بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 21 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 21 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
"قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون" الآية: 23
صفحة 1 من اصل 1
"قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون" الآية: 23
تفسير سورة الملك | الآية الثالثة والعشرون
"قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون" الآية: 23
*** أخرج الخطيب في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس قال : قال
النبي صلى الله عليه وسلم : من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هذه
الآية " قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما
تشكرون " [1] .
وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هاتين
الآيتين سبع مرات { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر } [ الأنعام : 98 ]
إلى قوله : { يفقهون } { هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع } إلى { تشكرون }
فإنه يبرأ بإذن الله تعالى .
*** "قل":
و هذا من أبلغ التشريف للنبي صلى الله عليه و سلم بأن جعل
الله سبحانه حجته على لسانه و أمره ببلاغها فالآية استكمال لسوق الحجج و
البراهين و لكن الله سبحانه يأتي بها هذه المرة في سياق أمر نبيه صلى الله
عليه و سلم بإبلاغها و ذلك تفننا في البيان وتنشيطا للأذهان.
و الحجج التي يأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم
ببلاغها هي أولى الحجج التي ينبغي للدعاة التركيز عليها و ذكرها في مجال
دعوتهم للمشركين.
و قد تكرر هذا الامتنان من الله سبحانه بهذه النعم العظيمة في موطنين أخرين من الكتاب العظيم:
1. "وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون"[2]
2. "ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون"[3]
و هذا يدل أنه من أعظم موجبات الشكر هذه النعم المذكورة فيتبغي لكل من تدبر هذه الآية أن يتدبر في قدر تلك النعم و يشكر الله عليها.
*** و هنا الاستدلال بأجزاء المخلوق بعد الاستدلال بالمخلوقات المختلفة.
*** والضمير "هو" يعود إلى "الرحمن" من قوله: "من دون الرحمن" [الملك: 20] .
*** والإنشاء: الإيجاد والأفئدة القلوب، والمراد بها العقول، وهو إطلاق شائع في استعمال العرب.
*** قال بن عاشور: وإنما أفرد السمع ولم يجمع كما جمع
(قلوبهم) و (أبصارهم) إما لأنه أريد منه المصدر الدال على الجنس، إذ لا
يطلق على الآذان سمع ألا ترى أنه جمع لما ذكر الآذان في قوله: يجعلون
أصابعهم في آذانهم [البقرة: 19] وقوله: وفي آذاننا وقر [فصلت: 5] فلما عبر
بالسمع أفرد لأنه مصدر بخلاف القلوب والأبصار فإن القلوب متعددة والأبصار
جمع بصر الذي هو اسم لا مصدر، وإما لتقدير محذوف أي وعلى حواس سمعهم أو
جوارح سمعهم.
وقد تكون في إفراد السمع لطيفة روعيت من جملة بلاغة القرآن
هي أن القلوب كانت متفاوتة واشتغالها بالتفكر في أمر الإيمان والدين مختلف
باختلاف وضوح الأدلة، وبالكثرة والقلة وتتلقى أنواعا كثيرة من الآيات فلكل
عقل حظه من الإدراك، وكانت الأبصار أيضا متفاوتة التعلق بالمرئيات التي
فيها دلائل الوحدانية في الآفاق، وفي الأنفس التي فيها دلالة، فلكل بصر حظه
من الالتفات إلى الآيات المعجزات والعبر والمواعظ، فلما اختلفت أنواع ما
تتعلقان به جمعت. وأما الأسماع فإنما كانت تتعلق بسماع ما يلقى إليها من
القرآن فالجماعات إذا سمعوا القرآن سمعوه سماعا متساويا وإنما يتفاوتون في
تدبره والتدبر من عمل العقول فلما اتحد تعلقها بالمسموعات جعلت سمعا واحدا.
*** "قليلا ما تشكرون" المعنى إما:
1 - أنعم عليكم بهذه النعم في حال إهمالكم شكرها فتكون "قليلا ما تشكرون" حال من ضمير المخاطبين.
2 - تشكرون شكرا قليلا.
3 - يريد به نفي الشكر جملة فعبر بالقلة ، كما تقول العرب : هذه أرض قل ما تنبت كذا ، وهي لا تنبته البتة.
قال في التحرير: وقد استعمل قليلا في معنى النفي والعدم، وهذا
الإطلاق من ضروب الكناية والاقتصاد في الحكم على طريقة التمليح وتقدم عند
قوله تعالى: فقليلا ما يؤمنون في [البقرة: 88] وقوله تعالى: فلا يؤمنون إلا
قليلا في سورة النساء [155] ، وتقول العرب:هذه أرض قلما تنبت.
*** والقصر المستفاد من تعريف المسند إليه والمسند في قوله:
هو الذي أنشأكم إلى آخره قصر إفراد بتنزيل المخاطبين لشركهم منزلة من يعتقد
أن الأصنام شاركت الله في الإنشاء وإعطاء الإحساس والإدراك و هذه النعم
إنما هي منة الله سبحانه وحده على خلقه.
*** في الآية حجج و عتاب :
الحجة الأولى: فهي أنكم من مخلوقات الله هو أوجدكم من العدم و
أخرجكم للحياة و لم تكونوا قبلها شيئا مذكورا فكيف تكفرونه و قد أنعم
عليكم بوجودكم نفسه فضلا عن باقي نعمه الأخرى؟
و كل خير عاينتموه في الدنيا لله فيه فضل عليكم فوق أنه وهبه
لكم و هو أنه أوجدكم في الدنيا و الله سبحانه الخالق لا شريك له يخلق ما
يشاء و ما من شيء في الكون إلا و هو مخلوق له و ليس لأحد منهم مهما كان
القدرة على الخلق .
فالله أنعم عليكم بنعمة لا يستطيع أحد أبدا وهبها لكم و هي أصل لكل ما بكم من نعم فكيف تكفرونه؟
الحجة الثانية:جعل السمع و الأبصار و الأفئدة و هي نعم عظيمة
فهي نافذة الإنسان التي يرى و يسمع و يعقل بها ما حوله من هذا الكون العظيم
فينتفع به و ما قيمة أجمل الأشياء في الكون لإنسان فقد بصره ؟و ما قيمة
الحياة لو فقد الإنسان عقله؟و ما قيمة أعذب المسموعات لإنسان فقد سمعه؟
فالله امتن علينا بإخراجنا لهذا الكون العظيم ووهبه لنا تلك الأدوات التي
نرى بها ذلك الكون و ننتفع به و بالخير الجسيم الذي فيه.
فكيف نكفر الله بعد ذلك؟
الحجة الثالثة:أن الله جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة
فكيف كفرتم و قل شكركم ؟ ألم تروا و تسمعوا و تعقلوا و تأتكم النذر؟
فالحواس المذكورة هي أدوات فهم الأدلة و البراهين.
قال سبحانه " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها
أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور"[4]
فهذه حجة عليهم في كل جحود و كفر في مقابلة دليل ظاهر و ما أكثر الأدلة و أبلغها.
أما العتاب :
هذه نعمته الله عليكم فكيف قابلتموها بالشكر القليل أو المعدوم؟
فكم هو قبيح أن ترد إحسان من أوجدك من عدم و وهب لك النعم بالكفر به.
قال الرازي:ههنا تنبيهاً على دقيقة لطيفة ، كأنه تعالى قال :
أعطيتكم هذه الإعطاءات الثلاثة مع ما فيها من القوى الشريفة ، لكنكم
ضيعتموها فلم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ، ولا تأملتم في
عاقبة ما عقلتموه ، فكأنكم ضيعتم هذه النعم وأفسدتم هذه المواهب ، فلهذا
قال : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } وذلك لأن شكر نعمة الله تعالى هو أن
يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه ، وأنتم لما صرفتم السمع والبصر والعقل لا
إلى طلب مرضاته فأنتم ما شكرتم نعمته البتة .
*** قال صاحب الظلال:وللعلم الحديث محاولات في معرفة شيء عن معجزتي السمع والبصر نذكر منها لمحة :
تبدأ حاسة السمع بالأذن الخارجية ، ولا يعلم الا الله أين
تنتهي . ويقول العلم : إن الاهتزاز الذي يحدثه الصوت في الهواء ينقل إلى
الأذن ، التي تنظم دخوله ، ليقع على طبلة الأذن وهذه تنقلها إلى التيه داخل
الأذن .
والتيه يشتمل على نوع من الأقنية بين لولبية ونصف مستديرة وفي القسم اللولبي وحده أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع في الرأس.
فما طول القوس منها وحجمها؟ وكيف ركبت هذه الأقواس التي تبلغ
عدة آلاف كل منها تركيبا خاصا؟ وما الحيز الذي وضعت فيه؟ ناهيك عن العظام
الأخرى الدقيقة المتماوجة .
هذا كله في التيه الذي لا يكاد يرى! وفي الأذن مائة ألف خلية سمعية . وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة . دقة وعظمة تحير الألباب .
ومركز حاسة الإبصار العين ، التي تحتوي على مائة وثلاثين
مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف أعصاب الإبصار . وتتكون العين من
الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية . . وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب
والأوعية .
وتتكون الشبكية من تسع طبقات منفصلة ، والطبقة التي في أقصى
الداخل تتكون من أعواد ومخروطات ويقال : إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود ،
وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط . وقد نظمت كلها في تناسب محكم بالنسبة
لبعضها البعض وبالنسبة للعدسات . . وعدسة عينيك تختلف في الكثافة ، ولذا
تجمع كل الأشعة في بؤرة ، ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس
واحد كالزجاج مثلا .
فأما الأفئدة فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا . وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف بها الإنسان.
*** الفوائد العملية في الآية:
1. تشريف النبي صلى الله عليه و سلم أن جعل الله حججه على لسان و ببلاغه و هذا تشريف لكل الدعاة.
2. هذه النعم المذكورة في الآية من أمهات النعم التي ينبغي التدبر في عظمتها و قيمتها و شكر الله عليها.
3. الآيات التي أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم ببلاغها بلاغا خاصا[5] هي أولى ما يستعمل الدعاة في دعوتهم.
4. قدرة الله سبحانه لا تظهر في تنوع المخلوقات فقط بل في الإيجاد و في أجزاء الخلق الواحد.
5. تدبر النعمة في الإيجاد .
6. النعمة في خلق السمع و الأبصار و الأفئدة و قبح جحودها .
7. هذه الحواس هي أدوات الفهم و العقل فلتستعمل فيما خلقت له.
8. الإعجاز العلمي في خلق هذه الحواس.
9. حجة الله في هذه الآية .
[1] قلت : و الحديث ورد في كتاب العلل المتناهية :
انا ابو منصور القزاز قال انا ابو بكر بن ثابت قال اخبرنا ابو
طاهر محمد بن عبد الواحد البيع قال نا عمر بن احمد الواعظ قال نا محمد بن
مخلد العطار قال نا سليمان بن ربيع قال حدثنا همام بن مسلم الزاهد عن مقاتل
بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) من اشتكى ضرسه
فليضع اصبعه عليه وليقرأ هذه الاية هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار
والافئدة قليلا ما تشكرون
قال المؤلف: هذا حديث لا يصح وقد ضعف الدارقطني سليمان بن
الربيع وقال روى مناكير قال ابن حبان: وهمام بن مسلم يروي عن الثقات ما ليس
من حديثهم فبطل الاحتجاج به.
و قال الخطيب في تاريخ بغداد: حدثني الأزهري قال قال أبو
الحسن الدارقطني يقال كادح بن رحمة له اسم كان يعرف به فغيره سليمان بن
الربيع فسماه كادحا ذهب إلى قول الله تعالى يا أيها الإنسان انك كادح قال
وقد روى سليمان بن الربيع هذا أحاديث مناكير عن شيخ آخر فغير اسمه سماه
همام بن مسلم وأظنه ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم الله عليه وسلم
كل بني آدم همام قال أبو الحسن أراد منهم من يهم بالخير ومنهم من يهم بالشر
وذهب إلى ان أباه كان مسلما فقال همام بن مسلم أخبرنا البرقاني أخبرنا علي
بن عمر الحافظ قال كان سليمان بن الربيع ضعيفا.
[2] المؤمنون: 78
[3] السجدة :32
[4] الحج :46
[5] مثل هذه الآية و ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتبليغ الشرع كله.
"قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون" الآية: 23
*** أخرج الخطيب في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس قال : قال
النبي صلى الله عليه وسلم : من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هذه
الآية " قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما
تشكرون " [1] .
وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هاتين
الآيتين سبع مرات { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر } [ الأنعام : 98 ]
إلى قوله : { يفقهون } { هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع } إلى { تشكرون }
فإنه يبرأ بإذن الله تعالى .
*** "قل":
و هذا من أبلغ التشريف للنبي صلى الله عليه و سلم بأن جعل
الله سبحانه حجته على لسانه و أمره ببلاغها فالآية استكمال لسوق الحجج و
البراهين و لكن الله سبحانه يأتي بها هذه المرة في سياق أمر نبيه صلى الله
عليه و سلم بإبلاغها و ذلك تفننا في البيان وتنشيطا للأذهان.
و الحجج التي يأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم
ببلاغها هي أولى الحجج التي ينبغي للدعاة التركيز عليها و ذكرها في مجال
دعوتهم للمشركين.
و قد تكرر هذا الامتنان من الله سبحانه بهذه النعم العظيمة في موطنين أخرين من الكتاب العظيم:
1. "وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون"[2]
2. "ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون"[3]
و هذا يدل أنه من أعظم موجبات الشكر هذه النعم المذكورة فيتبغي لكل من تدبر هذه الآية أن يتدبر في قدر تلك النعم و يشكر الله عليها.
*** و هنا الاستدلال بأجزاء المخلوق بعد الاستدلال بالمخلوقات المختلفة.
*** والضمير "هو" يعود إلى "الرحمن" من قوله: "من دون الرحمن" [الملك: 20] .
*** والإنشاء: الإيجاد والأفئدة القلوب، والمراد بها العقول، وهو إطلاق شائع في استعمال العرب.
*** قال بن عاشور: وإنما أفرد السمع ولم يجمع كما جمع
(قلوبهم) و (أبصارهم) إما لأنه أريد منه المصدر الدال على الجنس، إذ لا
يطلق على الآذان سمع ألا ترى أنه جمع لما ذكر الآذان في قوله: يجعلون
أصابعهم في آذانهم [البقرة: 19] وقوله: وفي آذاننا وقر [فصلت: 5] فلما عبر
بالسمع أفرد لأنه مصدر بخلاف القلوب والأبصار فإن القلوب متعددة والأبصار
جمع بصر الذي هو اسم لا مصدر، وإما لتقدير محذوف أي وعلى حواس سمعهم أو
جوارح سمعهم.
وقد تكون في إفراد السمع لطيفة روعيت من جملة بلاغة القرآن
هي أن القلوب كانت متفاوتة واشتغالها بالتفكر في أمر الإيمان والدين مختلف
باختلاف وضوح الأدلة، وبالكثرة والقلة وتتلقى أنواعا كثيرة من الآيات فلكل
عقل حظه من الإدراك، وكانت الأبصار أيضا متفاوتة التعلق بالمرئيات التي
فيها دلائل الوحدانية في الآفاق، وفي الأنفس التي فيها دلالة، فلكل بصر حظه
من الالتفات إلى الآيات المعجزات والعبر والمواعظ، فلما اختلفت أنواع ما
تتعلقان به جمعت. وأما الأسماع فإنما كانت تتعلق بسماع ما يلقى إليها من
القرآن فالجماعات إذا سمعوا القرآن سمعوه سماعا متساويا وإنما يتفاوتون في
تدبره والتدبر من عمل العقول فلما اتحد تعلقها بالمسموعات جعلت سمعا واحدا.
*** "قليلا ما تشكرون" المعنى إما:
1 - أنعم عليكم بهذه النعم في حال إهمالكم شكرها فتكون "قليلا ما تشكرون" حال من ضمير المخاطبين.
2 - تشكرون شكرا قليلا.
3 - يريد به نفي الشكر جملة فعبر بالقلة ، كما تقول العرب : هذه أرض قل ما تنبت كذا ، وهي لا تنبته البتة.
قال في التحرير: وقد استعمل قليلا في معنى النفي والعدم، وهذا
الإطلاق من ضروب الكناية والاقتصاد في الحكم على طريقة التمليح وتقدم عند
قوله تعالى: فقليلا ما يؤمنون في [البقرة: 88] وقوله تعالى: فلا يؤمنون إلا
قليلا في سورة النساء [155] ، وتقول العرب:هذه أرض قلما تنبت.
*** والقصر المستفاد من تعريف المسند إليه والمسند في قوله:
هو الذي أنشأكم إلى آخره قصر إفراد بتنزيل المخاطبين لشركهم منزلة من يعتقد
أن الأصنام شاركت الله في الإنشاء وإعطاء الإحساس والإدراك و هذه النعم
إنما هي منة الله سبحانه وحده على خلقه.
*** في الآية حجج و عتاب :
الحجة الأولى: فهي أنكم من مخلوقات الله هو أوجدكم من العدم و
أخرجكم للحياة و لم تكونوا قبلها شيئا مذكورا فكيف تكفرونه و قد أنعم
عليكم بوجودكم نفسه فضلا عن باقي نعمه الأخرى؟
و كل خير عاينتموه في الدنيا لله فيه فضل عليكم فوق أنه وهبه
لكم و هو أنه أوجدكم في الدنيا و الله سبحانه الخالق لا شريك له يخلق ما
يشاء و ما من شيء في الكون إلا و هو مخلوق له و ليس لأحد منهم مهما كان
القدرة على الخلق .
فالله أنعم عليكم بنعمة لا يستطيع أحد أبدا وهبها لكم و هي أصل لكل ما بكم من نعم فكيف تكفرونه؟
الحجة الثانية:جعل السمع و الأبصار و الأفئدة و هي نعم عظيمة
فهي نافذة الإنسان التي يرى و يسمع و يعقل بها ما حوله من هذا الكون العظيم
فينتفع به و ما قيمة أجمل الأشياء في الكون لإنسان فقد بصره ؟و ما قيمة
الحياة لو فقد الإنسان عقله؟و ما قيمة أعذب المسموعات لإنسان فقد سمعه؟
فالله امتن علينا بإخراجنا لهذا الكون العظيم ووهبه لنا تلك الأدوات التي
نرى بها ذلك الكون و ننتفع به و بالخير الجسيم الذي فيه.
فكيف نكفر الله بعد ذلك؟
الحجة الثالثة:أن الله جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة
فكيف كفرتم و قل شكركم ؟ ألم تروا و تسمعوا و تعقلوا و تأتكم النذر؟
فالحواس المذكورة هي أدوات فهم الأدلة و البراهين.
قال سبحانه " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها
أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور"[4]
فهذه حجة عليهم في كل جحود و كفر في مقابلة دليل ظاهر و ما أكثر الأدلة و أبلغها.
أما العتاب :
هذه نعمته الله عليكم فكيف قابلتموها بالشكر القليل أو المعدوم؟
فكم هو قبيح أن ترد إحسان من أوجدك من عدم و وهب لك النعم بالكفر به.
قال الرازي:ههنا تنبيهاً على دقيقة لطيفة ، كأنه تعالى قال :
أعطيتكم هذه الإعطاءات الثلاثة مع ما فيها من القوى الشريفة ، لكنكم
ضيعتموها فلم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ، ولا تأملتم في
عاقبة ما عقلتموه ، فكأنكم ضيعتم هذه النعم وأفسدتم هذه المواهب ، فلهذا
قال : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } وذلك لأن شكر نعمة الله تعالى هو أن
يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه ، وأنتم لما صرفتم السمع والبصر والعقل لا
إلى طلب مرضاته فأنتم ما شكرتم نعمته البتة .
*** قال صاحب الظلال:وللعلم الحديث محاولات في معرفة شيء عن معجزتي السمع والبصر نذكر منها لمحة :
تبدأ حاسة السمع بالأذن الخارجية ، ولا يعلم الا الله أين
تنتهي . ويقول العلم : إن الاهتزاز الذي يحدثه الصوت في الهواء ينقل إلى
الأذن ، التي تنظم دخوله ، ليقع على طبلة الأذن وهذه تنقلها إلى التيه داخل
الأذن .
والتيه يشتمل على نوع من الأقنية بين لولبية ونصف مستديرة وفي القسم اللولبي وحده أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع في الرأس.
فما طول القوس منها وحجمها؟ وكيف ركبت هذه الأقواس التي تبلغ
عدة آلاف كل منها تركيبا خاصا؟ وما الحيز الذي وضعت فيه؟ ناهيك عن العظام
الأخرى الدقيقة المتماوجة .
هذا كله في التيه الذي لا يكاد يرى! وفي الأذن مائة ألف خلية سمعية . وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة . دقة وعظمة تحير الألباب .
ومركز حاسة الإبصار العين ، التي تحتوي على مائة وثلاثين
مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف أعصاب الإبصار . وتتكون العين من
الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية . . وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب
والأوعية .
وتتكون الشبكية من تسع طبقات منفصلة ، والطبقة التي في أقصى
الداخل تتكون من أعواد ومخروطات ويقال : إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود ،
وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط . وقد نظمت كلها في تناسب محكم بالنسبة
لبعضها البعض وبالنسبة للعدسات . . وعدسة عينيك تختلف في الكثافة ، ولذا
تجمع كل الأشعة في بؤرة ، ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس
واحد كالزجاج مثلا .
فأما الأفئدة فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا . وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف بها الإنسان.
*** الفوائد العملية في الآية:
1. تشريف النبي صلى الله عليه و سلم أن جعل الله حججه على لسان و ببلاغه و هذا تشريف لكل الدعاة.
2. هذه النعم المذكورة في الآية من أمهات النعم التي ينبغي التدبر في عظمتها و قيمتها و شكر الله عليها.
3. الآيات التي أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم ببلاغها بلاغا خاصا[5] هي أولى ما يستعمل الدعاة في دعوتهم.
4. قدرة الله سبحانه لا تظهر في تنوع المخلوقات فقط بل في الإيجاد و في أجزاء الخلق الواحد.
5. تدبر النعمة في الإيجاد .
6. النعمة في خلق السمع و الأبصار و الأفئدة و قبح جحودها .
7. هذه الحواس هي أدوات الفهم و العقل فلتستعمل فيما خلقت له.
8. الإعجاز العلمي في خلق هذه الحواس.
9. حجة الله في هذه الآية .
[1] قلت : و الحديث ورد في كتاب العلل المتناهية :
انا ابو منصور القزاز قال انا ابو بكر بن ثابت قال اخبرنا ابو
طاهر محمد بن عبد الواحد البيع قال نا عمر بن احمد الواعظ قال نا محمد بن
مخلد العطار قال نا سليمان بن ربيع قال حدثنا همام بن مسلم الزاهد عن مقاتل
بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) من اشتكى ضرسه
فليضع اصبعه عليه وليقرأ هذه الاية هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار
والافئدة قليلا ما تشكرون
قال المؤلف: هذا حديث لا يصح وقد ضعف الدارقطني سليمان بن
الربيع وقال روى مناكير قال ابن حبان: وهمام بن مسلم يروي عن الثقات ما ليس
من حديثهم فبطل الاحتجاج به.
و قال الخطيب في تاريخ بغداد: حدثني الأزهري قال قال أبو
الحسن الدارقطني يقال كادح بن رحمة له اسم كان يعرف به فغيره سليمان بن
الربيع فسماه كادحا ذهب إلى قول الله تعالى يا أيها الإنسان انك كادح قال
وقد روى سليمان بن الربيع هذا أحاديث مناكير عن شيخ آخر فغير اسمه سماه
همام بن مسلم وأظنه ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم الله عليه وسلم
كل بني آدم همام قال أبو الحسن أراد منهم من يهم بالخير ومنهم من يهم بالشر
وذهب إلى ان أباه كان مسلما فقال همام بن مسلم أخبرنا البرقاني أخبرنا علي
بن عمر الحافظ قال كان سليمان بن الربيع ضعيفا.
[2] المؤمنون: 78
[3] السجدة :32
[4] الحج :46
[5] مثل هذه الآية و ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتبليغ الشرع كله.
مواضيع مماثلة
» "قل هو الذي ذرأكم في الأرض و إليه تحشرون" الآية :24
» أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو و نفور" الآية:21
» "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" الآية :2
» صفة السمع...
» "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" الآية :25
» أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو و نفور" الآية:21
» "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" الآية :2
» صفة السمع...
» "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" الآية :25
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin