لغسيل الكلوي وأثره على الوضوء

من طرف **Admin** الخميس 11 أبريل 2013, 2:54 pm

الغسيل الكلوي وأثره على الوضوء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن مما يكثر السؤال عنه مسألة الغسيل الكلوي، وأثره على الوضوء، ولمعرفة حكم هذه المسألة، لابد من بيان حقيقة الغسيل من الناحية الطبية التطبيقية، فأقول بادئ ذي بدء:
ينقسم الغسيل الكلوي إلى قسمين:
القسم الأول: الغسيل الدموي:
وهو الذي يكثر في وقتنا الحاضر، وفيه يقوم المعالِج بسحب دم المريض عن
طريق إبرة توضع في أحد الأوردة، ثم بعد ذلك يمرُّ هذا الدم من الجهاز الذي
يقوم بعمل الكلية الطبيعية، فيقوم بتنظيف الدم من السموم والفضلات السائلة،
والأملاح الزائدة، ويضاف إلى هذا الجهاز أثناء عمله شيء من الأدوية
والعلاجات والأغذية التي يحتاجها المريض، ويكون هذا العمل ثلاث مرات أو
أربع مرات في الأسبوع، وتقدر كل جلسة بما يقرب من ثلاث أو أربع ساعات على
حسب حاجة المريض، ثم بعد ذلك يعاد هذا الدم إلى البدن مرة أخرى بعد تنقيته.
القسم الثاني: الغسيل البروتيني:
وهو عبارة عن أنبوب يوضع في جوف المريض، بين السُّرَّة والعانة، ويعطى
المريض بعض السوائل والأدوية الخاصة التي تساعد الجسم على التخلص من السموم
والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، ثم بعد ذلك تجتمع هذه السموم والفضلات
السائلة والأملاح الزائدة في هذا الأنبوب، ما يقرب من ثماني ساعات، ثم بعد
اجتماعها يقوم المريض بتفريغ هذا الأنبوب في كيس خارجي، ثم بعد ذلك يبعث
بهذا الكيس ويؤتى بكيس آخر .. إلخ، وهذه الطريقة يستعملها المريض قرابة
ثلاث مرات يوميا على حسب حاجته.
وقد ذكر البعض أن هذا النوع من الغسيل البروتوني في الغالب يغني عن التبول الطبيعي.
ولمعرفة حكم هذه المسألة لابد من تخريج هذين القسمين على أشبه أصلين بهما في الفقه الإسلامي:
أما النوع الأول ، وهو الغسيل الدموي، فهذه المسألة تخرج على الخلاف
الواقع في نقض الوضوء بخروج الدم، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على
ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن خروج الدم لا ينقض الوضوء سواء كان خروجه
قليلاً أو كثيراً، وهو المشهور من مذهب المالكية والشافعية، واختاره شيخ
الإسلام.
القول الثاني: التفصيل، فإن كان خروج الدم كثيراً فإنه ينقض الوضوء، وإن كان يسيراً فإنه لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الحنابلة.
القول الثالث: التفريق بين ما إذا خرج وسال فينقض، أو خرج وتجمَّع فلا
ينقض، وهو المشهور من مذهب الحنفية. المبسوط 1 / 83 ، رد المحتار 1 / 91 -
94 ، شرح الزرقاني على خليل 1 / 92 ، والأم 1 / 14 .
فالأقوال على هذا
النحو، عدم نقض الوضوء بالدم مطلقا، كما هو مذهب المالكية والشافعية
واختيار شيخ الإسلام، أو التفريق بين الكثير والقليل كما هو مذهب الحنابلة،
أو التفريق بين ما إذا سال أو تجمع، كما هو مذهب الحنفية.
الترجيح:
الراجح عدم نقض الوضوء بخروج الدم مطلقا، وذلك لعدم قيام الدليل الصحيح
على أن الوضوء ينتقض بخروج الدم، وسواء في ذلك اليسير أو الكثير، فالأصل
براءة الذمة، وصحة العبادة، حتى يقوم الدليل على بطلانها، والمتقرر في
الشرع أن العبادات مبناها على التوقيف ، فما لم يقم الدليل من الكتاب أو
السنة على النقض، فالأصل بقاء الطهارة.
كما أن في شواهد السنة ما يدل على عدم بطلان الوضوء بخروج الدم.
فقد أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
في غزوة ذات الرقاع فرُمي رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد، ومضى في صلاته".

وقد ثبت في روايات صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الشِّعب
فقال: من يحرسنا الليلة؟ فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا
بِفَم الشِّعب، فاقتسما الليلة للحراسة، وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من
العدو فرمى الأنصاري بسهم فأصابه فنزعه، واستمر في صلاته، ثم رماه بثان،
فصنع كذلك، ثم رماه بثالث، فنزعه وركع وسجد، وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه،
فلما رأى ما به من الدماء قال له: لم لا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنت في
سورة فأحببت أن لا أقطعها.
قال النووي: وموضع الدلالة: أنه خرج منه
دماء كثيرة، واستمر في الصلاة، ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود
وإتمام الصلاة، وعلم النبي بذلك ولم ينكره.
وفي البخاري أن عمر صلى وجرحه يثعب دما.
أما حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته
وهو في ذلك لا يتكلم" رواه ابن ماجه والدارقطني.
فهذا حديث ضعيف كما قاله غير واحد، قال الحافظ : يروونه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وأما النوع الثاني من أنواع الغسيل، وهو الغسيل البروتيني، فإنه يخرَّج
فقها على مسألة ما إذا انسد المخرج الأصلي وفتح مخرج آخر غير معتاد، فهل
يأخذ حكم المخرج الأصلي وينتقض الوضوء بالخارج منه أم لا؟
هذه المسألة اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقوال:
القول الأول: إن كان الخارج دما، فهو يفرق بين الكثير والقليل كما تقدم،
أما إن كان الخارج بولا أو غائطا فهو ينقض بكل حال، قليله وكثيره، وهو
المشهور من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أنه إن كان الخارج من أسفل السرة، فهو ناقض مطلقا، وإن لا فلا ينقض، وهو المشهور من مذهب الشافعية.
القول الثالث: النقض بكل حال، وهو مذهب الحنفية.
القول الرابع: أنه لا ينتقض الوضوء إلا بالخارج المعتاد من المخرج
المعتاد، وهو المشهور من مذهب المالكية.حاشية ابن عابدين 1 / 93 ، 94 ،
الاختيار 1 / 10 ، ومراقي الفلاح 1 / 46 ، 49 ، جواهر الإكليل 1 / 19 ، 20 ،
والحطاب 1 / 290 – 293، ومغني المحتاج 1 / 32 - 33 ، والحطاب 1 / 293 .
وكشاف القناع 1 / 124 ، والمغني 1 / 185 .
وبناء عليه فالحنفية
والحنابلة على نقض الوضوء بالبول والغائط الخارج من غير المخرج المعتاد
مطلقا، وعند الشافعية ينتقض بخروجه من تحت السرة، وعند المالكية لا ينقض
إلا بخارج معتاد من مخرج معتاد.
الترجيح: الذي يترجح لي في هذه المسألة
أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء إلا إن كان بولا أو غائطا، كما
هو مذهب الحنفية والحنابلة، لعموم النصوص الواردة في نقض الوضوء بالبول
والغائط، أما ما سوى البول والغائط، فلا دليل على نقض الوضوء به، والأصل
بقاء الطهارة.
بناء على ما تقدم في شرح النازلة وتكييفها الفقهي، فإن غسيل الكلى يدور على أمرين:
الأول: النوع الأول، وهو الغسيل الدموي، وهو مبني على خروج الدم من البدن
ونقض الوضوء به، وقد تقرر أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينتقض به
الوضوء، وهو الذي سبق ترجيحه، وبناء عليه فلا يعد هذا النوع من الغسيل
ناقضا للوضوء.
الثاني: وهو الغسيل البروتيني، وهو يشبه خروج البول من
غير المخرج المعتاد، لأنه كما جاء في وصفه عبارة عن أنبوب يوضع في جوف بطن
المريض، وهذا الأنبوب يوضع بين السرة والعانة ، ويعطى المريض بعض السوائل
والأدوية الخاصة التي تساعد الجسم على التخلص من السموم والفضلات السائلة
والأملاح الزائدة ، ثم بعد ذلك هذه السموم والفضلات السائلة والأملاح
الزائدة تظل تجتمع في هذا الأنبوب ما يقرب من ثماني ساعات مع أن المريض
يباشر سائر أعماله الحياتية بطريقة معتادة ,ثم بعد اجتماعها يقوم المريض
بتفريغ هذا الأنبوب في كيس خارجي.
وهذا يشبه البول في الوظيفة تماما،
فيأخذ حكم البول الخارج من مخرج غير معتاد، وقد وقع الخلاف فيه كما تقدم،
وأن مذهب الحنفية والحنابلة نقض الوضوء بالبول والغائط الخارج من غير
المخرج المعتاد مطلقا، هو ما رجحته، فينتقض الوضوء بهذا النوع من الغسيل،
والله تعالى أعلم.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
					1	2
3	4	5	6	7	8	9
10	11	12	13	14	15	16
17	18	19	20	21	22	23
24	25	26	27	28	29	30