بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
لإسراء والمعراج وفقه البناء
صفحة 1 من اصل 1
لإسراء والمعراج وفقه البناء
الإسراء والمعراج وفقه البناء بعد ثورة 25 يناير
المقدمة
إن الخطيب الذي ينفصل عن واقعه قد أهمل جوهر رسالته لأن رسالة الدعاة
التفاعل مع الواقع وإبراز معالجات الإسلام لشئونه ، معالجات تحفظ لثوابت
الدين قدسيتَها وأصالتها وللشريعة عطائَها ومعاصرتها .. وماذا لو كان هذا
الواقع ثورة هزت العروش وزلزلت الأركان وغيرت النظام ...إلخ
ومن ناحية
أخرى فإنه يجب عليه – أي الداعية - أن يتفاعل مع الأحداث الإسلامية وأيام
الله التي شَرَّفَ فيها الأمةَ بأيامٍ خوالد ، ومن هذه الأحداث والأيام
والليالي الخوالد : ليلة الإسراء والمعراج ، من هنا كان من فقه الدعوة :
إعادة قراءة الحَدَث والمناسبة وإنزال وقائعها على الواقع المعايش ، بل
وأخذ العبر والعظات لإصلاح هذا الواقع .
من هنا جاءت هذه المحاضرة لتحيي الحدثَ وتستقي منه الهدى والنور لبناء الواقع ومعالجة صروفه وأحداثه .
وسوف نذكر فيما يأتي : قيم البناء التي يجب أن تُبْنَى عليها الدولةُ
المصريةُ بعد ثورة 25 يناير مع ذكر المشهد أو الحدث أو المَلْمَح الذي
اعتمدنا عليه من حادثة الإسراء والمعراج وأسقطناه على الواقع ، وقبل أن
نفعل ذلك لا بد من الحديث عن تشابه المشهدين بين مصر قبل ثورة يناير ومكة
قبل الرحلة : " الحاجة إلى تدخل إلهي "
إن من ينظر إلى الواقع في مكة
قبل رحلة الإسراء يجده يتصف بالتنكيل بدعوة الحق ويحارب البناء ... وتحكمت
فيه المصالح المالية والمعابر التجارية " رحلة الشتاء والصيف " - فالنخبة
الحاكمة في قريش حاربت دعوة الإسلام لأن هذا يدمر مصالحها التجارية
ومنافعها المالية ، نفس المشهد في مصر .. حيث تحكمت مجموعة بمقدرات البلاد
وكان هدفها هو هو الهدف المحافظة على المصالح المالية والعلاقات التجارية
والمعابر السرية - التي فُضِحَتْ بعد ذلك – كما أن الحق اصطدم بهذه المصالح
فعطلت أحكام القضاء وتفشى الفساد وانعدم البناء .
كما أن المشهدين
متقاربين كذلك في محاربة الكفاءات وأهل الحق والعلم الصحيح فكانت الهجرة
خارج حدود الوطن ، ترك المسلمون مكة وهاجرو إلى الحبشة بدلاً من المرة
مرتين ، كما هاجرت كفاءات مصر إلى أوربا وأمريكا ...إلخ هاربة بما تبقى
فيها من رَمَق .
من هنا بدا المشهد كئيبا ، خاصة بعد اليأس والإحباط
الذي وصل بالرضا بالواقع رغم مرارته ، فالبلاد إما أن تأخذ زيداً أو ولده
عبيد ، وفي مكة كان المشهد حزينا فقد ماتت الزوجة – خديجة – وهي الرفيقة
والحبيبة والمعينة والمساندة والمخففه والداعمة ....إلخ ، وكل المعاني التي
تظهر فجاعة فقدها ، كما فَقَدَ العم – أبا طالب – المانع له – بعد الله –
من إيذاء المشركين .
وكان المشهدان حزينين ، ولن يتغير الأمر إلا بتدخل
قدرة قاهرة .. قدرة تزيل الجبابرة ، وتهز عروشَهم وثقتَهم الزائفة في
السلطان والمال ...إلخ فكان العون والمدد من الله وحده فكانت رحلة الإسراء
والمعراج للتسرية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتبعث
في نفسه القوة لمرحلة جديدة بعد الإسراء وترفعه إلى العلياء... كما تدخلت
نفس القدرة في بلدنا - لكنها خَسَفَتْ بالباطل والظلم - ولذلك نقول عن يقين
عن أحداث يناير : " لا تحسبن ما كان في بلدنا فقط بجهد من جاهد ولكن
بتقدير رب شاهد وساعد" ففي المشهدين كانت قدرة الله حاضرة ، حيث رفع من
يستحق الرِفْعَة ، حتى وصل به سدرة المنتهى وخسف بمن يستحق الخسف إلى أسفل
سافلين " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (سورة التين آية 5) "
وفي الحَدَثَيْنِ تتجلى قدرة الله على التحدي ، ففي الإسراء كانت المعجزة ،
وإزالة التجبر القابع على صدر البلاد بعد ثورة 25 يناير أيضاً معجزة لأنه
ما كان أحد يتوقع ذلك.
فالإسراء والمعراج " كان مكافأة ربّانية على ما
لاقاه الحبيب - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أتراح وآلام وأحزان ،
إذ كان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب ، وما لاقى أثناءه من جوع
وحرمان ، إنه كان بعد فقد الناصر الحميم وفقد خديجة أم المؤمنين وخيبة
الأمل في ثقيف وما ناله من سفهائها وصبيانها وعبيدها .." كما كانت ثورة
يناير مكافأة للفقراء الذين يسكنون المقابر والذين مات أبناؤهم تحت صخرة
الدويقة وأحرقوا داخل قطار الصعيد وأكلتهم الأسماك في غرق العبارة السلام
98....إلخ وإن كنا نرجوا تمام النعمة حتى يشعر هؤلاء البشر بكرامتهم .
والآن هيا بنا نحو قِيَمِ البناءِ التي تحتاجها مصر ونلمحها في رحلة الإسراء والمعراج :
1- قيمة الإصرار على البناء وعدم اليأس:
فمصر تحتاج من الجميع في هذه المرحلة إلى الإصرار على البناء ومحاربة كل
عوامل الهدم من أجل أن تعم شمس الحقيقة المكان وتُعْلَى للدولة الأركان .
يلمح هذا في : في إصرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على
تبليغ دعوته وعدم اليأس فها هو يخرج إلى الطائف وليس معه إلا زيد بن حارثة
وهو يعلم أنه قد لا يدخل ثانية إلى مكة - بدليل أنه دخلها في جوار أحد
المشركين – ويذهب إلى الطائف ويُقَابَل فيها بالإيذاء حتى دُميت قدماه
"وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجاً " ومع ذلك يزداد
الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استمساكاً بالحق وعدم اليأس .
فيجب أن نعلم في بلدنا أن الوصول إلى الأهداف العظيمة يحتاج إلى الإصرار
والتضحية والبذل وتحمل المعوقات حتى لو دخلنا في تجارب ولم نخرج منها بشيئ
كما دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطائف ولم يخرج بمؤمن
واحد من أشرافها أو أهلها .
2- قيمة تهيئة البلاد للبناء :
الكل كان يتخيل أن البلاد سوف تتحول في يوم وليلة إلى دولة الحق والعدالة
والرخاء وهذا لم يحدث لأنه لن يحدث في يوم وليلة ، ولكن يجب أن يسبق بتهيئة
البلاد لتكون قادرة على هذا الأمر ليس بالكلام فقط وإنما بالأفعال في كل
المناحي الاقتصادية والعلمية والتشريعية والاجتماعية والقضائية ..إلخ ،
وفقه التهيئة في البناء نلمحه في رحلة الإسراء والمعراج بشق صدر الرسول قبل
الرحلة لكي يتهيأ لآياتها الكبرى ، كما يجب أن نهيئ بلدنا للبناء إذا
أردنا أن تكون دولة كبرى ، فلا يعقل أن نزرع في أرض بور ومالحة ونأُخذ
خيرها على مدار عقود ونجني الزرع بسرعة أو بسهولة ! بل يجب تهيئة الأرض
للزرع بالقيام عليها بالإصلاح والتهذيب والتدعيم ، فإذا صلحت للزراعة قسمت
لأحواض وخطوط ، ثم توضع البذرة وتتعهد بالسقي والرعاية ، ثم تحارب الآفات
وينزع الشوك من حولها كذا كل نبت ضار مما نبت بجوارها ، ثم تبدأ النبتة
بالظهور فيزداد الحرص عليها من العابثين فإذا اشتد عودها عندها يكون الحصاد
، وهذا ما يجب أن يحدث لكي نُهيئ الدولة للبناء وللمرحلة الجديدة ، كما
هيأ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمرحلة جديدة تكشف له عالم
الملكوت وحل ضيفا على الحضرة الربانية فأوحى إليه ربه ما أوحى .
3- قيمة التخطيط للبناء:
بلدنا ترنوا أن تصبح خلال السنوات القادة من الدول الفاعلة إقليمياً
ودولياً ، بل وتهدف إلى أن تصل بالنمو والنهضة الاقتصادية ما يجعلها علي
الأقل رقماً صعباً في هذه المعادلة الاقتصادية الدولية .. وهذا بالطبع لن
يكون في يوم وليلة بل يسبقه تخطيط وعمل شاق في تأسيس أركان الدولة ، وأن
تكون أعمدتها وقواعدها راسخة في الأرض قبل أن تصعد إلى السماء حتى لا تهتز
مع أي أزمة ترجعها إلى الوراء ، فما زالت اليونان ورغم تدعيم الاتحاد
الأوربي لها غير قادرة على التعافي من الأزمة المالية التي ضربت العالم مع
أزمة الرهن العقاري في أمريكا .
فلابد أن نجعل قواعد البناء راسخة في الأرض ثم نصعد من خلال سلم التقدم المدروس درجة درجة إلى أعلى وكأنها رحلة عروج نحو الرفعة .
وهذا الملح مُشَاهَدٌ في ترتيب أحداث رحلة الإسراء والمعراج ، فقد كنت
أسأل نفسي أليس المسجد الحرام أعلى مقاماً من المسجد الأقصى ؟ ورحلة
المعراج المنتهية بصدرة المنتهى أعظم من الإسراء المنهي بالصخرة المباركة ؟
فلماذا لم تكن رحلة المعراج من المسجد الحرام رغم أن التشريف يقضي ذلك ؟!
وَخَلُصْتُ إلى حكمةِ التخطيطِ في البناء الموجودة في رحلة الإسراء
والمعراج تخطيطاً جعلَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشاهد
ويطئ بقدمه مواطن الأنبياء السابقين ويعرف تجاربهم ثم صلاته بهم تلك الصلاة
التي برهنت على علو رسالته وعظم مكانته ومكانة أمته ثم مرحلة عروجه إلى
السموات ومع كل سماء لا بد من وقفه ومسألة حتى يصعد السماء التي تليها .
وهذا ما أُلمح إليه أن يجب أن نبني مؤسسات بلدنا أولاً وتدريجياً وبوعي
شديد قبل أن نحاول القفز إلى أعلى ، فمرحلة العروج نحو النمو الاقتصادي
والسياسي ...إلخ تقتضي التدرج والتخطيط السليم وهذا ما كان في الإسراء
والمعراج ، وكأن رحلة الإسراء تثبيتٌ لأركان الرسالة المحمدية في الأرض ،
والصعود التدريجي في العروج انتهى بنبيها إلى كونه قاب قوسين أو أدنى .
فما صعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء السابعة
مباشرة وإنما مر بست مراحل – سموات – قبلها فإذا أردتم أن تبنوا البلاد
فخططو لها بوعي ولا ترفعوا آمالكم نحو السماء السابعة وأقدامكم على الأرض
مرتعشة وعلى غير قواعد .
فاجعلوا البناء يثبث في الأرض - الرحلة الأرضية الإسراء - ثم أصعدوا – العروج - بأمتكم وبوعي وتخطيط إلى أعلى .
4- قيمة الإخلاص للفكرة والإيمان والتصديق بها :
بلدنا تحتاج بعد ثورة يناير إلى رجال يؤمنون بها وبشعبها ويخلصون في
بنائها حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بأموالهم بل وأنفسهم نريد رجالا يخلصون
للمبادئ السليمة لبناء دولة قويمة .
وهذا الملمح يؤخذ من شخص أبي بكر
المصدق لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمن به حيث قال
: " إن كان قد قال فقد صدق " ، ما أروع الرجال المخلصين للأمة ! وما أعظم
أثرهم في البناء ! فهذا أبو بكر المصدق الصديق هو من أنفق ماله كله في سبيل
الله ، وهو من خَشِيَ على الرسول الهلاك ، فقدم نفسَ الرسول على نفسه "
أنا إن هلكت فأنا فرد وأنت أمة " ، بل من شدة إخلاصه للفكرة والأمة أنه
عندما مات الرسول أعلنها صراحة : " فإن من كان يعبد محمد فإن محمداً قد
مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران، آية:144)
أنظر إلى أي درجة أخلص لفكرة بناء الأمة ..هؤلاء رجال......وأمتنا لن يبنيها إلا الرجال .
5- قيمة التسامح والتصالح والرحمة عند البناء :
بعد ثورة 25 يناير احتاح المجتمع المصري موجة من روح الانتقام والمكائد
بدليل كم البلاغات الكاذبة التي تُقدم إلى مكتب النائب العام يومياً كما
نشرت دعاوى الاستقصاء لكثير من الأطراف تحت دعاوى كثيرة مما أوجب على دعاة
البناء في بلدنا إلى إعمال أمرين :
الأمر الأول : الدعوة إلى المصالحة بعد المحاسبة .
وثانياً : تأصيل قيمة التسامح لأنها من قيم البناء .
نعم : يجب أن يُحاسب المجرمُ والسارقُ والقاتلُ والمُقصرُ بلا تهاون ، ولا
مجال للعفو هنا حتى لا نؤصل للمصالحة مع المجرمين والظالمين حتى لو
تَوَلَّدَ عن ذلك خسارة مالية ، وحتى لا نكون كمن إذا سرق فيهم الشريف
تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فالعدالة أجراها النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجميع ولا تفرقة بين أحد حتى ولو
كانت فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
لكن
يجب أن تُنشر قيم التسامح فيما عدا ذلك ، ويلمح هذا في الإسراء والمعراج
عندما تسامح الرسول مع أهل الطائف ، بل ودعا لهم : "اللهم اهد قومي فإنهم
لا يعلمون" ، ياسبحان الله !! تسامح ، وزاد في بره بأن اعتذر لربه عن
إيذائهم لنبيه ، فأسس للرحمة مع التسامح من أجل البناء .
ملحوظة :
قد يقول قائل : هذا في الطائف وليس الإسراء والمعراج ؟
ونرد : بأن الدراس لرحلة الإسراء والمعراج يدرس مقدماتها وإرهاصتها
وأحداثها وما تولد عنها ، وبلا شك فإن الإسراء والمعراج يدخل في مقدماته :
الخروج إلى الطائف.
6- قيمة الترابط بين الجميع :
مصر
تحتاج إلى قيمة الترابط بشتى صوره بعد ثورة 25 يناير حتى نبني بلدنا ،
نحتاج إلى الترابط بين جميع أجزاء البلاد ونغلق الباب علي الأفكار الخبيثة
التي تدعوا إلى الانقسام ، لأن أعداءنا يعملون من أجل ذلك ، فبدأنا نسمع عن
القضية القبطية والقضية النوبية ، بل ولأول مرة نسمع عن الأمازيغ في واحة
سيوة ..إلخ ، من هنا : يجب أن نحافظ على ترابط ووحدة التراب الوطني ، بل
وربط جميع أبناء الوطن ببعضهم البعض ... والبناء لن يكون إلا بذلك .
ويلمح هذا في رحلة الإسراء والمعراج ، فقط أسس لفقه الترابط المكاني بين
جميع الرسالات والنور وأماكن الوحي ، فقد حَلَّ الرسول في رحلة الإسراء
بالطور الذي كَلَّمَ فيه موسى ربه بل وقيل صلَّى فيه ، كما حَلَّ وصلى في
بيت لحم محل ميلاد المسيح - عليه السلام - ، بل ونزل في القدس ذالك المكان
الذي لا يوجد شبر إلا وَحَلَّ فيه نبي أو ملك ، بالإضافة إلى قمة الترابط
والبناء من خلال الاصطفاف من الأنبياء خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتحقق الترابط النفسي والحسي والروحي فظهرت الصورة في
النهاية ، إن الصورة النهائية والكاملة والخالدة لرسالة التوحيد الخالص قد
تحققت .
7- قيمة الصفاء والطهارة من الأحقاد :
مع
الأيام الأولى لأحداث ثورة يناير تجلت صورة فريدة لبلدنا أبهرت العالم من
خلال التلاحم والتعاون والصفاء والتجمع الذي شمل الجميع في ميدان التحرير
وخارجه ، ومع مرور الأيام بدأ هذا المشهد يختفي تدريجياً حتى إنني أكاد
أجزم بأنه لم يعد له وجود ، نتيجة التصارع حول المصالح الحزبية ، والمطالب
الطائفية ، والتشرذم السياسي الموجود في البلاد والبعيد عن المفهوم الصحيح
لمعنى التعددية والديمقراطية ، من هنا : أَوْجَبَ فقهُ البناءِ على الجميع
تنقيةَ الصدورِ وصفاءَ القلوبِ من كل ما يُعكر صفوَ الأمة فيؤثر على نهضها
ويؤخر من رفعتها ، ولكون الاستمرار في هذا السلوك سوف يهوى بالأمة نحو
الغواية والهلاك .
يؤخذ هذا المعنى من اختيار اللبن وتركه للعسل والخمر
رغم ما في العسل من دواعي للإقبال عليه وفي الخمر وهو من خمر الجنة ما فيه
، ومع ذلك اختار اللبن وهو الفطرة ، والفطرة صفاء نفس وطهارة قلب ونقاء
بدن ونحن بغير ذلك لن نبني أمة .
8- محاربة الفتن :
من
أهم معوقات البناء : انتشار الفتن وللأسف الشديد لقد نجح زارعي الفتنة أن
يجنوا ثمارها بعد ثورة 25 يناير حيث بدأت الفتنة تدب بين المسلمين ، فهذا
سلفي ، وهذا صوفي ، وهذا تبليغ ، وهذا أنصار سنة ، وهذا أزهري ، وهذا إخوان
... إلخ ، ثم اشتدت الفتنة بين الأقباط والمسلمين فكانت أحداث الصعيد
المتعددة والمتكررة ، وأحداث إمبابة وبدأ خطباء الفتنة ينفثون بسمومهم من
أجل الوقيعة ، ويلبسون ثياب النصح والإرشاد والعفة والطهارة والخوف على
مصالح البلاد والعباد ، وأفعالهم غير ما يقولون ، وما هو آتٍ أخشى أن يكون
أسوأ ، من هنا : نحذر من الفتنة على بناء الأمة يؤخذ هذا المعنى من مشهد
خطباء الفتنة .
يقول الصالحي : "...ثم أتى على قوم تُـقرض ألسنتُـهم
وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عاد ، لا يفتر عنهم من ذلك شئ ، فقال:
من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة من أمتك يقولون ما لا
يفعلون."
9- البناء يقضي توحيد الصفوف خلف هدف واحد
يجب
أن ندرك أن فقه البناء يقضي أن نلتف حول هدف سامي وليكن أننا نهدف إلى
بناء دولةِ الحقِ والعدل والحرية والكرامة ، فلابد من الاصطفاف حول هدف
واحد .. يؤخذ هذا الملمح الفريد من اصطفاف الأنبياء جميعاً خلف رسولنا -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما صلى بهم إماماً ، فقد توحدوا خلف
من كملت به رسالتهم : رسالة التوحيد الخالص لله ، فهدفهم كمالُ الرسالة ،
فاصطفوا خلف من كملت به الرسالة وتوحدت به أهدافهم .
10- أن نبني للمستقبل (فلنزرع وليأكل أحفادنا )
من فقه البناء أن نبني للمستقبل من خلال البدء الآن - وليس بالضرورة أن نجني ثمار ما نفعله في التو واللحظة ..
يجب أن نعمل ونجد ونبني ، وهدفنا : الأجيال القادمة لينعموا بكل قيم
البناء من علم وحرية وكرامة وعدالة ...إلخ ، فأهداف الثورات لا تُحَقَق إلا
بعض سنوات بل عشرات السنوات .
وهذا المعنى في البناء تعلمناه من
الرسول من قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " عسى أن يخرج
من أصلابهم من يقول لا إله الله " فالرسول يهدف في بناءه ليس فقط للأحياء
أمامه وإنما للنطف في أصلاب الرجال يقول النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - : " ... بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ
أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "
وهذا الأمر فيه معنى الأمل ، فهم وإن لم يهتدوا فلماذا لا نعمل على هداية من في أصلابهم .
وكأننا نؤصل في فقه البناء للأمل مع العمل ، هذا العمل الذي يجعلنا نزرع ليأكل من جاء بعدنا كما زرع من قبلنا فأكلنا .
والشريعة المحمدية شريعة زرع حتى ولو كان جني الثمار مستحيل ، ولكون الزرع
يأتي بعد فناء وبعد تبدل الأشياء والأرض يقول الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن
لا يقوم حتى يغرسها فليفعل "
فنحن نزرغ ونحن علي يقين أن الفناء قادم بهلاك كل الخلق ، فلما الزرع ؟!
إذاً : الزرع لكي لا تكسر قاعدة أن أُمَّتَنَا أمةُ بناء وزرع ونماء .
11- كل مرحلة في البناء لها رجال بمواصفات معينة :
من فقه البناء إنزال الرجال منازلهم ، وأن لكل مرحلة من مراحل البناء
رجالاً بمواصفاتٍ معينة يصلحون لها ، فما يصلح لمرحلة لا يصلح لأخرى ، لأن
القدرات تختلف ، وإمكانيات التحمل كذلك ، من هنا : فلابد من اختيار الرجال
القادرين علي تحمل تبعات هذه المراحل ، ويؤخذ هذا من وجود الأنبياء ، كل
نبي في سماء محددة – مرحلة من مراحل الصعود إلى أعلى- كما أنه لا يتخطاها
إلى غيرها ، ففي كل سماء أنبيائها ، وفي كل مرحلة في بناء أمتنا رجالها ،
فها هو جبريل يقولها للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه عند
مكان معين يستطيع أن يخترق – وهذا فعل إيجابي – لكنه عند مرحلة ما : لا
يستطيع الاختراق حتى لا يحترق - لأنه لا يستطيع - فكل له مقام معلوم .
12- قيم النصح وتقديم الخبرة والمعونة :
إن قيم البناء تقضي أن يدرك الجميع أننا شركاءُ أمةٍ واحدة ، سواء كنا في
موضع المسؤلية أو لا ، فإذا أردنا أن نبني بلدنا فلابد أن يقدم كُلُّ صاحب
تجربة وخبرة خبرته وتجربته للبلاد ، متعالياً على أي مكاسب خاصة أو مجد
شخصي ، ويكون الهدف البناء .
ويؤخذ هذا المعنى من تقديم موسى - عليه
السلام - النصح للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر الصلاة ،
ويدعوه أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف لأن أمته ضعيفة ولأن موسى - عليه
السلام - صاحبُ علم وخبرة سابقة مع بني إسرائيل ، فقد عالجهم أشد المعالجة ،
فعلى الرغم من أن موسى بكى عندما تخطاه الرسول في المقام وتخطت أمة الرسول
أمة موسى - عليه السلام - في العدد ، ومع ذلك لم يتركه يحمل على كاهله
خمسين صلاة ، فهو محبٌ له ، ولم تدفعه أمنياته لتركه ، فقد قَدَّمَ المشورة
الصادقة .
13- قيمة الاعتذار عن الخطأ :
من معوقات
البناء التعالي على الاعتراف بالخطأ ، ومن معالم التقدم : الاعتذار عند
الخطأ ، لأن هذا بداية التصحيح والعودة إلى المسار الصحيح في البناء
،
ويؤخذ هذا المعنى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من اعتذار عداس
بتقبيله لرأس ويد وقدم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكأن
عداس بصنيعه هذا يعتذر عما بَدَرَ وَحَدَثَ من أهل الطائف مع رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان هذا الاعتذار ليس كافياً لسيد
البشر محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقد كان آدم - عليه السلام
- في السماء الأولى لكي يكون أول المستقبلين له والمرحبين له ودلالة ذلك :
أنه ما كان يليق أن يعتذر لسيد البشر من صنيع بعض البشر إلا أبو البشر ،
وعلى قدر أهل الكرم تؤتى المكارم .
14- البناء يقضي تنحي غير القادرين على تحمل بناء الأمة :
فقد يوكل الأمر إلى شخص ويحمل أمانات الناس ولكنه لا يستطيع أن يتحمل
أمانة المسئولية ، وهنا : يُوجب فقهُ البناءِ الصحيح : أن يترك مكانه لشخص
آخر يستطيع أن يحمل على كاهلة الميساهمة في بناء الأمة ، ويؤخذ هذا المعنى
من ذاك المشهد الذي شاهده الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
رحلته ..
يقول الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد
: " وأتى – يقصد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قوم قد جمع
الرجل منهم حزمةً عظيمةً لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا
يا جبريل ؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على
أدائها، ويريد أن يتحمل عليها.
15- إن البناء يحتاج إلى السلام :
من المعلوم أن التناحر الاجتماعي والانفلات الأمني بعد ثورة يناير معوق من
معوقات البناء ، لأن البناء يكون مع الأمن والسلام ، فيجب أن نعمل أن تكون
بلدنا بعيدةً عن الدمار والحروب والخراب الذي يحاول البعض أن يجعله في
بلدنا بدعوى الطائفية أو أي عوامل أخرى ، من هنا نقول : إن البناء يحتاج
إلى السلام .
وهذا المعنى يؤخذ من وصف البراق فهو دون البغل وأكبر من
الحمار ولم يكن في طول الخيل لماذا ؟ لأن الخيل ترموز إلى عدة الحرب يقول
تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ..." ،
فكان بتلك الصورة وهي صورة دواب السلم التي لا تقوى على الكر والفر في
الحروب وإنما هي دواب لحمل خامات البناء وأمتعة الإنسان .
16- كما أن البناء يحتاج إلى الوسطية في تبليغ ميراث وحمل النبوة :
ويؤخذ هذا المعنى من كون البراق يتوسط في ارتفاعه الحمار والبغل ، وإذا
كان هذا البراق يحمل خير رسل الله على ظهره فيلمح أن حامل النبوة لابد أن
يكون وسطياً لا إفراط ولا تفريط ... فمن يحملون أسفار النبوة لابد أن
يكونوا وسطاً كما كان البراق حامل النبوة الحقيقية وسطاً .
17- الاهتمام بالأساس والبعد عن الزينة الدنيا :
يجب أن نتعلم أن فقه البناء يقتضي الاهتمام بأصول الأشياء وترك هوامشها
فأخذ الزينة لبدن مريض عجوز لا يجدي ، فلابد من علاج المرض والدفع بالشباب
والحيوية حتى يقوى على الاستمرار .
فالرسول رأى الدنيا المرأة العجوز
كما رآها حاسرة ذراعيها ، فنأخذ من هذا الأمر أن نترك عند بناء أمتنا
الزينة والزخارف ، ونهتم بالقواعد والأركان الحاملة ، وندرك قيمة الشباب في
البناء لأن الكبر والشيخوخة لا تبني بناءاً حتى ولو تزينت في الأعين ن
وكأننا نؤصل للبناء ، نعم بخبرة الشيوخ ولكن هل يبني غير سواعد الشباب؟
يقول الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد :
وبينما هو يسير ، إذا بامرأة حاسرة عن ذراعها وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى.
فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: ما هذه يا جبريل ؟
قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.
وسار فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم
يلتفت إليها، فقال: من هذه يا جبريل ؟ قال: إنه لم يبق من الدنيا إلا ما
بقي من عمر هذه العجوز.
18- عدم الخوف على الإسلام في بلدنا ولكن عليكم بالبناء السليم :
هناك أصوات ترتفع من البعض تخوف من الإسلام أو تتخوف على الإسلام في بلدنا من
بعض الأفكار الواردة من الخارج ويتبناها البعض ، ويؤخذ معنى أن الإسلام في
بلدنا كشريان الحياة لشعبها من الإسراء والمعراج من خلال الملامح الآتية :
- أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاهد نهرين ظاهرين ،
ونهرين باطنين ، ينبعان من سدرة المنتهى ، أما النهران الظاهران فهما النيل
والفرات ، وذكر العلماء أن دلالة ذلك أن أرض تلك النهرين أرض خصبة للإسلام
والمسلمين وسوف يستوطن الإسلام أوديتها .
- أن الرسول حَلَّ في أرض
مصر في رحلة الإسراء ونزل إلى منطقة الطور ، وعليه : فإن البلاد التي
وطئتها قدم الرسول محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن تكون لغير
أمته حتى لو احتلها أعداؤنا لبعض الوقت ، وهذا ما حدث عندما احتلت سيناء في
عام 1967م فعادت إلى مصر عام 1973 ، وهذه الفترة أصغر مدة لاحتلال اسرائيل
لأي بقعة من احتلالاتها .
- كما أنك تعجب من الأنبياء الذين كانوا في
استقبال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السموات فأغلبهم قد
بوركت أرض مصر بهم ، بل بعضهم عاش جُل حياته على أرضها : ( موسى ، عيسى ،
يوسف ، هارون ، وإدريس ، وقيل : إن ابراهيم دخل مصر ) وهذه إشارة إلى أن
أرض الأنبياء حاملي رسالة التوحيد لا خوف عليها من أدعياء الزور والباطل .
- بل إن ما يجعلني مؤمناً بحفظ الإسلام لهذه البلاد أن الله اصطفاها بأول
رسول بعثه للبشرية لنشر رسالة التوحيد وهو "إدريس عليه السلام " ، بل إن
أول بشر اهتدى إلى فكرة التوحيد البعيد عن ضابط الوحي ورسل السلام كان
اخناتون الملك المصري الشهير.
19- الأخذ بالأسباب في فقه البناء :
البناء لا يتأتى بالركون والاستكانة والخمول والتواكل ، وإنما يأتي بالتوكل والأخذ بالأسباب .
أما قضية التوكل فيلمح من الإسراء والمعراج في ربط الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للبراق في حلقة بحائط المبارك ولم يتركه وإنما فعل
كما قال للأعرابي : " اعقلها وتوكل " .
قال الإمام النووي : وفي ربط
البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في
التوكل إذا كان الاعتماد على الله سبحانه وتعالى.
أما قضية الأخذ
بالأسباب فتلمح باتخاذ الله للبراق سبباً لتنقل الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رحلة الإسراء والمعراج رغم أن الله قادر أن يرفعه
إليه في لمح البصر وهو القادر وفعلها سابقا مع عيسى كما أنه جعل عبداً من
عبيده يأتي لسليمان بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في لمح البصر ، حيث طوى
له الزمان والمكان ، فإذا كان هذا فعل العبد الضعيف المخلوق الفقير الصنعة
، فما بالكم بالسيد العظيم الخالق الكبير القوي المتين الصانع العليم ...
؟! فالعبرة هي الأخذ بالأسباب ، فعلى الرغم من أن وصف البراق بأن خطوته كمد
بصره إلا أنها مهما اتسعت فلابد أن تبدء في نقطة وتنتهي في نقطة أي أنها
حُكِمَتْ بالمكانية فقد أخذ بالسبب فلابد أن نبني بلدنا بالسعي والعمل
والأخذ بالأسباب ، ونحن على يقين بأن مُسبب الأسباب لن يخذلنا .
20- البناء يقضي الحوار :
فقه البناء يقضي الحوار والاستماع قبل اتخاذ أي قرار ، وكما يقول أهل
الفضل قدموا الحوار على القرار ، فالمستأنس بالحوار قد يصل بك من خلال
المحاورة والسؤال والرد إلى نتائج عظيمة ... ويؤخذ هذا المعنى من سؤال عداس
للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أي البلاد أنت ؟ فلم يجبه
مباشرة وإنما قَابَلَ السؤال بحوار شامل فسأله الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أي البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : نصراني
وأنا رجل من نينوى ، فقال رسول الله من رية الرجل الصالح يونس بن متى؟ ،
فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله ذاك أخي كان
نبياً وأنا نبي ! فأكب عداس على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقبل رأسه ويديه وقدميه .
الشاهد : انظر كيف وصل النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحوار أن أخرجة من الظلام إلى النور
ومن الضلال إلى الهداية ومن الباطل إلى الحق فيا ليتنا نعلم أننا في بلدنا
نريد حواراً يخرجنا من المحنة إلى المنحة ومن التخبط إلى الرشد والفلاح .
21- فقه الاستحياء وعدم الإكثارمن الطلب :
لقد شاهدنا في بلدنا أصحاب المطالب يتسبثون بماطلبهم وإذا تحقق شيئ يزيدون
في الطلب ، بل وبعضهم يقطع الطرق والسكك الحديدية والكل يعلم أن الوضع
المالي والاقتصادي للبلاد يقتضي الإنتاج لا الإضراب ، فنتعلم من رحلة
الإسراء والمعراج فقه الطلب مع الأدب ، وفقه التفاوض ، ثم الحياء من كثرة
الطلب ، وهذا يؤخذ من رحلة المعراج ، يقول الصالحي : فقال: " ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك "، قال له : قد راجعت ربي حتى استحييت
منه ولكن أرضى وأسلم ". فناداه مناد أن " قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
". فقال له موسى: " اهبط بسم الله ".
22- فقه البناء يقضي الجرأة المحسوبة :
لابد من الخروج من إطار الصندوق الضيق في البناء ، لابد من المخاطرة ،
مخاطرة محسوبة العواقب ، جرأة في اتخاذ القرار لكنها جرأة محسوبة ، ويؤخذ
هذا المعنى من خروج الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الطائف
وهو يعلم أنه قد يمنع من دخولها وأنه قد يتخلى عنه البعض ولا يساعده في
الرجوع ودخول مكة ، ومع ذلك خاطر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخرج
في جرأة إلى الطائف .
23- فقه البناء يقضي القرب من الله وطلب الحول والقوة منه للإعانة على البناء:
نحتاج ونحن نبني بلدنا أن نمد لقوة قاهرة تقوينا على البناء وتعطينا الشدة
على صروف الحياة وأنصار الهدم ، وهل هنا قدرة وحول أفضل من حوله وقوته
تعالى ؟! فيجب أن نُكثر من القرب منه ومن طلب الحول والقوة منه وحده ،
يؤخذ هذا المعنى من هذا المشهد الذي وقع في رحلة العروج " ... فإذا النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإبراهيم رجل أشمط، جالس عند باب
الجنة، على كرسي مسندا ظهره إلى البيت المعمور، ومعه نفر من قومه، فسلم
عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فرد عليه السلام، فقال:
مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، وقال: مُرْ أمتَك فليكثروا من غراس
الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة ، فقال له: وما غراس الجنة ؟ قال: (لا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وفي رواية: (أقرئ على أمتك مني
السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)."
24- لابد أن ننظر إلى الدول أصحاب التجارب المشابهة :
يؤخذ هذا المعنى من الزيارات الميدانية الحية التي قام بها الرسول عليه السلام في الإسراء
والمعراج لمواضع أحداث الأنبياء السابقين حيث حل في الطور وطلع على فصل
هام في تجربة "موسى" عليه السلام كما حل في مدين – " تجربة شعيب "وبيت لحم
"تجربة عيسى" بل وحضر ملتقى عام مع الأنبياء السابقين فتعرف على التجربة
الجامعة بل وكانت له لقاءات ثنائية مع أغلب أولي العزم من الرسل – أصحاب
التجارب العظيمة - وعلى الخصوص موسى خلال عروجه .
وهذا ما يجب أن نسلكه
في بناء بلدنا نطلع على التجارب الحية للآخرين بالزيارات الميدانية وعقد
مؤتمرات لنقل الخبرات ولا ضير من عقد اتفاقيات ولقاءات ثنائية تعود على
البلاد بالخير .
25- تأصيل كلمة الحق في بناء المجتمع :
لابد أن تكفل الكلمة - خاصة كلمة الحق التي قد تصرخ بكلمة " لا" لا في وجة
الحاكم وفي قصره كلمة "لا" لبست معارضة من أجل المعارضة وإنما "لا" من أجل
البناء وعدم التراجع ومن باب الحب والنصح ، ولا يعاقب صاحب الكلمة الحق
وإن ظُلم يجب على الأمه أن تعيد له قدره .
يؤخذ هذا المعنى من مرور الرسول على قبر ماشطة ابنة فرعون .. والتي قالتها مدوية " لا ربي ورب أباك الله " والقصة معروفة
26- البناء يقضي بناء القيم :
البناء يقضي بناء القيم فمصر تحتاج الى ثورة قيمية - تقتلع الفساد من
الجذور - تبني المبادئ وتؤصل الحلال والعفة وحمل الأمانة بصدق ومسئولية
الكلمة وحفظ الأنساب والأعراض وقيمة الزرع والحرث .... وبالرجوع إلى
مشاهدات الرسول فى رحلة الإسراء والمعراج سوف تجد دليلا على كل قيمة من
القيم السابقة ولولا ضيق الوقت لأتيت بها .
خاتمة وبشرى :
أختم كلامي ببشرى فكما أشرنا في بداية المحاضرة الي المقارنة بين الوضع في
مصر قبل ثورة يناير ومكة قبل الإسراء ووصلنا الي نتيجة مفادها اليأس وسوء
الوضع والحاجة الى قدرة ..فإنه بالنظر إلى الوضع بعد رحلة الإسراء فسوف يجد
أن الوضع للمسلمين قد تغير فما هي إلا سنوات قلائل وقد أسسوا دولة عظيمة
في المدينة المنورة ودخلوا مكة بعد أن غادروها وأنا أبشر أن الوضع في مصر
بعد الثورة بمشيئة الله سوف يكون كذلك ، حيث تنشأ دولة قوية عزيزة ويعود
إليها من هاجر من أبنائها ، فكما صدقت المقارنة في البداية فأرجوا أن تثبت
النتيجة في النهاية
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .....
المقدمة
إن الخطيب الذي ينفصل عن واقعه قد أهمل جوهر رسالته لأن رسالة الدعاة
التفاعل مع الواقع وإبراز معالجات الإسلام لشئونه ، معالجات تحفظ لثوابت
الدين قدسيتَها وأصالتها وللشريعة عطائَها ومعاصرتها .. وماذا لو كان هذا
الواقع ثورة هزت العروش وزلزلت الأركان وغيرت النظام ...إلخ
ومن ناحية
أخرى فإنه يجب عليه – أي الداعية - أن يتفاعل مع الأحداث الإسلامية وأيام
الله التي شَرَّفَ فيها الأمةَ بأيامٍ خوالد ، ومن هذه الأحداث والأيام
والليالي الخوالد : ليلة الإسراء والمعراج ، من هنا كان من فقه الدعوة :
إعادة قراءة الحَدَث والمناسبة وإنزال وقائعها على الواقع المعايش ، بل
وأخذ العبر والعظات لإصلاح هذا الواقع .
من هنا جاءت هذه المحاضرة لتحيي الحدثَ وتستقي منه الهدى والنور لبناء الواقع ومعالجة صروفه وأحداثه .
وسوف نذكر فيما يأتي : قيم البناء التي يجب أن تُبْنَى عليها الدولةُ
المصريةُ بعد ثورة 25 يناير مع ذكر المشهد أو الحدث أو المَلْمَح الذي
اعتمدنا عليه من حادثة الإسراء والمعراج وأسقطناه على الواقع ، وقبل أن
نفعل ذلك لا بد من الحديث عن تشابه المشهدين بين مصر قبل ثورة يناير ومكة
قبل الرحلة : " الحاجة إلى تدخل إلهي "
إن من ينظر إلى الواقع في مكة
قبل رحلة الإسراء يجده يتصف بالتنكيل بدعوة الحق ويحارب البناء ... وتحكمت
فيه المصالح المالية والمعابر التجارية " رحلة الشتاء والصيف " - فالنخبة
الحاكمة في قريش حاربت دعوة الإسلام لأن هذا يدمر مصالحها التجارية
ومنافعها المالية ، نفس المشهد في مصر .. حيث تحكمت مجموعة بمقدرات البلاد
وكان هدفها هو هو الهدف المحافظة على المصالح المالية والعلاقات التجارية
والمعابر السرية - التي فُضِحَتْ بعد ذلك – كما أن الحق اصطدم بهذه المصالح
فعطلت أحكام القضاء وتفشى الفساد وانعدم البناء .
كما أن المشهدين
متقاربين كذلك في محاربة الكفاءات وأهل الحق والعلم الصحيح فكانت الهجرة
خارج حدود الوطن ، ترك المسلمون مكة وهاجرو إلى الحبشة بدلاً من المرة
مرتين ، كما هاجرت كفاءات مصر إلى أوربا وأمريكا ...إلخ هاربة بما تبقى
فيها من رَمَق .
من هنا بدا المشهد كئيبا ، خاصة بعد اليأس والإحباط
الذي وصل بالرضا بالواقع رغم مرارته ، فالبلاد إما أن تأخذ زيداً أو ولده
عبيد ، وفي مكة كان المشهد حزينا فقد ماتت الزوجة – خديجة – وهي الرفيقة
والحبيبة والمعينة والمساندة والمخففه والداعمة ....إلخ ، وكل المعاني التي
تظهر فجاعة فقدها ، كما فَقَدَ العم – أبا طالب – المانع له – بعد الله –
من إيذاء المشركين .
وكان المشهدان حزينين ، ولن يتغير الأمر إلا بتدخل
قدرة قاهرة .. قدرة تزيل الجبابرة ، وتهز عروشَهم وثقتَهم الزائفة في
السلطان والمال ...إلخ فكان العون والمدد من الله وحده فكانت رحلة الإسراء
والمعراج للتسرية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتبعث
في نفسه القوة لمرحلة جديدة بعد الإسراء وترفعه إلى العلياء... كما تدخلت
نفس القدرة في بلدنا - لكنها خَسَفَتْ بالباطل والظلم - ولذلك نقول عن يقين
عن أحداث يناير : " لا تحسبن ما كان في بلدنا فقط بجهد من جاهد ولكن
بتقدير رب شاهد وساعد" ففي المشهدين كانت قدرة الله حاضرة ، حيث رفع من
يستحق الرِفْعَة ، حتى وصل به سدرة المنتهى وخسف بمن يستحق الخسف إلى أسفل
سافلين " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (سورة التين آية 5) "
وفي الحَدَثَيْنِ تتجلى قدرة الله على التحدي ، ففي الإسراء كانت المعجزة ،
وإزالة التجبر القابع على صدر البلاد بعد ثورة 25 يناير أيضاً معجزة لأنه
ما كان أحد يتوقع ذلك.
فالإسراء والمعراج " كان مكافأة ربّانية على ما
لاقاه الحبيب - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أتراح وآلام وأحزان ،
إذ كان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب ، وما لاقى أثناءه من جوع
وحرمان ، إنه كان بعد فقد الناصر الحميم وفقد خديجة أم المؤمنين وخيبة
الأمل في ثقيف وما ناله من سفهائها وصبيانها وعبيدها .." كما كانت ثورة
يناير مكافأة للفقراء الذين يسكنون المقابر والذين مات أبناؤهم تحت صخرة
الدويقة وأحرقوا داخل قطار الصعيد وأكلتهم الأسماك في غرق العبارة السلام
98....إلخ وإن كنا نرجوا تمام النعمة حتى يشعر هؤلاء البشر بكرامتهم .
والآن هيا بنا نحو قِيَمِ البناءِ التي تحتاجها مصر ونلمحها في رحلة الإسراء والمعراج :
1- قيمة الإصرار على البناء وعدم اليأس:
فمصر تحتاج من الجميع في هذه المرحلة إلى الإصرار على البناء ومحاربة كل
عوامل الهدم من أجل أن تعم شمس الحقيقة المكان وتُعْلَى للدولة الأركان .
يلمح هذا في : في إصرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على
تبليغ دعوته وعدم اليأس فها هو يخرج إلى الطائف وليس معه إلا زيد بن حارثة
وهو يعلم أنه قد لا يدخل ثانية إلى مكة - بدليل أنه دخلها في جوار أحد
المشركين – ويذهب إلى الطائف ويُقَابَل فيها بالإيذاء حتى دُميت قدماه
"وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجاً " ومع ذلك يزداد
الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استمساكاً بالحق وعدم اليأس .
فيجب أن نعلم في بلدنا أن الوصول إلى الأهداف العظيمة يحتاج إلى الإصرار
والتضحية والبذل وتحمل المعوقات حتى لو دخلنا في تجارب ولم نخرج منها بشيئ
كما دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطائف ولم يخرج بمؤمن
واحد من أشرافها أو أهلها .
2- قيمة تهيئة البلاد للبناء :
الكل كان يتخيل أن البلاد سوف تتحول في يوم وليلة إلى دولة الحق والعدالة
والرخاء وهذا لم يحدث لأنه لن يحدث في يوم وليلة ، ولكن يجب أن يسبق بتهيئة
البلاد لتكون قادرة على هذا الأمر ليس بالكلام فقط وإنما بالأفعال في كل
المناحي الاقتصادية والعلمية والتشريعية والاجتماعية والقضائية ..إلخ ،
وفقه التهيئة في البناء نلمحه في رحلة الإسراء والمعراج بشق صدر الرسول قبل
الرحلة لكي يتهيأ لآياتها الكبرى ، كما يجب أن نهيئ بلدنا للبناء إذا
أردنا أن تكون دولة كبرى ، فلا يعقل أن نزرع في أرض بور ومالحة ونأُخذ
خيرها على مدار عقود ونجني الزرع بسرعة أو بسهولة ! بل يجب تهيئة الأرض
للزرع بالقيام عليها بالإصلاح والتهذيب والتدعيم ، فإذا صلحت للزراعة قسمت
لأحواض وخطوط ، ثم توضع البذرة وتتعهد بالسقي والرعاية ، ثم تحارب الآفات
وينزع الشوك من حولها كذا كل نبت ضار مما نبت بجوارها ، ثم تبدأ النبتة
بالظهور فيزداد الحرص عليها من العابثين فإذا اشتد عودها عندها يكون الحصاد
، وهذا ما يجب أن يحدث لكي نُهيئ الدولة للبناء وللمرحلة الجديدة ، كما
هيأ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمرحلة جديدة تكشف له عالم
الملكوت وحل ضيفا على الحضرة الربانية فأوحى إليه ربه ما أوحى .
3- قيمة التخطيط للبناء:
بلدنا ترنوا أن تصبح خلال السنوات القادة من الدول الفاعلة إقليمياً
ودولياً ، بل وتهدف إلى أن تصل بالنمو والنهضة الاقتصادية ما يجعلها علي
الأقل رقماً صعباً في هذه المعادلة الاقتصادية الدولية .. وهذا بالطبع لن
يكون في يوم وليلة بل يسبقه تخطيط وعمل شاق في تأسيس أركان الدولة ، وأن
تكون أعمدتها وقواعدها راسخة في الأرض قبل أن تصعد إلى السماء حتى لا تهتز
مع أي أزمة ترجعها إلى الوراء ، فما زالت اليونان ورغم تدعيم الاتحاد
الأوربي لها غير قادرة على التعافي من الأزمة المالية التي ضربت العالم مع
أزمة الرهن العقاري في أمريكا .
فلابد أن نجعل قواعد البناء راسخة في الأرض ثم نصعد من خلال سلم التقدم المدروس درجة درجة إلى أعلى وكأنها رحلة عروج نحو الرفعة .
وهذا الملح مُشَاهَدٌ في ترتيب أحداث رحلة الإسراء والمعراج ، فقد كنت
أسأل نفسي أليس المسجد الحرام أعلى مقاماً من المسجد الأقصى ؟ ورحلة
المعراج المنتهية بصدرة المنتهى أعظم من الإسراء المنهي بالصخرة المباركة ؟
فلماذا لم تكن رحلة المعراج من المسجد الحرام رغم أن التشريف يقضي ذلك ؟!
وَخَلُصْتُ إلى حكمةِ التخطيطِ في البناء الموجودة في رحلة الإسراء
والمعراج تخطيطاً جعلَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشاهد
ويطئ بقدمه مواطن الأنبياء السابقين ويعرف تجاربهم ثم صلاته بهم تلك الصلاة
التي برهنت على علو رسالته وعظم مكانته ومكانة أمته ثم مرحلة عروجه إلى
السموات ومع كل سماء لا بد من وقفه ومسألة حتى يصعد السماء التي تليها .
وهذا ما أُلمح إليه أن يجب أن نبني مؤسسات بلدنا أولاً وتدريجياً وبوعي
شديد قبل أن نحاول القفز إلى أعلى ، فمرحلة العروج نحو النمو الاقتصادي
والسياسي ...إلخ تقتضي التدرج والتخطيط السليم وهذا ما كان في الإسراء
والمعراج ، وكأن رحلة الإسراء تثبيتٌ لأركان الرسالة المحمدية في الأرض ،
والصعود التدريجي في العروج انتهى بنبيها إلى كونه قاب قوسين أو أدنى .
فما صعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء السابعة
مباشرة وإنما مر بست مراحل – سموات – قبلها فإذا أردتم أن تبنوا البلاد
فخططو لها بوعي ولا ترفعوا آمالكم نحو السماء السابعة وأقدامكم على الأرض
مرتعشة وعلى غير قواعد .
فاجعلوا البناء يثبث في الأرض - الرحلة الأرضية الإسراء - ثم أصعدوا – العروج - بأمتكم وبوعي وتخطيط إلى أعلى .
4- قيمة الإخلاص للفكرة والإيمان والتصديق بها :
بلدنا تحتاج بعد ثورة يناير إلى رجال يؤمنون بها وبشعبها ويخلصون في
بنائها حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بأموالهم بل وأنفسهم نريد رجالا يخلصون
للمبادئ السليمة لبناء دولة قويمة .
وهذا الملمح يؤخذ من شخص أبي بكر
المصدق لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمن به حيث قال
: " إن كان قد قال فقد صدق " ، ما أروع الرجال المخلصين للأمة ! وما أعظم
أثرهم في البناء ! فهذا أبو بكر المصدق الصديق هو من أنفق ماله كله في سبيل
الله ، وهو من خَشِيَ على الرسول الهلاك ، فقدم نفسَ الرسول على نفسه "
أنا إن هلكت فأنا فرد وأنت أمة " ، بل من شدة إخلاصه للفكرة والأمة أنه
عندما مات الرسول أعلنها صراحة : " فإن من كان يعبد محمد فإن محمداً قد
مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران، آية:144)
أنظر إلى أي درجة أخلص لفكرة بناء الأمة ..هؤلاء رجال......وأمتنا لن يبنيها إلا الرجال .
5- قيمة التسامح والتصالح والرحمة عند البناء :
بعد ثورة 25 يناير احتاح المجتمع المصري موجة من روح الانتقام والمكائد
بدليل كم البلاغات الكاذبة التي تُقدم إلى مكتب النائب العام يومياً كما
نشرت دعاوى الاستقصاء لكثير من الأطراف تحت دعاوى كثيرة مما أوجب على دعاة
البناء في بلدنا إلى إعمال أمرين :
الأمر الأول : الدعوة إلى المصالحة بعد المحاسبة .
وثانياً : تأصيل قيمة التسامح لأنها من قيم البناء .
نعم : يجب أن يُحاسب المجرمُ والسارقُ والقاتلُ والمُقصرُ بلا تهاون ، ولا
مجال للعفو هنا حتى لا نؤصل للمصالحة مع المجرمين والظالمين حتى لو
تَوَلَّدَ عن ذلك خسارة مالية ، وحتى لا نكون كمن إذا سرق فيهم الشريف
تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فالعدالة أجراها النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجميع ولا تفرقة بين أحد حتى ولو
كانت فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
لكن
يجب أن تُنشر قيم التسامح فيما عدا ذلك ، ويلمح هذا في الإسراء والمعراج
عندما تسامح الرسول مع أهل الطائف ، بل ودعا لهم : "اللهم اهد قومي فإنهم
لا يعلمون" ، ياسبحان الله !! تسامح ، وزاد في بره بأن اعتذر لربه عن
إيذائهم لنبيه ، فأسس للرحمة مع التسامح من أجل البناء .
ملحوظة :
قد يقول قائل : هذا في الطائف وليس الإسراء والمعراج ؟
ونرد : بأن الدراس لرحلة الإسراء والمعراج يدرس مقدماتها وإرهاصتها
وأحداثها وما تولد عنها ، وبلا شك فإن الإسراء والمعراج يدخل في مقدماته :
الخروج إلى الطائف.
6- قيمة الترابط بين الجميع :
مصر
تحتاج إلى قيمة الترابط بشتى صوره بعد ثورة 25 يناير حتى نبني بلدنا ،
نحتاج إلى الترابط بين جميع أجزاء البلاد ونغلق الباب علي الأفكار الخبيثة
التي تدعوا إلى الانقسام ، لأن أعداءنا يعملون من أجل ذلك ، فبدأنا نسمع عن
القضية القبطية والقضية النوبية ، بل ولأول مرة نسمع عن الأمازيغ في واحة
سيوة ..إلخ ، من هنا : يجب أن نحافظ على ترابط ووحدة التراب الوطني ، بل
وربط جميع أبناء الوطن ببعضهم البعض ... والبناء لن يكون إلا بذلك .
ويلمح هذا في رحلة الإسراء والمعراج ، فقط أسس لفقه الترابط المكاني بين
جميع الرسالات والنور وأماكن الوحي ، فقد حَلَّ الرسول في رحلة الإسراء
بالطور الذي كَلَّمَ فيه موسى ربه بل وقيل صلَّى فيه ، كما حَلَّ وصلى في
بيت لحم محل ميلاد المسيح - عليه السلام - ، بل ونزل في القدس ذالك المكان
الذي لا يوجد شبر إلا وَحَلَّ فيه نبي أو ملك ، بالإضافة إلى قمة الترابط
والبناء من خلال الاصطفاف من الأنبياء خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتحقق الترابط النفسي والحسي والروحي فظهرت الصورة في
النهاية ، إن الصورة النهائية والكاملة والخالدة لرسالة التوحيد الخالص قد
تحققت .
7- قيمة الصفاء والطهارة من الأحقاد :
مع
الأيام الأولى لأحداث ثورة يناير تجلت صورة فريدة لبلدنا أبهرت العالم من
خلال التلاحم والتعاون والصفاء والتجمع الذي شمل الجميع في ميدان التحرير
وخارجه ، ومع مرور الأيام بدأ هذا المشهد يختفي تدريجياً حتى إنني أكاد
أجزم بأنه لم يعد له وجود ، نتيجة التصارع حول المصالح الحزبية ، والمطالب
الطائفية ، والتشرذم السياسي الموجود في البلاد والبعيد عن المفهوم الصحيح
لمعنى التعددية والديمقراطية ، من هنا : أَوْجَبَ فقهُ البناءِ على الجميع
تنقيةَ الصدورِ وصفاءَ القلوبِ من كل ما يُعكر صفوَ الأمة فيؤثر على نهضها
ويؤخر من رفعتها ، ولكون الاستمرار في هذا السلوك سوف يهوى بالأمة نحو
الغواية والهلاك .
يؤخذ هذا المعنى من اختيار اللبن وتركه للعسل والخمر
رغم ما في العسل من دواعي للإقبال عليه وفي الخمر وهو من خمر الجنة ما فيه
، ومع ذلك اختار اللبن وهو الفطرة ، والفطرة صفاء نفس وطهارة قلب ونقاء
بدن ونحن بغير ذلك لن نبني أمة .
8- محاربة الفتن :
من
أهم معوقات البناء : انتشار الفتن وللأسف الشديد لقد نجح زارعي الفتنة أن
يجنوا ثمارها بعد ثورة 25 يناير حيث بدأت الفتنة تدب بين المسلمين ، فهذا
سلفي ، وهذا صوفي ، وهذا تبليغ ، وهذا أنصار سنة ، وهذا أزهري ، وهذا إخوان
... إلخ ، ثم اشتدت الفتنة بين الأقباط والمسلمين فكانت أحداث الصعيد
المتعددة والمتكررة ، وأحداث إمبابة وبدأ خطباء الفتنة ينفثون بسمومهم من
أجل الوقيعة ، ويلبسون ثياب النصح والإرشاد والعفة والطهارة والخوف على
مصالح البلاد والعباد ، وأفعالهم غير ما يقولون ، وما هو آتٍ أخشى أن يكون
أسوأ ، من هنا : نحذر من الفتنة على بناء الأمة يؤخذ هذا المعنى من مشهد
خطباء الفتنة .
يقول الصالحي : "...ثم أتى على قوم تُـقرض ألسنتُـهم
وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عاد ، لا يفتر عنهم من ذلك شئ ، فقال:
من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة من أمتك يقولون ما لا
يفعلون."
9- البناء يقضي توحيد الصفوف خلف هدف واحد
يجب
أن ندرك أن فقه البناء يقضي أن نلتف حول هدف سامي وليكن أننا نهدف إلى
بناء دولةِ الحقِ والعدل والحرية والكرامة ، فلابد من الاصطفاف حول هدف
واحد .. يؤخذ هذا الملمح الفريد من اصطفاف الأنبياء جميعاً خلف رسولنا -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما صلى بهم إماماً ، فقد توحدوا خلف
من كملت به رسالتهم : رسالة التوحيد الخالص لله ، فهدفهم كمالُ الرسالة ،
فاصطفوا خلف من كملت به الرسالة وتوحدت به أهدافهم .
10- أن نبني للمستقبل (فلنزرع وليأكل أحفادنا )
من فقه البناء أن نبني للمستقبل من خلال البدء الآن - وليس بالضرورة أن نجني ثمار ما نفعله في التو واللحظة ..
يجب أن نعمل ونجد ونبني ، وهدفنا : الأجيال القادمة لينعموا بكل قيم
البناء من علم وحرية وكرامة وعدالة ...إلخ ، فأهداف الثورات لا تُحَقَق إلا
بعض سنوات بل عشرات السنوات .
وهذا المعنى في البناء تعلمناه من
الرسول من قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " عسى أن يخرج
من أصلابهم من يقول لا إله الله " فالرسول يهدف في بناءه ليس فقط للأحياء
أمامه وإنما للنطف في أصلاب الرجال يقول النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - : " ... بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ
أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "
وهذا الأمر فيه معنى الأمل ، فهم وإن لم يهتدوا فلماذا لا نعمل على هداية من في أصلابهم .
وكأننا نؤصل في فقه البناء للأمل مع العمل ، هذا العمل الذي يجعلنا نزرع ليأكل من جاء بعدنا كما زرع من قبلنا فأكلنا .
والشريعة المحمدية شريعة زرع حتى ولو كان جني الثمار مستحيل ، ولكون الزرع
يأتي بعد فناء وبعد تبدل الأشياء والأرض يقول الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن
لا يقوم حتى يغرسها فليفعل "
فنحن نزرغ ونحن علي يقين أن الفناء قادم بهلاك كل الخلق ، فلما الزرع ؟!
إذاً : الزرع لكي لا تكسر قاعدة أن أُمَّتَنَا أمةُ بناء وزرع ونماء .
11- كل مرحلة في البناء لها رجال بمواصفات معينة :
من فقه البناء إنزال الرجال منازلهم ، وأن لكل مرحلة من مراحل البناء
رجالاً بمواصفاتٍ معينة يصلحون لها ، فما يصلح لمرحلة لا يصلح لأخرى ، لأن
القدرات تختلف ، وإمكانيات التحمل كذلك ، من هنا : فلابد من اختيار الرجال
القادرين علي تحمل تبعات هذه المراحل ، ويؤخذ هذا من وجود الأنبياء ، كل
نبي في سماء محددة – مرحلة من مراحل الصعود إلى أعلى- كما أنه لا يتخطاها
إلى غيرها ، ففي كل سماء أنبيائها ، وفي كل مرحلة في بناء أمتنا رجالها ،
فها هو جبريل يقولها للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه عند
مكان معين يستطيع أن يخترق – وهذا فعل إيجابي – لكنه عند مرحلة ما : لا
يستطيع الاختراق حتى لا يحترق - لأنه لا يستطيع - فكل له مقام معلوم .
12- قيم النصح وتقديم الخبرة والمعونة :
إن قيم البناء تقضي أن يدرك الجميع أننا شركاءُ أمةٍ واحدة ، سواء كنا في
موضع المسؤلية أو لا ، فإذا أردنا أن نبني بلدنا فلابد أن يقدم كُلُّ صاحب
تجربة وخبرة خبرته وتجربته للبلاد ، متعالياً على أي مكاسب خاصة أو مجد
شخصي ، ويكون الهدف البناء .
ويؤخذ هذا المعنى من تقديم موسى - عليه
السلام - النصح للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر الصلاة ،
ويدعوه أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف لأن أمته ضعيفة ولأن موسى - عليه
السلام - صاحبُ علم وخبرة سابقة مع بني إسرائيل ، فقد عالجهم أشد المعالجة ،
فعلى الرغم من أن موسى بكى عندما تخطاه الرسول في المقام وتخطت أمة الرسول
أمة موسى - عليه السلام - في العدد ، ومع ذلك لم يتركه يحمل على كاهله
خمسين صلاة ، فهو محبٌ له ، ولم تدفعه أمنياته لتركه ، فقد قَدَّمَ المشورة
الصادقة .
13- قيمة الاعتذار عن الخطأ :
من معوقات
البناء التعالي على الاعتراف بالخطأ ، ومن معالم التقدم : الاعتذار عند
الخطأ ، لأن هذا بداية التصحيح والعودة إلى المسار الصحيح في البناء
،
ويؤخذ هذا المعنى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من اعتذار عداس
بتقبيله لرأس ويد وقدم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكأن
عداس بصنيعه هذا يعتذر عما بَدَرَ وَحَدَثَ من أهل الطائف مع رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان هذا الاعتذار ليس كافياً لسيد
البشر محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقد كان آدم - عليه السلام
- في السماء الأولى لكي يكون أول المستقبلين له والمرحبين له ودلالة ذلك :
أنه ما كان يليق أن يعتذر لسيد البشر من صنيع بعض البشر إلا أبو البشر ،
وعلى قدر أهل الكرم تؤتى المكارم .
14- البناء يقضي تنحي غير القادرين على تحمل بناء الأمة :
فقد يوكل الأمر إلى شخص ويحمل أمانات الناس ولكنه لا يستطيع أن يتحمل
أمانة المسئولية ، وهنا : يُوجب فقهُ البناءِ الصحيح : أن يترك مكانه لشخص
آخر يستطيع أن يحمل على كاهلة الميساهمة في بناء الأمة ، ويؤخذ هذا المعنى
من ذاك المشهد الذي شاهده الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
رحلته ..
يقول الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد
: " وأتى – يقصد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قوم قد جمع
الرجل منهم حزمةً عظيمةً لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا
يا جبريل ؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على
أدائها، ويريد أن يتحمل عليها.
15- إن البناء يحتاج إلى السلام :
من المعلوم أن التناحر الاجتماعي والانفلات الأمني بعد ثورة يناير معوق من
معوقات البناء ، لأن البناء يكون مع الأمن والسلام ، فيجب أن نعمل أن تكون
بلدنا بعيدةً عن الدمار والحروب والخراب الذي يحاول البعض أن يجعله في
بلدنا بدعوى الطائفية أو أي عوامل أخرى ، من هنا نقول : إن البناء يحتاج
إلى السلام .
وهذا المعنى يؤخذ من وصف البراق فهو دون البغل وأكبر من
الحمار ولم يكن في طول الخيل لماذا ؟ لأن الخيل ترموز إلى عدة الحرب يقول
تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ..." ،
فكان بتلك الصورة وهي صورة دواب السلم التي لا تقوى على الكر والفر في
الحروب وإنما هي دواب لحمل خامات البناء وأمتعة الإنسان .
16- كما أن البناء يحتاج إلى الوسطية في تبليغ ميراث وحمل النبوة :
ويؤخذ هذا المعنى من كون البراق يتوسط في ارتفاعه الحمار والبغل ، وإذا
كان هذا البراق يحمل خير رسل الله على ظهره فيلمح أن حامل النبوة لابد أن
يكون وسطياً لا إفراط ولا تفريط ... فمن يحملون أسفار النبوة لابد أن
يكونوا وسطاً كما كان البراق حامل النبوة الحقيقية وسطاً .
17- الاهتمام بالأساس والبعد عن الزينة الدنيا :
يجب أن نتعلم أن فقه البناء يقتضي الاهتمام بأصول الأشياء وترك هوامشها
فأخذ الزينة لبدن مريض عجوز لا يجدي ، فلابد من علاج المرض والدفع بالشباب
والحيوية حتى يقوى على الاستمرار .
فالرسول رأى الدنيا المرأة العجوز
كما رآها حاسرة ذراعيها ، فنأخذ من هذا الأمر أن نترك عند بناء أمتنا
الزينة والزخارف ، ونهتم بالقواعد والأركان الحاملة ، وندرك قيمة الشباب في
البناء لأن الكبر والشيخوخة لا تبني بناءاً حتى ولو تزينت في الأعين ن
وكأننا نؤصل للبناء ، نعم بخبرة الشيوخ ولكن هل يبني غير سواعد الشباب؟
يقول الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد :
وبينما هو يسير ، إذا بامرأة حاسرة عن ذراعها وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى.
فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، فقال: ما هذه يا جبريل ؟
قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.
وسار فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلم
يلتفت إليها، فقال: من هذه يا جبريل ؟ قال: إنه لم يبق من الدنيا إلا ما
بقي من عمر هذه العجوز.
18- عدم الخوف على الإسلام في بلدنا ولكن عليكم بالبناء السليم :
هناك أصوات ترتفع من البعض تخوف من الإسلام أو تتخوف على الإسلام في بلدنا من
بعض الأفكار الواردة من الخارج ويتبناها البعض ، ويؤخذ معنى أن الإسلام في
بلدنا كشريان الحياة لشعبها من الإسراء والمعراج من خلال الملامح الآتية :
- أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاهد نهرين ظاهرين ،
ونهرين باطنين ، ينبعان من سدرة المنتهى ، أما النهران الظاهران فهما النيل
والفرات ، وذكر العلماء أن دلالة ذلك أن أرض تلك النهرين أرض خصبة للإسلام
والمسلمين وسوف يستوطن الإسلام أوديتها .
- أن الرسول حَلَّ في أرض
مصر في رحلة الإسراء ونزل إلى منطقة الطور ، وعليه : فإن البلاد التي
وطئتها قدم الرسول محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن تكون لغير
أمته حتى لو احتلها أعداؤنا لبعض الوقت ، وهذا ما حدث عندما احتلت سيناء في
عام 1967م فعادت إلى مصر عام 1973 ، وهذه الفترة أصغر مدة لاحتلال اسرائيل
لأي بقعة من احتلالاتها .
- كما أنك تعجب من الأنبياء الذين كانوا في
استقبال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السموات فأغلبهم قد
بوركت أرض مصر بهم ، بل بعضهم عاش جُل حياته على أرضها : ( موسى ، عيسى ،
يوسف ، هارون ، وإدريس ، وقيل : إن ابراهيم دخل مصر ) وهذه إشارة إلى أن
أرض الأنبياء حاملي رسالة التوحيد لا خوف عليها من أدعياء الزور والباطل .
- بل إن ما يجعلني مؤمناً بحفظ الإسلام لهذه البلاد أن الله اصطفاها بأول
رسول بعثه للبشرية لنشر رسالة التوحيد وهو "إدريس عليه السلام " ، بل إن
أول بشر اهتدى إلى فكرة التوحيد البعيد عن ضابط الوحي ورسل السلام كان
اخناتون الملك المصري الشهير.
19- الأخذ بالأسباب في فقه البناء :
البناء لا يتأتى بالركون والاستكانة والخمول والتواكل ، وإنما يأتي بالتوكل والأخذ بالأسباب .
أما قضية التوكل فيلمح من الإسراء والمعراج في ربط الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للبراق في حلقة بحائط المبارك ولم يتركه وإنما فعل
كما قال للأعرابي : " اعقلها وتوكل " .
قال الإمام النووي : وفي ربط
البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في
التوكل إذا كان الاعتماد على الله سبحانه وتعالى.
أما قضية الأخذ
بالأسباب فتلمح باتخاذ الله للبراق سبباً لتنقل الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رحلة الإسراء والمعراج رغم أن الله قادر أن يرفعه
إليه في لمح البصر وهو القادر وفعلها سابقا مع عيسى كما أنه جعل عبداً من
عبيده يأتي لسليمان بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في لمح البصر ، حيث طوى
له الزمان والمكان ، فإذا كان هذا فعل العبد الضعيف المخلوق الفقير الصنعة
، فما بالكم بالسيد العظيم الخالق الكبير القوي المتين الصانع العليم ...
؟! فالعبرة هي الأخذ بالأسباب ، فعلى الرغم من أن وصف البراق بأن خطوته كمد
بصره إلا أنها مهما اتسعت فلابد أن تبدء في نقطة وتنتهي في نقطة أي أنها
حُكِمَتْ بالمكانية فقد أخذ بالسبب فلابد أن نبني بلدنا بالسعي والعمل
والأخذ بالأسباب ، ونحن على يقين بأن مُسبب الأسباب لن يخذلنا .
20- البناء يقضي الحوار :
فقه البناء يقضي الحوار والاستماع قبل اتخاذ أي قرار ، وكما يقول أهل
الفضل قدموا الحوار على القرار ، فالمستأنس بالحوار قد يصل بك من خلال
المحاورة والسؤال والرد إلى نتائج عظيمة ... ويؤخذ هذا المعنى من سؤال عداس
للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أي البلاد أنت ؟ فلم يجبه
مباشرة وإنما قَابَلَ السؤال بحوار شامل فسأله الرسول - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أي البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : نصراني
وأنا رجل من نينوى ، فقال رسول الله من رية الرجل الصالح يونس بن متى؟ ،
فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله ذاك أخي كان
نبياً وأنا نبي ! فأكب عداس على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقبل رأسه ويديه وقدميه .
الشاهد : انظر كيف وصل النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحوار أن أخرجة من الظلام إلى النور
ومن الضلال إلى الهداية ومن الباطل إلى الحق فيا ليتنا نعلم أننا في بلدنا
نريد حواراً يخرجنا من المحنة إلى المنحة ومن التخبط إلى الرشد والفلاح .
21- فقه الاستحياء وعدم الإكثارمن الطلب :
لقد شاهدنا في بلدنا أصحاب المطالب يتسبثون بماطلبهم وإذا تحقق شيئ يزيدون
في الطلب ، بل وبعضهم يقطع الطرق والسكك الحديدية والكل يعلم أن الوضع
المالي والاقتصادي للبلاد يقتضي الإنتاج لا الإضراب ، فنتعلم من رحلة
الإسراء والمعراج فقه الطلب مع الأدب ، وفقه التفاوض ، ثم الحياء من كثرة
الطلب ، وهذا يؤخذ من رحلة المعراج ، يقول الصالحي : فقال: " ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك "، قال له : قد راجعت ربي حتى استحييت
منه ولكن أرضى وأسلم ". فناداه مناد أن " قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
". فقال له موسى: " اهبط بسم الله ".
22- فقه البناء يقضي الجرأة المحسوبة :
لابد من الخروج من إطار الصندوق الضيق في البناء ، لابد من المخاطرة ،
مخاطرة محسوبة العواقب ، جرأة في اتخاذ القرار لكنها جرأة محسوبة ، ويؤخذ
هذا المعنى من خروج الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الطائف
وهو يعلم أنه قد يمنع من دخولها وأنه قد يتخلى عنه البعض ولا يساعده في
الرجوع ودخول مكة ، ومع ذلك خاطر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخرج
في جرأة إلى الطائف .
23- فقه البناء يقضي القرب من الله وطلب الحول والقوة منه للإعانة على البناء:
نحتاج ونحن نبني بلدنا أن نمد لقوة قاهرة تقوينا على البناء وتعطينا الشدة
على صروف الحياة وأنصار الهدم ، وهل هنا قدرة وحول أفضل من حوله وقوته
تعالى ؟! فيجب أن نُكثر من القرب منه ومن طلب الحول والقوة منه وحده ،
يؤخذ هذا المعنى من هذا المشهد الذي وقع في رحلة العروج " ... فإذا النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإبراهيم رجل أشمط، جالس عند باب
الجنة، على كرسي مسندا ظهره إلى البيت المعمور، ومعه نفر من قومه، فسلم
عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فرد عليه السلام، فقال:
مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، وقال: مُرْ أمتَك فليكثروا من غراس
الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة ، فقال له: وما غراس الجنة ؟ قال: (لا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وفي رواية: (أقرئ على أمتك مني
السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)."
24- لابد أن ننظر إلى الدول أصحاب التجارب المشابهة :
يؤخذ هذا المعنى من الزيارات الميدانية الحية التي قام بها الرسول عليه السلام في الإسراء
والمعراج لمواضع أحداث الأنبياء السابقين حيث حل في الطور وطلع على فصل
هام في تجربة "موسى" عليه السلام كما حل في مدين – " تجربة شعيب "وبيت لحم
"تجربة عيسى" بل وحضر ملتقى عام مع الأنبياء السابقين فتعرف على التجربة
الجامعة بل وكانت له لقاءات ثنائية مع أغلب أولي العزم من الرسل – أصحاب
التجارب العظيمة - وعلى الخصوص موسى خلال عروجه .
وهذا ما يجب أن نسلكه
في بناء بلدنا نطلع على التجارب الحية للآخرين بالزيارات الميدانية وعقد
مؤتمرات لنقل الخبرات ولا ضير من عقد اتفاقيات ولقاءات ثنائية تعود على
البلاد بالخير .
25- تأصيل كلمة الحق في بناء المجتمع :
لابد أن تكفل الكلمة - خاصة كلمة الحق التي قد تصرخ بكلمة " لا" لا في وجة
الحاكم وفي قصره كلمة "لا" لبست معارضة من أجل المعارضة وإنما "لا" من أجل
البناء وعدم التراجع ومن باب الحب والنصح ، ولا يعاقب صاحب الكلمة الحق
وإن ظُلم يجب على الأمه أن تعيد له قدره .
يؤخذ هذا المعنى من مرور الرسول على قبر ماشطة ابنة فرعون .. والتي قالتها مدوية " لا ربي ورب أباك الله " والقصة معروفة
26- البناء يقضي بناء القيم :
البناء يقضي بناء القيم فمصر تحتاج الى ثورة قيمية - تقتلع الفساد من
الجذور - تبني المبادئ وتؤصل الحلال والعفة وحمل الأمانة بصدق ومسئولية
الكلمة وحفظ الأنساب والأعراض وقيمة الزرع والحرث .... وبالرجوع إلى
مشاهدات الرسول فى رحلة الإسراء والمعراج سوف تجد دليلا على كل قيمة من
القيم السابقة ولولا ضيق الوقت لأتيت بها .
خاتمة وبشرى :
أختم كلامي ببشرى فكما أشرنا في بداية المحاضرة الي المقارنة بين الوضع في
مصر قبل ثورة يناير ومكة قبل الإسراء ووصلنا الي نتيجة مفادها اليأس وسوء
الوضع والحاجة الى قدرة ..فإنه بالنظر إلى الوضع بعد رحلة الإسراء فسوف يجد
أن الوضع للمسلمين قد تغير فما هي إلا سنوات قلائل وقد أسسوا دولة عظيمة
في المدينة المنورة ودخلوا مكة بعد أن غادروها وأنا أبشر أن الوضع في مصر
بعد الثورة بمشيئة الله سوف يكون كذلك ، حيث تنشأ دولة قوية عزيزة ويعود
إليها من هاجر من أبنائها ، فكما صدقت المقارنة في البداية فأرجوا أن تثبت
النتيجة في النهاية
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .....
مواضيع مماثلة
» الاسرء والمعراج
» الاسرء والمعراج فرج بعد كرب
» ]الإسراء والمعراج
» الإسراء والمعراج سنة 621 م
» الاسراء والمعراج
» الاسرء والمعراج فرج بعد كرب
» ]الإسراء والمعراج
» الإسراء والمعراج سنة 621 م
» الاسراء والمعراج
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin