بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
القصاص دراسه مقارنه
صفحة 1 من اصل 1
القصاص دراسه مقارنه
بحث شروط القصاص دراسة مذهبية مقارنة
الحمد لله والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار
على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد :
فقد جاء
نظام الإسلام نظاماً شاملاً لجوانب الحياة كلها نظاماً دقيقاً محكماً ، وقد
حرص الإسلام على حفظ ضروريات الإنسان ، ومن هذه الضروريات حف
ظ
النفس ، فقد حرّم كل ما يؤدي إلى الضرر بها فحرّم قتلها ، والأذية بها من
جرح وقطع ونحو ذلك ، وشرع لذلك أحكاماً يسير على نهجها الناس ، وأنظمة يقضى
بها بينهم ، ومن هذه الجوانب المهمة التي اعتنى الإسلام ببيانها مسألة
القصاص في الأنفس ، ومتى يجب القصاص ، ومتى يُمنع ، وما هي الشروط الواجب
توفرها حتى يُحكم بثبوت القصاص ، ومن بَعْدِه يكون الحق لأولياء المجني
عليه المطالبة بالقصاص .
وقد رأيت أن أختار موضوع شروط وجوب
القصاص ، وقد بحثت فيه جوانب تتعلق ببعض المسائل الخلافية والترجيح بينها
كما سأبينه في الخطة التي سرت عليها في هذا البحث ، وقد قسمت هذا البحث إلى
ثلاثة فصول ، واثني عشر مبحثاً ، وثمانية مطالب ، وخاتمة .
وأسال
الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اولا تعريف الشروط لغة :
الشروط جمع شرط ، والشرط : العلامة ؛ لأنه علامة للمشروط ، ومنه قوله
سبحانه وتعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها }
أي : علاماتها .
ثانياً: تعريف الشروط اصطلاحاً :
الشرط في اصطلاح الأصوليين : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته .
تعريف الوجوب :
اولا : تعريف الوجوب لغة :
الواجب في اللغة : الساقط والثابت .
قال في القاموس : وجب يجب وجبةً سقط ، والشمس وجباً ووجوباً : غابت ، والوجبة : السقطة مع الهدة ، أو صوت الساقط .
وقال في المصباح : وجب الحق والبيع يجب وجوباً ووجبةً : لَزِمَ وثَبَتَ .
ومن أمثلة الثبوت قوله : [ أسألك موجبات رحمتك ] رواه الترمذي ، وابن ماجة .
ثانياً : تعريف الوجوب اصطلاحاً :
عرّف الأصوليون الواجب بتعاريف كثيرة منها :
( ما ذمّ شرعاً تاركه قصداً مطلقاً ) .
( إلزام الشرع )
( ما يعاقب تاركه )
( ما توعد على تركه بالعقاب ) .
-----------------
تعريف القصاص .
اولا: تعريف القصاص لغة :
القصاص مأخوذ من قصَّ الأثر إذا تتبعه ومنه قوله تعالى :{ فارتدا على
آثارهما قصصاً } ، وقوله : { وقالت لأخته قصيه } ، ومن معانيه القود : يقال
: أقصّ السلطان فلاناً إقصاصاً : قتله قوداً ، وأقصّه من فلان : جرحه مثل
جرحه ، واستقصّه : سأله أن يقصّه .
قال الفيومي : ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل ، وجرح الجارح وقطع القاطع .
ثانيا : تعريف القصاص اصطلاحاً :
( أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل ) .
والتناسب بين المعنيين اللغوي والإصطلاحي ظاهر ، لأن القصاص يتبع فيها
الجاني فهو لا يترك دون عقوبة رادعة ، ولا يترك المجني عليها أو أولياؤه من
غير شفاء ، فهو تتبع للجاني بالعقاب ، وللمجني عليه بالشفاء .
--------------------------
شروط وجوب القصاص المتفق عليها .
اولا: أن يكون الجاني عالماً بتحريم ما أقدم عليه :
المراد بهذا الشرط : أن يكون الجاني عالماً بحرمة قتل النفس المحرمة ، فإن
كان جاهلاً بالتحريم كحديث عهد بالإسلام ، أو جاهلاً عصمة المجني عليه فلا
قصاص عليه ، لأن القصاص مما يدرأ بالشبهات ، واعتقاده الإباحة شبهة ،
فيدرأ عنه القصاص بها .
ويعد المكلف عالماً بالحكم بإمكان العلم لا بتحقق ذلك ، فلا يعذر الجهل بشيء مما يعلمه غالب الناس .
ثانيا : أن يكون القاتل بالغاً :
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أنه يشترط في القاتل لوجوب القصاص عليه أن يكون بالغاً عند القتل ، والأصل في هذا ما يلي :
1 _ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال : [ رفع القلم عن ثلاثة :
عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] رواه أبو
داود وابن ماجة .
2 _ ولأن القصاص عقوبة مغلظة فلا تجب على الصغير .
3 _ ولأنه ليس له قصد صحيح كالقاتل خطأ .
المبحث الثالث : أن يكون القاتل عاقلاً :
يشترط للقصاص أن يكون القاتل عاقلاً باتفاق الفقهاء ، فلا قصاص على
المجنون جنوناً مطبقاً عند القتل ، وقد دل على ذلك السنة ، والعقل :
أما السنة فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي قال : [ رفع
القلم عن ثلاثة _ وذكر منها _ المجنون حتى يفيق ] رواه أحمد وأبو داود .
وللفقهاء رحمهم الله أقوال في المجنون وأحواله تفصيل ، وبيانه فيما يلي :
1 _ المذهب الحنفي :
ذهب الحنفية إلى أنه إن كان يجن ويفيق ، فإن قتل في إفاقته قضي عليه
بالقصاص ، فإن جن بعد ذلك جنوناً مطبقاً سقط القصاص ، وإن غير مطبق قتل
قصاصاً بعد إفاقته .
2 _ المذهب المالكي :
ذهب المالكية إلى أنه ينتظر إلى حين إفاقته ثم يقتص منه .
فإذا كان القاتل مجنوناً جنوناً متقطعاً ، فإن قتله في حال صحوه اقتص منه في حال صحوه ، وإن اقتص منه في حال جنونه لم يقتص منه .
3 _ المذهب الشافعي :
ذهب الشافعية إلى أنه إن قتله وهو مجنون جنوناً مطبقاً فلا قصاص عليه .
وإن كان جنونه متقطعاً ، فإن قتله في حال الجنون فلا قصاص عليه لأنه قتله
حال الجنون وهو فيها غير مكلف ، وإن قتله حال الإفاقة ، أو قتله وهو عاقل
ثم جن وجب القصاص عليه .
4 _ المذهب الحنبلي :
ذهب الحنابلة
إلى أنه إن قتله وهو عاقل ثم جن لم يسقط القصاص عنه ، ثم يقتص منه في حال
جنونه إن ثبت القتل ببينة ، فإن ثبت بإقراره لم يقتص منه حتى يصحو لاحتمال
رجوعه عن إقراره .
أما السكران فللفقهاء رحمهم الله أقوال :
القول الأول : وجوب القصاص :
وإليه ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية ، والشافعية والحنابلة في المذهب
عندهما إلى أنه إن قتل وهو سكران وكان سكره باختياره وجب القصاص عليه ، وإن
كان سكره لعذر كالإكراه فلا قصاص عليه ، واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } .
ووجه الدلالة من هذه الآية :
أن الله خاطب السكارى حال سكرهم فدل على أن السكران مكلف .
2 _ واستدلوا كذلك بأثر الصحابة : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وإذا افترى جلد ثمانين .
3 _ القياس على الطلاق في إمضائه على السكران .
4 _ أن إسقاط القود يفضي إلى أن من أراد إسقاط القود شرب ما يسكره ، ولا
تلزمه عقوبة ، فيصير عصيانه سبباً لسقوط القصاص عنه ، ولا وجه لهذا .
القول الثاني : عدم وجوب القصاص :
وإليه ذهب أحمد في رواية وبعض الشافعية ، وابن حزم .
واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } .
ووجه الدلالة : أن الله بين أن السكران لا يعلم ما يقول ، ومن أخبر الله أنه لا يعلم ما يقول ، فلا يحل أن يلزم شيئاً من الأحكام .
2 _ واستدلوا كذلك : بفعل حمزة وقوله للرسول : [ ما أنتم إلا عبيد أبي
فنكص رسول الله ] متفق عليه ، قال ابن حزم : فصح أن السكران غير مؤاخذ بما
يفعله جملة .
3 _ واستدلوا كذلك بقياسه على المجنون .
القول الثالث : أنه لا قصاص عليه إلا إذا ثبت أنه سكر ليجني .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1 _ أن العبرة بالنية ، فإذا وجدت وجب عليه القصاص .
2 _ ولأن في إسقاط القصاص فتح لباب الشر و العدوان .
وهذا القول هو أرجح الأقوال لأن النبي قال : [ إنما الأعمال بالنيات ،
وإنما لكل امرئٍ ما نوى ] فنؤاخذه بنيته كما قرّره فضيلة الشيخ محمد بن
عثيمين رحمه الله .
المبحث الرابع : أن يكون القاتل متعمداً للقتل :
اتفق الفقهاء على أن القصاص لا يجب في غير القتل العمد ؛ لقول النبي : [
العمد القود ] أخرجه ابن أبي شيبة ، قال الكاساني : لأن القصاص عقوبة
متناهية فلا تجب إلا في جناية متناهية ، والجناية لا تتناهى إلا بالعمد اهـ
، فالحديث إذاً شرط العمد لوجوب القود .
--------------------
أن يكون المقتول معصوماً :
اتفق الفقهاء على أن من شرط وجوب القصاص على القاتل أيضاً أن يكون القتيل معصوم الدم ، أو محقون الدم في حق القاتل .
وأساس العصمة إما الإيمان أو الأمان وهو العهد والذمة .
فبالإيمان تعصم الدماء والأموال كما في قوله عليه الصلاة والسلام : [ أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوها
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ] رواه النسائي .
وقوله في
حديث ابن مسعود رضي الله عنه : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث الثيب
الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفرق للجماعة ] رواه أبو داود .
وتزول العصمة بالردة ، أو انتهاء الأمان وكذلك تزول بأسباب أخرى منها ما يلي :
1 _ السبب الأول : الزنى من محصن :
فعقوبة الزاني المحصن هي الرجم حتى الموت ، ولما كانت هذه العقوبة متلفة ،
فإن الزاني المحصن يعتبر مهدر الدم ، فإذاً لا قصاص على من قتله ، وإلى
هذا ذهب جمهور أهل العلم ، وهو الراجح من مذهب الشافعية .
وذهب
الشافعية في قولهم الثاني إلى وجوب القصاص على من قتله أو جرحه لأن إقامة
الحد عليه للسلطان فليس لغيره أن يقوم به ، كما لو ثبت القصاص لجماعة فبدر
غيرهم فنفذه .
ثم إذا كان لا قصاص على هذا ، فإنه يجوز تعزيره لافتياته على الحاكم لأن أمر الحدود إليه .
2 _ السبب الثاني : الصيالة :
والصائل هو يضرب الناس ويتطاول عليهم وأطلقه الفقهاء على كل من تعرض لإنسان يريد نفسه أو عرضه أو ماله .
وقد أطبق الفقهاء على أن للمصول عليه أن يدفع الصائل ، لقوله تعالى : {
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ولقوله : [ من قتل دون
ماله فهو شهيد ] متفق عليه .
وللإجماع على أن من شهر السلاح على آخر ليقتله فدفعه الآخر فقتله أنه لا شيء عليه .
فإذاً إذا كان القتيل مهدر الدم في حق جميع الناس _ كالحربي والمرتد _ لم يجب بقتله قصاص مطلقاً .
وإذا كان مهدر الدم في حق بعض الناس دون سائرهم ، كالقاتل المستحق للقصاص ،
فإنه مهدر الدم في حق أولياء القتيل خاصة ، فإن قتله أجنبي قتل به قصاصاً ،
لأنه غير مهدر الدم في حقه ، وإن قتله ولي الدم لم يقتص منه ، لأنه مهدر
الدم في حقه .
----------------------------
شروط وجوب القصاص المختلف فيها :
المبحث الأول : أن يكون المقتول مكافئاً للجاني :
وذلك بأن لا يفضله قاتله بإسلام أو حرية أو ملك .
وذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله إلى أن من شروط وجوب القصاص في القتل
المكافأة بين القاتل والقتيل في أوصاف اعتبروها ، فلا يقتل الأعلى بالأدنى ،
ولكن يقتل الأدنى بالأعلى وبالمساوي .
وخالف الحنفية ، وقالوا :
لا يشترط في القصاص في النفس المساواة بين القاتل والقتيل ، إلا أنه لا
يقتل عندهم المسلم ولا الذمي بالحربي ، لا لعدم المساواة بل لعدم العصمة .
واختلف الفقهاء رحمهم الله في مسألتين ، وهما في المطلبين التاليين :
المطلب الأول : في قتل المسلم بالذمي .
اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : امتناع القصاص .
وذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله ، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع عليه .
والدليل على ذلك ما يلي :
1 _ قوله : [ لا يقتل مسلم بكافر ] رواه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه ، وهذا نص .
2 _ قوله : [ المسلمون تتكافأ دماؤهم ] رواه أبو داود وأحمد ، فيفهم منه أن غير المسلم لا يكافيه .
3 _ أُثر عدم القتل به عن عمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية رضي الله عنهم ذكره البيهقي عنهم .
4 _ لأنه منقوص بالكفر ، فلا يقتل به المسلم كالمستأمن .
5 _ لأنه حق لا يجب استيفاؤه إلا بالمطالبة فلم يجب للكافر على المسلم كحد القذف .
ونوقش الدليل الأول من المخالفين فقالوا :
أن المراد بالكافر في الحديث هو الكافر الحربي لأن الحديث :[ لا يقتل مسلم
بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ] فذو عهد معطوف على مسلم ، فيكون التقدير لا
يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر ، والكافر الذي لا يقتل به الذمي هو
الكافر الحربي إجماعاً فوجب تقييد الكفار به في المعطوف تسوية بين
المتعاطفين ، والدليل على أن ذو عهد معطوف على مسلم أنه مرفوع ، فلا يصح
عطفه على كافر لأنه مجرور ، فعطفه عليه لحن لا يجوز على النبي وهو أفصح
العرب .
وأجيب عن هذا بجوابين :
الجواب الأول :
أن ( ذو
عهد ) ليس معطوفاً على ما قبله بل هو مستأنف ، لبيان تحريم قتل المعاهد بعد
بيان أن المسلم لا يقتل به ، لئلا يظن أن عدم قتل المسلم به لإباحة دمه ،
ويؤيد منع العطف ما يلي :
1 _ أن الرواية الصحيحة ليس فيها قوله : [ ولا ذو عهد في عهده ] بل اقتصرت على [ لا يقتل مسلم بكافر ] .
2 _ أن العطف يحتاج إلى تقدير الإضمار ، والأصل عدم التقدير ، فلا يصار إليه إلا لضرورة ، ولا ضرورة إليه .
الجواب الثاني :
على فرض التسليم بأن ( ذو عهد في عهده ) معطوف على ما قبله فالمشاركة في
أصل النفي ، لا في كل وجه ، وهو هنا النهي عن القتل مطلقاً من غير نظر إلى
كونه قصاصاً أو غير قصاص ، فلا يستلزم كون احدى الجملتين في القصاص أن تكون
الأخرى كذلك حتى يثبت ذلك التقدير .
ثم لو كان المقصود بالكافر
هو الحربي ، لخلا عن الفائدة ؛ لأن التقدير حينئذ لا يقتل مؤمن إذا قتل
كافر حربياً ، ومعلوم أن قتله عبادة ؛ لأنا مأمورون بقتال الحربيين ، فكيف
يتصور أن ينهى الشارع عن قتل المسلم به قصاصاً .
ونوقش الدليل الثاني من المخالفين بقولهم :
بأن ذلك دلالة مفهوم ، فلا تقوى على معارضة المنطوق .
وأجيب : بأن ما سيذكر من منطوق إما ضعيف ، وإما عام يخص بهذا الحديث وغيره ، ولا ترد دلالة هذا المفهوم .
ونوقش الدليل الثالث بقولهم :
بأن المساواة في الدين ليست بشرط ، ألا يرى أن الذمي إذا قتل ذمياً ثم اسلم القاتل يقتل به قصاصاً ولا مساواة بينهما في الدين .
وأجيب بما يلي :
الجواب الأول : أن من أهل العلم من ذهب إلى عدم قتله لأنه عصم نفسه بالإسلام .
الجواب الثاني : أن العبرة بالمكافأة حال الزهوق .
القول الثاني : أنه يقاد به :
وذهب إليه الحنفية ، واستدلوا بما يلي :
1 _ العمومات ومنها قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
وقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } .
وقوله تعالى:{ ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل } .
قالوا : ومن ادعى التخصيص فعليه بالدليل .
2 _ استدلوا كذلك بحديث ابن البيلماني أن النبي أقاد مسلماً بذمي وقال : [
أنا أحق من وفى بذمته ] رواه الدارقطني والبيهقي وأبو داود .
3 _ ولأنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كالمسلم .
4 _ الإجماع على قطع المسلم بسرقة مال الذمي ، فيقتل بقتله لأن الدم أعظم حرمة .
5 _ الحكمة من تشريع القصاص ؛ ذلك أن تحقيق معنى الحياة في قتل المسلم
بالذمي أبلغ من قتل المسلم بالمسلم ؛ لأن العداوة الدينية متمكنة فكانت
الحاجة إلى الزاجر أقوى .
وأجيب عن أدلتهم بما يلي :
الجواب عن الدليل الأول :
أن العمومات الواردة في الآيات قد خص بما ذكرنا من أدلة الجمهور .
الجواب عن الدليل الثاني :
أن حديث ابن البيلماني مناقش من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : ضعف الحديث ، قال الإمام أحمد :الحديث ليس له إسناد ، وقال
الدارقطني : يرويه ابن البيلماني وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل ، وقال
أبو عبيد هذا حديث ليس بمسند ، ولا يجعل مثله إماماً تسفك به الدماء .
الوجه الثاني :
أن الحديث إنما كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان
منسوخاً لأن حديث [ لا يقتل مسلم بكافر ] كان يوم الفتح ، وقصة عمرو بن
أمية متقدمة على ذلك بزمان .
الوجه الثالث : أن المسلم الذي قتله بذمي كان ذمياً حال القتل .
والجواب عن الدليل الثالث بأنه معصوم عصمة مؤبدة :
بأن هناك فرق ، فإن المسلم مكافئ للمسلم بخلاف الذمي .
والجواب عن الدليل الرابع بأن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي من وجهين :
الوجه الأول : أنه قياس مع النص ، فلا يلتفت إليه .
الوجه الثاني : أن القطع لحق الله ، ولهذا لا يسقط بالإسقاط فافترقا .
القول الثالث : أن لا يقاد به إلا إذا فعل ذلك غيلة :
وذهب إليه مالك ، والليث .
قال ابن عبد البر : فإن قتل المسلم الذمي قتلة غيلة قتل به عند مالك وأصحابه .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض } .
قال الباجي : القتل على وجه التحايل والخديعة من المحاربة .
2 _ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسلم قتل معاهداً فقال : إن
كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف ، وإن كان اللص عادياً فيقتل]
رواه المحلى .
3 _ وما روي عن عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان أن
رجلاً من المسلمين عدا على دهقان فقتله وعدى على ماله ؟ فكتب إليه عثمان :
أن اقتله به ، فإن هذا قتل غيلة على الحرابة .
وأجيب عن أدلتهم بما يلي :
الجواب عن الدليل الأول :
بأن المشهور من قول المالكية أنهم لا يقولون بالترتيب في حد الحرابة بل
يقولون : إن الإمام مخير فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي ولا بد في
الحرابة وتركوا قولهم في تخيير الإمام فيه .
ولو قالوا بالترتيب
لكانوا متناقضين أيضاًَ لأنه لا خلاف بين أحد ممن قال بالترتيب في أنه لا
يقتل المحارب إن قتل في حرابة ، من لا يقتل به إن قتله في غير الحرابة ،
وهم لا يقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة .
الجواب عن الدليل الثاني والثالث :
بأنهما أثران ضعيفان لا تقوم بهما حجة .
الترجيح :
الراجح والعلم عند الله ما ذهب إليه الجمهور من عدم القصاص ، لا فرق بين
ما إذا كان القتل غيلة أو لا ، لقوة ما ذكروه من أدلة ، في مقابل ضعف أدلة
المخالفين كما مر نقاشها آنفاً .
---------------------------------------
المطلب الثاني : مسألة قتل الحر بالعبد :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة وهي هل يُقتل الحر بالعبد أو لا ؟
على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يُقتل الحر بالعبد .
وإليه ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ، واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } .
2 _ قوله : [ لا يُقتل حر بعبد ] رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عباس .
3 _ قول علي رضي الله عنه : [ من السنة ألا يُقتل حر بعبد ] رواه أحمد .
4 _ إن الله قد أوجب المساواة في القصاص ، ثم بين المساواة المعتبرة فبين
أن الحر يساويه الحر ، والعبد يساويه العبد ، فمناط الإستدلال كلمة {
القصاص } الموجبة للمساواة والمماثلة في القتل .
القول الثاني : يقتل الحر بالعبد ، وإليه ذهب الحنفية واستدلوا بما يلي :
1 _ عموم آيات القصاص بدون تفرقة بين نفس ونفس ، مثل قوله تعالى : { كتب
عليكم القصاص في القتلى } ، وقوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }
.
2 _ عموم الأحاديث ومنها : [ العمد القود ] ، ووجه الدلالة : أن من قتل شخصاً متعمداً حراً أو عبداً فإنه يُقتل .
3 _ أن في القصاص هنا صوناً لحق الحياة .
القول الثالث : يُقتل الحر بالعبد إذا كان عبده ، ولا يُقتل إذا قتل عبد غيره :
واستدل أصحاب هذا القول بحديث سمرة أن النبي قال : [ من قتل عبده قتلناه ] .
ووجه الدلالة : قوله [ عبده ] فأضاف العبد إلى سيده فمن قتل عبده قُتل .
الترجيح :
الراجح والعلم عند الله هو ما ذهب إليه الجمهور رحمهم الله من أنه لا يقاد الحر بالعبد وذلك لما يلي :
أولاً : لصحة ما استدل به الجمهور وقوة دلالة أدلتهم .
ثانياً : أن ما استدل به الحنفية يجاب عنه بأن عموم النصوص من الكتاب والسنة مخصوصة بما ذكرناه من أدلة ، ولا تعارض بين عام وخاص .
ثالثاً : ما استدل به أصحاب القول الثالث يجاب عنه بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة .
---------------------
ألا يكون القاتل أباً للمقتول :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم القصاص من الأب للإبن على قولين :
القول الأول : عدم مشروعية القصاص .
وإليه ذهب جمهور العلماء رحمهم الله .
واستدلوا بما يلي :
1 _ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : [ لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده ] رواه الترمذي .
وروي بلفظ : [ لا يقتل الوالد بالولد ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .
وهذا نص في عدم القود من الوالد بولده .
2 _ ما روي من قوله : [ أنت ومالك لأبيك ] ، وهنا إذا لم تثبت حقيقة الملكية فلا أقل من أن تكون شبهة في درء القصاص .
3 _ لأن الأب سبب في إيجاد الإبن ، فلا ينبغي أن يكون الإبن سبباً في إعدامه ، ولهذا لا يجوز له قتله .
5 _ لأن الحكمة من مشروعية القصاص هي الردع والزجر ، ولا حاجة إلى ذلك في
مسألتنا لما في الأب من الشفقة ، فيكون شبهة في درء القصاص .
القول الثاني : مشروعية القصاص .
وإليه ذهب عثمان البتي وابن المنذر وداود ، ومالك في حالة ما إذا أضجعه
وذبحه أو قتله قتلاً لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه .
واستدلوا بما يلي :
1 _ عموم أدلة القصاص ، والتي لم تفرق بين جان وآخر .
ومنها قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
وقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } .
2 _ لأنهما شخصان متكافئان فوجب أن يقاد أحدهما بالآخر كالأجنبي .
3 _ لأن القصاص حق من حقوق الآدميين فجاز أن يثبت للإبن على الأب كغيره من الحقوق .
الترجيح :
الراجح والله أعلم ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله وهو القول الأول وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة .
وأجيب عن أدلة القول الثاني بما يلي :
بأن العمومات الواردة مخصوصة بما ذكرناه من أدلة .
وأجيب عن استدلالهم بأنهما شخصان متكافئان بأنه قياس مع النص فلا يلتفت إليه .
وأجيب عن استدلالهم بأن حق من حقوق الآدميين فلا يسلم بأن للإبن مطالبة
أبيه بشيء باستثناء ما ورد فيه نص ، وأيضاً هو قياس مع الفراق قلا يلتفت
إليه .
--------------------------
أن لا يكون القاتل حربياً حال قتله للمسلم :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا قصاص على القاتل إذا كان حربياً حتى ولو
أسلم قال الشافعية : لما تواتر من فعله والصحابة من بعده من عدم القصاص ممن
أسلم كوحشي قاتل حمزة ، ولعدم التزامه أحكام الإسلام ، ولكن يقتل بما هدر
به دمه .
المبحث الرابع : أن يكون القاتل مختاراً :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى أن الإكراه
لا أثر له في إسقاط القصاص عن المكرَه ، فإذا قتل مكرَهاً لزمه القصاص ،
ولزم القصاص المكرِه أيضاً وذلك في الجملة .
القول الثاني :
وذهب إليه الحنفية ، وهو أن من شروط القصاص أن يكون القاتل مختاراً اختيار
الإيثار ، فلا قصاص على مكرَه إكراهاً ملجئاً استوفى شروطه الأخرى .
واستدل أصحاب القول الأول وهم الجمهور رحمهم الله بما يلي :
1 _ أن المكرَه استبقى نفسه بالجناية على غيره فيجب عليه القصاص كما لو قتله في المخمصة ليأكله .
2 _ ولأنه قتل شخصاً مكافئاً له ظلماً بغير حق فأشبه المبتدئ بالقتل .
واستدل أصحاب القول الثاني وهم الحنفية بأدلة منها :
1 _ قوله عليه الصلاة والسلام :[ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه ] ووجه الدلالة : أن العفو عن الشيء عفو عن موجبه ، فكان
موجب المستكره عليه معفواً بظاهر الحديث .
2 _ واستدلوا كذلك : بأنه لو أكره على كلمة الكفر لم يحكم بكفره فكذا هنا وهو أهون من الكفر .
والذي يترجح والعلم عند الله : هو مذهب الجمهور بأن القصاص عليهما جميعاً (
المكرِه والمكرَه ) وذلك لقوة ما ذكروه من أدلة ، ويجاب عن أدلة القول
المخالف بما يلي :
أن الحديث الذي استدلوا به عام مخصوص بأدلة وجوب القصاص يدل لهذا أن المكره آثم بالإجماع ، والمعفو عنه لا إثم فيه .
وأجيب عن قياسهم على المتلفظ بكلمة الكفر : بأننا لا نحكم بكفره إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان ، والإكراه لا يعمل في القلب .
الحمد لله والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار
على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد :
فقد جاء
نظام الإسلام نظاماً شاملاً لجوانب الحياة كلها نظاماً دقيقاً محكماً ، وقد
حرص الإسلام على حفظ ضروريات الإنسان ، ومن هذه الضروريات حف
ظ
النفس ، فقد حرّم كل ما يؤدي إلى الضرر بها فحرّم قتلها ، والأذية بها من
جرح وقطع ونحو ذلك ، وشرع لذلك أحكاماً يسير على نهجها الناس ، وأنظمة يقضى
بها بينهم ، ومن هذه الجوانب المهمة التي اعتنى الإسلام ببيانها مسألة
القصاص في الأنفس ، ومتى يجب القصاص ، ومتى يُمنع ، وما هي الشروط الواجب
توفرها حتى يُحكم بثبوت القصاص ، ومن بَعْدِه يكون الحق لأولياء المجني
عليه المطالبة بالقصاص .
وقد رأيت أن أختار موضوع شروط وجوب
القصاص ، وقد بحثت فيه جوانب تتعلق ببعض المسائل الخلافية والترجيح بينها
كما سأبينه في الخطة التي سرت عليها في هذا البحث ، وقد قسمت هذا البحث إلى
ثلاثة فصول ، واثني عشر مبحثاً ، وثمانية مطالب ، وخاتمة .
وأسال
الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اولا تعريف الشروط لغة :
الشروط جمع شرط ، والشرط : العلامة ؛ لأنه علامة للمشروط ، ومنه قوله
سبحانه وتعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها }
أي : علاماتها .
ثانياً: تعريف الشروط اصطلاحاً :
الشرط في اصطلاح الأصوليين : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته .
تعريف الوجوب :
اولا : تعريف الوجوب لغة :
الواجب في اللغة : الساقط والثابت .
قال في القاموس : وجب يجب وجبةً سقط ، والشمس وجباً ووجوباً : غابت ، والوجبة : السقطة مع الهدة ، أو صوت الساقط .
وقال في المصباح : وجب الحق والبيع يجب وجوباً ووجبةً : لَزِمَ وثَبَتَ .
ومن أمثلة الثبوت قوله : [ أسألك موجبات رحمتك ] رواه الترمذي ، وابن ماجة .
ثانياً : تعريف الوجوب اصطلاحاً :
عرّف الأصوليون الواجب بتعاريف كثيرة منها :
( ما ذمّ شرعاً تاركه قصداً مطلقاً ) .
( إلزام الشرع )
( ما يعاقب تاركه )
( ما توعد على تركه بالعقاب ) .
-----------------
تعريف القصاص .
اولا: تعريف القصاص لغة :
القصاص مأخوذ من قصَّ الأثر إذا تتبعه ومنه قوله تعالى :{ فارتدا على
آثارهما قصصاً } ، وقوله : { وقالت لأخته قصيه } ، ومن معانيه القود : يقال
: أقصّ السلطان فلاناً إقصاصاً : قتله قوداً ، وأقصّه من فلان : جرحه مثل
جرحه ، واستقصّه : سأله أن يقصّه .
قال الفيومي : ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل ، وجرح الجارح وقطع القاطع .
ثانيا : تعريف القصاص اصطلاحاً :
( أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل ) .
والتناسب بين المعنيين اللغوي والإصطلاحي ظاهر ، لأن القصاص يتبع فيها
الجاني فهو لا يترك دون عقوبة رادعة ، ولا يترك المجني عليها أو أولياؤه من
غير شفاء ، فهو تتبع للجاني بالعقاب ، وللمجني عليه بالشفاء .
--------------------------
شروط وجوب القصاص المتفق عليها .
اولا: أن يكون الجاني عالماً بتحريم ما أقدم عليه :
المراد بهذا الشرط : أن يكون الجاني عالماً بحرمة قتل النفس المحرمة ، فإن
كان جاهلاً بالتحريم كحديث عهد بالإسلام ، أو جاهلاً عصمة المجني عليه فلا
قصاص عليه ، لأن القصاص مما يدرأ بالشبهات ، واعتقاده الإباحة شبهة ،
فيدرأ عنه القصاص بها .
ويعد المكلف عالماً بالحكم بإمكان العلم لا بتحقق ذلك ، فلا يعذر الجهل بشيء مما يعلمه غالب الناس .
ثانيا : أن يكون القاتل بالغاً :
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أنه يشترط في القاتل لوجوب القصاص عليه أن يكون بالغاً عند القتل ، والأصل في هذا ما يلي :
1 _ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال : [ رفع القلم عن ثلاثة :
عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] رواه أبو
داود وابن ماجة .
2 _ ولأن القصاص عقوبة مغلظة فلا تجب على الصغير .
3 _ ولأنه ليس له قصد صحيح كالقاتل خطأ .
المبحث الثالث : أن يكون القاتل عاقلاً :
يشترط للقصاص أن يكون القاتل عاقلاً باتفاق الفقهاء ، فلا قصاص على
المجنون جنوناً مطبقاً عند القتل ، وقد دل على ذلك السنة ، والعقل :
أما السنة فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي قال : [ رفع
القلم عن ثلاثة _ وذكر منها _ المجنون حتى يفيق ] رواه أحمد وأبو داود .
وللفقهاء رحمهم الله أقوال في المجنون وأحواله تفصيل ، وبيانه فيما يلي :
1 _ المذهب الحنفي :
ذهب الحنفية إلى أنه إن كان يجن ويفيق ، فإن قتل في إفاقته قضي عليه
بالقصاص ، فإن جن بعد ذلك جنوناً مطبقاً سقط القصاص ، وإن غير مطبق قتل
قصاصاً بعد إفاقته .
2 _ المذهب المالكي :
ذهب المالكية إلى أنه ينتظر إلى حين إفاقته ثم يقتص منه .
فإذا كان القاتل مجنوناً جنوناً متقطعاً ، فإن قتله في حال صحوه اقتص منه في حال صحوه ، وإن اقتص منه في حال جنونه لم يقتص منه .
3 _ المذهب الشافعي :
ذهب الشافعية إلى أنه إن قتله وهو مجنون جنوناً مطبقاً فلا قصاص عليه .
وإن كان جنونه متقطعاً ، فإن قتله في حال الجنون فلا قصاص عليه لأنه قتله
حال الجنون وهو فيها غير مكلف ، وإن قتله حال الإفاقة ، أو قتله وهو عاقل
ثم جن وجب القصاص عليه .
4 _ المذهب الحنبلي :
ذهب الحنابلة
إلى أنه إن قتله وهو عاقل ثم جن لم يسقط القصاص عنه ، ثم يقتص منه في حال
جنونه إن ثبت القتل ببينة ، فإن ثبت بإقراره لم يقتص منه حتى يصحو لاحتمال
رجوعه عن إقراره .
أما السكران فللفقهاء رحمهم الله أقوال :
القول الأول : وجوب القصاص :
وإليه ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية ، والشافعية والحنابلة في المذهب
عندهما إلى أنه إن قتل وهو سكران وكان سكره باختياره وجب القصاص عليه ، وإن
كان سكره لعذر كالإكراه فلا قصاص عليه ، واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } .
ووجه الدلالة من هذه الآية :
أن الله خاطب السكارى حال سكرهم فدل على أن السكران مكلف .
2 _ واستدلوا كذلك بأثر الصحابة : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وإذا افترى جلد ثمانين .
3 _ القياس على الطلاق في إمضائه على السكران .
4 _ أن إسقاط القود يفضي إلى أن من أراد إسقاط القود شرب ما يسكره ، ولا
تلزمه عقوبة ، فيصير عصيانه سبباً لسقوط القصاص عنه ، ولا وجه لهذا .
القول الثاني : عدم وجوب القصاص :
وإليه ذهب أحمد في رواية وبعض الشافعية ، وابن حزم .
واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } .
ووجه الدلالة : أن الله بين أن السكران لا يعلم ما يقول ، ومن أخبر الله أنه لا يعلم ما يقول ، فلا يحل أن يلزم شيئاً من الأحكام .
2 _ واستدلوا كذلك : بفعل حمزة وقوله للرسول : [ ما أنتم إلا عبيد أبي
فنكص رسول الله ] متفق عليه ، قال ابن حزم : فصح أن السكران غير مؤاخذ بما
يفعله جملة .
3 _ واستدلوا كذلك بقياسه على المجنون .
القول الثالث : أنه لا قصاص عليه إلا إذا ثبت أنه سكر ليجني .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1 _ أن العبرة بالنية ، فإذا وجدت وجب عليه القصاص .
2 _ ولأن في إسقاط القصاص فتح لباب الشر و العدوان .
وهذا القول هو أرجح الأقوال لأن النبي قال : [ إنما الأعمال بالنيات ،
وإنما لكل امرئٍ ما نوى ] فنؤاخذه بنيته كما قرّره فضيلة الشيخ محمد بن
عثيمين رحمه الله .
المبحث الرابع : أن يكون القاتل متعمداً للقتل :
اتفق الفقهاء على أن القصاص لا يجب في غير القتل العمد ؛ لقول النبي : [
العمد القود ] أخرجه ابن أبي شيبة ، قال الكاساني : لأن القصاص عقوبة
متناهية فلا تجب إلا في جناية متناهية ، والجناية لا تتناهى إلا بالعمد اهـ
، فالحديث إذاً شرط العمد لوجوب القود .
--------------------
أن يكون المقتول معصوماً :
اتفق الفقهاء على أن من شرط وجوب القصاص على القاتل أيضاً أن يكون القتيل معصوم الدم ، أو محقون الدم في حق القاتل .
وأساس العصمة إما الإيمان أو الأمان وهو العهد والذمة .
فبالإيمان تعصم الدماء والأموال كما في قوله عليه الصلاة والسلام : [ أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوها
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ] رواه النسائي .
وقوله في
حديث ابن مسعود رضي الله عنه : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث الثيب
الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفرق للجماعة ] رواه أبو داود .
وتزول العصمة بالردة ، أو انتهاء الأمان وكذلك تزول بأسباب أخرى منها ما يلي :
1 _ السبب الأول : الزنى من محصن :
فعقوبة الزاني المحصن هي الرجم حتى الموت ، ولما كانت هذه العقوبة متلفة ،
فإن الزاني المحصن يعتبر مهدر الدم ، فإذاً لا قصاص على من قتله ، وإلى
هذا ذهب جمهور أهل العلم ، وهو الراجح من مذهب الشافعية .
وذهب
الشافعية في قولهم الثاني إلى وجوب القصاص على من قتله أو جرحه لأن إقامة
الحد عليه للسلطان فليس لغيره أن يقوم به ، كما لو ثبت القصاص لجماعة فبدر
غيرهم فنفذه .
ثم إذا كان لا قصاص على هذا ، فإنه يجوز تعزيره لافتياته على الحاكم لأن أمر الحدود إليه .
2 _ السبب الثاني : الصيالة :
والصائل هو يضرب الناس ويتطاول عليهم وأطلقه الفقهاء على كل من تعرض لإنسان يريد نفسه أو عرضه أو ماله .
وقد أطبق الفقهاء على أن للمصول عليه أن يدفع الصائل ، لقوله تعالى : {
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ولقوله : [ من قتل دون
ماله فهو شهيد ] متفق عليه .
وللإجماع على أن من شهر السلاح على آخر ليقتله فدفعه الآخر فقتله أنه لا شيء عليه .
فإذاً إذا كان القتيل مهدر الدم في حق جميع الناس _ كالحربي والمرتد _ لم يجب بقتله قصاص مطلقاً .
وإذا كان مهدر الدم في حق بعض الناس دون سائرهم ، كالقاتل المستحق للقصاص ،
فإنه مهدر الدم في حق أولياء القتيل خاصة ، فإن قتله أجنبي قتل به قصاصاً ،
لأنه غير مهدر الدم في حقه ، وإن قتله ولي الدم لم يقتص منه ، لأنه مهدر
الدم في حقه .
----------------------------
شروط وجوب القصاص المختلف فيها :
المبحث الأول : أن يكون المقتول مكافئاً للجاني :
وذلك بأن لا يفضله قاتله بإسلام أو حرية أو ملك .
وذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله إلى أن من شروط وجوب القصاص في القتل
المكافأة بين القاتل والقتيل في أوصاف اعتبروها ، فلا يقتل الأعلى بالأدنى ،
ولكن يقتل الأدنى بالأعلى وبالمساوي .
وخالف الحنفية ، وقالوا :
لا يشترط في القصاص في النفس المساواة بين القاتل والقتيل ، إلا أنه لا
يقتل عندهم المسلم ولا الذمي بالحربي ، لا لعدم المساواة بل لعدم العصمة .
واختلف الفقهاء رحمهم الله في مسألتين ، وهما في المطلبين التاليين :
المطلب الأول : في قتل المسلم بالذمي .
اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : امتناع القصاص .
وذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله ، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع عليه .
والدليل على ذلك ما يلي :
1 _ قوله : [ لا يقتل مسلم بكافر ] رواه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه ، وهذا نص .
2 _ قوله : [ المسلمون تتكافأ دماؤهم ] رواه أبو داود وأحمد ، فيفهم منه أن غير المسلم لا يكافيه .
3 _ أُثر عدم القتل به عن عمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية رضي الله عنهم ذكره البيهقي عنهم .
4 _ لأنه منقوص بالكفر ، فلا يقتل به المسلم كالمستأمن .
5 _ لأنه حق لا يجب استيفاؤه إلا بالمطالبة فلم يجب للكافر على المسلم كحد القذف .
ونوقش الدليل الأول من المخالفين فقالوا :
أن المراد بالكافر في الحديث هو الكافر الحربي لأن الحديث :[ لا يقتل مسلم
بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ] فذو عهد معطوف على مسلم ، فيكون التقدير لا
يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر ، والكافر الذي لا يقتل به الذمي هو
الكافر الحربي إجماعاً فوجب تقييد الكفار به في المعطوف تسوية بين
المتعاطفين ، والدليل على أن ذو عهد معطوف على مسلم أنه مرفوع ، فلا يصح
عطفه على كافر لأنه مجرور ، فعطفه عليه لحن لا يجوز على النبي وهو أفصح
العرب .
وأجيب عن هذا بجوابين :
الجواب الأول :
أن ( ذو
عهد ) ليس معطوفاً على ما قبله بل هو مستأنف ، لبيان تحريم قتل المعاهد بعد
بيان أن المسلم لا يقتل به ، لئلا يظن أن عدم قتل المسلم به لإباحة دمه ،
ويؤيد منع العطف ما يلي :
1 _ أن الرواية الصحيحة ليس فيها قوله : [ ولا ذو عهد في عهده ] بل اقتصرت على [ لا يقتل مسلم بكافر ] .
2 _ أن العطف يحتاج إلى تقدير الإضمار ، والأصل عدم التقدير ، فلا يصار إليه إلا لضرورة ، ولا ضرورة إليه .
الجواب الثاني :
على فرض التسليم بأن ( ذو عهد في عهده ) معطوف على ما قبله فالمشاركة في
أصل النفي ، لا في كل وجه ، وهو هنا النهي عن القتل مطلقاً من غير نظر إلى
كونه قصاصاً أو غير قصاص ، فلا يستلزم كون احدى الجملتين في القصاص أن تكون
الأخرى كذلك حتى يثبت ذلك التقدير .
ثم لو كان المقصود بالكافر
هو الحربي ، لخلا عن الفائدة ؛ لأن التقدير حينئذ لا يقتل مؤمن إذا قتل
كافر حربياً ، ومعلوم أن قتله عبادة ؛ لأنا مأمورون بقتال الحربيين ، فكيف
يتصور أن ينهى الشارع عن قتل المسلم به قصاصاً .
ونوقش الدليل الثاني من المخالفين بقولهم :
بأن ذلك دلالة مفهوم ، فلا تقوى على معارضة المنطوق .
وأجيب : بأن ما سيذكر من منطوق إما ضعيف ، وإما عام يخص بهذا الحديث وغيره ، ولا ترد دلالة هذا المفهوم .
ونوقش الدليل الثالث بقولهم :
بأن المساواة في الدين ليست بشرط ، ألا يرى أن الذمي إذا قتل ذمياً ثم اسلم القاتل يقتل به قصاصاً ولا مساواة بينهما في الدين .
وأجيب بما يلي :
الجواب الأول : أن من أهل العلم من ذهب إلى عدم قتله لأنه عصم نفسه بالإسلام .
الجواب الثاني : أن العبرة بالمكافأة حال الزهوق .
القول الثاني : أنه يقاد به :
وذهب إليه الحنفية ، واستدلوا بما يلي :
1 _ العمومات ومنها قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
وقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } .
وقوله تعالى:{ ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل } .
قالوا : ومن ادعى التخصيص فعليه بالدليل .
2 _ استدلوا كذلك بحديث ابن البيلماني أن النبي أقاد مسلماً بذمي وقال : [
أنا أحق من وفى بذمته ] رواه الدارقطني والبيهقي وأبو داود .
3 _ ولأنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كالمسلم .
4 _ الإجماع على قطع المسلم بسرقة مال الذمي ، فيقتل بقتله لأن الدم أعظم حرمة .
5 _ الحكمة من تشريع القصاص ؛ ذلك أن تحقيق معنى الحياة في قتل المسلم
بالذمي أبلغ من قتل المسلم بالمسلم ؛ لأن العداوة الدينية متمكنة فكانت
الحاجة إلى الزاجر أقوى .
وأجيب عن أدلتهم بما يلي :
الجواب عن الدليل الأول :
أن العمومات الواردة في الآيات قد خص بما ذكرنا من أدلة الجمهور .
الجواب عن الدليل الثاني :
أن حديث ابن البيلماني مناقش من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : ضعف الحديث ، قال الإمام أحمد :الحديث ليس له إسناد ، وقال
الدارقطني : يرويه ابن البيلماني وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل ، وقال
أبو عبيد هذا حديث ليس بمسند ، ولا يجعل مثله إماماً تسفك به الدماء .
الوجه الثاني :
أن الحديث إنما كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان
منسوخاً لأن حديث [ لا يقتل مسلم بكافر ] كان يوم الفتح ، وقصة عمرو بن
أمية متقدمة على ذلك بزمان .
الوجه الثالث : أن المسلم الذي قتله بذمي كان ذمياً حال القتل .
والجواب عن الدليل الثالث بأنه معصوم عصمة مؤبدة :
بأن هناك فرق ، فإن المسلم مكافئ للمسلم بخلاف الذمي .
والجواب عن الدليل الرابع بأن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي من وجهين :
الوجه الأول : أنه قياس مع النص ، فلا يلتفت إليه .
الوجه الثاني : أن القطع لحق الله ، ولهذا لا يسقط بالإسقاط فافترقا .
القول الثالث : أن لا يقاد به إلا إذا فعل ذلك غيلة :
وذهب إليه مالك ، والليث .
قال ابن عبد البر : فإن قتل المسلم الذمي قتلة غيلة قتل به عند مالك وأصحابه .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض } .
قال الباجي : القتل على وجه التحايل والخديعة من المحاربة .
2 _ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسلم قتل معاهداً فقال : إن
كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف ، وإن كان اللص عادياً فيقتل]
رواه المحلى .
3 _ وما روي عن عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان أن
رجلاً من المسلمين عدا على دهقان فقتله وعدى على ماله ؟ فكتب إليه عثمان :
أن اقتله به ، فإن هذا قتل غيلة على الحرابة .
وأجيب عن أدلتهم بما يلي :
الجواب عن الدليل الأول :
بأن المشهور من قول المالكية أنهم لا يقولون بالترتيب في حد الحرابة بل
يقولون : إن الإمام مخير فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي ولا بد في
الحرابة وتركوا قولهم في تخيير الإمام فيه .
ولو قالوا بالترتيب
لكانوا متناقضين أيضاًَ لأنه لا خلاف بين أحد ممن قال بالترتيب في أنه لا
يقتل المحارب إن قتل في حرابة ، من لا يقتل به إن قتله في غير الحرابة ،
وهم لا يقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة .
الجواب عن الدليل الثاني والثالث :
بأنهما أثران ضعيفان لا تقوم بهما حجة .
الترجيح :
الراجح والعلم عند الله ما ذهب إليه الجمهور من عدم القصاص ، لا فرق بين
ما إذا كان القتل غيلة أو لا ، لقوة ما ذكروه من أدلة ، في مقابل ضعف أدلة
المخالفين كما مر نقاشها آنفاً .
---------------------------------------
المطلب الثاني : مسألة قتل الحر بالعبد :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة وهي هل يُقتل الحر بالعبد أو لا ؟
على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يُقتل الحر بالعبد .
وإليه ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ، واستدلوا بما يلي :
1 _ قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } .
2 _ قوله : [ لا يُقتل حر بعبد ] رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عباس .
3 _ قول علي رضي الله عنه : [ من السنة ألا يُقتل حر بعبد ] رواه أحمد .
4 _ إن الله قد أوجب المساواة في القصاص ، ثم بين المساواة المعتبرة فبين
أن الحر يساويه الحر ، والعبد يساويه العبد ، فمناط الإستدلال كلمة {
القصاص } الموجبة للمساواة والمماثلة في القتل .
القول الثاني : يقتل الحر بالعبد ، وإليه ذهب الحنفية واستدلوا بما يلي :
1 _ عموم آيات القصاص بدون تفرقة بين نفس ونفس ، مثل قوله تعالى : { كتب
عليكم القصاص في القتلى } ، وقوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }
.
2 _ عموم الأحاديث ومنها : [ العمد القود ] ، ووجه الدلالة : أن من قتل شخصاً متعمداً حراً أو عبداً فإنه يُقتل .
3 _ أن في القصاص هنا صوناً لحق الحياة .
القول الثالث : يُقتل الحر بالعبد إذا كان عبده ، ولا يُقتل إذا قتل عبد غيره :
واستدل أصحاب هذا القول بحديث سمرة أن النبي قال : [ من قتل عبده قتلناه ] .
ووجه الدلالة : قوله [ عبده ] فأضاف العبد إلى سيده فمن قتل عبده قُتل .
الترجيح :
الراجح والعلم عند الله هو ما ذهب إليه الجمهور رحمهم الله من أنه لا يقاد الحر بالعبد وذلك لما يلي :
أولاً : لصحة ما استدل به الجمهور وقوة دلالة أدلتهم .
ثانياً : أن ما استدل به الحنفية يجاب عنه بأن عموم النصوص من الكتاب والسنة مخصوصة بما ذكرناه من أدلة ، ولا تعارض بين عام وخاص .
ثالثاً : ما استدل به أصحاب القول الثالث يجاب عنه بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة .
---------------------
ألا يكون القاتل أباً للمقتول :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم القصاص من الأب للإبن على قولين :
القول الأول : عدم مشروعية القصاص .
وإليه ذهب جمهور العلماء رحمهم الله .
واستدلوا بما يلي :
1 _ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : [ لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده ] رواه الترمذي .
وروي بلفظ : [ لا يقتل الوالد بالولد ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .
وهذا نص في عدم القود من الوالد بولده .
2 _ ما روي من قوله : [ أنت ومالك لأبيك ] ، وهنا إذا لم تثبت حقيقة الملكية فلا أقل من أن تكون شبهة في درء القصاص .
3 _ لأن الأب سبب في إيجاد الإبن ، فلا ينبغي أن يكون الإبن سبباً في إعدامه ، ولهذا لا يجوز له قتله .
5 _ لأن الحكمة من مشروعية القصاص هي الردع والزجر ، ولا حاجة إلى ذلك في
مسألتنا لما في الأب من الشفقة ، فيكون شبهة في درء القصاص .
القول الثاني : مشروعية القصاص .
وإليه ذهب عثمان البتي وابن المنذر وداود ، ومالك في حالة ما إذا أضجعه
وذبحه أو قتله قتلاً لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه .
واستدلوا بما يلي :
1 _ عموم أدلة القصاص ، والتي لم تفرق بين جان وآخر .
ومنها قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
وقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } .
2 _ لأنهما شخصان متكافئان فوجب أن يقاد أحدهما بالآخر كالأجنبي .
3 _ لأن القصاص حق من حقوق الآدميين فجاز أن يثبت للإبن على الأب كغيره من الحقوق .
الترجيح :
الراجح والله أعلم ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله وهو القول الأول وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة .
وأجيب عن أدلة القول الثاني بما يلي :
بأن العمومات الواردة مخصوصة بما ذكرناه من أدلة .
وأجيب عن استدلالهم بأنهما شخصان متكافئان بأنه قياس مع النص فلا يلتفت إليه .
وأجيب عن استدلالهم بأن حق من حقوق الآدميين فلا يسلم بأن للإبن مطالبة
أبيه بشيء باستثناء ما ورد فيه نص ، وأيضاً هو قياس مع الفراق قلا يلتفت
إليه .
--------------------------
أن لا يكون القاتل حربياً حال قتله للمسلم :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا قصاص على القاتل إذا كان حربياً حتى ولو
أسلم قال الشافعية : لما تواتر من فعله والصحابة من بعده من عدم القصاص ممن
أسلم كوحشي قاتل حمزة ، ولعدم التزامه أحكام الإسلام ، ولكن يقتل بما هدر
به دمه .
المبحث الرابع : أن يكون القاتل مختاراً :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى أن الإكراه
لا أثر له في إسقاط القصاص عن المكرَه ، فإذا قتل مكرَهاً لزمه القصاص ،
ولزم القصاص المكرِه أيضاً وذلك في الجملة .
القول الثاني :
وذهب إليه الحنفية ، وهو أن من شروط القصاص أن يكون القاتل مختاراً اختيار
الإيثار ، فلا قصاص على مكرَه إكراهاً ملجئاً استوفى شروطه الأخرى .
واستدل أصحاب القول الأول وهم الجمهور رحمهم الله بما يلي :
1 _ أن المكرَه استبقى نفسه بالجناية على غيره فيجب عليه القصاص كما لو قتله في المخمصة ليأكله .
2 _ ولأنه قتل شخصاً مكافئاً له ظلماً بغير حق فأشبه المبتدئ بالقتل .
واستدل أصحاب القول الثاني وهم الحنفية بأدلة منها :
1 _ قوله عليه الصلاة والسلام :[ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه ] ووجه الدلالة : أن العفو عن الشيء عفو عن موجبه ، فكان
موجب المستكره عليه معفواً بظاهر الحديث .
2 _ واستدلوا كذلك : بأنه لو أكره على كلمة الكفر لم يحكم بكفره فكذا هنا وهو أهون من الكفر .
والذي يترجح والعلم عند الله : هو مذهب الجمهور بأن القصاص عليهما جميعاً (
المكرِه والمكرَه ) وذلك لقوة ما ذكروه من أدلة ، ويجاب عن أدلة القول
المخالف بما يلي :
أن الحديث الذي استدلوا به عام مخصوص بأدلة وجوب القصاص يدل لهذا أن المكره آثم بالإجماع ، والمعفو عنه لا إثم فيه .
وأجيب عن قياسهم على المتلفظ بكلمة الكفر : بأننا لا نحكم بكفره إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان ، والإكراه لا يعمل في القلب .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin