بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
عقوبة مانع الزكاة في الدنيا
صفحة 1 من اصل 1
عقوبة مانع الزكاة في الدنيا
عقوبة مانع الزكاة في الدنيا
1 – مانعو الزكاة سماهم الله مشركين فقال سبحانه: وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ [فصلت:6-7].
2 – منع الناس القطر من السماء فيا من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاة هذا المال، اتق الله فبسببك وأمثالك منع الناس القطر من السماء، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا معشر المهاجرين؛ خمس خصال، إذا ابْتُلِيتُمْ بهنَّ - وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها؛ إلاَّ فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التى لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنينَ، وشِدَّة المؤنة، وجَوْر السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلاَّ مُنِعُوا القَطْر منَ السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلاَّ سلَّطَ الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله - تعالى - ويَتَخَيَّرُوا ممَّا أنزل؛ إلاَّ جعل الله بَأْسهم بينهم))؛ أخرجه المُنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 29)، بِسَند صحيح، أو حسن، أو ما يقاربهما.
قال : ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا))، )رواه ابن ماجة (4019) وأبو نعيم في الحلية (8/333،334) ، وقال البوصيري في (الزوائد) هذا حديث صالح للعمل به وقد اختلفوا في ابن مالك وأبيه ورواه الحاكم (4/540) وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الألباني : بل هو حسن الإسناد فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة وهي إن لم تزده قوة فلا توهنه – الصحيحة 106..
وقال : ((ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين رواه الطبراني في الوسط وراته ثقات ، والحاكم والبيهقي إلا أنهما قالا: ((ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عتهم القطر)) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم – الترغيب والترهيب (1/270) ومجمع الزوائد (3/96) والسنين جمع سنة وهي الجدب والقحط
وعن جابر عن النبي قال: (( إذا أديت زكـاة مالك فقد أذهبت عنك شره( الحاكم في المستدرك 1/390 ، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي صحيح ابن خزيمة 4/13
فمَن أَدَّى الزكاة فقد صان ماله منَ السَّرِقة، والتَّلَف، وسائر صور الهلاك، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أَدَّيْتَ زكاة أموالِك فقد أذهبتَ عنك شَرَّه))؛ رواه الحاكم في "مستدركه" (1439)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
3 - تلف ماله
أخي المسلم، فأدِّ زكاة مالك طيبةً بها نفسك، أدِّ زكاة مالك معتقداً وجوبها في الإسلام، أدّ زكاة مالك طاعة لله ولرسوله، أدّ زكاة مالك ليبقى لك المال، وتزداد بركته، ويكثر خيره، ويرتفع البلاء عنك، وفي الأثر: ((وما هلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/34) من طريق عراك بن خالد ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً ، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/220، 221) : "حديث منكر ، وإبراهيم لم يدرك عبادة ، وعراك منكر الحديث ، وأبوه خالد بن يزيد أوثق منه ، وهو صدوق". وعزاه الهيثمي في المجمع (3/63) للطبراني في الأوسط من حديث عمر رضي الله عنه. وقال : "فيه عمر بن هارون وهو ضعيف". وانظر السلسلة الضعيفة (575).].
وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((ما خالطت الصدقة ـ أو قال: الزكاة ـ مالا إلا أفسدته)). قال الحافظ ابن حجر: "هذا الحديث يحتمل معنيين: أحدهما: ما تركت الزكاة في مال ولم تخرج منه إلا أهلكتها، والثاني: أن يأخذ الرجل من الزكاة فيضعها في ماله فتهلكه".فمانع الزكاة مهدد في الدنيا كذلك بزوال ماله، قال : ((ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين))، أي بالجدب والقحط
وقد حدث ذلك من قبل قال الله تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ن:17- 33].
4 - لم تقبل منه صلاة
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها:
الأولى: قول الله تعالى: أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ [النساء:59], فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية: قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ [النور:56] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى: أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أُمرتُم بإقامةِ الصلاة وإيتاء الزكاة، ومَن لم يزكِّ فلا صلاةَ له أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (693)، والطبري في تفسيره (10/87)، والطبراني في الكبير (10/103)، قال المنذري في الترغيب (1/307): "رواه الطبراني في الكبير موقوفا هكذا بأسانيد أحدها صحيح"، وتبعه الهيثمي في المجمع (3/62)، وفي سنده عنعنة أبي إسحاق السبيعي، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (465).
5 - من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت
وكان ابن عباس يقول: "من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت – أي سأل العودة إلى الحياة حتى يزكي – فقال رجل لابن عباس: اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار، فتلا ابن عباس على الرجل قول الحق سبحانه وتعالى: وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ [المنافقون:10].
عقوبة مانع الزكاة في الآخرة
1 - مثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع – وهو الثعبان - له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم أخذ بلهزمتيه أي شدقيه ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قول الحق سبحانه وتعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180].
2 - مانع الزكاة توعده الله عز وجل بالعذاب الأليم فقال سبحانه: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35-36]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).قال ابن مسعود : "لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع الله جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على جلده".
أيها المسلمون المؤمنون، إن هؤلاء الذين بخلوا على الله عز وجل ولم يؤدوا هذا المقدار البسيط الذي أوجبه الله عليهم في أموالهم، ألم يقرؤوا الوعيد بالنيران في كتاب الله عز وجل لمن بخل بما آتاه الله، قال الله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وقال النبي في تفسير الآية الأولى: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له شجاعًا أقرع ـ وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها ـ مُثّل له شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنزك)) رواه البخاري، وقال في تفسير الآية الثانية: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ : ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فتكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد)) رواه مسلم.
"مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". وعند البخاري أن هذا المتهاون المانع يستنجد يوم القيامة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُ: "يَا مُحَمَّدُ"، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ".
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا النبي الآية: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ))(البخاري (3/268) الزكاة : باب إثم مانع الزكاة وفي تفسير سورة براءة وفي الحيل في الزكاة.])، [آل عمران:180].
أي إن المال يمثل له في صورة شجاع أقرع، والشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي طال عمره وسقط شعره، والزبيبتان نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات، يطوقه ثم يأخذ بشفتيه فيقول: أنا مالك أنا كنزك.
مِلتَ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الهدَى : ((من آتَاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرَع له زبيبتان، يُطوّقه يومَ القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمَتَيه ـ يعني بشِدقَيه ـ ثم يقول: أنا مالُك أنا كنزك))، ثم تلا: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أخرجه البخاريصحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب: إثم مانع الزكاة (1403).]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ((ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضّة لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحَت له صفائِح من نار فأحمِي عليها في نار جهنَّم، فيُكوَى بها جَنبه وجبينُه وظهره، كلَّما رُدَّت أُعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة، حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، ولا صاحبِ إبلٍ لا يؤدِّي منها حقَّها ـ ومِن حقِّها حلبُها يومَ وِردِها ـ إلاّ إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قَرقَرٍ أَوفرَ ما كانَت، لا يفقِد منها فصِيلاً واحدًا، تطؤُه بأخفافِها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أخراها، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنَة، حتى يقضَى بين العباد فيرى سبيلَه إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار، ولا صاحب بَقَر ولا غنَم لا يؤدّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاع قَرقَر لا يفقِد منها شيئًا، ليس فيها عَقصاء ولا جَلحاءُ ولا عَضباء، تنطَحُه بقرونها وتطؤُه بأظلافها، كلّما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة، حتى يقضَى بين العباد فيَرى سبيلَه إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار)) أخرجه مسلمصحيح مسلم كتاب الزكاة (987).
يا لها من عقوبةٍ مغلَّظة ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة.
وعن أبي ذَر - رضي الله عنه - قال: جئتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في ظِلِّ الكعبة، فَرَآني مُقبلاً، فقال: ((همُ الأخسرون، ورب الكعبة يوم القيامة))، قال: فقلتُ: ما لي؛ لعلَّه أُنْزِل فيَّ شيءٌ، قال: فقلتُ: مَن هم فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هم الأكثرون؛ إلاَّ مَن قال: هكذا، وهكذا، فحثا بين يَدَيْه، وعن يمينه، وعَن شِمَالِه، ثم قال: والذي نفسي بِيَدِه، لا يموت رجل فَيَدَع إِبِلاً، أو بَقَرًا، لم يُؤَدِّ زكاتها إلاَّ جاءَتْهُ يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تَطَؤُه بِأَخْفافِها، وتنطحه بِقُرُونها، كلَّما نَفِدَتْ أُخْراها عادَتْ عليه أُولاَهَا، حتى يُقْضَى بين الناس))؛ التِّرمذي، أبواب الزكاة (612)، وقال: حديث حسن صحيح.
3 - أوجب الله له النار
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((مانع الزكاة يوم القيامة في النار)). أخرجه الطبراني في الصغير 2/58 .
فيا أيّها الأغنياء الفُضلاء، تذكّروا الأيتامَ والضعفاء والأراملَ والفقراء، فلهم في أموالِكم حقوق مفروضةٌ وواجبات لازمة، أنتم مسؤولون عنها ومحاسَبون عليها، يقول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: (إنّ الله فرض على أغنياءِ المسلمين في أموالِهم بقدر ما يسَع فقراءَهم، ولن يجهدَ الفقراء إذا جاعوا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإنّ الله يحاسِبهم حسابًا شديدًا) سنده جيد أخرجه سعيد بن منصور في سننه (931)، والبيهقي في الكبرى (7/23)، وروي مرفوعا إلى النبي ولا يصح، قال المنذري في الترغيب (1/306): "الموقوف أشبه".
والله الذي لا إله إلا هو لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم لما رأينا فقيراً ولا مسكيناً ولا جائعاً ولا عارياً ولا محروماً، وهذا ما حدث في عصر الخليفة العادل الإمام الزاهد عمر بن عبد العزيز ، يوم أن أقيم العدل في الأمة، ويوم أن عرف الأغنياء حق الله في أموالهم، جمعت الزكاة في عصر عمر بن عبد العزيز، وأراد عمر أن يوزعها فلم يجد فقيراً واحداً في أنحاء الأمة، عقمت أرحام الدولة العمرية أن تلد فقيراً أو مسكيناً! وكان عمر بن عبد العزيز يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقاً إلى باريس غرباً، ومن حدود سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، ومع ذلك جمع عمر بن عبد العزيز الزكاة فلم يجد مسكيناً واحداً يأخذ الزكاة، وفاض المال في بيت مال المسلمين، فأصدر عمر بن عبد العزيز أمراً بأداء الديون وقال: "اقضوا عن الغارمين"، فقضى ديون الناس ومازال المال فائضاً، فأصدر أمراً بإعتاق العبيد من بيت مال المسلمين، فأعتق العبيد ومازال المال فائضاً في خزينة الدولة، فأصدر أمراً بتزويج الشباب وقال: "أيما شاب أراد أن يتزوج فزواجه على حساب بيت مال المسلمين" تزوج الشباب وبقي المال.
تجب الزكاة في أربعة أنواع من المال: في الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، وفي عروض التجارة، وفي الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، وفي بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، فإذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة، وقد بين الله سبحانه وتعالى مصرف الزكاة في كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاء وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرّقَابِ وَٱلْغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]. فلا يجوز ولا يجزئ صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية التي بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، ولا يجوز للأغنياء ولا للأقوياء المكتسبين أن يأخذوا منها، فإن أخذوا منها فإنما يأخذون حراماً وسحتاً. في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم)).
روى الإمام مسلم والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسقِ حديقة فلان، فتنحّى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبَت ذلك الماء كلّه، فتتبَّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحوّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه)). هذا ـ عبد الله ـ رجل عرف الله، فكافأه الله على فعله.
عباد الله، الزكاة حقّ افترضه الله للفقراء في أموال الأغنياء. الزكاة فريضة المال، أوجبها الله على من ملك نصابًا من الأموال، وله المنة سبحانه في ذلك عليهم، حيث وهبهم الكثير، وجعلهم أمناء عليه، ينفذون فيه أمره، ويتسابقون في دفع الحاجة عن عباده الفقراء، آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7].
قد جربت البلاد الشيوعية نظام التأميم، ومنعت الناس من التنافس في الإنتاج، ووضعت القيود المنيعة على التملك، فكانت النتيجة أن انهارت اقتصادياتها، وغرقت في أزماتها.
وأوغلت البلاد الليبيرالية في الرأسمالية المتوحشة، ففتحت باب التنافس والتملك على مصراعيه، وأنشأت البنوك الربوية، لتكون سيفا مسلطا على رقاب الضعفاء، واستقواءً للأغنياء، حتى صار 20% من الناس تزيد ثروتهم عن ثروة 80 % منهم، ووجد منهم من يملك أزيد من 50 مليار دولار، ومن يعيش على صناديق القمامة، ووجد من الدول من دخل الفرد السنوي فيها يبلغ أزيد من 80 ألف دولار، بينما لا يتعدى 300 دولار في بعض البلاد الأخرى.
ولقد توصل الخبراء إلى أن من أسباب الأزمة المالية الأخيرة (2008)، التي ضربت الدول الغربية، ضعفَ قدرة الفقراء الشرائية، وأن الخروج من أزمة كساد الأسواق يكمن في دعم المحتاجين بالسُّيولة، ومن ثم، قاموا بتقديم قروض بدون فائدة لهؤلاء الفقراء تشجيعا لهم على الاقتناء، كما قامت الدُّول الغنيَّة بدعم بعض الدُّول الفقيرة بمنح مجانيَّة، شريطة اقتنائها سلع تلك الدُّول الغنيَّة.
وهذا - بالضبط - ما تحققه الزكاة المفروضة في المنهج الرباني، الذي أباح التملك، وفسح المجال أمام النشطين المجتهدين أن يكسبوا، ويستغنوا، إذا كان ذلك من مصدر حلال، وأنفق في الحلال، وروعي فيه حق الله تعالى وحق الفقراء. فلقد كان من الصحابة من عد من أصحاب الملايين، وربما المليارات، من أمثال عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وما ذكر التاريخ أن أحدا من المسلمين اغتاظ منهم، أو حقد عليهم، أو تظاهر احتجاجا على ثرواتهم، بل كانوا يدعون لهم بالبركة والزيادة، لأنهم كانوا يوظفون مالهم في خدمة الفقراء والمحتاجين، بل ويستعينون به على حل أزمة الدولة نفسها، كما حصل في غزوة تبوك حين احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مال لتجهيز الجيش الذي لقب بجيش العسرة، وقال لهم:" من جهز جيش العسرة فله الجنة" البخاري، فسارع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى تجهيز ثلث الجيش بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وبخمسين فرسًا. قال ابن إسحاق: "أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم يُنفِق أحد مثلها"، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار في كمه، فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن بن سمرة: "فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها في حجره ويقول: "ما ضر عثمانَ ما عمل بعد اليوم" صحيح سنن الترمذي.
ولما سمع عثمانُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حفر بئر رومة فله الجنة"، بادر إلى شرائها من يهودي بعشرين ألف درهم، وقال:"هي للمسلمين" البخاري.
وكذلك كان طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، الذي باع - يومًا - أرضًا له بثمن عال، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال: "إن رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرُق من أمر لمغرور بالله"، فدعا بعض أصحابه، وحملوا المال معه، ومضى في الشوارع يوزعها، حتى أسحر وما عنده منها درهم. وكان لا يدع أحدا من بني تيم فقيرا إلا كفاه مؤونته، ومؤونة عياله، وكان يزوج فقراءهم، ويقضي دَيْن غارمهم.
وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها، ثم يصبح فيستدين علفاً لراحلته. وكان يقول: "يا معشر التجار، ما تصنعون بالدنيا؟". وكان يلوم أبناءه حين يُولمِون للأغنياء، ولا يدعون الفقراء ويقول لهم: "تَدْعون الشِّباع، وتَدَعون الجِياع".
إن مقدار الزكاة في بلد عربي واحد بلغ أزيد من خمس مليارات دولار، وهي زكاة 230 بليون دولار يملكها 1265 شخصاً من كبار الأثرياء في هذا البلد، من أصل 57 مليار دولار قيمة زكاة الدول العربية، بحيث لو وزعت على فقراء هذه الدول الذين يبلغون قرابة 70 مليونا، لكان النصيب السنوي لكل واحد منهم قرابة 8000 درهم، وهو مبلغ كاف لبدء عمل منتج يغني عن المسألة، ويقضي على الفقر.
إن الزكاة صَمَّام أمان اقتصادي، يكفل التمويل الذاتي للأفراد، ويُقدِرهم على تقوية قدرتهم الشرائية، فتدور عجلة الاقتصاد، ويدب النشاط المالي في المجتمع، وهو ما يحتاج إلى مسؤولين مخلصين، يرقبون الله في أموال الناس، لا يعتدون عليها بالحيلة، ولا يأكلونها بالظلم والزور والطرق الملتوية، فلا تعرف الرشوة إليهم سبيلا، ولا يتخذ الفساد المالي إليهم طريقا. ولعمري إن هذا لهو الاستقلال الحقيقي، حين تستقل النفس عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين.
عن عطاء بن أبي رباح قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه، فإذا هو في مصلاه سائلةٌ دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة، إني تقلدت أمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.
ولذلك قال يحيى بن سعيد - رحمه الله -: "بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات (زكوات) إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيهم إياها، فلم نجد فيها فقيرا، ولم نجد من يأخذها منا".
وقال عمر بن أسيد - رحمه الله -: "والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس".
وذكر أحد المعاصرين أن من أسباب هذا الفائض، اندفاعَ أفراد المجتمع للعمل والإنتاج، فكثر عدد المؤدِّين للزكاة، وانخفض عدد القابضين لها".
فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح
قضاء الفوائت من الزكاة:
هناك فريقٌ منَ الناس ربما أنه نسيَ الزكاة سنين عددًا، فلم يُؤَدِّها على حقها، فَلْيَتَّقِ الله، ولْيُراجِع نفسه، ويخرجها كاملة غير منقوصة بحساب دقيق، قبل أن يعرضَ على الله - تعالى - في يوم عظيم، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]،
ما حكم مانعها؟
قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة ووجوبها فهو كافر خارج عن الإسلام، لأن فرضية الزكاة معلومة من الدين بالضرورة، وكل من أنكر ما هو معلوم من الدين فرضيته بالضرورة فهو كافر خارج عن الإسلام.
أما من أقر بوجوب الزكاة وفرضيتها ثم غلبه الشح فلم يؤدها فقد قال العلماء: يجب على الحاكم أن يأخذها منه قهرا، ويأخذ شطر ماله عقوبة، لقوله : ((من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء)).
وإذا اجتمع أهل بلد على منع الزكاة وكانت لهم شوكة وغلبة قاتلهم الحاكم حتى يأخذها منهم قهرا، كما فعل خليفة رسول الله، أبو بكر الصديق : عن أبي هريرة قال: لما توفى النبي واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق)).
في الصحيحين من حديث ابن عمر يقول : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله))( رواه البخاري (3/261) أول الزكاة وفي استتابة المرتدين ، رومسلم (1/212) الإيمان وأخرجه أبو داود في الزكاة والنسائي في الزكاة ، فضل أبي بكر الصديق.
ولذا قال الصديق : ((والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها))( في صحيح مسلم (1/207) في الإيمان : الكلام على توبة الزنديق
مَن جحَد وجوبَها كفَر، ومن منعها أخِذَت منه قَهرًا، وقيل: يأخذ الإمامُ معها الشَّطرَا، فعن بهزِ بنِ حكيم عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله قال: ((من أعطاها مؤتجِرًا فله أجرها، ومن مَنَعها فإنَّا آخذوها وشطرَ ماله، عزمةً من عزَمات ربِّنا عزّ وجلّ، لا يحلّ لآل محمّدٍ منها شيء)) أخرجه أحمد وأبو داودَ والنسائيّ وصححه الحاكم مسند أحمد (5/2)، سنن أبي داود: كتاب الزكاة، باب: في زكاة السائمة (1575) واللفظ له، سنن النسائي: كتاب الزكاة، باب: سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها (2449)، مستدرك الحاكم (1/554)، وصححه أيضا ابن خزيمة (4/18)، وحسنه الألباني في الإرواء (791).
ومَن حبسها تهاونًا وأمسَكَها تكاسلاً وكتمَها بخلاً وغيَّبها شحًّا أو أنقَصَها أو أخَّرها عن وقت وجوبها مع إمكانِ أدائها وداعي إِخراجها فهو عاصٍ وآثم ومعتدٍ وظالمٌ، لا يسلَم مِن تبِعَتها ولا يخرج من عُهدتها إلاّ بإخراجِ ما وجَب في ذمّتِه منها وتعلَّق بماله من حقِّها. ومَن مضَت عليه سنون لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاة عن جميعها والتّوبةُ والاستغفار عن تأخيرِها
على من تجب الزكاة؟
تجب الزكاة على كل مسلم، حر، مالك للنصاب، لا فرق بين الذكر والأنثى، ولا بين الصغير والكبير.
فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا لأداء هذه الفريضة طيّبة بها نفوسكم، لتفوزوا برضا ربكم الذي قال في محكم كتابه: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ [البقرة:110]،
فقدموا لأنفسكم ـ يا عباد الله ـ شيئًا تلقونه هناك، قدموا للقبر، قدموا للصراط، قدموا ليوم الفضائح والكربات، واعلموا أن من قدم خيرًا فإنما يقدم لنفسه، وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ [المزمل:20]، وقال الله تعالى: منْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
فبـادروا بزكـاة الْمـال إن بِها للنفس والمال تطهيرًا وتحصينًا
ألَم تروا أن أهل الْمـال فِي وجل يخشون مصرعهم إلا المزكّينا
فهـل تظنـون أن الله أورثكـم مالاً لتشقوا به جَمعًا وتَخزينًا
أو تقصروه علـى مرضاة أنفسكم وتَحرموا منه معدمًا ومسكينًا
مـا أنتـم غيـر أقوام سيسألكم إلهكم عن حساب المستحقينا
ولن تنـالوا نصيبًـا مـن خلافته إلا بأن تنفقـوا مِمَّا تحبّـونا
المراجع
1) الزكاة: حِكم وأحكام عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
2) أهمية الزكاة في حياة المسلم داود بن أحمد العلواني
3) الزكاة وضرر منعهاعبد الرحمن بن علي العسكر
4) د. محمد ويلالي لماذا شرع الله - تعالى - الزكاة؟
5) الزكاة ركن الإسلام الشيخ حسين شعبان وهدان
6) الــــزكــــــاةعبد الحميد بن جعفر داغستاني
7) فريضة الزكاة حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
الزكاة إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
9) الزكاة وأحكامهاعبد العظيم بن بدوي الخلفي
10) ركن الزكاة ناصر بن محمد الأحمد
11) ركن الزكاةصلاح بن محمد البدير
12) الزكاة وما يتعلق بها لخضر هامل
13) الزكاةأحمد حسن المعلم
14) الزكاةأحمد فريد
الزكاة 2 عبد الله بن ناصر الزاحم
1 – مانعو الزكاة سماهم الله مشركين فقال سبحانه: وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ [فصلت:6-7].
2 – منع الناس القطر من السماء فيا من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاة هذا المال، اتق الله فبسببك وأمثالك منع الناس القطر من السماء، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا معشر المهاجرين؛ خمس خصال، إذا ابْتُلِيتُمْ بهنَّ - وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها؛ إلاَّ فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التى لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنينَ، وشِدَّة المؤنة، وجَوْر السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلاَّ مُنِعُوا القَطْر منَ السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلاَّ سلَّطَ الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله - تعالى - ويَتَخَيَّرُوا ممَّا أنزل؛ إلاَّ جعل الله بَأْسهم بينهم))؛ أخرجه المُنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 29)، بِسَند صحيح، أو حسن، أو ما يقاربهما.
قال : ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا))، )رواه ابن ماجة (4019) وأبو نعيم في الحلية (8/333،334) ، وقال البوصيري في (الزوائد) هذا حديث صالح للعمل به وقد اختلفوا في ابن مالك وأبيه ورواه الحاكم (4/540) وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الألباني : بل هو حسن الإسناد فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة وهي إن لم تزده قوة فلا توهنه – الصحيحة 106..
وقال : ((ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين رواه الطبراني في الوسط وراته ثقات ، والحاكم والبيهقي إلا أنهما قالا: ((ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عتهم القطر)) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم – الترغيب والترهيب (1/270) ومجمع الزوائد (3/96) والسنين جمع سنة وهي الجدب والقحط
وعن جابر عن النبي قال: (( إذا أديت زكـاة مالك فقد أذهبت عنك شره( الحاكم في المستدرك 1/390 ، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي صحيح ابن خزيمة 4/13
فمَن أَدَّى الزكاة فقد صان ماله منَ السَّرِقة، والتَّلَف، وسائر صور الهلاك، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أَدَّيْتَ زكاة أموالِك فقد أذهبتَ عنك شَرَّه))؛ رواه الحاكم في "مستدركه" (1439)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
3 - تلف ماله
أخي المسلم، فأدِّ زكاة مالك طيبةً بها نفسك، أدِّ زكاة مالك معتقداً وجوبها في الإسلام، أدّ زكاة مالك طاعة لله ولرسوله، أدّ زكاة مالك ليبقى لك المال، وتزداد بركته، ويكثر خيره، ويرتفع البلاء عنك، وفي الأثر: ((وما هلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/34) من طريق عراك بن خالد ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً ، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/220، 221) : "حديث منكر ، وإبراهيم لم يدرك عبادة ، وعراك منكر الحديث ، وأبوه خالد بن يزيد أوثق منه ، وهو صدوق". وعزاه الهيثمي في المجمع (3/63) للطبراني في الأوسط من حديث عمر رضي الله عنه. وقال : "فيه عمر بن هارون وهو ضعيف". وانظر السلسلة الضعيفة (575).].
وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((ما خالطت الصدقة ـ أو قال: الزكاة ـ مالا إلا أفسدته)). قال الحافظ ابن حجر: "هذا الحديث يحتمل معنيين: أحدهما: ما تركت الزكاة في مال ولم تخرج منه إلا أهلكتها، والثاني: أن يأخذ الرجل من الزكاة فيضعها في ماله فتهلكه".فمانع الزكاة مهدد في الدنيا كذلك بزوال ماله، قال : ((ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين))، أي بالجدب والقحط
وقد حدث ذلك من قبل قال الله تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ن:17- 33].
4 - لم تقبل منه صلاة
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها:
الأولى: قول الله تعالى: أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ [النساء:59], فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية: قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ [النور:56] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى: أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أُمرتُم بإقامةِ الصلاة وإيتاء الزكاة، ومَن لم يزكِّ فلا صلاةَ له أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (693)، والطبري في تفسيره (10/87)، والطبراني في الكبير (10/103)، قال المنذري في الترغيب (1/307): "رواه الطبراني في الكبير موقوفا هكذا بأسانيد أحدها صحيح"، وتبعه الهيثمي في المجمع (3/62)، وفي سنده عنعنة أبي إسحاق السبيعي، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (465).
5 - من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت
وكان ابن عباس يقول: "من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت – أي سأل العودة إلى الحياة حتى يزكي – فقال رجل لابن عباس: اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار، فتلا ابن عباس على الرجل قول الحق سبحانه وتعالى: وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ [المنافقون:10].
عقوبة مانع الزكاة في الآخرة
1 - مثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع – وهو الثعبان - له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم أخذ بلهزمتيه أي شدقيه ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قول الحق سبحانه وتعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180].
2 - مانع الزكاة توعده الله عز وجل بالعذاب الأليم فقال سبحانه: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35-36]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).قال ابن مسعود : "لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع الله جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على جلده".
أيها المسلمون المؤمنون، إن هؤلاء الذين بخلوا على الله عز وجل ولم يؤدوا هذا المقدار البسيط الذي أوجبه الله عليهم في أموالهم، ألم يقرؤوا الوعيد بالنيران في كتاب الله عز وجل لمن بخل بما آتاه الله، قال الله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وقال النبي في تفسير الآية الأولى: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له شجاعًا أقرع ـ وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها ـ مُثّل له شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنزك)) رواه البخاري، وقال في تفسير الآية الثانية: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ : ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فتكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد)) رواه مسلم.
"مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". وعند البخاري أن هذا المتهاون المانع يستنجد يوم القيامة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُ: "يَا مُحَمَّدُ"، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ".
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا النبي الآية: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ))(البخاري (3/268) الزكاة : باب إثم مانع الزكاة وفي تفسير سورة براءة وفي الحيل في الزكاة.])، [آل عمران:180].
أي إن المال يمثل له في صورة شجاع أقرع، والشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي طال عمره وسقط شعره، والزبيبتان نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات، يطوقه ثم يأخذ بشفتيه فيقول: أنا مالك أنا كنزك.
مِلتَ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الهدَى : ((من آتَاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرَع له زبيبتان، يُطوّقه يومَ القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمَتَيه ـ يعني بشِدقَيه ـ ثم يقول: أنا مالُك أنا كنزك))، ثم تلا: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أخرجه البخاريصحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب: إثم مانع الزكاة (1403).]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ((ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضّة لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحَت له صفائِح من نار فأحمِي عليها في نار جهنَّم، فيُكوَى بها جَنبه وجبينُه وظهره، كلَّما رُدَّت أُعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة، حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، ولا صاحبِ إبلٍ لا يؤدِّي منها حقَّها ـ ومِن حقِّها حلبُها يومَ وِردِها ـ إلاّ إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قَرقَرٍ أَوفرَ ما كانَت، لا يفقِد منها فصِيلاً واحدًا، تطؤُه بأخفافِها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أخراها، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنَة، حتى يقضَى بين العباد فيرى سبيلَه إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار، ولا صاحب بَقَر ولا غنَم لا يؤدّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاع قَرقَر لا يفقِد منها شيئًا، ليس فيها عَقصاء ولا جَلحاءُ ولا عَضباء، تنطَحُه بقرونها وتطؤُه بأظلافها، كلّما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، في يومٍ كان مقداره خمسين ألفَ سنة، حتى يقضَى بين العباد فيَرى سبيلَه إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار)) أخرجه مسلمصحيح مسلم كتاب الزكاة (987).
يا لها من عقوبةٍ مغلَّظة ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة.
وعن أبي ذَر - رضي الله عنه - قال: جئتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في ظِلِّ الكعبة، فَرَآني مُقبلاً، فقال: ((همُ الأخسرون، ورب الكعبة يوم القيامة))، قال: فقلتُ: ما لي؛ لعلَّه أُنْزِل فيَّ شيءٌ، قال: فقلتُ: مَن هم فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هم الأكثرون؛ إلاَّ مَن قال: هكذا، وهكذا، فحثا بين يَدَيْه، وعن يمينه، وعَن شِمَالِه، ثم قال: والذي نفسي بِيَدِه، لا يموت رجل فَيَدَع إِبِلاً، أو بَقَرًا، لم يُؤَدِّ زكاتها إلاَّ جاءَتْهُ يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تَطَؤُه بِأَخْفافِها، وتنطحه بِقُرُونها، كلَّما نَفِدَتْ أُخْراها عادَتْ عليه أُولاَهَا، حتى يُقْضَى بين الناس))؛ التِّرمذي، أبواب الزكاة (612)، وقال: حديث حسن صحيح.
3 - أوجب الله له النار
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((مانع الزكاة يوم القيامة في النار)). أخرجه الطبراني في الصغير 2/58 .
فيا أيّها الأغنياء الفُضلاء، تذكّروا الأيتامَ والضعفاء والأراملَ والفقراء، فلهم في أموالِكم حقوق مفروضةٌ وواجبات لازمة، أنتم مسؤولون عنها ومحاسَبون عليها، يقول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: (إنّ الله فرض على أغنياءِ المسلمين في أموالِهم بقدر ما يسَع فقراءَهم، ولن يجهدَ الفقراء إذا جاعوا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإنّ الله يحاسِبهم حسابًا شديدًا) سنده جيد أخرجه سعيد بن منصور في سننه (931)، والبيهقي في الكبرى (7/23)، وروي مرفوعا إلى النبي ولا يصح، قال المنذري في الترغيب (1/306): "الموقوف أشبه".
والله الذي لا إله إلا هو لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم لما رأينا فقيراً ولا مسكيناً ولا جائعاً ولا عارياً ولا محروماً، وهذا ما حدث في عصر الخليفة العادل الإمام الزاهد عمر بن عبد العزيز ، يوم أن أقيم العدل في الأمة، ويوم أن عرف الأغنياء حق الله في أموالهم، جمعت الزكاة في عصر عمر بن عبد العزيز، وأراد عمر أن يوزعها فلم يجد فقيراً واحداً في أنحاء الأمة، عقمت أرحام الدولة العمرية أن تلد فقيراً أو مسكيناً! وكان عمر بن عبد العزيز يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقاً إلى باريس غرباً، ومن حدود سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، ومع ذلك جمع عمر بن عبد العزيز الزكاة فلم يجد مسكيناً واحداً يأخذ الزكاة، وفاض المال في بيت مال المسلمين، فأصدر عمر بن عبد العزيز أمراً بأداء الديون وقال: "اقضوا عن الغارمين"، فقضى ديون الناس ومازال المال فائضاً، فأصدر أمراً بإعتاق العبيد من بيت مال المسلمين، فأعتق العبيد ومازال المال فائضاً في خزينة الدولة، فأصدر أمراً بتزويج الشباب وقال: "أيما شاب أراد أن يتزوج فزواجه على حساب بيت مال المسلمين" تزوج الشباب وبقي المال.
تجب الزكاة في أربعة أنواع من المال: في الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، وفي عروض التجارة، وفي الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، وفي بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، فإذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة، وقد بين الله سبحانه وتعالى مصرف الزكاة في كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاء وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرّقَابِ وَٱلْغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]. فلا يجوز ولا يجزئ صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية التي بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، ولا يجوز للأغنياء ولا للأقوياء المكتسبين أن يأخذوا منها، فإن أخذوا منها فإنما يأخذون حراماً وسحتاً. في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وأرضاه قال: قال رسول الله : ((من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم)).
روى الإمام مسلم والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسقِ حديقة فلان، فتنحّى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبَت ذلك الماء كلّه، فتتبَّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحوّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه)). هذا ـ عبد الله ـ رجل عرف الله، فكافأه الله على فعله.
عباد الله، الزكاة حقّ افترضه الله للفقراء في أموال الأغنياء. الزكاة فريضة المال، أوجبها الله على من ملك نصابًا من الأموال، وله المنة سبحانه في ذلك عليهم، حيث وهبهم الكثير، وجعلهم أمناء عليه، ينفذون فيه أمره، ويتسابقون في دفع الحاجة عن عباده الفقراء، آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7].
قد جربت البلاد الشيوعية نظام التأميم، ومنعت الناس من التنافس في الإنتاج، ووضعت القيود المنيعة على التملك، فكانت النتيجة أن انهارت اقتصادياتها، وغرقت في أزماتها.
وأوغلت البلاد الليبيرالية في الرأسمالية المتوحشة، ففتحت باب التنافس والتملك على مصراعيه، وأنشأت البنوك الربوية، لتكون سيفا مسلطا على رقاب الضعفاء، واستقواءً للأغنياء، حتى صار 20% من الناس تزيد ثروتهم عن ثروة 80 % منهم، ووجد منهم من يملك أزيد من 50 مليار دولار، ومن يعيش على صناديق القمامة، ووجد من الدول من دخل الفرد السنوي فيها يبلغ أزيد من 80 ألف دولار، بينما لا يتعدى 300 دولار في بعض البلاد الأخرى.
ولقد توصل الخبراء إلى أن من أسباب الأزمة المالية الأخيرة (2008)، التي ضربت الدول الغربية، ضعفَ قدرة الفقراء الشرائية، وأن الخروج من أزمة كساد الأسواق يكمن في دعم المحتاجين بالسُّيولة، ومن ثم، قاموا بتقديم قروض بدون فائدة لهؤلاء الفقراء تشجيعا لهم على الاقتناء، كما قامت الدُّول الغنيَّة بدعم بعض الدُّول الفقيرة بمنح مجانيَّة، شريطة اقتنائها سلع تلك الدُّول الغنيَّة.
وهذا - بالضبط - ما تحققه الزكاة المفروضة في المنهج الرباني، الذي أباح التملك، وفسح المجال أمام النشطين المجتهدين أن يكسبوا، ويستغنوا، إذا كان ذلك من مصدر حلال، وأنفق في الحلال، وروعي فيه حق الله تعالى وحق الفقراء. فلقد كان من الصحابة من عد من أصحاب الملايين، وربما المليارات، من أمثال عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وما ذكر التاريخ أن أحدا من المسلمين اغتاظ منهم، أو حقد عليهم، أو تظاهر احتجاجا على ثرواتهم، بل كانوا يدعون لهم بالبركة والزيادة، لأنهم كانوا يوظفون مالهم في خدمة الفقراء والمحتاجين، بل ويستعينون به على حل أزمة الدولة نفسها، كما حصل في غزوة تبوك حين احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مال لتجهيز الجيش الذي لقب بجيش العسرة، وقال لهم:" من جهز جيش العسرة فله الجنة" البخاري، فسارع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى تجهيز ثلث الجيش بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وبخمسين فرسًا. قال ابن إسحاق: "أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم يُنفِق أحد مثلها"، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار في كمه، فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن بن سمرة: "فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها في حجره ويقول: "ما ضر عثمانَ ما عمل بعد اليوم" صحيح سنن الترمذي.
ولما سمع عثمانُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حفر بئر رومة فله الجنة"، بادر إلى شرائها من يهودي بعشرين ألف درهم، وقال:"هي للمسلمين" البخاري.
وكذلك كان طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، الذي باع - يومًا - أرضًا له بثمن عال، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال: "إن رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرُق من أمر لمغرور بالله"، فدعا بعض أصحابه، وحملوا المال معه، ومضى في الشوارع يوزعها، حتى أسحر وما عنده منها درهم. وكان لا يدع أحدا من بني تيم فقيرا إلا كفاه مؤونته، ومؤونة عياله، وكان يزوج فقراءهم، ويقضي دَيْن غارمهم.
وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها، ثم يصبح فيستدين علفاً لراحلته. وكان يقول: "يا معشر التجار، ما تصنعون بالدنيا؟". وكان يلوم أبناءه حين يُولمِون للأغنياء، ولا يدعون الفقراء ويقول لهم: "تَدْعون الشِّباع، وتَدَعون الجِياع".
إن مقدار الزكاة في بلد عربي واحد بلغ أزيد من خمس مليارات دولار، وهي زكاة 230 بليون دولار يملكها 1265 شخصاً من كبار الأثرياء في هذا البلد، من أصل 57 مليار دولار قيمة زكاة الدول العربية، بحيث لو وزعت على فقراء هذه الدول الذين يبلغون قرابة 70 مليونا، لكان النصيب السنوي لكل واحد منهم قرابة 8000 درهم، وهو مبلغ كاف لبدء عمل منتج يغني عن المسألة، ويقضي على الفقر.
إن الزكاة صَمَّام أمان اقتصادي، يكفل التمويل الذاتي للأفراد، ويُقدِرهم على تقوية قدرتهم الشرائية، فتدور عجلة الاقتصاد، ويدب النشاط المالي في المجتمع، وهو ما يحتاج إلى مسؤولين مخلصين، يرقبون الله في أموال الناس، لا يعتدون عليها بالحيلة، ولا يأكلونها بالظلم والزور والطرق الملتوية، فلا تعرف الرشوة إليهم سبيلا، ولا يتخذ الفساد المالي إليهم طريقا. ولعمري إن هذا لهو الاستقلال الحقيقي، حين تستقل النفس عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين.
عن عطاء بن أبي رباح قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه، فإذا هو في مصلاه سائلةٌ دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة، إني تقلدت أمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.
ولذلك قال يحيى بن سعيد - رحمه الله -: "بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات (زكوات) إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيهم إياها، فلم نجد فيها فقيرا، ولم نجد من يأخذها منا".
وقال عمر بن أسيد - رحمه الله -: "والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس".
وذكر أحد المعاصرين أن من أسباب هذا الفائض، اندفاعَ أفراد المجتمع للعمل والإنتاج، فكثر عدد المؤدِّين للزكاة، وانخفض عدد القابضين لها".
فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح
قضاء الفوائت من الزكاة:
هناك فريقٌ منَ الناس ربما أنه نسيَ الزكاة سنين عددًا، فلم يُؤَدِّها على حقها، فَلْيَتَّقِ الله، ولْيُراجِع نفسه، ويخرجها كاملة غير منقوصة بحساب دقيق، قبل أن يعرضَ على الله - تعالى - في يوم عظيم، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]،
ما حكم مانعها؟
قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة ووجوبها فهو كافر خارج عن الإسلام، لأن فرضية الزكاة معلومة من الدين بالضرورة، وكل من أنكر ما هو معلوم من الدين فرضيته بالضرورة فهو كافر خارج عن الإسلام.
أما من أقر بوجوب الزكاة وفرضيتها ثم غلبه الشح فلم يؤدها فقد قال العلماء: يجب على الحاكم أن يأخذها منه قهرا، ويأخذ شطر ماله عقوبة، لقوله : ((من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء)).
وإذا اجتمع أهل بلد على منع الزكاة وكانت لهم شوكة وغلبة قاتلهم الحاكم حتى يأخذها منهم قهرا، كما فعل خليفة رسول الله، أبو بكر الصديق : عن أبي هريرة قال: لما توفى النبي واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق)).
في الصحيحين من حديث ابن عمر يقول : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله))( رواه البخاري (3/261) أول الزكاة وفي استتابة المرتدين ، رومسلم (1/212) الإيمان وأخرجه أبو داود في الزكاة والنسائي في الزكاة ، فضل أبي بكر الصديق.
ولذا قال الصديق : ((والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها))( في صحيح مسلم (1/207) في الإيمان : الكلام على توبة الزنديق
مَن جحَد وجوبَها كفَر، ومن منعها أخِذَت منه قَهرًا، وقيل: يأخذ الإمامُ معها الشَّطرَا، فعن بهزِ بنِ حكيم عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله قال: ((من أعطاها مؤتجِرًا فله أجرها، ومن مَنَعها فإنَّا آخذوها وشطرَ ماله، عزمةً من عزَمات ربِّنا عزّ وجلّ، لا يحلّ لآل محمّدٍ منها شيء)) أخرجه أحمد وأبو داودَ والنسائيّ وصححه الحاكم مسند أحمد (5/2)، سنن أبي داود: كتاب الزكاة، باب: في زكاة السائمة (1575) واللفظ له، سنن النسائي: كتاب الزكاة، باب: سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها (2449)، مستدرك الحاكم (1/554)، وصححه أيضا ابن خزيمة (4/18)، وحسنه الألباني في الإرواء (791).
ومَن حبسها تهاونًا وأمسَكَها تكاسلاً وكتمَها بخلاً وغيَّبها شحًّا أو أنقَصَها أو أخَّرها عن وقت وجوبها مع إمكانِ أدائها وداعي إِخراجها فهو عاصٍ وآثم ومعتدٍ وظالمٌ، لا يسلَم مِن تبِعَتها ولا يخرج من عُهدتها إلاّ بإخراجِ ما وجَب في ذمّتِه منها وتعلَّق بماله من حقِّها. ومَن مضَت عليه سنون لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاة عن جميعها والتّوبةُ والاستغفار عن تأخيرِها
على من تجب الزكاة؟
تجب الزكاة على كل مسلم، حر، مالك للنصاب، لا فرق بين الذكر والأنثى، ولا بين الصغير والكبير.
فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا لأداء هذه الفريضة طيّبة بها نفوسكم، لتفوزوا برضا ربكم الذي قال في محكم كتابه: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ [البقرة:110]،
فقدموا لأنفسكم ـ يا عباد الله ـ شيئًا تلقونه هناك، قدموا للقبر، قدموا للصراط، قدموا ليوم الفضائح والكربات، واعلموا أن من قدم خيرًا فإنما يقدم لنفسه، وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ [المزمل:20]، وقال الله تعالى: منْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
فبـادروا بزكـاة الْمـال إن بِها للنفس والمال تطهيرًا وتحصينًا
ألَم تروا أن أهل الْمـال فِي وجل يخشون مصرعهم إلا المزكّينا
فهـل تظنـون أن الله أورثكـم مالاً لتشقوا به جَمعًا وتَخزينًا
أو تقصروه علـى مرضاة أنفسكم وتَحرموا منه معدمًا ومسكينًا
مـا أنتـم غيـر أقوام سيسألكم إلهكم عن حساب المستحقينا
ولن تنـالوا نصيبًـا مـن خلافته إلا بأن تنفقـوا مِمَّا تحبّـونا
المراجع
1) الزكاة: حِكم وأحكام عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
2) أهمية الزكاة في حياة المسلم داود بن أحمد العلواني
3) الزكاة وضرر منعهاعبد الرحمن بن علي العسكر
4) د. محمد ويلالي لماذا شرع الله - تعالى - الزكاة؟
5) الزكاة ركن الإسلام الشيخ حسين شعبان وهدان
6) الــــزكــــــاةعبد الحميد بن جعفر داغستاني
7) فريضة الزكاة حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
الزكاة إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
9) الزكاة وأحكامهاعبد العظيم بن بدوي الخلفي
10) ركن الزكاة ناصر بن محمد الأحمد
11) ركن الزكاةصلاح بن محمد البدير
12) الزكاة وما يتعلق بها لخضر هامل
13) الزكاةأحمد حسن المعلم
14) الزكاةأحمد فريد
الزكاة 2 عبد الله بن ناصر الزاحم
مواضيع مماثلة
» فضل الزكاة وعقوبة مانعها فى الدنيا والآخرة للشيخ سعد الشها
» لا مانع من نوم المحرم قبل أداء النسك
» الأوقاف: لا مانع من إقامة صلاة العيد أمام السفارة الإسرائيلية
» على من تجب الزكاة؟
» الزكاة من الإسلام:-
» لا مانع من نوم المحرم قبل أداء النسك
» الأوقاف: لا مانع من إقامة صلاة العيد أمام السفارة الإسرائيلية
» على من تجب الزكاة؟
» الزكاة من الإسلام:-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin