الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره :
( تفسير قوله تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } : (( ثم اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } . فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصَف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول، وغيرُ جائز تكلُّف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله، أو من رسول مرسل. فأما القول في صفات الله وأسمائه، فغيرُ جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا . ( قلت : هذا هو مذهب السلف الصالح وهو تفويض معنى الآية على سبيل التفصيل إلى الله تعالى )
وقال آخرون: إتيانه عز وجل، نظيرُ ما يعرف من مجيء الجائي من موضع إلى موضع، وانتقاله من مكان إلى مكان . ( قلت : هذا مذهب الحشوية والمجسمة )
وقال آخرون: معنى قوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } ، يعني به: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمرُ الله، كما يقال: " قد خشينا أن يأتينا بنو أمية "، يراد به: حُكمهم . ( قلت : هذا أحد وجوه التأويل المذكورة عن جمهور المتكلمين ) .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه ، كما قال عز وجل: { بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [سبأ: 33] وكما يقالَ: " قطع الوالي اللص أو ضربه " ، وإنما قطعه أعوانُه . ( قلت : هذا أيضًا أحد وجوه التأويل المذكورة عن جمهور المتكلمين ) .
وقد بينا معنى"الغمام" فيما مضى من كتابنا هذا قبل فأغنى ذلك عن تكريره ، لأن معناه ههنا هو معناه هنالك.
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا : هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة والمتبعون خُطوات الشيطان ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، فيقضي في أمرهم ما هو قاضٍ ).