بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 12 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 12 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
تنبيه الغافلين من مزالق المنافقين باستهزائهم بالدين واهله المؤمنين
صفحة 1 من اصل 1
تنبيه الغافلين من مزالق المنافقين باستهزائهم بالدين واهله المؤمنين
يقول الله "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين"التوبة 65-66
اغلب كتب التفسير ذكرت في مناسبة هذه الآية
عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرّاءنا - علمائنا- هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء.
فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته،
فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله: { مجرمين } وإن رجليه لتنسفان الحجارة- تطيار الحجارة- وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة- زمام بعير- رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هذا في حال الاستهزاء والتعدي ورمي بما لا يلق بالعلماء فكيف برب العلماء؟؟
"قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ"
قال ابن الجوزي في زاد المسير " وقوله قد كفرتم أي قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ..."
وقال البغوي في معالم التنزيل " فإن قيل: كيف قال: كفرتم بعد إيمانكم، وهم لم يكونوا مؤمنين؟ قيل: معناه:أظهرتم الكفر بعدما أظهرتم الإيمان."
قال الرازي في مفاتيح الغيب " اعلم أنه لا حاجة في معرفة هذه الآية إلى هذه الروايات فإنها تدل على أنهم ذكروا كلاماً فاسداً على سبيل الطعن والاستهزاء ، فلما أخبرهم الرسول بأنهم قالوا ذلك خافوا واعتذروا عنه بأنا إنما قلنا ذلك على وجه اللعب لا على سبيل الجد وذلك قولهم إنما كنا نخوض ونلعب أي ما قلنا ذلك إلا لأجل اللعب ، وهذا يدل على أن كلمة «إنما» تفيد الحصر إذ لو لم يكن ذلك لم يلزم من كونهم لاعبين أن لا يكونوا مستهزئين فحينئذ لا يتم هذا العذر
قال الواحدي : أصل الخوض الدخول في مائع من الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وأذى ، والمعنى : أنا كنا نخوض ونلعب في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق ، فأجابهم الرسول بقوله : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن }
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : فرق بين قولك أتستهزىء بالله ، وبين قولك أبالله تستهزىء ، فالأول يقتضي الإنكار على عمل الاستهزاء ، والثاني : يقتضي الإنكار على إيقاع الاستهزاء في الله ، كأنه يقول هب أنك قد تقدم على الاستهزاء ولكن كيف أقدمت على إيقاع الاستهزاء في الله ونظيره قوله تعالى { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [ الصافات : 47 ] والمقصود : ليس نفي الغول ، بل نفي أن يكون خمر الجنة محلاً للغول .
المسألة الثانية : أنه تعالى حكى عنهم أنهم يستهزئون بالله وآياته ورسوله ، ومعلوم أن الاستهزاء بالله محال . فلا بد له من تأويل وفيه وجوه :
الأول : المراد بالاستهزاء بالله هو الاستهزاء بتكاليف الله تعالى .
الثاني : يحتمل أن يكون المراد الاستهزاء بذكر الله ، فإن أسماء الله قد يستهزىء الكافر بها كما أن المؤمن يعظمها ويمجدها . قال تعالى : { سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى } [ الأعلى : 1 ] فأمر المؤمن بتعظيم اسم الله . وقال : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ } [ الأعراف : 180 ] فلا يمتنع أن يقال : { أبالله } ويراد : أبذكر الله .
الثالث : لعل المنافقين لما قالوا : كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشأم وقصورها . قال بعض المسلمين : الله يعينه على ذلك وينصره عليهم ، ثم إن بعض الجهال من المنافقين ذكر كلاماً مشعراً بالقدح في قدرة الله كما هو عادات الجهال والمُلْحِدَة ، فكان المراد ذلك .
وأما قوله : { وءاياته } فالمراد بها القرآن ، وسائر ما يدل على الدين . وقوله : { وَرَسُولُهُ } معلوم ، وذلك يدل على أن القوم إنما ذكروا ما ذكروه على سبيل الاستهزاء .
ثم قال تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل الواحدي عن أهل اللغة في لفظ الاعتذار قولين :
القول الأول : أنه عبارة عن محو الذنب من قولهم : اعتذرت المنازل إذا درست . يقال : مررت بمنزل معتذر ، والاعتذار هو الدرس وأخذ الاعتذار منه . لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه .
والقول الثاني : حكى ابن الأعرابي أن الاعتذار هو القطع ، ومنه يقال للقلفة عذرة لأنها تقطع ، وعذرة الجارية سميت عذرة لأنها تعذر أي تقطع ، ويقال اعتذرت المياه إذا انقطعت ، فالعذر لما كان سبباً لقطع اللوم سمي عذراً ، قال الواحدي : والقولان متقاربان ، لأن محو أثر الذنب وقطع اللوم يتقاربان .
المسألة الثانية : أنه تعالى بين أن ذلك الاستهزاء كان كفراً ، والعقل يقتضي أن الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز ، فثبت أن قولهم { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ما كان عذراً حقيقياً في الإقدام على ذلك الاستهزاء ، فلما لم يكن ذلك عذراً في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به لأن المنع عن الكلام الباطل واجب . فقال : { لاَ تَعْتَذِرُواْ } أي لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم .
المسألة الثالثة : قوله : { قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم } يدل على أحكام .
الحكم الأول
أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرٌ بالله . وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال .
الحكم الثاني أنه يدل على بطلان قول من يقول ، الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب .
الحكم الثالث يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة ، وإن كانوا منافقين من قبل وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالاً فحالاً .
الحكم الرابع يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين .
ولقائل أن يقول : القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك؟
قلنا : قال الحسن : المراد كفرتم بعد إيمانكم الذي أظهرتموه ، وقال آخرون : ظهر كفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين ، والقولان متقاربان ."
وفي تيسير العزيز الحميد ل سليمان بن عبد الوهاب " فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فتبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه وقوله إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة قال ابن كثير أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم بأنهم كانوا مجرمين بهذه المقالة الفاجرة"
قال السعدي " لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه وتعظيم [ ص 343 ] دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة
ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
وقوله { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ } لتوبتهم واستغفارهم وندمهم { نُعَذِّبْ طَائِفَةً } منكم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُوا مُجْرِمِينَ } مقيمين على كفرهم ونفاقهم
وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه أشد العقوبة
وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر باللّه العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما "
وفي أعلام السنة المنشورة للحافظ الحكمي "
س : إذا قيل لنا : هل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين ونحو ذلك هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر ، فلم كان مخرجا من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي ؟
جـ : اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده ، لا يبقى معها شيء من ذلك ، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد ، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق أو معاند مارد ، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن { قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } إلا ذلك مع قولهم لما سئلوا : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } . قال الله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }{ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقا ، بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله ."
قلت معنى قول القلب: المعرفة والتصديق والاعتقاد وهذا النوع لا يجزئ معه الايمان حتى يدخله أي عمل من اعمال القلوب
وعمل القلب هو : التوكل على الله والخوف منه والرجاء والخشية والرضا والتسليم والحب .. الخ
وقال ابن حزم في الفصل في الملل " فنص تعالى على أن الإستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الإستهزاء ومن أدعى غير هذا فقد قول ا لله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى وقال عز و جل إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليوطؤا عدة ما حرم الله
قال أبو محمد وبحكم اللغة التي بها نزل القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز و جل لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله "
وفي فتح المجيد " قال شيخ الإسلام: وقد أمره الله تعالى أن يقول لهم: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وقول من يقول: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم؛ فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم، وهم مع خواصهم ما زالوا كذلك، ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين".
وقال -رحمه الله- في موضع آخر: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له; بل إنما كنا نخوض ونلعب. وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر. ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدرا بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه. كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} - إلى قوله -: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان "
وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل به، وأشدها خطرا إرادات القلوب فهي كالبحر الذي لا ساحل له، ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله.
وفي الحاشية قوله: (ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله) أقول: هذا القول فيه إجمال, والصواب التفصيل فإن كان الاستهزاء بالعلم الشرعي أو بالعلماء لأجله فلا شك أن ذلك ردة عن الإسلام؛ لأنه تنقص لما عظمه الله واستخفاف به, وفي ضمن ذلك احتقاره والتكذيب به, أما إن كان الاستهزاء بالعلماء يرجع إلى أمر آخر كالملابس أو حرص بعضهم على الدنيا أو اعتيادهم خلاف ما عليه الناس من العوائد التي لا تعلق لها بالشرع، أو لما يشبه ذلك، فهذا وأشباهه لا يكون ردة عن الإسلام؛ لأنه لا يرجع إلى الدين، وإنما يرجع الى أمور أخرى. والله سبحانه وتعالى أعلم."
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين " فالمستهزئ قصد الكلام وقصد معناه لكن على سبيل السخرية والهزؤ فلذلك كان كافرا بخلاف الإنسان الذي لم يقصد فإنه لا يعتبر قوله شيئاً .
وهذا من رحمة الله عز وجل والله الموفق ."
وقال في موضع " فبين الله عز وجل أن هؤلاء كفروا بعد إيمانهم باستهزائهم بالله وآياته ورسوله، ولهذا يجب على الإنسان أن يقيد منطقه، وأن يحفظ لسانه حتى لا يذل فيهلك، نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والسلامة من الإثم . "
وقال الكشميري في فيض الباري شرح البخاري " في جواب قولهم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (التوبة: 65)، لم يقل: إنكم كذبتم في قولكم، بل أخبرهم بأنهم بهذا اللعب والخوض اللذين من أخصِّ علائم الكفر خلعوا رِبْقَةَ الإسلام عن أعناقهم، وخرجوا عن حِمَاهُ إلى الكفر، فدل على أنّ مثلَ تلك الأفعال إذا وجدت في رجل يُحكم عليه بالكفر، ولا يُنظر إلى تصديقه في قلبه، ولا يلتفت إلى أنها كانت منه خوضاً وهزأً فقط، أو كانت عقيدة."
وقال ابن بطال " والاستهزاء من الكبائر العظيمة إذا كان فى الدين، وهو من باب الكفر، ويقتل المستهزىء بالدين؛ لأن الله أخبر عن الاستهزاء أنه كفر فقال: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}. "
وقال شيخ الاسلام في الصارم المسلول " و هذا نص في أن الاسهتزاء بالله و بآياته و برسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى و قد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه و سلم جادا أو هازلا فقد كفر "
وقال ايضا " و كذلك نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال : هو كافر و استدل بقول الله تعالى : { قل أبا لله و آياته و رسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [ التوبة : 66 ]
و كذلك قال أصحابنا و غيرها : من سب الله كفر سواء كان مازحا أو جادا لهذه الآية و هذا هو الصواب المقطوع به
و قال القاضي أبو يعلى في المعتمد : من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله فإن قال : [ و لم أستحل ذلك ] لم يقبل منه ظاهر الحكم رواية واحدة و كان مرتدا لأن الظاهر خلاف ما أخبر لأنه لا غرض له في سب الله و سب رسوله إلا أنه غير معتقد لعبادته غير مصدق بما جاء به النبي عليه الصلاة و السلام و يفارق الشارب و القاتل و السارق إذا قال : [ أنا غير مستحل لذلك ] أنه يصدق في الحكم لأن له غرضا في فعل هذه الأشياء مع اعتقاده تحريمها و هو ما يتعجل من اللذة قال : و إذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر من الحكم فأما في الباطن فإن كان صادقا فيما قال فهو مسلم "
رد باقتباس
اغلب كتب التفسير ذكرت في مناسبة هذه الآية
عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرّاءنا - علمائنا- هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء.
فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته،
فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله: { مجرمين } وإن رجليه لتنسفان الحجارة- تطيار الحجارة- وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة- زمام بعير- رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هذا في حال الاستهزاء والتعدي ورمي بما لا يلق بالعلماء فكيف برب العلماء؟؟
"قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ"
قال ابن الجوزي في زاد المسير " وقوله قد كفرتم أي قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ..."
وقال البغوي في معالم التنزيل " فإن قيل: كيف قال: كفرتم بعد إيمانكم، وهم لم يكونوا مؤمنين؟ قيل: معناه:أظهرتم الكفر بعدما أظهرتم الإيمان."
قال الرازي في مفاتيح الغيب " اعلم أنه لا حاجة في معرفة هذه الآية إلى هذه الروايات فإنها تدل على أنهم ذكروا كلاماً فاسداً على سبيل الطعن والاستهزاء ، فلما أخبرهم الرسول بأنهم قالوا ذلك خافوا واعتذروا عنه بأنا إنما قلنا ذلك على وجه اللعب لا على سبيل الجد وذلك قولهم إنما كنا نخوض ونلعب أي ما قلنا ذلك إلا لأجل اللعب ، وهذا يدل على أن كلمة «إنما» تفيد الحصر إذ لو لم يكن ذلك لم يلزم من كونهم لاعبين أن لا يكونوا مستهزئين فحينئذ لا يتم هذا العذر
قال الواحدي : أصل الخوض الدخول في مائع من الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وأذى ، والمعنى : أنا كنا نخوض ونلعب في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق ، فأجابهم الرسول بقوله : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن }
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : فرق بين قولك أتستهزىء بالله ، وبين قولك أبالله تستهزىء ، فالأول يقتضي الإنكار على عمل الاستهزاء ، والثاني : يقتضي الإنكار على إيقاع الاستهزاء في الله ، كأنه يقول هب أنك قد تقدم على الاستهزاء ولكن كيف أقدمت على إيقاع الاستهزاء في الله ونظيره قوله تعالى { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [ الصافات : 47 ] والمقصود : ليس نفي الغول ، بل نفي أن يكون خمر الجنة محلاً للغول .
المسألة الثانية : أنه تعالى حكى عنهم أنهم يستهزئون بالله وآياته ورسوله ، ومعلوم أن الاستهزاء بالله محال . فلا بد له من تأويل وفيه وجوه :
الأول : المراد بالاستهزاء بالله هو الاستهزاء بتكاليف الله تعالى .
الثاني : يحتمل أن يكون المراد الاستهزاء بذكر الله ، فإن أسماء الله قد يستهزىء الكافر بها كما أن المؤمن يعظمها ويمجدها . قال تعالى : { سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى } [ الأعلى : 1 ] فأمر المؤمن بتعظيم اسم الله . وقال : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ } [ الأعراف : 180 ] فلا يمتنع أن يقال : { أبالله } ويراد : أبذكر الله .
الثالث : لعل المنافقين لما قالوا : كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشأم وقصورها . قال بعض المسلمين : الله يعينه على ذلك وينصره عليهم ، ثم إن بعض الجهال من المنافقين ذكر كلاماً مشعراً بالقدح في قدرة الله كما هو عادات الجهال والمُلْحِدَة ، فكان المراد ذلك .
وأما قوله : { وءاياته } فالمراد بها القرآن ، وسائر ما يدل على الدين . وقوله : { وَرَسُولُهُ } معلوم ، وذلك يدل على أن القوم إنما ذكروا ما ذكروه على سبيل الاستهزاء .
ثم قال تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل الواحدي عن أهل اللغة في لفظ الاعتذار قولين :
القول الأول : أنه عبارة عن محو الذنب من قولهم : اعتذرت المنازل إذا درست . يقال : مررت بمنزل معتذر ، والاعتذار هو الدرس وأخذ الاعتذار منه . لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه .
والقول الثاني : حكى ابن الأعرابي أن الاعتذار هو القطع ، ومنه يقال للقلفة عذرة لأنها تقطع ، وعذرة الجارية سميت عذرة لأنها تعذر أي تقطع ، ويقال اعتذرت المياه إذا انقطعت ، فالعذر لما كان سبباً لقطع اللوم سمي عذراً ، قال الواحدي : والقولان متقاربان ، لأن محو أثر الذنب وقطع اللوم يتقاربان .
المسألة الثانية : أنه تعالى بين أن ذلك الاستهزاء كان كفراً ، والعقل يقتضي أن الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز ، فثبت أن قولهم { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ما كان عذراً حقيقياً في الإقدام على ذلك الاستهزاء ، فلما لم يكن ذلك عذراً في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به لأن المنع عن الكلام الباطل واجب . فقال : { لاَ تَعْتَذِرُواْ } أي لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم .
المسألة الثالثة : قوله : { قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم } يدل على أحكام .
الحكم الأول
أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرٌ بالله . وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال .
الحكم الثاني أنه يدل على بطلان قول من يقول ، الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب .
الحكم الثالث يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة ، وإن كانوا منافقين من قبل وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالاً فحالاً .
الحكم الرابع يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين .
ولقائل أن يقول : القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك؟
قلنا : قال الحسن : المراد كفرتم بعد إيمانكم الذي أظهرتموه ، وقال آخرون : ظهر كفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين ، والقولان متقاربان ."
وفي تيسير العزيز الحميد ل سليمان بن عبد الوهاب " فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فتبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه وقوله إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة قال ابن كثير أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم بأنهم كانوا مجرمين بهذه المقالة الفاجرة"
قال السعدي " لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه وتعظيم [ ص 343 ] دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة
ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
وقوله { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ } لتوبتهم واستغفارهم وندمهم { نُعَذِّبْ طَائِفَةً } منكم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُوا مُجْرِمِينَ } مقيمين على كفرهم ونفاقهم
وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه أشد العقوبة
وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر باللّه العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما "
وفي أعلام السنة المنشورة للحافظ الحكمي "
س : إذا قيل لنا : هل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين ونحو ذلك هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر ، فلم كان مخرجا من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي ؟
جـ : اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده ، لا يبقى معها شيء من ذلك ، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد ، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق أو معاند مارد ، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن { قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } إلا ذلك مع قولهم لما سئلوا : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } . قال الله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }{ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقا ، بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله ."
قلت معنى قول القلب: المعرفة والتصديق والاعتقاد وهذا النوع لا يجزئ معه الايمان حتى يدخله أي عمل من اعمال القلوب
وعمل القلب هو : التوكل على الله والخوف منه والرجاء والخشية والرضا والتسليم والحب .. الخ
وقال ابن حزم في الفصل في الملل " فنص تعالى على أن الإستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الإستهزاء ومن أدعى غير هذا فقد قول ا لله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى وقال عز و جل إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليوطؤا عدة ما حرم الله
قال أبو محمد وبحكم اللغة التي بها نزل القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز و جل لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله "
وفي فتح المجيد " قال شيخ الإسلام: وقد أمره الله تعالى أن يقول لهم: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وقول من يقول: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم؛ فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم، وهم مع خواصهم ما زالوا كذلك، ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين".
وقال -رحمه الله- في موضع آخر: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له; بل إنما كنا نخوض ونلعب. وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر. ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدرا بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه. كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} - إلى قوله -: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان "
وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل به، وأشدها خطرا إرادات القلوب فهي كالبحر الذي لا ساحل له، ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله.
وفي الحاشية قوله: (ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله) أقول: هذا القول فيه إجمال, والصواب التفصيل فإن كان الاستهزاء بالعلم الشرعي أو بالعلماء لأجله فلا شك أن ذلك ردة عن الإسلام؛ لأنه تنقص لما عظمه الله واستخفاف به, وفي ضمن ذلك احتقاره والتكذيب به, أما إن كان الاستهزاء بالعلماء يرجع إلى أمر آخر كالملابس أو حرص بعضهم على الدنيا أو اعتيادهم خلاف ما عليه الناس من العوائد التي لا تعلق لها بالشرع، أو لما يشبه ذلك، فهذا وأشباهه لا يكون ردة عن الإسلام؛ لأنه لا يرجع إلى الدين، وإنما يرجع الى أمور أخرى. والله سبحانه وتعالى أعلم."
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين " فالمستهزئ قصد الكلام وقصد معناه لكن على سبيل السخرية والهزؤ فلذلك كان كافرا بخلاف الإنسان الذي لم يقصد فإنه لا يعتبر قوله شيئاً .
وهذا من رحمة الله عز وجل والله الموفق ."
وقال في موضع " فبين الله عز وجل أن هؤلاء كفروا بعد إيمانهم باستهزائهم بالله وآياته ورسوله، ولهذا يجب على الإنسان أن يقيد منطقه، وأن يحفظ لسانه حتى لا يذل فيهلك، نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والسلامة من الإثم . "
وقال الكشميري في فيض الباري شرح البخاري " في جواب قولهم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (التوبة: 65)، لم يقل: إنكم كذبتم في قولكم، بل أخبرهم بأنهم بهذا اللعب والخوض اللذين من أخصِّ علائم الكفر خلعوا رِبْقَةَ الإسلام عن أعناقهم، وخرجوا عن حِمَاهُ إلى الكفر، فدل على أنّ مثلَ تلك الأفعال إذا وجدت في رجل يُحكم عليه بالكفر، ولا يُنظر إلى تصديقه في قلبه، ولا يلتفت إلى أنها كانت منه خوضاً وهزأً فقط، أو كانت عقيدة."
وقال ابن بطال " والاستهزاء من الكبائر العظيمة إذا كان فى الدين، وهو من باب الكفر، ويقتل المستهزىء بالدين؛ لأن الله أخبر عن الاستهزاء أنه كفر فقال: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}. "
وقال شيخ الاسلام في الصارم المسلول " و هذا نص في أن الاسهتزاء بالله و بآياته و برسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى و قد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه و سلم جادا أو هازلا فقد كفر "
وقال ايضا " و كذلك نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال : هو كافر و استدل بقول الله تعالى : { قل أبا لله و آياته و رسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [ التوبة : 66 ]
و كذلك قال أصحابنا و غيرها : من سب الله كفر سواء كان مازحا أو جادا لهذه الآية و هذا هو الصواب المقطوع به
و قال القاضي أبو يعلى في المعتمد : من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله فإن قال : [ و لم أستحل ذلك ] لم يقبل منه ظاهر الحكم رواية واحدة و كان مرتدا لأن الظاهر خلاف ما أخبر لأنه لا غرض له في سب الله و سب رسوله إلا أنه غير معتقد لعبادته غير مصدق بما جاء به النبي عليه الصلاة و السلام و يفارق الشارب و القاتل و السارق إذا قال : [ أنا غير مستحل لذلك ] أنه يصدق في الحكم لأن له غرضا في فعل هذه الأشياء مع اعتقاده تحريمها و هو ما يتعجل من اللذة قال : و إذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر من الحكم فأما في الباطن فإن كان صادقا فيما قال فهو مسلم "
رد باقتباس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin