بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
لماذا يحاربون الإسلام؟!
صفحة 1 من اصل 1
لماذا يحاربون الإسلام؟!
لماذا يحاربون الإسلام؟!
مع كون أخلاق الرسول جليلة، وبرغم أن حياته النبيلة مسجَّلة وموثَّقة، إلا أن الكثير والكثير من البشر تجدهم يُنكرون ذلك ويكذبونه، بل إنهم يتجاوزون مرحلة الإنكار والتكذيب إلى ما بعدها من سبٍّ وقذفٍ وطعنٍ وتجريح!!
ويقف الإنسان أحيانًا حائرًا مدهوشًا أمام هذه التيارات المهاجمة للإسلام، والطاعنة في خير البشر، وسيِّد ولد آدم u، ويتساءل متعجبًا: كيف لم تر أعينهم النور الساطع؟! وكيف لم تدرك عقولهم الحق المبين؟! وإن هذه الحيرة وتلك الدهشة لتزول، ويتلاشى معها العجب والاستغراب عندما ننظر في أحوال هؤلاء المنكرين المكذبين الطاعنين اللاعنين..
إنهم ما بين حاقد وجاهل..
أما الأول: فلا ينقصه علم ولا دراية، إنه رأى الحق بوضوح، ولكنه آثر -طواعيةً- أن يتَّبع غيره. أما لماذا خالف وأنكر فلأسباب كثيرة: فهذا محبٌّ لدنياه، وذاك مؤثرٌ لمصالحه، وهؤلاء يتبعون أهواءهم، وأولئك يغارون ويحسدون.
إنها طوائف منحرفة من البشر لا ينقصها دليل، ولا تحتاج إلى حُجَّة، وفيهم قال ربنا : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
أكابر المجرمين
وهذه الطائفة تشمل أكابر المجرمين، ورءوس الفتنة والضلال، وأتباع إبليس اللعين، وهم موجودون في كل زمن، ولا يخلو منهم عهد نبي ولا صِدِّيق ولا صالح، فهم أعداء الخير في كل مكان، ودُعاة الإفساد والرذيلة في كل وقت وحين.
وهؤلاء -وإن كانوا يقفون في خندق إبليس- إلا إنهم يتخذون لأنفسهم قادة من البشر أشقياء، قد ماتت ضمائرهم، وفسدت فطرتهم، واسودَّت قلوبهم، وعميت أبصارهم، فاختاروا لأنفسهم ولأقوامهم طريق الضلال والغواية، وأعرضوا كل الإعراض عن كل دليلٍ يقود إلى خير، ووجَّهوا جُلَّ اهتمامهم إلى حرب المصلحين والشرفاء!
ومن هذا الفريق كان فرعون وهامان وقارون، ومنه كان أبو جهل وأُبي بن خلف وأبو لهب، ومنه كان كسرى وقيصر، ومنه كان حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف.
من هؤلاء من تزيَّا بزيِّ الملوك والسلاطين، ومنهم من تزيا بزي الأحبار والرهبان.. منهم من أمسك السيف وقاتل، ومنهم من أمسك القلم وطعن.. منهم اليهودي والنصراني والمشرك والمجوسي، ومنهم الملحد الذي ينكر الألوهية أصلاً، بل إن منهم المسلم ظاهرًا المنافق باطنًا!! وما قصة عبد الله بن أبيّ ابن سلول عنَّا بخافية.
إنه فريق خطير يحتاج المسلمون دائمًا إلى كشف أوراقه، وإلى فضح مخططاته ومؤامرته، وإلى تحذير العالمين من شروره وآثامه.
ومع كون هذا الفريق على هذه الدرجة من الخطورة، إلا إنهم -بفضل الله- قلة، ولا يمثلون في تعداد المكذبين للدين، والطاعنين في الأنبياء والصالحين إلا قطراتٍ في يمٍّ واسع..
فمَن فرعون وهامان وقارون بالقياس إلى شعب مصر؟ ومن أبو جهل وأُبي بن خلف وأبو لهب بالنظر إلى شعب مكة؟ ومن كسرى إذا اطَّلَعْت على سكان العراق وفارس وما حولها؟ ومن هرقل في نصارى الشام والأناضول وأوربا..؟!
إن هذه الطائفة التي تقاتل الدين عن رغبةٍ وقصد، وتحارب الفضيلة والأخلاق عن عمدٍ ودراية، وتنهش في أعراض الصالحين وهي متلذذة مستمتعة - هذه الطائفة قليلة بالقياس إلى أعداد من يطعنون في الدين، ويحاربونه، ويصدون الناس عنه.
عموم الناس .. أتباع المكذبين
وإذا كان هؤلاء قلة، فتُرى من هم السواد الأعظم من المنكرين المكذبين؟!
إنهم الفريق الثاني الذي يتبع قادة الكفر والضلال، إنهم «عموم الناس» الذين لم يعرفوا الدين من مصادره الصحيحة، إنما صُوِّر لهم على أنه بدعٌ منكرة، أو تقاليد بالية، أو أفكار منحرفة، فانساقوا كالقطيع وراء الأبالسة، وساروا في ركابهم إلى هاويتهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!!
إنهم فريق الجُهَّال الذين ينقصهم العلم، أو البسطاء الذين يفتقرون إلى شرحٍ وتوضيح، أو حتى العقلاء الذين يحتاجون إلى دليلٍ وبرهان.
إن هذا الفريق الثاني يحتاج ببساطة إلى «العلم»!..
إنه لا يقاتل رغبةً في القتال، ولا يَسُبُّ حبًّا في السِّباب، ولا يهاجم الإسلام أو يطعن في رسول الله عن عقيدةٍ وفكرٍ وتصميم.
إنهم المساكين من العوام!!
إنها الشعوب الهائلة، والأمواج المتلاطمة من البشر!!
إنهم «عموم الناس»!!
لا إله إلا الله محمد رسول الله
راجعوا التاريخ
راجعوا التاريخ وتدبروا صفحاته..
هل حاربت شعوب فارس الإسلام؟ أم أن ذلك حصل على يد كسرى وطائفة حوله من المنتفعين من الوزراء والأمراء ورجال الدين، ثم ثُلَّة من الجنود المقهورين؟ إن الشعب الفارسي ظل قرونًا وأعوامًا يؤمن أن إلهه النار، ويؤمن أيضًا أن قائدهم «كسرى» من سلالة مقدسة طاهرة، وأن الدين الصحيح هو دين مزدك[1] وأتباعه.
ثم مرت الأيام وحُملت رسالة الإسلام بيضاء نقية إلى هؤلاء المساكين الغافلين، ورُفعت عن عيونهم الغشاوة، وأُزيل من آذانهم ما وضعه قادتهم وزعماؤهم من موانع السمع، ومن أسباب الضلال، فما هي إلا أيام معدودات حتى أدرك «عموم الناس» ما كانوا فيه من تخبط، وشاهدوا بعيونهم وعقولهم وقلوبهم عظمة التشريع وجمال الإسلام، واطَّلعوا عن قربٍ على أخلاق الرسول الرفيعة، وعلى مواقفه وأقواله الحكيمة، فاختاروا الإسلام عن رغبةٍ وحبٍّ، لا عن إكراهٍ وغصب.
إننا -والله- لا نحتاج إلى إكراه في الدين، ولا نسعى إلى إرغام على عقيدة، فضلاً عن أننا مأمورون بالامتناع عنهما، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
لقد تبيَّن لشعب فارس الرشد من الغي، لقد رأوا الحق وميزوا بينه وبين الباطل بوضوح، واختار جُل الشعب طريق الفطرة التي زرعها الله في سويداء قلوب عباده، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وأسلم غالب شعب فارس، ولم يستمر في الإنكار والتكذيب والمقاومة إلا رءوس الكفر وأئمة الضلال.
وما قلناه عن شعب فارس ينطبق على شعوب الشام ومصر وشمال إفريقيا، بل وعلى نصارى الأندلس والأناضول وشرق أوربا، وكذلك ينسحب على شعوب شرق وغرب إفريقيا، وعلى إندونيسيا وأرض الملايو والهند وغيرها.
إن حجة الله بالغة، ودينه غالب..
لا بسيفٍ ولا سلاح، ولكن بدليلٍ وبرهان!!
إنه يكفيك أن تعرض رسالة الإسلام، وأن تشرح أحوال وأخلاق وطبائع النبي العظيم رسول الله ﷺ؛ فيكون هذا سبيلاً لهداية السواد الأعظم من الناس.
من هنا نفهم ما ذكره ربنا في كتابه عندما حدَّد بوضوح وظيفة الأنبياء ومهمتهم حين قال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35]. وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]. وقال أيضًا:{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].
ومثال ذلك في القرآن كثير، وحصره يصعب ويطول.
دور المسلمين تجاه الرسول
ماذا لو قصّر المسلمون تجاه إسلامهم؟
السؤال المُلِحّ: ماذا يحدث إن قصَّر المسلمون عن حمل رسالتهم، وتوضيح شريعتهم، وشرح أخلاق نبيهم ؟!
إن هذا التقصير يفتح الباب لقادة الأفكار المنحرفة، ولأئمة الضلال والغواية أن يشرحوا الإسلام من وجهة نظرهم، وأن يُلبِّسوا على الناس دينَهم.
إن الناس تحتاج إلى قائدٍ ودليل، فماذا يحدث إن تكاسل المؤمنون عن دورهم في تعريف الناس بديننا وبرسولنا وبأخلاقنا وقِيمنا؟!
يقول رسول الله : «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[2].
ومن هنا نفهم المقولة الرائعة الموفَّقة التي نطق بها الصحابي الجليل ربعي بن عامر[3] وهو يشرح ببساطة دور المسلمين في الأرض، ومهمتهم في الحياة..
لقد قال في إيجاز حكيم: «الله ابتعثنا لنُخرِج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَور الأديان إلى عَدل الإسلام»[4].
إنها المهمة الجليلة التي يجب أن يضعها المسلمون نُصب أعينهم على الدوام؛ إذ إنَّ جُلَّ من يُحاربنا لا يعرفنا، وغالب من يكرهنا لم يَطَّلِع على حقيقة أمرنا.
إننا نحتاج إلى إبراز مواطن العظمة والكمال في ديننا، وفي حياة نبينا .. نحتاج أن نتحدث عن أنفسنا بأنفسنا، وأن نكتب عن أخلاقنا بأقلامنا، وأن نتحدث عن رسولنا بألسنتنا.
لقد دخلتُ أكثر من مكتبة عملاقة في أوربا وأميركا لأرى الكتب التي تتحدث عن الإسلام أو عن رسولنا باللغة الإنجليزية، فوجدت العشرات بل المئات، ولكن -يا للأسف- معظمها كُتبت بأيدٍ غير مسلمة!..
فقليل أنصف ودافع، وكثيرٌ ظَلَمَ وجَحَدَ وكَذَّبَ وافترى..
أين المسلمون؟!
أليس من ميادين الجهاد العظيمة أن يُكتب عن دين الإسلام وعن رسوله ما يشرح الجمال والكمال والجلال لعباد الله أجمعين؟!
ألا يجب أن نغطي هذا المجال من كل جوانبه وبكل تفصيلاته؟!
ألا يجب أن نصل إلى الشعوب المسكينة التي أعماها الجهل، وغطَّى الرانُ على قلوبها، فما رأت عظمة الإسلام وأخلاقه وتشريعاته؟!
ألا يجب أن تُترجم كل هذه الفضائل إلى كل لغات العالم المشهورة وغيرها؛ حتى نقيم حجة الله تعالى على خلقه؟
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
ألا نشعر بالحرج ونحن نرى «عموم الناس» يعيشون في حياتهم ليأكلوا ويشربوا ويتمتعوا فقط، وهم عن عبادة ربهم غافلون؟!
ألن يحاسبنا ربنا عن الملايين الذين زهدوا في الإسلام، وكرهوا رسولنا لأنهم لم يسمعوا عنه إلا من وسائل الإعلام اليهودية وما شابهها، ولم يقرءوا عنه إلا بأقلام المغرضين والملحدين؟!
إن المهمة بعدُ ثقيلة، والتبعية جِدُّ عظيمة..
إن العالم يحتاج لكمال شريعتنا، ويفتقر إلى قيادة رسولنا ، وليست مهمة البلاغ بالهينة؛ فالأعداء متربصون، وإبليس لا يهدأ، والمعركة على أشدها، ومع ذلك فنُصْب أعيننا قول ربنا يُثَبِّتَ قلوبنا، ويرسخ أقدامنا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
[1] مزدك: فيلسوف فارسي معروف، ظهر في أيام كسرى قباذ والد أنو شروان، ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطَّلَع أنو شروان على افترائه فطلبه فقتله، وكان قد أحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما.
[2] البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (100)، ومسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه (2673)، عن عبد الله بن عمرو ب.
[3] ربعي بن عامر: صحابي جليل من صحابة النبي ، شهد فتوح فارس، وبعثه سعد بن أبي وقاص إلى رستم رسولاً، وولاّه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان. انظر: ابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (2567).
[4] ابن كثير: البداية والنهاية 7/43.
مع كون أخلاق الرسول جليلة، وبرغم أن حياته النبيلة مسجَّلة وموثَّقة، إلا أن الكثير والكثير من البشر تجدهم يُنكرون ذلك ويكذبونه، بل إنهم يتجاوزون مرحلة الإنكار والتكذيب إلى ما بعدها من سبٍّ وقذفٍ وطعنٍ وتجريح!!
ويقف الإنسان أحيانًا حائرًا مدهوشًا أمام هذه التيارات المهاجمة للإسلام، والطاعنة في خير البشر، وسيِّد ولد آدم u، ويتساءل متعجبًا: كيف لم تر أعينهم النور الساطع؟! وكيف لم تدرك عقولهم الحق المبين؟! وإن هذه الحيرة وتلك الدهشة لتزول، ويتلاشى معها العجب والاستغراب عندما ننظر في أحوال هؤلاء المنكرين المكذبين الطاعنين اللاعنين..
إنهم ما بين حاقد وجاهل..
أما الأول: فلا ينقصه علم ولا دراية، إنه رأى الحق بوضوح، ولكنه آثر -طواعيةً- أن يتَّبع غيره. أما لماذا خالف وأنكر فلأسباب كثيرة: فهذا محبٌّ لدنياه، وذاك مؤثرٌ لمصالحه، وهؤلاء يتبعون أهواءهم، وأولئك يغارون ويحسدون.
إنها طوائف منحرفة من البشر لا ينقصها دليل، ولا تحتاج إلى حُجَّة، وفيهم قال ربنا : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
أكابر المجرمين
وهذه الطائفة تشمل أكابر المجرمين، ورءوس الفتنة والضلال، وأتباع إبليس اللعين، وهم موجودون في كل زمن، ولا يخلو منهم عهد نبي ولا صِدِّيق ولا صالح، فهم أعداء الخير في كل مكان، ودُعاة الإفساد والرذيلة في كل وقت وحين.
وهؤلاء -وإن كانوا يقفون في خندق إبليس- إلا إنهم يتخذون لأنفسهم قادة من البشر أشقياء، قد ماتت ضمائرهم، وفسدت فطرتهم، واسودَّت قلوبهم، وعميت أبصارهم، فاختاروا لأنفسهم ولأقوامهم طريق الضلال والغواية، وأعرضوا كل الإعراض عن كل دليلٍ يقود إلى خير، ووجَّهوا جُلَّ اهتمامهم إلى حرب المصلحين والشرفاء!
ومن هذا الفريق كان فرعون وهامان وقارون، ومنه كان أبو جهل وأُبي بن خلف وأبو لهب، ومنه كان كسرى وقيصر، ومنه كان حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف.
من هؤلاء من تزيَّا بزيِّ الملوك والسلاطين، ومنهم من تزيا بزي الأحبار والرهبان.. منهم من أمسك السيف وقاتل، ومنهم من أمسك القلم وطعن.. منهم اليهودي والنصراني والمشرك والمجوسي، ومنهم الملحد الذي ينكر الألوهية أصلاً، بل إن منهم المسلم ظاهرًا المنافق باطنًا!! وما قصة عبد الله بن أبيّ ابن سلول عنَّا بخافية.
إنه فريق خطير يحتاج المسلمون دائمًا إلى كشف أوراقه، وإلى فضح مخططاته ومؤامرته، وإلى تحذير العالمين من شروره وآثامه.
ومع كون هذا الفريق على هذه الدرجة من الخطورة، إلا إنهم -بفضل الله- قلة، ولا يمثلون في تعداد المكذبين للدين، والطاعنين في الأنبياء والصالحين إلا قطراتٍ في يمٍّ واسع..
فمَن فرعون وهامان وقارون بالقياس إلى شعب مصر؟ ومن أبو جهل وأُبي بن خلف وأبو لهب بالنظر إلى شعب مكة؟ ومن كسرى إذا اطَّلَعْت على سكان العراق وفارس وما حولها؟ ومن هرقل في نصارى الشام والأناضول وأوربا..؟!
إن هذه الطائفة التي تقاتل الدين عن رغبةٍ وقصد، وتحارب الفضيلة والأخلاق عن عمدٍ ودراية، وتنهش في أعراض الصالحين وهي متلذذة مستمتعة - هذه الطائفة قليلة بالقياس إلى أعداد من يطعنون في الدين، ويحاربونه، ويصدون الناس عنه.
عموم الناس .. أتباع المكذبين
وإذا كان هؤلاء قلة، فتُرى من هم السواد الأعظم من المنكرين المكذبين؟!
إنهم الفريق الثاني الذي يتبع قادة الكفر والضلال، إنهم «عموم الناس» الذين لم يعرفوا الدين من مصادره الصحيحة، إنما صُوِّر لهم على أنه بدعٌ منكرة، أو تقاليد بالية، أو أفكار منحرفة، فانساقوا كالقطيع وراء الأبالسة، وساروا في ركابهم إلى هاويتهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!!
إنهم فريق الجُهَّال الذين ينقصهم العلم، أو البسطاء الذين يفتقرون إلى شرحٍ وتوضيح، أو حتى العقلاء الذين يحتاجون إلى دليلٍ وبرهان.
إن هذا الفريق الثاني يحتاج ببساطة إلى «العلم»!..
إنه لا يقاتل رغبةً في القتال، ولا يَسُبُّ حبًّا في السِّباب، ولا يهاجم الإسلام أو يطعن في رسول الله عن عقيدةٍ وفكرٍ وتصميم.
إنهم المساكين من العوام!!
إنها الشعوب الهائلة، والأمواج المتلاطمة من البشر!!
إنهم «عموم الناس»!!
لا إله إلا الله محمد رسول الله
راجعوا التاريخ
راجعوا التاريخ وتدبروا صفحاته..
هل حاربت شعوب فارس الإسلام؟ أم أن ذلك حصل على يد كسرى وطائفة حوله من المنتفعين من الوزراء والأمراء ورجال الدين، ثم ثُلَّة من الجنود المقهورين؟ إن الشعب الفارسي ظل قرونًا وأعوامًا يؤمن أن إلهه النار، ويؤمن أيضًا أن قائدهم «كسرى» من سلالة مقدسة طاهرة، وأن الدين الصحيح هو دين مزدك[1] وأتباعه.
ثم مرت الأيام وحُملت رسالة الإسلام بيضاء نقية إلى هؤلاء المساكين الغافلين، ورُفعت عن عيونهم الغشاوة، وأُزيل من آذانهم ما وضعه قادتهم وزعماؤهم من موانع السمع، ومن أسباب الضلال، فما هي إلا أيام معدودات حتى أدرك «عموم الناس» ما كانوا فيه من تخبط، وشاهدوا بعيونهم وعقولهم وقلوبهم عظمة التشريع وجمال الإسلام، واطَّلعوا عن قربٍ على أخلاق الرسول الرفيعة، وعلى مواقفه وأقواله الحكيمة، فاختاروا الإسلام عن رغبةٍ وحبٍّ، لا عن إكراهٍ وغصب.
إننا -والله- لا نحتاج إلى إكراه في الدين، ولا نسعى إلى إرغام على عقيدة، فضلاً عن أننا مأمورون بالامتناع عنهما، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
لقد تبيَّن لشعب فارس الرشد من الغي، لقد رأوا الحق وميزوا بينه وبين الباطل بوضوح، واختار جُل الشعب طريق الفطرة التي زرعها الله في سويداء قلوب عباده، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وأسلم غالب شعب فارس، ولم يستمر في الإنكار والتكذيب والمقاومة إلا رءوس الكفر وأئمة الضلال.
وما قلناه عن شعب فارس ينطبق على شعوب الشام ومصر وشمال إفريقيا، بل وعلى نصارى الأندلس والأناضول وشرق أوربا، وكذلك ينسحب على شعوب شرق وغرب إفريقيا، وعلى إندونيسيا وأرض الملايو والهند وغيرها.
إن حجة الله بالغة، ودينه غالب..
لا بسيفٍ ولا سلاح، ولكن بدليلٍ وبرهان!!
إنه يكفيك أن تعرض رسالة الإسلام، وأن تشرح أحوال وأخلاق وطبائع النبي العظيم رسول الله ﷺ؛ فيكون هذا سبيلاً لهداية السواد الأعظم من الناس.
من هنا نفهم ما ذكره ربنا في كتابه عندما حدَّد بوضوح وظيفة الأنبياء ومهمتهم حين قال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35]. وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]. وقال أيضًا:{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].
ومثال ذلك في القرآن كثير، وحصره يصعب ويطول.
دور المسلمين تجاه الرسول
ماذا لو قصّر المسلمون تجاه إسلامهم؟
السؤال المُلِحّ: ماذا يحدث إن قصَّر المسلمون عن حمل رسالتهم، وتوضيح شريعتهم، وشرح أخلاق نبيهم ؟!
إن هذا التقصير يفتح الباب لقادة الأفكار المنحرفة، ولأئمة الضلال والغواية أن يشرحوا الإسلام من وجهة نظرهم، وأن يُلبِّسوا على الناس دينَهم.
إن الناس تحتاج إلى قائدٍ ودليل، فماذا يحدث إن تكاسل المؤمنون عن دورهم في تعريف الناس بديننا وبرسولنا وبأخلاقنا وقِيمنا؟!
يقول رسول الله : «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[2].
ومن هنا نفهم المقولة الرائعة الموفَّقة التي نطق بها الصحابي الجليل ربعي بن عامر[3] وهو يشرح ببساطة دور المسلمين في الأرض، ومهمتهم في الحياة..
لقد قال في إيجاز حكيم: «الله ابتعثنا لنُخرِج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَور الأديان إلى عَدل الإسلام»[4].
إنها المهمة الجليلة التي يجب أن يضعها المسلمون نُصب أعينهم على الدوام؛ إذ إنَّ جُلَّ من يُحاربنا لا يعرفنا، وغالب من يكرهنا لم يَطَّلِع على حقيقة أمرنا.
إننا نحتاج إلى إبراز مواطن العظمة والكمال في ديننا، وفي حياة نبينا .. نحتاج أن نتحدث عن أنفسنا بأنفسنا، وأن نكتب عن أخلاقنا بأقلامنا، وأن نتحدث عن رسولنا بألسنتنا.
لقد دخلتُ أكثر من مكتبة عملاقة في أوربا وأميركا لأرى الكتب التي تتحدث عن الإسلام أو عن رسولنا باللغة الإنجليزية، فوجدت العشرات بل المئات، ولكن -يا للأسف- معظمها كُتبت بأيدٍ غير مسلمة!..
فقليل أنصف ودافع، وكثيرٌ ظَلَمَ وجَحَدَ وكَذَّبَ وافترى..
أين المسلمون؟!
أليس من ميادين الجهاد العظيمة أن يُكتب عن دين الإسلام وعن رسوله ما يشرح الجمال والكمال والجلال لعباد الله أجمعين؟!
ألا يجب أن نغطي هذا المجال من كل جوانبه وبكل تفصيلاته؟!
ألا يجب أن نصل إلى الشعوب المسكينة التي أعماها الجهل، وغطَّى الرانُ على قلوبها، فما رأت عظمة الإسلام وأخلاقه وتشريعاته؟!
ألا يجب أن تُترجم كل هذه الفضائل إلى كل لغات العالم المشهورة وغيرها؛ حتى نقيم حجة الله تعالى على خلقه؟
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
ألا نشعر بالحرج ونحن نرى «عموم الناس» يعيشون في حياتهم ليأكلوا ويشربوا ويتمتعوا فقط، وهم عن عبادة ربهم غافلون؟!
ألن يحاسبنا ربنا عن الملايين الذين زهدوا في الإسلام، وكرهوا رسولنا لأنهم لم يسمعوا عنه إلا من وسائل الإعلام اليهودية وما شابهها، ولم يقرءوا عنه إلا بأقلام المغرضين والملحدين؟!
إن المهمة بعدُ ثقيلة، والتبعية جِدُّ عظيمة..
إن العالم يحتاج لكمال شريعتنا، ويفتقر إلى قيادة رسولنا ، وليست مهمة البلاغ بالهينة؛ فالأعداء متربصون، وإبليس لا يهدأ، والمعركة على أشدها، ومع ذلك فنُصْب أعيننا قول ربنا يُثَبِّتَ قلوبنا، ويرسخ أقدامنا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
[1] مزدك: فيلسوف فارسي معروف، ظهر في أيام كسرى قباذ والد أنو شروان، ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطَّلَع أنو شروان على افترائه فطلبه فقتله، وكان قد أحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما.
[2] البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (100)، ومسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه (2673)، عن عبد الله بن عمرو ب.
[3] ربعي بن عامر: صحابي جليل من صحابة النبي ، شهد فتوح فارس، وبعثه سعد بن أبي وقاص إلى رستم رسولاً، وولاّه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان. انظر: ابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (2567).
[4] ابن كثير: البداية والنهاية 7/43.
مواضيع مماثلة
» لماذا حرّم الإسلام أكل لحم الخنزير ؟
» لماذا حرّم الإسلام الحرير والذهب على الرجال ؟
» ]لماذا يحرم الإسلام الخنزير ، ؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً ؟
» شبهة انتشار الإسلام بالسيف دراسة مقارنة بين الإسلام والنصرانية
» حب أهل السنة أهل الإسلام للحسن والحسين يلخصه لنا شيخ الإسلام إبن تيمية . .
» لماذا حرّم الإسلام الحرير والذهب على الرجال ؟
» ]لماذا يحرم الإسلام الخنزير ، ؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً ؟
» شبهة انتشار الإسلام بالسيف دراسة مقارنة بين الإسلام والنصرانية
» حب أهل السنة أهل الإسلام للحسن والحسين يلخصه لنا شيخ الإسلام إبن تيمية . .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin