بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 9 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 9 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
آثار الذنوب والمعاصي
صفحة 1 من اصل 1
آثار الذنوب والمعاصي
آثار الذنوب والمعاصي
إن للذنوب والمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع في الدنيا، حيث يعم البلاء، وينزل العقاب، وتفسد الأرض وتتغير بشؤم معصية بني آدم. وللمعصية آثار على الفرد في أخراه من وقت سكرات الموت، ومعاينته لملائكة العذاب، حتى يصل إلى جهنم فيقذف فيها حقيراً مهيناً ذليلاً، فيأتيه من حرها وزقومها وزمهريرها وحميمها ما لا تستوعبه العقول، ويعذب خالداً مخلداً فيها بسبب جنايته على نفسه، وإعراضه عن طاعة ربه سبحانه وتعالى!
شتان بين الفريقين: الصالح والطالح
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]. أما بعد: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده)، كما لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وكما لا يستوي الأحياء ولا الأموات؛ فلا يستوي في ميزان الله عز وجل من أقبل على الله عز وجل ومن أعرض عنه. أفمن بقي مع الله عز وجل كمن أعرض عن الله عز وجل؟! أفمن رغب إلى الله عز وجل كمن رغب عن الله عز وجل؟! لا يستويان ولا يلتقيان. أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي فإما أن تكون في معية الله عز وجل، وإما أن تكون ولياً للشيطان، فإياك أن تكون ولياً للشيطان في السر عدواً له في العلانية! يقول الشاعر: عباد أعرضوا عنا بلا جرم ولا معنى أساءوا ظنهم فينا فهلا أحسنوا الظنا فإن خانوا فما خنا وإن عادوا فقد عدنا وإن كانوا قد استغنوا فإنا عنهم أغنى فإذا كان هذا قول مخلوق لمخلوق فما ظنك ببعد العاصي عن الله عز وجل! قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم. يقول الشاعر: أيها المعرض عنا إن إعراضك منا لو أردناك جعلنا كل ما فيك يردنا ويقول الآخر: يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها أنجاك ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بظهوره أعلاك ومن الذي تعصي ويغفر دائماً ومن الذي تنسى ولا ينساك فإما العز مع الله عز وجل، مع ملك الملوك الذي له ملك الدنيا والآخرة، وله ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإما الخزي والعار والشنار! ألم يقل الله عز وجل: وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5]؟! ألم يقل الله عز وجل: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10]؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج:45]؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:104]؟! ألم يقل الله عز وجل: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]؟ ألم يقل الله عز وجل: فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23]؟! ألم يقل الله عز وجل: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]؟! ألم يقل الله عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:36-38]؟! قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن للسيئة سواداً في الوجه، وضيقاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق. وجاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر. وإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس وجاء رجل إلى أحد الصالحين فقال له: قد مات اليوم عزي وسندي، مات ابن عم لي، وكان ممن تولى منصباً رفيعاً في الدنيا، قال: فلم جعلت عزك إلى من يموت؟! واجعل بربك كل عزك يستقر ويثبت فإن اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت ......
أثر المعصية وشؤمها على غير العاصي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مروا عليه بجنازة: (مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: أما العبد المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وتعبها إلى سعة رحمة الله عز وجل، وأما العبد الكافر أو الفاسق فتستريح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب)، فحتى الجماد يحس بوطأة الفاسق، وبوطأة العاصي، وأن بقاءه في الدنيا حرب على أهل الأرض. وجاء في الأثر: أن عقارب الأرض وهوامها تقول: لعن الله ابن آدم؛ منعنا القطر بشؤم معصيته! فهذا العاصي تجده هيناً ذليلاً عند أهله، بل عند الدواب التي يملكها، كما قال أحد عباد السلف: إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي. فيعصي الله عز وجل فيجد آثار المعصية عندما يركب إبله فيجدها تعصيه وتتمرد عليه، ويعود إلى البيت فترفع زوجته صوتها عليه، فهو ذليل عند أهله، وذليل حتى عند الحيوانات. وشؤم المعصية يؤثر في حياة الإنسان ولو بعد آلاف السنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بديار ثمود نزح الصحابة الماء وعجنوا به العجين؛ حتى يصنعوا منه الخبز، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقوا هذا العجين للنواضح، وهي الإبل التي كانوا يسقون عليها الناس، فعافتها ورفضت أن تأكل من هذا العجين إلا جمل واحد كان أقواهن، فأكل فصار أضعفهن بشؤم المعصية، فقد أثر الماء الذي في الآبار عليه بعد مرور آلاف الأعوام من موت قوم ثمود، وهذا واضح جلي في السيرة. والمولى عز وجل نعت الظالم بأبشع النعوت في القرآن الكريم، نعته بأن له أغراضاً كبيرة في كل شيء، يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء:225]، ونعته بأن قوله يناقض فعله: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:226]، وأنه مرتبط بالأرض ولا يتطلع إلى أفق السماء، وإنما كل ارتباطه وكل همه ملذات الأرض وشهواتها. والدنيا تصمه عما سوى الباطل، وتعميه عن ذكر الله، وذكر الناس فاكهته وقوته، فينادى إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة فلا يجيب النداء، هذا قبر يسعى إلى قبور مثله، ومريض يقوده مثله، فإذا ابتليت بمثل هذا الرجل فأعطه ظاهرك، وترحل عنه بقلبك، فهذا قاطع طريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة، وقطاع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة أشد من قطاع الطريق في دار الدنيا؛ لأن الذي يقطع عليك الطريق في دار الدنيا يأخذ مالك، لكن قاطع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة يأخذ رأس تجارتك مع الله عز وجل، ويأخذ وقتك. ولذلك تلقى السارق بالنسبة للآخرة حاله عجيب جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرق الناس من يسرق من صلاته)، فقد تجد سارقاً يسرق أباه أو أخاه أو أمه أو عمه، لكن هل لقيت سارقاً يسرق نفسه؟! لا يوجد أبداً إلا الذي يسرق من صلاته، والعاصي هو الذي يسرق من صلاته، وهذا شيء عجيب وفريد! فالذي يرتبط بالأرض يكون همه فقط ما يأكله، فليس له هم إلا الطعام والشراب والثياب واللباس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة)، فمن كان همه ما يأكله فقط ولا يتصور أنه أتى إلى الدنيا إلا من أجل الأكل فقط فقيمته ما يخرجه! والذي يرتبط بالأرض قال الله عز وجل عنه: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، فهو مرتبط بالأرض ولا يستطيع أن يرفع نفسه إلى السماء! إذا أنت غمت عليك السماء وظلت حواسك عن صبحها فعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحها ......
دناسة قلب العاصي، والعقوبات المضروبة عليه
العاصي لله عز وجل قلبه دنس، يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [المائدة:41]، إذاً فقلوبهم دنسة وقاسية، وعجباً للناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه وهو أشد! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وما فشت الفاحشة في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع - يعني: الأمراض - التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والحديث حديث صحيح. (وما فشت الفاحشة) أي: الزنا، (في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والواقع خير شاهد. وأنا كطبيب بشري في البكالوريوس أدخلونا متحف البتول فرأينا عينات من الأمراض، أقسم بالله - وأنا غير مبالغ - أنني رأيت حصوة في كلية رجل نزعها الأطباء ووضعوها في المتحف أقسم بالله أنها لا تقل عن حجر كبير كالذي يبنى به البيت، ولا أدري كيف نزعت من كلية هذا الرجل؟! شيء عجيب! وهناك أنواع السرطانات في كل نواحي الجسد، وخاصة أن السرطان يتنقل في أكثر من مكان، فهناك أشياء عجيبة! وتجد مثلاً: الرجل الذي يديم شرب الدخان لو اطلعت على رئته لرأيتها أشد سواداً من القار، فإذا كان هذا تأثير المعاصي في جسد الإنسان فما ظنك بتأثير المعاصي في قلب الإنسان؟! إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن الله عز وجل ضرب على القلب أكثر من ثلاثين مرضاً، وأكثر من ثلاثين عقوبة ذكرها الله عز وجل، فذكر الختم، قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:7]. وذكر الله عز وجل الأكنة، قال تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الأنعام:25]. وذكر الله عز وجل الغطاء، قال تعالى: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:101]. وذكر الله الغلاف، فقال تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88]. وذكر الله عز وجل الحجاب، قال تعالى: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا [الإسراء:45]. وذكر الله عز وجل الوقر والغشاوة والران، قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]. وذكر الله الغل، قال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ [يس:7-8] أي: في قلوبهم أغلالاً. وذكر الله عز وجل السد، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس:9]. وذكر القفل على القلب، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]. وذكر الصمم والبكم والعمى، قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. وذكر الصد والشد والإغفال، قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]. وذكر تقليب الأفئدة، قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110]. وذكر الحول بين المرء وقلبه، وذكر إزاغة القلوب، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]. وذكر الإركاس والتزيين، وإماتة القلب، وجعل القلب قاسياً، فهذه ثلاثون مرضاً، فممكن أن يكون القلب منكساً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمان على الناس يصبح المعروف فيه منكراً، والمنكر فيه معروفاً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصادق، ويؤتمن فيه الخائن، ويخون فيه الأمين، وينطق فيه الرويبضة). ......
حال العاصي عند الموت وفي القبر
إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فإذا كان عند الموت - وما أدراك ما سكرات الموت! هذه اللحظة التي يتغافل عنها ويتناساها كثير من الناس - وأقبل ملك الموت: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27]، وتبدلت بعد الحركات السكون، فهذه اللحظة شديدة قاسية على الظالمين، قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93]، قال الإمام ابن كثير : أي: باسطوا أيديهم بالضرب. وقال الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [محمد:27]، فالملائكة تضرب وجه الرجل ودبره، ويأتيه ملائكة سود الوجوه فيجلسون منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث، فتخاف منه فتتفرق في أجزاء الجسد، فينتزعها من الجسد كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتخرج منها كأنتن جيفة وقعت على وجه الأرض. والحمد لله أنه ليس للذنوب رائحة في دار الدنيا، يقول محمد بن واسع: لو كان للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني من نتن رائحتي. واحمدوا الله عز وجل على العافية، فقد ستر الله عليك من القبيح ما لو فاح لضجت المشام، فلو فاحت آثار الذنوب لزكمت الأنوف من نتن هذه الرائحة. فتخرج منها كأنتن جيفة على وجه الأرض، فيناديه الملائكة بأقبح أسمائه: روح من هذه الخبيثة كانت في الجسد الخبيث؟! ثم إذا أرادوا أن يعرجوا بها إلى ملكوت السماوات فلا تفتح لها أبواب السماء، وتسقط من مكان شاهق إلى الأرض، ثم ينادى من قبل الله عز وجل: أن كذب عبدي، يعني: حتى ولو ما عوقب بالنار فيكفيه أن ملك الملوك يقول له: أنت كذاب! فمن وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟! فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب متى صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وليس هذا قول رابعة، وإنما هو قول أبي فراس الحمداني لابن عمه سيف الدولة الحمداني يوم أن وقع في أسر الروم، فتكاسل عن إنقاذه، فهذا قول المخلوق لمخلوق فما ظنك بقول المخلوق للخالق. (ينادي مناد من قبل الله تعالى: أن كذب عبدي، فاكتبوا كتاب عبدي في سجين، وأعيدوه إلى الأرض، وافتحوا له باباً إلى النار -فيأتيه من سمومها وحميمها ما الله أعلم به-، وافرشوا له فراشاً من النار) . فأول الغيث قطرة! ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تبتلون في قبوركم قريباً من فتنة المسيح الدجال، وعني تسألون). فيأتيه منكر ونكير يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فإن كان الرجل فاسقاً أو عاصياً فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! ويقولان له: من رسولك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فقد كان أبعد الناس عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعرف عن رسوله ولا عن سنته شيئاً، ويقولان له: وما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويوكل به ملك أصم أبكم أعمى معه مرزبة -أي: مطرقة من حديد- فيضربه بها ما بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعه كل من على وجه الأرض إلا الثقلين، ثم يعيد الله خلقه، وتكون حاله هكذا إلى يوم القيامة. وفي الحديث الصحيح: (فيجلس كهيئة المنهوش) أي: مثل الرجل الذي لدغه ثعبان أو حية أو عقرب، فتصور حياة هذا الرجل وحالته هذه! فهذا شيء من عذاب البرزخ! النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. ......
حال العاصي في الموقف أمام الله
ثم إذا أتى إلى ملك الملوك الذي نساه ونسى شرعه في دار الدنيا كيف يكون حاله؟! إنهم يكونون منكسي الرءوس أمام مولاهم، وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [السجدة:12] وهم سود الوجوه، يقول الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60]، ويعرضون على الله عز وجل فيحتقرهم الأشهاد: أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [القيامة:24] أي: عابسة كالحة، تعلوها الظلمة، ويعلوها الغبار، كما قال الله عز وجل: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:40-42]. ويودون أن يباعد الله عز وجل بينهم وبين أعمالهم السيئة، فيقولون: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]. ويقول ابن آدم يوم القيامة: رب! ألم تجرني من الظلم؟ يقول: بلى، يقول: فإني لا أجيز علي شاهداً إلا مني، فيقول له الله عز وجل: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وكفى بالكرام الكاتبين عليك شهوداً، ثم يختم على فيه، وتؤمر أعضاؤه فتنطق عليه بما قدم، ويكون فخذه أول ما ينطق عليه، قال الله عز وجل: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ [يس:65-67]. وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم، فيحمل الرجل سيئاته على ظهره، فيطوق ما بخل به من أموال يوم القيامة إلى سبع أرضين، وهو مذموم مدحور مرذول عند الله عز وجل، ويصبحهم الخزي والعار، يقول الله عز وجل: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ [الأنعام:124]، فماذا بعد هذا الذل؟! ثم بعد ذلك يتمنى الموت يقول: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:27]، ويقول الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32]. ......
إحباط عمل العاصي وحجبه عن رؤية الله عز وجل
ومن العقوبات التي ينالها من بعد عن طريق الله عز وجل إحباط العمل؛ يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22]. واليأس من رحمة الله، يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي [العنكبوت:23]، واليأس من مغفرة الله. ويحرم من رؤيته سبحانه، قال الله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وهذا أشد من عذاب النار، فلا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم، ولا يزكيهم، ويحجبهم عن رؤيته بنص القرآن: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ [المطففين:15-16]، فلا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويحرمهم من النور عند الصراط، ويحول بينهم وبين ما يشتهون، كما قال الله عز وجل: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54]. فهؤلاء الذين يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:13]، فلا خلاق لهم في الآخرة، أي: لا نصيب لهم في الآخرة، وهؤلاء ينسون يوم القيامة، قال تعالى: الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الجاثية:34]، فلا مأوى لهم ولا ناصر، قال تعالى: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الشورى:8]. ثم بعد ذلك: الحشر في عرصات القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر)، فيغشاهم الذل من كل مكان، وتعلوهم النار، ويساقون إلى سجن في جهنم، أليس يكفيهم النار؟ ولماذا السجن؟! ولماذا القيود؟ ولماذا الأغلال؟! هل هم سيهربون؟ والله ما سلسلهم خوفاً من هربهم ولا فرارهم، وإنما سلسلهم زيادة في نكالهم، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى: (بولس) يسقون من عصارة أهل النار (طينة الخبال). قال تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22]، وقال الله عز وجل: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وقال الله عز وجل: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار له لسان فصيح، وعينان تبصران، وأذنان تسمعان، يقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلهاً آخر، فيلتقطون من الموقف لقط الطير حب السمسم، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثانية فيقول: إني وكلت بالمصورين، إني وكلت بالمتكبرين، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثالثة: فيقول: إني وكلت بالمصورين). وإذا حبس هؤلاء في النار جيء بالموازين والصحف، واستعد الناس للحساب، فما ظنك أيها المفرط في عمرك! والمقصر في دهرك بسكان هذه الدار ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، دار يخلد فيها الأسير، ويوقد فيها السعير، طعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم، هذه والله دار الذل والهوان والعذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، أحدثك عن دار غم قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها، يقول الله عز وجل يوم القيامة: (يا ابن آدم! ألم أكرمك وأسودك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأجعلك ترأس وتربع؟ يقول: بلى فيقول: أكنت تظن أنك ملاقي؟ يقول: لا، فيقول له الله عز وجل: فاليوم أنساك كما نسيتني)، فيقوم الرجل في عرصات القيامة وقد حشر الناس حفاة عراة غرلاً، وقد دنت الشمس من رءوسهم، فمنهم من ذهب عرقه في الأرض سبعين ذراعاً، ومنهم من يلجمه عرقه حتى يبلغ إلى أنصاف أذنيه، فيناديه الله تبارك وتعالى: ليقم فلان ابن فلان للعرض على الله عز وجل، فتأخذه الملائكة في العرض على الله عز وجل، فأين يكون قلبك في هذه اللحظة؟ ليقم فلان ابن فلان، والأسماء المتشابهة كثيرة، ولا أحد يقول: يمكن ألا أكون أنا المطلوب، ولا يمكن أحد أن يقول: اسمي ثلاثي أو اسمي رباعي! لا يوجد هذا الكلام، إذا قيل: فلان بن فلان مع تشابه مئات وآلاف من الأسماء المتشابهة والله لا يقوم إلا من وقر في صدره أن هو المعني، وذلك بالخوف الذي يعتريه، فلا يقف أبداً ولا يقوم إلا المعني بالسؤال، فتصوروا هذه الفضيحة على رءوس الأشهاد، ويقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]. تصوروا أناساً يقفون في عرصات القيامة وقد أدنيت الشمس من رءوسهم، فتطحنهم الشمس طحناً، وقاموا أمام الله عز وجل في عرصات القيامة فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، فلم يذوقوا طعاماً، وما شربوا شراباً حتى تقطعت أكبادهم من شدة العطش، ثم يؤمر بهم فيسحبون إلى النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]) . يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به) من سمع سمع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره يوم القيامة. ......
حال العاصي في نار جهنم
ثم بعد ذلك يعرضون على النار، إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12]، يقول سيدنا عمر لـكعب : يا كعب ! هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها بذكر النار، فيقول: يا أمير المؤمنين! يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، فإذا زفرت زفرة فما من دمعة في العيون إلا وقد جفت، وإذا زفرت الأخرى فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا وجثى على ركبتيه وقال: نفسي! نفسي! حتى لو كان لك يا أمير المؤمنين عمل سبعين نبياً إلى عملك لظننت أنك لا تنجو. فانظر يا أخي إلى صفة النار أجارنا الله وإياك منها، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) يعني: عدد الملائكة الذي سيجرون جهنم على عرصات القيامة -هذه النار الكبرى الداهية العظمى التي ما أنذر العباد بشيء أشد منها- أربعة آلاف مليون ملك وتسعمائة مليون ملك، فاضرب سبعين ألفاً في سبعين ألفاً يكون الناتج: أربعة ألف مليون وتسعمائة مليون ملك. وحين يقول الله عز وجل: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30] فيضعون القيد في رقبته، ويبتدره مائة ألف ملك أو يزيدون كلهم يريد أن يضع الغل في عنقه، فيقول: ألا ترحموني؟ فيقولون: كيف ولم يرحمك أرحم الراحمين؟ ويحشرون كما يقول الله تبارك وتعالى إلى جنهم زرقاً، سود الوجوه، زرق العيون، وهذا أبشع منظر عند العرب! أفمن يصرف إلى النار هكذا كمن يزف إلى الجنة؟ فالجنة تقرب من المؤمنين، قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31] حتى تتلقاه الحور العين على عتبة البيت، فالرجل يتكلم من هذه؟ فتقول: قد طال اشتياقي إليك يا ولي الله! وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة إلا وعلى رأسه التيجان تتلقاه الملائكة من كل باب: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، وأعظم من هذا: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]. وأعظم من هذا: سماع القرآن بصوت سيدنا داود، كان إذا تلا الزبور في دار الدنيا تسبح الجبال معه وتؤوب، والطير، وكل الكون يسبح مع سيدنا داود، فإذا تلا القرآن في الجنة أنسى أهل الجنة نعيم الجنان، فكيف إذا رأوا ربهم، يقول: (يا عبادي! ألكم حاجة؟ فيقولون: يا رب ألم تبيض وجوهنا، وتثقل موازيننا، وتغفر ذنوبنا، وتدخلنا الجنة؟ فيقول لهم الله عز وجل: اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً)، فترفع الحجب فينظرون إلى مولاهم فما أعطي أهل الجنة أعظم من النظر إلى وجه الله الكريم. وإذا زاروا ربهم وعادوا إلى أهليهم وجدوهم قد ازدادوا حسناً، وهم قد ازدادوا حسناً في أعين أهليهم، حتى إن الرجل ليحلو في عين أهله سبعين ضعفاً، فبمجرد ما تقعد عنده ثم تلتفت له مرة ثانية يحلو في عينها سبعين ضعفاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقاب قوسين أو موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، وفي رواية: (ولنصيفها خير من الدنيا وما فيها) والنصيف: هو الخمار الذي على جيبها وصدرها فإذا كان نصيفها خير من الدنيا وما فيها فكيف ستكون الحور العين؟! وكم سيكون قدرها عند الله عز وجل؟ قد هيئوك لأمر لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وانظروا إلى الطرف الآخر: هذا الرجل العاصي الذي دخل النار يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حرارة النفس الذي يخرج منه؛ لأنه يتنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم شخص من أهل النار فتنفس لاحترق المسجد بمن فيه) فإذا كان هذا نفس يخرج منه فيحرق مسجداً فيه مائة ألف مصل فكيف ستكون أجوافهم من الداخل؟ وإذا كان لم يدخل النار والعرق ينزل في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمه حتى يكاد يغرقه فإذا دخل النار فكيف ستكون حاله؟! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم)، فكيف بمن يكون الزقوم طعامه وشرابه؟! إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الدخان:43-47]. وقال الله تبارك وتعالى: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:62-68]. سبحان الله! إذا كان هذا وصف لون واحد من الطعام فكيف بالشراب؟ وكيف بالثياب؟ ولقبح المنظر يقوم الشيطان بينهم خطيباً ويلعن بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها! وأما شرابهم فقال الله عز وجل: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] وقال الله عز وجل: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف:29] أي: مثل الزيت الأسود المغلي: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29] وقال الله عز وجل: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]. إن طاعة الله أهون علينا من هذا كله! فكيف لا تحب من أنت به، وبقاؤك منه، وتدبيرك بيده، ورجوعك إليه وكل مستحسن في الوجود هو حسنه وجمله وزينه، وعطف النفوس إليه، لقد أعطاك أيتها النفس! ما لم تأمري، وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من القبيح ما لو فاح لضجت المشام، فكم عدو حط منك بالذم فرقاك، وكم أعطش من شراب الأماني خلقاً وسقاك، وكم أمات بعض من لم يبلغ مرادك وأبقاك!! أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا أنا العبد الذي أمسى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا أنا العبد الذي سطرت عليه صحائف لم يخف فيها الرقيبا أنا الغدار كم عاهدت عهداً وكنت على الوفاء به كذوبا أنا العبد المخلف عن أناس حووا من كل معروف نصيبا أنا العبد الغريق بلج بحر أصيح لربما ألقى مجيبا أنا العبد الفقير مددت كفي إليكم فادفعوا عني الخطوبا أنا العبد السقيم من الخطايا وجئت الآن ألتمس الطبيبا أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا أنا العبد المفرط ضاع عمري ولم أرع الشبيبة والمشيبا فواأسفا على عمر تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا وأحذر أن يعاجلني ممات يحير هول مطلعه اللبيبا وواذلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا وذلة موقف وحساب عدل أكون به على نفسي حسيبا وواخوفاه من نار تلظى إذا زفرت وأقلقت القلوبا تكاد إذا بدت تنشق غيظاً على من كان ظلاماً مريدا فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما آن الأوان أن تتوبا وكن للصالحين أخاً وخلاً وكن في هذه الدنيا غريبا آن الأوان لتوبتنا! اللهم ارحم ذل مقامنا بين يديك، وبغض إلينا ساعات أكلنا وشربنا ونومنا واكفنا من النوم باليسير، واحشرنا مع نبينا في دار رضوانك غير مبدلين ولا مفتونين، ولا شاكين ولا مرتابين. اللهم إنا نسألك لذة العيش بعد الموت، والنظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك. اللهم اجعلنا لك ذكارين لك شكارين، إليك أواهين، لك منيبين، وتقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ......
إن للذنوب والمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع في الدنيا، حيث يعم البلاء، وينزل العقاب، وتفسد الأرض وتتغير بشؤم معصية بني آدم. وللمعصية آثار على الفرد في أخراه من وقت سكرات الموت، ومعاينته لملائكة العذاب، حتى يصل إلى جهنم فيقذف فيها حقيراً مهيناً ذليلاً، فيأتيه من حرها وزقومها وزمهريرها وحميمها ما لا تستوعبه العقول، ويعذب خالداً مخلداً فيها بسبب جنايته على نفسه، وإعراضه عن طاعة ربه سبحانه وتعالى!
شتان بين الفريقين: الصالح والطالح
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]. أما بعد: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده)، كما لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وكما لا يستوي الأحياء ولا الأموات؛ فلا يستوي في ميزان الله عز وجل من أقبل على الله عز وجل ومن أعرض عنه. أفمن بقي مع الله عز وجل كمن أعرض عن الله عز وجل؟! أفمن رغب إلى الله عز وجل كمن رغب عن الله عز وجل؟! لا يستويان ولا يلتقيان. أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي فإما أن تكون في معية الله عز وجل، وإما أن تكون ولياً للشيطان، فإياك أن تكون ولياً للشيطان في السر عدواً له في العلانية! يقول الشاعر: عباد أعرضوا عنا بلا جرم ولا معنى أساءوا ظنهم فينا فهلا أحسنوا الظنا فإن خانوا فما خنا وإن عادوا فقد عدنا وإن كانوا قد استغنوا فإنا عنهم أغنى فإذا كان هذا قول مخلوق لمخلوق فما ظنك ببعد العاصي عن الله عز وجل! قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم. يقول الشاعر: أيها المعرض عنا إن إعراضك منا لو أردناك جعلنا كل ما فيك يردنا ويقول الآخر: يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها أنجاك ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بظهوره أعلاك ومن الذي تعصي ويغفر دائماً ومن الذي تنسى ولا ينساك فإما العز مع الله عز وجل، مع ملك الملوك الذي له ملك الدنيا والآخرة، وله ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإما الخزي والعار والشنار! ألم يقل الله عز وجل: وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5]؟! ألم يقل الله عز وجل: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10]؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج:45]؟! ألم يقل الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:104]؟! ألم يقل الله عز وجل: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]؟ ألم يقل الله عز وجل: فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23]؟! ألم يقل الله عز وجل: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]؟! ألم يقل الله عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:36-38]؟! قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن للسيئة سواداً في الوجه، وضيقاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق. وجاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر. وإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس وجاء رجل إلى أحد الصالحين فقال له: قد مات اليوم عزي وسندي، مات ابن عم لي، وكان ممن تولى منصباً رفيعاً في الدنيا، قال: فلم جعلت عزك إلى من يموت؟! واجعل بربك كل عزك يستقر ويثبت فإن اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت ......
أثر المعصية وشؤمها على غير العاصي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مروا عليه بجنازة: (مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: أما العبد المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وتعبها إلى سعة رحمة الله عز وجل، وأما العبد الكافر أو الفاسق فتستريح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب)، فحتى الجماد يحس بوطأة الفاسق، وبوطأة العاصي، وأن بقاءه في الدنيا حرب على أهل الأرض. وجاء في الأثر: أن عقارب الأرض وهوامها تقول: لعن الله ابن آدم؛ منعنا القطر بشؤم معصيته! فهذا العاصي تجده هيناً ذليلاً عند أهله، بل عند الدواب التي يملكها، كما قال أحد عباد السلف: إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي. فيعصي الله عز وجل فيجد آثار المعصية عندما يركب إبله فيجدها تعصيه وتتمرد عليه، ويعود إلى البيت فترفع زوجته صوتها عليه، فهو ذليل عند أهله، وذليل حتى عند الحيوانات. وشؤم المعصية يؤثر في حياة الإنسان ولو بعد آلاف السنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بديار ثمود نزح الصحابة الماء وعجنوا به العجين؛ حتى يصنعوا منه الخبز، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقوا هذا العجين للنواضح، وهي الإبل التي كانوا يسقون عليها الناس، فعافتها ورفضت أن تأكل من هذا العجين إلا جمل واحد كان أقواهن، فأكل فصار أضعفهن بشؤم المعصية، فقد أثر الماء الذي في الآبار عليه بعد مرور آلاف الأعوام من موت قوم ثمود، وهذا واضح جلي في السيرة. والمولى عز وجل نعت الظالم بأبشع النعوت في القرآن الكريم، نعته بأن له أغراضاً كبيرة في كل شيء، يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء:225]، ونعته بأن قوله يناقض فعله: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:226]، وأنه مرتبط بالأرض ولا يتطلع إلى أفق السماء، وإنما كل ارتباطه وكل همه ملذات الأرض وشهواتها. والدنيا تصمه عما سوى الباطل، وتعميه عن ذكر الله، وذكر الناس فاكهته وقوته، فينادى إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة فلا يجيب النداء، هذا قبر يسعى إلى قبور مثله، ومريض يقوده مثله، فإذا ابتليت بمثل هذا الرجل فأعطه ظاهرك، وترحل عنه بقلبك، فهذا قاطع طريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة، وقطاع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة أشد من قطاع الطريق في دار الدنيا؛ لأن الذي يقطع عليك الطريق في دار الدنيا يأخذ مالك، لكن قاطع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة يأخذ رأس تجارتك مع الله عز وجل، ويأخذ وقتك. ولذلك تلقى السارق بالنسبة للآخرة حاله عجيب جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرق الناس من يسرق من صلاته)، فقد تجد سارقاً يسرق أباه أو أخاه أو أمه أو عمه، لكن هل لقيت سارقاً يسرق نفسه؟! لا يوجد أبداً إلا الذي يسرق من صلاته، والعاصي هو الذي يسرق من صلاته، وهذا شيء عجيب وفريد! فالذي يرتبط بالأرض يكون همه فقط ما يأكله، فليس له هم إلا الطعام والشراب والثياب واللباس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة)، فمن كان همه ما يأكله فقط ولا يتصور أنه أتى إلى الدنيا إلا من أجل الأكل فقط فقيمته ما يخرجه! والذي يرتبط بالأرض قال الله عز وجل عنه: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، فهو مرتبط بالأرض ولا يستطيع أن يرفع نفسه إلى السماء! إذا أنت غمت عليك السماء وظلت حواسك عن صبحها فعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحها ......
دناسة قلب العاصي، والعقوبات المضروبة عليه
العاصي لله عز وجل قلبه دنس، يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [المائدة:41]، إذاً فقلوبهم دنسة وقاسية، وعجباً للناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه وهو أشد! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وما فشت الفاحشة في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع - يعني: الأمراض - التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والحديث حديث صحيح. (وما فشت الفاحشة) أي: الزنا، (في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والواقع خير شاهد. وأنا كطبيب بشري في البكالوريوس أدخلونا متحف البتول فرأينا عينات من الأمراض، أقسم بالله - وأنا غير مبالغ - أنني رأيت حصوة في كلية رجل نزعها الأطباء ووضعوها في المتحف أقسم بالله أنها لا تقل عن حجر كبير كالذي يبنى به البيت، ولا أدري كيف نزعت من كلية هذا الرجل؟! شيء عجيب! وهناك أنواع السرطانات في كل نواحي الجسد، وخاصة أن السرطان يتنقل في أكثر من مكان، فهناك أشياء عجيبة! وتجد مثلاً: الرجل الذي يديم شرب الدخان لو اطلعت على رئته لرأيتها أشد سواداً من القار، فإذا كان هذا تأثير المعاصي في جسد الإنسان فما ظنك بتأثير المعاصي في قلب الإنسان؟! إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن الله عز وجل ضرب على القلب أكثر من ثلاثين مرضاً، وأكثر من ثلاثين عقوبة ذكرها الله عز وجل، فذكر الختم، قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:7]. وذكر الله عز وجل الأكنة، قال تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الأنعام:25]. وذكر الله عز وجل الغطاء، قال تعالى: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:101]. وذكر الله الغلاف، فقال تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88]. وذكر الله عز وجل الحجاب، قال تعالى: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا [الإسراء:45]. وذكر الله عز وجل الوقر والغشاوة والران، قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]. وذكر الله الغل، قال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ [يس:7-8] أي: في قلوبهم أغلالاً. وذكر الله عز وجل السد، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس:9]. وذكر القفل على القلب، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]. وذكر الصمم والبكم والعمى، قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. وذكر الصد والشد والإغفال، قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]. وذكر تقليب الأفئدة، قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110]. وذكر الحول بين المرء وقلبه، وذكر إزاغة القلوب، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]. وذكر الإركاس والتزيين، وإماتة القلب، وجعل القلب قاسياً، فهذه ثلاثون مرضاً، فممكن أن يكون القلب منكساً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمان على الناس يصبح المعروف فيه منكراً، والمنكر فيه معروفاً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصادق، ويؤتمن فيه الخائن، ويخون فيه الأمين، وينطق فيه الرويبضة). ......
حال العاصي عند الموت وفي القبر
إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فإذا كان عند الموت - وما أدراك ما سكرات الموت! هذه اللحظة التي يتغافل عنها ويتناساها كثير من الناس - وأقبل ملك الموت: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27]، وتبدلت بعد الحركات السكون، فهذه اللحظة شديدة قاسية على الظالمين، قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93]، قال الإمام ابن كثير : أي: باسطوا أيديهم بالضرب. وقال الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [محمد:27]، فالملائكة تضرب وجه الرجل ودبره، ويأتيه ملائكة سود الوجوه فيجلسون منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث، فتخاف منه فتتفرق في أجزاء الجسد، فينتزعها من الجسد كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتخرج منها كأنتن جيفة وقعت على وجه الأرض. والحمد لله أنه ليس للذنوب رائحة في دار الدنيا، يقول محمد بن واسع: لو كان للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني من نتن رائحتي. واحمدوا الله عز وجل على العافية، فقد ستر الله عليك من القبيح ما لو فاح لضجت المشام، فلو فاحت آثار الذنوب لزكمت الأنوف من نتن هذه الرائحة. فتخرج منها كأنتن جيفة على وجه الأرض، فيناديه الملائكة بأقبح أسمائه: روح من هذه الخبيثة كانت في الجسد الخبيث؟! ثم إذا أرادوا أن يعرجوا بها إلى ملكوت السماوات فلا تفتح لها أبواب السماء، وتسقط من مكان شاهق إلى الأرض، ثم ينادى من قبل الله عز وجل: أن كذب عبدي، يعني: حتى ولو ما عوقب بالنار فيكفيه أن ملك الملوك يقول له: أنت كذاب! فمن وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟! فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب متى صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وليس هذا قول رابعة، وإنما هو قول أبي فراس الحمداني لابن عمه سيف الدولة الحمداني يوم أن وقع في أسر الروم، فتكاسل عن إنقاذه، فهذا قول المخلوق لمخلوق فما ظنك بقول المخلوق للخالق. (ينادي مناد من قبل الله تعالى: أن كذب عبدي، فاكتبوا كتاب عبدي في سجين، وأعيدوه إلى الأرض، وافتحوا له باباً إلى النار -فيأتيه من سمومها وحميمها ما الله أعلم به-، وافرشوا له فراشاً من النار) . فأول الغيث قطرة! ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تبتلون في قبوركم قريباً من فتنة المسيح الدجال، وعني تسألون). فيأتيه منكر ونكير يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فإن كان الرجل فاسقاً أو عاصياً فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! ويقولان له: من رسولك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فقد كان أبعد الناس عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعرف عن رسوله ولا عن سنته شيئاً، ويقولان له: وما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويوكل به ملك أصم أبكم أعمى معه مرزبة -أي: مطرقة من حديد- فيضربه بها ما بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعه كل من على وجه الأرض إلا الثقلين، ثم يعيد الله خلقه، وتكون حاله هكذا إلى يوم القيامة. وفي الحديث الصحيح: (فيجلس كهيئة المنهوش) أي: مثل الرجل الذي لدغه ثعبان أو حية أو عقرب، فتصور حياة هذا الرجل وحالته هذه! فهذا شيء من عذاب البرزخ! النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. ......
حال العاصي في الموقف أمام الله
ثم إذا أتى إلى ملك الملوك الذي نساه ونسى شرعه في دار الدنيا كيف يكون حاله؟! إنهم يكونون منكسي الرءوس أمام مولاهم، وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [السجدة:12] وهم سود الوجوه، يقول الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60]، ويعرضون على الله عز وجل فيحتقرهم الأشهاد: أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [القيامة:24] أي: عابسة كالحة، تعلوها الظلمة، ويعلوها الغبار، كما قال الله عز وجل: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:40-42]. ويودون أن يباعد الله عز وجل بينهم وبين أعمالهم السيئة، فيقولون: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]. ويقول ابن آدم يوم القيامة: رب! ألم تجرني من الظلم؟ يقول: بلى، يقول: فإني لا أجيز علي شاهداً إلا مني، فيقول له الله عز وجل: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وكفى بالكرام الكاتبين عليك شهوداً، ثم يختم على فيه، وتؤمر أعضاؤه فتنطق عليه بما قدم، ويكون فخذه أول ما ينطق عليه، قال الله عز وجل: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ [يس:65-67]. وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم، فيحمل الرجل سيئاته على ظهره، فيطوق ما بخل به من أموال يوم القيامة إلى سبع أرضين، وهو مذموم مدحور مرذول عند الله عز وجل، ويصبحهم الخزي والعار، يقول الله عز وجل: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ [الأنعام:124]، فماذا بعد هذا الذل؟! ثم بعد ذلك يتمنى الموت يقول: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:27]، ويقول الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32]. ......
إحباط عمل العاصي وحجبه عن رؤية الله عز وجل
ومن العقوبات التي ينالها من بعد عن طريق الله عز وجل إحباط العمل؛ يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22]. واليأس من رحمة الله، يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي [العنكبوت:23]، واليأس من مغفرة الله. ويحرم من رؤيته سبحانه، قال الله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وهذا أشد من عذاب النار، فلا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم، ولا يزكيهم، ويحجبهم عن رؤيته بنص القرآن: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ [المطففين:15-16]، فلا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويحرمهم من النور عند الصراط، ويحول بينهم وبين ما يشتهون، كما قال الله عز وجل: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54]. فهؤلاء الذين يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:13]، فلا خلاق لهم في الآخرة، أي: لا نصيب لهم في الآخرة، وهؤلاء ينسون يوم القيامة، قال تعالى: الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الجاثية:34]، فلا مأوى لهم ولا ناصر، قال تعالى: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الشورى:8]. ثم بعد ذلك: الحشر في عرصات القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر)، فيغشاهم الذل من كل مكان، وتعلوهم النار، ويساقون إلى سجن في جهنم، أليس يكفيهم النار؟ ولماذا السجن؟! ولماذا القيود؟ ولماذا الأغلال؟! هل هم سيهربون؟ والله ما سلسلهم خوفاً من هربهم ولا فرارهم، وإنما سلسلهم زيادة في نكالهم، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى: (بولس) يسقون من عصارة أهل النار (طينة الخبال). قال تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22]، وقال الله عز وجل: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وقال الله عز وجل: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار له لسان فصيح، وعينان تبصران، وأذنان تسمعان، يقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلهاً آخر، فيلتقطون من الموقف لقط الطير حب السمسم، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثانية فيقول: إني وكلت بالمصورين، إني وكلت بالمتكبرين، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثالثة: فيقول: إني وكلت بالمصورين). وإذا حبس هؤلاء في النار جيء بالموازين والصحف، واستعد الناس للحساب، فما ظنك أيها المفرط في عمرك! والمقصر في دهرك بسكان هذه الدار ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، دار يخلد فيها الأسير، ويوقد فيها السعير، طعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم، هذه والله دار الذل والهوان والعذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، أحدثك عن دار غم قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها، يقول الله عز وجل يوم القيامة: (يا ابن آدم! ألم أكرمك وأسودك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأجعلك ترأس وتربع؟ يقول: بلى فيقول: أكنت تظن أنك ملاقي؟ يقول: لا، فيقول له الله عز وجل: فاليوم أنساك كما نسيتني)، فيقوم الرجل في عرصات القيامة وقد حشر الناس حفاة عراة غرلاً، وقد دنت الشمس من رءوسهم، فمنهم من ذهب عرقه في الأرض سبعين ذراعاً، ومنهم من يلجمه عرقه حتى يبلغ إلى أنصاف أذنيه، فيناديه الله تبارك وتعالى: ليقم فلان ابن فلان للعرض على الله عز وجل، فتأخذه الملائكة في العرض على الله عز وجل، فأين يكون قلبك في هذه اللحظة؟ ليقم فلان ابن فلان، والأسماء المتشابهة كثيرة، ولا أحد يقول: يمكن ألا أكون أنا المطلوب، ولا يمكن أحد أن يقول: اسمي ثلاثي أو اسمي رباعي! لا يوجد هذا الكلام، إذا قيل: فلان بن فلان مع تشابه مئات وآلاف من الأسماء المتشابهة والله لا يقوم إلا من وقر في صدره أن هو المعني، وذلك بالخوف الذي يعتريه، فلا يقف أبداً ولا يقوم إلا المعني بالسؤال، فتصوروا هذه الفضيحة على رءوس الأشهاد، ويقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]. تصوروا أناساً يقفون في عرصات القيامة وقد أدنيت الشمس من رءوسهم، فتطحنهم الشمس طحناً، وقاموا أمام الله عز وجل في عرصات القيامة فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، فلم يذوقوا طعاماً، وما شربوا شراباً حتى تقطعت أكبادهم من شدة العطش، ثم يؤمر بهم فيسحبون إلى النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]) . يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به) من سمع سمع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره يوم القيامة. ......
حال العاصي في نار جهنم
ثم بعد ذلك يعرضون على النار، إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12]، يقول سيدنا عمر لـكعب : يا كعب ! هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها بذكر النار، فيقول: يا أمير المؤمنين! يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، فإذا زفرت زفرة فما من دمعة في العيون إلا وقد جفت، وإذا زفرت الأخرى فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا وجثى على ركبتيه وقال: نفسي! نفسي! حتى لو كان لك يا أمير المؤمنين عمل سبعين نبياً إلى عملك لظننت أنك لا تنجو. فانظر يا أخي إلى صفة النار أجارنا الله وإياك منها، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) يعني: عدد الملائكة الذي سيجرون جهنم على عرصات القيامة -هذه النار الكبرى الداهية العظمى التي ما أنذر العباد بشيء أشد منها- أربعة آلاف مليون ملك وتسعمائة مليون ملك، فاضرب سبعين ألفاً في سبعين ألفاً يكون الناتج: أربعة ألف مليون وتسعمائة مليون ملك. وحين يقول الله عز وجل: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30] فيضعون القيد في رقبته، ويبتدره مائة ألف ملك أو يزيدون كلهم يريد أن يضع الغل في عنقه، فيقول: ألا ترحموني؟ فيقولون: كيف ولم يرحمك أرحم الراحمين؟ ويحشرون كما يقول الله تبارك وتعالى إلى جنهم زرقاً، سود الوجوه، زرق العيون، وهذا أبشع منظر عند العرب! أفمن يصرف إلى النار هكذا كمن يزف إلى الجنة؟ فالجنة تقرب من المؤمنين، قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31] حتى تتلقاه الحور العين على عتبة البيت، فالرجل يتكلم من هذه؟ فتقول: قد طال اشتياقي إليك يا ولي الله! وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة إلا وعلى رأسه التيجان تتلقاه الملائكة من كل باب: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، وأعظم من هذا: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]. وأعظم من هذا: سماع القرآن بصوت سيدنا داود، كان إذا تلا الزبور في دار الدنيا تسبح الجبال معه وتؤوب، والطير، وكل الكون يسبح مع سيدنا داود، فإذا تلا القرآن في الجنة أنسى أهل الجنة نعيم الجنان، فكيف إذا رأوا ربهم، يقول: (يا عبادي! ألكم حاجة؟ فيقولون: يا رب ألم تبيض وجوهنا، وتثقل موازيننا، وتغفر ذنوبنا، وتدخلنا الجنة؟ فيقول لهم الله عز وجل: اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً)، فترفع الحجب فينظرون إلى مولاهم فما أعطي أهل الجنة أعظم من النظر إلى وجه الله الكريم. وإذا زاروا ربهم وعادوا إلى أهليهم وجدوهم قد ازدادوا حسناً، وهم قد ازدادوا حسناً في أعين أهليهم، حتى إن الرجل ليحلو في عين أهله سبعين ضعفاً، فبمجرد ما تقعد عنده ثم تلتفت له مرة ثانية يحلو في عينها سبعين ضعفاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقاب قوسين أو موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، وفي رواية: (ولنصيفها خير من الدنيا وما فيها) والنصيف: هو الخمار الذي على جيبها وصدرها فإذا كان نصيفها خير من الدنيا وما فيها فكيف ستكون الحور العين؟! وكم سيكون قدرها عند الله عز وجل؟ قد هيئوك لأمر لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وانظروا إلى الطرف الآخر: هذا الرجل العاصي الذي دخل النار يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حرارة النفس الذي يخرج منه؛ لأنه يتنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم شخص من أهل النار فتنفس لاحترق المسجد بمن فيه) فإذا كان هذا نفس يخرج منه فيحرق مسجداً فيه مائة ألف مصل فكيف ستكون أجوافهم من الداخل؟ وإذا كان لم يدخل النار والعرق ينزل في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمه حتى يكاد يغرقه فإذا دخل النار فكيف ستكون حاله؟! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم)، فكيف بمن يكون الزقوم طعامه وشرابه؟! إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الدخان:43-47]. وقال الله تبارك وتعالى: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:62-68]. سبحان الله! إذا كان هذا وصف لون واحد من الطعام فكيف بالشراب؟ وكيف بالثياب؟ ولقبح المنظر يقوم الشيطان بينهم خطيباً ويلعن بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها! وأما شرابهم فقال الله عز وجل: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] وقال الله عز وجل: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف:29] أي: مثل الزيت الأسود المغلي: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29] وقال الله عز وجل: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]. إن طاعة الله أهون علينا من هذا كله! فكيف لا تحب من أنت به، وبقاؤك منه، وتدبيرك بيده، ورجوعك إليه وكل مستحسن في الوجود هو حسنه وجمله وزينه، وعطف النفوس إليه، لقد أعطاك أيتها النفس! ما لم تأمري، وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من القبيح ما لو فاح لضجت المشام، فكم عدو حط منك بالذم فرقاك، وكم أعطش من شراب الأماني خلقاً وسقاك، وكم أمات بعض من لم يبلغ مرادك وأبقاك!! أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا أنا العبد الذي أمسى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا أنا العبد الذي سطرت عليه صحائف لم يخف فيها الرقيبا أنا الغدار كم عاهدت عهداً وكنت على الوفاء به كذوبا أنا العبد المخلف عن أناس حووا من كل معروف نصيبا أنا العبد الغريق بلج بحر أصيح لربما ألقى مجيبا أنا العبد الفقير مددت كفي إليكم فادفعوا عني الخطوبا أنا العبد السقيم من الخطايا وجئت الآن ألتمس الطبيبا أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا أنا العبد المفرط ضاع عمري ولم أرع الشبيبة والمشيبا فواأسفا على عمر تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا وأحذر أن يعاجلني ممات يحير هول مطلعه اللبيبا وواذلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا وذلة موقف وحساب عدل أكون به على نفسي حسيبا وواخوفاه من نار تلظى إذا زفرت وأقلقت القلوبا تكاد إذا بدت تنشق غيظاً على من كان ظلاماً مريدا فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما آن الأوان أن تتوبا وكن للصالحين أخاً وخلاً وكن في هذه الدنيا غريبا آن الأوان لتوبتنا! اللهم ارحم ذل مقامنا بين يديك، وبغض إلينا ساعات أكلنا وشربنا ونومنا واكفنا من النوم باليسير، واحشرنا مع نبينا في دار رضوانك غير مبدلين ولا مفتونين، ولا شاكين ولا مرتابين. اللهم إنا نسألك لذة العيش بعد الموت، والنظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك. اللهم اجعلنا لك ذكارين لك شكارين، إليك أواهين، لك منيبين، وتقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ......
مواضيع مماثلة
» آثار ترك الذنوب والمعاصي
» خلوات الذنوب
» اثار الذنوب
» الاستغفار لو عظمت الذنوب
» صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب
» خلوات الذنوب
» اثار الذنوب
» الاستغفار لو عظمت الذنوب
» صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin