بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 5 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 5 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
الأسماء والصفات نقلا وعقلا للشيخ / محمد الأمين الشنقيطي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الأسماء والصفات نقلا وعقلا للشيخ / محمد الأمين الشنقيطي
ص -8- الأسماء والصفات نقلاً وعقلاً
محاضرة لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي المدرس بكلية الشريعة
بالجامعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنا
نريد أن نوضح لكم معتقد السلف والطريق الذي هو المنجي نحو آيات الصفات:
أولاً: اعلموا أن كثرة الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وكثرة
الأسئلة في ذلك الموضوع من البدع التي يكرهها السلف، اعلموا أن مبحث
آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها
فقد وافق الصواب وكان على الإعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد
ضل وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها القرآن العظيم.
أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته
شيئاً من صفات المخلوقين وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، {فَلا
تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
الثاني من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف
الله أعلم بالله من الله {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}, والإيمان
بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يوصف الله بعد الله أعلم
بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فيلزم كل
مكلف أن يؤمن بما وصف
ص -9- الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وينزه ربه جل
وعلا عن أن تشبه صفته صفة الخلق وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة
الضلال لأن من تنطع بين يدي رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه
الجرأة العظيمة ونفى عن ربه وصفاً أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل
وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين
يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه
من النقص كذا وكذا فأنا أأوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي من غير
استناد إلى كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم ومن ظن أن صفة خالق
السموات والأرض تشبه شيئاً من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل ملحد ضال ومن
آمن بصفات ربه جل وعلا منزهاً ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن
منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل وهذا التحقيق هو مضمون: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فهذه الآية فيها
تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك
لأن الله قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} بعد قوله: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف
بهما جميع الحيوانات فكأن الله يشير للخلق ألاّ ينفوا عنه صفة سمعه
وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبّه بل عليهم أن يثبتوا
له صفة سمعه وبصره على أساس ليس كمثله شيء. فالله جل وعلا له صفات
لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق
ثابت لا شك فيه
إلاّ أن صفة رب السموات والأرض أعلا وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين،
فمن نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله
سبحانك هذا بهتان عظيم ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئاً من صفة الخلق فهذا
مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي
ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. ومن يسوي
ربّ العالمين بغيره فهو مجنون ، ثمّ اعلموا أن
ص -10- المتكلمين الذين خاضوا في الكلام وجاءوا بأدلة يسمونها أدلة
عقلية ركبوها في أقيسة منطقية قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام
قالوا هناك صفة نفسية وصفة معنى. وصفة معنوية وصفة فعلية وصفة سلبية
وصفة جامعة. أما الصفات الإضافية فقد جعلوها أموراً اعتبارية لا وجود
لها في الخارج وسببوا بذلك إشكالات عظيمة وضلالاً مبيناً، ثمّ إنا نبين
لكم على تقسيم المتكلمين ما جاء في القرآن العظيم من وصف الخالق جل
وعلا بتلك الصفات ووصف المخلوقين بتلك الصفات وبيان القرآن العظيم لأن
صفة خالق السموات والأرض حق وأن صفة المخلوقين حق وأنه لا مناسبة بين
صفة الخالق وبين صفة المخلوق فصفة الخالق لائقة بذاته وصفة المخلوق
مناسبة لعجزه وافتقاره وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما بين
الذات والذات أمّا هذا الكلام الذي يدرس في أقطار الدنيا اليوم في
المسلمين فإن أغلب الذين يدرسونه إنما يثبتون من الصفات التي يسمونها
صفات المعاني. سبع صفات فقط وتنكرون سواها من المعاني ويؤولونها، وصفة
المعنى عندهم في الإصطلاح ضابطها هي أنها ما دل على معنى وجودي قائم
بالذات، والذي اعترفوا به منها سبع صفات هي القدرة والإرادة والعلم
والحياة والسمع والبصر والكلام.
ونفوا غير هذه الصفات من صفات المعاني التي سنبينها ونبين أدلتها من
كتاب الله، وأنكر هذه المعاني السبع المعتزلة وأثبتوا أحكامها فقالوا:
هو قادر بذاته سميع بذاته عليم بذاته حي بذاته ولم يثبتوا قدرة ولا
علماً ولا حياة ولا سمعاً ولا بصراً فراراً منهم من تعدد القديم وهو
مذهب كل العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه وأنه إذا لم يقم بالذات علم
استحال أن تقول هي عالمة بلا علم وهو تناقض واضح بأوائل العقول فإذا
عرفتم هذا فسنتكلم على صفات المعاني التي أقروا بها فنقول:
1- وصفوا الله تعالى بالقدرة وأثبتوا له القدرة والله جل وعلا يقول في
كتابه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ونحن نقطع أنه
تعالى متصف بصفة القدرة على الوجه اللائق بكماله وجلاله . وكذلك وصف
ص -11- بعض المخلوقين بالقدرة قال: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فأسند القدرة لبعض الحوادث ونسبها
إليهم ونحن نعلم أن كل ما في القرآن حق وأن للمولى جل وعلا قدرة حقيقة
تليق بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين قدرة حقيقة مناسبة لحالهم وعجزهم
وفنائهم وافتقارهم. وبين قدرة الخالق والمخلوق من المنافاة والمخالفة
كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق وحسبك بونا بذلك.
2، 3- ووصف نفسه بالسمع والبصر في غير ما آية من كتابه قال: {إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر، قال: {إِنَّا
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ
يَأْتُونَنَا}. ونحن لا نشك أن ما في القرآن حق فلله جل وعلا سمع وبصر
حقيقيان لائقتان بجلاله وكماله. كما أن للمخلوق سمعاً وبصراً حقيقيين
مناسبين لحاله من فشقره وفنائه وعجزه وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر
المخلوق كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق.
4- ووصف نفسه بالحياة قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ}، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}، {هو
الحي لا إله إلاّ هو}. الآية. ووصف أيضاً بعض المخلوقين بالحياة قال:
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ}، {وَسَلامٌ عَلَيْهِ
يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً}، {يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَي}. ونحن
نقطع بأن لله جل وعلا صفة حياة حقيقية لائقة بكماله وجلاله. كما أن
للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وبين صفة
الخالق والمخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق. وذلك
بون شاسع بين الخالق وخلقه.
5- ووصف جل وعلا نفسه بالإرادة قال: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ},
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ}. وصف بعض المخلوقين بالإرادة قال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ
الدُّنْيَا}، {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}،
ص -12- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} ولا شك أن لله إرادة
حقيقية لائقة بكماله وجلاله كما أن للمخلوقين إرادة مناسبة لحالهم
وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين
ذات الخالق والمخلوق.
6- وصف نفسه جل وعلا بالعلم قال: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}،
{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ
بِعِلْمِه}، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا
غَائِبِينَ} ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ
عَلِيمٍ}، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه}. ولا شك أن
للخالق جل وعلا علماً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله محيطاً بكل شيء.
كما أن للمخلوقين علماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وبين
علم الخالق والمخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق
والمخلوق.
7-ووصف نفسه جل وعلا بالكلام. قال : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيماً}، {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه}. ووصف بعض
المخلوقين بالكلام قال: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ
لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}، {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِم} ولا شك أنّ
للخالق تعالى كلاماً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين
كلاماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وبين كلام الخالق
والمخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق.
هذه صفات المعاني سمعتم ما في القرآن من وصف الخالق بها ووصف المخلوق
ولا يخفى على عاقل أنّ صفات الخالق حق. وأنّ صفات الخالق لائقة بجلاله
وكماله، وصفات المخلوقين مناسبة لحالهم وبين الصفة والصفة كما بين
الذات والذات.
وسنبين مثل ذلك في الصفات التي يسمونها سلبية
وضابط الصفة السلبية عند المتكلمين. نقول: هذا قياس عدم محض، والمراد
بها أن تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنى
وجودي قائم بالذات والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا
سادس لها وهي عندهم القدم والبقاء والمخالفة للخلق والوحدانية والغنى
المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس الذي يعنون به الإستغناء عن المخصص
والمحل
ص -13- فإذا عرفتم هذا فاعلموا أن القدم والبقاء اللذين وصف المتكلمون
بهما الله جل وعلا زاعمين أنه وصف بهما نفسه في قوله هو الأول والآخر
قد وصف بهما المخلوق والقدم في الإصطلاح عندهم عبارة عن سلب العدم
السابق إلا أن عندهم أخص من الأزل لأن الأزل عبارة عمّا لا افتتاح له
سواءً كان وجودياً كذات الله وصفاته أو عدمياً كإعدام ما سوى الله لأن
العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي ولا يقال فيه
قديم والقدم عندهم عبارة عمّا لا أول له بشرط أن يكون وجودياً كذات
الله متصفة بصفات الكمال والجلال ونحن الآن نتكلم على ما وصفوا به الله
جل وعلا من القدم والبقاء وإن كان بعض العلماء كره وصفه جل وعلا بالقدم
كما يأتي. فالله جل وعلا وصف بعض المخلوقين بالقدم قال:
{كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}،
{أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} ووصف بعضهم بالبقاء قال:
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}، {مَا عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ولا شك أن ما وصفوا به الله من
هذه الصفات مخالف لما وصف به الخلق نحو ما تقدم.
أما الله جل وعلا فلم يصف في كتابه نفسه بالقدم وبعض السلف كره وصفه
بالقدم لأنه قد يطلق مع سبق العدم نحو {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}،
{إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}، {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ
الأَقْدَمُونَ} وقد جاء فيه حديث بعض العلماء يقول هو يدل على وصفه
بهذا وبعضهم يقول لم يثبت وقد ذكر الحاكم في المستدرك في بعض الروايات
القديم في أسمائه تعالى وفي حديث دخول المسجد: " أعوذ بالله العظيم
وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" أمّا الأولية
والآخرية التي نص الله عليهما في قوله: {هو الأولُ والآخِرُ} فقد وصف
بعض المخلوقين أيضاً بالأولية والآخرية قال: {أَلَمْ نُهْلِكِ
الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} ولا شك أن ما وصف الله به
نفسه من ذلك لائق بجلاله {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ
اللَّهُ}(النور: من الآية32) وكماله كما أن للمخلوقين أولية وآخرية
مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم .
ووصف نفسه بأنه واحد قال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} ووصف بعض
ص -14- المخلوقين بذلك قال: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} ووصف نفسه
بالغنى قال: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، {إِنْ
تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ
لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}، {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ
وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ووصف بعض المخلوقين بالغنى قال: {وَمَنْ
كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِف}، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه}.
فهذه الصفات السلب جاء في القرآن وصف الخالق والمخلوق بها ولا شك أن ما
وصف به الخالق منها لائق بكماله وجلاله وما وصف به المخلوق مناسبة
لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره ثم نذهب إلى الصفات السبع التي يسمونها
المعنوية والتحقيق ان عد الصفات السبع التي هي كونه تعالى قادراً
ومريداً وعالماً وحياًّ وسميعاً وبصيراً ومتكلماً لا وجه له لأنها في
الحقيقة إنما هي كيفية الإتصاف بالمعاني السبع التي ذكرنا ومن عدها من
المتكلمين عدوها بناءً على ثبوت ما يسمونه الحال المعنوية التي يزعمون
أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة والتحقيق أن هذه خرافة وخيال.
وإن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطة البتة فكل ما ليس
بموجود فهو معدوم قطعاً وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعاً ولا واسطة
البتة كما هو معروف عند العقلاء فإذا كنا قد مثلنا لكنه قادراً وحياًّ
ومريداً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً لما جاء في القرآن من وصف الخالق
بذلك وما جاء في القرآن من وصف المخلوق بذلك وبينا أن صفة الخالق لائقة
بكماله وجلاله وأن صفة المخلوق مناسبة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره فلا
داعي لأن ننفي وصف رب السموات والأرض عنه لا أن نشبهها بصفات المخلوقين
بل يلزم أن نقر بوصف الله ونؤمن به في حال كوننا منزهين له عن مشابهة
صفة المخلوقين وهذه صفات الأفعال جاء في القرآن بكثرة وصف الخالق بها
ووصف المخلوق ولا شك أن ما وصف به الخالق منها مخالف لما وصف به
المخلوق كالمخالفة التي بين ذات الخالق وذات المخلوق، ومن ذلك أنه وصف
نفسه جل وعلا بصفة الفعل التي هي أنه يرزق خلقه قال جل وعلا : {مَا
أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
ص -15- الْمَتِينُ} {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }. ووصف بعض المخلوقين بصفة الرزق قال :
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْه}، {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ
أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ
فِيهَا }، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ}. ولا شك أن ما وصف
الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه المخلوق كمخالفة ذات الله
لذات المخلوق. ووصف نفسه جل وعلا بصفة الفعل الذي هو العمل قال:
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا
أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}. وصف المخلوقين بصفة الفعل التي
هي العمل قال: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. ولا شك
أن ما وصف الله به المخلوق مخالف له كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.
وصف نفسه بأنه يعلّم خلقه: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ
الإنْسَان عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}،
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً}. ووصف بعض خلقه بصفة الفعل التي هي التعليم أيضاً
قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَاب} وجمع المثالين في قوله: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}.
ووصف نفسه جل وعلا بأنه ينبّيء ووصف المخلوق بأنه ينبّيء. وجمع بين
الفعل في الأمرين في قوله جل وعلا: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى
بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ
اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا
نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ
الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.
ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه
العبد كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق ووصف نفسه بصفة الفعل الذي هو
الإيتاء قال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي
فَضْلٍ فَضْلَه}. ووصف المخلوقين بالفعل الذي هو الإيتاء قال:
{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا}، {وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}.
ولا شك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به العبد
ص -16- من هذا الفعل كمخالفة ذاته لذاته ثم نتكلم على الصفات الجامعة
كالعلو والعظم والكبر والملك والتكبر والجبروت والعزة والقوة وما جرى
مجرى ذلك من الصفات الجامعة فنجد الله وصف نفسه بالعلو والكبر والعظم
قال في وصف نفسه بالعلو و العظم: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. وقال في وصف نفسه بالعلو والكبر: {إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}.
ووصف بعض المخلوقين بالعظم قال: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ
كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}، {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}،
{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
ووصف بعض المخلوقين بالعلو قال: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}،
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}.
ولا شك أن ما وصف الله به من هذه الصفات الجامعة كالعلو والكبر والعظم
مناف لما وصف به المخلوق منها كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق فلا
مناسبة بين ذات الخالق والمخلوق كما لا مناسبة بين صفة الخالق وصفة
المخلوق.
ووصف نفسه بالملك قال: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوس}، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ}، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}
ووصف بعض المخلوقين بالملك قال: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى
سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَان}، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}،
{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}،
{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
}.
ولا شك أن لله جل وعلا ملكاً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله . كما أن
للمخلوقين ملكاً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم .
ووصف نفسه بأنه جبار متكبر قال: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} إلى قوله: {الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ}.
ووصف بعض المخلوقين بأنه جبار متكبر قال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، {وَإِذَا بَطَشْتُمْ
بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً
لِلْمُتَكَبِّرِينَ}، {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ}.
ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذه الصفات مناف لما وصف به
ص -17- المخلوق كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق
ووصف نفسه جل وعلا بالعزة قال: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، {أَمْ
عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ}.
ووصف بعض المخلوقين بالعزة قال: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}،
{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}. وجمع المثالين في قوله {وَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذا الوصف مناف لما وصف به المخلوق
كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.
ووصف نفسه جل وعلا بالقوة قال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
ووصف بعض المخلوقين بالقوة قال: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُم} وقال جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّة}. وجمع بين المثالين في قوله:
{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا
بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}.
ثم إننا نتكلم على الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي صفات فعل
أو صفات معنى والتحقيق أنها صفات معان قائمة بذات الله جل وعلا.
كالرأفة والرحمة والحلم. فنجده جل وعلا وصف نفسه بأنه رؤوف رحيم قال:
{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ووصف بعض المخلوقين بذلك قال في
وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
ووصف نفسه بالحلم قال: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ
وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ}، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ
صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}
ووصف بعض المخلوقين بالحلم قال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}،
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.
ص -18- ووصف نفسه بالمغفرة قال: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،
{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء}.
ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ
ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَة}
الآية، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ
أَيَّامَ اللَّه}.
ولا شك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق
بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفاً من التشبيه بالخلق. وأن ما وصف به
الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.
وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطّع إلى وصف أثبته الله جل وعلا
لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجماً على ربّ السموات والأرض مدعياً
عليه أن هذا الوصف الذي تمدح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه
ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهوس ولا يذهب إليه إلاّ من
طمس الله بصائرهم.
وسنضرب لكم لهذا مثلاً يتبين به الكل لأن مثلاً واحداً من آيات الصفات
ينسحب على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد. وهو جل
وعلا لا يشبه شيء من خلقه في شيء من صفاته البتة. فهذه صفة الإستواء
التي كثر فيها الخوض ونفاها كثير من الناس بفلسفة منطقية وأدلة جدلية
سنتكلم في آخر البحث على وجوه إبطالها كلاماً يخص الذين درسوا المنطق
والجدل ليتبين كيف استدل أولئك بالباطل وأبطلوا به الحق وأحقوا به
الباطل. فهذه صفة الإستواء تجرأ الآلاف ممن يدّعون الإسلام وتفوهاً عن
رب السموات والأرض بأدلة منطقية يركبون فيها قياساً استثنائياً مركبة
من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي ينتجون في
زعمهم الباطل نقيض المقدم بناء على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم
فيقولون مثلاً لو كان مستوياً على عرشه لكان مشابهاً للخلق فينتجون،
ليس مستوياً على العرش، وعظم هذا الإفتراء كما ترى.
ص -19- 1- اعلموا أن هذه الصفة التي هي صفة الإستواء صفة كمال وجلال
تمدح بها رب السموات والأرض والقرينة على أنها صفة كمال وجلال أن الله
ما ذكرها في موضع من كتابه إلاّ مصحوبة بما يبهر العقول من صفات جلاله
وكماله التي هي منها وسنضرب مثلاً لذلك بذكر الآيات: فأول سورة ذكر
الله فيها صفة الإستواء حسب ترتيب المصحف سورة الأعراف قال: {إِنَّ
رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }. فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات
الدالة على الجلال والكمال.
2- الموضع الثاني في سورة يونس قال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً
إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا
يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ}.
فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الكمال
والجلال.
3-الموضع الثالث في سورة الرعد في قوله جل وعلا: {الله الذي اللَّهُ
الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وهو الذي مدّ الأرض وَهُوَ
الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ
كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ وفي الأرض وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ
وَجَنَّاتٌ مِنْ
ص -20- أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ
يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي
الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
وفي القراءة الأخرى {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ
يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي
الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. فهل لأحد
أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.
4- الموضع الرابع في سورة طه: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ
الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.
5- الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ًً}. فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه
الصفات الدالة على هذا من الكمال والجلال.
6- الموضع السادس في سورة السجدة في قوله: { أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا
أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ
الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ
طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ
سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} فهل لأحد أن
ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الجلال والكمال.
7-الموضع السابع في سورة
ص -21- الحديد في قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ
وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فالشاهد أن هذه الصفة التي يظن الجاهلون أنها صفة نقص ويتهجمون على رب
السموات والأرض بأنه وصف نفسه صفة نقص ثم يسببون عن هذا أن ينفونها
ويؤولوها مع أن الله جل وعلا تمدح بها وجعلها من صفات الجلال والكمال
مقرونة بما يبهر العقول من صفات الجلال والكمال هذا يدل على جهل وهوس
من ينفي بعض صفات الله جل وعلا بالتأويل.
ثم اعلموا أن هذا الشيء الذي يقال له التأويل الذي فتن به الخلق وضل به
الآلاف من هذه الأمة اعلموا أن التأويل يطلق مشتركاً بين ثلاث معان:
1- يطلق على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال وهذا هو معناه في
القرآن نحو: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاًً}، {وَلَمَّا
يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
الآية {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي
تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل} ومعنى التأويل في
الآيات المذكورة ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال.
2- ويطلق التأويل بمعنى التفسير وهذا قول معروف كقول ابن جرير:" القول
في تأويل قوله تعالى: كذا أي تفسيره ".
3- أمّا في اصطلاح الأصوليين فالتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر
منه إلى محتمل مرجوح لدليل.
وصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه له عند علماء الأصول ثلاث حالات:
( أ ) إمّا أن يصرفه عن ظاهره المتبادر منه لدليل صحيح من كتاب أو سنة
وهذا النوع من التأويل صحيح مقبول لا نزاع فيه ومثال هذا النوع ما يثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجار أحق بصقبه" فظاهر هذا
الحديث ثبوت الشفعة للجار وحمل هذا الحديث على الشريك المقاسم حمل للفظ
على
محاضرة لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي المدرس بكلية الشريعة
بالجامعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنا
نريد أن نوضح لكم معتقد السلف والطريق الذي هو المنجي نحو آيات الصفات:
أولاً: اعلموا أن كثرة الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وكثرة
الأسئلة في ذلك الموضوع من البدع التي يكرهها السلف، اعلموا أن مبحث
آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها
فقد وافق الصواب وكان على الإعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد
ضل وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها القرآن العظيم.
أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته
شيئاً من صفات المخلوقين وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، {فَلا
تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
الثاني من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف
الله أعلم بالله من الله {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}, والإيمان
بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يوصف الله بعد الله أعلم
بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فيلزم كل
مكلف أن يؤمن بما وصف
ص -9- الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وينزه ربه جل
وعلا عن أن تشبه صفته صفة الخلق وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة
الضلال لأن من تنطع بين يدي رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه
الجرأة العظيمة ونفى عن ربه وصفاً أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل
وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين
يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه
من النقص كذا وكذا فأنا أأوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي من غير
استناد إلى كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم ومن ظن أن صفة خالق
السموات والأرض تشبه شيئاً من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل ملحد ضال ومن
آمن بصفات ربه جل وعلا منزهاً ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن
منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل وهذا التحقيق هو مضمون: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فهذه الآية فيها
تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك
لأن الله قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} بعد قوله: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف
بهما جميع الحيوانات فكأن الله يشير للخلق ألاّ ينفوا عنه صفة سمعه
وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبّه بل عليهم أن يثبتوا
له صفة سمعه وبصره على أساس ليس كمثله شيء. فالله جل وعلا له صفات
لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق
ثابت لا شك فيه
إلاّ أن صفة رب السموات والأرض أعلا وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين،
فمن نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله
سبحانك هذا بهتان عظيم ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئاً من صفة الخلق فهذا
مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي
ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. ومن يسوي
ربّ العالمين بغيره فهو مجنون ، ثمّ اعلموا أن
ص -10- المتكلمين الذين خاضوا في الكلام وجاءوا بأدلة يسمونها أدلة
عقلية ركبوها في أقيسة منطقية قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام
قالوا هناك صفة نفسية وصفة معنى. وصفة معنوية وصفة فعلية وصفة سلبية
وصفة جامعة. أما الصفات الإضافية فقد جعلوها أموراً اعتبارية لا وجود
لها في الخارج وسببوا بذلك إشكالات عظيمة وضلالاً مبيناً، ثمّ إنا نبين
لكم على تقسيم المتكلمين ما جاء في القرآن العظيم من وصف الخالق جل
وعلا بتلك الصفات ووصف المخلوقين بتلك الصفات وبيان القرآن العظيم لأن
صفة خالق السموات والأرض حق وأن صفة المخلوقين حق وأنه لا مناسبة بين
صفة الخالق وبين صفة المخلوق فصفة الخالق لائقة بذاته وصفة المخلوق
مناسبة لعجزه وافتقاره وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما بين
الذات والذات أمّا هذا الكلام الذي يدرس في أقطار الدنيا اليوم في
المسلمين فإن أغلب الذين يدرسونه إنما يثبتون من الصفات التي يسمونها
صفات المعاني. سبع صفات فقط وتنكرون سواها من المعاني ويؤولونها، وصفة
المعنى عندهم في الإصطلاح ضابطها هي أنها ما دل على معنى وجودي قائم
بالذات، والذي اعترفوا به منها سبع صفات هي القدرة والإرادة والعلم
والحياة والسمع والبصر والكلام.
ونفوا غير هذه الصفات من صفات المعاني التي سنبينها ونبين أدلتها من
كتاب الله، وأنكر هذه المعاني السبع المعتزلة وأثبتوا أحكامها فقالوا:
هو قادر بذاته سميع بذاته عليم بذاته حي بذاته ولم يثبتوا قدرة ولا
علماً ولا حياة ولا سمعاً ولا بصراً فراراً منهم من تعدد القديم وهو
مذهب كل العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه وأنه إذا لم يقم بالذات علم
استحال أن تقول هي عالمة بلا علم وهو تناقض واضح بأوائل العقول فإذا
عرفتم هذا فسنتكلم على صفات المعاني التي أقروا بها فنقول:
1- وصفوا الله تعالى بالقدرة وأثبتوا له القدرة والله جل وعلا يقول في
كتابه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ونحن نقطع أنه
تعالى متصف بصفة القدرة على الوجه اللائق بكماله وجلاله . وكذلك وصف
ص -11- بعض المخلوقين بالقدرة قال: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فأسند القدرة لبعض الحوادث ونسبها
إليهم ونحن نعلم أن كل ما في القرآن حق وأن للمولى جل وعلا قدرة حقيقة
تليق بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين قدرة حقيقة مناسبة لحالهم وعجزهم
وفنائهم وافتقارهم. وبين قدرة الخالق والمخلوق من المنافاة والمخالفة
كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق وحسبك بونا بذلك.
2، 3- ووصف نفسه بالسمع والبصر في غير ما آية من كتابه قال: {إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر، قال: {إِنَّا
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ
يَأْتُونَنَا}. ونحن لا نشك أن ما في القرآن حق فلله جل وعلا سمع وبصر
حقيقيان لائقتان بجلاله وكماله. كما أن للمخلوق سمعاً وبصراً حقيقيين
مناسبين لحاله من فشقره وفنائه وعجزه وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر
المخلوق كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق.
4- ووصف نفسه بالحياة قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ}، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}، {هو
الحي لا إله إلاّ هو}. الآية. ووصف أيضاً بعض المخلوقين بالحياة قال:
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ}، {وَسَلامٌ عَلَيْهِ
يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً}، {يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَي}. ونحن
نقطع بأن لله جل وعلا صفة حياة حقيقية لائقة بكماله وجلاله. كما أن
للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وبين صفة
الخالق والمخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق. وذلك
بون شاسع بين الخالق وخلقه.
5- ووصف جل وعلا نفسه بالإرادة قال: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ},
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ}. وصف بعض المخلوقين بالإرادة قال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ
الدُّنْيَا}، {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}،
ص -12- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} ولا شك أن لله إرادة
حقيقية لائقة بكماله وجلاله كما أن للمخلوقين إرادة مناسبة لحالهم
وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين
ذات الخالق والمخلوق.
6- وصف نفسه جل وعلا بالعلم قال: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}،
{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ
بِعِلْمِه}، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا
غَائِبِينَ} ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ
عَلِيمٍ}، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه}. ولا شك أن
للخالق جل وعلا علماً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله محيطاً بكل شيء.
كما أن للمخلوقين علماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وبين
علم الخالق والمخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق
والمخلوق.
7-ووصف نفسه جل وعلا بالكلام. قال : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيماً}، {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه}. ووصف بعض
المخلوقين بالكلام قال: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ
لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}، {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِم} ولا شك أنّ
للخالق تعالى كلاماً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين
كلاماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وبين كلام الخالق
والمخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق.
هذه صفات المعاني سمعتم ما في القرآن من وصف الخالق بها ووصف المخلوق
ولا يخفى على عاقل أنّ صفات الخالق حق. وأنّ صفات الخالق لائقة بجلاله
وكماله، وصفات المخلوقين مناسبة لحالهم وبين الصفة والصفة كما بين
الذات والذات.
وسنبين مثل ذلك في الصفات التي يسمونها سلبية
وضابط الصفة السلبية عند المتكلمين. نقول: هذا قياس عدم محض، والمراد
بها أن تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنى
وجودي قائم بالذات والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا
سادس لها وهي عندهم القدم والبقاء والمخالفة للخلق والوحدانية والغنى
المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس الذي يعنون به الإستغناء عن المخصص
والمحل
ص -13- فإذا عرفتم هذا فاعلموا أن القدم والبقاء اللذين وصف المتكلمون
بهما الله جل وعلا زاعمين أنه وصف بهما نفسه في قوله هو الأول والآخر
قد وصف بهما المخلوق والقدم في الإصطلاح عندهم عبارة عن سلب العدم
السابق إلا أن عندهم أخص من الأزل لأن الأزل عبارة عمّا لا افتتاح له
سواءً كان وجودياً كذات الله وصفاته أو عدمياً كإعدام ما سوى الله لأن
العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي ولا يقال فيه
قديم والقدم عندهم عبارة عمّا لا أول له بشرط أن يكون وجودياً كذات
الله متصفة بصفات الكمال والجلال ونحن الآن نتكلم على ما وصفوا به الله
جل وعلا من القدم والبقاء وإن كان بعض العلماء كره وصفه جل وعلا بالقدم
كما يأتي. فالله جل وعلا وصف بعض المخلوقين بالقدم قال:
{كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}،
{أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} ووصف بعضهم بالبقاء قال:
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}، {مَا عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ولا شك أن ما وصفوا به الله من
هذه الصفات مخالف لما وصف به الخلق نحو ما تقدم.
أما الله جل وعلا فلم يصف في كتابه نفسه بالقدم وبعض السلف كره وصفه
بالقدم لأنه قد يطلق مع سبق العدم نحو {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}،
{إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}، {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ
الأَقْدَمُونَ} وقد جاء فيه حديث بعض العلماء يقول هو يدل على وصفه
بهذا وبعضهم يقول لم يثبت وقد ذكر الحاكم في المستدرك في بعض الروايات
القديم في أسمائه تعالى وفي حديث دخول المسجد: " أعوذ بالله العظيم
وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" أمّا الأولية
والآخرية التي نص الله عليهما في قوله: {هو الأولُ والآخِرُ} فقد وصف
بعض المخلوقين أيضاً بالأولية والآخرية قال: {أَلَمْ نُهْلِكِ
الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} ولا شك أن ما وصف الله به
نفسه من ذلك لائق بجلاله {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ
اللَّهُ}(النور: من الآية32) وكماله كما أن للمخلوقين أولية وآخرية
مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم .
ووصف نفسه بأنه واحد قال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} ووصف بعض
ص -14- المخلوقين بذلك قال: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} ووصف نفسه
بالغنى قال: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، {إِنْ
تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ
لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}، {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ
وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ووصف بعض المخلوقين بالغنى قال: {وَمَنْ
كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِف}، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه}.
فهذه الصفات السلب جاء في القرآن وصف الخالق والمخلوق بها ولا شك أن ما
وصف به الخالق منها لائق بكماله وجلاله وما وصف به المخلوق مناسبة
لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره ثم نذهب إلى الصفات السبع التي يسمونها
المعنوية والتحقيق ان عد الصفات السبع التي هي كونه تعالى قادراً
ومريداً وعالماً وحياًّ وسميعاً وبصيراً ومتكلماً لا وجه له لأنها في
الحقيقة إنما هي كيفية الإتصاف بالمعاني السبع التي ذكرنا ومن عدها من
المتكلمين عدوها بناءً على ثبوت ما يسمونه الحال المعنوية التي يزعمون
أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة والتحقيق أن هذه خرافة وخيال.
وإن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطة البتة فكل ما ليس
بموجود فهو معدوم قطعاً وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعاً ولا واسطة
البتة كما هو معروف عند العقلاء فإذا كنا قد مثلنا لكنه قادراً وحياًّ
ومريداً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً لما جاء في القرآن من وصف الخالق
بذلك وما جاء في القرآن من وصف المخلوق بذلك وبينا أن صفة الخالق لائقة
بكماله وجلاله وأن صفة المخلوق مناسبة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره فلا
داعي لأن ننفي وصف رب السموات والأرض عنه لا أن نشبهها بصفات المخلوقين
بل يلزم أن نقر بوصف الله ونؤمن به في حال كوننا منزهين له عن مشابهة
صفة المخلوقين وهذه صفات الأفعال جاء في القرآن بكثرة وصف الخالق بها
ووصف المخلوق ولا شك أن ما وصف به الخالق منها مخالف لما وصف به
المخلوق كالمخالفة التي بين ذات الخالق وذات المخلوق، ومن ذلك أنه وصف
نفسه جل وعلا بصفة الفعل التي هي أنه يرزق خلقه قال جل وعلا : {مَا
أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
ص -15- الْمَتِينُ} {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }. ووصف بعض المخلوقين بصفة الرزق قال :
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْه}، {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ
أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ
فِيهَا }، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ}. ولا شك أن ما وصف
الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه المخلوق كمخالفة ذات الله
لذات المخلوق. ووصف نفسه جل وعلا بصفة الفعل الذي هو العمل قال:
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا
أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}. وصف المخلوقين بصفة الفعل التي
هي العمل قال: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. ولا شك
أن ما وصف الله به المخلوق مخالف له كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.
وصف نفسه بأنه يعلّم خلقه: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ
الإنْسَان عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}،
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً}. ووصف بعض خلقه بصفة الفعل التي هي التعليم أيضاً
قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَاب} وجمع المثالين في قوله: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}.
ووصف نفسه جل وعلا بأنه ينبّيء ووصف المخلوق بأنه ينبّيء. وجمع بين
الفعل في الأمرين في قوله جل وعلا: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى
بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ
اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا
نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ
الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.
ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه
العبد كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق ووصف نفسه بصفة الفعل الذي هو
الإيتاء قال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي
فَضْلٍ فَضْلَه}. ووصف المخلوقين بالفعل الذي هو الإيتاء قال:
{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا}، {وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}.
ولا شك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به العبد
ص -16- من هذا الفعل كمخالفة ذاته لذاته ثم نتكلم على الصفات الجامعة
كالعلو والعظم والكبر والملك والتكبر والجبروت والعزة والقوة وما جرى
مجرى ذلك من الصفات الجامعة فنجد الله وصف نفسه بالعلو والكبر والعظم
قال في وصف نفسه بالعلو و العظم: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. وقال في وصف نفسه بالعلو والكبر: {إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}.
ووصف بعض المخلوقين بالعظم قال: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ
كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}، {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}،
{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
ووصف بعض المخلوقين بالعلو قال: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}،
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}.
ولا شك أن ما وصف الله به من هذه الصفات الجامعة كالعلو والكبر والعظم
مناف لما وصف به المخلوق منها كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق فلا
مناسبة بين ذات الخالق والمخلوق كما لا مناسبة بين صفة الخالق وصفة
المخلوق.
ووصف نفسه بالملك قال: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوس}، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ}، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}
ووصف بعض المخلوقين بالملك قال: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى
سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَان}، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}،
{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}،
{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
}.
ولا شك أن لله جل وعلا ملكاً حقيقياً لائقاً بكماله وجلاله . كما أن
للمخلوقين ملكاً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم .
ووصف نفسه بأنه جبار متكبر قال: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} إلى قوله: {الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ}.
ووصف بعض المخلوقين بأنه جبار متكبر قال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، {وَإِذَا بَطَشْتُمْ
بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً
لِلْمُتَكَبِّرِينَ}، {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ}.
ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذه الصفات مناف لما وصف به
ص -17- المخلوق كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق
ووصف نفسه جل وعلا بالعزة قال: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، {أَمْ
عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ}.
ووصف بعض المخلوقين بالعزة قال: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}،
{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}. وجمع المثالين في قوله {وَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذا الوصف مناف لما وصف به المخلوق
كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.
ووصف نفسه جل وعلا بالقوة قال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
ووصف بعض المخلوقين بالقوة قال: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُم} وقال جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّة}. وجمع بين المثالين في قوله:
{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا
بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}.
ثم إننا نتكلم على الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي صفات فعل
أو صفات معنى والتحقيق أنها صفات معان قائمة بذات الله جل وعلا.
كالرأفة والرحمة والحلم. فنجده جل وعلا وصف نفسه بأنه رؤوف رحيم قال:
{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ووصف بعض المخلوقين بذلك قال في
وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
ووصف نفسه بالحلم قال: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ
وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ}، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ
صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}
ووصف بعض المخلوقين بالحلم قال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}،
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.
ص -18- ووصف نفسه بالمغفرة قال: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،
{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء}.
ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ
ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَة}
الآية، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ
أَيَّامَ اللَّه}.
ولا شك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق
بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفاً من التشبيه بالخلق. وأن ما وصف به
الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.
وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطّع إلى وصف أثبته الله جل وعلا
لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجماً على ربّ السموات والأرض مدعياً
عليه أن هذا الوصف الذي تمدح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه
ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهوس ولا يذهب إليه إلاّ من
طمس الله بصائرهم.
وسنضرب لكم لهذا مثلاً يتبين به الكل لأن مثلاً واحداً من آيات الصفات
ينسحب على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد. وهو جل
وعلا لا يشبه شيء من خلقه في شيء من صفاته البتة. فهذه صفة الإستواء
التي كثر فيها الخوض ونفاها كثير من الناس بفلسفة منطقية وأدلة جدلية
سنتكلم في آخر البحث على وجوه إبطالها كلاماً يخص الذين درسوا المنطق
والجدل ليتبين كيف استدل أولئك بالباطل وأبطلوا به الحق وأحقوا به
الباطل. فهذه صفة الإستواء تجرأ الآلاف ممن يدّعون الإسلام وتفوهاً عن
رب السموات والأرض بأدلة منطقية يركبون فيها قياساً استثنائياً مركبة
من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي ينتجون في
زعمهم الباطل نقيض المقدم بناء على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم
فيقولون مثلاً لو كان مستوياً على عرشه لكان مشابهاً للخلق فينتجون،
ليس مستوياً على العرش، وعظم هذا الإفتراء كما ترى.
ص -19- 1- اعلموا أن هذه الصفة التي هي صفة الإستواء صفة كمال وجلال
تمدح بها رب السموات والأرض والقرينة على أنها صفة كمال وجلال أن الله
ما ذكرها في موضع من كتابه إلاّ مصحوبة بما يبهر العقول من صفات جلاله
وكماله التي هي منها وسنضرب مثلاً لذلك بذكر الآيات: فأول سورة ذكر
الله فيها صفة الإستواء حسب ترتيب المصحف سورة الأعراف قال: {إِنَّ
رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }. فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات
الدالة على الجلال والكمال.
2- الموضع الثاني في سورة يونس قال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً
إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا
يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ}.
فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الكمال
والجلال.
3-الموضع الثالث في سورة الرعد في قوله جل وعلا: {الله الذي اللَّهُ
الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وهو الذي مدّ الأرض وَهُوَ
الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ
كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ وفي الأرض وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ
وَجَنَّاتٌ مِنْ
ص -20- أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ
يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي
الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
وفي القراءة الأخرى {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ
يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي
الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. فهل لأحد
أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.
4- الموضع الرابع في سورة طه: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ
الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.
5- الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ًً}. فهل لأحد أن ينفي شيئاً من هذه
الصفات الدالة على هذا من الكمال والجلال.
6- الموضع السادس في سورة السجدة في قوله: { أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا
أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ
الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ
طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ
سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} فهل لأحد أن
ينفي شيئاً من هذه الصفات الدالة على هذا من الجلال والكمال.
7-الموضع السابع في سورة
ص -21- الحديد في قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ
وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فالشاهد أن هذه الصفة التي يظن الجاهلون أنها صفة نقص ويتهجمون على رب
السموات والأرض بأنه وصف نفسه صفة نقص ثم يسببون عن هذا أن ينفونها
ويؤولوها مع أن الله جل وعلا تمدح بها وجعلها من صفات الجلال والكمال
مقرونة بما يبهر العقول من صفات الجلال والكمال هذا يدل على جهل وهوس
من ينفي بعض صفات الله جل وعلا بالتأويل.
ثم اعلموا أن هذا الشيء الذي يقال له التأويل الذي فتن به الخلق وضل به
الآلاف من هذه الأمة اعلموا أن التأويل يطلق مشتركاً بين ثلاث معان:
1- يطلق على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال وهذا هو معناه في
القرآن نحو: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاًً}، {وَلَمَّا
يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
الآية {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي
تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل} ومعنى التأويل في
الآيات المذكورة ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال.
2- ويطلق التأويل بمعنى التفسير وهذا قول معروف كقول ابن جرير:" القول
في تأويل قوله تعالى: كذا أي تفسيره ".
3- أمّا في اصطلاح الأصوليين فالتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر
منه إلى محتمل مرجوح لدليل.
وصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه له عند علماء الأصول ثلاث حالات:
( أ ) إمّا أن يصرفه عن ظاهره المتبادر منه لدليل صحيح من كتاب أو سنة
وهذا النوع من التأويل صحيح مقبول لا نزاع فيه ومثال هذا النوع ما يثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجار أحق بصقبه" فظاهر هذا
الحديث ثبوت الشفعة للجار وحمل هذا الحديث على الشريك المقاسم حمل للفظ
على
»ـالغےـايب ـالحےـاضر«- داعيه الى الله
- عدد المساهمات : 48
نقاط : 51
تاريخ التسجيل : 21/02/2012
الموقع : اللهم انى أسألك الجنــــــــه
مواضيع مماثلة
» توحيد الأسماء والصفات
» قواعد في الأسماء والصفات
» تعريف توحيد الأسماء والصفات
» َ*تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلت2
» َ*تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلته*1
» قواعد في الأسماء والصفات
» تعريف توحيد الأسماء والصفات
» َ*تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلت2
» َ*تعريف توحيد الأسماء والصفات وأدلته*1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin