بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام
".
خامساً : الهجرة
وهى أو إلى دار أمن و أمان لأهل الإيمان و لا يجهل أحد جواز هذا الأمر ، فالكل يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و هجرة المسلمين إليها ، و قبل ذلك كانت هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة لما ازداد اضطهاد قريش لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه " أ . هـ .
يقول ابن قدامة المقدسى – رحمه الله – عن حكم الهجرة : وحكم الهجرة باق إلى يوم القيامة فى قول عامة أهل العلم ، و قال قوم قد انقطعت الهجرة أ . هـ .
ثم انتصر للقول ببقائها ، ثم شرع فى بيان تفصيل حكمها فقال : " فالناس فى الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدهما : من تجب عليه و هو من يقدر عليها و لا يمكنه إظهار دينه و لا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم ؟ قالوا كنا مستضعفين فى الأرض ، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيراً " .
و هذا وعيد شديد يدل على الوجوب ، لأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، و الهجرة من ضرورة الواجب و تتمته و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثانى : من لا هجرة عليه و هو من يعجز عنها ، إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء ، و الولدان ، و شبههم ، فهذا لا هجرة عليه لقول الله تعالى : " إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفواً غفوراً " و لا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها .
و الثالث : من تستحب له و لا تجب عليه و هو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه و إقامته فى دار الكفر فتستحب له ليتمكن من جهادهم و تكثير المسلمين و معونتهم و يتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم و رؤية المنكر بينهم و لا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة و قد كان العباس عم النبى صلى الله عليه و سلم مقيماً بمكة مع إسلامه و روينا أن نعيم النحام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدى فقالوا له أقم عندنا و أنت على دينك و نحن نمنعك ممن يريد أذاك و اكفنا ما كنت تكفينا ، و كان يقوم بيتامى بنى عدى و أرامله فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد فقال له النبى صلى الله عليه و سلم : " قومك كانوا خيراً لك من قومى لى ، قومى أخرجونى و أرادوا قتلى ، و قومك حفظوك و منعوك " فقال يا رسول الله بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله و جهاد عدوه و قومى ثبطونى عن الهجرة و طاعة الله ، و نحو هذا القول . أ . هـ .
فالهجرة قد تجب أو تستحب أو لا تجب على حسب أحوال أهل الإسلام و المصالح المترتبة عليها ، ويوضح ذلك ما أجاب به الإمام الرملى الشافعى على سؤال عن مدى وجوب الهجرة على المسلمين الساكنين ببلدة أراغون الأندلسية " وهم تحت ذمة سلطان نصرانى قد سلط عليها و يأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبون منها و لم يتعد عليهم بظلم لا فى أموالهم أو أنفسهم ، و لهم جوامع يصلون فيها و يظهرون شعائر الإسلام عياناً و يقيمون شعائر الله جهراً .. فقال الإمام الرملى : بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم ، لقدرتهم على إظهار دينهم به ، و لأنه صلى الله عليه و سلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينهم بها ، بل لا تجوز الهجرة منه ، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم ، و لأنه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب " . أ . هـ .
سادساً : طلب النصرة
فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يعرض نفسه الكريمة على أحياء العرب فى مواسم الحج ليؤوه و ينصروه و يمنعوه ممن كذبه و خالفه و لم يجبه أحد لما ذخر الله تعالى للأنصار من الكرامة .
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله – قال بن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أى من الطائف بعد أن رفضوا نصره ) مكة و قومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلاً مستضعفين ممن آمن به فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه فى المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله – عز و جل – و يخبرهم أنه نبى مرسل و يسألهم أن يصدقوه و يمنعوه حتى يبين على الله ما بعثه عنه ( .... ) و قال موسى بن عتبة عن الزهرى : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم فى تلك السنين يعرض على قبائل العرب فى كل موسم ، و يكلم كل شريف قوم ، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه و يمنعوه و يقول : " لا أكره أحداً منكم على شىء ، من رضى منكم بالذى أدعوه إليه فذلك ، و من كره لم أكرهه ، إنما أريد أن تحرزونى فيما يراد لى من القتل حتى أبلغ رسالة ربى ، و حتى يقضى الله لى و لمن صحبنى بما شاء " فلم يقبله أحد منهم . و ما يأت أحد من تلك القبائل إلا قال : قوم الرجل أعلم به ، أترون أن رجلاً يصلحنا فقد فسد قومه و لفظوه ؟! و كان ذلك مما ذخره الله للأنصار و أكرمهم به .
و قد روى الحافظ أبو نعيم عن طريق عبد الله بن الأحلج ويحيى بن سعيد الأموى كليهما عن محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس عن العباس . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أرى عندك ولا عند أخيك منعة فهل أنت مخرجى إلى السوق غداً حتى نقر إلى منازل قبائل الناس " و كانت مجمع العرب ، قال : فقلت : هذه كندة و لفها و هى أفضل من يحج البيت من اليمن ، و هذه منازل بكر بن وائل ، و هذه منازل عامر بن صعصعة ، فاختر لنفسك ؟ قال : فبدأ بكندة فأتاهم ، فقال ممن القوم ؟ قالوا : من أهل اليمن . قال : من أى اليمن ؟ قالوا : من كندة . قال : من أى كندة ؟ قالوا : من بنى عمرو بن معاوية ، قال : فهل لكم إلى خير ؟ قالوا : و ما هو ؟ قال : " تشهدون ألا إله إلا الله و تقيمون الصلاة و تؤمنون بما جاء من عند الله " قال عبد الله بن الأجلح : و حدثنى أبى عن أشياخ قومه أن كندة قالت له إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الملك لله يجعله حيث يشاء " فقالوا : لا حاجة لنا فبما جئتنا به . وقال الكلبى : فقالوا : أجئتنا لتصدنا عن آلهتنا و ننابذ العرب . إلحق بقومك فلا حاجة لنا بك . فانصرف من عندهم فأتى بكر بن وائل فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من بكر بن وائل . فقال من أى بكر بن وائل ؟ قالوا من بنى قيس بن ثعلبة قال : كيف العدد ؟ قالوا : كثير مثل الثرى . قال : فكيف المنعة ؟ قالوا : لا منعة ، جاورنا الفرس فنحن لا نمتنع منهم و لا نجير عليهم . قال " فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم و تستنكحوا نساءهم و تستعيدوا أبناءهم أن تسبحوا لله ثلاثاً و ثلاثين ، و تحمدوه ثلاثاً و ثلاثين ، و تكبروه أربعاً و ثلاثين " قالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا رسول الله . ثم انطلق فلما ولى عنهم قال الكلبى : و كان عمه أبو لهب يتبعه فيقول للناس لا تقبلوا قوله ، ثم مر أبو لهب فقالوا : هل تعرف هذا الرجل ؟ قال : نعم ، هذا فى الذروة منا ، أى شأنه تسألون ؟ فأخبروه بما دعاهم إليه و قالوا : زعم أنه رسول الله قال : ألا لا ترفعوا برأسه قولاً ، فإنه مجنون يهذى من أم رأسه . قالوا : قد رأينا ذلك حين ذكر من أمر فارس ما ذكر . أ . هـ .
ثم أذن الله فى قدوم الأنصار عاماً بعد عام فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على نصرته و تحول إليهم فى دارهم و أقام دولته .
سابعاً : الصلح و الهدنة و الموادعة
و هو خيار نبوى جاء مصداقاً لقوله تعالى : " و إن جنحوا للسلم فاجنح لها " الانفال ـ 61 قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – و معنى الهدنة أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدة بعوض أو بغير عوض و تسمى مهادنة و موادعة و معاهدة و ذلك جائز بدليل قول الله تعالى : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) وقال سبحانه ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) .المغنى 10ـ 517
و يقول أيضاً : و إذا عقد الهدنة لزمه الوفاء بها لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) و قال تعالى : ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) و لأنه لم يف بها لم يسكن إلى عقده و قد يحتاج إلى عقدها أ .هـ .المغنى 10ـ521
و قال الأمير الصنعانى تعليقاً على صلح الحديبية : الحديث دليل على جواز مهادنة المسلمين و أعدائهم من المشركين مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام و إن كره ذلك أصحابه أ . هـ سبل السرم 4ـ 1379
و يقول الإمام بن القيم – رحمه الله – عن الفوائد الفقهية فى صلح الحديبية :و منها جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه و لا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم . أ . هـ .زاد الميعاد 2ــ 128
و المهادنة رغم أنها خيار نبوى قد نجد من يرفض إمكانية وقوعها بل و قد يأنف من مجرد ذكر لفظها ، لأنه يعدها من قبيل التنازل عما لا يصح التنازل عنه من أحكام الدين و يعتبرها نوعاً من الموالاة الممنوعة ، و صاحب هذا الفهم جانبه الصواب ، فلا حرج فى القول بجواز المهادنة فهذا تعبير لم يأنف أحد من الفقهاء من ذكره لأنهم يعلمون أن النبى صلى الله عليه و سلم قد هادن و وادع أقواماً له مخالفين .
و نعجب ممن يرفض هذا الخيار رغم أنه من هدى النبى الكريم صلى الله عليه و سلم كما نعجب من غفلته عن حكمة تقرير هذا الخيار و التى تدور حول تحقيق مصالح أهل الدين و التى تفرضها معطيات الواقع و مستجداته و التى ربما أدت إلى ظهور أعداء جدد أو طروء تهديد من جهة أخرى أشد خطورة من طرف آخر ، أو حدوث تغير فى المواقف مما يرجى معه ممن يصالح أن يصير نصيراً للدين أو يصبح سيفاً على من يريده بسوء إلى غير ذلك من الأمور التى قد تطرأ و تحتاج إلى تفاعل شرعى سديد معها .
و لا تناقض بين إتمام المهادنة و المصالحة و الاستمساك بأحكام الشرع الحنيف و الحفاظ على الموالاة ، ففارق بين وضع القتال و تصحيح مذاهب و عقائد من تقع معهم المعاهدة ، فقد صالح رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً و لم يكن فى ذلك إهدار لحكم شرعى أو وقوع فى موالاة ممنوعة أو تصحيح لمذاهب باطلة و على هديه صلى الله عليه وسلم فلنسر .
ثامناً : التعايش
لقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخيار لأصحابه المهاجرين إلى الحبشة : بعدما اشتد الإيذاء عليهم فى مكة فقال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه " أ . هـ . ومن المعلوم أنهم سيذهبون إلى بلد تدين بغير الإسلام و ملكها لا يحكم بما أنزل الله وكان من المتوقع أن تؤلب عليهم قريش هذا الملك حتى تستعيدهم وهو ما حدث و وقع .
ولقد استمر المهاجرون إلى الحبشة على تلك السياسة حتى بعد أن هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشرع الله الجهاد ، لقد استمرت هذه السياسة ولم يرسل إليهم النبى صلى الله عليه و سلم بتغييرها رغم أن النجاشى كان فى ظاهر الأمر على دين قومه ولم يكن حاكماً بشريعة الإسلام ، لأن صحابة النبى صلى الله عليه و سلم كانوا يدركون أنه فى حكم المكره على ذلك ، وأن المصلحة فى بقائه على هذا الحال الذى يوفر لهم الأمان وأنهم لو حاولوا أن يحملوه على الحكم بما أنزل الله فلن يستطيع أو يستطيعوا ، وإن وافقهم على ذلك لخلعه قومه و نكلوا به وبالمسلمين هناك .
فتعايش صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحبشة مع النجاشى قبل أن يسلم وأيضاً مع النظام القائم هناك بعد أن أسلم واخفى إسلامه ، ولقد كانوا فى الحالين مخلصين لدينهم محافظين على عقيدتهم لا يداهنون أحداً على حسابها ، ويكفى أن نستمع إلى الحوار الذى دار بين جعفر بن أبى طالب و النجاشى لنعلم و لنتعلم كيف يكون الدفاع عن العقيدة والثبات عليها وعدم التفريط فيها ،
يروى ابن كثير فى البداية والنهاية : وأرسل إليهم النجاشى فجمعهم ولم يكن شىء أبغض لعمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة من أن يسمع كلامهم فلما جاءهم رسول النجاشى إجتمع القوم – أى المسلمين – فقالوا : ماذا تقولون ؟ فقالوا : وماذا نقول ؟ نقول : والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن من ذلك ما كان ، فلما دخلوا عليه كان الذى يكلمه منهم جعفر بن أبى طالب – رضى الله عنه – فقال له النجاشى : ما هذا الدين الذى أنتم عليه ؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا فى يهودية و لا نصرانية .
فقال له جعفر : أيها الملك كنا قوماً على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسىء الجوار ويستحل المحارم بعضنا من بعض فى سفك الدماء و غيرها ، لا نحل شيئاً و لا نحرمه . فبعث الله لنا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه و صدقه و أمانته . فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ، و نصل الأرحام ، و نحمى الجوار ، و نصلى لله عز وجل ، ونصوم له و لا نعبد غيره .
وقال زياد عن ابن اسحاق : فدعانا إلى الله لنوحده و نعبده و نخلع ما كنا نعبد نحن و آباؤنا من دونه من الحجارة و الأوثان ، و أمرنا بصدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الأرحام و حسن الجوار و الكف عن المحارم و الدماء ، و نهانا عن الفواحش و قول الزور و أكل مال اليتيم و قذف المحصنة و أمرنا أن نعبد الله و لا نشرك به شيئاً ، و أمرنا بالصلاة و الزكاة و الصيام . قال – فعدو عليه أمور الإسلام – فصدقناه و آمنا به و اتبعناه على ما جاء به من عند الله ، فعبدنا الله وحده لا شريك له – لم نشرك به شيئاً و حرمنا ما حرم علينا و أحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا يفتنونا عن ديننا و يردونا عن عبادة الأوثان من عبادة الله ، و أن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا و ظلمونا و ضيقوا علينا و حالوا بيننا و بين ديننا خرجنا إلى بلادك و اخترناك عن من سواك ، ورغبنا فى جوارك و رجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قال : فقال النجاشى : هل معك شىء مما جاء به ؟ و قد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله .
فقال له جعفر : نعم ، قال : هلم فاتل على مما جاء به ، فقرأ عليه صدراً من سورة مريم فبكى و الله النجاشى حتى اخضلت لحيته و بكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التى جاء بها موسى ، إنطلقوا راشدين ، لا و الله لا أردهم عليكم و لا أنعمكم عيناً . فخرجنا من عنده و كان أبقى الرجلين فينا عبد الله بن ربيعة فقال عمرو بن العاص : و الله لآتينه غداً بما استأصل به خضراءهم ، و لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذى يعبد ، عيسى بن مريم عبد . فقال له عبد الله بن أبى ربيعة : لا تفعل فإنهم و إن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً و لهم حقاً ، فقال : والله لأفعلن ! فلما كان الغد دخل عليه فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون فى عيسى قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم فسلهم عنه . فبعث و الله إليهم و لم ينزل بنا مثلها ، فقال بعضنا لبعض : ماذا تقولون له فى عيسى إن هو يسألكم عنه ؟ فقالوا : نقول و ال فدخلوا عليه و عنده بطارقته فقال : ما تقولون فى عيسى بن مريم ؟ فقال له جعفر : نقول هو عبد الله و رسوله و روحه و كلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، فدلى النجاشى يده إلى الأرض فأخذ عوداً بين إصبعيه فقال ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته . فقال و إن تناخرتم .البداية والنهاية 2ـ88
إن هذه العلاقة التعايشية التى تحقق الأمان للفئة المؤمنة مع احتفاظها بتميزها و صفاء عقيدتها خيار جدير بالانتباه إليه متى وجد الطرف الآخر الذى لا يظلم عنده أحد له الذى قاله الله فيه ، و الذى أمرنا نبينا أن نقوله فيه
تاسعاً : الإعتزال و الحياد
و لا يقصد به اعتزال الناس و ترك مخالطتهم و لكن نقصد اعتزال الدخول فى صراع قائم بين أطراف آخرين و الوقوف على الحياد بينهم . وهذا الخيار دل عليه أمر النبى صلى الله عليه و سلم باعتزال المقاتلين فى قتال الفتنة والصراع على الدنيا و الملك و لقد وردت فى هذا أحاديث كثيرة نكتفى بأحدها :
عن عبد الله بن حباب رضى الله عنه قال : سمعت أبى يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (تكون فتنة فكن فيها عبد الله المقتول ولا تكن القاتل) اخرجه أحمد و الدارقطنى قال الأمير الصنعانى: والحديث دليل على ترك القتال عند ظهور الفتن والتحذير من الدخول فيها ، قال القرطبى : إختلف السلف فى ذلك ، فذهب سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمرو و محمد بن سلمة و غيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة ، فمنهم من قال أنه يجب عليه أن يلزم وقالت طائفة يجب عليه التحول من بلد الفتنة أصلاً ، ومنهم من قال يدافع عن نفسه وعن أهله وعن ماله وهو معذور إن قَتَل أو قتل وذهب جمهور الصحابة و التابعين إلى وجوب نصر الحق و قتال الباغين و حملوا هذه الأحاديث على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة الحق ، وقال بعضهم بالتفصيل وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال حينئذ ممنوع وتنزل الأحاديث على هذا وهو قول الأوزاعى .
وقال الطبرى : إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب و من أعان المبطل أخطأ و إن أشكل الأمر فهى الحالة التى ورد النهى عن القتال فيها و قيل : إن النهى إنما هو فى آخر الزمان حيث تكون المقاتلة لطلب الملك . أ . هـ . سبل السلام 4ـ 1328, 1329
و هذا الاعتزال يحتاج لتدقيق كى يقع فى موقعه الصحيح حتى لا يحجم المرء عن أمر واجب عليه أو يقدم على أمر و هو مأمور بالبعد عنه
عاشراً : الردع و الجهاد
وهذا الخيار ينطلق من قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم و أنتم لا تظلمون الانفال 60 و قوله تعالى: إنفروا خفافاً و ثقالاً و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون التوبة 41
و الآيات و الأحاديث الدالة على ذلك الخيار كثيرة و متعددة و سيرة النبى فى الجهاد واضحة و بينة .
فهذه بعض الخيارات و السياسات النبوية الراشدة ذكرنا منها عشرة خيارات لكل خيار منها فقهه و أحكامه التى تنظمه و توضحه ، و تحدد للمؤمنين متى يسلكونه و متى ينتهون عن انتهاجه
خامساً : الهجرة
وهى أو إلى دار أمن و أمان لأهل الإيمان و لا يجهل أحد جواز هذا الأمر ، فالكل يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و هجرة المسلمين إليها ، و قبل ذلك كانت هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة لما ازداد اضطهاد قريش لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه " أ . هـ .
يقول ابن قدامة المقدسى – رحمه الله – عن حكم الهجرة : وحكم الهجرة باق إلى يوم القيامة فى قول عامة أهل العلم ، و قال قوم قد انقطعت الهجرة أ . هـ .
ثم انتصر للقول ببقائها ، ثم شرع فى بيان تفصيل حكمها فقال : " فالناس فى الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدهما : من تجب عليه و هو من يقدر عليها و لا يمكنه إظهار دينه و لا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم ؟ قالوا كنا مستضعفين فى الأرض ، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيراً " .
و هذا وعيد شديد يدل على الوجوب ، لأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، و الهجرة من ضرورة الواجب و تتمته و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثانى : من لا هجرة عليه و هو من يعجز عنها ، إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء ، و الولدان ، و شبههم ، فهذا لا هجرة عليه لقول الله تعالى : " إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفواً غفوراً " و لا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها .
و الثالث : من تستحب له و لا تجب عليه و هو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه و إقامته فى دار الكفر فتستحب له ليتمكن من جهادهم و تكثير المسلمين و معونتهم و يتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم و رؤية المنكر بينهم و لا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة و قد كان العباس عم النبى صلى الله عليه و سلم مقيماً بمكة مع إسلامه و روينا أن نعيم النحام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدى فقالوا له أقم عندنا و أنت على دينك و نحن نمنعك ممن يريد أذاك و اكفنا ما كنت تكفينا ، و كان يقوم بيتامى بنى عدى و أرامله فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد فقال له النبى صلى الله عليه و سلم : " قومك كانوا خيراً لك من قومى لى ، قومى أخرجونى و أرادوا قتلى ، و قومك حفظوك و منعوك " فقال يا رسول الله بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله و جهاد عدوه و قومى ثبطونى عن الهجرة و طاعة الله ، و نحو هذا القول . أ . هـ .
فالهجرة قد تجب أو تستحب أو لا تجب على حسب أحوال أهل الإسلام و المصالح المترتبة عليها ، ويوضح ذلك ما أجاب به الإمام الرملى الشافعى على سؤال عن مدى وجوب الهجرة على المسلمين الساكنين ببلدة أراغون الأندلسية " وهم تحت ذمة سلطان نصرانى قد سلط عليها و يأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبون منها و لم يتعد عليهم بظلم لا فى أموالهم أو أنفسهم ، و لهم جوامع يصلون فيها و يظهرون شعائر الإسلام عياناً و يقيمون شعائر الله جهراً .. فقال الإمام الرملى : بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم ، لقدرتهم على إظهار دينهم به ، و لأنه صلى الله عليه و سلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينهم بها ، بل لا تجوز الهجرة منه ، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم ، و لأنه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب " . أ . هـ .
سادساً : طلب النصرة
فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يعرض نفسه الكريمة على أحياء العرب فى مواسم الحج ليؤوه و ينصروه و يمنعوه ممن كذبه و خالفه و لم يجبه أحد لما ذخر الله تعالى للأنصار من الكرامة .
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله – قال بن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أى من الطائف بعد أن رفضوا نصره ) مكة و قومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلاً مستضعفين ممن آمن به فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه فى المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله – عز و جل – و يخبرهم أنه نبى مرسل و يسألهم أن يصدقوه و يمنعوه حتى يبين على الله ما بعثه عنه ( .... ) و قال موسى بن عتبة عن الزهرى : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم فى تلك السنين يعرض على قبائل العرب فى كل موسم ، و يكلم كل شريف قوم ، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه و يمنعوه و يقول : " لا أكره أحداً منكم على شىء ، من رضى منكم بالذى أدعوه إليه فذلك ، و من كره لم أكرهه ، إنما أريد أن تحرزونى فيما يراد لى من القتل حتى أبلغ رسالة ربى ، و حتى يقضى الله لى و لمن صحبنى بما شاء " فلم يقبله أحد منهم . و ما يأت أحد من تلك القبائل إلا قال : قوم الرجل أعلم به ، أترون أن رجلاً يصلحنا فقد فسد قومه و لفظوه ؟! و كان ذلك مما ذخره الله للأنصار و أكرمهم به .
و قد روى الحافظ أبو نعيم عن طريق عبد الله بن الأحلج ويحيى بن سعيد الأموى كليهما عن محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس عن العباس . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أرى عندك ولا عند أخيك منعة فهل أنت مخرجى إلى السوق غداً حتى نقر إلى منازل قبائل الناس " و كانت مجمع العرب ، قال : فقلت : هذه كندة و لفها و هى أفضل من يحج البيت من اليمن ، و هذه منازل بكر بن وائل ، و هذه منازل عامر بن صعصعة ، فاختر لنفسك ؟ قال : فبدأ بكندة فأتاهم ، فقال ممن القوم ؟ قالوا : من أهل اليمن . قال : من أى اليمن ؟ قالوا : من كندة . قال : من أى كندة ؟ قالوا : من بنى عمرو بن معاوية ، قال : فهل لكم إلى خير ؟ قالوا : و ما هو ؟ قال : " تشهدون ألا إله إلا الله و تقيمون الصلاة و تؤمنون بما جاء من عند الله " قال عبد الله بن الأجلح : و حدثنى أبى عن أشياخ قومه أن كندة قالت له إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الملك لله يجعله حيث يشاء " فقالوا : لا حاجة لنا فبما جئتنا به . وقال الكلبى : فقالوا : أجئتنا لتصدنا عن آلهتنا و ننابذ العرب . إلحق بقومك فلا حاجة لنا بك . فانصرف من عندهم فأتى بكر بن وائل فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من بكر بن وائل . فقال من أى بكر بن وائل ؟ قالوا من بنى قيس بن ثعلبة قال : كيف العدد ؟ قالوا : كثير مثل الثرى . قال : فكيف المنعة ؟ قالوا : لا منعة ، جاورنا الفرس فنحن لا نمتنع منهم و لا نجير عليهم . قال " فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم و تستنكحوا نساءهم و تستعيدوا أبناءهم أن تسبحوا لله ثلاثاً و ثلاثين ، و تحمدوه ثلاثاً و ثلاثين ، و تكبروه أربعاً و ثلاثين " قالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا رسول الله . ثم انطلق فلما ولى عنهم قال الكلبى : و كان عمه أبو لهب يتبعه فيقول للناس لا تقبلوا قوله ، ثم مر أبو لهب فقالوا : هل تعرف هذا الرجل ؟ قال : نعم ، هذا فى الذروة منا ، أى شأنه تسألون ؟ فأخبروه بما دعاهم إليه و قالوا : زعم أنه رسول الله قال : ألا لا ترفعوا برأسه قولاً ، فإنه مجنون يهذى من أم رأسه . قالوا : قد رأينا ذلك حين ذكر من أمر فارس ما ذكر . أ . هـ .
ثم أذن الله فى قدوم الأنصار عاماً بعد عام فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على نصرته و تحول إليهم فى دارهم و أقام دولته .
سابعاً : الصلح و الهدنة و الموادعة
و هو خيار نبوى جاء مصداقاً لقوله تعالى : " و إن جنحوا للسلم فاجنح لها " الانفال ـ 61 قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – و معنى الهدنة أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدة بعوض أو بغير عوض و تسمى مهادنة و موادعة و معاهدة و ذلك جائز بدليل قول الله تعالى : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) وقال سبحانه ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) .المغنى 10ـ 517
و يقول أيضاً : و إذا عقد الهدنة لزمه الوفاء بها لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) و قال تعالى : ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) و لأنه لم يف بها لم يسكن إلى عقده و قد يحتاج إلى عقدها أ .هـ .المغنى 10ـ521
و قال الأمير الصنعانى تعليقاً على صلح الحديبية : الحديث دليل على جواز مهادنة المسلمين و أعدائهم من المشركين مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام و إن كره ذلك أصحابه أ . هـ سبل السرم 4ـ 1379
و يقول الإمام بن القيم – رحمه الله – عن الفوائد الفقهية فى صلح الحديبية :و منها جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه و لا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم . أ . هـ .زاد الميعاد 2ــ 128
و المهادنة رغم أنها خيار نبوى قد نجد من يرفض إمكانية وقوعها بل و قد يأنف من مجرد ذكر لفظها ، لأنه يعدها من قبيل التنازل عما لا يصح التنازل عنه من أحكام الدين و يعتبرها نوعاً من الموالاة الممنوعة ، و صاحب هذا الفهم جانبه الصواب ، فلا حرج فى القول بجواز المهادنة فهذا تعبير لم يأنف أحد من الفقهاء من ذكره لأنهم يعلمون أن النبى صلى الله عليه و سلم قد هادن و وادع أقواماً له مخالفين .
و نعجب ممن يرفض هذا الخيار رغم أنه من هدى النبى الكريم صلى الله عليه و سلم كما نعجب من غفلته عن حكمة تقرير هذا الخيار و التى تدور حول تحقيق مصالح أهل الدين و التى تفرضها معطيات الواقع و مستجداته و التى ربما أدت إلى ظهور أعداء جدد أو طروء تهديد من جهة أخرى أشد خطورة من طرف آخر ، أو حدوث تغير فى المواقف مما يرجى معه ممن يصالح أن يصير نصيراً للدين أو يصبح سيفاً على من يريده بسوء إلى غير ذلك من الأمور التى قد تطرأ و تحتاج إلى تفاعل شرعى سديد معها .
و لا تناقض بين إتمام المهادنة و المصالحة و الاستمساك بأحكام الشرع الحنيف و الحفاظ على الموالاة ، ففارق بين وضع القتال و تصحيح مذاهب و عقائد من تقع معهم المعاهدة ، فقد صالح رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً و لم يكن فى ذلك إهدار لحكم شرعى أو وقوع فى موالاة ممنوعة أو تصحيح لمذاهب باطلة و على هديه صلى الله عليه وسلم فلنسر .
ثامناً : التعايش
لقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخيار لأصحابه المهاجرين إلى الحبشة : بعدما اشتد الإيذاء عليهم فى مكة فقال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه " أ . هـ . ومن المعلوم أنهم سيذهبون إلى بلد تدين بغير الإسلام و ملكها لا يحكم بما أنزل الله وكان من المتوقع أن تؤلب عليهم قريش هذا الملك حتى تستعيدهم وهو ما حدث و وقع .
ولقد استمر المهاجرون إلى الحبشة على تلك السياسة حتى بعد أن هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشرع الله الجهاد ، لقد استمرت هذه السياسة ولم يرسل إليهم النبى صلى الله عليه و سلم بتغييرها رغم أن النجاشى كان فى ظاهر الأمر على دين قومه ولم يكن حاكماً بشريعة الإسلام ، لأن صحابة النبى صلى الله عليه و سلم كانوا يدركون أنه فى حكم المكره على ذلك ، وأن المصلحة فى بقائه على هذا الحال الذى يوفر لهم الأمان وأنهم لو حاولوا أن يحملوه على الحكم بما أنزل الله فلن يستطيع أو يستطيعوا ، وإن وافقهم على ذلك لخلعه قومه و نكلوا به وبالمسلمين هناك .
فتعايش صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحبشة مع النجاشى قبل أن يسلم وأيضاً مع النظام القائم هناك بعد أن أسلم واخفى إسلامه ، ولقد كانوا فى الحالين مخلصين لدينهم محافظين على عقيدتهم لا يداهنون أحداً على حسابها ، ويكفى أن نستمع إلى الحوار الذى دار بين جعفر بن أبى طالب و النجاشى لنعلم و لنتعلم كيف يكون الدفاع عن العقيدة والثبات عليها وعدم التفريط فيها ،
يروى ابن كثير فى البداية والنهاية : وأرسل إليهم النجاشى فجمعهم ولم يكن شىء أبغض لعمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة من أن يسمع كلامهم فلما جاءهم رسول النجاشى إجتمع القوم – أى المسلمين – فقالوا : ماذا تقولون ؟ فقالوا : وماذا نقول ؟ نقول : والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن من ذلك ما كان ، فلما دخلوا عليه كان الذى يكلمه منهم جعفر بن أبى طالب – رضى الله عنه – فقال له النجاشى : ما هذا الدين الذى أنتم عليه ؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا فى يهودية و لا نصرانية .
فقال له جعفر : أيها الملك كنا قوماً على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسىء الجوار ويستحل المحارم بعضنا من بعض فى سفك الدماء و غيرها ، لا نحل شيئاً و لا نحرمه . فبعث الله لنا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه و صدقه و أمانته . فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ، و نصل الأرحام ، و نحمى الجوار ، و نصلى لله عز وجل ، ونصوم له و لا نعبد غيره .
وقال زياد عن ابن اسحاق : فدعانا إلى الله لنوحده و نعبده و نخلع ما كنا نعبد نحن و آباؤنا من دونه من الحجارة و الأوثان ، و أمرنا بصدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الأرحام و حسن الجوار و الكف عن المحارم و الدماء ، و نهانا عن الفواحش و قول الزور و أكل مال اليتيم و قذف المحصنة و أمرنا أن نعبد الله و لا نشرك به شيئاً ، و أمرنا بالصلاة و الزكاة و الصيام . قال – فعدو عليه أمور الإسلام – فصدقناه و آمنا به و اتبعناه على ما جاء به من عند الله ، فعبدنا الله وحده لا شريك له – لم نشرك به شيئاً و حرمنا ما حرم علينا و أحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا يفتنونا عن ديننا و يردونا عن عبادة الأوثان من عبادة الله ، و أن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا و ظلمونا و ضيقوا علينا و حالوا بيننا و بين ديننا خرجنا إلى بلادك و اخترناك عن من سواك ، ورغبنا فى جوارك و رجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قال : فقال النجاشى : هل معك شىء مما جاء به ؟ و قد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله .
فقال له جعفر : نعم ، قال : هلم فاتل على مما جاء به ، فقرأ عليه صدراً من سورة مريم فبكى و الله النجاشى حتى اخضلت لحيته و بكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التى جاء بها موسى ، إنطلقوا راشدين ، لا و الله لا أردهم عليكم و لا أنعمكم عيناً . فخرجنا من عنده و كان أبقى الرجلين فينا عبد الله بن ربيعة فقال عمرو بن العاص : و الله لآتينه غداً بما استأصل به خضراءهم ، و لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذى يعبد ، عيسى بن مريم عبد . فقال له عبد الله بن أبى ربيعة : لا تفعل فإنهم و إن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً و لهم حقاً ، فقال : والله لأفعلن ! فلما كان الغد دخل عليه فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون فى عيسى قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم فسلهم عنه . فبعث و الله إليهم و لم ينزل بنا مثلها ، فقال بعضنا لبعض : ماذا تقولون له فى عيسى إن هو يسألكم عنه ؟ فقالوا : نقول و ال فدخلوا عليه و عنده بطارقته فقال : ما تقولون فى عيسى بن مريم ؟ فقال له جعفر : نقول هو عبد الله و رسوله و روحه و كلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، فدلى النجاشى يده إلى الأرض فأخذ عوداً بين إصبعيه فقال ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته . فقال و إن تناخرتم .البداية والنهاية 2ـ88
إن هذه العلاقة التعايشية التى تحقق الأمان للفئة المؤمنة مع احتفاظها بتميزها و صفاء عقيدتها خيار جدير بالانتباه إليه متى وجد الطرف الآخر الذى لا يظلم عنده أحد له الذى قاله الله فيه ، و الذى أمرنا نبينا أن نقوله فيه
تاسعاً : الإعتزال و الحياد
و لا يقصد به اعتزال الناس و ترك مخالطتهم و لكن نقصد اعتزال الدخول فى صراع قائم بين أطراف آخرين و الوقوف على الحياد بينهم . وهذا الخيار دل عليه أمر النبى صلى الله عليه و سلم باعتزال المقاتلين فى قتال الفتنة والصراع على الدنيا و الملك و لقد وردت فى هذا أحاديث كثيرة نكتفى بأحدها :
عن عبد الله بن حباب رضى الله عنه قال : سمعت أبى يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (تكون فتنة فكن فيها عبد الله المقتول ولا تكن القاتل) اخرجه أحمد و الدارقطنى قال الأمير الصنعانى: والحديث دليل على ترك القتال عند ظهور الفتن والتحذير من الدخول فيها ، قال القرطبى : إختلف السلف فى ذلك ، فذهب سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمرو و محمد بن سلمة و غيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة ، فمنهم من قال أنه يجب عليه أن يلزم وقالت طائفة يجب عليه التحول من بلد الفتنة أصلاً ، ومنهم من قال يدافع عن نفسه وعن أهله وعن ماله وهو معذور إن قَتَل أو قتل وذهب جمهور الصحابة و التابعين إلى وجوب نصر الحق و قتال الباغين و حملوا هذه الأحاديث على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة الحق ، وقال بعضهم بالتفصيل وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال حينئذ ممنوع وتنزل الأحاديث على هذا وهو قول الأوزاعى .
وقال الطبرى : إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب و من أعان المبطل أخطأ و إن أشكل الأمر فهى الحالة التى ورد النهى عن القتال فيها و قيل : إن النهى إنما هو فى آخر الزمان حيث تكون المقاتلة لطلب الملك . أ . هـ . سبل السلام 4ـ 1328, 1329
و هذا الاعتزال يحتاج لتدقيق كى يقع فى موقعه الصحيح حتى لا يحجم المرء عن أمر واجب عليه أو يقدم على أمر و هو مأمور بالبعد عنه
عاشراً : الردع و الجهاد
وهذا الخيار ينطلق من قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم و أنتم لا تظلمون الانفال 60 و قوله تعالى: إنفروا خفافاً و ثقالاً و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون التوبة 41
و الآيات و الأحاديث الدالة على ذلك الخيار كثيرة و متعددة و سيرة النبى فى الجهاد واضحة و بينة .
فهذه بعض الخيارات و السياسات النبوية الراشدة ذكرنا منها عشرة خيارات لكل خيار منها فقهه و أحكامه التى تنظمه و توضحه ، و تحدد للمؤمنين متى يسلكونه و متى ينتهون عن انتهاجه
مواضيع مماثلة
» فكر الثورة في الإسلام (مبدأ الخروج على الظالم)..
» أقوال أئمة الإسلام في حكم الخروج على الحاكم المسلم
» شبهة انتشار الإسلام بالسيف دراسة مقارنة بين الإسلام والنصرانية
» حب أهل السنة أهل الإسلام للحسن والحسين يلخصه لنا شيخ الإسلام إبن تيمية . .
» ]لغضب ليس عذراً للوقوع في الكفر والعياذ بالله
» أقوال أئمة الإسلام في حكم الخروج على الحاكم المسلم
» شبهة انتشار الإسلام بالسيف دراسة مقارنة بين الإسلام والنصرانية
» حب أهل السنة أهل الإسلام للحسن والحسين يلخصه لنا شيخ الإسلام إبن تيمية . .
» ]لغضب ليس عذراً للوقوع في الكفر والعياذ بالله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin