد منطقيا تعريف فاسد أو غير دقيق أو غير منضبط ، أبدا بل أخذ هذا التعريف من المتخصصين فيه ثم قال: لكي أستطيع توظيفه عندي في فني فلا بد من زيادة، ولا أقول إن هذا الزيادة ستدخل في التعريف عند أهل المنطق، بل أقول إنها ستبقى في دائرة استعمالي ، لكن انتبه يا من تقرأ إلى أنني إذا قلت كلمة الحد فإنني لا أريد بها المعنى الحرفي المنطبق عند المناطقة حتى لا تداخل عليك الحدود ، إنما أستعملها على ما هي عليه هناك مع شيء من التجوز ، مع شيء من التوسع ، مع شيء من الإضافة ، مع شيء من الحذف ، إذن ليست القضية صدام بين أهل العلوم في التعاريف والحدود ، وإلا فإن علماء الأصول هم أول من ثبت أن المسألة المنقولة من فن إلى فن إنما تبرهن وتعلل وتقام عليها الأدلة في فنها الأصلي ، وتنقل إلى الفن الثاني مسلمة ، ولا يعاد البرهنة عليها في ذلك الفن ، لكن من الممكن أن تزاد ، أن تختلف الزاوية ، وينص على هذا الغزالي في أوائل المستصفى ، ونص عليه القرافي في الذخيرة ، ونص عليه أبو حيان في البحر المحيط وعدد من العلماء، أن المسألة إنما تدرس في الحقيقة وتشرح وتقام عليها الأدلة وتيرهن في فنها الأصلي ثم إذا نقلت منه نقلت منه مسلمة ؛ لأن هؤلاء أهل الاختصاص ، فلو أراد الأصوليون إعادة النظر في مسألة الحج من حيث إنها مسألة منطقية لوجب إرجاعها إلى أهل المنطق أو إذا ما كان الأصولي منطقيا أصوليا منطقيا فإنه يدرسها هنا من وجه وهو اصطلاح المنطقي وطريقة تفكير المنطقي ، فلما أن ينتقل إلى توظيفها في فن الأصول هل هذا التغيير معناه إبطال للحد عند المناطقة ، أو اعتراض على المناطقة في مفهوم الحد ؟
لا.. ليس هكذا ، ولكنه يقول إنني لما بدأت آخذ مفهوم الحد وأستعمله وأجري عليه في الأبواب والمسائل والقضايا أحوجني شيء من التوسع في استعماله ورأيت أن بعض المسائل شاعت بين الناس واستقرت بتعريف لو تبنيناه أصوليا لفهم الناس المقصود من المسألة وفرغنا منها ، ولكن تنبه أن هذا التعريف على طريقة المناطقة فيه شيء من التوسع ، فهل أتوقف إلى أن أعيد التعريف منطقيا ثم أرجع إلى الناس لأغير المفهوم الشائع عندهم ، ثم أرجع مرة أخرى إلى الفن لأبني عليه مقاصدي الأصولية ؟ قال لا .
بل إنني سأعتمد هذا التعريف فإذا أطلق القياس أعتمد التعريف الشائع بين كل الفقهاء في مفهوم القياس ؛ لأنهم يفهمونه ولأنه صار متداولا ، رغم أنه منطقيا ليس منضبطا على أصول المناطقة .
إذن لماذا تبنيته واستعملته ؟ قال لأنه عرف لأن شاع لأنه استقر لأن محاولة تغيير العرف الفقهي في كل المدارس الفقهية في تعريف القياس محتاج إلى زمن وصعب ، ما لم يكن هذا التعريف مشتملا على خطأ محض إذن وجب تغييره عند أهله وعند أربابه وعندنا وعند المناطقة وعند الكل .
إنما إذا كان التعريف صحيح مقربا من معنى المدلول وإن كان غير منضبط تماما على استعمالات المناطقة فليس فيه استعمال الجنس القريب بل لجئنا فيه إلى لجنس البعيد فلا أغيره ، ولا أقول لهم أعيدوا التعريف على نحو تتنتقلون فيه إلى الجنس القريب والفصل لأنه الأولى منطقيا ، بل أنظر أولا في البيئة التي شاع فيها ذلك التعريف هل هو شائع مستعمل فإذا أطلق انتقل منه الذهن إلى المفهوم الصحيح الذي نريده ويريده المناطقة ، فإن كان كذلك فلا يضرني أن العبارة فيها قصور على طريقة المناطقة .
إذن وهل أعتبره تعريفا ؟ أجل .
وهل أسميه حد ؟ أجل ، أسميه حدا ، ولكن انتبه أنني كأصولي أقول لك إنه ليس مرادي منه الحد عند المناطقة ، حتى لا تتوهم أننا نعيد النظر في الحد أو نخالف في تطبيق مفهوم الحد إنما نظرنا فرأيناه مستعملا شائعا دارجا مستقرا موصلا إلى المقصود عندنا وعند المناطقة فأمضيناه واستعملناه وجرينا عليه ، وسميناه حدا ؛ لأنه إذا قلنا لأي أحد ما هو حد الفقه عندك ؟ سيقول لك العبارة التي هي إذا وضعت على معايير الحد غير دقيقة عندنا وعند المناطقة وعند الخلق أجمعين ، لكننا سنقره وسنعتمده ، لماذا؟ لأنه عرف وشاع واستقر ولأنه ليس مقصودنا الوقوف عند الألفاظ بالتعاريف فهذا مقصود المنطقي ، إنما مقصودنا بناء الأحكام على تلك التعاريف .
إذن ما القضية أن الأصوليين قد أبطلوا مفهوم الحد عند المناطقة ولا غايروا فيه ؛ لأنه استعمال علمي وتطبيق واختيار ، وهناك فارق بين التقعيد والاختيار.
إننا وضعنا القواعد وطبقناها على مفرداتها ، ثم إنني بعد التطبيق على المفردات اخترت اختيارا خاصا بي ونبهتك إليه ، ولفت النظر .
ما نقوله كله حتى لا يتبادر إلى الذهن الإشكال الذي تقوله أنت ، وتأتي حضرتك تعترض على الكلام بالإشكال الذي إنما شرح الكلام ليزيله .
ما هذا الكلام ؟ وتقول إن ابن هشام قال وعاد ، وقال المحشون من هم المحشون هؤلاء ؟ في علم الغيب لا نعرفهم! لا يصح هذا ، هذا ليس كلاما علميا .
تقول قال المحشون .. قال الشيخ العطار في حاشيته على المحلي على جمع الجوامع كذا كذا كذا ليكون الكلام منطقيا ومنهجيا نبني عليه ، حتى لا تحيل على جهالة يا شيخ .
أفهمت هذا .
وهذا أيضا لا علاقة له بالرواية والدراية ، قضية تعريف علم الحديث رواية ودراية ليست من هذا القبيل وإن كان يمكننا أن نمضيها لأنها شاعت عند أهل الفن ، لولا أنها هي في ذاتها خطأ وهذا هو الذي رغب الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف في أن يقوله في (المختصر في علم الأثر) قال : هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ، تقول : لا هذا ليس اصطلاحا بل غير منطبق على المعرف .
إنما لو أن التعريف انطبق على المعرف ووصل إليه مع وجود تجوز يسير في العبارة هذا الذي نقول عنه إنه قد شاع ونبني عليه الأحكام ، وإن كان غير دقيق على طريقة المناطقة ، أفهمت ما نريد أن نقوله غير ما كنت متصوره تماما ، واضح الآن أم أشرحه مرة أخرى .
واضح .
الحمد لله وضحت .
إذن القضية ليست ابن هشام ، ولا الجنس القريب ، ولا وجود صدام بين المشايخ في الحد ، الحد واحد عند الجميع ولكنها مدارس علمية ، فاهم .
إذن فاللأصوليين في المسائل التي ينقلونها إلى فنهم استقراء زائد .
وهذه لا بد أن تحفظ جيدا .
فعندما ينقلوا مسألة من مسائل اللغة أو من مسائل البلاغة لا ينقلونها على ما هي عليه عند البلاغيين ، بل يدققون تدقيقا زائدا يجعلها ملائمة لمقاصد فنهم ، واذهب وقارن بين كتب البلاغة وكتب الأصول وانظر إلى الفارق ، قارن بين مفهوم المجاز في كتب البلاغة وكتب الأصول ، ستجد فروعا كثيرة هي هي في العلمين ، وستجد فروعا معينة تجد الأصولي قال فيها كلاما آخر ، فها هو، يوجد استقراء زائد وفي مسائل اللغة هكذا ، اللغويون أصحاب المعاجم ينقلون اللفظة ومدلولها عند العرب إنما ما مدى شدة دلالة اللفظ على المفهوم هل يقتضي الوجوب هل يقتضي الفور ، هل يقتضي التكرار ؟ هذا كلام لا يفكر فيه اللغوي أبدا ، ولكن يفكر فيه الأصولي ، مع أنه مبني على نقل أهل اللغة ، فهذا ليس معناه مزاحمة للغوي في فنه ، ولا إبطال لنقل اللغوي ؟ ولكن بعد أن انتهى اللغوي وأدى دوره المطلوب منه في علمه والمحقق لمقاصد فنه ، بدأ الأصولي يفكر في نفس المسألة من زاوية أخرى ليحقق مقاصد الأصولي .
لأن الأصولي يريد أن يعرف أن الأمر للفور أم للتراخي ؟ يفيد الوجوب أم يفيد الإباحة والندب والتهديد و..و..
يفيد التكرار أم لا يفيد التكرار ؟
اللغوي لا يفكر في هذا الكلام ، اللغوي يقول لك أن (اضرب) معناها عندهم الوكز والقصم فقط ولا علاقة له بأكثر من هذا ؛ لأنه مسئول عن أن ينقل لي ألفاظ العرب بإزاء المعاني التي استعملتها فيها العرب ، وهذه وظيفة المعاجم من ضمن أربع وظائف تقوم بها المعاجم :
1ـ حصر ألفاظ العرب .
2ـ حصر المعاني المستعملة بإزاء كل لفظ .
3ـ ضبط الألفاظ .
4ـ إيراد الشواهد .
أربع محاور تقوم عليها المعاجم العربية .
إذن ما معنى قضية الاستقراء الزائد ؟
المعنى الذي قلناه الآن فقط ، من أقرب طريق، قل لي المعنى الذي قلته أنت وانتهى الأمر !!.
ورغم أن هذا لا يصح منطقيا ، وإنما أقول لك أجل قبلته منك ، وهذا مثل المسألة التي نقولها !!.
ما هو الاستقراء الزائد ؟
ما هو ، السؤال بما ـ كما يقول الغزالي ـ كاشف عن الماهية .
فأنا أقول لك الآن : ما هو الاستقراء الزائد ؟
الواجب أن تبدأ تعرف لي الاستقراء الزائد ، فلو أنك قلت هو ما شرحت لكان هذا غير دقيق في التعريف ، لكن لشيوع استقراره في الدلالة على المعنى المتعارف بيني وبينك وبين العقلاء يجوز.
وهذا هو ما عمله أهل الأصول ، أقبله ، أقره ، وأقول لك أجبت .
مع أنه في الحقيقة ليس صحيحا ، فهذا ليس كاشفا عن ماهية الاستقراء الزائد .
فها هو مثال تطبيقي طبقنا به .
بقيت دقيقتان ؟
والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إذن اليوم يا جماعة الخير كان تطبيقا عمليا على مفهوم الحد وكيفية استعماله بعيدا عن التعريف الرسمي الذي نقوله في كل مجلس .
ورب إثارة ولدت إنارة.
والله أعلم.
مواضيع مماثلة
» تفريغ الجزء التاسع من شرح نخبة الفكر
» سورة آل عمران الجزء الرابع
» التجسيم عند الشيعه ومن كتبهم الجزء الرابع
» التحقيق في حكم رواية عبد الله بن لهيعة | الجزء الرابع
» بلاد اسلامية محتلة ( الجزء الرابع ) سبته ومليله ارض مغربية مغتصبة
» سورة آل عمران الجزء الرابع
» التجسيم عند الشيعه ومن كتبهم الجزء الرابع
» التحقيق في حكم رواية عبد الله بن لهيعة | الجزء الرابع
» بلاد اسلامية محتلة ( الجزء الرابع ) سبته ومليله ارض مغربية مغتصبة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin