بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
أهمية الإخلاص في الأعمال
صفحة 1 من اصل 1
أهمية الإخلاص في الأعمال
أهمية الإخلاص في الأعمال
الإخلاص أساس النجاح والظفر بالمطلوب في الدنيا والآخرة فهو للعمل بمنزلة الأساس للبنيان وبمنزلة الروح للجسد فكما أنه لا يستقر البناء ولا يتمكن من الانتفاع منه إلا بتقوية أساسه وتعاهده من أن يعتريه خلل، فكذلك العمل بدون الإخلاص.وكما أن حياة البدن بالروح، فحياة العمل وتحصيل ثمراته بمصاحبته وملازمته للإخلاص وقد أوضح الله ذلك في كتابه العزيز فقال: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [التوبة:109].
ولما كانت أعمال الكفار التي عملوها عارية من توحيد الله وإخلاص العمل له سبحانه جعل وجودها كعدمها فقال: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) [الفرقان:23]، والإخلاص أحد الركنين العظيمين اللذين انبنى عليهما دين الإسلام وهما إخلاص العمل لله وحده وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ )[الملك:2]، قال: ((أخلصه وأصوبه))، قيل: يا أبا عليّ ما أخلصه وأصوبه؟ قال: ((إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة)).
وقال شارح الطحاوية: ((توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل سبحانه، وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيوحده صلى الله عليه وسلم بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما يوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.
ومحل الإخلاص القلب، فهو حصنه الذي يقطن فيه فمتى كان صالحاً عامراً بسكناه وحده تبع ذلك صلاح الجوارح، ومتى كان خراباً سكن فيه الرياء وملاحظة الناس وكسب ودهم وتحصيل ثنائهم والطمع فيما عندهم ويتبع ذلك سعي الجوارح لتحصيل هذه الأغراض الدنية، وليس أدل على ذلك وأوضح بياناً من قوله صلى الله عليه وسلم : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وبين تبعية الجوارح لما يقوم بالقلب بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
والإخلاص مطلوب في الصلاة والزكاة والصوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كل ما شرعه الله من قول أو فعل، فيقوم الإنسان بتأدية ما شرع الله له والباعث له عليه امتثال أمر الله خوفاً من عقابه وطمعاً فيما لديه من الأجر والثواب.
والإخلاص مطلوب أيضاً فيما يلتزمه الإنسان من الأعمال فهو مطلوب من العامل ومن المستشار والمؤتمن والموظف ومن المعلم والمتعلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على طلب العلم مع الإخلاص فيه من النتائج الحميدة وما يترتب على فقدِ الإخلاص فيه من العواقب الوخيمة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار...)) الحديث.
ويروى أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه هذا الحديث بكى حتى أغمي عليه فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ) [هود:15].
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا وجهة الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله؛ فإنه يبقى ويذهب ما سواه )).
ولما كان الإخلاص بهذه المنزلة التي تقدم وصفها جاء الشرع المطهر في الحث عليه والترغيب فيه وبيان فضله في آيات كثيرة وأحاديث عديدة، نذكر بعضها على سبيل التمثيل فمن ذلك قوله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ-أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) [الزمر:2-3].
وقوله: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [البينة:5].
وقوله: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمً ) [النساء:146] الآية.
وقوله قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) [الأنعام:162-163].
وقوله: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) [الكهف:110]، وقوله: ( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) [الزمر:14].
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة تبوك: ((إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض))، وفي رواية: ((إلا شركوكم في الأجر)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك)) متفق عليه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)) رواه مسلم.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله...))، جواباً لمن سأل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يكتسبه الإنسان في الدنيا بسبب الإخلاص إلى جانب ما أعده الله له في الآخرة من المثوبة بما ذكره صلى الله عليه وسلم من قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار للمبيت فيه فانحدرت صخرة وسدت عليهم باب الغار ففرج الله عنهم ذلك بسبب إخلاصهم الأعمال الصالحة له سبحانه وتعالى.
وكما أن الإخلاص تصفية الشيء مما يشوبه فإذا لم تحصل تصفيته انتفى الإخلاص ، فإذا قام الإنسان بعمل محمود والباعث له عليه ابتغاء وجه الله سمي مخلصاً وسمي عمله إخلاصاً، فإذا فقد ذلك الباعث على العمل أو وجد ولكنه مشوب بباعث آخر كالرياء انتفت التسمية، فإخلاص العمل لله وحده ينافيه ويقابله أن يحل في القلب قصد المخلوقين التماساً لحمدهم وثنائهم وطمعاً فيما عندهم، ولما كان ذلك ينافي الإخلاص جاءت الشريعة الإسلامية بذم الرياء ومقت المرائين فقد قال سبحانه: ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ - وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) [الماعون :4-7].
وأخبر أن الرياء من صفات المنافقين فقال: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النساء:142].
وروى مسلم عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).
ومن ابتلاه الله بهذا الداء العضال فعليه أن يسعى في تحصيل الأدوية النافعة التي تستأصل وتقضي عليه، ومن أبرزها شيئان:
أحدهما: أن يزهد فيما ينتظر من الناس من الثناء والعطاء.
والثاني: أن يحمل نفسه على إخفاء الأعمال، وقد أوضح الأول منهما ابن القيم في الفوائد (ص:148) فقال: ((لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يسهل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتى العبد منها شيئاً سواه، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وذمي شين. فقال: ((ذلك الله عز وجل))، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ولا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه، ولن تقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) [الروم:60]، وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) [السجدة:24])) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى إخفاء العبادة ابتعاداً عن الرياء بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه...)).
فالحاصل أن العمل مذموم إذا كان الباعث عليه التماس حمد الناس وثنائهم والطمع فيما عندهم، أما إذا عمل الإنسان العمل خالصاً لله ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بسبب ذلك العمل فارتاح لذلك واستبشر به لم يضره ولم ينقص من أجره؛ بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.
جعلنا الله وإياكم من عباده المخلصين والحمد لله رب العالمين.
من كلام الشيخ العلامة عبدالمحسن العباد حفظه الله بقليل من التصرف
الإخلاص أساس النجاح والظفر بالمطلوب في الدنيا والآخرة فهو للعمل بمنزلة الأساس للبنيان وبمنزلة الروح للجسد فكما أنه لا يستقر البناء ولا يتمكن من الانتفاع منه إلا بتقوية أساسه وتعاهده من أن يعتريه خلل، فكذلك العمل بدون الإخلاص.وكما أن حياة البدن بالروح، فحياة العمل وتحصيل ثمراته بمصاحبته وملازمته للإخلاص وقد أوضح الله ذلك في كتابه العزيز فقال: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [التوبة:109].
ولما كانت أعمال الكفار التي عملوها عارية من توحيد الله وإخلاص العمل له سبحانه جعل وجودها كعدمها فقال: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) [الفرقان:23]، والإخلاص أحد الركنين العظيمين اللذين انبنى عليهما دين الإسلام وهما إخلاص العمل لله وحده وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ )[الملك:2]، قال: ((أخلصه وأصوبه))، قيل: يا أبا عليّ ما أخلصه وأصوبه؟ قال: ((إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة)).
وقال شارح الطحاوية: ((توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل سبحانه، وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيوحده صلى الله عليه وسلم بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما يوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.
ومحل الإخلاص القلب، فهو حصنه الذي يقطن فيه فمتى كان صالحاً عامراً بسكناه وحده تبع ذلك صلاح الجوارح، ومتى كان خراباً سكن فيه الرياء وملاحظة الناس وكسب ودهم وتحصيل ثنائهم والطمع فيما عندهم ويتبع ذلك سعي الجوارح لتحصيل هذه الأغراض الدنية، وليس أدل على ذلك وأوضح بياناً من قوله صلى الله عليه وسلم : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وبين تبعية الجوارح لما يقوم بالقلب بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
والإخلاص مطلوب في الصلاة والزكاة والصوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كل ما شرعه الله من قول أو فعل، فيقوم الإنسان بتأدية ما شرع الله له والباعث له عليه امتثال أمر الله خوفاً من عقابه وطمعاً فيما لديه من الأجر والثواب.
والإخلاص مطلوب أيضاً فيما يلتزمه الإنسان من الأعمال فهو مطلوب من العامل ومن المستشار والمؤتمن والموظف ومن المعلم والمتعلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على طلب العلم مع الإخلاص فيه من النتائج الحميدة وما يترتب على فقدِ الإخلاص فيه من العواقب الوخيمة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار...)) الحديث.
ويروى أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه هذا الحديث بكى حتى أغمي عليه فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ) [هود:15].
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا وجهة الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله؛ فإنه يبقى ويذهب ما سواه )).
ولما كان الإخلاص بهذه المنزلة التي تقدم وصفها جاء الشرع المطهر في الحث عليه والترغيب فيه وبيان فضله في آيات كثيرة وأحاديث عديدة، نذكر بعضها على سبيل التمثيل فمن ذلك قوله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ-أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) [الزمر:2-3].
وقوله: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [البينة:5].
وقوله: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمً ) [النساء:146] الآية.
وقوله قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) [الأنعام:162-163].
وقوله: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) [الكهف:110]، وقوله: ( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) [الزمر:14].
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة تبوك: ((إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض))، وفي رواية: ((إلا شركوكم في الأجر)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك)) متفق عليه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)) رواه مسلم.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله...))، جواباً لمن سأل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يكتسبه الإنسان في الدنيا بسبب الإخلاص إلى جانب ما أعده الله له في الآخرة من المثوبة بما ذكره صلى الله عليه وسلم من قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار للمبيت فيه فانحدرت صخرة وسدت عليهم باب الغار ففرج الله عنهم ذلك بسبب إخلاصهم الأعمال الصالحة له سبحانه وتعالى.
وكما أن الإخلاص تصفية الشيء مما يشوبه فإذا لم تحصل تصفيته انتفى الإخلاص ، فإذا قام الإنسان بعمل محمود والباعث له عليه ابتغاء وجه الله سمي مخلصاً وسمي عمله إخلاصاً، فإذا فقد ذلك الباعث على العمل أو وجد ولكنه مشوب بباعث آخر كالرياء انتفت التسمية، فإخلاص العمل لله وحده ينافيه ويقابله أن يحل في القلب قصد المخلوقين التماساً لحمدهم وثنائهم وطمعاً فيما عندهم، ولما كان ذلك ينافي الإخلاص جاءت الشريعة الإسلامية بذم الرياء ومقت المرائين فقد قال سبحانه: ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ - وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) [الماعون :4-7].
وأخبر أن الرياء من صفات المنافقين فقال: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النساء:142].
وروى مسلم عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).
ومن ابتلاه الله بهذا الداء العضال فعليه أن يسعى في تحصيل الأدوية النافعة التي تستأصل وتقضي عليه، ومن أبرزها شيئان:
أحدهما: أن يزهد فيما ينتظر من الناس من الثناء والعطاء.
والثاني: أن يحمل نفسه على إخفاء الأعمال، وقد أوضح الأول منهما ابن القيم في الفوائد (ص:148) فقال: ((لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يسهل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتى العبد منها شيئاً سواه، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وذمي شين. فقال: ((ذلك الله عز وجل))، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ولا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه، ولن تقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) [الروم:60]، وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) [السجدة:24])) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى إخفاء العبادة ابتعاداً عن الرياء بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه...)).
فالحاصل أن العمل مذموم إذا كان الباعث عليه التماس حمد الناس وثنائهم والطمع فيما عندهم، أما إذا عمل الإنسان العمل خالصاً لله ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بسبب ذلك العمل فارتاح لذلك واستبشر به لم يضره ولم ينقص من أجره؛ بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.
جعلنا الله وإياكم من عباده المخلصين والحمد لله رب العالمين.
من كلام الشيخ العلامة عبدالمحسن العباد حفظه الله بقليل من التصرف
مواضيع مماثلة
» الإخلاص روح الأعمال وسر قبولها عند الله تعالى
» الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :-
» تابع الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :
» تابع الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :
» ]منزلة الإخلاص
» الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :-
» تابع الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :
» تابع الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية :
» ]منزلة الإخلاص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin