من تفسير آية الكرسي، الجملة الثانية وهي قوله: " الحي القيوم": وهي نعت للفظ الجلالة، أو بدل من "هو" ، أو خبر بعد خبر، و "الحي" ، اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: المتصف بالحياة الكاملة التي لا نقص فيها في أي وجه من الوجوه، فهي حياة لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، فهو سبحانه أول بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء، وهذا بخلاف المخلوق، فحياته مسبوقة بالعدم، ويلحقها الفناء، وحتى أهل الجنة وأهل النار الذين يعيشون حياة لا موت بعدها إنما يستمدون هذا الخلود الأبدي من الله لا من ذواتهم، وأما " القيوم"، فهو أيضا من أسماء الله تعالى، ومعناه: القائم على كل نفس بما كسبت، والذي يحاسب خلقه، ويجازيهم على أعمالهم، وهو الذي لا يفنى ولا يزول، ولا ينام، وهو الذي يتولى شئون خلقه، ويدبر أمورهم، فهو القائم بنفسه لا يحتاج لأحد، وهو سبحانه المقيم لغيره، وعلى ما اختاره كثير من أهل العلم يعد "الحي القيوم" ، هو اسم الله الأعظم، وذلك لأن مدار الأسماء والصفات جميعا على هذين الإسمين. والمقصود من الجملة الثانية: أن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة وحده دون سائر المعبودات الأخرى؛ لأنه الحي الذي لايموت، وما سواه ميت، والكل يستمد حياته من الله، ولأنه سبحانه الذي استغنى عن كل الموجودات بذاته، وكل الموجودات لا تستغني عن ربها طرفة عين أبدا، وهذا هو التعليل الأول لانفراد الله عزوجل بالعبودية، وهو أيضا الدليل الأول الشرعي العقلي في الآية على إبطال عبادة غير الله عند غير المسلمين على اختلاف طوائفهم، فلينظروا فيمن عبدوه من دون الله أيتصف بالحياة الدائمة الكاملة، والقيومية التامة، فإن وجدوه كذلك -وهيهات- فليستمروا في عبادته، ولما كان هذا ضربا من المستحيل، تعين على الجميع أن يوحد الله، ولا يصرف عبادة لسواه.