بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع
صفحة 1 من اصل 1
القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع
القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع
وأنواع العقوبات المفروضة تطمئن المجتمع، وتزيل الحقد من النفوس، وتردع من تسول له نفسه الإقدام على أمر فيه جناية، وإخلال للمجتمع حيث يقول سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ}[30].
فالقصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع والقضاء على الجريمة، لأنه يقضي على الفئات الفاسدة في المجتمع، حتى لا يتوسع نطاق عملها في أجزاء أخرى منه، حسبما نرى في المجتمعات الغربية، التي رأفت بالمجرم لأنه في نظرهم يحتاج إلى الرعاية والعطف، فهو لم يرتكب الإجرام في نظر المهتمين بأمره، إلا من مؤثرات تحيط به من صحية أو اجتماعية أو أسرية أو غيرها.. فماذا كانت النتيجة؟؟
إنها بالنسبة للمجتمع حسبما هو واقع الحال: خوف واضطراب، وقلق مستمر.
وبالنسبة للأفراد: انتهاك أعراض، وقتل أنفس بريئة، وتشويه بعمل إجرامي متعمد وبالنسبة للأموال: نهب واعتداء وتسلط.
أما بالنسبة للمجرم نفسه: فسجن محدود، وغرامة مالية قليلة، ثم يخرج للمجتمع من جديد وبفن جديد في عالم الجريمة، وهكذا تستمر الحلقة.
لكن شرع الله الذي شرع لعباده في القرآن الكريم، هو الذي يصلح المجتمعات، ويقضي على جذور الاعتداء، والاستخفاف بالنفوس، وإخافة الآمنين، لما فيه من جزاء رادع يقضي بتطبيقه على الشر، لأنه لا يصلح النفوس، ويردها عن ذلك إلا هذا الأسلوب قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالْعَيْنِ والأَنفَ بِالأَنْفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنِّ بالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[31].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى}[32].
وهذا هو حكم الله الذي فيه طمأنينة المجتمع، وإخافة الفاعل، والردع عن التمادى في العمل الضار، قد أنزله سبحانه على بني إسرائيل في توراتهم، فخالفوا وعاندوا، وبدّلوا، فكانت النتيجة جرائم متتالية، واضطرابات تزعزع النفوس، وسار على منوالهم النصاري فحلّ بهم ما لحق بسابقيهم، حسبما نلمسه اليوم في قوانينهم الوضعية من امتداد لذلك العمل حيث تجني الثمرات السيئة، فما يطفح على الصحافة من أخبار، وما يبرز من تقارير الجريمة من أرقام.
واختار الله هذه الأمة لتطبيق ذلك فأمن مجتمعهم، واطمأن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم عند الامتثال، ثم دب القلق في بعض المجتمعات الإسلامية، لأن أقواماً استبدلوا بحكم الله قانوناً بشرياً، وغيروا ما أراده الله، بما أخذوه عن غيرهم تقليداً، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ولا شيء يؤمن المجتمع، ويحفظ الأمة، ويقضي على أسباب الخوف، إلا بتطبيق ما ارتضاه الله في شرعه، وأكده رسوله الكريم، بحماية الأفراد، والمحافظة على الجماعات، لأن الله بعباده رؤوف رحيم.
حفظ الأموال من التعدي، والحقوق من التطاول، فالإسلام قد جعل لكل مال حرزه المعتاد حفظه فيه، فمن أخذ شيئاً من حرزه اعتبر سارقاً، والسارق أعطي جزاؤه بقطع يده، التي تطاولت على ما ليس لها، لضياع الأمانة في القلب، وضعف الإيمان في النفس، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءَ بِمَا كََسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[33].
فقطع اليد ليس عدواناً، أو بقصد التشويه للسارق أو السارقة، ولكنه جزاء لهما باستخفافهما بالأمن، وترويعهما الناس الآمنين، واعتدائهما على ما ليس لهما، وعدم احترامهما لشرع الله الذي يصون الحقوق، ويؤمن الناس بالمحافظة على الأنفس والأموال، من التعدي والتطاول بغير حق، ونكالاً من الله لعدم الوقوف عند حدوده التي شرع لعباده، لأن التعدي استخفاف بذلك، والله عزيز في ملكه، حكيم في إرادته وتشريعه.
وقد يعتبر اللصوص بتنظيمهم وقدراتهم في إخافة الناس، وسطوهم هنا وهناك على ممتلكات الآخرين، فيقطعوا السبل، ويفسدوا في الأرض، ويعلنوها حرباً على الله بامتهان شرعه، وتسلطاً على المجتمع بقطع الطرق وإخافة الآمنين، والاعتداء على الأموال والأعراض، والإفساد في الأرض، حيث يضطرب ميزان العدل، وتتخلخل أركانه، فإذا نشأ شيء من ذلك في مجتمع من المجتمعات أزعج السلطة، وضعف كيانها، وضاعت الحيلة لتهدئة المجتمع وإعادة الهدوء والأمن إليه، فيأتي شرع الله العزيز الحكيم، ليحل هذه المشكلة، فالله يقضي على هذه المعضلة، بحل قاطع حسبما يقول سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَف أَوْ يُنفَواْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عََلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[34].
وقد قال الباحثون في أصول الجريمة، المهتمون بطمأنينة المجتمعات، إن الإسلام قد وضع قاعدة قوية في القضاء على الجريمة، في تحريمه الأمور التي تتسبب عنها، أو تدعو إليها: كالخمر والزنا والربا والميسر، ثم بوضعه قواعد تريح العالمين بها وفق منهج سليم يرضي النفوس، ويعطى كل ذي حق حقه، ويمنع التعدي، ثم يفرض جزاءات تجتث الشرور من المجتمع، لأن من فيه نزعة شر لا يرتاح، إلا بإزعاج الآخرين، ومثل هؤلاء كالجرثومة التي لابد أن تكافح، أو كالعضو الفاسد لابد من بتره، وإلا استشرى الداء في الجسد كله.
وإن من تمعن في مدلول الآيات الكريمة الآنفة الذكر، يدرك الإسلام الصارم في القضاء على الأمور التي يترتب عليها إخلال بالأمن، وإزعاج للبشر، وإضرار بالأمة. ومعلوم كما يقول علماء الاقتصاد: "بأن رأس المال جبان لا يطمئن إلا بالأمان، ولا يتحرك وينمو إلا مع الأمن الوطني، والقضاء على مثيري القلاقل الآخذين بجهد الآخرين، المخيفين للسبيل، وذلك بسلطة تجازيهم في الدنيا، وتقطع دابرهم من المجتمع، وعمل هذه السلطة يدعمه تشريع قوي، ولا أقوى من حكم الله ورسوله وتطبيقهما يخيف من تسوّل له نفسه العمل بمثل عملهم".
الإيمان مقترن بالأمان
وفي المجتمع الغربي والأمريكي بصفة خاصة الذي أزعجته الجريمة، وأقلقت مواطنيه وسائل الاستخفاف بالحياة، من فئة معنية من البشر، ضج الناس هناك، وتأثرت كثير من مصالحهم، فرأى بعض رجال الأمن عندهم أن الحل الوحيد في تخليص المجتمع الأمريكي مما يؤرقه، وتخفيف ما يسببه المجرمون للمجتمع من أمور كثيرة، يكمن في تعاليم الإسلام، الذي يجعل على النفس رقابة قوية، أقوى من رقابة البوليس وأنظمته.
وقد جاؤا بأمثلة: أن مجرمين متأصلين في الإجرام، ومن أصحاب السوابق، قد أسلموا في داخل السجن، فصلحوا، ولم يعودا للسجن بعد ما خرجوا منه، أما من خرج منه وهو على ديانته السابقة، فإنه لا يلبث حتى يعود للسجن مرة ومرات.
ومن هذه الدعوة بدأت كثير من الولايات تدعو المشرفين الاجتماعيين والدعاة من المسلمين لتأدية محاضرات وزيارات منتظمة للسجون التي أصبحت أوسع ميدان للدعوة الإسلامية. وقد قال بعض المسئولين في الأمن عندهم إن الخلاص من الجريمة لا يكون إلا على الإسلام والعمل وفق منهجه.
وهذا أكبر برهان محسوس على أن الإيمان يقترن بالأمن والاطمئنان وراحة النفس.
المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه
ولما كان المال من أعز ما يملك الإنسان وهو الذي يسيّر الحياة في المجتمعات، فإن سبل الخوف عليه ساقت عبّاده اليهود ومن يشايعهم إلى ابتكار أساليب للمحافظة عليه وكنزه، وكان مما فرضوه على المجتمعات التي يعيشون فيها: الربا. وهو زيادة المال بدون جهد، فلا يحصل النفع من المال بالتداول، ولا يزداد الفقير، إلا فقراً وحقداً على الغني، الذي تتضاعف أرباحه بجهد هذا الفقير.
ومن هنا جاء تشديد الإسلام في الربا، واعتباره محاربة لله، ومن ذا الذي يستطيع محاربة الله، ومحاربة رسوله.
وقد قرن الإيمان، وطمأنينة القلب على النفس، وعلى المال، بترك هذا الربا، وطرقه المتعددة، التي أخبر صلى الله عليه وسلم بأنها ثمانون باباً، أدناها أن ينكح الرجل أمه علانية[35] وهي كلها أمور مخيفة، تبعث القلق والقشعريرة في الإنسان وحواسه، ومن ذا الذي يجابه ربه، ويعاند رسوله في حرب معلنة. استمع إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهِ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَى إِن كُنتمُ مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلْواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}[36].
وحتى يرتاح المدين وتطمئن نفسه إلى وجود قلوب رحيمة ترق له، وتهتم به، ولا تقسو عليه، وتراعي حالته التي حلّت به، من عسر أو فقر أو كارثة، فقد أمر الله صاحب المال بمراعاة الموقف، وطمأنة إخوانه المسلمين، وعدم التضييق عليهم في المطالبة فقال تعالى موجهاً لهذا الأمر: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرةٌ إِلَى مَيْسَرةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[37].
ويقول صلى الله عليه وسلم في حكاية الرجل الذي كان له ديون على الناس، فكان يرسل غلمانه فيقول لهم: إذا رأيتم المعسر فتجاوزوا عنه لعله الله أن يتجاوز عنّا، فلقي الله وقد تجاوز عنه [لفظه في تفسير ابن كثير جـ1 ص232].
وبعكس ذلك، فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. لأنه قادر على الوفاء ويمنع الناس حقوقهم الواجبة.
وآيات الربا التي نزلت في تحريمه في سورة البقرة، وتأكيدات رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، وفي توضيحاته لأنواع الرباء، كل هذا من أجل تكوين مجتمع صالح، ومتماسك، لا يتسلط فيه قوي على ضعيف، أو يستغله من أجل ضعفه، ولا يكنز صاحب مال ماله لمنفعته الخاصة، أو لتحكم في قوت خلق الله.
بل لابد أن يعمل فيه ما يسعد المجتمع، ويحقق الرخاء والنماء فيه، وليفتح مجالات العمل لفئات عديدة من البشر، هم في حاجة إليه ليقتاتوا بعمل شريف، وجهد حلال.
وحتى لا يترك أمر البيع أو الشراء بدون قيود، أو التدابير بدون محافظة، نظم القرآن الكريم كما في آية الدين في آخر سورة البقرة[38]، ما يجعل صاحب المال متوثقاً على ماله، مطمئناً على حقه بأنه سوف يأتي إليه عند حلول أجله، فيحصل بذلك النفع للأخذ والمعطى. واطمئنان كل منهما على الذي له والذي عليه.
وهذا ما يتحقق أمناً اقتصادياً، لأنهم يقولون رأس المال جبان، لا يتحرك إلا في الأمن والطمأنينة.
ولأن المال هو موطن الأثرة لدى البشر، وانتظام الحياة في المجتمعات، وموطن الشحّ للنفوس، فقد روعي فيه أمور تطمئن وتريح، وتنظم الحياة مثل:
– كتابته والاستشهاد عليه: برجلين ثقتين، أو رجل وامرأتين ممن ترضى شهادتهم.
– تحديد الأجل.
– عدالة الكاتب والشهود.
– مراقبة الله بالنسبة للدائن والمدين، وأن تقواه سبحانه هي المحرك لكل منهما لأنها تردع عن الظلم والجور.
– الوصاية على من كان عليه الحق، إن كان سفيهاً أو ضعيفاً... أو لا يستطيع الإملاء في هذا الدين بأن يتولى ذلك عنه وليه العدل.
– عدم الإضرار بالكاتب أو الشهود، أو إخافتهم حتى لا يوجد حجاب دون التعاون بالخير وعليه.
– التأكيد على الاهتمام بالمعروف والتفضل من القادر على أخيه، وأن يكون التعامل حسناً، وعدم الإضرار بمن عليه الحق.
ثم تزيد تعاليم القرآن الأمر تمكيناً بالترغيب في البذل والصدقة والإحسان في أوجه الخير التي تريح أبناء المجتمع الإسلامي، وتزيل عنهم أسباب البغضاء والقلق والحقد والكراهية، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ}[39].
وقوله: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخَلَفِينَ فِيه}[40].
وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ وقُلُوبُهُمْ وَجِلةٌ}[41].
أي ينفقون بسخاء ويخافون ألا يقبل منهم، فهم لا يريدون السمعة والجاه، بل يمتثلون أمر الله. وقوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌ مَّعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[42].
وفي سبيل الإنفاق والحث على عدم البخل بالمال وتوضيح أوجه الخير التي يبذل المال فيها ومقارنة ذلك بالجزاء الذي يريح النفوس، وتطمئن به الأفئدة، جاء حث كثير في كتاب الله الكريم على ذلك، مما يستوجب دراسة مستفيضة، وتأليفاً واسعاً.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغ شرع الله، واجتمعت القلوب نحوه قد زاد الأمر توضيحاً بثروة كبيرة تعين الباحث، وتريح المتلقي في مثل قوله: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفا))[43] وقول صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[44]. وقوله: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة... ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة))[45].
فالشحناء والبغضاء يقضى عليها الإسلام بالقضاء على مسبباتها، بحيث وضع حلولاً تطمئن إليها الفئات المؤمنة، وترضى عنها لأن هذا هو حكم الله، ومن لم يرض بحكم الله ويأتمر بأمره فقد وصف بأنه كافر وظالم وفاسق[46].
لذا تولى رب العزة والجلال تنظيم ما يتعلق بحياة الناس في الأموال لأنها مبعث القلق النفسي في كل مجتمع: –
– فالتركات وزعت وأعطي كل فرد نصيبه ذكراً كان أو أنثى كما في سورة النساء.
– والمتوفى حدد له رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ما يتصرف فيه بماله وهو الثلث والثلث كثير.
– ومنع الإنسان أن يوصي بشئ من ماله لأحد أنبائه حتى لا يفضل إخوته واعتبره الرسول ظلماً كما في قصة بشير بن سعد مع ابنه النعمان.
– والغنائم حددت أنصبة كل من يستحقها، وحرّم الغلول وهو الأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم كما في سورة الأنفال.
– والمستحقون للزكاة وهم أهلها الثمانية الذين تدفع إليهم ولا يجوز دفعها إلى غيرهم حددتهم سورة التوبة.
– والربا ومداخله حرّم كما في سورة البقرة.
– والبيع والمداينة أحلت ونظمت كما في سورة البقرة، لأن فيها قوام المجتمع بالتعامل والتسهيلات.
– والصدقة على المحتاج واليتيم والقريب والإحسان إليهم. والإنفاق على الأولاد والزوجة نظمت ذلك آيات كثيرة في سور من كتاب الله الكريم.
كل هذا حرص عليه الإسلام لتسيير الحياة في المجتمع وإشعار أفراده بالراحة والاطمئنان على معاشهم، وانتظام أحوالهم، والتعاطف فيما بينهم.
فالنفس لا تنتج عملاً في جو مضطرب، أو إذا كانت غير مرتاحة، ولذا جاءت تعاليم الإسلام لتريح النفوس بما شرع أمامها، فيتهيأ الجول للعمل والإنتاج، وجوهر ذلك العلاقة مع الله، فيوصل ذلك العمل لرضاه وجنته في الأخرى، مع الثمرة المفيدة التي تعود على الفرد نفسه وعلى مجتمعه بالفائدة الظاهرة. وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله امرأً صنع صنعة فأتقنها))[47].
فمن تعاليم الإسلام التي جاءت في كتاب الله الكريم، أو في سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي تخاطب أهل الإيمان، وتطمئنهم بنتيجة ما يعملون، وتريح نفوسهم بما تقوم به من عمل، يلمس المستقريء نظاماً متكاملاً للناحية المالية، التي هي محك الأمور، وسبب المشكلات في المجتمعات في كل عصر.
وإذا كان أصحاب الأموال في المجتمعات غير الإسلامية – وخاصة اليهود منهم – قد حرصوا على زيادة أموالهم بأساليب الربا، فإنهم في هذا العصر قد ابتكروا أساليب جديدة من باب أخذ أموال الناس بالباطل، وأكلها بالإثم، لأن مبدأهم الحلال ما حلّ في يدك، وذلك بابتكار شركات التأمين المتعددة حيث نسمع ونقرأ عن: –
– شركات التأمين على الحياة بأنواعها لمن حياتهم وأعمالهم في الأرض أو البحر أو الجو.
– وشركات التأمين على الممتلكات من سيارات ومتاجر وبيوت ومزارع ومصانع وغيرها.
– وشركات التأمين ضد الأعاصير – كما هو الحال في أمريكا ضد الترنادو وغيره.
– وشركات التأمين على الحنجرة للمغنيين.
– والتأمين على الساقين للفتيات اللواتي يباهين بسيقانهن ويدخلن مسابقات تقام لهذا الغرض.
– والتأمين على العينين والعنق والذراعين والوجه ضد التشويه.
– والتأمين ضد السرطان، والتأمين على الكلاب والقطط.
– والتأمين ضد الحريق والكوارث الأخرى والأضرار المختلفة.
وغير هذا من أساليب التأمين التي حركتها دعاياتهم وإعلامهم لإخافة الناس، وجعل القلق يسيطر عليهم، فحياتهم في جحيم مستمر، وأعمالهم في بلبلة دائمة، لأن قلوبهم خالية من الإيمان، وقلب خلا من الإيمان أصبح نهباً للنوازع المختلفة، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأنه كالبيت الخرب.
وإذا كان المسيطرون في مجتمعاتهم يعملون لهم تلك الأمور للسيطرة على عقولهم، والتحكم في مقدرات أمورهم، لسلب أموالهم واستعبادهم.
فإن الإسلام قضى على ذلك بحسن التوكل على الله، وملء القلب إيماناً بخشيته ومراقبته، فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))[48].
ويقول صلى الله عليه وسلم في حسن التوكل، وتسليم الأمر لله: ((لو تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً))[49].
وحسن التوكل على الله لا يكون إلا مع كمال الإيمان، ذلك العمل الذي يطمئن النفوس ويزيل عن القلوب القلق والضجر.
وفي سبيل المحافظة على المال، والاهتمام بأداء حق الله فيه يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما نقص مال من صدقة أو ما نقصت صدقة من مال – وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع عبدالله إلا رفعه الله))[50] وتحصين المال وحراسته والاطمئنان عليه، ليست بدفع أقساط لشركات التأمين، ولكن بالزكاة التي تذهب للفقراء والمحتاجين، فتحسن من حالهم وتريح ضمائرهم كما جاء في الأثر: (حصنوا أموالكم بالزكاة).
الفرق بين المؤمن وغيره
والاعتماد على الله، وحسن التوكل عليه، مدخل إيماني قوي للنفوس ومبعث على الاطمئنان والراحة، كما في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً. فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[51].
والأمن من الكوارث لا يكون إلا بقوة الإيمان وسلامة العقيدة ومراقبة الله دائماً، فالمؤمن يدرك من نصوص كتاب الله، وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: أن الكوارث تساق للعبرة والعظة، وتنبيه الغافلين، ومعاقبة العاصين المعاندين، وأن الخير الذي ينزل على النفوس ماهو إلا من عند الله، أما الشر فمما كسبت أيدي الناس قال الله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}[52].
وأن المؤمن هو الذي يتعظ ويرتبط بالله، أما غيره فتمر عليه الأحداث كما تمر على الجمادات بل إن من الجمادات ما يحس ويخاف قال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الأَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}[53].
وفرق بين المؤمن وغيره، بأن المؤمن يتحمل ما ينزل به في نفسه أو ماله أو ولده، أو ما يحيط به بصبر وطمأنينة ورضا، فيؤجر على ذلك، أما غيره فيتسخَّط ويجزع، فلا يدفع عنه ذلك شيئاً، وإنما يزداد مع وقوع النازلة. ألماً نفسياً، فيسخط ربه، ويبطل عمله، وتبقى نازلته عليه – كما قال بذلك بعض العارفين.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل))[54].
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه ذنب))[55].
ولذا قيل: المؤمن مبتلى، ليكون في ذلك محك لإيمانة، وميزان لدرجة صبره واطمئنان قلبه.
ومكر الله وعقابه، وغيرته سبحانه على نعمه، تكون دائماً نصب عيني المؤمن، فهو يخشى ويخاف على نفسه أولاً، وهل هو من المقبولين أم لا؟ كما جاء في الأثر: (المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه).
فهو يخشى من عقابه، ويخاف من مكره سبحانه ونقمته، قال تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ}[56].
وخوف من نقمة عامة تصيب الجميع بعمل البعض قال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتَيهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُم نَائِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[57].
أو قوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير}[58].
وما سياق ما حصل للأمم السابقة التي عاندت شرع الله، وكذبت كتبه، ولم تؤمن برسله إلا عبر وعظات للقلوب المؤمنة، لتدرك أن الراحة والاطمئنان في أمور الحياة وبعد الممات في طاعة الله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من شرع من عند الله.
لكن من هو هذا المؤمن الذي تساق له التوجيهات، ويبلّغ بالأوامر؟؟.
إن مبعث الأمن في المجتمع هو الاعتقاد الجازم بسلامة الأوامر والتصديق بها، وتطبيقها، وجعلها منهج حياة يقول صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل من هو يا رسول الله؟؟. قال: من لا يأمن جاره بوائقه))[59].
فهنا قرن الإيمان بتأمين الجار والمحافظة عليه وهذا هو أدب من آداب الإسلام العالية، وكل آدابه عالية، لأنها مبعث للأمن، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))[60].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[61].
والإيمان يهذب الطباع، ويزكي النفوس، ويعطيها نظاماً يؤلف بين القلوب فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في حديث رواه أبو هريرة: ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا بيع بعضكم على يبع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))[62] متفق عليه.
الإيمان - والإسلام
فالإيمان مرتبة أعلى من الإسلام، لأنه أمكن في النفس، وأثبت للجنان قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيَمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مَّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم، إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[63].
فالإيمان الذي يلامس بشاشة القلب، ليبعث الاطمئنان فيها، حيث يوجد مجتمعاً مثالياً في نظامه وتسييره للحياة، وأفراداً متميزين في أعمالهم وتصرفاتهم، واهتمامهم بغيرهم، ويراقبون الله في كل عمل، ويخشونه ويخافون عقابه، فتطمئن قلوبهم، ويطمئنوا غيرهم.
هذا الإيمان الذي جاءهم هو منّة من الله، ونعمة كبيرة، لا يحس بدورها إلا من ذاق طعمها، لأن لها تأثيراً في تخفيف المصاب، وتحمّل الصعاب، والتبصر في الأمور، والصير على كل نازلة، والرضى بقدر الله، والإنفاق في سبيله والطمع في جنته، والخوف من عقابه، والتعلق به في كل أمر، لأن له سبحانه الحكمة ويفعل ما يريد، قال الله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ، يَمُنَّونَ عَلَيْكَ أَنْ أسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[64].
وحقيقة هذا الإيمان هو الاستجابة لأمر الله طاعة لله، واستجابة لرسوله، وطاعة لولاة الأمور الذين سلمهم الله أمر قيادة الأمة، والنصح لهم، ما أطاعوا الله فينا، ولم يأمروا بمعصية تخالف شرع الله، قال تعالى مخاطباً الفئة المؤمنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ والِيُوْمِ الأَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[65].
والإيمان إذا استقر في القلوب، يشيع الأمن في المجتمع، ويدعو بوازع باطني كل فرد من أفراد هذا المجتمع – مهما كانت مسئوليته إلى إيجاد رقابة على نفسه واهتمامه بكل ما وكل إليه، ليعمل بهدوء، واطمئنان، رأفة بمن يتعلق به أمره من أبناء المجتمع احتساباً للنتيجة عند الله أجراً مدخراً، وائتماراً بهذا الدين وشرائعه. وهذا هو أكبر مهدئ للنفوس، وأقوى منشط يدفعها للعمل ونكران الذات ويطمئنها على النتائج، يلمس القارئ مثل هذا في نصوص كثيرة مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا فيه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))[66].
أثر الإيمان في أمن المجتمع
وأثر الإيمان حسب النصوص الشرعية، يطمئن النفوس، ويهدئ المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة، أجد أن هذا الحيز لا يفيها كلها، ولكن حسبنا الإشارة إلى نماذج منها مثل:
– الأمن الزراعي وتوفير الغذاء: نجد هذا في آيات كثيرة في كتاب الله الكريم مثل سورة يوسف[67] والنحل[68] وغيرهما.
– الأمن الصحي والاهتمام بالمريض، كوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة المريض وهدية في العلاج الطبي حسبما ذكر ابن القيم في كتابه: زاد المعاد في هدي خير المعاد.
– الأمن الأسري ورباط الزوجية، كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}[69].
وقوله تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[70].
– الأمن العائلي والاهتمام بالأولاد، كما جاء في سورة النساء في تقسيم التركات، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس))[71].
وفي منعة صلى الله عليه وسلم الوصية للولد وقوله: ((لا وصية لوارث))[72].
– الأمن التربوي وتعليم الأبناء، يوضح مثل هذا وصية لقمان لابنه[73] وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الأولاد الصلاة: ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع))[74].
– الأمن في الأوطان وحمايتها كما جاء في الأثر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان)[75] والبلد الآمن هو مكة التي جاء ذكرها في سورة البقرة، وسورة إبراهيم وغيرها.
– الأمن الأخلاقي وتهذيب النفوس، كما جاء في آيات من سورة النور في تحريم الزنا ومنع الخوض في أعراض الناس[76] وفي آداب الاستئذان[77] وفي فرضية الحجاب وآياته في سورة الأحزاب[78].
– أمن العقيدة وسلامة القلوب لارتباطها بالله وحده ونبذ كل ما سواه يقول تعالى في هذا: {الَّذِينَ ءَامَنَواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}[79].
وآيات من سورة الروم[80] وسورة الواقعة[81]، تربط الإنسان بخالقه المتصرف سبحانه في جميع الأمور.
– أمن المسكن وتوفير المعيشة وتوضح ذلك آيات متعددة من كتاب الله الكريم كما في سورة النحل[82].
– الأمن الاقتصادي وحرية الحركة في الأموال بيعاً وشراء، بعد أداء حق الله فيها بالزكاة والصدقة، وقد حظيت الزكاة والصدقة بتوجيهات كبيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتهذيب النفوس وتعويدها على البذل والعطاء براحة نفس واطمئنان خاطر، وفي السر آكد لأنها أبعد عن المراءاة.
– تأمين الجار ورعايته في أهله حيث كان جبريل يوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن أنه سيورثه.
– الأمن بالهجرة لمكان آخر، إذا كان المرء لا يستطيع أداء شعائر دينه، أو يجد مضايقات من أعداء دينه، وهذا هو الأمن على العبادة، وقد حكى الله عمن لم ينج بدينه وهو قادر: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[83].
ولكي يجعل الله مأمناً ومخرجاً لهؤلاء المستضعفين غير القادرين على الهجرة والنجاة بأنفسهم، فإنما مما يطمئنهم أن الفئة المؤمنة مأمورة بالجهاد لتخليصهم ونصرتهم قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يُقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[84].
– الأمن بالتوبة، وهذا هو أمن المصير، وراحة النفس في الدنيا بالابتعاد عن أمر يؤرق النفس ويخيفها التلبس به، وآيات التوبة في كتاب الله الكريم كثيرة ومتعددة[85].
ويوضح نماذج من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من صاحب راحلة ضاعت منه في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام، فاستيقظ فإذا هي واقعة بجانبه فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) ((أو كما قال))[86].
– أمن النفوس بمجاهدة الكفار، لإظهار دين الله، ولإسعاد البشرية بتبليغه، كما توضح ذلك سورة الأنفال، وسورة التوبة، وسورة البقرة وغيرها. في مواطن كثيرة من كتاب الله[87]، لأن قمع أعداء الله وأعداء رسالاته، لا يكون إلا بقوة السلاح ودفاع المجاهدين المتحمسين لإظهار دينه، يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب))[88].
– تأمين النفوس من التأثيرات الخفية، وحفظها من أثر ذلك كالسحر ونفثات الشيطان كما جاء في المعوذتين وقل هو الله أحد، وآية الكرسي. ففي هذا حرز للنفس وأمان لها من المؤثرات النفسية ووساوس الشيطان واتباعه.
– الرضا والقناعة بما قسم الله، حتى لا تتطلع النفس إلى ما في أيدي الناس فيكون ذلك من دواعي كفر النعم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم من فضل عليه بمال أو سلطان، فلينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه فإن ذلك أجدر بشكر نعمة الله عليه))[89].
– راحة النفس بالعبادة وفي مقدمتها الصلاة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر أو أهمه قال: ((يا بلال أرحنا بالصلاة))[90].
كما كان من قوله عليه الصلاة والسلام: ((.... وجعلت قرة عيني في الصلاة))[91].
– والأمن بالمشورة في كل أمر حتى يخف ما على كاهل الإنسان بإعطائه للآخرين فيشاركون في الرأي: كما في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[92].
وغير هذا من الأمور التي جعلت الشريعة الإسلامية فيها حلولاً لكل ما يعترض الإنسان في هذه الحياة، حيث يجد المرء في المخارج ما يريح نفسه، ويعينه على التغلب على المشكلة التي اعترضته لأن في كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما ينير الطريق، ويوضح المعالم، ويهدئ النفوس.
وصدق الله إذْ يقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَئٍ}[93]، وقد وصف الله الفئة المؤمنة بآيات كريمات في مطلع سورة سميت باسمهم، أعطتهم صفاتاً مطمئنة ومريحة، لأنهم في يقين ورضا قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ، والَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلغْوِ مُعْرِضُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، والَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[94].
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وترك فيهم وصية خالدة تريح النفوس، وتهدئ المجتمعات وتضمن العدالة وسمو المكانة والاستقرار لمن اتّبع ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تظلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)). ففيهما المخرج من كل معضلة، وفيهما الحل لكل مشكلة، وفيهما هدوء البال، وراحة الضمير، والراحة من كل قلق، وفيهما الرابطة القوية بالله عملاً وبشرعه منهجاً وسلوكاً.
فقد قال بعض العارفين: كنت كلما ألم بي مشكلة، أو ضجرت من أمر يقلقني، ألجأ لكتاب الله، فأفتحه وينفتح معه الهدوء والاطمئنان لنفسي، لأنني أجد فيه حلاً لكل أمر، وخروجاً من كل مصيبة.
نسأل الله أن يعيننا على فهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وامتثالهما عملاً وتطبيقاً، والسير وفق شرعهما باستحضارهما في كل وقت، والاهتمام بهما في كل مناسبة، والرضا بما فيهما، والعمل بهما فهماً وتحقيقاً. والله الموفق لكل خير...
مواضيع مماثلة
» دور الدين في المجتمع الإنساني
» القصاص دراسه مقارنه
» أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان 1
» الاطمئنان الركن الغائب فى الصلاه
» أسباب الميراث
» القصاص دراسه مقارنه
» أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان 1
» الاطمئنان الركن الغائب فى الصلاه
» أسباب الميراث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin