معنى الشفاعة فى ضوء الحكم الشرعى : -
في 15 سبتمبر، 2011، الساعة 12:58 صباحاً
بعض الناس يظنون أن الشفاعة قاصرة على أصحاب الذنوب والمعاصى دون غيرهم من أهل الإستقامة من الخلق ، بحجة أن أهل الإستقامة لا يحتاجون إلى شفاعة ، وهذا ظن خاطئ تماما ، لأن لو كان الأمر كذلك لتساوى الظالم والمظلوم ، وضاع العدل ، وما كان هناك داعيا للثواب والعقاب ، وما كان هناك داعيا لخلق النار ، وتساوى الذى جد واجتهد وعمل صالحا وحبس نفسه فى سجن الدنيا ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" مع الفاسق والفاسد الذى أطلق لنفسه العنان وغرق فى شهوات الدنيا وملذاتها سواء أكانت حلالا أم حراما ، ثم يأتى يوم القيامة فيجد من يتشفع له ويأخذ بيده إلى الجنة ، فمن يكون الكاسب والخاسر هنا ؟ بالطبع سيكون الكاسب هو الفاسد والفاسق باعتباره نال متعة الدنيا والآخرة ، وحاشا لله أن يكون الأمر كذلك ، كما قال الله تعالى : " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " ( الحشر: 20 )
قال تعالى أيضا : " أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون " ( القلم : 35،36) – قال تعالى أيضا : " ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد " ( ق : 29 ) .
فمعنى الشفاعة فى اللغة : الوسيلة والطلب ، وشرعا : سؤال الخير للغير على سبيل الضراعة ، وتكون من الأنبياء ، والعلماء العاملين ، والشهداء ، والصالحين . وأول من يفتح باب الشفاعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفتحه بالشفاعة فى فصل القضاء ، وهذه منزلة أعطاها الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " ( الإسراء : 79 )
وعندما سئل رسول الله صلى الله عن هذا المقام قال : " هو المقام الذى أشفع لأمتى فيه " ( مسند الإمام أحمد 2/441 ، 528 ) أى أن لا شفاعة للنبى صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يعطيه الله عزوجل المقام الذى يتشفع فيه ألا وهو المقام المحمود ، حيث أن هناك مقامات لا يجوز الشفاعة فيه ، كما قال تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا أنفقو مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " ( البقرة : 254 ) ، كما وصف الله عزوجل أحوال المجرمين الذين لم يكونوا من أهل الشفاعة فقال تعالى : " ما سلككم فى سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين " ( المدثر : 42 : 48 ) .
فمن هنا يتبين أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الشافع والمشفع لكل من أراد له الله عز وجل الشفاعة ، فالشفاعة لا تأتى إلا بإذن الله عزوجل ، كما قال تعالى : " من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه " ( البقرة : 253 ) – حتى الشفعاء أنفسهم قال الله تعالى فيهم : " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا من ارتضى وهم من خشيته مشفقون " ( الأنبياء : 27 ، 28 ) ــ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتشفع للمجرمين الذين فسقوا وعاشوا فى الأرض فسادا ، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى نهر حبه وابن حبه سيدنا أسامة بن زيد رضى الله عنهما ، عندما جاءه يتشفع للمرأة المخزومية التى سرقت بعد ضغط أهلها عليه لقربه من رسول الله ، فقال له صلى الله غليه وسلم : " أتشفع يا أسامة فى حد من حدود الله وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " .
وخلاصة القول : ان الأمر كله أوله وآخره لله عز وجل ، فلا ينفع أحد فى الأخرة إلا ما تزود به فى الدنيا من طاعة لربه ورضاه ، فلا معنى للجنة والنار ، ولا للثواب والعقاب والحساب ، إذا تساوى العاملون مع المقصرون ، ولا المتقون مع المجرمون ، فالشفاعة تأتى بعد وقوع العقاب ، لتتحقق رحمة الله عزوجل .
واعلموا أيها الإخوة : أن يوم القيامة يوم شديد ، يوم له عرصات لا يعلمها إلا الله وحده ، حتى أن أهل المحشر يوم القيامة باستثناء الذين يستظلون بظل عرش الرحمن ، يتمنون أن يفصل فى القضاء وينتهى هذا الموقف حتى ولو للنار، فتذهب كل أمة لنبيها يطلبون منه الشفاعة ، فيقول نفسى نفسى ، فيأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول أنا لها أنا لها ، فيأذن له الله عز وجل أن يتشفع فى هذا الموقف الرهيب لفصل القضاء ، فيكون بذلك شفيعا لجميع الخلق ولجميع الأمم ، لا لأمته فقط ، وهناك مواقف أخرى يعلمها الله عز وجل ، يعطى الله عز وجل فيها لرسوله صلى الله عليه وسلم الإذن بالشفاعة ، وذلك لجلال قدر النبى صلى الله عليه وسلم عند ربه ، وفى موقف الغر المحجلين التى يعرفهم بسيماهم من أثر السجود .
فاللهم اجعلنا من أهل شفاعة رسولك يا أكرم الأكرمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .