بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين" الآية: 29
صفحة 1 من اصل 1
قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين" الآية: 29
تفسير سورة الملك | الآية التاسعة و العشرون
"قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين" الآية: 29
*** "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ":
و في الآية بيان بليغ فقد سوت الآية السابقة بين فرض إهلاك الله لهم أو
رحمتهم فجاءت هذه الآية تتمم المعنى فلما ذكرت الآية السابقة احتمال
الرحمة جاءت هذه الآية تذكر الله باسمه الرحمن و هذا أبلغ ما يكون في وصف
رحمته سبحانه و رجاءها ثم عقبت بذكر النبي صلى الله عليه و سلم و من معه
بوصف الإيمان و التوكل دون غيره كحال المشركين فمن آمن بالرحمن و فوض له
أمره فهو مظنة أن يُرحم في الدنيا و الآخرة و في هذا البيان يقع الإيماء
بأي الفريقين أحق برحمة الله و أيهم في ضلال مبين.
*** "قل":
تكرار "قل" رغم ارتباط هذه الآية بالتي سبقتها إما للتأكيد على المذكور
فيها أو لأنها تصلح كحجة مستقلة يحتج بها على الكفار و الله أعلم.
*** "هو الرحمن ":
و كأن الأمر هنا للنبي صلى الله عليه و سلم أن يعرف ربه للناس و أن
يشرح تلك العلاقة العظيمة بين المؤمنين من عباد الله و بين ربهم تلك العروة
الوثقى و الحبل المتين تلك العلاقة التي هي أثمن ما حصل البشر في دنياهم و
أخراهم .
فيؤمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يُبلغ - ليفهم الكافرون و يتدبر
المؤمنون - أن الله العظيم الذي سبق ذكر عظيم ملكه و قهره و سلطانه رب رحيم
فاضت رحمته فوسعت كل شيء ، عرفه أهل الإيمان برحمته و بره و رفقه و وده
لهم ، و التعبير بالاسم أبلغ من التعبير بالوصف فقولك فلان يكرم المحتاج لا
يرقي لقولك هو الكريم فالله سبحانه الرحمن الذي له مائة رحمة منها في
الأرض واحدة بها يتراحم الخلائق فإذا كانت القيامة تمت المائة ليرحم بها
المتقين فكل ما في الأرض من رحمة هي جزء من مائة من رحمته سبحانه .
الرحمة له سبحانه صفة ذات لا تنفك عنه وصف أزلي لا بداية له و لا نهاية
،هكذا عرف المؤمنون ربهم و هكذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يعرف
ربه .
هو الذي أطعمنا و سقانا و كفانا و آوانا و شفانا و من كل ما سألناه
أعطانا أرسل إلينا رسولا من أنفسنا عزيز على ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين
رؤوف رحيم هو الذي أوصي في كتابه باليتيم و المسكين و ابن السبيل، الذي
شرع لنا ما تسمو به النفوس و تستر به العورات، الذي ستر الزلة و غفر الذنب و
فتح باب التوبة ،الذي عرفناه في كل شدة أرحم الراحمين و أكرم الأكرمين و
غياث المستغيثين ، الذي أمهلنا و رفق بنا مع قدرته و ملكوته العظيم ،الذي
رحمنا مع غناه عنا و شدة فقرنا إليه و لا يتسع المقام لبسط هذا المعنى.
*** "قل هو الرحمن":
و أولى ما يرجى فيه الرحمة ما ذكر في القرآن مقترنا باسم الله الرحمن و
أولى منه ما كان ذكر اسمه الرحمن مأمورا ببلاغه بلاغا خاصا و الله أعلم.
و أشرف الخلق و أفضلهم إنما يتعاملون مع الله سبحانه على جهة الرحمة و
الفضل و من ذا الذي يطيق أن يعامل بالعدل قال صلى الله عليه و سلم :"لا
يدخل أحد الجنة بعمله فقال الصحابة : و لا أنت يا رسول الله قال :و لا أنا
إلا أن يتغمدني الله برحمته".
فالله العظيم لا يطيق أحدنا القيام بحقه و لكنه ببره و لطفه و رحمته قبل
منا اليسير من العمل و عفا عن الزلل و أفاض علينا رحمته و كرمه.
*** "آمنا به وعليه توكلنا":
هذه صلة المؤمنين بربهم الإيمان و التوكل عرفوه بإلهيته و ربوبيته و
رحمته فأمنوا به و أسلموا وجوههم له و ألجأوا ظهورهم إليه و استسلموا و
فوضوا إليه أمر دنياهم و أخراهم و الله أرحم الراحمين و أكرم من أعطى و
أولى من أطمأن العبد إليه ووثق به و جعل فيه رجاءه و هو سبحانه عند ظن عبده
به.
ليس لهم من الأمر شيء بل عباد كسائر العباد ليس كما يدعي الغلاة و لا كما يريد الكفار.
وتقديم معمول "توكلنا" عليه لإفادة الاختصاص فإن إفراد الله بالتوكل بعد
الإيمان به من أخص و أهم أسباب النجاة قال سبحانه " وآتينا موسى الكتاب
وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا (2) ذرية من حملنا مع
نوح إنه كان عبدا شكورا (3)[1]"
فكأن غرض إنزال الكتاب إفراد الله بالتوكل ثم أشارت الآية أن كل الخلق
الباقين لا يصلحون للتوكل عليهم فهم ذرية الناجين الذين أنجاهم الله
لإتباعهم العبد الصالح الشكور فكان سبيل النجاة العبودية و التوكل و الشكر.
و أيضا فإن المشركين آمنوا بالله و لكنهم لم يفردوه بالعبادة - و من
أشرف العبادات التوكل – بل عبدوه و عبدوا غيره و توكلوا عليه و على غيره
فجاءت الآية ترسم المعيار الصحيح للنجاة فمن أحق بالنجاة من آمن و توكل على
الرب الرحيم أم من ركن إلى أوهى من بيت العنكبوت؟
*** و كما أسلفنا فهذا رسم لمعالم الطريق ليتدبر المؤمن سبيله فيعرف ربه
برحمته فيؤمن به و يفرده بالتوكل و يعلم سبيل النجاة و لتقام الحجة على
الكافر في إعلامه ببشرية الرسل صلوات ربي و سلامه عليهم فلا يظنن أنه انتصر
عليهم إن تعنت في طلباته فلم يجيبوه لها.
*** وضمير "هو" عائد إلى الله تعالى الواقع في الجملة قبله، أي الله هو
الذي وصفه الرحمن فهو يرحمنا، وأنكم أنكرتم هذا الاسم فأنتم جديرون بأن
تحرموا آثار رحمته.
*** و هذا جواب آخر عن تمنيهم له الهلاك سلك به طريق التبكيت، أي هو
الرحمن يجيرنا من سوء ترومونه لنا لأننا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم.
أو هو إشارة لهم أنهم هم أولى بالهلاك لأنهم أشركوا و لم يتوكلوا على الرب الرحيم و هي حجة ظاهرة.
*** "فستعلمون من هو في ضلال مبين":
و هذا أسلوب قرآني في محاجة الكافرين بإبهام الإجابة التي تدل على
ضلالهم رغم ظهورها جليه و هذا من الخطاب بالتي هي أحسن رغم ما فيه من
الوعيد و في إيراده بصيغة السؤال شحذ للذهن قال سبحانه: "إن الذي فرض عليك
القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين"[2]
و قال جل شأنه:"قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم
لعلى هدى أو في ضلال مبين (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما
تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم
(26)"[3]
فتارة تشير الآية لعلمهم المستقبلي و تارة ترد الأمر لعلم الله و تارة
تترك السؤال بلا جواب و ترد الأمر لحكم الله و لكن في كل الأحوال تؤكد
الآيات على اختلاف الطريق و المنهج و النهاية و أنه لا بد أن يكون أحد
الفريقين في الضلال الظاهر.
و هذا أسلوب قرآني في المناظرة أصله الأمر للنبي صلى الله عليه و سلم
في الآيات السابقة و قوله تعالى "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل
الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (116) إن ربك هو أعلم من يضل عن
سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117)" و قد تكرر هذا المعنى في القرآن و أحيانا
بنفس اللفظ و قد احتج به نبي الله موسى صلى الله عليه و سلم على قومه
قال تعالى :" فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى
وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين (36) وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى
من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (37)[4]".
*** "من هو في ضلال مبين":
و هنا إشارتان لا بد أن يعيهما المؤمن :
الأولى:أن الكفرة و إن صالوا و جالوا في البلاد فإنهم في الضلال البين و
على شفا الهلاك و يوشكوا أن يلاقوا و يذوقوا ما ذاقه أسلافهم فلا يغتر
بحالهم و سطوتهم و بأسهم و تمكينهم و يف لا يكونون في الضلال المبين و هم
استبدلوا العبودية للرب الرحيم الذي ما زال يجري عليهم أسباب الحياة في كل
لحظة بالعبودية لأنفسههم الحقيرة و هواهم و شهواتهم.
الثانية :أنه سيأتي يوم يعلموا فيه حقيقة أمرهم و إن جهلوها اليوم أو
تجاهلوها و أتبعوا ما أترفوا و كانوا مجرمين و سيندمون أشد الندم و لات حين
مندم و سيقسمون أنم كانوا في ضلال مبين و سيلعن بعضهم بعضا و يتبرأ بعضهم
من بعض و يتمنون الرجوع قال سبحانه حاكيا عنهم " قالوا وهم فيها يختصمون
(96) تالله إن كنا لفي ضلال مبين (97) إذ نسويكم برب العالمين (98) وما
أضلنا إلا المجرمون (99) فما لنا من شافعين (100) ولا صديق حميم (101) فلو
أن لنا كرة فنكون من المؤمنين (102) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
(103)[5]".
*** وقرأ الجمهور فستعلمون بتاء الخطاب على أنه مما أمر بقوله الرسول
صلى الله عليه وسلم. وقرأه الكسائي بياء الغائب على أن يكون إخبارا من الله
لرسوله بأنه سيعاقبهم عقاب الضالين ليكون على وفق قوله : { فمن يجير
الكافرين }.
*** الفوائد العملية في الآية:
1. حجة المؤمنين على الكفار في الآية.
2. إجابة للسؤال: لماذا كان المؤمنون أحق برحمة الله؟
3. التدبر في رحمة الله و تعرف الله لعباده بها و أن معاملته سبحانه
لعباده إنما تتم على وجه الرحمة و أنه لا يطيق أحد من البشر القيام بحقه و
لكن النجاة برحمته و فضله و ما يجلبه ذلك من محبة العبد المؤمن لربه.
4. من أولى من ترجى لهم الرحمة للمؤمنين المتوكلين.
5. فهم الأسس التي قامت عليها علاقة العبودية بين أهل الإيمان و بين الرب الرحيم.
6. الإيمان و التوكل طريق النجاة.
7. تجديد الإيمان و التوكل.
8. الحجة على الكافرين ببيان بشرية الرسل وأتباعهم.
9. أسلوب قرآني من أساليب مناظرة الكافرين.
10.تدبر حقيقة أن الكافرين في الضلال المبين و أنه لا محالة سيأتي يوم يعلمون تلك الحقيقة و يتمنون الرجوع و لات حين مندم.
[1] الإسراء 2-3
[2] القصص 85
[3] سبأ 24-26
[4] القصص 36-37
[5
] الشعراء 96-103
"قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين" الآية: 29
*** "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ":
و في الآية بيان بليغ فقد سوت الآية السابقة بين فرض إهلاك الله لهم أو
رحمتهم فجاءت هذه الآية تتمم المعنى فلما ذكرت الآية السابقة احتمال
الرحمة جاءت هذه الآية تذكر الله باسمه الرحمن و هذا أبلغ ما يكون في وصف
رحمته سبحانه و رجاءها ثم عقبت بذكر النبي صلى الله عليه و سلم و من معه
بوصف الإيمان و التوكل دون غيره كحال المشركين فمن آمن بالرحمن و فوض له
أمره فهو مظنة أن يُرحم في الدنيا و الآخرة و في هذا البيان يقع الإيماء
بأي الفريقين أحق برحمة الله و أيهم في ضلال مبين.
*** "قل":
تكرار "قل" رغم ارتباط هذه الآية بالتي سبقتها إما للتأكيد على المذكور
فيها أو لأنها تصلح كحجة مستقلة يحتج بها على الكفار و الله أعلم.
*** "هو الرحمن ":
و كأن الأمر هنا للنبي صلى الله عليه و سلم أن يعرف ربه للناس و أن
يشرح تلك العلاقة العظيمة بين المؤمنين من عباد الله و بين ربهم تلك العروة
الوثقى و الحبل المتين تلك العلاقة التي هي أثمن ما حصل البشر في دنياهم و
أخراهم .
فيؤمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يُبلغ - ليفهم الكافرون و يتدبر
المؤمنون - أن الله العظيم الذي سبق ذكر عظيم ملكه و قهره و سلطانه رب رحيم
فاضت رحمته فوسعت كل شيء ، عرفه أهل الإيمان برحمته و بره و رفقه و وده
لهم ، و التعبير بالاسم أبلغ من التعبير بالوصف فقولك فلان يكرم المحتاج لا
يرقي لقولك هو الكريم فالله سبحانه الرحمن الذي له مائة رحمة منها في
الأرض واحدة بها يتراحم الخلائق فإذا كانت القيامة تمت المائة ليرحم بها
المتقين فكل ما في الأرض من رحمة هي جزء من مائة من رحمته سبحانه .
الرحمة له سبحانه صفة ذات لا تنفك عنه وصف أزلي لا بداية له و لا نهاية
،هكذا عرف المؤمنون ربهم و هكذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يعرف
ربه .
هو الذي أطعمنا و سقانا و كفانا و آوانا و شفانا و من كل ما سألناه
أعطانا أرسل إلينا رسولا من أنفسنا عزيز على ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين
رؤوف رحيم هو الذي أوصي في كتابه باليتيم و المسكين و ابن السبيل، الذي
شرع لنا ما تسمو به النفوس و تستر به العورات، الذي ستر الزلة و غفر الذنب و
فتح باب التوبة ،الذي عرفناه في كل شدة أرحم الراحمين و أكرم الأكرمين و
غياث المستغيثين ، الذي أمهلنا و رفق بنا مع قدرته و ملكوته العظيم ،الذي
رحمنا مع غناه عنا و شدة فقرنا إليه و لا يتسع المقام لبسط هذا المعنى.
*** "قل هو الرحمن":
و أولى ما يرجى فيه الرحمة ما ذكر في القرآن مقترنا باسم الله الرحمن و
أولى منه ما كان ذكر اسمه الرحمن مأمورا ببلاغه بلاغا خاصا و الله أعلم.
و أشرف الخلق و أفضلهم إنما يتعاملون مع الله سبحانه على جهة الرحمة و
الفضل و من ذا الذي يطيق أن يعامل بالعدل قال صلى الله عليه و سلم :"لا
يدخل أحد الجنة بعمله فقال الصحابة : و لا أنت يا رسول الله قال :و لا أنا
إلا أن يتغمدني الله برحمته".
فالله العظيم لا يطيق أحدنا القيام بحقه و لكنه ببره و لطفه و رحمته قبل
منا اليسير من العمل و عفا عن الزلل و أفاض علينا رحمته و كرمه.
*** "آمنا به وعليه توكلنا":
هذه صلة المؤمنين بربهم الإيمان و التوكل عرفوه بإلهيته و ربوبيته و
رحمته فأمنوا به و أسلموا وجوههم له و ألجأوا ظهورهم إليه و استسلموا و
فوضوا إليه أمر دنياهم و أخراهم و الله أرحم الراحمين و أكرم من أعطى و
أولى من أطمأن العبد إليه ووثق به و جعل فيه رجاءه و هو سبحانه عند ظن عبده
به.
ليس لهم من الأمر شيء بل عباد كسائر العباد ليس كما يدعي الغلاة و لا كما يريد الكفار.
وتقديم معمول "توكلنا" عليه لإفادة الاختصاص فإن إفراد الله بالتوكل بعد
الإيمان به من أخص و أهم أسباب النجاة قال سبحانه " وآتينا موسى الكتاب
وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا (2) ذرية من حملنا مع
نوح إنه كان عبدا شكورا (3)[1]"
فكأن غرض إنزال الكتاب إفراد الله بالتوكل ثم أشارت الآية أن كل الخلق
الباقين لا يصلحون للتوكل عليهم فهم ذرية الناجين الذين أنجاهم الله
لإتباعهم العبد الصالح الشكور فكان سبيل النجاة العبودية و التوكل و الشكر.
و أيضا فإن المشركين آمنوا بالله و لكنهم لم يفردوه بالعبادة - و من
أشرف العبادات التوكل – بل عبدوه و عبدوا غيره و توكلوا عليه و على غيره
فجاءت الآية ترسم المعيار الصحيح للنجاة فمن أحق بالنجاة من آمن و توكل على
الرب الرحيم أم من ركن إلى أوهى من بيت العنكبوت؟
*** و كما أسلفنا فهذا رسم لمعالم الطريق ليتدبر المؤمن سبيله فيعرف ربه
برحمته فيؤمن به و يفرده بالتوكل و يعلم سبيل النجاة و لتقام الحجة على
الكافر في إعلامه ببشرية الرسل صلوات ربي و سلامه عليهم فلا يظنن أنه انتصر
عليهم إن تعنت في طلباته فلم يجيبوه لها.
*** وضمير "هو" عائد إلى الله تعالى الواقع في الجملة قبله، أي الله هو
الذي وصفه الرحمن فهو يرحمنا، وأنكم أنكرتم هذا الاسم فأنتم جديرون بأن
تحرموا آثار رحمته.
*** و هذا جواب آخر عن تمنيهم له الهلاك سلك به طريق التبكيت، أي هو
الرحمن يجيرنا من سوء ترومونه لنا لأننا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم.
أو هو إشارة لهم أنهم هم أولى بالهلاك لأنهم أشركوا و لم يتوكلوا على الرب الرحيم و هي حجة ظاهرة.
*** "فستعلمون من هو في ضلال مبين":
و هذا أسلوب قرآني في محاجة الكافرين بإبهام الإجابة التي تدل على
ضلالهم رغم ظهورها جليه و هذا من الخطاب بالتي هي أحسن رغم ما فيه من
الوعيد و في إيراده بصيغة السؤال شحذ للذهن قال سبحانه: "إن الذي فرض عليك
القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين"[2]
و قال جل شأنه:"قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم
لعلى هدى أو في ضلال مبين (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما
تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم
(26)"[3]
فتارة تشير الآية لعلمهم المستقبلي و تارة ترد الأمر لعلم الله و تارة
تترك السؤال بلا جواب و ترد الأمر لحكم الله و لكن في كل الأحوال تؤكد
الآيات على اختلاف الطريق و المنهج و النهاية و أنه لا بد أن يكون أحد
الفريقين في الضلال الظاهر.
و هذا أسلوب قرآني في المناظرة أصله الأمر للنبي صلى الله عليه و سلم
في الآيات السابقة و قوله تعالى "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل
الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (116) إن ربك هو أعلم من يضل عن
سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117)" و قد تكرر هذا المعنى في القرآن و أحيانا
بنفس اللفظ و قد احتج به نبي الله موسى صلى الله عليه و سلم على قومه
قال تعالى :" فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى
وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين (36) وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى
من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (37)[4]".
*** "من هو في ضلال مبين":
و هنا إشارتان لا بد أن يعيهما المؤمن :
الأولى:أن الكفرة و إن صالوا و جالوا في البلاد فإنهم في الضلال البين و
على شفا الهلاك و يوشكوا أن يلاقوا و يذوقوا ما ذاقه أسلافهم فلا يغتر
بحالهم و سطوتهم و بأسهم و تمكينهم و يف لا يكونون في الضلال المبين و هم
استبدلوا العبودية للرب الرحيم الذي ما زال يجري عليهم أسباب الحياة في كل
لحظة بالعبودية لأنفسههم الحقيرة و هواهم و شهواتهم.
الثانية :أنه سيأتي يوم يعلموا فيه حقيقة أمرهم و إن جهلوها اليوم أو
تجاهلوها و أتبعوا ما أترفوا و كانوا مجرمين و سيندمون أشد الندم و لات حين
مندم و سيقسمون أنم كانوا في ضلال مبين و سيلعن بعضهم بعضا و يتبرأ بعضهم
من بعض و يتمنون الرجوع قال سبحانه حاكيا عنهم " قالوا وهم فيها يختصمون
(96) تالله إن كنا لفي ضلال مبين (97) إذ نسويكم برب العالمين (98) وما
أضلنا إلا المجرمون (99) فما لنا من شافعين (100) ولا صديق حميم (101) فلو
أن لنا كرة فنكون من المؤمنين (102) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
(103)[5]".
*** وقرأ الجمهور فستعلمون بتاء الخطاب على أنه مما أمر بقوله الرسول
صلى الله عليه وسلم. وقرأه الكسائي بياء الغائب على أن يكون إخبارا من الله
لرسوله بأنه سيعاقبهم عقاب الضالين ليكون على وفق قوله : { فمن يجير
الكافرين }.
*** الفوائد العملية في الآية:
1. حجة المؤمنين على الكفار في الآية.
2. إجابة للسؤال: لماذا كان المؤمنون أحق برحمة الله؟
3. التدبر في رحمة الله و تعرف الله لعباده بها و أن معاملته سبحانه
لعباده إنما تتم على وجه الرحمة و أنه لا يطيق أحد من البشر القيام بحقه و
لكن النجاة برحمته و فضله و ما يجلبه ذلك من محبة العبد المؤمن لربه.
4. من أولى من ترجى لهم الرحمة للمؤمنين المتوكلين.
5. فهم الأسس التي قامت عليها علاقة العبودية بين أهل الإيمان و بين الرب الرحيم.
6. الإيمان و التوكل طريق النجاة.
7. تجديد الإيمان و التوكل.
8. الحجة على الكافرين ببيان بشرية الرسل وأتباعهم.
9. أسلوب قرآني من أساليب مناظرة الكافرين.
10.تدبر حقيقة أن الكافرين في الضلال المبين و أنه لا محالة سيأتي يوم يعلمون تلك الحقيقة و يتمنون الرجوع و لات حين مندم.
[1] الإسراء 2-3
[2] القصص 85
[3] سبأ 24-26
[4] القصص 36-37
[5
] الشعراء 96-103
مواضيع مماثلة
» "قل إنما العلم عند الله و إنما أنا نذير مبين" الآية :26
» { رب اجعل هذا البلد آمنا
» لرد على شبهة ان النبى محمد صلى الله وعليه وسلم ولد بعد موت ابيه بأربع سنين
» : إني أجد نفس الرحمن من هنا
» الرحمن ...
» { رب اجعل هذا البلد آمنا
» لرد على شبهة ان النبى محمد صلى الله وعليه وسلم ولد بعد موت ابيه بأربع سنين
» : إني أجد نفس الرحمن من هنا
» الرحمن ...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin