بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 8 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 8 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
" تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا
صفحة 1 من اصل 1
" تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا
تفسير سورة الملك | الآية الثامنة
" تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " الآية :8
*** وقوله ( تكاد تميز من الغيظ ) خبر ثان عن ضمير ( وهي )
مثلت حالة فورانها وتصاعد ألسنة لهيبها و رطمها ما فيها والتهام من يلقون
إليها بحال مغتاظ شديد الغيظ لا يترك شيئا مما غاظه إلا سلط عليه ما يستطيع
من الأضرار .
*** " تكاد تميز ":
1 – الأثار الواردة :
وأخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله : { تكاد تميز } قال : تتفرق .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { تكاد تميز } قال : يفارق بعضها بعضاً .
2 – أقوال أهل اللغة :
قال بن منظور: تَمَيَّزَ القومُ وامْتازوا صاروا في ناحية وتَمَيَّزَ من الغَيْظِ تَقَطَّع وفي التنزيل العزيز تَكادُ تَمَيَّزُ من الغَيْظِ .
3 – أقوال العلماء:
و ( تميز ) أصله تمييز أي تنفصل أي تتجزأ أجزاء تخييلا لشدة
الاضطراب بأن أجزاءها قاربت أن تتقطع وهذا كقولهم : غضب فلان فطارت منه شقة
في الأرض وشقة في السماء و هذا وصف له بالإفراط في الغضب.
و قال بن عاشور: واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها
مع مرادفاته كقولهم : يكاد فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا أي يكاد تتفرق
أجزاءه فيتميز بعضها عن بعض وهذا من التمثيلية المكنية ونظير هذه الاستعارة
قوله تعالى ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) في سورة الكهف إذ مثل الجدار
بشخص له إرادة .
*** قال الرازى: " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ " فإن قيل
: النار ليست من الأحياء ، فكيف يمكن وصفها بالغيظ قلنا الجواب من وجوه:
أحدها : أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة فلعل الله يخلق فيها وهي نار
حياة.
وثانيها : أنه شبه صوت لهبها وسرعة تبادرها بصوت الغضبان وحركته.
وثالثها : يجوز أن يكون المراد غيظ الزبانية .
قلت(أبو يوسف): كيفية خلق النار و ماهيتها على التفصيل غير
معلومة لنا بل تفاصيل عذابها غير معلوم لنا على وجه الحصر فنسلم بما ورد في
الآثار و لا نزيد و لا ننقص .
و قد ورد حديث "اختصمت الجنة و النار........" الحديث فظاهر
الحديث يخبرنا عن الجنة و النار كأن لهم صفة يعقلون بها و قال سبحانه "إذا
رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا"و هنا أيضا ظاهر الآية يدل على
غضب شديد تكاد النار تتقطع منه يجعلها تشهق إذا ألقى فيها الكافرين و تغلي
بهم و تشتد.
و لا يكفى مجرد أننا لم نعتاد على هذه الصورة في الدنيا دليلا
لإنكارها ووصفها بالمجاز لأن مجموع الأدلة يدل على أن للنار صفة تعقل بها و
تتغيظ بها على الكافرين زيادة في عقوبتهم و إن كنا لا ندرى التفاصيل.
و قال سبحانه "إن عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و
الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا" و قد سُمع أنين الجذع لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لا شك أن ذلك عقوبة فوق العقوبة و بلاء فوق البلاء و عذاب
فوق العذاب فالنار وحدها كافية فما بالك بتلك الصفة العظيمة من بعد القعر و
الاستعار و الغيظ الذي يجعلها تكاد تتقطع و فورانها بهم و غليانها و
اشتدادها بهم و زمجرتها عليهم إذا رأتهم من مكان بعيد
و هل هناك بلاء فوق أن تسلم لعدوك الذي يتغيط عليك أشد الغيظ ؟
و هل هناك عذاب فوق أن يكون عدوك هذا نارا مستعرة متأججة تغلي و تفور ؟
فهي نار محرقة تحترق غيظا على أعداء الله فاللهم أجرنا من النار فوا لله لو
سلط الله على الكفار كلابا مسعورة لكان عذابا عظيما فما بالك بنار تكاد
تتقطع من الغيظ .
فعذاب الله سبحانه يتضاءل بجواره كل عذاب من عذاب الدنيا.
*** و في إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر :
وقرأ " تكاد تميز " بتشديد التاء وصلا البزي بخلفه وأمال بلى بخلفه وحمزة والكسائي وخلف وبالفتح والصغرى الأزرق وأبو عمرو.
و قال أبو حيان:وقرأ الجمهور : { تميز } بتاء واحدة خفيفة ،
والبزي يشدّدها ، وطلحة : بتاءين ، وأبو عمرو : بإدغام الدال في التاء ،
والضحاك : تمايز على وزن تفاعل ، وأصله تتمايز بتاءين؛ وزيد بن علي وابن
أبي عبلة : تميز من ماز من الغيظ على الكفرة ، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة
غليانها بهم ، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر:
في كلب يشتد في جريه . . . يكاد أن يخرج من إهابه
*** و في لسان العرب :الغيْظُ الغَضب وقيل الغيظ غضب كامن للعاجز وقيل هو أَشدُّ من الغضَب وقيل هو سَوْرَتُه وأَوّله.
قلت(أبو يوسف): و المراد هنا الغيظ الذي هو أشد الغضب.
*** قال بن عاشور: و ( كلما ) مركب من ( كل ) اسم دال على
الشمول ومن ( ما ) الظرفية المصدرية وهو حرف يؤول مع الفعل الذي بعده
بمصدره .
والتقدير : في كل وقت إلقاء فوج يسألهم خزنتها الفوج .
وباتصال ( كل ) بحرف ( ما ) المصدرية الظرفية اكتسب التركيب
معنى الشرط وشابه أدوات الشرط في الاحتياج إلى جملتين مرتبة إحداهما على
الأخرى.
وجيء بفعلي ( ألقى ) و ( سألهم ) ماضيين لأن أكثر ما يقع
الفعل بعد ( كلما ) أن يكون بصيغة المضي بأنها لما شابهت الشرط استوى
الماضي والمضارع معها لظهور أنه للزمن المستقبل فأوثر فعل المضي لأنه أخف .
***
" كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ( قالوا بلى قد جاءنا
نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلل كبير" (9)
أتبع وصف ما يجده أهل النار عند إلقائهم فيها من فضائع أهوالها بوصف ما يتلقاهم به خزنة النار .
فالجملة استئناف بياني أثاره وصف النار عند إلقاء أهل النار
فيها إذ يتساءل السامع عن سبب عن وقوع أهل النار فيها فجاء بيانه بأنه
تكذيبهم رسل الله الذين أرسل إليهم مع ما انضم إلى من وصف ندامة أهل النار
على ما فرط منهم من تكذيب رسل الله وعلى إهمالهم النظر في دعوة الرسل
والتدبر فيما جاءهم به.
*** الفوج الجماعة من الناس .
قال بن عاشور: والفوج : الجماعة أي جماعة ممن حق عليهم الخلود
وجيء بالضمائر العائدة إلى الفوج ضمائر جمع في قوله (سألهم) الخ لتأويل
الفوج بجماعة أفراده كما في قوله ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ).
قلت: و كما كانوا في الدنيا أفواجا و جماعات و شعوب و قبائل
يحادون الله و رسوله ففي الآخرة يلقون فيها بالجملة كالقمامة تلقى في
القليب لتفور بهم النار هؤلاء أمما كانت قاهرة و حضارات دنيوية متقدمة
أغلبهم من العتاة و الجبارين و المتكبرين و منهم الذين لكلمتهم تهتز العروش
هؤلاء لا قيمة لهم في الآخرة .
روى البخارى في صحيحه عن سهل قال : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ
فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ
يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ
مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا
حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ
وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا.
فلا ينبغي للمؤمن أن يغتر بكثرة الكافرين و قد قال سبحانه " و
إن تطع أكثر من الأرض يضلوك عن سبيل الله" و قال " تِلْكَ الْقُرَى
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا
وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ
لَفَاسِقِينَ (102) [الأعراف : 101 ، 102]" و قال سبحانه " لَا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ
قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ (197) [آل
عمران : 196 - 198]" .
فكثرتهم و تقلبهم في الأرض فتنة و الدليل قائم على أنهم على أعظم الباطل.
و قال تعالى :" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا
فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (37)
قال بن الجوزى: قوله تعالى : { ويجعل الخبيث بعضه على بعض }
أي : يجمع بعضه فوق بعض ، وهو قوله : { فيركمه } . قال الزجاج : الركم : أن
يُجعَل بعضُ الشيء على بعض ، يقال : ركمت الشيء أركُمه رَكماً ، والركام :
الاسم؛ فمن قال : المراد بالخبيث : الكفار ، فانهم في النار بعضهم على
بعض.اه بتصرف
*** " خَزَنَتُهَا ":
الملائكة الموكل إليهم أمر جهنم وهو جمع خازن للموكل بالحفظ
وأصل الخازن : الذي يخزن شيئا أي يحفظه في مكان حصين فإطلاقه على الموكلين
مجاز مرسل و هم مالك وأعوانه من الزبانية .
*** " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " :
وهو سؤال استنكار و توبيخ و تقريع ليزدادوا حسرة ، قال الزجاج : وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب.
قلت: فكأنه يقولون لهم ما الذي أتى بكم إلى هنا ألم تنذروا
هذا العذاب العظيم؟ هل يمكن لعاقل أن يُحذر من مثل هذا ثم يقع فيه؟ ألم
يأتكم نذير ؟
قال تعالى حاكيا عن المنافقين قولهم "أنؤمن كما آمن السفهاء"
فأجابهم الله "ألا إنهم هم السفهاء و لكن لا يعلمون" فما أبلغ حمق و سفه من
حُذر من النار و قامت له البراهين و الحجج على صدق الوحي فكذب و أبى ركونا
إلى ما في يده من نعمة الله و كبرا بها على الحق.
*** و هذه المقالة من الملائكة تكرر قال سبحانه "وَقَالَ
الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ
عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ
رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)" [غافر : 50 ، 51]
فيمتنع الملائكة من الدعاء لهم و الشفاعة فيهم لهذه العلة فقد
بلغتهم الرسالة و قامت عليهم الحجة فلا تنفعهم شفاعة الشافعين و لن يقبل
من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به .
فكم في تكذيب الرسل من خسران تعرضوا له؟
*** وجملة ( ألم يأتكم نذير ) بيان لجملة سألهم كقوله ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ) .
*** والنذير : المنذر أي رسول منذر بعقاب الله.
قال بن عاشور:وهو مصوغ على غير قياس كما صيغ بمعنى المسمع السميع في قول عمرو بن معد يكرب : أمن ريحانة الداعي السميع .
و قال بعضهم: أن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة
المحذرة المخوفة ، ولا أحد يدخل النار إلا وهو مخالف للدليل غير متمسك
بموجبه .
قلت(أبو يوسف): و المختار أن النذير هنا الرسول البشري و يشمل
ذلك أيضا الحجة الرسالية التي يقيمها أتباع الرسل و ذلك أن تلك اللفظة
ذكرها القرآن ثلاثين مرة تقريبا بلفظ (نذير /النذير) و كلها تشير إلي
الرسول البشرى باستثناء مرتين " أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ
يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) [الملك :
17] " قيل في النذير ههنا إنه المنذر ، يعني محمداً عليه الصلاة والسلام
وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك ، والمعنى فستعملون رسولي وصدقه ، لكن
حين لا ينفعكم ذلك ، وقيل : إنه بمعنى الإنذار ، والمعنى فستعلمون عاقبة
إنذاري إياكم بالكتاب والرسول و الثانية " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ
الْأُولَى (56) [النجم : 56] " فسر بالقرآن و فسر بالرسول صلى الله عليه و
سلم .
أما باقي الأيات فتشير بوضوح للنذير البشرى مثل " إِنْ يُوحَى
إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " و " فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " و " وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ
أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ
إِلَّا نُفُورًا " و " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ" و " وَمَا
أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " و " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا
إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ".
*** قال الرازى: احتجت المرجئة على أنه لا يدخل النار أحد إلا
الكفار بهذه الآية ، قالوا : لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم
قالوا : كذبنا النذير ، وهذا يقتضي أن من لم يكذب الله ورسوله لا يدخل
النار .
قلت أبو يوسف:و هذا من أبطل الباطل فإن النصوص المتواترة جاءت
بدخول عصاة الموحدين النار ثم خروجهم منها بشفاعة النبي(ص) أو الشهداء أو
المؤمنين حتى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون
ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا
خيرا قط و لكنهم موحدون.
و يمكن أن يجاب عن شبهتهم أن في النار مواقف عديدة و مواطن لا
يعلمها إلا الله و هذا الموطن خاص بدخول الكفار و ليس عصاة المؤمنين أو أن
السؤال يسأل لهم جميعا فيجيب الكفار هذه الإجابة و لم تتعرض الآية لإجابة
عصاة الموحدين أو غير ذلك من الإجابات التي الغرض منها ليس تعيين جواب
بعينه لأن الشرع لم يخبنا بذلك على حد علمي بقدر ما أن الغرض نفى التعارض
لدرء الشبهه.
*** قال الرازي: احتج القائلون بأن معرفة الله وشكره لا يجبان
إلا بعد ورود السمع بهذه الآية وقالوا : هذه الآية دلت على أنه تعالى إنما
عذبهم لأنه أتاهم النذير ، وهذا يدل على أنه لو لم يأتهم النذير لما عذبهم
.
قلت أبو يوسف: و أجمل من هذا و أوضح قوله تعالي " و ما كنا
معذبين حتى نبعث رسولا " فالله الكريم الحميد المجيد من آثار رحمته أنه
يقيم حجته فيرسل رسله و ينزل كتبه و يقبل عذر المعذور و لا أحد أحب إليه
العذر من الله و هذا من عظيم فضله و رحمته التي يغفل عنها كثير من الناس.
أخرج البخاري والترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر
منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ، ولا
أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " .
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « لا شخص أحب إليه العذر من الله ولذلك بعث الرسل
مبشرين ومنذرين ، ولا شخص أحب إليه المدح من الله ولذلك وعد الجنة » .
و في رواية الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : " ما أحد أغير من الله وذلك أنه حرم الفواحش وما أحد أحب
إليه المدحة من الله وذلك لأنه مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله
وذلك أنه اعتذر إلى خلقه ولا أحد أحب إليه الحمد من الله وذلك أنه حمد نفسه
"
وفيه عبد الله بن حماد بن نمير : لم أعرفه .
و في الآية أن الله أعذر إلى خلقه بأنه سبحانه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه و ذلك من كرم الله و رحمته و فضله.
*** و هنا قضية الخلق و هي قضية في غاية العدل فإن الله
سبحانه الإله المستحق للعبادة الرب العظيم خلق الخلق جميعهم يعبدوه و لا
يشركوا به شيئا و نخص هنا بالذكر خلق الإنسان.
فالإنسان مخلوق من مخلوقات الله حاله كحالهم لا يملك من الكون
ذرة فما دونها بل لا يملك في جسده ذرة و لا طاقة له بتشغيل خلية واحدة فقط
في جسده و إنما خلقه الله ليعبده فهو مخلوق من مخلوقات الله وهب الله له
الحياة و خلق بدنه و روحه و سخرهم له فالإنسان عبد خلقه الله من تراب ثم من
نطفة خرجت من مجرى البول ثم خرج للدنيا ملطخا بالأذى فقيرا عاجزا فأواه
الله و مكنه في الدنيا و الله خلق العبد و أفعاله و أعماله و أرادته و كل
ما فيه و له و لا طاقة للعبد على حركة واحده و لا فعل و لا قول إلا بتمكين
الله إياه منه فكل خطوة يخطوها الإنسان قد خلقها الله كما خلقه و قس على
ذلك .
و لكن لما كانت صورة الابتلاء التي قدرها الله عليه أن يكون
في صورة مالك حر متحكم نسي حقيقته و غاب عنه فقره و عجزه بالملك الصوري و
الحرية الزائفة التي وجدها في الدنيا و هو في الحقيقة لم و لن يتغير عن
صورة المخلوق المربوب .
و انقسم الخلق فريقين فريق علم أصله و تدبر حاله و نظر في
رسالة الرسل فرأى أنهم جاءوا بالحق المبين و أنه عبد مملوك لا يليق له
التمرد و الشرود من سيده فعلم للربوبية حقها فاستسلم لله سبحانه و آمن
برسله فجزاه الله في الدنيا حياة طيبة و في الآخرة الجنة.
و فريق أخر غرته صورة الحرية في الدنيا فهو يرى نفسه حرا
متحكما في ذاته بل و في غيره و ربما في أمم و شعوب و رغم أنه يعلم عجزه عن
نفع و ضر نفسه فهو يمرض و يحزن و يصيبه البلاء و أنه محدود بحدود لا يستطيع
تجاوزها و أنه عما قريب ميت و أنه لم يهب لنفسه حتى الحياة بل أوجد في
الدنيا قسرا كأي مخلوق .
اغتر بصورة الملك و ضن بها فلما جاءته الرسل و النذر أعرض
عنها و جحدها و ربما تكبر على أهلها و حاربهم و عاداهم أشد الحرب و العداء و
هو يعلم في داخله أنه كاذب فعوقب بالمعيشة الضنك و النار.
و بين هذين الرجلان من الدرجات درجات كثيرة ربها أعلم بها.
فالقضية العادلة أن الله إله الكون كله و رب العالمين لا إله
غيره خلقنا من ضمن ما خلق لنعبده فإما عبد مطيع و إما عبد آبق فجزى الله
المطيع خيرا و جزى الله الكافر بعمله.
و لكن إن ذكرنا ذلك فلا ينبغي أن لا نذكر أن الله سبحانه
أكرمنا بعطايا جعلت عبوديتنا في أجمل صورة كرما منه و تفضلا فقد خلقنا
سبحانه بيده في أحسن تقويم و أسجد لنا ملائكته و أظهر شرفنا لهم و سخر لنا
ما في الأرض جميعا منه و رزقنا في الدنيا جنة الإيمان بالعبودية له سبحانه و
التوكل عليه و الإخلاص له و دعاؤه و مناجاته فهو سبحانه سميع قريب مجيب
خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها و جعل بيننا مودة و رحمة و جعل لنا
من أزواجنا بنين و حفدة و رزقنا من الطيبات و جعل مع العسر في الدنيا يسرين
و لم يغلق باب التوبة في وجه من أخطأ و بسط سبحانه يده بالليل ليتوب مسيء
النهار و يده في النهار ليتوب مسيء الليل و رضى منا باليسير من العمل و
تجاوز و عفا عن الكثير من الزلل فما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا و
يعفوا عن كثير و من كل ما سألناه أعطانا و أعطانا من النعم في الدنيا ما لا
نعد و لا نحصي و جعل امتحاننا في الدنيا قصير جدا و أعاننا فيه بإرسال
الرسل و إنزال الكتب و موالاة الحجج و لم يجعل النجاة قاصرة على الكُمل بل
كل موحد ناج أصابه قبل ذلك ما أصابه.
ووعدنا في الآخرة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على
قلب بشر مخلدين فيها لنا فيها ما نشاء في ملك كبير عظيم لا نحزن فيه أبدا .
فأي عدل فوق هذا و أي فضل فوق هذا فمن آبق فقد جحد حق الربوبية و الإلهية و جحد فضل الله فاستحق العقوبة.
و من آمن ناله من الخير العظيم ما هو فوق أمنيته مخلدا فيه.
و لو لم يكن من ذلك إلا أن الله خلق الخلق و أمرهم بعبادته و
عاقب من أساء لكان عدلا و لو كلفهم أن يعبدوه الليل و النهار و لكنه سبحانه
رحمن رحيم كريم له الأسماء الحسنى و الصفات العلا فتبارك الله رب
العالمين.
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – النار لها كيفية تدرك بها و تعقل و هي عظيمة الغيظ على
الكافرين حتى كأنها تكاد تتقطع غيظا منهم و هذا من زيادة عقوبتهم و هذا
يقود للخوف من الله فأشد عذاب الدنيا يتضاءل أمام هذا العذاب و نسأل الله
العافية.
2 – عدم الاغترار بكثرة الكافرين و تقلبهم فكما كفروا أفواجا و
حادوا الله أحزابا و تقلبوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد سيدخلون النار
أفواجا يلقون فيها كالقمامة تلقى في القليب لا قيمة لهم و لا وزن .
3 – التأمل في سفه من بلغه النذير بهذا الوعيد الشديد و قام
لديه دليل صدقه ثم لم يسعى في نجاة نفسه أو من بلغه النذير و لم يكلف نفسه
عناء البحث عن صدقه فهؤلاء بسوء صنيعهم لا تنفع فيهم شفاعة شافع و لن يقبل
من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به.
4 - عظمة الله و رحمته في إعذاره إلى خلقه بإرسال الرسل
إليهم قبل عقوبتهم و هو غنى عنهم و سوء صنيع الكافرين بتكذيب النذير رغم
عجزهم و فقرهم.
5 – التأمل في عدالة قضية الخلق و عظيم فضل الله على خلقه.
" تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " الآية :8
*** وقوله ( تكاد تميز من الغيظ ) خبر ثان عن ضمير ( وهي )
مثلت حالة فورانها وتصاعد ألسنة لهيبها و رطمها ما فيها والتهام من يلقون
إليها بحال مغتاظ شديد الغيظ لا يترك شيئا مما غاظه إلا سلط عليه ما يستطيع
من الأضرار .
*** " تكاد تميز ":
1 – الأثار الواردة :
وأخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله : { تكاد تميز } قال : تتفرق .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { تكاد تميز } قال : يفارق بعضها بعضاً .
2 – أقوال أهل اللغة :
قال بن منظور: تَمَيَّزَ القومُ وامْتازوا صاروا في ناحية وتَمَيَّزَ من الغَيْظِ تَقَطَّع وفي التنزيل العزيز تَكادُ تَمَيَّزُ من الغَيْظِ .
3 – أقوال العلماء:
و ( تميز ) أصله تمييز أي تنفصل أي تتجزأ أجزاء تخييلا لشدة
الاضطراب بأن أجزاءها قاربت أن تتقطع وهذا كقولهم : غضب فلان فطارت منه شقة
في الأرض وشقة في السماء و هذا وصف له بالإفراط في الغضب.
و قال بن عاشور: واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها
مع مرادفاته كقولهم : يكاد فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا أي يكاد تتفرق
أجزاءه فيتميز بعضها عن بعض وهذا من التمثيلية المكنية ونظير هذه الاستعارة
قوله تعالى ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) في سورة الكهف إذ مثل الجدار
بشخص له إرادة .
*** قال الرازى: " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ " فإن قيل
: النار ليست من الأحياء ، فكيف يمكن وصفها بالغيظ قلنا الجواب من وجوه:
أحدها : أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة فلعل الله يخلق فيها وهي نار
حياة.
وثانيها : أنه شبه صوت لهبها وسرعة تبادرها بصوت الغضبان وحركته.
وثالثها : يجوز أن يكون المراد غيظ الزبانية .
قلت(أبو يوسف): كيفية خلق النار و ماهيتها على التفصيل غير
معلومة لنا بل تفاصيل عذابها غير معلوم لنا على وجه الحصر فنسلم بما ورد في
الآثار و لا نزيد و لا ننقص .
و قد ورد حديث "اختصمت الجنة و النار........" الحديث فظاهر
الحديث يخبرنا عن الجنة و النار كأن لهم صفة يعقلون بها و قال سبحانه "إذا
رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا"و هنا أيضا ظاهر الآية يدل على
غضب شديد تكاد النار تتقطع منه يجعلها تشهق إذا ألقى فيها الكافرين و تغلي
بهم و تشتد.
و لا يكفى مجرد أننا لم نعتاد على هذه الصورة في الدنيا دليلا
لإنكارها ووصفها بالمجاز لأن مجموع الأدلة يدل على أن للنار صفة تعقل بها و
تتغيظ بها على الكافرين زيادة في عقوبتهم و إن كنا لا ندرى التفاصيل.
و قال سبحانه "إن عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و
الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا" و قد سُمع أنين الجذع لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لا شك أن ذلك عقوبة فوق العقوبة و بلاء فوق البلاء و عذاب
فوق العذاب فالنار وحدها كافية فما بالك بتلك الصفة العظيمة من بعد القعر و
الاستعار و الغيظ الذي يجعلها تكاد تتقطع و فورانها بهم و غليانها و
اشتدادها بهم و زمجرتها عليهم إذا رأتهم من مكان بعيد
و هل هناك بلاء فوق أن تسلم لعدوك الذي يتغيط عليك أشد الغيظ ؟
و هل هناك عذاب فوق أن يكون عدوك هذا نارا مستعرة متأججة تغلي و تفور ؟
فهي نار محرقة تحترق غيظا على أعداء الله فاللهم أجرنا من النار فوا لله لو
سلط الله على الكفار كلابا مسعورة لكان عذابا عظيما فما بالك بنار تكاد
تتقطع من الغيظ .
فعذاب الله سبحانه يتضاءل بجواره كل عذاب من عذاب الدنيا.
*** و في إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر :
وقرأ " تكاد تميز " بتشديد التاء وصلا البزي بخلفه وأمال بلى بخلفه وحمزة والكسائي وخلف وبالفتح والصغرى الأزرق وأبو عمرو.
و قال أبو حيان:وقرأ الجمهور : { تميز } بتاء واحدة خفيفة ،
والبزي يشدّدها ، وطلحة : بتاءين ، وأبو عمرو : بإدغام الدال في التاء ،
والضحاك : تمايز على وزن تفاعل ، وأصله تتمايز بتاءين؛ وزيد بن علي وابن
أبي عبلة : تميز من ماز من الغيظ على الكفرة ، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة
غليانها بهم ، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر:
في كلب يشتد في جريه . . . يكاد أن يخرج من إهابه
*** و في لسان العرب :الغيْظُ الغَضب وقيل الغيظ غضب كامن للعاجز وقيل هو أَشدُّ من الغضَب وقيل هو سَوْرَتُه وأَوّله.
قلت(أبو يوسف): و المراد هنا الغيظ الذي هو أشد الغضب.
*** قال بن عاشور: و ( كلما ) مركب من ( كل ) اسم دال على
الشمول ومن ( ما ) الظرفية المصدرية وهو حرف يؤول مع الفعل الذي بعده
بمصدره .
والتقدير : في كل وقت إلقاء فوج يسألهم خزنتها الفوج .
وباتصال ( كل ) بحرف ( ما ) المصدرية الظرفية اكتسب التركيب
معنى الشرط وشابه أدوات الشرط في الاحتياج إلى جملتين مرتبة إحداهما على
الأخرى.
وجيء بفعلي ( ألقى ) و ( سألهم ) ماضيين لأن أكثر ما يقع
الفعل بعد ( كلما ) أن يكون بصيغة المضي بأنها لما شابهت الشرط استوى
الماضي والمضارع معها لظهور أنه للزمن المستقبل فأوثر فعل المضي لأنه أخف .
***
" كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ( قالوا بلى قد جاءنا
نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلل كبير" (9)
أتبع وصف ما يجده أهل النار عند إلقائهم فيها من فضائع أهوالها بوصف ما يتلقاهم به خزنة النار .
فالجملة استئناف بياني أثاره وصف النار عند إلقاء أهل النار
فيها إذ يتساءل السامع عن سبب عن وقوع أهل النار فيها فجاء بيانه بأنه
تكذيبهم رسل الله الذين أرسل إليهم مع ما انضم إلى من وصف ندامة أهل النار
على ما فرط منهم من تكذيب رسل الله وعلى إهمالهم النظر في دعوة الرسل
والتدبر فيما جاءهم به.
*** الفوج الجماعة من الناس .
قال بن عاشور: والفوج : الجماعة أي جماعة ممن حق عليهم الخلود
وجيء بالضمائر العائدة إلى الفوج ضمائر جمع في قوله (سألهم) الخ لتأويل
الفوج بجماعة أفراده كما في قوله ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ).
قلت: و كما كانوا في الدنيا أفواجا و جماعات و شعوب و قبائل
يحادون الله و رسوله ففي الآخرة يلقون فيها بالجملة كالقمامة تلقى في
القليب لتفور بهم النار هؤلاء أمما كانت قاهرة و حضارات دنيوية متقدمة
أغلبهم من العتاة و الجبارين و المتكبرين و منهم الذين لكلمتهم تهتز العروش
هؤلاء لا قيمة لهم في الآخرة .
روى البخارى في صحيحه عن سهل قال : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ
فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ
يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ
مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا
حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ
وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا.
فلا ينبغي للمؤمن أن يغتر بكثرة الكافرين و قد قال سبحانه " و
إن تطع أكثر من الأرض يضلوك عن سبيل الله" و قال " تِلْكَ الْقُرَى
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا
وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ
لَفَاسِقِينَ (102) [الأعراف : 101 ، 102]" و قال سبحانه " لَا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ
قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ (197) [آل
عمران : 196 - 198]" .
فكثرتهم و تقلبهم في الأرض فتنة و الدليل قائم على أنهم على أعظم الباطل.
و قال تعالى :" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا
فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (37)
قال بن الجوزى: قوله تعالى : { ويجعل الخبيث بعضه على بعض }
أي : يجمع بعضه فوق بعض ، وهو قوله : { فيركمه } . قال الزجاج : الركم : أن
يُجعَل بعضُ الشيء على بعض ، يقال : ركمت الشيء أركُمه رَكماً ، والركام :
الاسم؛ فمن قال : المراد بالخبيث : الكفار ، فانهم في النار بعضهم على
بعض.اه بتصرف
*** " خَزَنَتُهَا ":
الملائكة الموكل إليهم أمر جهنم وهو جمع خازن للموكل بالحفظ
وأصل الخازن : الذي يخزن شيئا أي يحفظه في مكان حصين فإطلاقه على الموكلين
مجاز مرسل و هم مالك وأعوانه من الزبانية .
*** " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " :
وهو سؤال استنكار و توبيخ و تقريع ليزدادوا حسرة ، قال الزجاج : وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب.
قلت: فكأنه يقولون لهم ما الذي أتى بكم إلى هنا ألم تنذروا
هذا العذاب العظيم؟ هل يمكن لعاقل أن يُحذر من مثل هذا ثم يقع فيه؟ ألم
يأتكم نذير ؟
قال تعالى حاكيا عن المنافقين قولهم "أنؤمن كما آمن السفهاء"
فأجابهم الله "ألا إنهم هم السفهاء و لكن لا يعلمون" فما أبلغ حمق و سفه من
حُذر من النار و قامت له البراهين و الحجج على صدق الوحي فكذب و أبى ركونا
إلى ما في يده من نعمة الله و كبرا بها على الحق.
*** و هذه المقالة من الملائكة تكرر قال سبحانه "وَقَالَ
الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ
عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ
رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)" [غافر : 50 ، 51]
فيمتنع الملائكة من الدعاء لهم و الشفاعة فيهم لهذه العلة فقد
بلغتهم الرسالة و قامت عليهم الحجة فلا تنفعهم شفاعة الشافعين و لن يقبل
من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به .
فكم في تكذيب الرسل من خسران تعرضوا له؟
*** وجملة ( ألم يأتكم نذير ) بيان لجملة سألهم كقوله ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ) .
*** والنذير : المنذر أي رسول منذر بعقاب الله.
قال بن عاشور:وهو مصوغ على غير قياس كما صيغ بمعنى المسمع السميع في قول عمرو بن معد يكرب : أمن ريحانة الداعي السميع .
و قال بعضهم: أن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة
المحذرة المخوفة ، ولا أحد يدخل النار إلا وهو مخالف للدليل غير متمسك
بموجبه .
قلت(أبو يوسف): و المختار أن النذير هنا الرسول البشري و يشمل
ذلك أيضا الحجة الرسالية التي يقيمها أتباع الرسل و ذلك أن تلك اللفظة
ذكرها القرآن ثلاثين مرة تقريبا بلفظ (نذير /النذير) و كلها تشير إلي
الرسول البشرى باستثناء مرتين " أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ
يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) [الملك :
17] " قيل في النذير ههنا إنه المنذر ، يعني محمداً عليه الصلاة والسلام
وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك ، والمعنى فستعملون رسولي وصدقه ، لكن
حين لا ينفعكم ذلك ، وقيل : إنه بمعنى الإنذار ، والمعنى فستعلمون عاقبة
إنذاري إياكم بالكتاب والرسول و الثانية " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ
الْأُولَى (56) [النجم : 56] " فسر بالقرآن و فسر بالرسول صلى الله عليه و
سلم .
أما باقي الأيات فتشير بوضوح للنذير البشرى مثل " إِنْ يُوحَى
إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " و " فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " و " وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ
أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ
إِلَّا نُفُورًا " و " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ" و " وَمَا
أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " و " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا
إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ".
*** قال الرازى: احتجت المرجئة على أنه لا يدخل النار أحد إلا
الكفار بهذه الآية ، قالوا : لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم
قالوا : كذبنا النذير ، وهذا يقتضي أن من لم يكذب الله ورسوله لا يدخل
النار .
قلت أبو يوسف:و هذا من أبطل الباطل فإن النصوص المتواترة جاءت
بدخول عصاة الموحدين النار ثم خروجهم منها بشفاعة النبي(ص) أو الشهداء أو
المؤمنين حتى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون
ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا
خيرا قط و لكنهم موحدون.
و يمكن أن يجاب عن شبهتهم أن في النار مواقف عديدة و مواطن لا
يعلمها إلا الله و هذا الموطن خاص بدخول الكفار و ليس عصاة المؤمنين أو أن
السؤال يسأل لهم جميعا فيجيب الكفار هذه الإجابة و لم تتعرض الآية لإجابة
عصاة الموحدين أو غير ذلك من الإجابات التي الغرض منها ليس تعيين جواب
بعينه لأن الشرع لم يخبنا بذلك على حد علمي بقدر ما أن الغرض نفى التعارض
لدرء الشبهه.
*** قال الرازي: احتج القائلون بأن معرفة الله وشكره لا يجبان
إلا بعد ورود السمع بهذه الآية وقالوا : هذه الآية دلت على أنه تعالى إنما
عذبهم لأنه أتاهم النذير ، وهذا يدل على أنه لو لم يأتهم النذير لما عذبهم
.
قلت أبو يوسف: و أجمل من هذا و أوضح قوله تعالي " و ما كنا
معذبين حتى نبعث رسولا " فالله الكريم الحميد المجيد من آثار رحمته أنه
يقيم حجته فيرسل رسله و ينزل كتبه و يقبل عذر المعذور و لا أحد أحب إليه
العذر من الله و هذا من عظيم فضله و رحمته التي يغفل عنها كثير من الناس.
أخرج البخاري والترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر
منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ، ولا
أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " .
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « لا شخص أحب إليه العذر من الله ولذلك بعث الرسل
مبشرين ومنذرين ، ولا شخص أحب إليه المدح من الله ولذلك وعد الجنة » .
و في رواية الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : " ما أحد أغير من الله وذلك أنه حرم الفواحش وما أحد أحب
إليه المدحة من الله وذلك لأنه مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله
وذلك أنه اعتذر إلى خلقه ولا أحد أحب إليه الحمد من الله وذلك أنه حمد نفسه
"
وفيه عبد الله بن حماد بن نمير : لم أعرفه .
و في الآية أن الله أعذر إلى خلقه بأنه سبحانه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه و ذلك من كرم الله و رحمته و فضله.
*** و هنا قضية الخلق و هي قضية في غاية العدل فإن الله
سبحانه الإله المستحق للعبادة الرب العظيم خلق الخلق جميعهم يعبدوه و لا
يشركوا به شيئا و نخص هنا بالذكر خلق الإنسان.
فالإنسان مخلوق من مخلوقات الله حاله كحالهم لا يملك من الكون
ذرة فما دونها بل لا يملك في جسده ذرة و لا طاقة له بتشغيل خلية واحدة فقط
في جسده و إنما خلقه الله ليعبده فهو مخلوق من مخلوقات الله وهب الله له
الحياة و خلق بدنه و روحه و سخرهم له فالإنسان عبد خلقه الله من تراب ثم من
نطفة خرجت من مجرى البول ثم خرج للدنيا ملطخا بالأذى فقيرا عاجزا فأواه
الله و مكنه في الدنيا و الله خلق العبد و أفعاله و أعماله و أرادته و كل
ما فيه و له و لا طاقة للعبد على حركة واحده و لا فعل و لا قول إلا بتمكين
الله إياه منه فكل خطوة يخطوها الإنسان قد خلقها الله كما خلقه و قس على
ذلك .
و لكن لما كانت صورة الابتلاء التي قدرها الله عليه أن يكون
في صورة مالك حر متحكم نسي حقيقته و غاب عنه فقره و عجزه بالملك الصوري و
الحرية الزائفة التي وجدها في الدنيا و هو في الحقيقة لم و لن يتغير عن
صورة المخلوق المربوب .
و انقسم الخلق فريقين فريق علم أصله و تدبر حاله و نظر في
رسالة الرسل فرأى أنهم جاءوا بالحق المبين و أنه عبد مملوك لا يليق له
التمرد و الشرود من سيده فعلم للربوبية حقها فاستسلم لله سبحانه و آمن
برسله فجزاه الله في الدنيا حياة طيبة و في الآخرة الجنة.
و فريق أخر غرته صورة الحرية في الدنيا فهو يرى نفسه حرا
متحكما في ذاته بل و في غيره و ربما في أمم و شعوب و رغم أنه يعلم عجزه عن
نفع و ضر نفسه فهو يمرض و يحزن و يصيبه البلاء و أنه محدود بحدود لا يستطيع
تجاوزها و أنه عما قريب ميت و أنه لم يهب لنفسه حتى الحياة بل أوجد في
الدنيا قسرا كأي مخلوق .
اغتر بصورة الملك و ضن بها فلما جاءته الرسل و النذر أعرض
عنها و جحدها و ربما تكبر على أهلها و حاربهم و عاداهم أشد الحرب و العداء و
هو يعلم في داخله أنه كاذب فعوقب بالمعيشة الضنك و النار.
و بين هذين الرجلان من الدرجات درجات كثيرة ربها أعلم بها.
فالقضية العادلة أن الله إله الكون كله و رب العالمين لا إله
غيره خلقنا من ضمن ما خلق لنعبده فإما عبد مطيع و إما عبد آبق فجزى الله
المطيع خيرا و جزى الله الكافر بعمله.
و لكن إن ذكرنا ذلك فلا ينبغي أن لا نذكر أن الله سبحانه
أكرمنا بعطايا جعلت عبوديتنا في أجمل صورة كرما منه و تفضلا فقد خلقنا
سبحانه بيده في أحسن تقويم و أسجد لنا ملائكته و أظهر شرفنا لهم و سخر لنا
ما في الأرض جميعا منه و رزقنا في الدنيا جنة الإيمان بالعبودية له سبحانه و
التوكل عليه و الإخلاص له و دعاؤه و مناجاته فهو سبحانه سميع قريب مجيب
خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها و جعل بيننا مودة و رحمة و جعل لنا
من أزواجنا بنين و حفدة و رزقنا من الطيبات و جعل مع العسر في الدنيا يسرين
و لم يغلق باب التوبة في وجه من أخطأ و بسط سبحانه يده بالليل ليتوب مسيء
النهار و يده في النهار ليتوب مسيء الليل و رضى منا باليسير من العمل و
تجاوز و عفا عن الكثير من الزلل فما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا و
يعفوا عن كثير و من كل ما سألناه أعطانا و أعطانا من النعم في الدنيا ما لا
نعد و لا نحصي و جعل امتحاننا في الدنيا قصير جدا و أعاننا فيه بإرسال
الرسل و إنزال الكتب و موالاة الحجج و لم يجعل النجاة قاصرة على الكُمل بل
كل موحد ناج أصابه قبل ذلك ما أصابه.
ووعدنا في الآخرة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على
قلب بشر مخلدين فيها لنا فيها ما نشاء في ملك كبير عظيم لا نحزن فيه أبدا .
فأي عدل فوق هذا و أي فضل فوق هذا فمن آبق فقد جحد حق الربوبية و الإلهية و جحد فضل الله فاستحق العقوبة.
و من آمن ناله من الخير العظيم ما هو فوق أمنيته مخلدا فيه.
و لو لم يكن من ذلك إلا أن الله خلق الخلق و أمرهم بعبادته و
عاقب من أساء لكان عدلا و لو كلفهم أن يعبدوه الليل و النهار و لكنه سبحانه
رحمن رحيم كريم له الأسماء الحسنى و الصفات العلا فتبارك الله رب
العالمين.
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – النار لها كيفية تدرك بها و تعقل و هي عظيمة الغيظ على
الكافرين حتى كأنها تكاد تتقطع غيظا منهم و هذا من زيادة عقوبتهم و هذا
يقود للخوف من الله فأشد عذاب الدنيا يتضاءل أمام هذا العذاب و نسأل الله
العافية.
2 – عدم الاغترار بكثرة الكافرين و تقلبهم فكما كفروا أفواجا و
حادوا الله أحزابا و تقلبوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد سيدخلون النار
أفواجا يلقون فيها كالقمامة تلقى في القليب لا قيمة لهم و لا وزن .
3 – التأمل في سفه من بلغه النذير بهذا الوعيد الشديد و قام
لديه دليل صدقه ثم لم يسعى في نجاة نفسه أو من بلغه النذير و لم يكلف نفسه
عناء البحث عن صدقه فهؤلاء بسوء صنيعهم لا تنفع فيهم شفاعة شافع و لن يقبل
من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به.
4 - عظمة الله و رحمته في إعذاره إلى خلقه بإرسال الرسل
إليهم قبل عقوبتهم و هو غنى عنهم و سوء صنيع الكافرين بتكذيب النذير رغم
عجزهم و فقرهم.
5 – التأمل في عدالة قضية الخلق و عظيم فضل الله على خلقه.
مواضيع مماثلة
» مطوية (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)
» وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
» إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
» وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))
» جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤو
» وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
» إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
» وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))
» جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤو
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin