بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 33 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 33 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية 1
صفحة 1 من اصل 1
من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية 1
خطبة من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية حب الوطن للشيخ سعد الشهاوى
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع , ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور النهار على الليل ويكور الليل على النهار . يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع , ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور النهار على الليل ويكور الليل على النهار . يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمدًا وليس لواحد إلاَّك
يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولْتَ تفسيرًا لها أعياك
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاك
من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المذابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا.من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,,هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، أرسله ربه رحمة للعالمين وإماماً للموحدين وقدوة للمتقين الصابرين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلفاً.اللهم اجزِه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته، وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته، وأوردنا حوضه في الآخرة.
يا أيها الراجون خير شفاعةٍ من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمابعد
فإن من الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من الهجرة النبوية المباركة حب الوطن ولنبدأ هذا الدرس من رحلة الهجرة المباركة ففي ليلةِ هجرتِه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى المدينة، وقف على مشارف مكّة وقف يودعُ أرضها وبيوتها، يستعيد المواقف والذكريات ـ حتى ولو خالط هذه الذكريات الألم ـ وقف بعد أن أوذي صلى الله عليه وسلم، وكذب وأهين، ورجف به الوادي يخطو فيه على زلازل تتقلب، ونابذه قومه وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عليه، وانصفق عنه عامة الناس وتركوه إلا من حفظ الله منهم؛ فأصيب كبيرا باليتم من قومه، كما أصيب صغيرًا باليتم من أبويه.فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله - لحكمة عظيمة - أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن.
فخرج من مكة، ووقف على مشارفها وحدودها، والتفت إليها يودعُ أرضها وبيوتها مخاطبا لها بكلمات تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بديار الأهل والأصحاب، وموطن الصِبا وبلوغ الشباب، ولبيت الله الحرام، قائلا كلماته وتأملوا معي ذلكَ الموقفَ المحزنَ الذي يصفُهُ عبدُ اللهِ بنُ عَدي -رضي الله عنه- بقولِه: "رأيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- واقفا على الحَزْوَرَةِ، فقالَ: "واللهِ إنكِ لخيرُ أرضِ اللهِ، وأحبُ أرضِ اللهِ إلى اللهِ ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ". سنن الترمذي بإسناد صحيح
وفي حديثِ ابنِ عباسٍ كما أخرجه الترمذي وصَحَحَهُ الألباني عن ابنِ عباسٍ أنَّ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال لمكة في هجرته عند حدودها: "ما أَطيبكِ من بلدٍ، وما أَحَبَكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخَرجوني مِنكِ ما سَكنتُ غيركِ"
وتذكُرُ كُتب السّيرة أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا خرج مهاجرًا إلى المدينة قال: "والله -يا مكَّةُ- إِنَّكِ لأحبُّ بلادِ الله إليَّ، ولَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجوني مِنْكِ ما خرجتُ أبدًا". وفي رواية أخرى: "اللهمّ إنّكَ قد أخرجتني من أحبّ البلاد إليَّ، فأسْكنِّي أَحبَّ البلادِ إليكَ". وهو ما يدلّ على مبلغ حبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبلده، واعتزازه به
ما أروعَكِ من كلمات!كلمات قالها الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وفي هذا بيان أن حب الوطن شعور يختلج في قلب كل إنسان ببلاده ومكان مولده والطرق التي ترعرع فيها ونشأ بين ربوعها
وفي ذلك دلالة واضحة على حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشديد لبلده ووطنه مكة، كما يدلُ علَى ذلك شدةِ حزنِه لمفارقته لوطنه، إِلا أَنه اضطُرَ لذلك .
ولو لا نزوع النفس إلى مسقط الرأس ودائرة الميلاد لم ينزل ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ (القصص: من الآية 85)، وقد صدق ابن الرومي حيث قال:
وحبب أوطان الرجال إليهم*** مأرب قضاها الفؤاد هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ***عهود الصبي فيها فحنوا لذالكا
قال القرطبي وغيره من أهل التفسير رحمهم الله تعالى : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة في غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفة وعرف الطريق إلى مكة اشتد شوقه إليها فأنزل الله عليه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) [القصص: 85]، أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها ظاهرا عليها ).قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بالجحفة ليست مكية ولا مدنية
وظل صلى الله عليه وسلم مشتاقا إلى بلده ووطنه حتى بَعْدَ هِجْرَتِهِ بِسِنِينَ عِدَّةٍ فيَأْتِي إِلَيْهِ أُصَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْغِفَارِيُّ مِنْ مَكَّةَ، فَيَسْأَلُهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَرْضِ الْوَطَنِ، فَيَقُولُ: "كَيْفَ تَرَكْتَ مِكَّةَ يَا أُصَيْلُ؟!"، فَقَالَ: تَرَكْتُهَا حِينَ ابْيَضَّتْ أَبَاطِحُهَا، وَأَحْجَنَ ثُمَامُهَا، وَأَغْدَقَ إِذْخِرَهَا، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا. فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَحَرَّكَتْ لَوَاعِجُ شَوْقِهِ، فَقَالَ: "يَا أُصَيْلُ: دَعِ الْقُلُوبَ تَقَرُّ".)وفي رواية: (حسبك يا أصيل لا تُحْزِنَّا
قال الحافظ الذهبي - وهو من العلماء المدقِّقين - مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه".
نعم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب وطنه، ويكره الخروجَ منه، وما خرج منه إلا بعد أن لاقى من أهله ـ المشركين ـ أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر لعله يجد من قومه استجابة لدينه ودعوته، لكنهم أبوا وظلوا على عنادهم وإيذائهم له ولأصحابه، فبعدَ سنينَ من البعثةِ يجتمعُ كفارُ قريشٍ في دارِ الندوةِ في مناقشةِ الطريقةِ المثلى في التخلصِ من النبى -صلى الله عليه وسلم-؛ كما وصفَهم اللهُ -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].فكانتِ الخياراتُ بينَ القتلِ والحبسِ والإخراجِ من مكةَ، ثم اتفقوا على قتلِه ولكن أنقذَه اللهُ -تعالى-من القتلِ فخرجَ مهاجراً إلى المدينةِ؛ كما قالَ عز وجل: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40].
فما كان منه إلا أنْ خرج حماية لدينه ودعوته وأصحابه، فدِينُ الله أغلى وأعلى من الوطن والأهل والأولاد
وهذا الحب للوطن عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية بعثته وعلم من حينها هجرته، ففي بداية نزول الوحي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغار حراء انطلقتْ خديجةُ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما سمعتْ منه ما حدثَ في الغار؛ حتى أتتْ به ورقةَ بنَ نوفلٍ وكان امرأً تنصرَ في الجاهلية، وكانَ يكتبُ الإنجيلَ بالعبرانيةِ ما شاءَ اللهُ أن يكتبَ، وكانَ شيخاً كبيراً قد عَميَ، فقالتْ له خديجةُ: يا ابنَ عمٍ، اسمعْ من ابنِ أخيك. فقالَ له ورقةُ: يا بنَ أخي، ماذا ترى؟ فأخبرَه رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خبرَ ما رأى، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه فأخذ ورقة يفسر له ذلك حتى قال له ورقةُ: هذا الناموسُ الذي نزَّلَ اللهُ على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرِجَكَ قومُك، فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أو َمُخْرِجِيَّ هم؟!" قالَ: نعم، لم يأتِ رجلٌ قط بمثلِ ما جئتَ به إلا عُوديَ، وإن يُدركْني يومَك أنصرُك نصراً مؤزراً.)
وهنا نلحظ إن الإخراج من الديار عسير على النفس قال السهيلي رحمه الله: "يؤخذ منه شدّة مفارقة الوطن على النفس؛ فإنّه -عليه الصلاة والسلام- سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحرّكت نفسه لحبّ الوطن وإلفه، فقال: ((أوَمخرجِيَّ هم؟!
قال السفيري قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أو مخرجي هم؟ ): " استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه استبعد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجاً، بل كانت منه المحاسن الظاهرات والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات " .
عبادَ اللهِ: لقد آدرك ورقةُ وهو العالمُ بالكتبِ السابقةِ جميعَ الابتلاءاتِ التي اُبتليَ بها الأنبياءُ، وهم أشدُ الناسِ بلاءً؛ كما جاءَ في الحديثِ، وذكرَ للنبي -عليه الصلاة والسلام- بلاءً عظيماً يصيبُ الأنبياءَ وهو إخراجُهُم من أوطانِهم، وهو ظاهرٌ لمن تأملَ سيَرَهم عليهم الصلاةُ والسلامُ.
وقد بين الحديث سنة من سنن الأمم مع من يدعوهم إلى الله عز وجل وهي التكذيب والإخراج, قال تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) [إبراهيم: 13].
وكما قال تعالى عن قوم لوط: ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل: 56].
وكما قال قوم شعيب: ( قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) [الأعراف: 88].
وخرج سيدنا إبراهيم ولوط عليها السلام قال سبحانه وتعالى (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء.)
وخرج سيدنا موسى عليه السلام قال تعالى( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)))القصص )
وخرج سيدنا يعقوب عليه السلام وأولاده من فلسطين إلى مصر للانضمام إلى يوسف عليه السلام قال تعالى (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)) يوسف .
وعلى الرغم من ذلك دعى الأنبياء لأقوامهم وذلك من شدة حبهم للوطن
فإن من حب الأوطان الدعاء لها بالخير و النماء و العافية من البلاء ، وهذا من شان الأنبياء و الصالحين أن يسألوا الله تعالى أن يبارك لهم في أوطانهم
* وقد حكى الله - سبحانه وتعالى - عن نبيِّه إبراهيمَ - عليه الصلاة والسلام - أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله - تعالى -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].ودعاء إبراهيمَ - عليه الصلاة والسلام - يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
لقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهو ما يعني الآن الاقتصاد في التوقيت المعاصر وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة
ومن دعا إبراهيم الخليل- صلى الله عليه وسلم- لمكة { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]
وعندما هاجر النبى إلى المدينة،صارت وطنه فكان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها قالَتْ عَائِشَةُ: عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
إنها كلمات عبَّر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما تكنه نفسه لمكة من حب، وما يربطه بها، فهي البلد الحرام، وهي الموطن الذي نشأ فيه وترعرع، فتشده إليه ذكريات وذكريات.
وكان يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة.
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبوا الدعاء من النبي صلوات الله عليه وسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالَوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا»
وقال صلى الله عليه وسلم ": ((اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة))؛ رواه البخاري ومسلم.
وفي مسلم: ((اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه))رواه مسلم.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه، فالمرء الصالح يتمنى الخير لموطنه، ويبغض كل ما يسوء إلى وطنه، ويرى وطنه أنها أجمل وأفضل بقاع الأرض مهما فعلوا فيه أهلها.
وقد استجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه نظر إلي أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه متفق عليه
وكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ وفي البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: "كان رسول الله إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ – أي: أسرع بها - وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا- أي من حُبِّ المدينة "، قال البخاري: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبِّها"؛ أخرجه البخاري.وقال ابن حجر في فتح الباري والعيني في عمدة القاري والمباركفورى في تحفة الاحوزي "فيهِ دلالةٌ على فضلِ المدينةِ، وعلى مشروعيةِ حُبِّ الوطنِ والحنينِ إليه".
يحمل هذا الحديث كل معاني الحب للوطن، وتستطيع أن تفهم معنى هذا الحديث، عندما يطول غيابك عن وطنك، ثم تقدم إليه، فإن قلبك يهفو قبل السفر بأيام ، ويكاد يطير ويسبقك إلى الوطن، ثم إذا ما قدمت إليه يعتريك شعور لا يستطيع أن يصفه إلا صاحبه.
ولذلك أمَر صلى الله عليه وسلم أمته سرعة الرجوع إلى أوطانهم عند انقضاء أسفارهم وحاجاتهم سواءً منها الدينية أو الدنيوية؛ روى الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن ولو كان السفر إلى مكة بيت الله الحرام؛ روى الحاكم بإسناد ثابت عن أم المؤمنين عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِهِ".قال العلماء المراد بأهله: أي وطنه، وإن لم يكن له فيها ولد أو أهل.
حب الصحابة لوطنهم :كما كانت الهجرة من مكة إلى المدينة أمرا صعبا وشاقا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد كانت كذلك على أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ، وإن أصابهم فيها ما أصابهم من بلاء وعذاب، لأنها وطنهم الذي وُلِدُوا وتربوا فيه، وعاشوا على أرضه
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عزيزة وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
مواضيع مماثلة
» الدروس المستفادة من خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع
» الهجرة النبوية
» الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر - 2
» خطبة أسباب الهجرة النبوية
» الهجرة النبوية المباركة - مواقف وعبر -1
» الهجرة النبوية
» الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر - 2
» خطبة أسباب الهجرة النبوية
» الهجرة النبوية المباركة - مواقف وعبر -1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin