بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
من صفات المؤمنين 2
صفحة 1 من اصل 1
من صفات المؤمنين 2
5- الصفة الخامسة من صفات المؤمنين حفظ الفروج:
إن من صفات المؤمنين المفلحين: حفظ الفروج من اللواط والزنا، ونحو ذلك، وقد أخبر الله -تعالى- في كتابه أن حفظ الفروج من صفات المؤمنين المفلحين، الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال -تعالى-: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وأثنى -سبحانه- في سورة " سأل " على المؤمنين في اتصافهم بأوصاف منها حفظ فروجهم، وأخبر أنهم يدخلون الجنات يكرمون فيها بالنعيم، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وبين الله في كتابه أن حفظ الفروج لا يلزم المؤمنين عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بالزواج، أو بملك اليمين وهو التمتع السراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجته أو سريّته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعًا بفرجه وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات، فهو من المعتدين المتعدّين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه، فقال -تعالى- في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .
إن الزنا ليس من صفة المؤمنين ؛ لأنه ينافي حفظ الفروج الذي أخبر الله أنه من صفة المؤمنين المفلحين، ولذلك حرمه الإسلام، ونهى الله عباده عنه وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، وبين أنه فاحشة، وأنه بئس طريقًا ومسلكًا، فقال -تعالى-: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا .
وسماه الله فاحشة أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر، وما ذاك إلا لتضمنه التجري على الحرمات في حق الله، وفي حق المرأة، وفي حق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد، ولذلك يقول سبحانه: وَسَاءَ سَبِيلًا أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
ولقبح هذا الذنب وعظمه وشناعته وبشاعته قرنه الله بالشرك وقتل النفس، وأثنى على عباده في بعدهم عن هذه القبائح الثلاث: الشرك والقتل والزنا، وتوعد من فعل ذلك بالحصول على الإثم ومضاعفة العذاب، فقال في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الآية.
إن جريمة الزنا تنافي هذه الصفة الحميدة؛ لأن الزنا رذيلة تدنس عرض صاحبها، وعرض من قارفها ومازجها، ولذلك حرّم الله على المؤمن أن ينكح زانية، وعلى المؤمنة أن تنكح زانيًا، إلا أن يتوبوا، قال -تعالى-: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ إذ الظالم يحشر مع زوجه، كما قال -تعالى-: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ أي: قرناءهم، ومقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها أشد الاقترانات والازدواجات.
فحرم الله الزنا لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفَّها بسبب اشتغاله بغيرها، وبعض هذا كاف في التحريم، وقد نفى الله الإيمان عن الزاني في قوله -تعالى-: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: حرم نكاح الزاني والزانية، فلو كان مؤمنا بالله حقا لم يقدم على ذلك، وفي هذا دليل على أن الزاني ليس مؤمنا حقًا.
ويؤيد هذا الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .
فالزاني وإن لم يكن مشركا، لكنه لا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الإيمان المطلق.
والزنا من أعظم الذنوب وأفحشها فهو من الكبائر العظيمة، وفي الحديث: ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له .
وقد عالج الإسلام نزعة حب الزنا، والتطلع إليه بتصور الإنسان المتطلع إليه لكراهته للزنا لو وقع على إحدى محارمه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن فتى شابا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: أُدنه، فدنا منه قريبا، فقال: اجلس، فجلس فقال: أتَحبّه لأمك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
- الصفة السادسة من صفات المؤمنين رعاية الأمانة:
إن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين للفردوس: أنهم راعون لأمانتهم، قال الله -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وقال -تعالى- في سورة سأل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وما تضمنه هاتان الآيتان الكريمتان من حفظ الأمانات والعهود جاء مبينًا في آيات كثيرة كقوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
وكقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
وقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
وقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
ولقد مدح الله الذين هم راعون لأماناتهم، والراعي هو القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، وفي الحديث: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته .
والأمانة تشمل كل ما استودعك الله أمره وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك عن كل ما لا يرضي الله.
وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والأمانات تعم أيضًا جميع الواجبات على الإنسان سواء كان واجبًا عليه ابتداء، وهو ما يتساوى فيه الناس من حقوق الله -تعالى- على عباده كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها، أو كان واجبًا لسبب من الأسباب من حقوق الله -تعالى- كالكفارات والنذور.
وتشمل الأمانات أيضا: حقوق العباد بعضهم لبعض، وهذا لا يتساوى فيه الناس، بل إنما يجب لسبب من الأسباب كالديون والودائع والعواري، ويدخل في ذلك الولايات كالإمامة والإمارة والوزارة والرئاسة والإدارة ورعاية الأسرة والوظائف وتأدية الودائع إلى أصحابها، وغير ذلك مما يؤتمن عليه الإنسان من غير اطلاع بيّنه على ذلك، كل ذلك داخل في الأمانة التي أمرنا الله عز وجل بأدائها في قوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .
- الصفة السابعة من صفات المؤمنين حفظ العهد:
إن من صفات المؤمنين التي مدح الله أهلها وأثنى عليهم: حفظ العهود والعقود، ومراعاتها والوفاء بها، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك قوله -تعالى- في موضعين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال -تعالى- آمرًا عباده بالوفاء بالعهود والعقود: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
وأخبر -تعالى- عن نفسه بأنه لا أحد أوفى منه -سبحانه- بالعهد فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ وتوعد -سبحانه- من ينقض العهد بوعيد شديد، وهو اللعنة وسوء الدار، فقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
والوفاء بالعقود والعهود عام يشمل عهود الإيمان والقرآن، والعقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد الحِلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، وعقد الإجازة، وغير ذلك، وقد فسر السلف قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقالوا: هي:
1- عهود الإيمان والقرآن.
2- وقيل: العقود: هي العهود، وهي ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كله.
3- وقيل: العقود: ما أحل الله وحرم، وما أخذ الله من الميثاق على من أقرّ بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.
وكل هذه الأقوال متفقة المعنى، فإذا عقد الإنسان عقدا وجب عليه أن يفي به، وأن يرعاه ويلتزم به، كما أمر الله -تعالى- بذلك، فإذا عقد يمينًا، أو أوجب على نفسه نذرًا وجب عليه أن يلتزم به، وأن يتحلل منه بكفارة. وكذلك سائر العقود من البيع، أو الإجارة، أو النكاح، أو غيرها.
وهذا هو شأن المؤمنين وهذا هو وصف المؤمنين الخلّص الذين وعدهم الله وراثة الفردوس بين أن من وصفهم رعاية العهد، وقد عقد الله -سبحانه- مع عباده المؤمنين عقدًا، وعاوضهم عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وتكفّل لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا لجهاد في سبيل الله، والتصديق برسول الله إنْ توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى أهله نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة.
وأخبر الله -سبحانه- أنه لا أحد أوفى منه بعهده، فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ووعد وبشّر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد بالفوز العظيم، والنعيم المقيم، فقال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
- الصفة الثامنة من صفات المؤمنين الإعراض عن اللغو:
إن من صفات المؤمنين المفلحين: إعراضهم عن اللغو، وقد بين الله في أول سورة "المؤمنون" أن هذه الصفة "الإعراض عن اللغو" من صفات المؤمنين المفلحين الموعودين بالفردوس، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ .
ثم قال -تعالى- مبيّنًا لجزائهم بعد ذكر صفاتهم: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وأصل اللغو ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فيدخل فيه اللعب واللهو والهزل، وما توجب المروءة تركه، قال ابن كثير -رحمه الله- على هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك كما قال بعضهم، والمعاصي كما قال الآخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ا.هـ.
وما أثنى الله به على المؤمنين المفلحين في هذه الآية أشار إليه في مواضع من كتابه كقوله -تعالى-: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه؛ لأن من مرورهم به كرامًا إعراضهم عنه، وعدم مشاركتهم أصحابه فيه، وقد كان السلف الصالح مثالًا أعلى في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق هذه الصفة أن ابن مسعود -رضي الله عنه- مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .
وقال مقاتل على هذه الآية: إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا، وقيل: اللغو: المعاصي كلها، ومعنى "مروا كرامًا" مسرعين معرضين، يقال: تكرَّم فلانًا عما يشينه إذا تنزّه وأكرم نفسه عنه، ولما كان سلفنا الكرام مثالًا يحتذى به مَن بعدهم إلى يوم القيامة في تطبيق الشريعة، والاتصاف بأوصاف المؤمنين التي نوّه الله عنها في كتابه.
وأثنى على أهلها لما كانوا كذلك حصلت لهم العزة والسيادة والكرامة في الدنيا فاستخلفهم الله في الأرض، ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ونشروا العدل والأمن والرخاء، وفازوا برضاء الرب -تعالى- وجنته وكرامته في الآخرة، وتحقق فيهم وعد الله -تعالى- بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .
ما أحرانا وما أجدرنا -أيها المسلم- أن نقتدي بسلفنا صالح في التحلي بصفات المؤمنين وتطبيق أحكام الدين؛ لتحصل لنا العزة والكرامة في الدنيا، والثواب والفوز في الآخرة، وفقنا الله لذلك بمنه وكرمه.
وتفسير بعض السلف للغو بأنه يشمل كل باطل ولهو، وما لا يحمل من القول والفعل لا ينافي تفسير البعض الآخر منهم للغو بالشرك، أو بالمعاصي كلها؛ لأن الشرك والمعاصي من الباطل، بل عين الباطل.
وقد أخبر الله -تعالى- عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أن من أوصافهم أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، ولا يخالطون أهله، ولا يعاشرونهم، وإذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه أعرضوا عنه، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب، قال الله -تعالى- إخبارًا عنهم: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ .
قيل: إن هذه الآية نزلت في نفر من النصارى قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحبشة حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما أرادوا دعاهم إلى الله -تعالى-، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.
فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبًا أحمق منكم، أو كما قالوا لهم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرًا".
أيها المسلم: إن هذه الحياة قصيرة، فلا مجال فيها للهو واللعب، وساعات العمر معدودة، وما تلفظ من قول إلا لديك رقيب عتيد، فذو العقل الحصيف، والرأي الصائب لا يضيع أوقاته وساعاته المحدودة المعدودة في لهو وباطل، ومخالطة ومعاشرة لأهله، بل يَرْبَأ بنفسه عن مثل ذلك، ولا يُقحمها فيما فيه هلاكها، بل العاقل يكون على الهمة، طاهر النفس، يحمل نفسه على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، ويبتعد عن الرذائل وسفاسف الأخلاق، لا سيّما وديننا الحنيف يأمرنا بذلك، ويحثنا على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن السجايا، ويُنَوّه بالمؤمنين ويثني عليهم في اجتنابهم اللغو وإعراضهم عنه، ويعدهم على ذلك الثواب الجزيل، ويخبر أنهم أهل الفلاح.
فكن يا أخي من هؤلاء، لعلك تحظى بالفلاح والفوز العظيم. رزقنا الله العلم النافع، والعمل الصالح، وجعلنا ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه.
- الصفة التاسعة من صفات المؤمنين فعل الزكاة:
من صفات المؤمنين المفلحين الذين وعدهم الله الفردوس: "فعل الزكاة" قال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ .
أخي المسلم: ما المراد بفعل الزكاة الذي هو من أوصاف المؤمنين المفلحين؟ في المراد بالزكاة في هذه الآية وجهان من التفسير، معروفان عند أهل العلم
أحدهما: أن المراد بها زكاة الأموال، وإن كانت الآية مكية إلا أن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأما الزكاة التي فرضت بالمدينة فهي ذات النصب والمقادير الخاصة، وعلى هذا التفسير فيكون من أوصاف المؤمنين فعل الزكاة، ودفعها من أموالهم للمستحقين، ولا شك أن زكاة الأموال تزكي النفوس، وتطهرها من الشح والبخل، وتسمو بها إلى البذل والإنفاق، واليد العليا خير من اليد السفلى وهي الآخذة.
والثاني: أن المراد بالزكاة: زكاة النفس أيْ: تطهيرها من الشرك والمعاصي بالإيمان بالله، وطاعته وطاعة رسوله، وهذا المعنى جاء في آيات كثيرة، كقوله -تعالى-: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - إلى قوله تعالى -: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهّر نفسه من الشرك والمعاصي، وكقوله -تعالى-: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وكقوله -تعالى-: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا .
ويؤيد هذا التفسير أن الآية مكّية، وأنه لم يُعبّر في الآية بالإيتاء، ولم يقرنها بالصلاة، فدلّ على أن المراد بها زكاة النفس من دنس الشرك والمعاصي، ولا مانع من إرادة المعنيين من الآية فيكون من وصف المؤمنين تزكية النفوس وتزكية الأموال.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وقد يحتمل أن المراد بالزكاة هنا زكاة النفس من الشرك والدنس - إلى أن قال-: ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا وهو زكاة النفوس، وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا" ا.هـ.
وإذا عرفت -أخي المسلم-: أن من صفات المؤمنين الفائزين فعل الزكاة - وسواء كان المراد بها زكاة المال أو زكاة النفس، فإن ذلك يطهر النفس ويزكّيها ويُصفّيها، ويجلوها ويصقلها من أدران المعاصي والشحّ والبخل.
فزَكّ نفسك يا أخي، وزكّ مالك لتُنقّي نفسك مما علق بها من أدران المعاصي والبخل لتفوز بما وعد الله به الذين هم للزكاة فاعلون من الفلاح، ووراثة الفردوس في الآخرة. نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه.
10- الصفة العاشرة من صفات المؤمنين التصديق بيوم الدين:
من صفات الإنسان المحمودة التي تستحق الثناء: "التصديق بيوم الدين"، والتصديق بيوم الدين هو أن يوقن المسلم بالمعاد والحساب والجزاء، فيعمل عمل مَن يرجو الثواب، ويخاف العقاب.
وهذه الصفة إنما تكون لمن عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير، ويسّر له أسبابه، وإلا فالإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم، ومجبول على الأخلاق الدنيئة إذا مسه الضرّ فزع وجزع، وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير، وإذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله -تعالى- فيها إلا من عصمه الله، فأدام الصلاة، وصدّق بيوم الدين، وخاف من عذاب الله، واتصف بالصفات الحميدة التي جاء بها الإسلام.
قال الله -تعالى-: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ - إلى قوله تعالى-: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ .
هكذا -أيها المسلم- يكون التصديق بيوم الدين من أوصاف الإنسان المحمودة التي يستحق المدح والثناء عليها، كيف لا وهو حافز قوي على التحلّي بمكارم الأخلاق، وتطبيق تعاليم الإسلام السمحة، والبعد عن سفاسف الأمور ودنايا الأخلاق، كيف لا والتصديق بيوم الدين من الإيمان بالغيب الذي أثنى الله على أهله، وأخبر أنهم مهتدون، ومن أهل الفلاح، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ - إلى قوله -: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
فلا عجب بعد هذا أن يعد الله من صدق بيوم الدين مع بقية الأوصاف الأخرى بالإكرام في الجنات، قال الله -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وما ذاك يا أخي المسلم إلا لأن المصدق بيوم الدين يعلم أنه بعد انقضاء هذه الحياة الدنيا سيكون هناك معاد وبعث للأجساد من قبورها، ثم وقوف بين يدي الله -عز وجل-، ثم حساب على الصغير والكبير والحسن والسيئ، ثم جزاء عليها جزاء على الحسنة بالثواب وعلى السيئة بالعقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وهناك ميزان توزن فيه أعمال العباد صغيرها وكبيرها، حتى الخردلة: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .
فمن عمل صالحًا ثقلت موازينه فأفلح وفاز بالجنات، ومن عمل سيئًا خفت موازينه فهلك وخسر وخاب بدخول النار وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
إن من صفات المؤمنين المفلحين: حفظ الفروج من اللواط والزنا، ونحو ذلك، وقد أخبر الله -تعالى- في كتابه أن حفظ الفروج من صفات المؤمنين المفلحين، الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال -تعالى-: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وأثنى -سبحانه- في سورة " سأل " على المؤمنين في اتصافهم بأوصاف منها حفظ فروجهم، وأخبر أنهم يدخلون الجنات يكرمون فيها بالنعيم، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وبين الله في كتابه أن حفظ الفروج لا يلزم المؤمنين عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بالزواج، أو بملك اليمين وهو التمتع السراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجته أو سريّته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعًا بفرجه وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات، فهو من المعتدين المتعدّين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه، فقال -تعالى- في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .
إن الزنا ليس من صفة المؤمنين ؛ لأنه ينافي حفظ الفروج الذي أخبر الله أنه من صفة المؤمنين المفلحين، ولذلك حرمه الإسلام، ونهى الله عباده عنه وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، وبين أنه فاحشة، وأنه بئس طريقًا ومسلكًا، فقال -تعالى-: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا .
وسماه الله فاحشة أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر، وما ذاك إلا لتضمنه التجري على الحرمات في حق الله، وفي حق المرأة، وفي حق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد، ولذلك يقول سبحانه: وَسَاءَ سَبِيلًا أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
ولقبح هذا الذنب وعظمه وشناعته وبشاعته قرنه الله بالشرك وقتل النفس، وأثنى على عباده في بعدهم عن هذه القبائح الثلاث: الشرك والقتل والزنا، وتوعد من فعل ذلك بالحصول على الإثم ومضاعفة العذاب، فقال في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الآية.
إن جريمة الزنا تنافي هذه الصفة الحميدة؛ لأن الزنا رذيلة تدنس عرض صاحبها، وعرض من قارفها ومازجها، ولذلك حرّم الله على المؤمن أن ينكح زانية، وعلى المؤمنة أن تنكح زانيًا، إلا أن يتوبوا، قال -تعالى-: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ إذ الظالم يحشر مع زوجه، كما قال -تعالى-: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ أي: قرناءهم، ومقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها أشد الاقترانات والازدواجات.
فحرم الله الزنا لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفَّها بسبب اشتغاله بغيرها، وبعض هذا كاف في التحريم، وقد نفى الله الإيمان عن الزاني في قوله -تعالى-: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: حرم نكاح الزاني والزانية، فلو كان مؤمنا بالله حقا لم يقدم على ذلك، وفي هذا دليل على أن الزاني ليس مؤمنا حقًا.
ويؤيد هذا الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .
فالزاني وإن لم يكن مشركا، لكنه لا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الإيمان المطلق.
والزنا من أعظم الذنوب وأفحشها فهو من الكبائر العظيمة، وفي الحديث: ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له .
وقد عالج الإسلام نزعة حب الزنا، والتطلع إليه بتصور الإنسان المتطلع إليه لكراهته للزنا لو وقع على إحدى محارمه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن فتى شابا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: أُدنه، فدنا منه قريبا، فقال: اجلس، فجلس فقال: أتَحبّه لأمك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
- الصفة السادسة من صفات المؤمنين رعاية الأمانة:
إن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين للفردوس: أنهم راعون لأمانتهم، قال الله -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وقال -تعالى- في سورة سأل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وما تضمنه هاتان الآيتان الكريمتان من حفظ الأمانات والعهود جاء مبينًا في آيات كثيرة كقوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
وكقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
وقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
وقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
ولقد مدح الله الذين هم راعون لأماناتهم، والراعي هو القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، وفي الحديث: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته .
والأمانة تشمل كل ما استودعك الله أمره وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك عن كل ما لا يرضي الله.
وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والأمانات تعم أيضًا جميع الواجبات على الإنسان سواء كان واجبًا عليه ابتداء، وهو ما يتساوى فيه الناس من حقوق الله -تعالى- على عباده كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها، أو كان واجبًا لسبب من الأسباب من حقوق الله -تعالى- كالكفارات والنذور.
وتشمل الأمانات أيضا: حقوق العباد بعضهم لبعض، وهذا لا يتساوى فيه الناس، بل إنما يجب لسبب من الأسباب كالديون والودائع والعواري، ويدخل في ذلك الولايات كالإمامة والإمارة والوزارة والرئاسة والإدارة ورعاية الأسرة والوظائف وتأدية الودائع إلى أصحابها، وغير ذلك مما يؤتمن عليه الإنسان من غير اطلاع بيّنه على ذلك، كل ذلك داخل في الأمانة التي أمرنا الله عز وجل بأدائها في قوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .
- الصفة السابعة من صفات المؤمنين حفظ العهد:
إن من صفات المؤمنين التي مدح الله أهلها وأثنى عليهم: حفظ العهود والعقود، ومراعاتها والوفاء بها، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك قوله -تعالى- في موضعين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال -تعالى- آمرًا عباده بالوفاء بالعهود والعقود: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
وأخبر -تعالى- عن نفسه بأنه لا أحد أوفى منه -سبحانه- بالعهد فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ وتوعد -سبحانه- من ينقض العهد بوعيد شديد، وهو اللعنة وسوء الدار، فقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
والوفاء بالعقود والعهود عام يشمل عهود الإيمان والقرآن، والعقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد الحِلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، وعقد الإجازة، وغير ذلك، وقد فسر السلف قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقالوا: هي:
1- عهود الإيمان والقرآن.
2- وقيل: العقود: هي العهود، وهي ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كله.
3- وقيل: العقود: ما أحل الله وحرم، وما أخذ الله من الميثاق على من أقرّ بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.
وكل هذه الأقوال متفقة المعنى، فإذا عقد الإنسان عقدا وجب عليه أن يفي به، وأن يرعاه ويلتزم به، كما أمر الله -تعالى- بذلك، فإذا عقد يمينًا، أو أوجب على نفسه نذرًا وجب عليه أن يلتزم به، وأن يتحلل منه بكفارة. وكذلك سائر العقود من البيع، أو الإجارة، أو النكاح، أو غيرها.
وهذا هو شأن المؤمنين وهذا هو وصف المؤمنين الخلّص الذين وعدهم الله وراثة الفردوس بين أن من وصفهم رعاية العهد، وقد عقد الله -سبحانه- مع عباده المؤمنين عقدًا، وعاوضهم عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وتكفّل لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا لجهاد في سبيل الله، والتصديق برسول الله إنْ توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى أهله نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة.
وأخبر الله -سبحانه- أنه لا أحد أوفى منه بعهده، فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ووعد وبشّر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد بالفوز العظيم، والنعيم المقيم، فقال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
- الصفة الثامنة من صفات المؤمنين الإعراض عن اللغو:
إن من صفات المؤمنين المفلحين: إعراضهم عن اللغو، وقد بين الله في أول سورة "المؤمنون" أن هذه الصفة "الإعراض عن اللغو" من صفات المؤمنين المفلحين الموعودين بالفردوس، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ .
ثم قال -تعالى- مبيّنًا لجزائهم بعد ذكر صفاتهم: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وأصل اللغو ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فيدخل فيه اللعب واللهو والهزل، وما توجب المروءة تركه، قال ابن كثير -رحمه الله- على هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك كما قال بعضهم، والمعاصي كما قال الآخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ا.هـ.
وما أثنى الله به على المؤمنين المفلحين في هذه الآية أشار إليه في مواضع من كتابه كقوله -تعالى-: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه؛ لأن من مرورهم به كرامًا إعراضهم عنه، وعدم مشاركتهم أصحابه فيه، وقد كان السلف الصالح مثالًا أعلى في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق هذه الصفة أن ابن مسعود -رضي الله عنه- مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .
وقال مقاتل على هذه الآية: إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا، وقيل: اللغو: المعاصي كلها، ومعنى "مروا كرامًا" مسرعين معرضين، يقال: تكرَّم فلانًا عما يشينه إذا تنزّه وأكرم نفسه عنه، ولما كان سلفنا الكرام مثالًا يحتذى به مَن بعدهم إلى يوم القيامة في تطبيق الشريعة، والاتصاف بأوصاف المؤمنين التي نوّه الله عنها في كتابه.
وأثنى على أهلها لما كانوا كذلك حصلت لهم العزة والسيادة والكرامة في الدنيا فاستخلفهم الله في الأرض، ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ونشروا العدل والأمن والرخاء، وفازوا برضاء الرب -تعالى- وجنته وكرامته في الآخرة، وتحقق فيهم وعد الله -تعالى- بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .
ما أحرانا وما أجدرنا -أيها المسلم- أن نقتدي بسلفنا صالح في التحلي بصفات المؤمنين وتطبيق أحكام الدين؛ لتحصل لنا العزة والكرامة في الدنيا، والثواب والفوز في الآخرة، وفقنا الله لذلك بمنه وكرمه.
وتفسير بعض السلف للغو بأنه يشمل كل باطل ولهو، وما لا يحمل من القول والفعل لا ينافي تفسير البعض الآخر منهم للغو بالشرك، أو بالمعاصي كلها؛ لأن الشرك والمعاصي من الباطل، بل عين الباطل.
وقد أخبر الله -تعالى- عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أن من أوصافهم أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، ولا يخالطون أهله، ولا يعاشرونهم، وإذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه أعرضوا عنه، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب، قال الله -تعالى- إخبارًا عنهم: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ .
قيل: إن هذه الآية نزلت في نفر من النصارى قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحبشة حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما أرادوا دعاهم إلى الله -تعالى-، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.
فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبًا أحمق منكم، أو كما قالوا لهم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرًا".
أيها المسلم: إن هذه الحياة قصيرة، فلا مجال فيها للهو واللعب، وساعات العمر معدودة، وما تلفظ من قول إلا لديك رقيب عتيد، فذو العقل الحصيف، والرأي الصائب لا يضيع أوقاته وساعاته المحدودة المعدودة في لهو وباطل، ومخالطة ومعاشرة لأهله، بل يَرْبَأ بنفسه عن مثل ذلك، ولا يُقحمها فيما فيه هلاكها، بل العاقل يكون على الهمة، طاهر النفس، يحمل نفسه على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، ويبتعد عن الرذائل وسفاسف الأخلاق، لا سيّما وديننا الحنيف يأمرنا بذلك، ويحثنا على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن السجايا، ويُنَوّه بالمؤمنين ويثني عليهم في اجتنابهم اللغو وإعراضهم عنه، ويعدهم على ذلك الثواب الجزيل، ويخبر أنهم أهل الفلاح.
فكن يا أخي من هؤلاء، لعلك تحظى بالفلاح والفوز العظيم. رزقنا الله العلم النافع، والعمل الصالح، وجعلنا ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه.
- الصفة التاسعة من صفات المؤمنين فعل الزكاة:
من صفات المؤمنين المفلحين الذين وعدهم الله الفردوس: "فعل الزكاة" قال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ .
أخي المسلم: ما المراد بفعل الزكاة الذي هو من أوصاف المؤمنين المفلحين؟ في المراد بالزكاة في هذه الآية وجهان من التفسير، معروفان عند أهل العلم
أحدهما: أن المراد بها زكاة الأموال، وإن كانت الآية مكية إلا أن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأما الزكاة التي فرضت بالمدينة فهي ذات النصب والمقادير الخاصة، وعلى هذا التفسير فيكون من أوصاف المؤمنين فعل الزكاة، ودفعها من أموالهم للمستحقين، ولا شك أن زكاة الأموال تزكي النفوس، وتطهرها من الشح والبخل، وتسمو بها إلى البذل والإنفاق، واليد العليا خير من اليد السفلى وهي الآخذة.
والثاني: أن المراد بالزكاة: زكاة النفس أيْ: تطهيرها من الشرك والمعاصي بالإيمان بالله، وطاعته وطاعة رسوله، وهذا المعنى جاء في آيات كثيرة، كقوله -تعالى-: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - إلى قوله تعالى -: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهّر نفسه من الشرك والمعاصي، وكقوله -تعالى-: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وكقوله -تعالى-: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا .
ويؤيد هذا التفسير أن الآية مكّية، وأنه لم يُعبّر في الآية بالإيتاء، ولم يقرنها بالصلاة، فدلّ على أن المراد بها زكاة النفس من دنس الشرك والمعاصي، ولا مانع من إرادة المعنيين من الآية فيكون من وصف المؤمنين تزكية النفوس وتزكية الأموال.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وقد يحتمل أن المراد بالزكاة هنا زكاة النفس من الشرك والدنس - إلى أن قال-: ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا وهو زكاة النفوس، وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا" ا.هـ.
وإذا عرفت -أخي المسلم-: أن من صفات المؤمنين الفائزين فعل الزكاة - وسواء كان المراد بها زكاة المال أو زكاة النفس، فإن ذلك يطهر النفس ويزكّيها ويُصفّيها، ويجلوها ويصقلها من أدران المعاصي والشحّ والبخل.
فزَكّ نفسك يا أخي، وزكّ مالك لتُنقّي نفسك مما علق بها من أدران المعاصي والبخل لتفوز بما وعد الله به الذين هم للزكاة فاعلون من الفلاح، ووراثة الفردوس في الآخرة. نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه.
10- الصفة العاشرة من صفات المؤمنين التصديق بيوم الدين:
من صفات الإنسان المحمودة التي تستحق الثناء: "التصديق بيوم الدين"، والتصديق بيوم الدين هو أن يوقن المسلم بالمعاد والحساب والجزاء، فيعمل عمل مَن يرجو الثواب، ويخاف العقاب.
وهذه الصفة إنما تكون لمن عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير، ويسّر له أسبابه، وإلا فالإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم، ومجبول على الأخلاق الدنيئة إذا مسه الضرّ فزع وجزع، وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير، وإذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله -تعالى- فيها إلا من عصمه الله، فأدام الصلاة، وصدّق بيوم الدين، وخاف من عذاب الله، واتصف بالصفات الحميدة التي جاء بها الإسلام.
قال الله -تعالى-: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ - إلى قوله تعالى-: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ .
هكذا -أيها المسلم- يكون التصديق بيوم الدين من أوصاف الإنسان المحمودة التي يستحق المدح والثناء عليها، كيف لا وهو حافز قوي على التحلّي بمكارم الأخلاق، وتطبيق تعاليم الإسلام السمحة، والبعد عن سفاسف الأمور ودنايا الأخلاق، كيف لا والتصديق بيوم الدين من الإيمان بالغيب الذي أثنى الله على أهله، وأخبر أنهم مهتدون، ومن أهل الفلاح، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ - إلى قوله -: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
فلا عجب بعد هذا أن يعد الله من صدق بيوم الدين مع بقية الأوصاف الأخرى بالإكرام في الجنات، قال الله -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وما ذاك يا أخي المسلم إلا لأن المصدق بيوم الدين يعلم أنه بعد انقضاء هذه الحياة الدنيا سيكون هناك معاد وبعث للأجساد من قبورها، ثم وقوف بين يدي الله -عز وجل-، ثم حساب على الصغير والكبير والحسن والسيئ، ثم جزاء عليها جزاء على الحسنة بالثواب وعلى السيئة بالعقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وهناك ميزان توزن فيه أعمال العباد صغيرها وكبيرها، حتى الخردلة: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .
فمن عمل صالحًا ثقلت موازينه فأفلح وفاز بالجنات، ومن عمل سيئًا خفت موازينه فهلك وخسر وخاب بدخول النار وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
مواضيع مماثلة
» من صفات المؤمنين
» خطبه الجمعه، صفات المؤمنين في القران
» من صفات المؤمن
» أربع من صفات قوم لوط :-
» .صفات الانبياء
» خطبه الجمعه، صفات المؤمنين في القران
» من صفات المؤمن
» أربع من صفات قوم لوط :-
» .صفات الانبياء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin