بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 27 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
المحاضرة السابعة عشر
صفحة 1 من اصل 1
المحاضرة السابعة عشر
المحاضرة السابعة عشر
فلا زال حديثنا موصولاً مع هذه الخاطرة من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي- رحمه الله تعالي- وهو كان في سبيل الرد على الذين ذموا الدنيا بإطلاق ، فبين أن الدنيا ليست مذمومة بإطلاق ، أنما يذم فيها فعل الجاهل والعاصي ، أما ما خلقه الله- تبارك وتعالى- للناس ليستعينوا به على عبادته- تبارك وتعالي ، فإن المرء لو استعمله على الوجه المشروع ، كان ممدوحاً لا مذمومًا إذ أن الله عز وجل أذن له في استعماله .وذكر أشياء ضرورية لا يستغنى المرء عنها ، فذكر المال ، وذكر النكاح وتكلمنا عن هذين فيما سبق واليوم نتكلم عن المحور الثالث الذي اختاره بن الجوزي وهو من الدنيا للدلالة علي أنه لا يذم ، بل التقعر في تركه هو المذموم كما سيأتي في كلامه- رحمه الله تعالي بعد ذلك قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لخدمَةِ الله- عز وجل- )وبن الجوزي يكرر لفظ الخدمة وأنا أتحاشاه إنما أقول لعبادة الله- عز وجل- لأن لفظ الخدمة فيه نظر ، ولم يجري علي لسان أحد من السلف فيما أعلم ، وأنا إذا وجدت لفظ الخدمة أنا سأبدلها للعبادة يقول: (وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لعبادة الله- عز وجل- وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله ).ويقصد بالناقة هنا البدن لأن البدن هو الذي يحمل الروح ، والبدن مطية الآدمي في حياته ، حتى إذا مات دخلت الروح في بدن آخر يناسب الخلود إما الخلود في الجنة نسأل الله غنمها ، أو في النار نسأل الله أن يجنبنا غرمها ، فالبدن مطية الروح ، هذه الروح تركب هذا البدن في مدة الحياة الدنيا ولذلك إذا مات فنيت هذه المطية ، ثم تبدل الأجساد بأجساد أخرى فهذه الناقة التي تحمل روحك أو هذه المطية التي تحمل روحك حق عليك أن تكرمها لكي تحمل هذه الروح ، وفي زمان اختفاء سفيان الثوري- رحمه الله- كان يختفي بين الناس حول الكعبة ، أخته علمت أن بعض تلاميذه وهو أبو شهاب الحنَّاط ذاهب إلى مكة ، فأعطته طعامًا ، أعطته سويقاً وسمناً وكعكاً، قال، فبحثت عن سفيان وكان مختفيًا في الناس ، فلما ألقيت عليه السلام ما رد عليَّ ، لماذا خائف أن يكون عين ، أي خشي أن يكون جاسوس ، وهو هارب ويختفي في الناس . فعندما قال له: أنا جئتك من عند أختك بزاد ، قال: فهب وقال: قرِّب تعالي بسرعة ، قال: فأكل أكلاً جيداً ثم قام يصلي إلي الفجر قال: ثم ألتفت إليَّ وقال : ( أعلِف الحمار ثم كُدَهُ )أكله وشغله هذا مثل ضربه سفيان ، قال: أعلف الحمار ثم كُدَه ، أي الذي منعه من القيام الجوع يريد أن يقوم لكن من شدة الجوع بدنه أو قدماه لا تحملانه .
فَالإِنْسَانُ الَّذِيْ يُفْهَمُ لِمَاذَا خَلَقَ ؟ لَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ هَذِهِ الْمَطِيَّةُ :ولا أن يقلل من قوتها لأنها هي التي تحمل الروح ، وأعظم الناس عذاباً من رُزق همه عالية مع بدن ضعيف ، يريد أن يفعل كل شيء لكن بدنه لا يساعده .وكانت حفصة بنت سيرين- رحمها الله - تقول: ( يا معشر الشباب أعبدوا الله في الشباب فإني رأيت العبادة في الشباب) وهذا الأثر لحفصة- رحمها الله - قرأته قديمًا في أول عهدي للطلب ، ما أحسست بهذه الكلمة إلا بعد ما وصلنا إلى الشيخوخة وكبرنا ، وعجز المرء أن يوفي ما يريده من العلم .أحيانًا كان مثلاً الإنسان ينشط فأظل مثلاً أكثر من خمسة عشر ساعة لا أَكِل ولا أَمِل ولا أشعر إطلاقًا أنني جالس علي الكرسي ، ولا أن أنني في تعب ، حديث " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم " أنا أذكر أنني لما أخرجته في بذل الإحسان الجزء الثاني في بذل الإحسان في تقرير سنن النسائي أبي عبد الرحمن ، هذا الحديث طال بحثي فيه أكثر من عشرة أيام ، وخرجت في النهاية بجزء كبير يعني يقارب السبعين صفحة من طرق هذا الحديث وعلل هذه الطرق ، ومناقشة وبسط أهل العلم فيه ، وما شعرت ، وهذا الحديث خاصة أنا أذكره مع حديث القلتين ومع حديث عائشة - رضي الله عنها- " كنت أغتسل مع النبي- صلي الله عليه وسلم- من إناء واحد تختلف فيه أيدينا فأقول له : دعلي دعلي " مع حديث " لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك " أربعة أحاديث ؟ أذكر أن أقل حديث أخذ حوالي خمسة أيام أو أربعة أيام ,كان فيه همة وكان أيضًا فيه صحة أنك تستطيع أن تقف عشر ساعات ، لأن طالب العلم الذي يعمل في التحقيق والتحرير وليس في النقل يكون يعمل كحامل الأحجار يمكن يمشي في الليلة اثنين أو ثلاثة كيلو وهي مسافة الغرفة أو مسافة المسكن ، الذي هو خصصه للمكتبة ، نفترض أنها أربعة متر مثلاً ، تظل لمدة عشر ساعات طوال الليل تذهب وتأتي وتحمل الكتب وتضعها على المكتب ، والكتب كثيرة تأخذ ما تحتاجه منها ثم تضعها على الأرفف مرة أخرى ، وتأتي بالكتب مرة أخرى .تحمل الصف كبير ووجهك لا يرى منه وتعمل وتذهب وتأتي ، وهذا الذي يعمل بالتحرير ، طبعاً هناك فرق بين تحرير العلم وبين النقل .
إِنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرٌ الْمَرْءِ بِتَحْرِيْرِ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ:كما قال الشافعي- رحمه الله-: إنما العلم هو معرفة اختلاف الناس ، يعرف ما هذا القول ، وما هذا القول ، وفي الأخر ما هو الصواب من ذلك كله هذا هو العلم ,لكن لما تضعف مُنة الطالب الذي لم يذاكر ، وقلة مرحلة الخمول ، ومرحلة الخمول التي هي مرحلة الطلب ، لا أحد يعرفه ، لما يخرج من الباب لا أحد ينتظره ولا أحد يقول له عندي مشكلة ، ولا أحد يقول له هات لي علاج ، ولا أحد يقول أنا أريد أن أسألك سؤال أو غير ذلك ، لا يفطن له ولم يكمل ولم يَبرُز ، فمستريح ، يصلي في الجماعة ممكن لا تجد أحد يقول له السلام عليكم ويخرج من المسجد هادئ ورائق وتمام التمام ، أنا أحسدهم على الذي هم فيه .فمرحلة الخمول ممكن تكون مرحلة قصيرة في حياة الطالب ، ثم دخل في صلب العمل ومطلوب منه محاضرة هنا ومحاضرة هناك وثلاث محاضرات في اليوم ، ويذهب إلى البلاد لكي يعطي خطبة الجمعة ، ويعطى الدرس ، لم يهنأ بمرحلة الخمول ، فليس عنده علم ، هو أخذ قليل من العلم .لما يتصدر للتأليف ليس عنده شيء ما الذي سيحرره ؟ فهو لم يدرس الأصول ولا تذوق الأصول ولم يستطع أن يفعل شيء ، ومطلوب منه كتب لأنه أصبح شيخًا ويذهب إلي كل مكان ولابد أن يكون مؤلف ، وحتى وإن قلت له أن يعمل مصحح في دار نشر ، يقول: مصحح ؟ كيف أعمل مصحح ؟ أنا مؤلف ، مع أنه لم يكن يتصدر لتصحيح الكتب إلا أفذاذ العلماء ، لأن من الذي يعرف خطأ المؤلف إلا واحد عالم علمه أعلم من المؤلف .
كَانَ الْشَّيْخُ عَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَ الْمُعَلِّمِيَّ الْيَمَانِيَ:قدره إلا من درس الحديث ، كان مصححاً للكتب في حيدر أباد في الهند ، وهو الذي أخرج لنا التاريخ الكبير للبخاري ، أخرج لنا الجرح والتعديل لأبي حاتم ، وأخرج لنا جزء من سنن البيهقي حتى الجزء الرابع أظن ، وأخرج كتاب الكفاية في علوم الرواية ، وأخرج الإكمال لأبن مأكوله ، أخرج الأنساب للسمعاني ، أخرج تاريخ جرجان لحمزة السهمي ، أخرج كتب كل كتاب سبيكة ذهب ، هذا كله غير كتاب التنكيل ، وكتاب التنكيل هذا جوهرة ، هذا الكتاب أنا نسخته لنفسي عندما كنت فقيرًا ، لذلك هذا الكتاب أحفظه ، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، كتاب جوهرة وهذا كان مصححًا . اليوم لما هان العلم الذي يصحح كتبي كان في بيروت آنذاك عندما كنت بطبع كتبي في بيروت بعض البنات ، بنات لماذا ؟ لأن العمالة مرتب البنات صغير قليل ، فيأتي لي الكتاب في تجارب الطبع فيه العجر والبجر التي كانت موجودة لماذا لم تصحح هذا ؟ يقول: أنا آسف لأن البنات لم يأخذوا بالهم ، بنات من ؟ البنات المصححات ، بنات تصحح كتب الحديث وأسماء رواة الحديث ؟ أنا أقول لك تقول له: تعمل مصحح ؟ يقول: لا مصحح ، أنا مؤلف علي أساس أنه رمح . أيها المؤلف أرني كتابك ؟ يدخل ، فهو يريد أن يقلب في خلال أسبوع يكون أشتغل له كتاب أو شيء لكي يأتي بالفلوس لكي يستعين بهم علي الحياة فيأتي لك من كتب الناس والآن ماكينة التصوير أصبحت مبذولة ، كان زمان عندما يقول: قال بن القيم ، سينقل عشرة أوراق لابن القيم كثير ، يده سوف تؤلمه ، ليس فارغاً يريد أن يدخل في مؤلف ثاني لأنه تعاقد مع هذه الدار والأخرى ، والأخرى ، فيكون المؤلف قص والصق . قال بن القيم يقص بن القيم ويلصق يقص ويلصق قال بن تيمية ، قال بن حجر ، قال السيوطي وإذا به يخرج في خلال أسبوع مثلاً يخرج كتاب مائة وستين صفحة ، ويظن أنه طالما أسمه نزل في الأسواق و أصبح موجودًا على الأرصفة أنه أصبح تعاظم في نفسه ، لا ، العلم ليس هكذا ، إنما العلم هو التحرير ، أن تحرر مواضع النزاع . فنرجع إلي ما كان بن الجوزي يقوله ، الإنسان العاقل هو الذي يكرم هذا البدن طالما لديك صحة ، و أنت تخدم العلم وتخدم الدعوة ، فلا يأتي واحد يقلل من أكله وشربه بحيث أنه كما ذكر بن الجوزي رجل كان يصلي قاعدًا بسبب ماذا ؟ لا يريد أن يأكل ، ما الفائدة ؟ يصلي قاعدًا كيف تصلي قاعدًا وأنت قادر علي القيام ؟ تكون الصلاة باطلة ، لكن هذا جاهل لا يعرف شيء لو أنه مشي علي قانون الفقهاء لعلم أن ترك الأكل في هذه الحالة إثم ، وأنه لا يمدح به بل يذم .فكلام حفصة بنت سيرين يوضع أمامكم ، أي الشباب يعرف أن مرحلة الشباب هذه أعظم وأفضل المراحل التي يبذل فيها الطالب حُشاشة نفسه في سبيل طلب العلم .خلاصة الكلام:أن هذا البدن أمانة حملك الله- عز وجل- حفظها فحفظها لتتم لك عبادة الله - تبارك وتعالي - إنما تُجَوِع نفسك وغير ذلك قال الله عز وجل ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾(النساء:147) هي مسألة أنه يعنِّيك لا بالعكس ينزل لك الرخص أيضاً لماذا نزل الرخص ؟ ليضع عنك العذاب ، لأن تعذيب البشر ليس مراداً ، إنما المراد أنه إذا لابث العمل مشقة أصبر علي المشقة لكن لا تعذب نفسك ابتداءًا ، لأن الله عز وجل قال:﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(البقرة:185) .فيقول بن الجوزي: (وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله. وقد كان النَّبيُ- صلى الله عليه وسلم- يأكُل ما وجَدَ .)بمعني أنه لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن عافته نفسه تركه ، وكان بعض الناس الأذكياء عندما تطهوا له زوجته أكل ويكون الطبخ غير منضبط يقول: ما عاب النبي- صلي الله عليه وسلم- طعاماً قط ، فهو يريد أن يقول لها أنت لم تطهي جيدًا ، لكن بأسلوب رفيق ، أي أنه لو عاب لعبت أنا لكنه كان متبعاً ، فما كان يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً.بل أنه- صلي الله عليه وسلم- كان إذا دخل البيت فسأل عن الطعام لم يجده فينوي الصيام ، لأجل هذا كان مريحاً ، فيه بعض الناس عندهم بسبب هذه المسألة يعملوا إزعاج لا آخر له ، طبق معين غير موجود ، وصنف معين غير موجود تكون مشكلة ، إنسان غير مريح ، تكون المرأة تدور حول نفسها ماذا أفعل له ؟ يكون متعب لا ، النبي- عليه الصلاة والسلام - كان مربحاً جداً، وما صاحبه أحد قط فأخذ عليه مثقال ذرة من المؤاخذة . أنظر هل هناك أكثر من أن أنس- رضي الله عنه- يخدمه تسع سنين ، يقول أنس: ما قال لي قط لشيء فعلته لما فعلته ؟ ولا لشيء تركته لما تركته ؟ تسع سنين واحد يخدم واحد ، وفي كتاب أخلاق النبي لأبي الشيخ يقول أنس كلاماً معناه ، ولم أكن علي مستوي الخدمة ، أي لم أكن أفعل مثل ما يريد بالضبط ، ومع ذلك ما عاب قط ، هذا الصبر ما له آخر أنه لا يعاتب قط أحدًا ، لماذا ؟ لأن العتاب كثيرًا ما يفسد الود ، عندما تقول لماذا لم تفعل ؟ ، لماذا أتيت ؟ ، لماذا ذهبت ؟ ، لماذا جلست ؟ ، لماذا قمت ؟ ، الإنسان يتضجر من كثرة العتاب وأفضل الناس من ترك المعاتبة إلا ما كان في أمر الشرع ، إنما إذا كان في أمر الدنيا وكان الأمر محتملاً فأنه يترك المعاتبة ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يأكل ما وجد ، فإن وجد اللحم أكله (وكان يَأكُلُ لَحمَ الدَّجاج )كما في حديث أبي موسي الأشعري في الصحيحين ( وأحبُ الأشيَاءَ إِلَيهِ الحَلوَى والعَسَل ).وهذا كما في حديث عائشة رضي الله عنها (وما نُقِلَ عَنه أنَّه امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ).وهذا الكلام أريد أن أعقب عليه حتى لا يتعقب بعض الناس بن الجوزي فيه ، الحديث الذي ذكرته " أنه كان إذا اشتهته نفسه أكله وإلا تركه " ، فهذا يدل على أنه ترك مباحًا ، أليس ذلك مثل الضب ، كان الصحابة يأكلون الضب والنبي- صلى الله عليه وسلم- لا يأكله ، فقيل له في ذلك قال:" ليس بأرض قومي " أي لما شبَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن الضب يؤكل في مكة ولم يتعود عليه ، والذي يعرف الضب ممكن يبغضه .أنا لما ذهبت إلى السعودية ذات مرة وبعض الناس اصطاد ضباً من الجبل ووضعه في الإناء وأوقد عليه النار والماء يغلي ، وظل الضب يتحرك في الإناء حتى أخر لحظة ، وممكن يظل ثلاث ساعات في الإناء والماء يغلي وهو يتحرك فأنت إذا لم تكن متعود على الضب فلا من الممكن أن تقترب منه ، وممكن نفسك تتركه تماماً ، وهم ما شاء الله يأكلونه جيدًا وليس عنده مشكلة في ذلك ، لماذا ؟ لأنه طلع فوجده في الجبل ويجري خلفه ويصطاده .الرسول عليه- صلى الله عليه وسلم- ما كان يأكل الضب وكان أصحابه يأكلونه ، فهو مباح .لكن بن الجوزي يريد أن يقول في كلمةوما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ) ، يرد على أهل التصوف الذين جعلوا الجوع رياضة وجعلوه مذهباً ، بحيث لو رأى واحد أخر يأكل يقول له استمر في الأكل لن تنفع ولن ترد ، هو يرد على هؤلاء ، ولم يقصد بن الجوزي ظاهر الكلام أنه ما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ، لا ، امتنع من بعض المباحات التي عافتها نفسه - صلى الله عليه وسلم- . قال: ( وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج .)الفالوذج: شيء مثل العصيدة وكانت طبعًا محببة وكانت هذه أكل الملوك يوضع على موائد الملوك ، مثل الملوخية ، هي كان اسمها ملوكية وليس ملوخية ، لماذا ؟ لأنها لم يكن يأكلها إلا الملوك .قال: (وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج فَأكَلَ منه وقال: ما هذا ؟ قالوا: يوم النَورُوز ) والنوروز: هذا أحد أعياد الكفار . قال: ( فقال: نَورُوزُنا كل يوم ). هكذا نقل بن الجوزي- رحمه الله-وَلَمَّا فَتَّشْتِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ ، الْحَقِيقَةِ وُجِدِتْ بْنُ الْجَوْزِيِّ– رَحِمَهُ الْلَّهُ- أَخْطَأَ فِيْ نَقْلِ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا .أولاً: الذي روى هذا الأثر البيهقي في سننه الكبير ووضعه تحت عنوان باب كراهية مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومهرجاناتهم ، تقريباً هذا هو التبويب ، وأورد فيه أثرًا لعبد الله بن عمر بن العاص ينهى فيه المسلمين أن يشاركوا غيرهم في أعيادهم ، وقال: من بني داراً في بلاد الكفر أو شاركهم في أعيادهم حشر يوم القيامة معهم ، ونقل أيضاً عن عمر بن الخطاب ولا أظنه يصح من جهة الإسناد عن عمر بن الخطاب أنه نهى أيضاً عن مشاركة الكافرين في أعيادهم .وهذا الأثر الذي أورده البيهقي تحت
ما الدليل ؟ ومن أتيت بها ؟ ، لكن تموت لا تحتاج إلى دليل ، فلو مت على هذا كيف تقول ، ماذا أنت قائل لربك ؟ ,لذلك سفيان بن عيينة ، رحمة الله على أبي محمد الهلالي يقول من كانت معصيته من الشهوة فارجو له ، وإن كانت معصيته من الكبر فلا خير فيه ، إن آدم عصى ربه شهوةً ، شهوة أن يكون من الخالدين ، ماذا أكل من الشجرة ؟ ليكون من الخالدين ، اشتهى ذلك ، فتاب الله عليه لما استغفر ربه ، أما إبليس فما منعه من السجود إلا الكبر فطرد ,لذلك يقول المتكبر ليس له كبير ، هو يعتقد أن دمه ليس من دم الناس ولا طينته من طينة الخلق ، هو كبير نفسه ، لذلك يعاقب يوم القيامة بنقيض ما كان يفعل في الدنيا ، كما في حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي رواه الترمذي وحسنه وأحمد وغيرهما ، قال- صلي الله عليه وسلم-:" يُحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر في صور الناس " الذر: هو الهباءة ، أنت لما تنظر في شعاع الشمس تجد الذر يطير هكذا ، هذا هو المتكبر الذي لم نكن نستطيع أن نكلمه ويطأ الجميع بقدمه ، ثاني عطفه ينظر إلى عضلاته يمين وشمال وهو يمشي ولم نكن نستطيع أن نكلمه في الدنيا يحشر يوم القيامة كمثل الذر بنقيض ما كان يفعل ، " كأمثال الذر في صور الناس ، يدخلون سجنًا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار " نار الأنيار أصعب نار في جهنم نار الأنيار ، أكلهم من عصارة أهل النار يسقون من طينة الخبال .
الْإِنْسَانُ إِذَا وَجَدَ طَرِيْقا يُؤَدِّيَ بِهِ إِلَىَ الْكِبْرِ يَنْبَغِيْ بِمُنْتَهَىَ الْحَزْمِ أَنْ يُغْلِقَهُ : أنا رئيس مؤسسة وعندي عمال ، أول ما السيارة تقف يجري الرجل ويفتح الباب وينحني ويجري أمامه ، وإذا لم يعمل ذلك يقيله ، ويعتبر أنه قليل الأدب ولا يراعي البروتوكول وغير ذلك ، إذا كان هذا الداء موجود عندك تخلص منه ، وهذه نصيحة ، احمل حقيبتك بنفسك لست مقطوع اليد فاحملها ، كم من أناس كانوا في السماء نزلوا في الأرض ، كان الواحد منهم عندما يعطى البقشيش يعطي بالألف جنيه أيام ,فأنت لا تؤمن أنك كنت فوق تنزل تحت ، وتكون نجاتك يوماً من الأيام على يد هذا الرجل المسكين ، كما يقولون في أخبار الحيوانات وهذا الكلام والقصص والحكايات التي تروى على لسان الحيوانات ، وكان سفيان الثوري يتجوز فيها وأيوب السختياني أيضًا كان يتجوز غي هذه الحكايات وأنا من هذا الباب أتجوز أيضًا ,لما يقول أن الأسد كان في يوم من الأيام نائم والفأر يمر فوجد كومة من القش وهو لا يعرف ماذا يكون هذا فأخذ ينط عليه ، فلسوء حظه نط على أنف الأسد فأيقظه من نومه ، أول ما مسكه ، يا مولاي وأخر مرة وهذا الجميل سأرده لك ، فقهقه الأسد وقال: أي جميل وأنت لا تساوي شيئًا وأنت ملك الغابة فما الجميل الذي سترجعه إلىَّ في يوم من الأيام ، قال له معذرة أنا سأرد لك الجميل ، المهم تأفف منه وتركه ، وفي يوم من الأيام هذا الأسد اصطاده الصيادون ودخل الشبكة ، ولم يستطيع الخروج ، والفأر يمر ، فحرك ذيله وبصبص ولا تقال إلا للحيوانات ,مثلاً الكلب لما يهز ذيله أو القط لما يهز ذيله يقال بصبص أي حرك ذيله لذلك يقال للرجل الذي يلعب بذيله وهذه مأخوذة من الحيوان قال له: الآن أرد لك الجميل ، وغير ذلك .
فَلَا تُحْتَقَرُ أَحَدٍ حَتَّىَ وَإِنْ كُنْتَ تُحْسِنُ إِلَيْهِ فِيْ الْدُّنْيَا: ويأتي إليك ليأخذ الصدقة أو الزكاة أو غير ذلك ، قد تكون نجاتك علي يديه يوماً ما يحصل حادثة أو يحصل غير ذلك فيكون موجود وينقذك ، وربنا يجعله سبب في أن ينقذك ,أريد أن أقول أي شيء يكون طريقًا إلى الكبر لابد أن تغلقه ، من الأشياء التي تجعل المرء يتكبر الثياب ، لذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " من الخيلاء أي _الكبر_ ، لم ينظر الله إليه بخلاف الذي يجر ثوبه بغير خيلاء هذا سيدخل النار فقط ، لأنه ممكن يدخل النار ويخرج ، إنما الذي يجر إزاره من الخيلاء فعل جريمتين:-الجريمة الأولي: أنه أسبل إزاره .الجريمة الثانية: الخيلاء .
مَا الْدَّلِيلُ عَلَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ حديث النبي- صلي الله عليه وسلم- الذي رواه جمهرة من الصحابة: " أسفل الكعبين من الإزار ففي النار ، ومن جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه أي واحد يلبس قميصًا التي اصطلحنا عليها الجلباب وطبعًا هذه الجلباب للنساء إنما هو اسمه القميص في حق الرجال اسمه القميص ، ليس القميص الذي يلبس فوق البنطلون ، والمرأة ثيابها اسمه الجلباب . الكعب: هو العظم الناتئ أعلي القدم ، ممنوع منعًا باتًا ملابسك كلها سواء بنطلون ، أو سروال ، أو جلباب أي_ قميص _، كل هذا ممنوع أن ينزل تحت الكعبين ، ينزل تحت الكعبين ففي النار ، فإن أضيف إلي ذلك شيء لا ينظر الله إليه وهذه طبعًا عقوبة أطم ، بعض الناس يقولون: أن أبو بكر الصديق وهذه حجة كل من يجيز أن يطيل المرء إزاره ، يقول: أبو بكر الصديق كانت ملابسة طويلة والنبي- صلي الله عليه وسلم- قال له: " إنك لست من من يفعل ذلك خيلاء " ، فإذا جرَّ المرء ثوبه بغير خيلاء جاز له ذلك هم يقولون هذا الكلام ، وقال هذا الكلام بعض العلماء الكبار .
مِنْ أَيْنَ أَتَىَ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا الْكَلَامِ ؟ قالوا أتينا به بدلالة المفهوم بدليل الخطاب ، لأن المفروض المخالفة ، والحديث يقول:" من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " ، فيكون مفهوم الكلام ، ومن جرَّ إزاره بغير خيلاء نظر الله إليه ، أليس هذا مفهوم الكلام ؟ نريد أن نتكلم في هذه المسألة ونبين خطأ هذا الفهم ، نحن لدينا أحاديث كثيرة عن جمهرة من الصحابة فيها " أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " بمفردها . " ومن جر إزاره من الخيلاء " بمفردها ، فقالوا: نحمل المطلق علي المقيد ، إذا كانت هذه جاءت مطلقة وقيدت في حديث آخر ، فنحمل المطلق علي المقيد كقول أهل العلم فأنا قبل أن أجاوب علي هذه الشبهة نأتي بالحديث الذي يحتجون به ويعتبروه من أقوي أدلة الباب وهو حديث صحيح علي شرط الشيخين ، رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن بن عمر ، هذا حفظي لهذا السند من قديم وأرجوا ألا أكون واهمًا فيه ، ولو فيه وهم أضربوا عليه ، واحد يراجع في مسند أحمد ويضرب عن هذا لو كنت مخطئًا .قال بن عمر:" كان علي ثوب جديد يتقعقع" _ أي جديد يعمل صوت_ "فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من ؟ قلت: أنا عبد الله قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك " قبل هذه القصة قال بن عمر: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم- " من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه ثم حكي هذه الحكاية ، أنه لبس ثوبً جديدً ثم جاء النبي - صلي الله عليه وسلم- قال: من ؟ قلت: أنا عبد الله ، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، قال:" فرفعت إزاري ، قال: زد "_أي ارفع أكثر_ ، وبن عمر يجلس مع النبي - صلي الله عليه وسلم- جاء أبو بكر ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " .فقال أبو بكر:" يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي وأنا أتعهده ، قال له: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
تَعْقِيْبْ الْشَّيْخِ حَفِظَهُ الْلَّهُ عَلَيَّ هَذَا الْحَدِيْثِ: أولا:قالوا طالما أنه لم يفعل ذلك خيلاء جاز ، لنا أكثر من ملحوظة ,هذا معناه اتهام بن عمر بالخيلاء ، لماذا قال له: ارفع إزارك ؟ وكان بداية الكلام " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " ، وقال له: إن كنت عبد الله فارفع لإزارك ثم قال له: زد ، أليس هذا اتهام لابن عمر ؟. ثانياً:أبو بكرٍ- رضي الله عنه- لم يكن يطيل إزاره أصلاً ن أنما كان إزاره مشدودًا فوق الكعبين لكنه كما وصفته عائشة كان نحيفًا ، أجنأ يسترخي إزاره من على حقوه ، كلما ينزل يشده لأعلى ، وليس أنه أطال إزاره فلما قال النبي- صلي الله عليه وسلم- ذلك اعتذر عن تطويل الإزار بأن أنا أرفعه لأعلى ، لكن كما جزم الذهبي- رحمة الله – في ترجمة بن عمر من السير قال كان أبي بكر ، وهذا كان المتصور في أبو بكر يستحيل يخلف ، يؤمر بأي أمر يستحيل يخالف .فيكون إزاره فوق الكعبين كان مشدودًا ، لكنه لكونه نحيفًا كان ينزل منه فيشده لأعلى ، فلا حجة لهم أن أبا بكر كان يطيل إزاره ، وقال له النبي- صلي الله عليه وسلم-:" إنك لست ممن يفعل ذلك خُيلاء " ، فهذا الكلام فيه معنى الخصوصية ، لأنه لو كان عامًا لسوى بين أبي بكر وبن عمر في أصل المسألة لأن الأحكام الشرعية تعم ، لا يخصص واحد عن الآخر ، فلو كانت المسألة تعم لكان الحكم عند أبي بكر كالحكم عند بن عمر سواء بسواء ، ألا وقد فرق بين بن عمر وبين أبي بكر في أصل المسألة دل ذلك على الخصوصية لأبي بكر الصديق ، أن هذا من العذر لأبي بكر الصديق .ثالثاً:أن الأحاديث التي نهت عن إسبال الإزار أحاديث نصية سيقت أصلاً لهذه المسألة ، و الذين احتجوا بحديث أبي بكر- رضي الله عنه- أخذوه بدليل المفهوم ، فلو حدث تعارض بين المنطوق والمفهوم ، أهل العلم يقدمون المنطوق لصراحته ولأنه سيق لأجل المسألة ، ودليل الخطاب عليه اعتراضات عند علما الأصول نعود لحمل المطلق على المقيد ، وقال لماذا لا نحمل المطلق على المقيد ، أي إذا ورد حديثٌ أو ورد نص مطلق ، وورد نص آخر مقيد لهذا الإطلاق ، قال يحمل المطلق على المقيد حتى لا نهمل العمل بالمقيد .
مِثَالُ يُوَضِّحُ مَعْنَىً حُمِلْ الْمُطْلَقِ عَلَىَ الْمُقَيَّدِ: لو أنك قلت لي أنا عملت الذنب كذا فقلت لك أعتق رقبة رقبة: هذا لفظ مطلق يشمل أي رقبة ، رجل ، امرأة ، صغير ، كبير ، كافر مسلم , فلو قلت لك أعتق رقبة مؤمنة ، فأكون قيدت الرقبة بالإيمان أم لا ؟ .فلو كان الحكم واحدًا نحمل المطلق على المقيد ، فلا تأتي وتقول لي أعتق رقبة أعتق رقبة كافر ، أقول لك لا ، لأنه ورد في نص آخر وصف الإيمان للرقبة الرقبة المطلقة في النص الأول مقيدة بوصف الإيمان بدلالة النص الثاني ، وهذا معنى حمل المطلق على المقيد ,ورد في سنن أبي داود من حديث بن عمر أن النبي- صلي الله عليه وسلم-: قال: " من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه ، وأسفل الكعبين من الإزار ففي النار " ، هذين الاثنين وردا في سياق واحد ، ليس حديث وحديث ، لا حديث واحد ، فيه هذان القسمان " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه وأسفل الكعبين من الإزار ففي النار " ، السبب واحد أم مختلف ، السبب في العقوبة سواء لا ينظر الله إليه أو أن أسفل الكعبين من الإزار ففي النار السبب واحد أم مختلف ؟ ، السبب واحد وهو إسبال الإزار ، الحكم مختلف أم متفق ؟ مختلف .
قَاعِدَةِ فِيْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ:قال العلماء: إذا اتحد السبب واختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد , إذا اتحد السبب ، وهو متحد أم لا ؟ واختلف الحكم ، مختلف أم لا ؟ ، قال: لا يحمل المطلق على المقيد ، فلا يصح أن نقول نحمل هذا على هذا ، لهذا الكلام الذي ذكرناه ، فيكون هذا لأنه أحد الأسباب التي تفضي بالمرء إلى الكبر فالرسول- صلي الله عليه وسلم- منع هذه المسألة ,وفي حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي هو في مسند الإمام أحمد ، وعند البخاري في الأدب المفرد ورواه البزار من حديث عطاء بن يسار من حديث عبد الله بن عمر بن العاص ، قال: " بينما نحن جلوس عند النبي - صلي الله عليه وسلم- إذ أتى رجلٌ يلبس جبة أو يلبس طيلسان من حرير " فلما رآه الرسول - صلي الله عليه وسلم- قام فأخذ به وجذبه جذبة شديدة وقال: ألا أرى عليك ثياب من لا يعقل ",قبل ما يعمل معه هذا العمل قال:" إن هذا يريد أن يرفع كل راع بن راعي ويضع كل فارس بن فارس " يرفع الراعي بن الراعي ، وأنت تعرف الراعي يكون مسكين ، يشير إلى قلة النسب ، أو عدم نجابة النسب ، والفارس الذي هو أصحاب الأنساب ، فقال: هذا الرجل أتى ليقلب كل الموازين ، كل واحد محترم يريد أن يضعه في الأرض وكل واحد غير محترم يريد أن يرفعه لأعلى ، وهذا معني :" يريد أن يرفع كل راعٍ بن راع ويضع كل فارس بن فارس " ثم قام النبي- صلي الله عليه وسلم- فأخذ به وجذبه جبذة شديدة ، وقال:" ألا أرى عليك ثياب من لا يعقل ".ثم جلس النبي- صلي الله عليه وسلم- وحكي وصية نوح التي ذكرنا طرفًا منها لما قال نوح لولده عندما أدركته الوفاة ،"قال آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين ، أنهاك عن اثنتين قال: أنهاك عن الشرك وعن الكبر ، فقال رجل: يا رسول الله أمن الكبر أن يكون للرجل نعلاً حسنًا ؟ قال: لا ، أن يكون له ثوبًا حسنًا ؟ قال: لا ، قال: أن يكون له: أصحاب ؟ قال: لا ، قال: أن يكون له دابة حسنة فارهة ؟ قال: لا ، قال: فما هو الكبر ؟ قال: الكبر: بطر الحق وغمط الناس "ولأن اللبس هو الظاهر ، لذلك علقنا عليه ، لأن الكبر ممكن يكون كامن في النفس ولا أحد يعرف إن كان هذا متكبر أم لا ، إنما تظهر أمارات الكبر الولد الذي يقول مثلاً أنا لا ألبس النعل إلا بألف جنيه فأنت تلبس هذا النعل الذي ثمنه ألف جنيه وتمشي بين أناس حفاة ، لن يعرف أحد قيمة الحذاء الذي تلبسه
أي أن كثير جدًا يلبس الحذاء الذي هو بثلاثمائة ، وأربعمائة وخمسمائة ، وألف ، وزيادة عن ألف ، ويمشي معك وأنت لا تعرف ، لمن هو يلبسه ؟ لماذا بذل هذا المبلغ كله في هذا الحذاء ؟ لمن ؟هذا نوع من الكبر ، يقول: لا ألبس الحذاء إلا بألف جنية ، لماذا تلبس حذاء بألف جنية ؟ أو أن هذه البدلة لابد أن تفصل في باريس ، وأن تجلس وسط الناس يعرفون أن هذه البدلة كم ثمنها ، ويمشي متصور أن الناس تعرف أن هذه البدلة بعشر آلاف هذا نوع من الكبر ،العبد العاقل هو الذي يغلق علي نفسه باب الكبر, لذلك يقول بن الجوزي: (وإنما يُكرَه الأكلُ فوق الشِّبع ، واللبسُ على وجهِ الاختِيَالِ والبَطَر )قال: (وقد اقتَنعَ أقوامٌ بالدونِ من ذَلك لأنَّ الحَلالَ الصَّافي لا يكادُ يُمكِنُ فيه تحصيلُ المُراد وإلا فقد لبسَ النبي- صلى الله عليه وسلم- حُلةً اشتريت له بسبعة وعشرين بعيرًا ، وكان لتميم الداري حلةً اشتريت بألف درهم يُصَلي فيها بالليل ، فجاء أقوام فأظهروا التِّزَهُدَ وابتَكَرُوا طريقةً زيَنهَا لهم الهوى ، ثم تَطَلَبُوا لها الدليل ، وإنما ينبَغِي للإنسان أن يتبعَ الدَّليلَ لا أن يَتبِع طَريقاً ويَتَطَلبُ لها دَلِيلَاً ثم انقسموا ). و هذا الكلام سنرجع إليه إن شاء الله عز وجل في الخبر الذي ذكره بن الجوزي في الحلة التي اشتريت للنبي -صلي الله عليه وسلم - وكذلك حلة تميم الداري .
فلا زال حديثنا موصولاً مع هذه الخاطرة من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي- رحمه الله تعالي- وهو كان في سبيل الرد على الذين ذموا الدنيا بإطلاق ، فبين أن الدنيا ليست مذمومة بإطلاق ، أنما يذم فيها فعل الجاهل والعاصي ، أما ما خلقه الله- تبارك وتعالى- للناس ليستعينوا به على عبادته- تبارك وتعالي ، فإن المرء لو استعمله على الوجه المشروع ، كان ممدوحاً لا مذمومًا إذ أن الله عز وجل أذن له في استعماله .وذكر أشياء ضرورية لا يستغنى المرء عنها ، فذكر المال ، وذكر النكاح وتكلمنا عن هذين فيما سبق واليوم نتكلم عن المحور الثالث الذي اختاره بن الجوزي وهو من الدنيا للدلالة علي أنه لا يذم ، بل التقعر في تركه هو المذموم كما سيأتي في كلامه- رحمه الله تعالي بعد ذلك قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لخدمَةِ الله- عز وجل- )وبن الجوزي يكرر لفظ الخدمة وأنا أتحاشاه إنما أقول لعبادة الله- عز وجل- لأن لفظ الخدمة فيه نظر ، ولم يجري علي لسان أحد من السلف فيما أعلم ، وأنا إذا وجدت لفظ الخدمة أنا سأبدلها للعبادة يقول: (وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لعبادة الله- عز وجل- وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله ).ويقصد بالناقة هنا البدن لأن البدن هو الذي يحمل الروح ، والبدن مطية الآدمي في حياته ، حتى إذا مات دخلت الروح في بدن آخر يناسب الخلود إما الخلود في الجنة نسأل الله غنمها ، أو في النار نسأل الله أن يجنبنا غرمها ، فالبدن مطية الروح ، هذه الروح تركب هذا البدن في مدة الحياة الدنيا ولذلك إذا مات فنيت هذه المطية ، ثم تبدل الأجساد بأجساد أخرى فهذه الناقة التي تحمل روحك أو هذه المطية التي تحمل روحك حق عليك أن تكرمها لكي تحمل هذه الروح ، وفي زمان اختفاء سفيان الثوري- رحمه الله- كان يختفي بين الناس حول الكعبة ، أخته علمت أن بعض تلاميذه وهو أبو شهاب الحنَّاط ذاهب إلى مكة ، فأعطته طعامًا ، أعطته سويقاً وسمناً وكعكاً، قال، فبحثت عن سفيان وكان مختفيًا في الناس ، فلما ألقيت عليه السلام ما رد عليَّ ، لماذا خائف أن يكون عين ، أي خشي أن يكون جاسوس ، وهو هارب ويختفي في الناس . فعندما قال له: أنا جئتك من عند أختك بزاد ، قال: فهب وقال: قرِّب تعالي بسرعة ، قال: فأكل أكلاً جيداً ثم قام يصلي إلي الفجر قال: ثم ألتفت إليَّ وقال : ( أعلِف الحمار ثم كُدَهُ )أكله وشغله هذا مثل ضربه سفيان ، قال: أعلف الحمار ثم كُدَه ، أي الذي منعه من القيام الجوع يريد أن يقوم لكن من شدة الجوع بدنه أو قدماه لا تحملانه .
فَالإِنْسَانُ الَّذِيْ يُفْهَمُ لِمَاذَا خَلَقَ ؟ لَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ هَذِهِ الْمَطِيَّةُ :ولا أن يقلل من قوتها لأنها هي التي تحمل الروح ، وأعظم الناس عذاباً من رُزق همه عالية مع بدن ضعيف ، يريد أن يفعل كل شيء لكن بدنه لا يساعده .وكانت حفصة بنت سيرين- رحمها الله - تقول: ( يا معشر الشباب أعبدوا الله في الشباب فإني رأيت العبادة في الشباب) وهذا الأثر لحفصة- رحمها الله - قرأته قديمًا في أول عهدي للطلب ، ما أحسست بهذه الكلمة إلا بعد ما وصلنا إلى الشيخوخة وكبرنا ، وعجز المرء أن يوفي ما يريده من العلم .أحيانًا كان مثلاً الإنسان ينشط فأظل مثلاً أكثر من خمسة عشر ساعة لا أَكِل ولا أَمِل ولا أشعر إطلاقًا أنني جالس علي الكرسي ، ولا أن أنني في تعب ، حديث " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم " أنا أذكر أنني لما أخرجته في بذل الإحسان الجزء الثاني في بذل الإحسان في تقرير سنن النسائي أبي عبد الرحمن ، هذا الحديث طال بحثي فيه أكثر من عشرة أيام ، وخرجت في النهاية بجزء كبير يعني يقارب السبعين صفحة من طرق هذا الحديث وعلل هذه الطرق ، ومناقشة وبسط أهل العلم فيه ، وما شعرت ، وهذا الحديث خاصة أنا أذكره مع حديث القلتين ومع حديث عائشة - رضي الله عنها- " كنت أغتسل مع النبي- صلي الله عليه وسلم- من إناء واحد تختلف فيه أيدينا فأقول له : دعلي دعلي " مع حديث " لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك " أربعة أحاديث ؟ أذكر أن أقل حديث أخذ حوالي خمسة أيام أو أربعة أيام ,كان فيه همة وكان أيضًا فيه صحة أنك تستطيع أن تقف عشر ساعات ، لأن طالب العلم الذي يعمل في التحقيق والتحرير وليس في النقل يكون يعمل كحامل الأحجار يمكن يمشي في الليلة اثنين أو ثلاثة كيلو وهي مسافة الغرفة أو مسافة المسكن ، الذي هو خصصه للمكتبة ، نفترض أنها أربعة متر مثلاً ، تظل لمدة عشر ساعات طوال الليل تذهب وتأتي وتحمل الكتب وتضعها على المكتب ، والكتب كثيرة تأخذ ما تحتاجه منها ثم تضعها على الأرفف مرة أخرى ، وتأتي بالكتب مرة أخرى .تحمل الصف كبير ووجهك لا يرى منه وتعمل وتذهب وتأتي ، وهذا الذي يعمل بالتحرير ، طبعاً هناك فرق بين تحرير العلم وبين النقل .
إِنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرٌ الْمَرْءِ بِتَحْرِيْرِ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ:كما قال الشافعي- رحمه الله-: إنما العلم هو معرفة اختلاف الناس ، يعرف ما هذا القول ، وما هذا القول ، وفي الأخر ما هو الصواب من ذلك كله هذا هو العلم ,لكن لما تضعف مُنة الطالب الذي لم يذاكر ، وقلة مرحلة الخمول ، ومرحلة الخمول التي هي مرحلة الطلب ، لا أحد يعرفه ، لما يخرج من الباب لا أحد ينتظره ولا أحد يقول له عندي مشكلة ، ولا أحد يقول له هات لي علاج ، ولا أحد يقول أنا أريد أن أسألك سؤال أو غير ذلك ، لا يفطن له ولم يكمل ولم يَبرُز ، فمستريح ، يصلي في الجماعة ممكن لا تجد أحد يقول له السلام عليكم ويخرج من المسجد هادئ ورائق وتمام التمام ، أنا أحسدهم على الذي هم فيه .فمرحلة الخمول ممكن تكون مرحلة قصيرة في حياة الطالب ، ثم دخل في صلب العمل ومطلوب منه محاضرة هنا ومحاضرة هناك وثلاث محاضرات في اليوم ، ويذهب إلى البلاد لكي يعطي خطبة الجمعة ، ويعطى الدرس ، لم يهنأ بمرحلة الخمول ، فليس عنده علم ، هو أخذ قليل من العلم .لما يتصدر للتأليف ليس عنده شيء ما الذي سيحرره ؟ فهو لم يدرس الأصول ولا تذوق الأصول ولم يستطع أن يفعل شيء ، ومطلوب منه كتب لأنه أصبح شيخًا ويذهب إلي كل مكان ولابد أن يكون مؤلف ، وحتى وإن قلت له أن يعمل مصحح في دار نشر ، يقول: مصحح ؟ كيف أعمل مصحح ؟ أنا مؤلف ، مع أنه لم يكن يتصدر لتصحيح الكتب إلا أفذاذ العلماء ، لأن من الذي يعرف خطأ المؤلف إلا واحد عالم علمه أعلم من المؤلف .
كَانَ الْشَّيْخُ عَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَ الْمُعَلِّمِيَّ الْيَمَانِيَ:قدره إلا من درس الحديث ، كان مصححاً للكتب في حيدر أباد في الهند ، وهو الذي أخرج لنا التاريخ الكبير للبخاري ، أخرج لنا الجرح والتعديل لأبي حاتم ، وأخرج لنا جزء من سنن البيهقي حتى الجزء الرابع أظن ، وأخرج كتاب الكفاية في علوم الرواية ، وأخرج الإكمال لأبن مأكوله ، أخرج الأنساب للسمعاني ، أخرج تاريخ جرجان لحمزة السهمي ، أخرج كتب كل كتاب سبيكة ذهب ، هذا كله غير كتاب التنكيل ، وكتاب التنكيل هذا جوهرة ، هذا الكتاب أنا نسخته لنفسي عندما كنت فقيرًا ، لذلك هذا الكتاب أحفظه ، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، كتاب جوهرة وهذا كان مصححًا . اليوم لما هان العلم الذي يصحح كتبي كان في بيروت آنذاك عندما كنت بطبع كتبي في بيروت بعض البنات ، بنات لماذا ؟ لأن العمالة مرتب البنات صغير قليل ، فيأتي لي الكتاب في تجارب الطبع فيه العجر والبجر التي كانت موجودة لماذا لم تصحح هذا ؟ يقول: أنا آسف لأن البنات لم يأخذوا بالهم ، بنات من ؟ البنات المصححات ، بنات تصحح كتب الحديث وأسماء رواة الحديث ؟ أنا أقول لك تقول له: تعمل مصحح ؟ يقول: لا مصحح ، أنا مؤلف علي أساس أنه رمح . أيها المؤلف أرني كتابك ؟ يدخل ، فهو يريد أن يقلب في خلال أسبوع يكون أشتغل له كتاب أو شيء لكي يأتي بالفلوس لكي يستعين بهم علي الحياة فيأتي لك من كتب الناس والآن ماكينة التصوير أصبحت مبذولة ، كان زمان عندما يقول: قال بن القيم ، سينقل عشرة أوراق لابن القيم كثير ، يده سوف تؤلمه ، ليس فارغاً يريد أن يدخل في مؤلف ثاني لأنه تعاقد مع هذه الدار والأخرى ، والأخرى ، فيكون المؤلف قص والصق . قال بن القيم يقص بن القيم ويلصق يقص ويلصق قال بن تيمية ، قال بن حجر ، قال السيوطي وإذا به يخرج في خلال أسبوع مثلاً يخرج كتاب مائة وستين صفحة ، ويظن أنه طالما أسمه نزل في الأسواق و أصبح موجودًا على الأرصفة أنه أصبح تعاظم في نفسه ، لا ، العلم ليس هكذا ، إنما العلم هو التحرير ، أن تحرر مواضع النزاع . فنرجع إلي ما كان بن الجوزي يقوله ، الإنسان العاقل هو الذي يكرم هذا البدن طالما لديك صحة ، و أنت تخدم العلم وتخدم الدعوة ، فلا يأتي واحد يقلل من أكله وشربه بحيث أنه كما ذكر بن الجوزي رجل كان يصلي قاعدًا بسبب ماذا ؟ لا يريد أن يأكل ، ما الفائدة ؟ يصلي قاعدًا كيف تصلي قاعدًا وأنت قادر علي القيام ؟ تكون الصلاة باطلة ، لكن هذا جاهل لا يعرف شيء لو أنه مشي علي قانون الفقهاء لعلم أن ترك الأكل في هذه الحالة إثم ، وأنه لا يمدح به بل يذم .فكلام حفصة بنت سيرين يوضع أمامكم ، أي الشباب يعرف أن مرحلة الشباب هذه أعظم وأفضل المراحل التي يبذل فيها الطالب حُشاشة نفسه في سبيل طلب العلم .خلاصة الكلام:أن هذا البدن أمانة حملك الله- عز وجل- حفظها فحفظها لتتم لك عبادة الله - تبارك وتعالي - إنما تُجَوِع نفسك وغير ذلك قال الله عز وجل ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾(النساء:147) هي مسألة أنه يعنِّيك لا بالعكس ينزل لك الرخص أيضاً لماذا نزل الرخص ؟ ليضع عنك العذاب ، لأن تعذيب البشر ليس مراداً ، إنما المراد أنه إذا لابث العمل مشقة أصبر علي المشقة لكن لا تعذب نفسك ابتداءًا ، لأن الله عز وجل قال:﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(البقرة:185) .فيقول بن الجوزي: (وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله. وقد كان النَّبيُ- صلى الله عليه وسلم- يأكُل ما وجَدَ .)بمعني أنه لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن عافته نفسه تركه ، وكان بعض الناس الأذكياء عندما تطهوا له زوجته أكل ويكون الطبخ غير منضبط يقول: ما عاب النبي- صلي الله عليه وسلم- طعاماً قط ، فهو يريد أن يقول لها أنت لم تطهي جيدًا ، لكن بأسلوب رفيق ، أي أنه لو عاب لعبت أنا لكنه كان متبعاً ، فما كان يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً.بل أنه- صلي الله عليه وسلم- كان إذا دخل البيت فسأل عن الطعام لم يجده فينوي الصيام ، لأجل هذا كان مريحاً ، فيه بعض الناس عندهم بسبب هذه المسألة يعملوا إزعاج لا آخر له ، طبق معين غير موجود ، وصنف معين غير موجود تكون مشكلة ، إنسان غير مريح ، تكون المرأة تدور حول نفسها ماذا أفعل له ؟ يكون متعب لا ، النبي- عليه الصلاة والسلام - كان مربحاً جداً، وما صاحبه أحد قط فأخذ عليه مثقال ذرة من المؤاخذة . أنظر هل هناك أكثر من أن أنس- رضي الله عنه- يخدمه تسع سنين ، يقول أنس: ما قال لي قط لشيء فعلته لما فعلته ؟ ولا لشيء تركته لما تركته ؟ تسع سنين واحد يخدم واحد ، وفي كتاب أخلاق النبي لأبي الشيخ يقول أنس كلاماً معناه ، ولم أكن علي مستوي الخدمة ، أي لم أكن أفعل مثل ما يريد بالضبط ، ومع ذلك ما عاب قط ، هذا الصبر ما له آخر أنه لا يعاتب قط أحدًا ، لماذا ؟ لأن العتاب كثيرًا ما يفسد الود ، عندما تقول لماذا لم تفعل ؟ ، لماذا أتيت ؟ ، لماذا ذهبت ؟ ، لماذا جلست ؟ ، لماذا قمت ؟ ، الإنسان يتضجر من كثرة العتاب وأفضل الناس من ترك المعاتبة إلا ما كان في أمر الشرع ، إنما إذا كان في أمر الدنيا وكان الأمر محتملاً فأنه يترك المعاتبة ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يأكل ما وجد ، فإن وجد اللحم أكله (وكان يَأكُلُ لَحمَ الدَّجاج )كما في حديث أبي موسي الأشعري في الصحيحين ( وأحبُ الأشيَاءَ إِلَيهِ الحَلوَى والعَسَل ).وهذا كما في حديث عائشة رضي الله عنها (وما نُقِلَ عَنه أنَّه امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ).وهذا الكلام أريد أن أعقب عليه حتى لا يتعقب بعض الناس بن الجوزي فيه ، الحديث الذي ذكرته " أنه كان إذا اشتهته نفسه أكله وإلا تركه " ، فهذا يدل على أنه ترك مباحًا ، أليس ذلك مثل الضب ، كان الصحابة يأكلون الضب والنبي- صلى الله عليه وسلم- لا يأكله ، فقيل له في ذلك قال:" ليس بأرض قومي " أي لما شبَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن الضب يؤكل في مكة ولم يتعود عليه ، والذي يعرف الضب ممكن يبغضه .أنا لما ذهبت إلى السعودية ذات مرة وبعض الناس اصطاد ضباً من الجبل ووضعه في الإناء وأوقد عليه النار والماء يغلي ، وظل الضب يتحرك في الإناء حتى أخر لحظة ، وممكن يظل ثلاث ساعات في الإناء والماء يغلي وهو يتحرك فأنت إذا لم تكن متعود على الضب فلا من الممكن أن تقترب منه ، وممكن نفسك تتركه تماماً ، وهم ما شاء الله يأكلونه جيدًا وليس عنده مشكلة في ذلك ، لماذا ؟ لأنه طلع فوجده في الجبل ويجري خلفه ويصطاده .الرسول عليه- صلى الله عليه وسلم- ما كان يأكل الضب وكان أصحابه يأكلونه ، فهو مباح .لكن بن الجوزي يريد أن يقول في كلمةوما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ) ، يرد على أهل التصوف الذين جعلوا الجوع رياضة وجعلوه مذهباً ، بحيث لو رأى واحد أخر يأكل يقول له استمر في الأكل لن تنفع ولن ترد ، هو يرد على هؤلاء ، ولم يقصد بن الجوزي ظاهر الكلام أنه ما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ، لا ، امتنع من بعض المباحات التي عافتها نفسه - صلى الله عليه وسلم- . قال: ( وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج .)الفالوذج: شيء مثل العصيدة وكانت طبعًا محببة وكانت هذه أكل الملوك يوضع على موائد الملوك ، مثل الملوخية ، هي كان اسمها ملوكية وليس ملوخية ، لماذا ؟ لأنها لم يكن يأكلها إلا الملوك .قال: (وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج فَأكَلَ منه وقال: ما هذا ؟ قالوا: يوم النَورُوز ) والنوروز: هذا أحد أعياد الكفار . قال: ( فقال: نَورُوزُنا كل يوم ). هكذا نقل بن الجوزي- رحمه الله-وَلَمَّا فَتَّشْتِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ ، الْحَقِيقَةِ وُجِدِتْ بْنُ الْجَوْزِيِّ– رَحِمَهُ الْلَّهُ- أَخْطَأَ فِيْ نَقْلِ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا .أولاً: الذي روى هذا الأثر البيهقي في سننه الكبير ووضعه تحت عنوان باب كراهية مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومهرجاناتهم ، تقريباً هذا هو التبويب ، وأورد فيه أثرًا لعبد الله بن عمر بن العاص ينهى فيه المسلمين أن يشاركوا غيرهم في أعيادهم ، وقال: من بني داراً في بلاد الكفر أو شاركهم في أعيادهم حشر يوم القيامة معهم ، ونقل أيضاً عن عمر بن الخطاب ولا أظنه يصح من جهة الإسناد عن عمر بن الخطاب أنه نهى أيضاً عن مشاركة الكافرين في أعيادهم .وهذا الأثر الذي أورده البيهقي تحت
ما الدليل ؟ ومن أتيت بها ؟ ، لكن تموت لا تحتاج إلى دليل ، فلو مت على هذا كيف تقول ، ماذا أنت قائل لربك ؟ ,لذلك سفيان بن عيينة ، رحمة الله على أبي محمد الهلالي يقول من كانت معصيته من الشهوة فارجو له ، وإن كانت معصيته من الكبر فلا خير فيه ، إن آدم عصى ربه شهوةً ، شهوة أن يكون من الخالدين ، ماذا أكل من الشجرة ؟ ليكون من الخالدين ، اشتهى ذلك ، فتاب الله عليه لما استغفر ربه ، أما إبليس فما منعه من السجود إلا الكبر فطرد ,لذلك يقول المتكبر ليس له كبير ، هو يعتقد أن دمه ليس من دم الناس ولا طينته من طينة الخلق ، هو كبير نفسه ، لذلك يعاقب يوم القيامة بنقيض ما كان يفعل في الدنيا ، كما في حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي رواه الترمذي وحسنه وأحمد وغيرهما ، قال- صلي الله عليه وسلم-:" يُحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر في صور الناس " الذر: هو الهباءة ، أنت لما تنظر في شعاع الشمس تجد الذر يطير هكذا ، هذا هو المتكبر الذي لم نكن نستطيع أن نكلمه ويطأ الجميع بقدمه ، ثاني عطفه ينظر إلى عضلاته يمين وشمال وهو يمشي ولم نكن نستطيع أن نكلمه في الدنيا يحشر يوم القيامة كمثل الذر بنقيض ما كان يفعل ، " كأمثال الذر في صور الناس ، يدخلون سجنًا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار " نار الأنيار أصعب نار في جهنم نار الأنيار ، أكلهم من عصارة أهل النار يسقون من طينة الخبال .
الْإِنْسَانُ إِذَا وَجَدَ طَرِيْقا يُؤَدِّيَ بِهِ إِلَىَ الْكِبْرِ يَنْبَغِيْ بِمُنْتَهَىَ الْحَزْمِ أَنْ يُغْلِقَهُ : أنا رئيس مؤسسة وعندي عمال ، أول ما السيارة تقف يجري الرجل ويفتح الباب وينحني ويجري أمامه ، وإذا لم يعمل ذلك يقيله ، ويعتبر أنه قليل الأدب ولا يراعي البروتوكول وغير ذلك ، إذا كان هذا الداء موجود عندك تخلص منه ، وهذه نصيحة ، احمل حقيبتك بنفسك لست مقطوع اليد فاحملها ، كم من أناس كانوا في السماء نزلوا في الأرض ، كان الواحد منهم عندما يعطى البقشيش يعطي بالألف جنيه أيام ,فأنت لا تؤمن أنك كنت فوق تنزل تحت ، وتكون نجاتك يوماً من الأيام على يد هذا الرجل المسكين ، كما يقولون في أخبار الحيوانات وهذا الكلام والقصص والحكايات التي تروى على لسان الحيوانات ، وكان سفيان الثوري يتجوز فيها وأيوب السختياني أيضًا كان يتجوز غي هذه الحكايات وأنا من هذا الباب أتجوز أيضًا ,لما يقول أن الأسد كان في يوم من الأيام نائم والفأر يمر فوجد كومة من القش وهو لا يعرف ماذا يكون هذا فأخذ ينط عليه ، فلسوء حظه نط على أنف الأسد فأيقظه من نومه ، أول ما مسكه ، يا مولاي وأخر مرة وهذا الجميل سأرده لك ، فقهقه الأسد وقال: أي جميل وأنت لا تساوي شيئًا وأنت ملك الغابة فما الجميل الذي سترجعه إلىَّ في يوم من الأيام ، قال له معذرة أنا سأرد لك الجميل ، المهم تأفف منه وتركه ، وفي يوم من الأيام هذا الأسد اصطاده الصيادون ودخل الشبكة ، ولم يستطيع الخروج ، والفأر يمر ، فحرك ذيله وبصبص ولا تقال إلا للحيوانات ,مثلاً الكلب لما يهز ذيله أو القط لما يهز ذيله يقال بصبص أي حرك ذيله لذلك يقال للرجل الذي يلعب بذيله وهذه مأخوذة من الحيوان قال له: الآن أرد لك الجميل ، وغير ذلك .
فَلَا تُحْتَقَرُ أَحَدٍ حَتَّىَ وَإِنْ كُنْتَ تُحْسِنُ إِلَيْهِ فِيْ الْدُّنْيَا: ويأتي إليك ليأخذ الصدقة أو الزكاة أو غير ذلك ، قد تكون نجاتك علي يديه يوماً ما يحصل حادثة أو يحصل غير ذلك فيكون موجود وينقذك ، وربنا يجعله سبب في أن ينقذك ,أريد أن أقول أي شيء يكون طريقًا إلى الكبر لابد أن تغلقه ، من الأشياء التي تجعل المرء يتكبر الثياب ، لذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " من الخيلاء أي _الكبر_ ، لم ينظر الله إليه بخلاف الذي يجر ثوبه بغير خيلاء هذا سيدخل النار فقط ، لأنه ممكن يدخل النار ويخرج ، إنما الذي يجر إزاره من الخيلاء فعل جريمتين:-الجريمة الأولي: أنه أسبل إزاره .الجريمة الثانية: الخيلاء .
مَا الْدَّلِيلُ عَلَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ حديث النبي- صلي الله عليه وسلم- الذي رواه جمهرة من الصحابة: " أسفل الكعبين من الإزار ففي النار ، ومن جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه أي واحد يلبس قميصًا التي اصطلحنا عليها الجلباب وطبعًا هذه الجلباب للنساء إنما هو اسمه القميص في حق الرجال اسمه القميص ، ليس القميص الذي يلبس فوق البنطلون ، والمرأة ثيابها اسمه الجلباب . الكعب: هو العظم الناتئ أعلي القدم ، ممنوع منعًا باتًا ملابسك كلها سواء بنطلون ، أو سروال ، أو جلباب أي_ قميص _، كل هذا ممنوع أن ينزل تحت الكعبين ، ينزل تحت الكعبين ففي النار ، فإن أضيف إلي ذلك شيء لا ينظر الله إليه وهذه طبعًا عقوبة أطم ، بعض الناس يقولون: أن أبو بكر الصديق وهذه حجة كل من يجيز أن يطيل المرء إزاره ، يقول: أبو بكر الصديق كانت ملابسة طويلة والنبي- صلي الله عليه وسلم- قال له: " إنك لست من من يفعل ذلك خيلاء " ، فإذا جرَّ المرء ثوبه بغير خيلاء جاز له ذلك هم يقولون هذا الكلام ، وقال هذا الكلام بعض العلماء الكبار .
مِنْ أَيْنَ أَتَىَ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا الْكَلَامِ ؟ قالوا أتينا به بدلالة المفهوم بدليل الخطاب ، لأن المفروض المخالفة ، والحديث يقول:" من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " ، فيكون مفهوم الكلام ، ومن جرَّ إزاره بغير خيلاء نظر الله إليه ، أليس هذا مفهوم الكلام ؟ نريد أن نتكلم في هذه المسألة ونبين خطأ هذا الفهم ، نحن لدينا أحاديث كثيرة عن جمهرة من الصحابة فيها " أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " بمفردها . " ومن جر إزاره من الخيلاء " بمفردها ، فقالوا: نحمل المطلق علي المقيد ، إذا كانت هذه جاءت مطلقة وقيدت في حديث آخر ، فنحمل المطلق علي المقيد كقول أهل العلم فأنا قبل أن أجاوب علي هذه الشبهة نأتي بالحديث الذي يحتجون به ويعتبروه من أقوي أدلة الباب وهو حديث صحيح علي شرط الشيخين ، رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن بن عمر ، هذا حفظي لهذا السند من قديم وأرجوا ألا أكون واهمًا فيه ، ولو فيه وهم أضربوا عليه ، واحد يراجع في مسند أحمد ويضرب عن هذا لو كنت مخطئًا .قال بن عمر:" كان علي ثوب جديد يتقعقع" _ أي جديد يعمل صوت_ "فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من ؟ قلت: أنا عبد الله قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك " قبل هذه القصة قال بن عمر: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم- " من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه ثم حكي هذه الحكاية ، أنه لبس ثوبً جديدً ثم جاء النبي - صلي الله عليه وسلم- قال: من ؟ قلت: أنا عبد الله ، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، قال:" فرفعت إزاري ، قال: زد "_أي ارفع أكثر_ ، وبن عمر يجلس مع النبي - صلي الله عليه وسلم- جاء أبو بكر ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " .فقال أبو بكر:" يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي وأنا أتعهده ، قال له: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
تَعْقِيْبْ الْشَّيْخِ حَفِظَهُ الْلَّهُ عَلَيَّ هَذَا الْحَدِيْثِ: أولا:قالوا طالما أنه لم يفعل ذلك خيلاء جاز ، لنا أكثر من ملحوظة ,هذا معناه اتهام بن عمر بالخيلاء ، لماذا قال له: ارفع إزارك ؟ وكان بداية الكلام " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه " ، وقال له: إن كنت عبد الله فارفع لإزارك ثم قال له: زد ، أليس هذا اتهام لابن عمر ؟. ثانياً:أبو بكرٍ- رضي الله عنه- لم يكن يطيل إزاره أصلاً ن أنما كان إزاره مشدودًا فوق الكعبين لكنه كما وصفته عائشة كان نحيفًا ، أجنأ يسترخي إزاره من على حقوه ، كلما ينزل يشده لأعلى ، وليس أنه أطال إزاره فلما قال النبي- صلي الله عليه وسلم- ذلك اعتذر عن تطويل الإزار بأن أنا أرفعه لأعلى ، لكن كما جزم الذهبي- رحمة الله – في ترجمة بن عمر من السير قال كان أبي بكر ، وهذا كان المتصور في أبو بكر يستحيل يخلف ، يؤمر بأي أمر يستحيل يخالف .فيكون إزاره فوق الكعبين كان مشدودًا ، لكنه لكونه نحيفًا كان ينزل منه فيشده لأعلى ، فلا حجة لهم أن أبا بكر كان يطيل إزاره ، وقال له النبي- صلي الله عليه وسلم-:" إنك لست ممن يفعل ذلك خُيلاء " ، فهذا الكلام فيه معنى الخصوصية ، لأنه لو كان عامًا لسوى بين أبي بكر وبن عمر في أصل المسألة لأن الأحكام الشرعية تعم ، لا يخصص واحد عن الآخر ، فلو كانت المسألة تعم لكان الحكم عند أبي بكر كالحكم عند بن عمر سواء بسواء ، ألا وقد فرق بين بن عمر وبين أبي بكر في أصل المسألة دل ذلك على الخصوصية لأبي بكر الصديق ، أن هذا من العذر لأبي بكر الصديق .ثالثاً:أن الأحاديث التي نهت عن إسبال الإزار أحاديث نصية سيقت أصلاً لهذه المسألة ، و الذين احتجوا بحديث أبي بكر- رضي الله عنه- أخذوه بدليل المفهوم ، فلو حدث تعارض بين المنطوق والمفهوم ، أهل العلم يقدمون المنطوق لصراحته ولأنه سيق لأجل المسألة ، ودليل الخطاب عليه اعتراضات عند علما الأصول نعود لحمل المطلق على المقيد ، وقال لماذا لا نحمل المطلق على المقيد ، أي إذا ورد حديثٌ أو ورد نص مطلق ، وورد نص آخر مقيد لهذا الإطلاق ، قال يحمل المطلق على المقيد حتى لا نهمل العمل بالمقيد .
مِثَالُ يُوَضِّحُ مَعْنَىً حُمِلْ الْمُطْلَقِ عَلَىَ الْمُقَيَّدِ: لو أنك قلت لي أنا عملت الذنب كذا فقلت لك أعتق رقبة رقبة: هذا لفظ مطلق يشمل أي رقبة ، رجل ، امرأة ، صغير ، كبير ، كافر مسلم , فلو قلت لك أعتق رقبة مؤمنة ، فأكون قيدت الرقبة بالإيمان أم لا ؟ .فلو كان الحكم واحدًا نحمل المطلق على المقيد ، فلا تأتي وتقول لي أعتق رقبة أعتق رقبة كافر ، أقول لك لا ، لأنه ورد في نص آخر وصف الإيمان للرقبة الرقبة المطلقة في النص الأول مقيدة بوصف الإيمان بدلالة النص الثاني ، وهذا معنى حمل المطلق على المقيد ,ورد في سنن أبي داود من حديث بن عمر أن النبي- صلي الله عليه وسلم-: قال: " من جرَّ إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه ، وأسفل الكعبين من الإزار ففي النار " ، هذين الاثنين وردا في سياق واحد ، ليس حديث وحديث ، لا حديث واحد ، فيه هذان القسمان " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه وأسفل الكعبين من الإزار ففي النار " ، السبب واحد أم مختلف ، السبب في العقوبة سواء لا ينظر الله إليه أو أن أسفل الكعبين من الإزار ففي النار السبب واحد أم مختلف ؟ ، السبب واحد وهو إسبال الإزار ، الحكم مختلف أم متفق ؟ مختلف .
قَاعِدَةِ فِيْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ:قال العلماء: إذا اتحد السبب واختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد , إذا اتحد السبب ، وهو متحد أم لا ؟ واختلف الحكم ، مختلف أم لا ؟ ، قال: لا يحمل المطلق على المقيد ، فلا يصح أن نقول نحمل هذا على هذا ، لهذا الكلام الذي ذكرناه ، فيكون هذا لأنه أحد الأسباب التي تفضي بالمرء إلى الكبر فالرسول- صلي الله عليه وسلم- منع هذه المسألة ,وفي حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي هو في مسند الإمام أحمد ، وعند البخاري في الأدب المفرد ورواه البزار من حديث عطاء بن يسار من حديث عبد الله بن عمر بن العاص ، قال: " بينما نحن جلوس عند النبي - صلي الله عليه وسلم- إذ أتى رجلٌ يلبس جبة أو يلبس طيلسان من حرير " فلما رآه الرسول - صلي الله عليه وسلم- قام فأخذ به وجذبه جذبة شديدة وقال: ألا أرى عليك ثياب من لا يعقل ",قبل ما يعمل معه هذا العمل قال:" إن هذا يريد أن يرفع كل راع بن راعي ويضع كل فارس بن فارس " يرفع الراعي بن الراعي ، وأنت تعرف الراعي يكون مسكين ، يشير إلى قلة النسب ، أو عدم نجابة النسب ، والفارس الذي هو أصحاب الأنساب ، فقال: هذا الرجل أتى ليقلب كل الموازين ، كل واحد محترم يريد أن يضعه في الأرض وكل واحد غير محترم يريد أن يرفعه لأعلى ، وهذا معني :" يريد أن يرفع كل راعٍ بن راع ويضع كل فارس بن فارس " ثم قام النبي- صلي الله عليه وسلم- فأخذ به وجذبه جبذة شديدة ، وقال:" ألا أرى عليك ثياب من لا يعقل ".ثم جلس النبي- صلي الله عليه وسلم- وحكي وصية نوح التي ذكرنا طرفًا منها لما قال نوح لولده عندما أدركته الوفاة ،"قال آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين ، أنهاك عن اثنتين قال: أنهاك عن الشرك وعن الكبر ، فقال رجل: يا رسول الله أمن الكبر أن يكون للرجل نعلاً حسنًا ؟ قال: لا ، أن يكون له ثوبًا حسنًا ؟ قال: لا ، قال: أن يكون له: أصحاب ؟ قال: لا ، قال: أن يكون له دابة حسنة فارهة ؟ قال: لا ، قال: فما هو الكبر ؟ قال: الكبر: بطر الحق وغمط الناس "ولأن اللبس هو الظاهر ، لذلك علقنا عليه ، لأن الكبر ممكن يكون كامن في النفس ولا أحد يعرف إن كان هذا متكبر أم لا ، إنما تظهر أمارات الكبر الولد الذي يقول مثلاً أنا لا ألبس النعل إلا بألف جنيه فأنت تلبس هذا النعل الذي ثمنه ألف جنيه وتمشي بين أناس حفاة ، لن يعرف أحد قيمة الحذاء الذي تلبسه
أي أن كثير جدًا يلبس الحذاء الذي هو بثلاثمائة ، وأربعمائة وخمسمائة ، وألف ، وزيادة عن ألف ، ويمشي معك وأنت لا تعرف ، لمن هو يلبسه ؟ لماذا بذل هذا المبلغ كله في هذا الحذاء ؟ لمن ؟هذا نوع من الكبر ، يقول: لا ألبس الحذاء إلا بألف جنية ، لماذا تلبس حذاء بألف جنية ؟ أو أن هذه البدلة لابد أن تفصل في باريس ، وأن تجلس وسط الناس يعرفون أن هذه البدلة كم ثمنها ، ويمشي متصور أن الناس تعرف أن هذه البدلة بعشر آلاف هذا نوع من الكبر ،العبد العاقل هو الذي يغلق علي نفسه باب الكبر, لذلك يقول بن الجوزي: (وإنما يُكرَه الأكلُ فوق الشِّبع ، واللبسُ على وجهِ الاختِيَالِ والبَطَر )قال: (وقد اقتَنعَ أقوامٌ بالدونِ من ذَلك لأنَّ الحَلالَ الصَّافي لا يكادُ يُمكِنُ فيه تحصيلُ المُراد وإلا فقد لبسَ النبي- صلى الله عليه وسلم- حُلةً اشتريت له بسبعة وعشرين بعيرًا ، وكان لتميم الداري حلةً اشتريت بألف درهم يُصَلي فيها بالليل ، فجاء أقوام فأظهروا التِّزَهُدَ وابتَكَرُوا طريقةً زيَنهَا لهم الهوى ، ثم تَطَلَبُوا لها الدليل ، وإنما ينبَغِي للإنسان أن يتبعَ الدَّليلَ لا أن يَتبِع طَريقاً ويَتَطَلبُ لها دَلِيلَاً ثم انقسموا ). و هذا الكلام سنرجع إليه إن شاء الله عز وجل في الخبر الذي ذكره بن الجوزي في الحلة التي اشتريت للنبي -صلي الله عليه وسلم - وكذلك حلة تميم الداري .
مواضيع مماثلة
» المحاضرة السابعة عشر
» المحاضرة الثالثة عشر
» المحاضرة الرابعة عشر
» المحاضرة الخامسة عشر
» المحاضرة السادسة عشر
» المحاضرة الثالثة عشر
» المحاضرة الرابعة عشر
» المحاضرة الخامسة عشر
» المحاضرة السادسة عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin