بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
فضائل الحج
صفحة 1 من اصل 1
فضائل الحج
التشويق للحج
الحمد لله الذي هيَّأ لأصحاب السعادة أسباب التوفيق ، ويسَّر لمن شاء من
عباده حج بيته العتيق ، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليه من الحُرِّ والرقيق
، فيأتونه {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ} ، وجعل بيته مثابةً للناس وأمناً لهم من عذاب الحريق ، وقرن وجوب
حجِّه باستطاعة السبيل وأمن الطريق . فأدنى بذلك كُلَّ بعيدٍ سحيق ، وأنجى
بإدراكه كثيراً ممن كان قبله في بحر هواه غريق . فسبحان من جعل حج بيته بين
العبد والنار حجاباً وجُنَّة ، ولم يجعل للحج المبرور جزاءً إلا الجنة .
أشهد ألا إله إلا هو ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً سيِّدُ الإنس
والجِنَّة ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جعلوا أنفسهم له وقايةً
كالمِجَنَّة[1] .
أيها المسلمون ها قد أظلَّنا موسم الحج العظيم ،
وامتلأت بالحجيج جنبات الحرمين ، وازدحمت الطائرات والحافلات والسُّفن حتى
عادت الموانئ والمعابر كالمضيق ، تصديقاً لدعوة إبراهيم ، واستجابة لأمر
الله تعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى
كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
فهنيئاً لهم
نعمةَ الله عليهم ، وأسأله تعالى ألا يحرمني وإياكم فضله ، فإن الله يُعطي
الدنيا لمن يُحب ولمن لا يُحب ، ولا يُعطي حب الطاعات ، والأُنس بها ،
والشوق إليها إلا من يُحب .
قال سري السقطي –رحمه الله- : خرجتُ
إلى الحج من طريق الكوفة ؛ فلقيتُ جاريةً حبشيةً تمشي ، فقلتُ : إلى أين يا
جارية ؟ . قالت : إلى مكة . فقلتُ لها : إن الطريق بعيد . فقالت : بعيدٌ
على الكسلان أو ذي مَلالةٍ وأما على المشتاق فهو قريبُ
هنيئاً لمن
كتبه الله مع الوفد المفلحين ؛ دعاهم فأجابوا ، وقرَّبهم ليُكرمهم ،
وأدخلهم في عملٍ هو عنده من أحب الأعمال ليُحسن عقباهم في الحال والمآل .
أحبتي إن أداء الحج لله قربةٌ من أعظم القُرب تُكفَّر بها الذنوب ، وتجتمع
فيها أبواب الخير من تعظيم وقصدٍ وطواف ودعاء ، وذبح ورمي ، ومبيت ومسير ،
وتهليل وتلبية ، ولذا فإنه من أفضل الأعمال .
عن أبي حنيفة –رحمه الله- أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج ، فلما حج فضَّل الحج على العبادات كلِّها .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أفضل الأعمال الإيمان بالله
وحده ، ثم الجهاد ، ثم حجة مبرورة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس
إلى مغربها)) حم ، حب ، وصححه الألباني .
وعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من حج لله فلم يرفث
ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))
وهذه قصة عجيبة فيها
علامة من علامات نبوَّته صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول
الله كلمات أسأل عنهن . فقال صلى الله عليه وسلم : اجلس . وجاء رجل من ثقيف
فقال : يا رسول الله كلمات أسأل عنهن . فقال صلى الله عليه وسلم : سبقك
الأنصاري . فقال الأنصاري : إنه رجل غريب وإن للغريب حقا فابدأ به .
فَأَقَبَلَ على الثقفي فقال : إن شئتَ أنبأتُك عما كنتَ تسألني عنه ، وإن
شئت تسألني وأخبرك . فقال : يا رسول الله بل أجبني عما كنت أسألك . فأخبره
أنه جاء يسأل عن الصلاة والصوم ثم أجابه .
ثم أقبل على الأنصاري
فقال : إن شئت أخبرتك عما جئت تسألني ، وإن شئت تسألني وأخبرك . فقال : لا
يا نبي الله أخبرني بما جئت أسألك . قال : جئت تسألني عن الحاج ما له حين
يخرج من بيته ، وما له حين يقوم بعرفات ، وما له حين يرمي الجمار ، وما له
حين يحلق رأسه ، وما له حين يقضي آخر طواف بالبيت . فقال : يا نبي الله
والذي بعثك بالحق ما أخطأتَ مما كان في نفسي شيئا . قال : فإن له حين يخرج
من بيته أنّ راحلته لا تخطو خطوة إلا كتب الله بها حسنة أو حط عنه بها
خطيئة ، فإذا وقف بعرفات فإن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول :
انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد
قطر السماء ورمل عالج . وإذا رمى الجمار لا يدري أحدٌ ما له حتى يتوفاه
الله يوم القيامة ، وإذا قضى آخر طواف بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته
أمه)) رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له ، وحسنه الشيخ
الألباني .
وليس هذا الفضل أحبتي في الله لمن حج حج الفرضة فحسب ،
بل إنه من المشروع للمسلم ألا يهجر الحرم ، وأن يكون له عهدٌ بالبيت بالحج
والعمرة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة
بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه ابن ماجه من
حديث عمر رضي الله عنه ، وهذا لفظه ، ورواه النسائي عن ابن عباس ، ورواه حم
، ت ، ن من حديث ابن مسعود .
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((جاءني جبرائيل عليه السلام فقال :
مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج)) رواه ابن ماجه
وابن خزيمة في صحيحيهما والحاكم وصححه .
وقال تعالى :
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ{1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ{2} وَشَاهِدٍ
وَمَشْهُودٍ} ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ((اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ،
والشاهد يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا
يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شر إلا
أعاذه الله منه)) ت
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار
من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء))
رواه مسلم والنسائي وابن ماجه
عن الفضيل بن عياضٍ –رحمه الله-
أنه نظر إلى بكاء الناس بعرفة ، فقال : أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل ،
فسألوا دانِقاً ، أكان يرُدُّهُم ؟ . قيل : لا . فقال –رحمه الله- :
واللهِ ، للمغفرة عند الله –عز وجل- أهونُ من إجابة رجلٍ لهم بدانق !!
{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن
قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ، ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقد دعا إبراهيم أن تهوي أفئدة الناس إلى هذا البيت فقال : {فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنه : ولو
قال فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ؛ لحجته اليهود والنصارى .
ولذا
فما زال بيت الله في النفوس معظَّماً ، ولا زالت مواكب المشتاقين ،
والمعظمين على مر السنين تحُجُّه ، وتتحرك وجداً وشوقاً إليه . قال تعالى :
{وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً} أي مرجعاً يثوبون إليه لحصول
منافعهم الدينية والدنيوية ، يترددون إليه لا يقضون منه الوَطَر .
يصف بعضهم رحلته إلى مكة فيقول : فلما قربنا من التنعيم ولاحت لنا المساجد
التي هنالك ، وهي التي تنسبها الناس اليوم لعائشة أم المؤمنين –رضي الله
عنها- صرخ الناس بالتلبية والدعاء ، وارتفعت الأصوات بالتضرُّع والبكاء ،
وعاينَّا من الخشوع والخضوع ما كاد يُذيب قلوبَنا ، ويُذهب عقولنا وألبابنا
. وكان معنا في القافلة شخص فاضلٌ من أهل الخير والسَّمت الحسن ، يقول :
فلما قرُبنا من التنعيم أخذه حال وخشوع ، وعلته رقةٌ وخضوع ، وبكى وأبكى
حتى سرى حالُه للحاضرين ، وزادهم في شوقهم وقلقهم لرؤية البيت الشريف .
وتذكروا ما كان قاله بعض الصالحين لما وصل إلى مكة شرفها الله ، فجعل يقول :
أبطحاءَ مكة هذا الذي أَراهُ عِياناً ، وهذا أنا
ويقول ابن جبير في رحلته : ودخلنا مكة –حرسها الله- في الساعة الأولى من
يوم كذا وكذا والأصوات تصُكُّ الآذان بالتلبية من كل مكان ، والألسنةُ
تضِجُّ بالدعاء ، وتبتهلُ إلى الله بالثناء ، فتارةً تشتد بالتلبية ،
وآونةً تتضرع بالأدعية . فيا لها من ليلة كأنها في الحُسن بيضة العُقر ،
فهي عروسُ ليالي العُمر ، وبكر بنيات الدَّهر . إلى أن وصلنا في الساعة
المذكورة حرمَ الله العظيم ، ومبوَّأ الخليل إبراهيم فألفينا الكعبة الحرام
عروساً مجلُوَّةً ، وبوفود الرحمن محفوفة … حتى قال : ولمعاينته -أي
المسجد- ومعاينة البيت الكريم هَولٌ يشعر النفوس بالذهول ، ويُطيش الأفئدةَ
والعقول ، فلا تُبصِرُ إلا لحظاتٍ خاشعة ، وعبرات هامعة ، ومدامعَ باكية ،
وألسنةً إلى الله عز وجل ضارعةً داعية . اهـ
هذه دارهم وأنت مُحبٌ ما بقاء الدموع في الآماقِ؟
كان السلف الصالح يستكثرون من الحج والاعتمار ، فهذا عمر رضي الله عنه حج
بالمسلمين مدة خلافته كلِّها حتى مات إلا مرة واحدة ، وكان ابُن عمر لا
يفوته الحج في كل عام ، وكان كثير العُمَر ، قال نافعٌ مولاه : سافرتُ مع
ابن عمر بضعاً وثلاثين حجةً وعمرة ، وقال سعيد بن المسيب حججت أربعين حجة ،
وأمَّ البيتَ عمرو بن ميمون ستين مرة ما بين حجة وعمرة يأتي إليه من
الكوفة . وكذا سافر الأسود بن يزيد النخعي من الكوفة للحج والعمرة ثمانين
مرة . وقال سفيان بن عيينة : شهدتُ ثمانين موقفاً . وعن مكي بن إبراهيم قال
: قطعتُ البادية من بلخ خمسين مرة حاجاً ، ودفعتُ في كراء بيوت مكة ألف
دينار ومئتي دينار ونيفاً .
وعن الحسن بن عمران بن عيينة بن أبي
عمران ابن أخي سفيان بن عيينة قال: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع
وتسعين ومائة، فلما كنا بجَمْع وصلى ، استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت
هذا الموضع سبعين عاما أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا
المكان ، وإني قد استحييت الله من كثرة ما أسأله ذلك. فرجع فتوفي في السنة
الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، ودفن بالحجون.
وكان ثقة ثبتا كثير الحديث حجة. وتوفي وهو بن إحدى وتسعين سنة رحمه الله .
فأين أنت يا عبد الله من ذلك ، وقد أنعم الله عليك ، ويسَّر لك السبيل ،
ووطأ لك الحال ، وهوَّن عليك نصب الحج ، أما تعلم أنه قد صح عن نبينا صلى
الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه
في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم )) رواه ابن حبان في
صحيحه والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري ، وهو حديثٌ صحيح . فكم فينا من
محروم ؟
اللهم لا تجعل فينا شقياً ولا محروماً .
يقول ابن القيم رحمه الله :
أما والذي حج المحبون بيته فلبوا له عند المُهَلِّ ةأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعاً لعزة من تعنو الوجوه وتُسلمُ
يُهِلُّون بالبيداء لبَّيك ربَّنا لك المُلكُ والحمدُ الذي أنت تعلَمُ
دعاهم فلبَّوه رضاً ومحبةً فلمَّا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شُعثاً رؤوسهم وغُبراً وهم فيها أسرُّ وأنعَمُ
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبةً ولم يُثنهم لذَّاتُهم والتنَعُّمُ
يسيرون من أقطارها وفجاجها رجالا وركبانا ولله أسلموا
ولما رأت أبصارُهُم بيتَه الذي قلوبُ الورى شوقاً إليه تضرَّمُ
كأنهمُ لم ينصَبوا قطُّ قبلَه لأن شقاهم قد ترحَّل عنهم
فلله كم من عبرةٍ مُهراقةٍ وأُخرى على آثارها لا تَقَدَّمُ
وقد شَرِقَت عينُ المُحبِّ بدمعها فينظُرُ من بين الدموع ويُسجِمُ
حتى قال :
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمةً ومغفرةً ممن يجودُ ويُكرمُ
فلله ذاك الموقف الأعظمُ الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكَه فهو أكرمُ
يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بَرٌّ أجودُ وأرحمُ
فأُشهدُكُم أني غفرتُ ذنوبهم وأعطيتُهُم ما أمَّلوه وأُنعِمُ
فبُشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم
وراحوا إلى جمْعٍ فباتوا بمشعرِ الـ حرام وصلوا الفجر ثم تقدموا
إلى الجمرة الكُبرى يريدون رميها لوقت صلاة العيد ، ثم تيَمَّموا
منازلَهم للنحر يبغون فضله وإحياءَ نُسْكٍ من أبيهم يُعظَّمُ
فلو كان يُرضي اللهَ نحرُ نفوسهم لدانوا به طوعاً وللأمر سلَّموا
ولكنَّهم دانوا بوضع رؤوسهم وذلك ذلٌ للعبيد وميسِمُ
ولمَّا تقضَّوا ذلك التَّفث الذي عليهم وأوفوا نذرهم ثم تمموا
دعاهم إلى البيت العتيق زيارةً فيا مرحباً بالزائرين وأكرَمُ
فلله ما أبهى زيارتهم له وقد حُصِّلت تلك الجوائز تُقسَمُ
ولله أفضالٌ هناك ونعمةٌ وبرٌ وإحسانٌ وجودٌ ومرحَمُ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام
يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم
لم يرجع من ذلك بشيء
رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه والطبراني في الكبير بإسناد
جيد ولفظه قال ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من
أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير
وفي رواية للبيهقي قال ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى
قيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج
بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء فقال فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام
العشر اجتهد
واعلموا أن من نوى منكم الأضحية أنه إذا دخلت عليه
العشر لم يجز له أن يأخذ من شعره ولا ظفره شيئاً ، وهذا الحكم مختص بمن
يضحي ، ولا يشمل أهل بيته فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن
قام بألف آية كتب من المقنطرين . رواه أبو داود
الحمد لله الذي هيَّأ لأصحاب السعادة أسباب التوفيق ، ويسَّر لمن شاء من
عباده حج بيته العتيق ، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليه من الحُرِّ والرقيق
، فيأتونه {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ} ، وجعل بيته مثابةً للناس وأمناً لهم من عذاب الحريق ، وقرن وجوب
حجِّه باستطاعة السبيل وأمن الطريق . فأدنى بذلك كُلَّ بعيدٍ سحيق ، وأنجى
بإدراكه كثيراً ممن كان قبله في بحر هواه غريق . فسبحان من جعل حج بيته بين
العبد والنار حجاباً وجُنَّة ، ولم يجعل للحج المبرور جزاءً إلا الجنة .
أشهد ألا إله إلا هو ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً سيِّدُ الإنس
والجِنَّة ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جعلوا أنفسهم له وقايةً
كالمِجَنَّة[1] .
أيها المسلمون ها قد أظلَّنا موسم الحج العظيم ،
وامتلأت بالحجيج جنبات الحرمين ، وازدحمت الطائرات والحافلات والسُّفن حتى
عادت الموانئ والمعابر كالمضيق ، تصديقاً لدعوة إبراهيم ، واستجابة لأمر
الله تعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى
كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
فهنيئاً لهم
نعمةَ الله عليهم ، وأسأله تعالى ألا يحرمني وإياكم فضله ، فإن الله يُعطي
الدنيا لمن يُحب ولمن لا يُحب ، ولا يُعطي حب الطاعات ، والأُنس بها ،
والشوق إليها إلا من يُحب .
قال سري السقطي –رحمه الله- : خرجتُ
إلى الحج من طريق الكوفة ؛ فلقيتُ جاريةً حبشيةً تمشي ، فقلتُ : إلى أين يا
جارية ؟ . قالت : إلى مكة . فقلتُ لها : إن الطريق بعيد . فقالت : بعيدٌ
على الكسلان أو ذي مَلالةٍ وأما على المشتاق فهو قريبُ
هنيئاً لمن
كتبه الله مع الوفد المفلحين ؛ دعاهم فأجابوا ، وقرَّبهم ليُكرمهم ،
وأدخلهم في عملٍ هو عنده من أحب الأعمال ليُحسن عقباهم في الحال والمآل .
أحبتي إن أداء الحج لله قربةٌ من أعظم القُرب تُكفَّر بها الذنوب ، وتجتمع
فيها أبواب الخير من تعظيم وقصدٍ وطواف ودعاء ، وذبح ورمي ، ومبيت ومسير ،
وتهليل وتلبية ، ولذا فإنه من أفضل الأعمال .
عن أبي حنيفة –رحمه الله- أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج ، فلما حج فضَّل الحج على العبادات كلِّها .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أفضل الأعمال الإيمان بالله
وحده ، ثم الجهاد ، ثم حجة مبرورة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس
إلى مغربها)) حم ، حب ، وصححه الألباني .
وعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من حج لله فلم يرفث
ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))
وهذه قصة عجيبة فيها
علامة من علامات نبوَّته صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول
الله كلمات أسأل عنهن . فقال صلى الله عليه وسلم : اجلس . وجاء رجل من ثقيف
فقال : يا رسول الله كلمات أسأل عنهن . فقال صلى الله عليه وسلم : سبقك
الأنصاري . فقال الأنصاري : إنه رجل غريب وإن للغريب حقا فابدأ به .
فَأَقَبَلَ على الثقفي فقال : إن شئتَ أنبأتُك عما كنتَ تسألني عنه ، وإن
شئت تسألني وأخبرك . فقال : يا رسول الله بل أجبني عما كنت أسألك . فأخبره
أنه جاء يسأل عن الصلاة والصوم ثم أجابه .
ثم أقبل على الأنصاري
فقال : إن شئت أخبرتك عما جئت تسألني ، وإن شئت تسألني وأخبرك . فقال : لا
يا نبي الله أخبرني بما جئت أسألك . قال : جئت تسألني عن الحاج ما له حين
يخرج من بيته ، وما له حين يقوم بعرفات ، وما له حين يرمي الجمار ، وما له
حين يحلق رأسه ، وما له حين يقضي آخر طواف بالبيت . فقال : يا نبي الله
والذي بعثك بالحق ما أخطأتَ مما كان في نفسي شيئا . قال : فإن له حين يخرج
من بيته أنّ راحلته لا تخطو خطوة إلا كتب الله بها حسنة أو حط عنه بها
خطيئة ، فإذا وقف بعرفات فإن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول :
انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد
قطر السماء ورمل عالج . وإذا رمى الجمار لا يدري أحدٌ ما له حتى يتوفاه
الله يوم القيامة ، وإذا قضى آخر طواف بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته
أمه)) رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له ، وحسنه الشيخ
الألباني .
وليس هذا الفضل أحبتي في الله لمن حج حج الفرضة فحسب ،
بل إنه من المشروع للمسلم ألا يهجر الحرم ، وأن يكون له عهدٌ بالبيت بالحج
والعمرة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة
بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه ابن ماجه من
حديث عمر رضي الله عنه ، وهذا لفظه ، ورواه النسائي عن ابن عباس ، ورواه حم
، ت ، ن من حديث ابن مسعود .
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((جاءني جبرائيل عليه السلام فقال :
مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج)) رواه ابن ماجه
وابن خزيمة في صحيحيهما والحاكم وصححه .
وقال تعالى :
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ{1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ{2} وَشَاهِدٍ
وَمَشْهُودٍ} ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ((اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ،
والشاهد يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا
يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شر إلا
أعاذه الله منه)) ت
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار
من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء))
رواه مسلم والنسائي وابن ماجه
عن الفضيل بن عياضٍ –رحمه الله-
أنه نظر إلى بكاء الناس بعرفة ، فقال : أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل ،
فسألوا دانِقاً ، أكان يرُدُّهُم ؟ . قيل : لا . فقال –رحمه الله- :
واللهِ ، للمغفرة عند الله –عز وجل- أهونُ من إجابة رجلٍ لهم بدانق !!
{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن
قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ، ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقد دعا إبراهيم أن تهوي أفئدة الناس إلى هذا البيت فقال : {فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنه : ولو
قال فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ؛ لحجته اليهود والنصارى .
ولذا
فما زال بيت الله في النفوس معظَّماً ، ولا زالت مواكب المشتاقين ،
والمعظمين على مر السنين تحُجُّه ، وتتحرك وجداً وشوقاً إليه . قال تعالى :
{وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً} أي مرجعاً يثوبون إليه لحصول
منافعهم الدينية والدنيوية ، يترددون إليه لا يقضون منه الوَطَر .
يصف بعضهم رحلته إلى مكة فيقول : فلما قربنا من التنعيم ولاحت لنا المساجد
التي هنالك ، وهي التي تنسبها الناس اليوم لعائشة أم المؤمنين –رضي الله
عنها- صرخ الناس بالتلبية والدعاء ، وارتفعت الأصوات بالتضرُّع والبكاء ،
وعاينَّا من الخشوع والخضوع ما كاد يُذيب قلوبَنا ، ويُذهب عقولنا وألبابنا
. وكان معنا في القافلة شخص فاضلٌ من أهل الخير والسَّمت الحسن ، يقول :
فلما قرُبنا من التنعيم أخذه حال وخشوع ، وعلته رقةٌ وخضوع ، وبكى وأبكى
حتى سرى حالُه للحاضرين ، وزادهم في شوقهم وقلقهم لرؤية البيت الشريف .
وتذكروا ما كان قاله بعض الصالحين لما وصل إلى مكة شرفها الله ، فجعل يقول :
أبطحاءَ مكة هذا الذي أَراهُ عِياناً ، وهذا أنا
ويقول ابن جبير في رحلته : ودخلنا مكة –حرسها الله- في الساعة الأولى من
يوم كذا وكذا والأصوات تصُكُّ الآذان بالتلبية من كل مكان ، والألسنةُ
تضِجُّ بالدعاء ، وتبتهلُ إلى الله بالثناء ، فتارةً تشتد بالتلبية ،
وآونةً تتضرع بالأدعية . فيا لها من ليلة كأنها في الحُسن بيضة العُقر ،
فهي عروسُ ليالي العُمر ، وبكر بنيات الدَّهر . إلى أن وصلنا في الساعة
المذكورة حرمَ الله العظيم ، ومبوَّأ الخليل إبراهيم فألفينا الكعبة الحرام
عروساً مجلُوَّةً ، وبوفود الرحمن محفوفة … حتى قال : ولمعاينته -أي
المسجد- ومعاينة البيت الكريم هَولٌ يشعر النفوس بالذهول ، ويُطيش الأفئدةَ
والعقول ، فلا تُبصِرُ إلا لحظاتٍ خاشعة ، وعبرات هامعة ، ومدامعَ باكية ،
وألسنةً إلى الله عز وجل ضارعةً داعية . اهـ
هذه دارهم وأنت مُحبٌ ما بقاء الدموع في الآماقِ؟
كان السلف الصالح يستكثرون من الحج والاعتمار ، فهذا عمر رضي الله عنه حج
بالمسلمين مدة خلافته كلِّها حتى مات إلا مرة واحدة ، وكان ابُن عمر لا
يفوته الحج في كل عام ، وكان كثير العُمَر ، قال نافعٌ مولاه : سافرتُ مع
ابن عمر بضعاً وثلاثين حجةً وعمرة ، وقال سعيد بن المسيب حججت أربعين حجة ،
وأمَّ البيتَ عمرو بن ميمون ستين مرة ما بين حجة وعمرة يأتي إليه من
الكوفة . وكذا سافر الأسود بن يزيد النخعي من الكوفة للحج والعمرة ثمانين
مرة . وقال سفيان بن عيينة : شهدتُ ثمانين موقفاً . وعن مكي بن إبراهيم قال
: قطعتُ البادية من بلخ خمسين مرة حاجاً ، ودفعتُ في كراء بيوت مكة ألف
دينار ومئتي دينار ونيفاً .
وعن الحسن بن عمران بن عيينة بن أبي
عمران ابن أخي سفيان بن عيينة قال: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع
وتسعين ومائة، فلما كنا بجَمْع وصلى ، استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت
هذا الموضع سبعين عاما أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا
المكان ، وإني قد استحييت الله من كثرة ما أسأله ذلك. فرجع فتوفي في السنة
الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، ودفن بالحجون.
وكان ثقة ثبتا كثير الحديث حجة. وتوفي وهو بن إحدى وتسعين سنة رحمه الله .
فأين أنت يا عبد الله من ذلك ، وقد أنعم الله عليك ، ويسَّر لك السبيل ،
ووطأ لك الحال ، وهوَّن عليك نصب الحج ، أما تعلم أنه قد صح عن نبينا صلى
الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه
في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم )) رواه ابن حبان في
صحيحه والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري ، وهو حديثٌ صحيح . فكم فينا من
محروم ؟
اللهم لا تجعل فينا شقياً ولا محروماً .
يقول ابن القيم رحمه الله :
أما والذي حج المحبون بيته فلبوا له عند المُهَلِّ ةأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعاً لعزة من تعنو الوجوه وتُسلمُ
يُهِلُّون بالبيداء لبَّيك ربَّنا لك المُلكُ والحمدُ الذي أنت تعلَمُ
دعاهم فلبَّوه رضاً ومحبةً فلمَّا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شُعثاً رؤوسهم وغُبراً وهم فيها أسرُّ وأنعَمُ
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبةً ولم يُثنهم لذَّاتُهم والتنَعُّمُ
يسيرون من أقطارها وفجاجها رجالا وركبانا ولله أسلموا
ولما رأت أبصارُهُم بيتَه الذي قلوبُ الورى شوقاً إليه تضرَّمُ
كأنهمُ لم ينصَبوا قطُّ قبلَه لأن شقاهم قد ترحَّل عنهم
فلله كم من عبرةٍ مُهراقةٍ وأُخرى على آثارها لا تَقَدَّمُ
وقد شَرِقَت عينُ المُحبِّ بدمعها فينظُرُ من بين الدموع ويُسجِمُ
حتى قال :
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمةً ومغفرةً ممن يجودُ ويُكرمُ
فلله ذاك الموقف الأعظمُ الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكَه فهو أكرمُ
يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بَرٌّ أجودُ وأرحمُ
فأُشهدُكُم أني غفرتُ ذنوبهم وأعطيتُهُم ما أمَّلوه وأُنعِمُ
فبُشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم
وراحوا إلى جمْعٍ فباتوا بمشعرِ الـ حرام وصلوا الفجر ثم تقدموا
إلى الجمرة الكُبرى يريدون رميها لوقت صلاة العيد ، ثم تيَمَّموا
منازلَهم للنحر يبغون فضله وإحياءَ نُسْكٍ من أبيهم يُعظَّمُ
فلو كان يُرضي اللهَ نحرُ نفوسهم لدانوا به طوعاً وللأمر سلَّموا
ولكنَّهم دانوا بوضع رؤوسهم وذلك ذلٌ للعبيد وميسِمُ
ولمَّا تقضَّوا ذلك التَّفث الذي عليهم وأوفوا نذرهم ثم تمموا
دعاهم إلى البيت العتيق زيارةً فيا مرحباً بالزائرين وأكرَمُ
فلله ما أبهى زيارتهم له وقد حُصِّلت تلك الجوائز تُقسَمُ
ولله أفضالٌ هناك ونعمةٌ وبرٌ وإحسانٌ وجودٌ ومرحَمُ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام
يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم
لم يرجع من ذلك بشيء
رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه والطبراني في الكبير بإسناد
جيد ولفظه قال ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من
أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير
وفي رواية للبيهقي قال ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى
قيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج
بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء فقال فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام
العشر اجتهد
واعلموا أن من نوى منكم الأضحية أنه إذا دخلت عليه
العشر لم يجز له أن يأخذ من شعره ولا ظفره شيئاً ، وهذا الحكم مختص بمن
يضحي ، ولا يشمل أهل بيته فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن
قام بألف آية كتب من المقنطرين . رواه أبو داود
مواضيع مماثلة
» فضائل الحج
» فضائل الحج والعمره
» الحج خامس أركان الإسلام. 2- أدلة وجوب الحج.
» ( واتموا الحج والعمرة لله ) ( من آداب الحج )
» فضائل شهر رجب
» فضائل الحج والعمره
» الحج خامس أركان الإسلام. 2- أدلة وجوب الحج.
» ( واتموا الحج والعمرة لله ) ( من آداب الحج )
» فضائل شهر رجب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin