بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 20 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 20 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
" وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الآية :
صفحة 1 من اصل 1
" وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الآية :
تفسير سورة الملك | الآية الثالثة عشر
" وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الآية : 13
*** "و أسروا قولكم أو اجهروا به" فيها وجهان للعلماء:
الوجه الأول : قال ابن عباس كانوا ينالون من رسول الله فيخبره
جبريل فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فأنزل الله هذه
الآية .
قال في التحرير:عطف على الجملة السابقة عطف غرض على غرض وهو
انتقال إلى غرض آخر لمناسبة حكاية أقوالهم في الآخرة بذكر أقوالهم في
الدنيا وهي الأقوال التي كانت تصدر منهم بالنيل من رسول الله صلى الله عليه
و سلم فكان الله يطلعهم على أقوالهم فيخبرهم النبي صلى الله عليه و سلم
بأنكم قلتم كذا وكذا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد
فأنزل الله الآية .
قلت (أبو يوسف) : و لم أجد سند لسبب النزول هذا فيما تحت يدي من مصادر و هذا السبب منتشر في كتب التفاسير.
القول الثاني : أنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال ،
والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد ، فالحال واحد في علمه تعالى بهذا
فاحذروا من المعاصي سراً كما تحترزون عنها جهراً فإنه لا يتفاوت ذلك
بالنسبة إلى علم الله تعالى ، وكما بين أنه تعالى عالم بالجهر وبالسر بين
أنه عالم بخواطر القلوب .
*** قال بن عاشور: وصيغة الأمر في ( أسروا ) و ( اجهروا )
مستعملة في التسوية كقوله تعالى ( اصبروا أو لا تصبروا ) وهذا غالب أحوال
صيغة افعل إذا جاءت معها ( أو ) عاطفة نقيض أحد الفعلين على نقيضه .
*** ( إنه عليم بذات الصدور )
تعليل لما سبق أي فسواء في علم الله الإسرار والجهر لأن علمه محيط بما
يختلج في صدور الناس بله ما يسرون به من الكلام ولذلك جيء بوصف عليم إذ
العليم من أمثلة المبالغة.
*** و ( ذات الصدور )
ما يتردد في النفس من الخواطر والتقادير والنوايا على الأعمال . وهو مركب
من ( ذات ) التي هي مؤنث ( ذو ) بمعنى صاحب والصدور بمعنى العقول وشأن ( ذو
) أن يضاف إلى ما فيه رفعة.
*** هنا حقيقة كونية هامة وردت في القرآن اثنتي عشرة مرة فهي
قاعدة ينبغي أن يعرفها كل مسلم و هي أن الله سبحانه عليم بذات الصدور و أن
الصدور له سبحانه أظهر من الصفحة المكشوفة .
فالله عليم فوق كل ذي علم مهما بلغ و علمه سبحانه لا حد له و
لا يُعلم مداه أحاط علمه بكل شيء الظواهر و البواطن و الدقيق و الجليل و
الماضي و الحاضر و المستقبل و في قصة الخضر و موسي عليهما السلام في
البخاري " فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ
نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى
مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ
هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ" .
الله يعلم ما كان و ما سيكون و ما لم يكن لو كان كيف كان سيكون فالله تعالى عليم و هي من صيغ المبالغة و ليس فقط عالم بكل شيء.
و لكن الدلالة هنا في الآية على علم خاص و هو علم ما في
الصدور فالإسرار: الإخفاء و الجهر معلوم و في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي
الله عنها قالت للنبي (ص): "مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
قال :نَعَمْ ".
فالله سبحانه يعلم ظواهر العباد و بواطنهم و ما يجيش في
صدورهم و الخطرات التي تخطر ببالهم و نياتهم و عزمهم و أمرهم كله بل إن
أحدنا أحيانا لا يعلم على وجه الجزم ما سيفعل لو حدث له كذا و كذا لكن الله
يعلم ما هو فاعل جزمت و يقينا و هذا من عظمة ملك الله أنه أحاط علمه بكل
موجود ظاهر و باطنا .
و ليس ذلك قاصرا على الإنس فقط بل الإنس و الجن و الملائكة و
كل مخلوق قال تعالى للملائكة "ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات و الأرض و
أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون".
و هذه الآية ملحقة بما قبلها فالظاهر عندي أن الخطاب عام يشمل
البشر جميعا أهل الخشية و أهل الكفر فهو لأهل الكفر نذارة و وعيد أن الله
يعلم ما يعملون و ما يسرون و علانيتهم و سرهم عنده سواء لأنه عليم بما في
صدورهم فهو سبحانه يعلم تكذيبهم للرسل و إيذائهم لهم و تضليلهم له و فوق
ذلك يعلم ما تضمره قلوبهم من الشر و ما أضمرته و ما منعهم العجز منه فهم
مكشوفين مفضوحين محاصرين بعلمه سبحانه فقبل أن يستطيعوا أن يفعلوا ما يغضب
الله هو سبحانه عليم بأول خطرة جاءتهم بهذا الفعل حتى قيل أن تخطر ببالهم و
عليم فيم يفكرون و لن يقتصر علمه على أحوالهم في الدنيا بل في البرزخ و
الآخرة أيضا.
و هو لأهل الإيمان و الخشية المذكورين في الآية السابقة تسلية
و ترجية و تحذير أن الله عليم بقلوب أعدائهم و أفعالهم و أقوالهم - فلا
تبتئسوا و لا تحسبوا الله غافلا عما يعمل الظالمون - و هو يعلم ما في
قلوبكم من خشيته ومحبته و عقد العزم على طاعته و نصرته فابشروا و اصلحوا
سرائركم .
فالإنسان محاط بقدرة الله و علمه و ذلك العلم ليس بظاهره فقط
بل بخطرات نفسه و ما دونها و ما فوقها الله يعلم صدق الصادق و كذب الكاذب و
ماذا أراد كل فاعل بفعله؟
و فوق ذلك فإن الله خلق العبد و خلق فعله قال تعالى "الله
خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل" و قال سبحانه حاكيا عن إبراهيم في
مناظرة قومه: "أتعبدون ما تنحتون * و الله خلقكم و ما تعملون " و قال النبي
(ص):"إن الله صنع كل صانع و صنعته" صححه الألباني فالصدور من خلق الله و
خطرات النفوس من خلق الله و كل شيء من خلق الله سبحانه.
و من رحمة الله أن العبد المؤمن لا يكلف ما يدور في خلده و
يخطر بباله ما لم يتكلم أو يعمل و الوساوس التي يجدها في صدره فينكرها و
يكرها لا تضره بل هي صريح الإيمان .
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو
تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء
قدير } قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من
قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم
فأنزل الله في إثرها{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا
غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز
وجل{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }قال نعم{ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذين من قبلنا }قال نعم{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }قال نعم{
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }قال
نعم .
و روى الحاكم في مستدركه عن سالم : أن أباه قرأ : { إن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء }
فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نزلت فنسختها الآية التي بعدها {
لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت }
قال الحاكم :هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي في التلخيص : صحيح
قلت (أبو يوسف) : و هذا من عظيم رحمة الله أن علم و عفا و أن
قدر و تجاوز فالله عليم و من العدل أن يحاسب كل إنسان بما في نفسه و لكنه
سبحانه تفضل علينا ووسع و لو عذبنا بذلك عذبنا غير ظالم لنا و سبحان الله
فلولا فضله ما بلغ أحد أداء حقه و سبحان من بلغ عباده رضاه و هو العظيم
الذي لا يستطيعون أداء حقه فلو عذبهم عذبهم غير ظالم لهم و لكنه خفف عنهم و
عفا عنهم فهذه نعمة لا يكافئها شكر و كيف يكافئها و الإنسان لن يبلغ بعمله
رضا الله فبلغه الله بفضله.
و في صحيح البخاري: عن أبي هريرة قال قال النبي - عليه
الصلاة والسلام " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل
أو تكلم".
و في صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال " جاء ناس من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به
قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان ".
و فيه عن علقمة عن عبد الله قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال تلك محض الإيمان.
و في المسند : عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه و سلم فقال : " يا رسول الله إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخر من السماء
أحب إلى من أن أتكلم به قال ذلك صريح الإيمان ".
قال شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد قوي وهو على شرط مسلم
قال السيوطي: ذاك صريح الإيمان معناه إن استعظامكم الكلام به
هو صريح الإيمان فإن استعظام ذلك وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن
اعتقاده يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك
وقيل معناه إن الشيطان إنما يوسوس لمن يئس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة
لعجزه عن إغوائه وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على
الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة صريح
الإيمان أو الوسوسة علامة صريح الإيمان.
قلت (أبو يوسف): و الأظهر أنه من الشيطان يكيد به المؤمن لما
يراه يحرص على طاعة الله فلا يستطيع صرفه فيكون أقصى وسعه و غاية عزمه أن
يسلط عليه تلك الوساوس ليحزنه بها أعظم الحزن و يشككه في أمر نفسه و من
رحمة الله أن ذلك غاية ما يستطيع فعله .
روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن
يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. صححه الألباني
و الوساوس نوعان:
1 - وساوس أمرنا بالكف عن الاسترسال معها و الاستعاذة بالله .
أخرج البخاري عن النبي (ص) : (( يأتي الشيطان أحدَكُم فيقول :
من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربَّك ؟ فإذا بلغه فليستعذْ
بالله ولينتَهِ )) .
و في رواية عند أبي داود :" فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد
الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا
وليستعذ من الشيطان " حسنها الألباني.
2 – وساوس تستقر في النفس بشبهة معينه و علاجها البحث عن رد الشبهة بسؤال أهل العلم و البحث في مصنفاتهم .
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – الله بكل شيء عليم و من علمِه علمُه ببواطن النفوس أكثر
من أصحابها و هو سبحانه يستوي في علمه البواطن و الظواهر و السر و
العلانية و أن يصدق المرء في مقالته أو أن يكذب و هو يعلم عن عباده أكثر
بكثير مما يعلموا عن أنفسهم و الماضي و الحاضر و المستقبل في علمه سبحانه
سواء.
2 – في الآية وعيد شديد لأهل الكفر و بيان أنهم لن يعجزوا
الله فهو يعلم خطرات نفوسهم قبل أن تحصل لهم فهم محاصرون بعلمه و قدرته
سبحانه.
3 – في الآية تسلية لأهل الإيمان أن الله عليم بحال أعدائهم و
مكرهم و كيدهم و حتى خطرات نفوسهم و أنه سبحانه إن أمهلهم فلحكمة و لكن
يوشك الأمر أن ينتهي و الله عليم بمن يخدعهم و يمكر بهم و هو وليهم و
نصيرهم و الله عليم بمحبتهم له سبحانه و خشيتهم و عقد عزمهم على طاعته.
4 – رحمة الله بالمؤمنين بعد محاسبتهم على خطرات النفوس و فقه التعامل مع الوساوس.
5 – التأمل في علم الله ببواطن النفوس.
" وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الآية : 13
*** "و أسروا قولكم أو اجهروا به" فيها وجهان للعلماء:
الوجه الأول : قال ابن عباس كانوا ينالون من رسول الله فيخبره
جبريل فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فأنزل الله هذه
الآية .
قال في التحرير:عطف على الجملة السابقة عطف غرض على غرض وهو
انتقال إلى غرض آخر لمناسبة حكاية أقوالهم في الآخرة بذكر أقوالهم في
الدنيا وهي الأقوال التي كانت تصدر منهم بالنيل من رسول الله صلى الله عليه
و سلم فكان الله يطلعهم على أقوالهم فيخبرهم النبي صلى الله عليه و سلم
بأنكم قلتم كذا وكذا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد
فأنزل الله الآية .
قلت (أبو يوسف) : و لم أجد سند لسبب النزول هذا فيما تحت يدي من مصادر و هذا السبب منتشر في كتب التفاسير.
القول الثاني : أنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال ،
والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد ، فالحال واحد في علمه تعالى بهذا
فاحذروا من المعاصي سراً كما تحترزون عنها جهراً فإنه لا يتفاوت ذلك
بالنسبة إلى علم الله تعالى ، وكما بين أنه تعالى عالم بالجهر وبالسر بين
أنه عالم بخواطر القلوب .
*** قال بن عاشور: وصيغة الأمر في ( أسروا ) و ( اجهروا )
مستعملة في التسوية كقوله تعالى ( اصبروا أو لا تصبروا ) وهذا غالب أحوال
صيغة افعل إذا جاءت معها ( أو ) عاطفة نقيض أحد الفعلين على نقيضه .
*** ( إنه عليم بذات الصدور )
تعليل لما سبق أي فسواء في علم الله الإسرار والجهر لأن علمه محيط بما
يختلج في صدور الناس بله ما يسرون به من الكلام ولذلك جيء بوصف عليم إذ
العليم من أمثلة المبالغة.
*** و ( ذات الصدور )
ما يتردد في النفس من الخواطر والتقادير والنوايا على الأعمال . وهو مركب
من ( ذات ) التي هي مؤنث ( ذو ) بمعنى صاحب والصدور بمعنى العقول وشأن ( ذو
) أن يضاف إلى ما فيه رفعة.
*** هنا حقيقة كونية هامة وردت في القرآن اثنتي عشرة مرة فهي
قاعدة ينبغي أن يعرفها كل مسلم و هي أن الله سبحانه عليم بذات الصدور و أن
الصدور له سبحانه أظهر من الصفحة المكشوفة .
فالله عليم فوق كل ذي علم مهما بلغ و علمه سبحانه لا حد له و
لا يُعلم مداه أحاط علمه بكل شيء الظواهر و البواطن و الدقيق و الجليل و
الماضي و الحاضر و المستقبل و في قصة الخضر و موسي عليهما السلام في
البخاري " فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ
نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى
مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ
هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ" .
الله يعلم ما كان و ما سيكون و ما لم يكن لو كان كيف كان سيكون فالله تعالى عليم و هي من صيغ المبالغة و ليس فقط عالم بكل شيء.
و لكن الدلالة هنا في الآية على علم خاص و هو علم ما في
الصدور فالإسرار: الإخفاء و الجهر معلوم و في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي
الله عنها قالت للنبي (ص): "مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
قال :نَعَمْ ".
فالله سبحانه يعلم ظواهر العباد و بواطنهم و ما يجيش في
صدورهم و الخطرات التي تخطر ببالهم و نياتهم و عزمهم و أمرهم كله بل إن
أحدنا أحيانا لا يعلم على وجه الجزم ما سيفعل لو حدث له كذا و كذا لكن الله
يعلم ما هو فاعل جزمت و يقينا و هذا من عظمة ملك الله أنه أحاط علمه بكل
موجود ظاهر و باطنا .
و ليس ذلك قاصرا على الإنس فقط بل الإنس و الجن و الملائكة و
كل مخلوق قال تعالى للملائكة "ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات و الأرض و
أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون".
و هذه الآية ملحقة بما قبلها فالظاهر عندي أن الخطاب عام يشمل
البشر جميعا أهل الخشية و أهل الكفر فهو لأهل الكفر نذارة و وعيد أن الله
يعلم ما يعملون و ما يسرون و علانيتهم و سرهم عنده سواء لأنه عليم بما في
صدورهم فهو سبحانه يعلم تكذيبهم للرسل و إيذائهم لهم و تضليلهم له و فوق
ذلك يعلم ما تضمره قلوبهم من الشر و ما أضمرته و ما منعهم العجز منه فهم
مكشوفين مفضوحين محاصرين بعلمه سبحانه فقبل أن يستطيعوا أن يفعلوا ما يغضب
الله هو سبحانه عليم بأول خطرة جاءتهم بهذا الفعل حتى قيل أن تخطر ببالهم و
عليم فيم يفكرون و لن يقتصر علمه على أحوالهم في الدنيا بل في البرزخ و
الآخرة أيضا.
و هو لأهل الإيمان و الخشية المذكورين في الآية السابقة تسلية
و ترجية و تحذير أن الله عليم بقلوب أعدائهم و أفعالهم و أقوالهم - فلا
تبتئسوا و لا تحسبوا الله غافلا عما يعمل الظالمون - و هو يعلم ما في
قلوبكم من خشيته ومحبته و عقد العزم على طاعته و نصرته فابشروا و اصلحوا
سرائركم .
فالإنسان محاط بقدرة الله و علمه و ذلك العلم ليس بظاهره فقط
بل بخطرات نفسه و ما دونها و ما فوقها الله يعلم صدق الصادق و كذب الكاذب و
ماذا أراد كل فاعل بفعله؟
و فوق ذلك فإن الله خلق العبد و خلق فعله قال تعالى "الله
خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل" و قال سبحانه حاكيا عن إبراهيم في
مناظرة قومه: "أتعبدون ما تنحتون * و الله خلقكم و ما تعملون " و قال النبي
(ص):"إن الله صنع كل صانع و صنعته" صححه الألباني فالصدور من خلق الله و
خطرات النفوس من خلق الله و كل شيء من خلق الله سبحانه.
و من رحمة الله أن العبد المؤمن لا يكلف ما يدور في خلده و
يخطر بباله ما لم يتكلم أو يعمل و الوساوس التي يجدها في صدره فينكرها و
يكرها لا تضره بل هي صريح الإيمان .
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو
تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء
قدير } قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من
قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم
فأنزل الله في إثرها{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا
غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز
وجل{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }قال نعم{ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذين من قبلنا }قال نعم{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }قال نعم{
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }قال
نعم .
و روى الحاكم في مستدركه عن سالم : أن أباه قرأ : { إن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء }
فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نزلت فنسختها الآية التي بعدها {
لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت }
قال الحاكم :هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي في التلخيص : صحيح
قلت (أبو يوسف) : و هذا من عظيم رحمة الله أن علم و عفا و أن
قدر و تجاوز فالله عليم و من العدل أن يحاسب كل إنسان بما في نفسه و لكنه
سبحانه تفضل علينا ووسع و لو عذبنا بذلك عذبنا غير ظالم لنا و سبحان الله
فلولا فضله ما بلغ أحد أداء حقه و سبحان من بلغ عباده رضاه و هو العظيم
الذي لا يستطيعون أداء حقه فلو عذبهم عذبهم غير ظالم لهم و لكنه خفف عنهم و
عفا عنهم فهذه نعمة لا يكافئها شكر و كيف يكافئها و الإنسان لن يبلغ بعمله
رضا الله فبلغه الله بفضله.
و في صحيح البخاري: عن أبي هريرة قال قال النبي - عليه
الصلاة والسلام " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل
أو تكلم".
و في صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال " جاء ناس من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به
قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان ".
و فيه عن علقمة عن عبد الله قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال تلك محض الإيمان.
و في المسند : عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه و سلم فقال : " يا رسول الله إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخر من السماء
أحب إلى من أن أتكلم به قال ذلك صريح الإيمان ".
قال شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد قوي وهو على شرط مسلم
قال السيوطي: ذاك صريح الإيمان معناه إن استعظامكم الكلام به
هو صريح الإيمان فإن استعظام ذلك وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن
اعتقاده يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك
وقيل معناه إن الشيطان إنما يوسوس لمن يئس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة
لعجزه عن إغوائه وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على
الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة صريح
الإيمان أو الوسوسة علامة صريح الإيمان.
قلت (أبو يوسف): و الأظهر أنه من الشيطان يكيد به المؤمن لما
يراه يحرص على طاعة الله فلا يستطيع صرفه فيكون أقصى وسعه و غاية عزمه أن
يسلط عليه تلك الوساوس ليحزنه بها أعظم الحزن و يشككه في أمر نفسه و من
رحمة الله أن ذلك غاية ما يستطيع فعله .
روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن
يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. صححه الألباني
و الوساوس نوعان:
1 - وساوس أمرنا بالكف عن الاسترسال معها و الاستعاذة بالله .
أخرج البخاري عن النبي (ص) : (( يأتي الشيطان أحدَكُم فيقول :
من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربَّك ؟ فإذا بلغه فليستعذْ
بالله ولينتَهِ )) .
و في رواية عند أبي داود :" فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد
الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا
وليستعذ من الشيطان " حسنها الألباني.
2 – وساوس تستقر في النفس بشبهة معينه و علاجها البحث عن رد الشبهة بسؤال أهل العلم و البحث في مصنفاتهم .
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – الله بكل شيء عليم و من علمِه علمُه ببواطن النفوس أكثر
من أصحابها و هو سبحانه يستوي في علمه البواطن و الظواهر و السر و
العلانية و أن يصدق المرء في مقالته أو أن يكذب و هو يعلم عن عباده أكثر
بكثير مما يعلموا عن أنفسهم و الماضي و الحاضر و المستقبل في علمه سبحانه
سواء.
2 – في الآية وعيد شديد لأهل الكفر و بيان أنهم لن يعجزوا
الله فهو يعلم خطرات نفوسهم قبل أن تحصل لهم فهم محاصرون بعلمه و قدرته
سبحانه.
3 – في الآية تسلية لأهل الإيمان أن الله عليم بحال أعدائهم و
مكرهم و كيدهم و حتى خطرات نفوسهم و أنه سبحانه إن أمهلهم فلحكمة و لكن
يوشك الأمر أن ينتهي و الله عليم بمن يخدعهم و يمكر بهم و هو وليهم و
نصيرهم و الله عليم بمحبتهم له سبحانه و خشيتهم و عقد عزمهم على طاعته.
4 – رحمة الله بالمؤمنين بعد محاسبتهم على خطرات النفوس و فقه التعامل مع الوساوس.
5 – التأمل في علم الله ببواطن النفوس.
مواضيع مماثلة
» إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ "
» سُورَة الْأَنْعَام مِن الآيَة 125 إلَى الآية 131
» مطوية (إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)
» "قل هو الذي ذرأكم في الأرض و إليه تحشرون" الآية :24
» " َفاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ " الآية : 11
» سُورَة الْأَنْعَام مِن الآيَة 125 إلَى الآية 131
» مطوية (إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)
» "قل هو الذي ذرأكم في الأرض و إليه تحشرون" الآية :24
» " َفاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ " الآية : 11
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin