بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
مقدمة مختصرة في التشريع الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1
مقدمة مختصرة في التشريع الإسلامي
مقدمة مختصرة في التشريع الإسلامي
مقدمة مختصرة في التشريع الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف تاريخ التشريع:
التاريخ:علم يهتم بدراسة الأزمنة والأحداث التي حدثت فيها والأشخاص الذين أسهموا في ذلك أو كان لهم دور معين وتأثير تلك الأحداث سواء كانت جماعية أم فردية. وهو في نهاية الأمر دراسة لماضي الأمم والحضارات.
أما التشريع :فهو مصدر للفعل شرّع (المضعف) الذي هو أحد تصاريف الفعل شرع المخفف الذي مصدره شريعة وشرعة فهو ذو اتصال وثيق بكلمة شريعة ولذا كان لا بد لنا من تعريف الشريعة:
تعريف الشريعة:
في اللغة:تطلق في أصل اللغة على معنيين الأول :مورد الماء (الطريق السهل الذي يسلك للماء) والثاني:مكان تجمع الماء ولا يسمى مكان تجمع الماء في لغة العرب شريعة إلا إذا كان سهلا منبسطا يؤخذ منه الماء دون عنت ومشقة.كما تطلق الشريعة في اللغة أيضا على عدة معان أوصلها بعضهم إلى عشرين معنى منها الطريق المستقيم والدين والمنهج والمنهج القويم وجملة القيم والمبادئ والخير والمذهب وغير ذلك.
الشريعة في الاصطلاح تطلق على معنيين الأول معنى عام وهو الدين والدين ماشرعه الله لعباده من عبادات وأرسل به الرسل وأنزل معهم الكتب ليرشدوا الناس إلى الصوب في العبادة وإلى الخير في السلوك والمعاملة,وبهذا المعنى الشريعة تطلق على الدين أصولا وفروعا وهذا المعنى دل عليه قول الله تعالى:[شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ] {الشُّورى:13} فالأنبياء اشتركت رسالاتهم ودعواتهم في أصل واحد وهو توحيد الله بالعبادة فالشريعة بهذا المعنى تطلق على أصول الدين.
المعنى الثاني معنى خاص وهو:الأحكام الشرعية العملية (الفقه) وهي بهذا المعنى تطلق على فروع الدين ومسائل العبادة الداخلية فيه الني تستقل بها كل رسالة عن غيرها ويدل على هذا المعنى قوله تعالى[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا] {المائدة:48}وقوله [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ] {الحج:34}وأخذ المعنيان من الحديث (نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد وشرائعنا شتى))أخرجه مسلم في صحيحه ) والدين هو الأحكام الشرعية ،والأحكام الشرعية على ثلاثة أنواع 1ـ أحكام شرعية اعتقادية (التوحيد) 2ـأحكام شرعية أخلاقية(تهذيب)3ـ أحكام شرعية عملية (الفقه)
ولعلك تلحظ العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي لكلمة شريعة فالشريعة في أصل اللغة تطلق على الماء وطريقه وفي الاصطلاح على الدين كله أو جزء منه والعلاقة بين الدين والماء واضحة فكما أن الماء به حياة الأبدان وبقاء الحياة فالدين به حياة الأرواح واستقامتها.
تعريف التشريع :
في اللغة إيراد الإبل شريعة الماء (عملية سقي الإبل) ولا تسمى تشريعا إلا إذا كان السقي ميسورا ودون تعب ومشقة في السقي ،ويطلق التشريع في اللغة أيضا على السن ومنه تشريع القوانين وعلى الوضع والأخذ وهو مرادف للاجتهاد والاستنباط وغير ذلك من المعاني.
التشريع في الاصطلاح يطلق على معنيين الأول :وضع شريعة مبتدأة :أي سن شريعة كاملة جديدة وهذا في الإسلام لا يملكه إلا الله قال تعالى[قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ] {الأنعام:57}وقال [وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {القصص:88}فليس من حق أحد أن يضع شريعة جديدة يتعبد بها الناس.
المعنى الثاني :أخذ حكم من شريعة قائمة .والتشريع بهذا المعنى يرادف الاجتهاد ويساويه ،بمعنى أنه عمل داخل الشريعة يعنى باستنباط الأحكام وتقعيد القواعد المساعدة في ذلك وبناء الأحكام من تلك الشريعة, وهو عمل ضخم مهم داخل الشريعة يقوم به العلماء المجتهدون وأشار إلى ذلك قول الله تعالى (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) {النساء:83}
ولعل دراستك لتاريخ التشريع تنصب على المعنى الثاني له وتكون أكثر ميلا والتصاقا بالمعنى الثاني للشريعة أيضا إذ فيها تركيز على تاريخ الفقه وهو جزء من الشريعة.
إذن فتاريخ التشريعهو علم يعنى بدراسة المراحل والأدوار والأحداث التاريخية التي مر بها التشريع الإسلامي منذ بدايته وتأثير تلك الأحداث والأشخاص المؤثرين فيها.
العلاقة بين الشريعة الإسلامية وغيرها من الشرائع
الشرائع السماوية هي الأديان التي أرسل الله بها الأنبياء السابقين كسيدنا نوح وموسى وعيسى وإبراهيم وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام الذين ختم الله رسالاتهم برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أرسله الله بالدين الخاتم الإسلام وأنزل عليه الفرقان وجعله الدين الخاتم للأديان ولن يقبل الله دينا غيره ﭧ تعالى(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران : 19 )وقال تعالى(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران : 85 )
وقد اتفقت الشرائع السماوية مع شريعة الإسلام في بعض الأمور ـ فمما اتفقت فيه أصل الإيمان وهو الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده ونبذ الشرك بالله وهذا هو الأصل الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب قال(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل : 36 ) وقال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء : 25 )فكل نبي كان محور دعوته لقومه عبادة الله وحده (ياقومى اعبدوا الله) ومما اتفقت فيه أيضا الدعوة إلى التزكية والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، وحسن التعامل. وتحريم الذنوب كالظلم والفساد والقتل، واتفقت كذلك في أصول العبادات العملية الإلزامية من حيث الدعوة لفعلها وإن كانت تختلف في طريقة ممارستها في كل أمة عن الأخرى والعبادات الإلزامية هي الأربعة ـ الصلاة قال تعالى مخاطبا موسى عليه السلام (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه : 14 )وقال تعالى في شأن وحيه للأنبياء (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء : 73 ) ـ واتفقت في الأمر بالزكاة كما في الآية السابقة ـ والصوم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 183 )ـ و الحج قال تعالى مخاطبا سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج : 27 ) ومن جملة ما اتفقت فيه ذكر الله قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَاوَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)(الأعلى 14ــ 19 ) ومما اتفقت فيه تحريم الربا فذكر تعالى أن العقوبة حلت على اليهود بسبب تعاملهم بالربا وهم قد نهوا عنه قال تعالى(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء : 161 ) ومما اتفقت فيه أيضا تحريم الزنا وعقوبة رجم الزاني كما جاء في قصة اليهودي الذي زنا ورفع أمره للرسول صلى الله عليه وسلم ([1])
ومما اختلفت فيه شريعة الإسلام مع الشرائع السابقة أن الله تعالى حرم على اليهود بعض الطيبات قال تعالى(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً) (النساء : 160 ) ، وأن الله حرم على اليهود كل ذي ظفر وحرم عليهم شحوم البقر والغنم قال تعالى(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ) (الأنعام : 146 ) وكذلك ما ورد في شأن التوبة من بني إسرائيل قال تعالى(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة : 54 ) ومنها ماورد في بعض نصوص التوراة :أنه إذا دخل رجل على حائض في خيمتها فإنه ينجس وهي نجسة والخيمة نجسة ,ومنها أن القصاص لازم في القتل العمد لا عفو فيه أبدا وأما في الشريعة الإسلامية فأولياء الدم بالخيار بين القصاص أو العفو فقد جعله الله بدلا تخفيفا عن هذه الأمة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 178 ) ومنها أيضا ماذكر من أن طهارة إزالة الخبث عند اليهود تكون بالقرض وغير ذلك.
علاقة الشريعة بالتشريع
يتفق كل من التشريع والشريعة في أنهما ينزعان إلى فعل واحد ويتفقان في مصدر الشرع والشرعة ,والشرعة المنهاج والشريعة.
وتتأكد العلاقة إذا نظرنا إلى تعريف التشريع بأنه استنباط حكم من شريعة قائمة فهو هنا نوع من الاجتهاد الذي يُعمل في الشريعة، والاجتهاد أحد الأدلة الشرعية ،والحكم الثابت به يعتبر حكما شرعيا لأنه مبنى على قواعد وضوابط شرعية ولذلك قالوا الاجتهاد إظهار للحكم وليس تأسيسا له، وبناء قواعد للاستنباط يسمى تشريعا ،وتقنين الأحكام القضائية والعقابية ومثبتاتها في مواد يسمى كذلك تشريعا،فالتشريع بهذا المفهوم عمل داخل الشريعة الإسلامية.
تعريف الفقه
في اللغة يطلق على الفهم ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود : 91 ) ويطلق على العلم ومن قوله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)(1)وأطلقه بعض علماء اللغة من الأصوليين على فهم الأشياء الدقيقة خاصة ولذلك قالوا لا تقل فقهت أن السماء فوق والأرض تحت لأنه أمر بدهي لا يحتاج إلى إعمال ذهن.
اصطلاحا عرفه الإمام أبو حنيفة بقوله: ( معرفة النفس مالها وما عليها)([2])
ولو لاحظت لهذا التعريف تجده شاملا لعلوم شتى، وهذا الإطلاق على الفقه كان في ذلك الزمن قبل أن يستقل كل علم عن الآخر وقبل أن تميز العلوم بتآليف أكثر تخصصية وتحدد الموضوعات لكل علم بدقة ،ولما أخذت العلوم أشكالا أكثر استقلالية عن بعضها وتميزت الفروع عن الأصول تميز كل علم بتعريف مستقل حدد معالمه ووضح موضوعاته بجلاء ولذلك عرف الإمام الشافعي الفقه بأنه:العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية([3]).وأنت تلحظ في هذا التعريف التخصص ؛إذ هو علم دائر في الأحكام الشرعية العملية.
موضوع علم الفقه
يتناول علم الفقه أفعال المكلفين من حيث حكمها الشرعي من كونها واجبة أم مباحة أم مكروهة أم مندوبة أم محرمة ومن حيث مدى موافقتها لمقصود الشارع فتكون صحيحة أو مخالفتها لمقتضى الشرع فتكون غير صحيحة باطلة أوفاسدة أو هما معا
علاقة الفقه بالشريعة والتشريع:
إذا نظرنا إلى تعريف الشريعة اصطلاحا فنجد أن الفقه يمثل أحد تعريفات الشريعة فهو جزء أصيل من الشريعة فإن كانت الشريعة بمعنى الدين فهو يمثل جانب الأحكام العملية(الجانب العملي) وإذ انظرنا إلى الشريعة بالمعنى الخاص فهي الفقه نفسه ,وهذا الإطلاق على الشريعة أصبح هو الأكثر تبادرا إلى الذهن ,والتشريع عمل داخل الشريعة تثبت به الأحكام الشرعية العملية التي هي الفقه فالعلاقة بين الثلاثة وطيدة جدا
حاجة الناس إلى الفقه :
الإسلام هو الدين الخاتم للأديان كلها ولن يقبل الله دينا من أحد غير الإسلام ،وقد نظم الإسلام حياة الناس في معاشهم ومعادهم وجميع أمرهم ففي قضية الاعتقاد وضع منهجا محكما يقوم على توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وحده والإيمان به إذ هذا هو معنى الوجود البشري ،وفي مجال الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحياة كلها أتى الإسلام بأفضل نظام أصلح حال الكون لما طبق في صدر الإسلام ،إنك تلحظ جليا كيف كان الوضع والحال في الجاهلية (القرون التي كانت قبل مجيء الإسلام)في كل العالم كانت الفوضى هي التي تحكم كل شيء على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمعات التي كانت المطاحنات والحروب سمتها وعيشتها،وباختصار كان الكون فوضى فأنزل الله الإسلام إصلاحا للناس وهديا ونورا واختاره ليكون هو النظام الحاكم الذي يجب قيادة البشر به [اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا ] {المائدة:3}والله تعالى هو الذي خلق الخلق ويعلم مايصلحهم وما يفسدهم وما يضرهم وما ينفعهم فاختار لهم الإسلام منهجا أكمل للحياة كلها[أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14}.فكان المسلمون بفضل الإسلام أفضل أمة وأخير شعب وأحسن حضارة عرفتها البشرية.
واليوم ما أحوج الأمم والشعوب إلى النظام الإسلامي في اعتقاده وفي نظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجميع مناحي الحياة لتهدي بهدي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم(أحسن وأوفق) في كل مناحي الحياة في الدنيا وفي الآخرة[إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] {الإسراء:9}وكم نرى في هذا العصر تيه البشرية وتخبطها ووقوعها في الظلم والظلمات وانهيار القيم والأخلاق والمبادئ ؛لأنها أعرضت عن الإسلام ذكر الله ودينه الذي ارتضاه [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] {طه:12
خصائص الفقه:
تتمتع الشريعة الإسلامية بخصائص عديدة ومميزات لم توجد في أي شريعة ،هذه المميزات التي جعلها الله فيها كانت سر صلاحيتها لكل عصر وجيل ,وكانت هي الشريعة الخاتمة ،من هذه المميزات:
1/ الربانية :فالشريعة هذه ربانية في مصدرها ومنبعها,وربانية في قصدها وغايتها وتوجهها،وتتجلى ربانية المصدر في أنها وحي من عند الله ؛فجميع أحكامها وحي متلو (القرآن) وغير متلو(السنة) فليست هي من تخرصات البشر وأقوالهم وأفعالهم وأحكامهم التي تتأثر بعوامل المزاج والهوى والمأثرات التي تحيد بهم عن تقدير الحق ،فيقع التخبط والظلم [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] إن الشريعة من عند الله خالق البشر الذي يعلم سرهم وجهرهم ،ويعلم مايفسدهم وما يصلحهم ,فهو الذي ارتضى هذه الشريعة حكما وحاكما على جميع الناس .
ولما كانت هذه الشريعة ربانية فيمصدرها كان لابد للمسلم بها أن يكون كذلك ربانيا في مصدره ,وأخذه الأحكام والتشريعات من هذه الشريعة لامن غيرها (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الحكم والنبوة ثم يقول للناس كونا عبادا لي من دون الله ولكن لونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون]79آل عمران
وتتجلى ربانية الغاية في أن المقصود بهذه الشريعة التطبيق لأحكامها تحصيلا لمرضاة الله ورحمته ,وماخلق الخلق إلا لهذا الغرض والهدف الأسمى ,وكان لابد للمسلم أن يقابل ربانية الغاية هذه بتحديد غايته وهدفه في الوجود وهو العبادة لله في كل حركاته وسكناته(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )الأنعام162
وأن يكون محركه لذلك ودافعه هو الفوز برضوان الله (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)آل عمران185
2/ الوسطية:معناها التوسط بين طرفين ,ومعناها العدل ,وعناها الخير والكمال فيه وكل هذه المعاني ملحوظة في الشريعة الإسلامية وتتجلى وسطية الشريعة في قضية الاعتقاد وفي قضية الأخلاق وفي قضية الأحكام التطبيقية المطلوبة من المكلف ،ففي الاعتقاد أمرت الشريعة بعبادة الله ونهت عن عبادة من سواه فانظر إلى اليهود كيف أساؤا إلى سيدنا عيسى عليه السلام ووصفوه بأقبح الأوصاف وانظر إلى النصارى كيف غالوا فيه وجعلوه إلها وعبدوه من دون الله فجاءت الشريعة الإسلامية وسط بين هذه التيارات وقالت إن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ،وفي مجال الأخلاق كانت وسطا بين المثاليين :الذين نظروا للإنسان ورؤا أنه ملاك وأرادوا له من الأخلاق والسلوك مالايقدر عليه ،وبين الواقعيين :الذين نظروا للإنسان وأنه حيوان مركب فيه الغريزة الحيوانية (الشهوانية) فأرادوا له من الأخلاق مالايليق به (البهيمية) فقالت الشريعة الإسلامية إن الإنسان مخلوق لله، مركب فيه روحانية الملاك وشهوانية الحيوان ،وهو بهذه التركيبة فيه استعداد للتقوى بماركب فيه من الروحانية,وفيه استعداد للفجور بماركب فيه من الحيوانية،ولذا جاءت بالوحي لتزكية الروح فيه ,وحفزته بمحفزات الوعد الحسن على التقوى والوعيد السيء في حالة الفجور (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)
أقسام الفقه الإسلامي:
ينقسم الفقه إلى أقسام متعددة باعتبارات متنوعة
أولا:أقسامه باعتبار مصدره:
ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام
1ـ ما كان مصدره دليلا قطعيا في دلالته([4])مثل وجوب الصلاة ووجوب الزكاة ووجوب الحج والصوم وحرمة الزنا والسرقة والقذف ووجوب تقسيم التركة وفق ماجاء في القرآن وغير ذلك مما جاء في القرآن والسنة أوثبت بإجماع الأمة وبالأخص الصحابة ولم يحتمل إلا معنى واحدا.فمثل هذا لا يجوز إعمال الاجتهاد فيه بنفي أو تجوير.
2ـ ما كان مصدره الدليل الظني الدلالة(2)مثل حكم صلاة الوتر وحكم قراءة الفاتحة في الصلاة ومثل العدة هل تحسب بالحيض أم بالطهر وغير ذلك من الأحكام التي تثبت بالآيات أو الأحاديث التي تحتمل ألفاظها أكثر من معنى,فمثل هذا النوع يكون الاجتهاد فيه لإثبات أحد المعاني من بين تلك المعاني ولا يكون الاجتهاد لنفي ذلك الدليل وهذا معنى قولهم لا اجتهاد مع النص.
3ـ ما كان مصدره أدلة ظنية كالقياس والمصلحة المرسلة والاستحسان والاستصحاب والعرف وغيرها من الأدلة المعتمدة في الشريعة الإسلامية فهذه الأحكام تعتبر شرعية ؛لأن تلك الأدلة المثبتة لها أدلة شرعية ,ومثل هذا الفقه محل الاجتهاد لإثبات الأحكام إذ من المعلوم أن مسائل الناس متجددة والأدلة الشرعية لم تأت بتفصيل كل حكم إنما جاءت في أكثرها قواعد عامة لتحتمل أحكام الجزئيات ومن هنا كانت الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
ثانيا:أقسامه باعتبار محتواه ومضمونه:
الفقه الإسلامي شامل لنواحي الحياة وتصريفاتها كلها وقد قسمه بعضهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام وقسمه بعضهم إلى قسمين رئيسين هما:
الأول:العبادات :وهي مجموعة الأحكام الشرعية العملية التي تنتظم في أبواب(1)فقهية تنظم علاقة المكلف(2)العملية بخالقه.والأبواب التي تضمها العبادات هي (باب أوكتاب:الطهارة ـ الصلاة ـ الزكاة ـ الحج ـ العمرة ـ الصيام ـ الأيمان وبعضهم يعبر باليمين وبعضهم بالحلف ـ النذر ـ التذكية الشرعية وهي الذبح والنحر والعقر والفعل المذهب للحياة ـ الأضحية ـ العقيقة ـ الصيد ـ الأطعمة ـ الأشربة وبعضهم يجعل الصيد وما بعده تحت عنوان الحظر والإباحة ـ وبعضهم يلحق الجهاد بهذا القسم)(3).
الثاني:المعاملات وهي مجموعة الأحكام الشرعية العملية التي تنظم علاقة المسلم بغيره سواء كان يشاركه في الدين أو يخالفه فيه.وتحت هذا القسم أنواع كثيرة من الفقه:
1ـ أحكام الأحوال الشخصية(4)وتسمى فقه الأسرة أو المناكحات وهي الأحكام الفقهية التي تهتم ببناء الأسرة وكيفية تكوينها وما ينشأ من حقوق بذلك ومن الأبواب التي تنتظمها:باب النكاح ويدخل فيه الخطبة ـ الصداق ـ الفرقة الزوجية :الطلاق ـ النشوزـ الخلع ـ التطليق ـ الظهار ـ اللعان ـ الإيلاء ـ العِدد ـ النفقة ـ الحضانة ـ الرضاع ـ الولاية ـ القسم بين الزوجات ـ الوصية ـ الميراث ..إلخ)
2ـ الأحكام المدنية وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تنظم التعامل المالي بين المسلم وغيره ويمكن تقسيمها إلى عدة أنواع:
أ) المعاوضات وتعني العقود وتضم: عقد البيع ـ الخيارات ـ بيع السلم ـ بيع الصرف ـ الربا ـ الإجارة ـ الشركات بأنواعهاـ المساقاة ـ المزارعة ـ المرابحة ـ المضاربة ـ القرض ـ الرهن ـ ويدخل فيها المال ـ الملكية
ب)التبرعات والهبات والأحباس وتضم: باب الهبة ـ الوقف ويدخل فيهما الرقبى والعمرى وأدخل الوقف والهبة حديثا في قانون الأحوال الشخصية ـ الإعارة ـ العطية ـ الوكالة ـ الكفالة ـالحوالة ـ الجعالة ـ الصلح وغيرها
ج) الأمانات وتضم الوديعة ـ اللقطة والضمان المالي.
3ـ المرافعات وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين كيفية التقاضي والتحاكم والادعاء وفصل الحكم القضائي ومن الأبواب التي تنضوي تحت هذه المجموعة (باب القضاء ـ البينات ـ الشهادة ـ الإقرار ـ الدعوى ـ القسمة وبعض الفقهاء يجعله تحت الأحكام المدنية وغير ذلك)
4ـ الجنايات وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين الفعل الذي يعد جريمة وتصف العقوبة المترتبة عليه ويلحق بعض الفقهاء بهذه المجموعة كيفية إثبات تلك الجريمة ومن الأبواب تحت هذه المجموعة باب القتل ـ القصاص في النفس وفي مادون النفس ـ باب الديات ـ القسامة ـ الضمان في الاعتداء ـ باب حد الزنا ـ القذف ـ السرقة ـ الحرابة ـ الخمر ـ الردة ـ البغي ـ التعزير)
وبعض الفقهاء كتب في ذلك القسم كتابات مستقلة تحت مسمى القضاء أو أدب القاضي أو غير ذلك من المسميات ذات الصلة.
5ـ الأحكام الدستورية وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين كيفية حكم الدولة الإسلامية وما ينبغي أن يكون عليه الحكم فيها وعلاقة الحاكم بالمحكوم وتمثل باب الإمامة أو الخلافة والولاية والوزارة ويلحق بها بعضهم الجهاد وكثير من الفقهاء لم يذكروها في تبويبهم، وألف كثير منهم فيها كتبا مستقلة (1)ودمج بعضهم معها القضاء.
6ـ أحكام العلاقات الدولية:مجموعة أحكام شرعية عملية تبين علاقة الدولة المسلمة بغيرها من الدول في حالة الحرب وفي حالة السلم وألحقها الفقهاء بالقسم السابق.
7ـ الأحكام الاقتصادية :مجموعة أحكام فقهية تبين موارد ومصارف الدولة الإسلامية وحق السائل والمحروم وتضم باب الخراج والعشور وغيرها ويجعلها بعضهم في كتبا مستقلة تحت مسمى الأموال
الأسس التي قام عليها التشريع الإسلامي;
قام التشريع على أسس ودعائم متينة من أهمها
1/قلة التكاليف: التكاليف في الشريعة الإسلامية قليلة،ومما يدل على ذلك أن الأعرابي يؤمن ويتعلم أحكام الإسلام في وقت وجيز ،وهي محصورة في أمر ونهي ,والمطلوب في النهي تركه وفي الأمر فعل المستطاع منه.ومن النماذج على ذلك:أن الصلاة المفروضة محصورة العدد والزمن ولا تستغرق كل اليوم,وأن الزكاة واجبة في أنواع معينة من الأموال والقدر المخرج لاستغرق كل المال بل أعلى قدر مخرج هو خمس المال في الركاز,وكذلك الصوم المفروض إنما هو شهر واحد والواجب في اليوم الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس,والحج المفروض مرة في العمر وهو أيام معدودة ولا يستغرق كل الزمن.
2/التدرج في التشريع: لم تنزل آيات القرآن جملة واحدة وبالتالي لم تفرض التكاليف الإسلامية في وقت واحد ,وهذا لحكم وأسرار منها ماهو تشريعي كمسايرة الحوادث وسهولة التطبيق فإن الحكم المتدرج في تشريعه أدعى للتطبيق وأيسر في الفهم قال تعالى(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاًوَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان : 32ــ33 ) ’والناظر لكثير من أحكام الشريعة يجد أنها متدرجة إما تدرج في تأخر تاريخ فرضيتها ، وإما تسلسل في فرضيتها , فالصوم والحج والزكاة وكثير من المحظورات كتحريم الربا وغيره تأخر في تاريخ فرضيته حتى العهد المدني .
ومن الأمثلة على تسلسل التشريع تحريم الخمر فقد حرمت على أربعة مراحل:
1)التلميح:وهو تلميح للسامع بالوصف غير الحسن المفهوم من ضد الوصف الحسن ومنه قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) فتبين أن الخمر ليس رزقا حسنا على تفسير كلمة سكرا بالمسكر ، وهذا يجعل السامع الواعي يلمح الفرق بجلاء ويضعه في عتبة من عتبات التحفظ.
2)الترجيح :وهو ترجيح جانب المفسدة في الخمر على جانب المصلحة ، وفيه قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) ومعلوم أن القرآن الكريم سمى المفاسد بالذنوب والآثام وسمى المصالح بالنفع والحسنات.
3) التحريم المؤقت:وفيه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى...)
4)التحريم النهائي: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون..) وقد جاء بعد سلسلة من الإعداد والتهيئة لاجتثاث تلك العادة القبيحة والسيئة التي تربوا عليها وفطموا بها ، فياله من تشريع دقيق .
س1:هل نحن الآن محتاجون في بيان حكم الخمر والمحرمات للتدرج؟
س2: فصل رأيك في حاجتك للتدرج في دعوتك وبيانك؟
3/مراعاة المصالح:رعت الشريعة الإسلامية مصالح العباد الدينية والدنيوية ,وقامت الشريعة على هذا الأساس ،فإن مصالح العباد تنحصر في ثلاثة أنواع :مصالح ضروريةـ مصالح حاجية ـ مصالح تحسينية:وأحكام الفقه الإسلامي كلها تدور حول حماية وحفظ هذه المصالح ورعايتها إيجادا ودفعا.
4/اليسر ودفع الحرج: وهذا ملحوظ في الشريعة الإسلامية فأحكامه كلها يسر وسعة ومقدورة للبشر ،وتتجلى مظاهر يسر الشريعة فى الآتي:
أ ـ الأدلة التي أمرت باليسر ودفع الحرج والضرر، وهي كثيرة جدا في كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم (تكليف:يكلف الطلاب بحصر الآيات التي جاءت في هذا المعنى)
ب ـ الأحكام المخففة إبتداءا :جاءت أحكام الشريعة كلها مخففة في وضعها ؛فهي لائقة ومناسبة لأوضاع المكلفين وقدراتهم؛ حيث إن الطهارة والصلاة والحج والصوم والزكاة وغيرها من التكليفات التعبدية مخففة بدليل أنها لاتعجز المكلفين بها ولا تجهدهم وهم يستطيعون فعلها فالصلاة لاتستغرق سائر وقتهم ولا تأخذ عليهم كافة وضعهم والطهارة ميسورة مقدورة , والزكاة تجب بالنصاب وبالتالي لاتجب على الكل وتجب في أموال محددة لاتجب في كل الأموال والقدر المخرج من المال في الزكاة لايتجاوز في أعلى تقديره خمس المال وهو واجب في نوع واحد من الأموال قل أن تتوفر لدى الأفراد وهو مايسمى بالركاز(1)والمعدن، ويجب عشر المال في نوع من المزروع ونصف العشر في نوع آخر منه وباقي الأموال السائلة والنقدية يجب فيها ربع العشر وهي نسبة قليلة جدا .
ج ـ الأحكام المخففة لأجل أعذار وأسباب:علاوة على التخفيف الأصلي ،هناك تخفيف لأجل أسباب وأوضاع هي التي تسمى بأسباب التخفيف ([5]).فإذا حل بالمكلف سبب من هذه الأسباب تدخلت الشريعة بالتخفيف عنه والتخفيف أنواع:تخفيف تنقيص كقصر الصلاة للمسافر،وتخفيف تأخير كجمع التأخير للمسافر والمريض وتأخير الصلاة لإنقاذ الغريق أو إطفاء الحريق..الخ ، وتخفيف تقديم كجمع التقديم وكتقديم أداء الزكاة على وقت وجوبها، وتخفيف إسقاط كإسقاط الصوم والصلاة عن الحائض والنفساء وإسقاط الجمعة عن المسافر وإسقاط الجماعة عن المريض ومن يشتغل بإنقاذ غريق أو إطفاء حريق ...الخ،وتخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم لمن تعذر عليه استعمال الماء لمرض أو تأخر برء أو عدم الماء.وتخفيف تغيير كتغيير نظم الصلاة في حالة الخوف وعدم الأمن ؛فهناك صلاة في هذا الوضع تسمى صلاة المسايفة والمناشبة وهذه يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود ويكون إماء حسب المتاح الميسور. وتخفيف اضطرار وهو عموم الترخص في حالة الضرورة وفي حالة الحاجة.
د ـ عدم التكليف بالمحال أو بالشاق: وهذا ظاهر في الشريعة حيث لم تكلف أتباعها بمايشق أويستحيل عليهم فعله عقلا أو عرفا .
هـ ـ وُضِعَ عن هذه الأمة الأحكام
الثقيلة والتكليفات الشاقة التي كلفت بها الأمم السابقة مما يسمى بالآصار والأغلال([6]). وقد جاء في القرآن الكريم من وصف النبي صل
ى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة أنه يضع الأغلال والآصار قال تعالى(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف : 157 )
فهذه الأمة لم تكلف بما كلفت به الأمم السابقة من التكاليف الشاقة الثقيلة.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف تاريخ التشريع:
التاريخ:علم يهتم بدراسة الأزمنة والأحداث التي حدثت فيها والأشخاص الذين أسهموا في ذلك أو كان لهم دور معين وتأثير تلك الأحداث سواء كانت جماعية أم فردية. وهو في نهاية الأمر دراسة لماضي الأمم والحضارات.
أما التشريع :فهو مصدر للفعل شرّع (المضعف) الذي هو أحد تصاريف الفعل شرع المخفف الذي مصدره شريعة وشرعة فهو ذو اتصال وثيق بكلمة شريعة ولذا كان لا بد لنا من تعريف الشريعة:
تعريف الشريعة:
في اللغة:تطلق في أصل اللغة على معنيين الأول :مورد الماء (الطريق السهل الذي يسلك للماء) والثاني:مكان تجمع الماء ولا يسمى مكان تجمع الماء في لغة العرب شريعة إلا إذا كان سهلا منبسطا يؤخذ منه الماء دون عنت ومشقة.كما تطلق الشريعة في اللغة أيضا على عدة معان أوصلها بعضهم إلى عشرين معنى منها الطريق المستقيم والدين والمنهج والمنهج القويم وجملة القيم والمبادئ والخير والمذهب وغير ذلك.
الشريعة في الاصطلاح تطلق على معنيين الأول معنى عام وهو الدين والدين ماشرعه الله لعباده من عبادات وأرسل به الرسل وأنزل معهم الكتب ليرشدوا الناس إلى الصوب في العبادة وإلى الخير في السلوك والمعاملة,وبهذا المعنى الشريعة تطلق على الدين أصولا وفروعا وهذا المعنى دل عليه قول الله تعالى:[شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ] {الشُّورى:13} فالأنبياء اشتركت رسالاتهم ودعواتهم في أصل واحد وهو توحيد الله بالعبادة فالشريعة بهذا المعنى تطلق على أصول الدين.
المعنى الثاني معنى خاص وهو:الأحكام الشرعية العملية (الفقه) وهي بهذا المعنى تطلق على فروع الدين ومسائل العبادة الداخلية فيه الني تستقل بها كل رسالة عن غيرها ويدل على هذا المعنى قوله تعالى[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا] {المائدة:48}وقوله [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ] {الحج:34}وأخذ المعنيان من الحديث (نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد وشرائعنا شتى))أخرجه مسلم في صحيحه ) والدين هو الأحكام الشرعية ،والأحكام الشرعية على ثلاثة أنواع 1ـ أحكام شرعية اعتقادية (التوحيد) 2ـأحكام شرعية أخلاقية(تهذيب)3ـ أحكام شرعية عملية (الفقه)
ولعلك تلحظ العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي لكلمة شريعة فالشريعة في أصل اللغة تطلق على الماء وطريقه وفي الاصطلاح على الدين كله أو جزء منه والعلاقة بين الدين والماء واضحة فكما أن الماء به حياة الأبدان وبقاء الحياة فالدين به حياة الأرواح واستقامتها.
تعريف التشريع :
في اللغة إيراد الإبل شريعة الماء (عملية سقي الإبل) ولا تسمى تشريعا إلا إذا كان السقي ميسورا ودون تعب ومشقة في السقي ،ويطلق التشريع في اللغة أيضا على السن ومنه تشريع القوانين وعلى الوضع والأخذ وهو مرادف للاجتهاد والاستنباط وغير ذلك من المعاني.
التشريع في الاصطلاح يطلق على معنيين الأول :وضع شريعة مبتدأة :أي سن شريعة كاملة جديدة وهذا في الإسلام لا يملكه إلا الله قال تعالى[قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ] {الأنعام:57}وقال [وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {القصص:88}فليس من حق أحد أن يضع شريعة جديدة يتعبد بها الناس.
المعنى الثاني :أخذ حكم من شريعة قائمة .والتشريع بهذا المعنى يرادف الاجتهاد ويساويه ،بمعنى أنه عمل داخل الشريعة يعنى باستنباط الأحكام وتقعيد القواعد المساعدة في ذلك وبناء الأحكام من تلك الشريعة, وهو عمل ضخم مهم داخل الشريعة يقوم به العلماء المجتهدون وأشار إلى ذلك قول الله تعالى (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) {النساء:83}
ولعل دراستك لتاريخ التشريع تنصب على المعنى الثاني له وتكون أكثر ميلا والتصاقا بالمعنى الثاني للشريعة أيضا إذ فيها تركيز على تاريخ الفقه وهو جزء من الشريعة.
إذن فتاريخ التشريعهو علم يعنى بدراسة المراحل والأدوار والأحداث التاريخية التي مر بها التشريع الإسلامي منذ بدايته وتأثير تلك الأحداث والأشخاص المؤثرين فيها.
العلاقة بين الشريعة الإسلامية وغيرها من الشرائع
الشرائع السماوية هي الأديان التي أرسل الله بها الأنبياء السابقين كسيدنا نوح وموسى وعيسى وإبراهيم وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام الذين ختم الله رسالاتهم برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أرسله الله بالدين الخاتم الإسلام وأنزل عليه الفرقان وجعله الدين الخاتم للأديان ولن يقبل الله دينا غيره ﭧ تعالى(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران : 19 )وقال تعالى(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران : 85 )
وقد اتفقت الشرائع السماوية مع شريعة الإسلام في بعض الأمور ـ فمما اتفقت فيه أصل الإيمان وهو الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده ونبذ الشرك بالله وهذا هو الأصل الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب قال(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل : 36 ) وقال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء : 25 )فكل نبي كان محور دعوته لقومه عبادة الله وحده (ياقومى اعبدوا الله) ومما اتفقت فيه أيضا الدعوة إلى التزكية والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، وحسن التعامل. وتحريم الذنوب كالظلم والفساد والقتل، واتفقت كذلك في أصول العبادات العملية الإلزامية من حيث الدعوة لفعلها وإن كانت تختلف في طريقة ممارستها في كل أمة عن الأخرى والعبادات الإلزامية هي الأربعة ـ الصلاة قال تعالى مخاطبا موسى عليه السلام (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه : 14 )وقال تعالى في شأن وحيه للأنبياء (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء : 73 ) ـ واتفقت في الأمر بالزكاة كما في الآية السابقة ـ والصوم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 183 )ـ و الحج قال تعالى مخاطبا سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج : 27 ) ومن جملة ما اتفقت فيه ذكر الله قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَاوَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)(الأعلى 14ــ 19 ) ومما اتفقت فيه تحريم الربا فذكر تعالى أن العقوبة حلت على اليهود بسبب تعاملهم بالربا وهم قد نهوا عنه قال تعالى(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء : 161 ) ومما اتفقت فيه أيضا تحريم الزنا وعقوبة رجم الزاني كما جاء في قصة اليهودي الذي زنا ورفع أمره للرسول صلى الله عليه وسلم ([1])
ومما اختلفت فيه شريعة الإسلام مع الشرائع السابقة أن الله تعالى حرم على اليهود بعض الطيبات قال تعالى(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً) (النساء : 160 ) ، وأن الله حرم على اليهود كل ذي ظفر وحرم عليهم شحوم البقر والغنم قال تعالى(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ) (الأنعام : 146 ) وكذلك ما ورد في شأن التوبة من بني إسرائيل قال تعالى(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة : 54 ) ومنها ماورد في بعض نصوص التوراة :أنه إذا دخل رجل على حائض في خيمتها فإنه ينجس وهي نجسة والخيمة نجسة ,ومنها أن القصاص لازم في القتل العمد لا عفو فيه أبدا وأما في الشريعة الإسلامية فأولياء الدم بالخيار بين القصاص أو العفو فقد جعله الله بدلا تخفيفا عن هذه الأمة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 178 ) ومنها أيضا ماذكر من أن طهارة إزالة الخبث عند اليهود تكون بالقرض وغير ذلك.
علاقة الشريعة بالتشريع
يتفق كل من التشريع والشريعة في أنهما ينزعان إلى فعل واحد ويتفقان في مصدر الشرع والشرعة ,والشرعة المنهاج والشريعة.
وتتأكد العلاقة إذا نظرنا إلى تعريف التشريع بأنه استنباط حكم من شريعة قائمة فهو هنا نوع من الاجتهاد الذي يُعمل في الشريعة، والاجتهاد أحد الأدلة الشرعية ،والحكم الثابت به يعتبر حكما شرعيا لأنه مبنى على قواعد وضوابط شرعية ولذلك قالوا الاجتهاد إظهار للحكم وليس تأسيسا له، وبناء قواعد للاستنباط يسمى تشريعا ،وتقنين الأحكام القضائية والعقابية ومثبتاتها في مواد يسمى كذلك تشريعا،فالتشريع بهذا المفهوم عمل داخل الشريعة الإسلامية.
تعريف الفقه
في اللغة يطلق على الفهم ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود : 91 ) ويطلق على العلم ومن قوله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)(1)وأطلقه بعض علماء اللغة من الأصوليين على فهم الأشياء الدقيقة خاصة ولذلك قالوا لا تقل فقهت أن السماء فوق والأرض تحت لأنه أمر بدهي لا يحتاج إلى إعمال ذهن.
اصطلاحا عرفه الإمام أبو حنيفة بقوله: ( معرفة النفس مالها وما عليها)([2])
ولو لاحظت لهذا التعريف تجده شاملا لعلوم شتى، وهذا الإطلاق على الفقه كان في ذلك الزمن قبل أن يستقل كل علم عن الآخر وقبل أن تميز العلوم بتآليف أكثر تخصصية وتحدد الموضوعات لكل علم بدقة ،ولما أخذت العلوم أشكالا أكثر استقلالية عن بعضها وتميزت الفروع عن الأصول تميز كل علم بتعريف مستقل حدد معالمه ووضح موضوعاته بجلاء ولذلك عرف الإمام الشافعي الفقه بأنه:العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية([3]).وأنت تلحظ في هذا التعريف التخصص ؛إذ هو علم دائر في الأحكام الشرعية العملية.
موضوع علم الفقه
يتناول علم الفقه أفعال المكلفين من حيث حكمها الشرعي من كونها واجبة أم مباحة أم مكروهة أم مندوبة أم محرمة ومن حيث مدى موافقتها لمقصود الشارع فتكون صحيحة أو مخالفتها لمقتضى الشرع فتكون غير صحيحة باطلة أوفاسدة أو هما معا
علاقة الفقه بالشريعة والتشريع:
إذا نظرنا إلى تعريف الشريعة اصطلاحا فنجد أن الفقه يمثل أحد تعريفات الشريعة فهو جزء أصيل من الشريعة فإن كانت الشريعة بمعنى الدين فهو يمثل جانب الأحكام العملية(الجانب العملي) وإذ انظرنا إلى الشريعة بالمعنى الخاص فهي الفقه نفسه ,وهذا الإطلاق على الشريعة أصبح هو الأكثر تبادرا إلى الذهن ,والتشريع عمل داخل الشريعة تثبت به الأحكام الشرعية العملية التي هي الفقه فالعلاقة بين الثلاثة وطيدة جدا
حاجة الناس إلى الفقه :
الإسلام هو الدين الخاتم للأديان كلها ولن يقبل الله دينا من أحد غير الإسلام ،وقد نظم الإسلام حياة الناس في معاشهم ومعادهم وجميع أمرهم ففي قضية الاعتقاد وضع منهجا محكما يقوم على توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وحده والإيمان به إذ هذا هو معنى الوجود البشري ،وفي مجال الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحياة كلها أتى الإسلام بأفضل نظام أصلح حال الكون لما طبق في صدر الإسلام ،إنك تلحظ جليا كيف كان الوضع والحال في الجاهلية (القرون التي كانت قبل مجيء الإسلام)في كل العالم كانت الفوضى هي التي تحكم كل شيء على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمعات التي كانت المطاحنات والحروب سمتها وعيشتها،وباختصار كان الكون فوضى فأنزل الله الإسلام إصلاحا للناس وهديا ونورا واختاره ليكون هو النظام الحاكم الذي يجب قيادة البشر به [اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا ] {المائدة:3}والله تعالى هو الذي خلق الخلق ويعلم مايصلحهم وما يفسدهم وما يضرهم وما ينفعهم فاختار لهم الإسلام منهجا أكمل للحياة كلها[أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14}.فكان المسلمون بفضل الإسلام أفضل أمة وأخير شعب وأحسن حضارة عرفتها البشرية.
واليوم ما أحوج الأمم والشعوب إلى النظام الإسلامي في اعتقاده وفي نظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجميع مناحي الحياة لتهدي بهدي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم(أحسن وأوفق) في كل مناحي الحياة في الدنيا وفي الآخرة[إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] {الإسراء:9}وكم نرى في هذا العصر تيه البشرية وتخبطها ووقوعها في الظلم والظلمات وانهيار القيم والأخلاق والمبادئ ؛لأنها أعرضت عن الإسلام ذكر الله ودينه الذي ارتضاه [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] {طه:12
خصائص الفقه:
تتمتع الشريعة الإسلامية بخصائص عديدة ومميزات لم توجد في أي شريعة ،هذه المميزات التي جعلها الله فيها كانت سر صلاحيتها لكل عصر وجيل ,وكانت هي الشريعة الخاتمة ،من هذه المميزات:
1/ الربانية :فالشريعة هذه ربانية في مصدرها ومنبعها,وربانية في قصدها وغايتها وتوجهها،وتتجلى ربانية المصدر في أنها وحي من عند الله ؛فجميع أحكامها وحي متلو (القرآن) وغير متلو(السنة) فليست هي من تخرصات البشر وأقوالهم وأفعالهم وأحكامهم التي تتأثر بعوامل المزاج والهوى والمأثرات التي تحيد بهم عن تقدير الحق ،فيقع التخبط والظلم [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] إن الشريعة من عند الله خالق البشر الذي يعلم سرهم وجهرهم ،ويعلم مايفسدهم وما يصلحهم ,فهو الذي ارتضى هذه الشريعة حكما وحاكما على جميع الناس .
ولما كانت هذه الشريعة ربانية فيمصدرها كان لابد للمسلم بها أن يكون كذلك ربانيا في مصدره ,وأخذه الأحكام والتشريعات من هذه الشريعة لامن غيرها (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الحكم والنبوة ثم يقول للناس كونا عبادا لي من دون الله ولكن لونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون]79آل عمران
وتتجلى ربانية الغاية في أن المقصود بهذه الشريعة التطبيق لأحكامها تحصيلا لمرضاة الله ورحمته ,وماخلق الخلق إلا لهذا الغرض والهدف الأسمى ,وكان لابد للمسلم أن يقابل ربانية الغاية هذه بتحديد غايته وهدفه في الوجود وهو العبادة لله في كل حركاته وسكناته(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )الأنعام162
وأن يكون محركه لذلك ودافعه هو الفوز برضوان الله (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)آل عمران185
2/ الوسطية:معناها التوسط بين طرفين ,ومعناها العدل ,وعناها الخير والكمال فيه وكل هذه المعاني ملحوظة في الشريعة الإسلامية وتتجلى وسطية الشريعة في قضية الاعتقاد وفي قضية الأخلاق وفي قضية الأحكام التطبيقية المطلوبة من المكلف ،ففي الاعتقاد أمرت الشريعة بعبادة الله ونهت عن عبادة من سواه فانظر إلى اليهود كيف أساؤا إلى سيدنا عيسى عليه السلام ووصفوه بأقبح الأوصاف وانظر إلى النصارى كيف غالوا فيه وجعلوه إلها وعبدوه من دون الله فجاءت الشريعة الإسلامية وسط بين هذه التيارات وقالت إن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ،وفي مجال الأخلاق كانت وسطا بين المثاليين :الذين نظروا للإنسان ورؤا أنه ملاك وأرادوا له من الأخلاق والسلوك مالايقدر عليه ،وبين الواقعيين :الذين نظروا للإنسان وأنه حيوان مركب فيه الغريزة الحيوانية (الشهوانية) فأرادوا له من الأخلاق مالايليق به (البهيمية) فقالت الشريعة الإسلامية إن الإنسان مخلوق لله، مركب فيه روحانية الملاك وشهوانية الحيوان ،وهو بهذه التركيبة فيه استعداد للتقوى بماركب فيه من الروحانية,وفيه استعداد للفجور بماركب فيه من الحيوانية،ولذا جاءت بالوحي لتزكية الروح فيه ,وحفزته بمحفزات الوعد الحسن على التقوى والوعيد السيء في حالة الفجور (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)
أقسام الفقه الإسلامي:
ينقسم الفقه إلى أقسام متعددة باعتبارات متنوعة
أولا:أقسامه باعتبار مصدره:
ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام
1ـ ما كان مصدره دليلا قطعيا في دلالته([4])مثل وجوب الصلاة ووجوب الزكاة ووجوب الحج والصوم وحرمة الزنا والسرقة والقذف ووجوب تقسيم التركة وفق ماجاء في القرآن وغير ذلك مما جاء في القرآن والسنة أوثبت بإجماع الأمة وبالأخص الصحابة ولم يحتمل إلا معنى واحدا.فمثل هذا لا يجوز إعمال الاجتهاد فيه بنفي أو تجوير.
2ـ ما كان مصدره الدليل الظني الدلالة(2)مثل حكم صلاة الوتر وحكم قراءة الفاتحة في الصلاة ومثل العدة هل تحسب بالحيض أم بالطهر وغير ذلك من الأحكام التي تثبت بالآيات أو الأحاديث التي تحتمل ألفاظها أكثر من معنى,فمثل هذا النوع يكون الاجتهاد فيه لإثبات أحد المعاني من بين تلك المعاني ولا يكون الاجتهاد لنفي ذلك الدليل وهذا معنى قولهم لا اجتهاد مع النص.
3ـ ما كان مصدره أدلة ظنية كالقياس والمصلحة المرسلة والاستحسان والاستصحاب والعرف وغيرها من الأدلة المعتمدة في الشريعة الإسلامية فهذه الأحكام تعتبر شرعية ؛لأن تلك الأدلة المثبتة لها أدلة شرعية ,ومثل هذا الفقه محل الاجتهاد لإثبات الأحكام إذ من المعلوم أن مسائل الناس متجددة والأدلة الشرعية لم تأت بتفصيل كل حكم إنما جاءت في أكثرها قواعد عامة لتحتمل أحكام الجزئيات ومن هنا كانت الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
ثانيا:أقسامه باعتبار محتواه ومضمونه:
الفقه الإسلامي شامل لنواحي الحياة وتصريفاتها كلها وقد قسمه بعضهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام وقسمه بعضهم إلى قسمين رئيسين هما:
الأول:العبادات :وهي مجموعة الأحكام الشرعية العملية التي تنتظم في أبواب(1)فقهية تنظم علاقة المكلف(2)العملية بخالقه.والأبواب التي تضمها العبادات هي (باب أوكتاب:الطهارة ـ الصلاة ـ الزكاة ـ الحج ـ العمرة ـ الصيام ـ الأيمان وبعضهم يعبر باليمين وبعضهم بالحلف ـ النذر ـ التذكية الشرعية وهي الذبح والنحر والعقر والفعل المذهب للحياة ـ الأضحية ـ العقيقة ـ الصيد ـ الأطعمة ـ الأشربة وبعضهم يجعل الصيد وما بعده تحت عنوان الحظر والإباحة ـ وبعضهم يلحق الجهاد بهذا القسم)(3).
الثاني:المعاملات وهي مجموعة الأحكام الشرعية العملية التي تنظم علاقة المسلم بغيره سواء كان يشاركه في الدين أو يخالفه فيه.وتحت هذا القسم أنواع كثيرة من الفقه:
1ـ أحكام الأحوال الشخصية(4)وتسمى فقه الأسرة أو المناكحات وهي الأحكام الفقهية التي تهتم ببناء الأسرة وكيفية تكوينها وما ينشأ من حقوق بذلك ومن الأبواب التي تنتظمها:باب النكاح ويدخل فيه الخطبة ـ الصداق ـ الفرقة الزوجية :الطلاق ـ النشوزـ الخلع ـ التطليق ـ الظهار ـ اللعان ـ الإيلاء ـ العِدد ـ النفقة ـ الحضانة ـ الرضاع ـ الولاية ـ القسم بين الزوجات ـ الوصية ـ الميراث ..إلخ)
2ـ الأحكام المدنية وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تنظم التعامل المالي بين المسلم وغيره ويمكن تقسيمها إلى عدة أنواع:
أ) المعاوضات وتعني العقود وتضم: عقد البيع ـ الخيارات ـ بيع السلم ـ بيع الصرف ـ الربا ـ الإجارة ـ الشركات بأنواعهاـ المساقاة ـ المزارعة ـ المرابحة ـ المضاربة ـ القرض ـ الرهن ـ ويدخل فيها المال ـ الملكية
ب)التبرعات والهبات والأحباس وتضم: باب الهبة ـ الوقف ويدخل فيهما الرقبى والعمرى وأدخل الوقف والهبة حديثا في قانون الأحوال الشخصية ـ الإعارة ـ العطية ـ الوكالة ـ الكفالة ـالحوالة ـ الجعالة ـ الصلح وغيرها
ج) الأمانات وتضم الوديعة ـ اللقطة والضمان المالي.
3ـ المرافعات وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين كيفية التقاضي والتحاكم والادعاء وفصل الحكم القضائي ومن الأبواب التي تنضوي تحت هذه المجموعة (باب القضاء ـ البينات ـ الشهادة ـ الإقرار ـ الدعوى ـ القسمة وبعض الفقهاء يجعله تحت الأحكام المدنية وغير ذلك)
4ـ الجنايات وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين الفعل الذي يعد جريمة وتصف العقوبة المترتبة عليه ويلحق بعض الفقهاء بهذه المجموعة كيفية إثبات تلك الجريمة ومن الأبواب تحت هذه المجموعة باب القتل ـ القصاص في النفس وفي مادون النفس ـ باب الديات ـ القسامة ـ الضمان في الاعتداء ـ باب حد الزنا ـ القذف ـ السرقة ـ الحرابة ـ الخمر ـ الردة ـ البغي ـ التعزير)
وبعض الفقهاء كتب في ذلك القسم كتابات مستقلة تحت مسمى القضاء أو أدب القاضي أو غير ذلك من المسميات ذات الصلة.
5ـ الأحكام الدستورية وهي مجموعة أحكام شرعية عملية تبين كيفية حكم الدولة الإسلامية وما ينبغي أن يكون عليه الحكم فيها وعلاقة الحاكم بالمحكوم وتمثل باب الإمامة أو الخلافة والولاية والوزارة ويلحق بها بعضهم الجهاد وكثير من الفقهاء لم يذكروها في تبويبهم، وألف كثير منهم فيها كتبا مستقلة (1)ودمج بعضهم معها القضاء.
6ـ أحكام العلاقات الدولية:مجموعة أحكام شرعية عملية تبين علاقة الدولة المسلمة بغيرها من الدول في حالة الحرب وفي حالة السلم وألحقها الفقهاء بالقسم السابق.
7ـ الأحكام الاقتصادية :مجموعة أحكام فقهية تبين موارد ومصارف الدولة الإسلامية وحق السائل والمحروم وتضم باب الخراج والعشور وغيرها ويجعلها بعضهم في كتبا مستقلة تحت مسمى الأموال
الأسس التي قام عليها التشريع الإسلامي;
قام التشريع على أسس ودعائم متينة من أهمها
1/قلة التكاليف: التكاليف في الشريعة الإسلامية قليلة،ومما يدل على ذلك أن الأعرابي يؤمن ويتعلم أحكام الإسلام في وقت وجيز ،وهي محصورة في أمر ونهي ,والمطلوب في النهي تركه وفي الأمر فعل المستطاع منه.ومن النماذج على ذلك:أن الصلاة المفروضة محصورة العدد والزمن ولا تستغرق كل اليوم,وأن الزكاة واجبة في أنواع معينة من الأموال والقدر المخرج لاستغرق كل المال بل أعلى قدر مخرج هو خمس المال في الركاز,وكذلك الصوم المفروض إنما هو شهر واحد والواجب في اليوم الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس,والحج المفروض مرة في العمر وهو أيام معدودة ولا يستغرق كل الزمن.
2/التدرج في التشريع: لم تنزل آيات القرآن جملة واحدة وبالتالي لم تفرض التكاليف الإسلامية في وقت واحد ,وهذا لحكم وأسرار منها ماهو تشريعي كمسايرة الحوادث وسهولة التطبيق فإن الحكم المتدرج في تشريعه أدعى للتطبيق وأيسر في الفهم قال تعالى(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاًوَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان : 32ــ33 ) ’والناظر لكثير من أحكام الشريعة يجد أنها متدرجة إما تدرج في تأخر تاريخ فرضيتها ، وإما تسلسل في فرضيتها , فالصوم والحج والزكاة وكثير من المحظورات كتحريم الربا وغيره تأخر في تاريخ فرضيته حتى العهد المدني .
ومن الأمثلة على تسلسل التشريع تحريم الخمر فقد حرمت على أربعة مراحل:
1)التلميح:وهو تلميح للسامع بالوصف غير الحسن المفهوم من ضد الوصف الحسن ومنه قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) فتبين أن الخمر ليس رزقا حسنا على تفسير كلمة سكرا بالمسكر ، وهذا يجعل السامع الواعي يلمح الفرق بجلاء ويضعه في عتبة من عتبات التحفظ.
2)الترجيح :وهو ترجيح جانب المفسدة في الخمر على جانب المصلحة ، وفيه قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) ومعلوم أن القرآن الكريم سمى المفاسد بالذنوب والآثام وسمى المصالح بالنفع والحسنات.
3) التحريم المؤقت:وفيه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى...)
4)التحريم النهائي: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون..) وقد جاء بعد سلسلة من الإعداد والتهيئة لاجتثاث تلك العادة القبيحة والسيئة التي تربوا عليها وفطموا بها ، فياله من تشريع دقيق .
س1:هل نحن الآن محتاجون في بيان حكم الخمر والمحرمات للتدرج؟
س2: فصل رأيك في حاجتك للتدرج في دعوتك وبيانك؟
3/مراعاة المصالح:رعت الشريعة الإسلامية مصالح العباد الدينية والدنيوية ,وقامت الشريعة على هذا الأساس ،فإن مصالح العباد تنحصر في ثلاثة أنواع :مصالح ضروريةـ مصالح حاجية ـ مصالح تحسينية:وأحكام الفقه الإسلامي كلها تدور حول حماية وحفظ هذه المصالح ورعايتها إيجادا ودفعا.
4/اليسر ودفع الحرج: وهذا ملحوظ في الشريعة الإسلامية فأحكامه كلها يسر وسعة ومقدورة للبشر ،وتتجلى مظاهر يسر الشريعة فى الآتي:
أ ـ الأدلة التي أمرت باليسر ودفع الحرج والضرر، وهي كثيرة جدا في كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم (تكليف:يكلف الطلاب بحصر الآيات التي جاءت في هذا المعنى)
ب ـ الأحكام المخففة إبتداءا :جاءت أحكام الشريعة كلها مخففة في وضعها ؛فهي لائقة ومناسبة لأوضاع المكلفين وقدراتهم؛ حيث إن الطهارة والصلاة والحج والصوم والزكاة وغيرها من التكليفات التعبدية مخففة بدليل أنها لاتعجز المكلفين بها ولا تجهدهم وهم يستطيعون فعلها فالصلاة لاتستغرق سائر وقتهم ولا تأخذ عليهم كافة وضعهم والطهارة ميسورة مقدورة , والزكاة تجب بالنصاب وبالتالي لاتجب على الكل وتجب في أموال محددة لاتجب في كل الأموال والقدر المخرج من المال في الزكاة لايتجاوز في أعلى تقديره خمس المال وهو واجب في نوع واحد من الأموال قل أن تتوفر لدى الأفراد وهو مايسمى بالركاز(1)والمعدن، ويجب عشر المال في نوع من المزروع ونصف العشر في نوع آخر منه وباقي الأموال السائلة والنقدية يجب فيها ربع العشر وهي نسبة قليلة جدا .
ج ـ الأحكام المخففة لأجل أعذار وأسباب:علاوة على التخفيف الأصلي ،هناك تخفيف لأجل أسباب وأوضاع هي التي تسمى بأسباب التخفيف ([5]).فإذا حل بالمكلف سبب من هذه الأسباب تدخلت الشريعة بالتخفيف عنه والتخفيف أنواع:تخفيف تنقيص كقصر الصلاة للمسافر،وتخفيف تأخير كجمع التأخير للمسافر والمريض وتأخير الصلاة لإنقاذ الغريق أو إطفاء الحريق..الخ ، وتخفيف تقديم كجمع التقديم وكتقديم أداء الزكاة على وقت وجوبها، وتخفيف إسقاط كإسقاط الصوم والصلاة عن الحائض والنفساء وإسقاط الجمعة عن المسافر وإسقاط الجماعة عن المريض ومن يشتغل بإنقاذ غريق أو إطفاء حريق ...الخ،وتخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم لمن تعذر عليه استعمال الماء لمرض أو تأخر برء أو عدم الماء.وتخفيف تغيير كتغيير نظم الصلاة في حالة الخوف وعدم الأمن ؛فهناك صلاة في هذا الوضع تسمى صلاة المسايفة والمناشبة وهذه يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود ويكون إماء حسب المتاح الميسور. وتخفيف اضطرار وهو عموم الترخص في حالة الضرورة وفي حالة الحاجة.
د ـ عدم التكليف بالمحال أو بالشاق: وهذا ظاهر في الشريعة حيث لم تكلف أتباعها بمايشق أويستحيل عليهم فعله عقلا أو عرفا .
هـ ـ وُضِعَ عن هذه الأمة الأحكام
الثقيلة والتكليفات الشاقة التي كلفت بها الأمم السابقة مما يسمى بالآصار والأغلال([6]). وقد جاء في القرآن الكريم من وصف النبي صل
ى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة أنه يضع الأغلال والآصار قال تعالى(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف : 157 )
فهذه الأمة لم تكلف بما كلفت به الأمم السابقة من التكاليف الشاقة الثقيلة.
مواضيع مماثلة
» أسس التشريع الإسلامي
» كلمةالبيعة فى التشريع الإسلامي
» أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي:
» الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة بأدلتها مختصرة.
» ثالثا: التدرج في التشريع:
» كلمةالبيعة فى التشريع الإسلامي
» أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي:
» الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة بأدلتها مختصرة.
» ثالثا: التدرج في التشريع:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin