بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 41 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 41 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
صور مشرقة في عالم الصفاء والنقاء 2
صفحة 1 من اصل 1
صور مشرقة في عالم الصفاء والنقاء 2
الصورة الرابعة: الذب عن الأعراض
[والله ما نعلم إلا خيراً] هذه المقالة قالها معاذ بن جبل رضي الله عنه دفاعاً عن كعب بن مالك في قصة تخلفه في غزوة تبوك ، قال كعب : (لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك ذكرني وقال: ما فعل كعب ؟ فقال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل وكان حاضراً: بئس ما قلت! والله ما نعلم إلا خيراً!). أسمعت هذا الموقف؟! لقد كان بإمكان معاذ رضي الله تعالى عنه السكوت تأدباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يعيب عليه النبي صلى الله عليه وسلم سكوته، ولكنه أعلن الحق الذي امتلأ به قلبه، لم يطق معاذ أن يسمع هذه الكلمات بأخيه كعب ، فأعلن الحق الذي في قلبه انتصاراً لـكعب بن مالك رضي الله عنهما جميعاً. إنه الدفاع والذب عن عرض أخيه، فمن منا وقف مثل هذا الموقف؟! كم نسمع في مجالسنا وفي منتدياتنا من يذكر فلاناً وعلاناً من إخواننا من المسلمين؛ ممن يصلي ويصوم ويشهد أن لا إله إلا الله؛ نسمع الكلمات التي تذكر في عرضه، فمن منا وقف مثل هذا الموقف؟! بل ربما أن البعض يتلذذ بالسماع ويأنس بمثل هذه الكلمات عياذاً بالله، ولكن صحابة رسول الله تربوا على هذا المنهج، إنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل المسلم على المسلم حرام: عرضه ودمه وماله)، فعلموا حرمة ذلك. وعن أبي الدرداء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، كما أخرجه الترمذي في سننه في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في الذب عن المسلم، وإسناده صحيح. واسمع لهذا الموقف: قال حنبل بن إسحاق: سمعت ابن معين يقول: رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه أسماء شيوخ: فلان رافضي، وفلان كذا،.. ووكيع رافضي! فقلت لـمروان : وكيع خير منك! قال مروان : مني؟! -استفهام وتعجب- قلت: نعم. قال: فسكت، ولو قال لي شيئاً لوثب أصحاب الحديث عليه!. قال -أي يحيى -: فبلغ ذلك وكيعاً فقال وكيع: يحيى صاحبنا، وكان بعد ذلك يعرف لي ويرحب. انظر أثر الدفاع عن العرض في قلب وكيع رحمه الله تعالى، أصبح يحيى بن معين حبيباً إلى قلبه، أصبح يرحب به كثيراً! هكذا يكون جمع القلوب، هكذا إذا أردنا أن نحبب النفوس بعضها ببعض، هكذا إذا أردنا أن نرص الصفوف في وجه أعدائنا، أن يعلم كل فرد منا أنه محام عن أعراض إخوانه المسلمين في كل مكان، وفي أي مجلس كان، وأمام أي كائن من كان، مهما بلغ من المرتبة والشرف، مادام أنه تجرأ على عرض أخ من إخواننا المسلمين يجب أن أقف وأذب عن عرض هذا المسلم، هكذا يكون الإنسان محبوباً عند الناس، لا. بل هكذا يكون محبوباً عند الله قبل كل شيء، ومن أحبه الله أحبه الناس.
أعلى الصفحة
الصورة الخامسة: طيب قلب بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر الذهبي في السير بسنده إلى عوف بن الحارث أنه قال: سمعت عائشة تقول: [دعتني أم حبيبة -أي: زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم- عند موتها فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت -أي: عائشة -: غفر الله لك كله وحللك من ذلك، فقالت أم حبيبة : سررتني سرك الله، تقول عائشة : وأرسلت أم حبيبة إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك]. انظر إلى تصافي القلوب في صفوف النساء! ما أحلى هذه القلوب إذا اجتمعت على المحبة وحرصت على تنقية القلوب من الغل والحقد والحسد. أقول: كم نسمع نساءنا يتحدثن في المجالس عن فلانة وعلانة ولربما كالت لها كثيراً من السب والشتم عياذاً بالله، وكأنها تتكلم عن كافرة من الكفار، لا تشعر أنها تتكلم عن مسلمة، وعائشة رضي الله عنها لما أشارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها فقط عن صفية أنها قصيرة قال: (ألا إنك قلت كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)! فقط تعني: أنها قصيرة، فهلا تنبه لهذا الأمر نساؤنا؟! فكم من الحسنات تذهب في مثل هذه الكلمات.
أعلى الصفحة
الصورة السادسة: انشغال قلب الحاقد بما لا ينفع
صورة قصيرة لكنها كبيرة المعاني: قال رجل لـعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك! يعني بالكيد والتشفي والانتقام وغير ذلك، فماذا كان رد عمرو ؟! فقال عمرو بن العاص بذكائه وعقله: [إذن تقع في الشغل.. إذن تقع في الشغل!]. نعم. إن الذي يتفرغ لينال من الناس ويشتم الناس لا يكون فارغاً أبداً، إنما تشغله نفسه وحقده بالناس، فيضيع عمره فيما لا ينفع، ولا شك أن قول عمرو هو الصواب وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] كم نحب أن نسمع مثل هذه الكلمات لمن وقع بينه وبين أحد خصومة أو من هدده وتوعده، (إذن تقع في الشغل)؛ لأن القلب الذي امتلأ بالحسد والانتقام من الناس، وتتبع زلاتهم والتشفي منهم، قلب مشغول دائماً، أما القلب السليم الذي امتلأ بسلامة الصدر وحب الناس وجمع القلوب فهو لا يفكر إلا فيما ينفعه: كطلب علم أو عمل خير ونحوهما، أما أعراض الناس فهو بريء منها؛ لأنه عاهد الله أن يترك مثل ذلك.
أعلى الصفحة
الصورة السابعة: تواضع جمّ
أيضاً موقف قصير ولكنه كبير بمعانيه. في سيرة سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: [أن رجلاً زاحمه في منى -وأنتم تعلمون حال الناس في منى كيف يكون؟ وكيف تبلغ النفوس مبلغها في مثل هذه المواقف نظراً للزحام الشديد؟- فالتفت الرجل إلى سالم -وسالم هذا علامة التابعين رضي الله عنه، فقال الرجل لـسالم : إنني لأظنك رجل سوء! فبماذا أجاب سالم رضي الله عنه؟! قال كلمتين: قال: ما عرفني إلا أنت!]. سبحان الله! هكذا كان إزراؤهم بأنفسهم رضوان الله عليهم؛ مع سعة علمهم وكثرة عبادتهم وجهادهم، وكثرة خوفهم وبكائهم من الله جل وعلا إلا أنهم يحتقرون ذواتهم رضي الله تعالى عنهم، أين العجب والغرور الذي يصيب أنفسنا؟ إذا فعل الإنسان منا فعلاً أو عبادة أو قام بعمل خير أعجبته نفسه وأصبح عند نفسه زاهد الزهاد. لا إله إ لا الله!
أعلى الصفحة
الصورة الثامنة: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
ذكر الذهبي في السير في ترجمة البخاري محمد بن إسماعيل ، صاحب الصحيح رضي الله عنه، قال: -أي الذهبي -: وكان كثير من أصحابه يقولون له -أي البخاري-: إن بعض الناس يقع فيك! - لو قيلت هذه الكلمة لأحدنا ماذا سيقول؟ ربما يبادر ويقول مباشرةً: ماذا يقولون؟! ومتى؟! ومن هم؟! أما الإمام البخاري رحمه الله تعالى لما قيلت له هذه الكلمة: إن بعض الناس يقع فيك، قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]، ويتلو أيضاً قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. هذا والله هو الفقه، وهذه والله هي البصيرة والحكمة، ولكن من يؤتى هذه البصيرة؟! ومن يؤتى هذه الحكمة؟! ولذلك إذا قلنا للناس تعلموا واقرؤوا في سير الرجال واستفيدوا منها، رأينا كثيراً منهم يعرض عن هذا، وما علم أولئك المساكين أنه في النظر حياة الأولين وتراجمهم حياة للقلوب، فإذا سمعت الناس يغتابونك أو يذكرونك بسوء وأنت أعلم بنفسك وأعلم بما بينك وبين الله جل وعلا، فاعف عنهم واصفح، وسترى أثر ذلك ومن كاد لك، فإن الله تعالى يقول: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. فقال عبد المجيد بن إبراهيم للبخاري : كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك؟! فقال البخاري : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وقال أيضاً: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا على ظالمه فقد انتصر). إنه رحمه الله لا يفكر بمجرد الدعاء على من ظلمه وبهته، فضلاً عن أن يشغل نفسه أو يضيع وقته في التقصي وتتبع الزلات منهم، فرضي الله عن أولئك الأنقياء ورحمهم الله رحمةً واسعةً.
أعلى الصفحة
الصورة التاسعة: هضم النفس وحقوقها
ذكر الذهبي في السير قال: عن أبي يعقوب المدني أنه قال: كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين -يعني زين العابدين - بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين زين العابدين وهو جالس مع أصحابه في المسجد، فما ترك حسن شيئاً إلا قاله له -يعني ما ترك سباً ولا شتماً إلا قاله لـزين العابدين وهو جالس مع أصحابه-، قال -أي أبي يعقوب المدني -: وعلي ساكت، فانصرف حسن فلما كان من الليل أتاه في منزله -زين العابدين ذهب إلى حسن بن حسن - فقرع عليه بابه فقال له: يا أخي! إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم! هذا الموقف! وهل انتهى؟! لا. فانظر لنتيجة الصبر وحسن الخلق! وكيف يكون الإنسان داعية وقدوة لغيره دون أن يشعر: قال: فإذا بـالحسن يتبعه ويلزمه من الخلف ويبكي بكاءً شديداً، حتى رثى زين العابدين لحاله، فقال الحسن لـزين العابدين: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال زين العابدين: وأنت في حل مما قلت لي.ا.هـ.
وإذا تشاجر في فؤادك مرة أمران فاعمد للأعف الأجمل
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد وإذا هممت بأمر خير فافعل!
أيها الأحبة: إنه الصبر على أذى الخلق، وهضم النفس حتى ولو كان الحق معها، وهذه صفة الرجال، وهكذا من أراد العلياء وعزة النفس!
طلقت تطليق الثلاث رغائبي وكتبت للعلياء عقد نكاح
وانظر أيضاً لإنصاف الذهبي رحمه الله تعالى لـابن حزم عندما ترجم له في السير، قال الذهبي عن ابن حزم: قد أخذ المنطق -أبعده الله من علم- عن محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه، فزلزله في أشياء، ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال، والعلل، والمسائل البشعة، في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه.اهـ. هكذا يكون المؤمن الذي يأتمر بأمر الله: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] فهل سمع شبابنا مثل هذا الموقف؟! وهل اقتدى شبابنا غفر الله لنا ولهم بسلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم؟! لا تبخسوا جهود بعضكم بعضاً، ولا تحقروا أعمال بعضكم لبعض، فكل منكم على ثغر، وعلى خير، والميدان يتسع للجميع، بل هو بأمس الحاجة لكل عمل وكلمة طيبة وجهد وافق الكتاب والسنة، مهما كان صاحبه، فهلا سمعنا وعقلنا؟! وانظر لهذا الموقف أيضاً وتدبره جيداً، فكم نحن بحاجة إليه! قال الذهبي : قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد : هذا كتبته من حفظي وغاب عن أصلي: أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر .اهـ. فيا شباب الأمة! نحن بحاجة للجميع، فهذا يحفظ القرآن ويعلمه، وهذا يطلب العلم وينشره، وهذا يعظ الناس في المساجد والقرى، وهذا ينكر المنكرات في الأسواق وفي الأماكن العامة، وهذا على منبره وذاك بقلمه والآخر بماله، وهذا بتوزيع الشريط والكتاب، وذلك بتوزيع الطعام واللباس، وهذا بالرحلات والمخيمات، وهذا بالدعوات الصادقات، ولا يخلو الجميع أبداً من خطأ، (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فهذا يصحح لهذا وهذا يوجه هذا، وهذا يعين هذا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، مع التماس الأعذار والعفو والصفح. هكذا يجب أن نكون ويجب أن نتعامل، بل يجب أن ننشر في مجالسنا ومنتدياتنا هذه المفاهيم لدى الكبار والصغار، والرجال والنساء، ليشرق أعداء الإسلام بتراص الصفوف، وبجمع القلوب، وبتوحيد الكلمة. فإن قال قائل: لا! فنقول: على أقل تقدير إن لم تكن من هؤلاء فقل خيراً أو اصمت، واعلم يا أخي الحبيب! أن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فكف عن المسلمين لسانك ويدك واتركهم يعملون كل بما يستطيع، فالله جل وعلا مطلع على عباده وهو وحده يعلم ما تكن القلوب.
أعلى الصفحة
الصورة العاشرة: كلام الناقد الورع نصح لدين الله
قال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي : سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه سمعت علي بن الحسين بن الجنيد سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مائتي سنة! قال ابن مهرويه: فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل، فحدثته بهذا فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية. سبحان الله! والله إن القلب ليقشعر ونحن نقرأ مثل هذه المواقف، بكى رضي الله عنه وأرضاه لماذا؟! يقول الذهبي معلقاً على هذا الموقف: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله والذب عن السنة. ا هـ. وهذا مطلوب منه يؤجر عليه، ومع ذلك ترتعد يداه ويبكي رضي الله تعالى عنه؛ لأنه تكلم في رجال في أمر واجب، فماذا نقول ونحن في المجلس، بل ربما في الساعة الواحدة نتكلم عن عشرات الناس؟! ماذا نقول ونحن نسمع كثيراً من إخواننا -عفا الله عنهم وصفح لهم وغفر لهم- وما يذكرونه في كثير من المشايخ والعلماء وطلبة العلم بل والصالحين؟! سبحان الله! ما وجدنا إلا هؤلاء نخوض في أعراضهم ونتكلم عنهم؟! أين أنت عن المنافقين؟ وأين أنت من اليهود ومن النصارى من أعداء الدين الذين يكيدون للدين ليلاً ونهاراً؟! رحم الله ابن المبارك يوم أن جاءه ذلك الرجل فذكر له قولاً في إخوانه، فقال له ابن المبارك : عجباً! سلم منك اليهود والنصارى، ولم يسلم منك إخوانك! كلمات تكتب بمداد الذهب!
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
أعلى الصفحة
تكامل الشخصية في حياة السلف رضوان الله تعالى عليهم
Real Palyer الاستماع بواسطة
في العنصر السابق تكلمنا عن صور ومواقف متناثرة، وإليك في هذا العنصر وقفة سريعة لحياة علمين فاضلين. فإنك إذا نظرت لحياة هؤلاء الرجال؛ وجدتها مدرسةً في جميع الجوانب: في العلم، في الجهاد، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في العبادة، في الحرص على النوافل، في الخوف من الله، في الزهد، في الورع، في التواضع، في حسن الخلق، في كل شيء!
حدث بما شئت من حلم ومن كرم وانشر مآثرهم فالباب متسع
أما اليوم، فتعال وانظر لحالنا! فإن ظاهرنا الصلاح وقد نحسب في القدوات والسادات، والله وحده أعلم بسرائرنا، نعجب بأقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وانتصارنا لأنفسنا وتصدرنا وعجبنا بذواتنا، وإذا وقفت مع حالنا مع النوافل والطاعات؛ أصابتك الحسرات والآهات، وقل مثل ذلك في طلبنا للعلم وفي أمرنا ونهينا عن المنكر، وإهمالنا لقلوبنا وحملنا على الآخرين وجرحهم ونبزهم، وأستغفر الله أن أعمم، ولكن كل منا أعلم بنفسه: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ [هود:88]. أخي الحبيب! تعال أقف وإياك للنظر في جانب سلامة الصدر فقط، وطهارة القلب في حياة هذين الرجلين في أكثر من موقف في حياتهما، إنهما: الإمامان أحمد بن حنبل ، وابن تيمية رحمهما الله تعالى جميعاً، ففي حياتهما مثل أعلى للعاملين والدعاة المصلحين والعباد المخلصين، فمع كثرة الأذى لهما والنيل منهما وسجنهما وجلدهما، والتعرض للفتن بل وللتكفير والتفسيق والتبديع عياذاً بالله، ومع ذلك كله فاقرأ وتفكر لتعرف من أنت أيها المسكين! اقرأ وصارح نفسك وكن لها من الناصحين، فأنت إذا رماك أحد بتهمة ما تركت صغيرةً ولا كبيرةً إلا وذكرتها في قائلك! ......
مواقف من حياة الإمام أحمد بن حنبل
ذكر عبد الغني المقدسي في كتابه محنة الإمام أحمد بسنده إلى أبي علي حنبل قال: حضرت أبا عبد الله -أي أحمد بن حنبل -، وأتاه رجل في مسجدنا، وكان الرجل حسن الهيئة كأنه كان مع السلطان، فجلس حتى انصرف من كان عند أبي عبد الله ، ثم دنا منه فرفعه أبو عبد الله لما رأى من هيئته، فقال الرجل: يا أبا عبد الله! اجعلني في حل، قال أحمد : من ماذا؟! قال: كنت حاضراً يوم ضربت، وما أعنت ولا تكلمت، إلا أني حضرت ذلك. فأطرق أبو عبد الله ثم رفع رأسه إليه فقال: أحدث لله توبةً ولا تعد إلى مثل ذلك الموقف، فقال له: يا أبا عبد الله! أنا تائب إلى الله تعالى من السلطان، قال له أبو عبد الله : فأنت في حل وكل من ذكرني إلا مبتدع، قال أبو عبد الله : وقد جعلت أبا إسحاق - المعتصم - في حل، ورأيت الله عز وجل يقول: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قضية مسطح . ثم قال أبو عبد الله : العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك، لكن لتعف وتصفح عنه فيغفر الله لك كما وعدك. ا هـ. أيها الأخ! إن سمعت أحداً قال فيك قولاً أو حتى آذاك، فلا شك أن النفس ببشريتها تغضب وتفكر في الانتقام، لكن اعلم أن صدق الأخلاق لا يظهر إلا في المواقف العصيبة الشديدة، أما في المواقف الهينة اللينة فلا فخر ولا فضل. ساق المقدسي رحمه الله بسنده إلى أبي علي الحسن بن عبد الله الخرقي قال: بت مع أحمد بن حنبل ليلةً، فلم أره ينام إلا يبكي إلى أن أصبح، فقلت: يا أبا عبد الله كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال أحمد : ذكرت ضرب المعتصم إياي ومر بي في الدرس قوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] فسجدت وأحللته من ضربي في السجود. ا.هـ. رحم الله الإمام أحمد ، إمام أهل السنة والجماعة ، هكذا والله هي القلوب، وهكذا والله هو التعلق بالله عز وجل، والتدبر لهذا الكتاب، فما منا أحد إلا ويريد أن يعفو الله عنه ويصفح الله جل وعلا عنه. ذكر ابن رجب في طبقات الحنابلة عن أبي محمد فوزان قال: جاء رجل إلى الإمام أحمد فقال له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي؟! فقال: إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعمن يكون ذلك؟! قالها مراراً، فقال الرجل: إنه يتكلم فيك، فقال أحمد رحمه الله تعالى: رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل؟!. وما أعجب! مواقف الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، اقرؤوا هذا الكتاب محنة الإمام أحمد بن حنبل ، انظروا مواقفه مع من عاداه ومع من ضربه ومع من سبه وشتمه، فرحم الله الإمام أحمد.
أضحى ابن حنبل محنةً مأمونةً وبحب أحمد يعرف المتنسك
فإذا رأيت لأحمد مستـنقصاً فاعلم بأن ستوره ستـهتك
أعلى الصفحة
مواقف من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
ومن مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع مخالفيه بالرغم من إيذائهم له وتعديهم عليه بالباطل، إلا أنه لم يقابل ذلك رحمه الله تعالى إلا بالإحسان. فها هو يقول في الفتاوى : وأنا والله من أعظم الناس معاونةً على إطفاء كل شر فيها وفي غيرها -يقصد الفتنة التي حصلت في وقته- وإقامة كل خير، وابن مخلوف - الذي يقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية : هو عدوي، ولما بلغه أن الناس يترددون لـابن تيمية في سجنه قال ابن مخلوف عن ابن تيمية : يجب التضييق عليه وإن لم يقبل وإلا فقد ثبت كفره- لو عمل مهما عمل والله ما أقدر على خيرٍ إلا وأعمله معه، ولا أعين عليه عدوه قط، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عوناً للشيطان على إخواني المسلمين. ا هـ. ويقول -أيضاً- في موضع آخر: هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية: فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدىً للناس، حاكماً فيما اختلفوا فيه. ا هـ. ويقول رحمه الله أيضاً: فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكوراً على سوء عمله، لكنت أشكر كل من كان سبباً في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة، ولكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له. ا هـ. ويقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى: وما رأيت أحداً قط أجمع لهذه الخصال -يعني: سلامة الصدر وتنقية القلب والعفو عن الناس- من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم، وجئته يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوةً وأذىً له فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضي الله عنه.
كرر علي حديثهم يا حادي فحديثهم يجلو الفؤاد الصادي
هكذا هم -رضوان الله تعالى عليهم- في مواقفهم، وفي حياتهم، وفي أحوالهم مع من عاداهم أو حتى كفرهم أو فسقهم أو بدعهم أو آذاهم، هكذا تكون القلوب المؤمنة المتعلقة الخائفة الراجية من الله العفو والصفح، والتي تنظر للدنيا أنها دار ممر لا دار مقر، هكذا التعلق بالله جل وعلا وطلب العفو ومرضاته سبحانه وتعالى.
أعلى الصفحة
نتائج سلامة الصدر ونقاوة القلب وآثاره
Real Palyer الاستماع بواسطة
لو لم يكن من آثار سلامة الصدر وتنقية القلب إلا أنه سبب لدخول الجنة -كما ذكرنا في حديث أنس - لكفى، فإن سلامة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة، قال ابن القيم في مدارج السالكين : وهاهنا للعبد أحد عشر مشهداً فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم ..ثم قال: المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم، فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته، لم يعدل عنه إلا لعشىً في بصيرته، فإنه (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالتجربة والوجود، وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل، هذا وفي العفو والصفح والحلم من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام؛ ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام. ا هـ. ويقول أيضاً رحمه الله تعالى في المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو ألا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، والرشيد لا يرضى بذلك، ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوسواس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام. ا هـ. ثم أثر آخر ونتيجة أخرى من نتائج تنقية القلب من الغل والحسد، وهي: لو لم يكن في هذا القلب -كما أشار ابن القيم رحمه الله- إلا الطمأنينة والأمن وراحة البال لصاحبه لكفى به شرفاً ونتيجةً، فصاحب القلب الخالي من الأحقاد والظنون تجده مطمئناً مرتاحاً هادئاً. ولا ينشغل إلا بطاعة أو بعمل خير. فمتى نتحرر من هذا الأسر أيها الإخوة؟ قال زيد بن أسلم : دخلت على أبي دجانة رضى الله تعالى عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى: كان قلبي للمسلمين سليماً. ويقول سفيان بن دينار : قلت لـأبي بشر -وكان من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه-: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: [كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً -ليست العبرة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم وصدقاتهم- قال: قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم]. وذكر هذا الأثر هناد بن السري في كتابه الزهد . وذكر ابن رجب في كتابه جامع العلوم : قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لم يدرك من عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.......
سبب لدخول الجنة
لو لم يكن من آثار سلامة الصدر وتنقية القلب إلا أنه سبب لدخول الجنة -كما ذكرنا في حديث أنس - لكفى، فإن سلامة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة، قال ابن القيم في مدارج السالكين : وهاهنا للعبد أحد عشر مشهداً فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم ..ثم قال: المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم، فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته، لم يعدل عنه إلا لعشىً في بصيرته، فإنه (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالتجربة والوجود، وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل، هذا وفي العفو والصفح والحلم من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام؛ ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام. ا هـ. ويقول أيضاً رحمه الله تعالى في المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو ألا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، والرشيد لا يرضى بذلك، ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوسواس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام. ا هـ.
أعلى الصفحة
الطمأنينة والأمن
ثم أثر آخر ونتيجة أخرى من نتائج تنقية القلب من الغل والحسد، وهي: لو لم يكن في هذا القلب -كما أشار ابن القيم رحمه الله- إلا الطمأنينة والأمن وراحة البال لصاحبه لكفى به شرفاً ونتيجةً، فصاحب القلب الخالي من الأحقاد والظنون تجده مطمئناً مرتاحاً هادئاً. ولا ينشغل إلا بطاعة أو بعمل خير. فمتى نتحرر من هذا الأسر أيها الإخوة؟ قال زيد بن أسلم : دخلت على أبي دجانة رضى الله تعالى عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟، فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى: كان قلبي للمسلمين سليماً. ويقول سفيان بن دينار : قلت لـأبي بشر -وكان من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه-: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: [كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً -ليست العبرة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم وصدقاتهم-، قال: قلت: ولم ذاك؟، قال: لسلامة صدورهم]. وذكر هذا الأثر هناد بن السري في كتابه الزهد . وذكر ابن رجب في كتابه جامع العلوم : قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لم يدرك من عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.
أعلى الصفحة
أسباب امتلاء الصدر وغلّ القلب
Real Palyer الاستماع بواسطة
أسباب امتلاء الصدر وغل القلب تنقسم قسمين: أسباب مباشرة. وأسباب غير مباشرة . ......
الأسباب المباشرة
فمن الأسباب المباشرة وعلى رأسها: الشيطان: فإن الفرقة والخلاف وملء الصدر بالشحناء وضيق الصدر غاية من غاياته، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، كتاب المنافقين باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً: من حديث جابر رضى الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم). أي: بالخصومات وبالشحناء والحروب والفتن وغيرها، ومن نظر لحال المسلمين اليوم عرف كيف نجح الشيطان في التحريش بين المسلمين في كل مكان؟ وسبب ثان مباشر هي أمراض القلوب بأنواعها: بدءاً بسوء الظن، والنجوى، والحسد، والغرور، والهوى، وحب التصدر وغيرها كثير، وجماع ذلك: الغفلة عن القلب وإهماله، ونشكو إلى الله حالنا مع قلوبنا وإطلاق العنان لها، فإننا نهتم بمظهرنا ومركبنا وأكلنا وشربنا، ونغفل كثيراً عن قلوبنا فتجتمع عليها النكت نكتةً نكتةً، (حتى يصبح القلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً) عياذاً بالله. ولذلك أقول: إن المسلم لو اهتم بقلبه أكثر مما يهتم حقيقة بمظهره وبيته وأكله وشربه؛ لوجد أن الله سبحانه وتعالى وفقه في كل صغيرة وكبيرة. فخذ مثلاً: سوء الظن! وهو ترجيح ما يخطر في النفس من احتمال السوء، ويبدأ سوء الظن بخاطرة تنقدح في الذهن، ثم لا يزال الشيطان ينفخ فيها حتى ينزلها منزلة الحقيقة، فنقول مثلاً: فلان يريد كذا، ويقصد من كلامه كذا، فدخلنا في النوايا والمقاصد، وكأننا أصبحنا نعلم الغيب بما يدور في صدور هؤلاء وفي نفوسهم. وما أجمل قول محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: [إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له فقل: لعل له عذراً لا أعلمه!].
أعلى الصفحة
الأسباب غير المباشرة
أولاً: الاختلاف في وجهات النظر وطريقة سير العمل: فقد يؤدي الخلاف في الآراء والتصورات إلى اختلاف القلوب وجفوتها وامتلائها بالشحناء، فليس شرطاً -أخي الحبيب- أن يوافقك الناس بكل ما تريد: فإما أن توافقني وإلا فأنت عدوي! وأنت معي وإلا فأنت ضدي! خطأ أن نأخذ هذه القاعدة في حياتنا؛ لأن كل إنسان له وجهة نظر، المهم أن نتفق في الأصول، أما في الفروع والخلاف فيها، واختلاف وجهات نظر، وطريقة سير العمل هذا يدعو على كذا، وهذا يدعو على كذا، فهذا لا يدعي أبداً إلى أن نملئ قلوبنا بغضاً وحقداً وشحناءً على بعض -والعياذ بالله- بل ننصح أخانا وننبه على ما وقع فيه من خطأ، فهذا هو واجبنا، أما أن نظلمه فنحقد عليه ونهجره، فلا. ذكر الذهبي في السير قال: قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟!. انظروا للنفوس! ألا يسعنا ما وسعهم؟! وقال أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي : سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق ، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس مازال يخالف بعضهم بعضاً. هكذا كانوا رحمهم الله تعالى. إذاً فالخلاف في المسألة الفرعية لا يفسد للود قضيةً أبداً، فقد كان يعذر بعضهم بعضاً فيقول: لعل له تأويلاً، ويقول: لعل ذلك الحديث لم يبلغه أو لم يصله، أو غير ذلك من الأعذار التي كانوا يبحثونها لبعضهم رحمهم الله تعالى. ولذلك قال الذهبي في السير : مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل. ثانياً: التنافس: ولاشك أن التنافس أمر محمود، لكنه قد يتعدى إلى الحسد والغل على الآخرين، خاصةً بين الأقران، ولذلك يقول الذهبي : استفق ويحك وسل ربك العافية، فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب وقع فيه سادة، فرحم الله الجميع. ويقول أيضاً: كلام الأقران يطوى ولا يروى. ويقول أيضاً: كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل، وطيه أولى من بثه، إلا أن يتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتمد قولهم. إذاً فالتنافس مطلوب، ولكن بطبيعة البشر قد يصل إلى قلب قرينك أو زميلك شيء من الحقد عليك، فانتبه لهذا الأمر! وليس هذا الكلام على إطلاقه، فهناك من الأقران من يهتم بقرينه بل ويفضله على نفسه، فهذا هشام بن يوسف يقول: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا. فهذه صورة جميلة لحال الأقران المنصفين، بل وهناك صور كثيرة ولله الحمد والمنة. ثالثاً: التناصح: وكيف يكون التناصح سبباً للحسد والحقد؟! فبعض الناس لا يحتمل النصيحة، فيبدأ بالكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها، مع أنك حرصت على أن تكون الوسيلة صحيحةً: بانفراد بينك وبينه، وبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ومع ذلك وجد في نفسه شيئاً عليك، ولا يزال يتحرى ويبحث عن أخطائك، حتى يرد الصاع صاعين. رابعاً: التجارة والبيع والشراء والتعامل مع الآخرين: (ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى وإذا اقتضى) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره البخاري في باب السهولة والسماحة في البيع والشراء.
أعلى الصفحة
السبيل إلى سلامة الصدر وتنقية القلب
Real Palyer الاستماع بواسطة
......
الدعاء
أن تدعو الله بصدق وإلحاح أن يرزقك قلباً سليماً محباً للآخرين، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك قلباً سليماً) وردد يا أخي الحبيب! رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] واسأل الله حسن الخلق، (فإن العبد ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم)، وما وصل أولئك الرجال إلى ما وصلوا إليه إلا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة كما ذكرنا. فاحرص على الدعاء لإخوانك، وما أجمل العفو، فقل قبل منامك: اللهم من سبني أو شتمني أو ضربني فإني قد عفوت عنه لوجهك الكريم، ما أجمل أن تردد هذه الكلمات في نفسك كل ليلة، فإذا نمت نمت بقلب سليم، وإذا مت مت بقلب سليم. ثم أتبع هذه الكلمات بقولك: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، أسألك بالله يا أخي الحبيب! هل ستكون أحلم من الله جل وعلا؟! فكما عفوت أنت عن خلقه فسيعفو الله عنك إن شاء الله، ثقةً بالله، فالله أحلم وأعظم وأكرم، فاعف عن عباد الله يعف الله عنك، طهر قلبك من الحقد والغل على الآخرين؛ تجد أن الله سبحانه وتعالى يحفظك ويوفقك ويعلي درجتك.
أعلى الصفحة
الحذر من غفلة القلب
احذر! الغفلة عن القلب، وراقبه مراقبةً جيدةً، واعلم أن تنقية القلب من الغل والحقد يحتاج إلى ترويض نفس وطول مجاهدة ومراقبة، فإذا وجدت في قلبك على أحد، فابحث عن الأسباب، وصارح نفسك ولا تستجب لباعث الهوى فيها، وعليك بهضم النفس، واسأل الله العون والتوفيق.
أعلى الصفحة
إحسان الظن بالآخرين
أحسن الظن بالآخرين والتمس لهم الأعذار، فإن لم تجد فقل: لعل لأخي عذراً لا أعلمه. قيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته يوماً وكانت بعشرين ديناراً، وتوضأ في دجلة فجاء لص فأخذها وترك عمامةً رديئةً بدلها، فطلع الشيخ فلبسها وما شعر حتى سألوه وهو يدرس في درسه! فقال: لعل الذي أخذها محتاج!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أعلى الصفحة
الصبر والتحمل
فإن الاحتمال مقبرة المتاعب، وتمثل قول الشاعر:
إذا أدمت قوارصكم فؤادي صبرت على أذاكـم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
أعلى الصفحة
العفو والصفح
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]. ومن علامته -كما ذكرنا- الدعاء لإخوانك، خاصةً من كان بينك وبينه جفوة أو شحناء، حاول أن تدعو له مع أنني أعلم أن هذا لا يطاق، لكن جرب وحاول أن تدعو لإخوانك، وأرغم نفسك والشيطان على الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والتوفيق والهداية. وكما يقول عبد الله بن أحمد : ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم. وإني لأعجب أن ينام المسلم ملء جفنيه، وبينه وبين أخيه شحناء أو جفوة، وقد تأتيه المنية تلك الليلة، وما أجمل قول المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمخـتلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كريم القوم من يحمل الحقدا
أعلى الصفحة
ثلاثة قبل النهاية
Real Palyer الاستماع بواسطة
......
ضرورة تصحيح الأخطاء بالضوابط الشرعية
إن ما تقدم لا يعني أننا ننهى عن تصحيح الأخطاء وتقويم الآراء، ونأمر بالتغاضي عن الزلات وعدم التنبيه عليها وتقويم الآراء، بل إننا نطالب بذلك، ولكن بالضوابط الشرعية المقررة عند سلفنا الصالح وعلمائنا الأفاضل رحمهم الله، وليكن القصد الوصول للحق، لا الانتصار للنفس والهوى.
أعلى الصفحة
تربية الأجيال على سلامة الصدر
هذا الموضوع رسالة إليكم جميعاً، وإلى العلماء وإلى طلاب العلم والمدرسين والآباء والمربين وجميع من يعنيهم الأمر، فلنحرص على تربية الشباب والأجيال والنفوس على صفاء النفس، وطهارة القلب، وصدق العمل وتقدير العلماء والدعاة وسلامة الصدر، وإن أهم أساليب التربية هي القدوة الحسنة.
أعلى الصفحة
سلامة الصدر أمانة في أعناقكم
إن هذا الموضوع دعوة عامة لطهارة القلب، وسلامة الصدر وصفاء النفس، فهو أمانة عند كل من قرأه، لنشره وبثه بين الناس في جميع طبقاتهم ومختلف أحوالهم، لننشر مثل هذا الموضوع، ولنتحدث عنه كثيراً، ليحصل الحب والمودة وجمع القلوب، وتوحيد الكلمة بين المسلمين، فيشرق بذلك أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم. فبادر بنشره، وليكن حديث مجالسنا ومدارسنا وأسواقنا، ورب مبلغ أوعى من سامع. اللهم إني بلغت؛ اللهم فاشهد! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والحمد لله رب العالمين.
[والله ما نعلم إلا خيراً] هذه المقالة قالها معاذ بن جبل رضي الله عنه دفاعاً عن كعب بن مالك في قصة تخلفه في غزوة تبوك ، قال كعب : (لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك ذكرني وقال: ما فعل كعب ؟ فقال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل وكان حاضراً: بئس ما قلت! والله ما نعلم إلا خيراً!). أسمعت هذا الموقف؟! لقد كان بإمكان معاذ رضي الله تعالى عنه السكوت تأدباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يعيب عليه النبي صلى الله عليه وسلم سكوته، ولكنه أعلن الحق الذي امتلأ به قلبه، لم يطق معاذ أن يسمع هذه الكلمات بأخيه كعب ، فأعلن الحق الذي في قلبه انتصاراً لـكعب بن مالك رضي الله عنهما جميعاً. إنه الدفاع والذب عن عرض أخيه، فمن منا وقف مثل هذا الموقف؟! كم نسمع في مجالسنا وفي منتدياتنا من يذكر فلاناً وعلاناً من إخواننا من المسلمين؛ ممن يصلي ويصوم ويشهد أن لا إله إلا الله؛ نسمع الكلمات التي تذكر في عرضه، فمن منا وقف مثل هذا الموقف؟! بل ربما أن البعض يتلذذ بالسماع ويأنس بمثل هذه الكلمات عياذاً بالله، ولكن صحابة رسول الله تربوا على هذا المنهج، إنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل المسلم على المسلم حرام: عرضه ودمه وماله)، فعلموا حرمة ذلك. وعن أبي الدرداء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، كما أخرجه الترمذي في سننه في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في الذب عن المسلم، وإسناده صحيح. واسمع لهذا الموقف: قال حنبل بن إسحاق: سمعت ابن معين يقول: رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه أسماء شيوخ: فلان رافضي، وفلان كذا،.. ووكيع رافضي! فقلت لـمروان : وكيع خير منك! قال مروان : مني؟! -استفهام وتعجب- قلت: نعم. قال: فسكت، ولو قال لي شيئاً لوثب أصحاب الحديث عليه!. قال -أي يحيى -: فبلغ ذلك وكيعاً فقال وكيع: يحيى صاحبنا، وكان بعد ذلك يعرف لي ويرحب. انظر أثر الدفاع عن العرض في قلب وكيع رحمه الله تعالى، أصبح يحيى بن معين حبيباً إلى قلبه، أصبح يرحب به كثيراً! هكذا يكون جمع القلوب، هكذا إذا أردنا أن نحبب النفوس بعضها ببعض، هكذا إذا أردنا أن نرص الصفوف في وجه أعدائنا، أن يعلم كل فرد منا أنه محام عن أعراض إخوانه المسلمين في كل مكان، وفي أي مجلس كان، وأمام أي كائن من كان، مهما بلغ من المرتبة والشرف، مادام أنه تجرأ على عرض أخ من إخواننا المسلمين يجب أن أقف وأذب عن عرض هذا المسلم، هكذا يكون الإنسان محبوباً عند الناس، لا. بل هكذا يكون محبوباً عند الله قبل كل شيء، ومن أحبه الله أحبه الناس.
أعلى الصفحة
الصورة الخامسة: طيب قلب بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر الذهبي في السير بسنده إلى عوف بن الحارث أنه قال: سمعت عائشة تقول: [دعتني أم حبيبة -أي: زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم- عند موتها فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت -أي: عائشة -: غفر الله لك كله وحللك من ذلك، فقالت أم حبيبة : سررتني سرك الله، تقول عائشة : وأرسلت أم حبيبة إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك]. انظر إلى تصافي القلوب في صفوف النساء! ما أحلى هذه القلوب إذا اجتمعت على المحبة وحرصت على تنقية القلوب من الغل والحقد والحسد. أقول: كم نسمع نساءنا يتحدثن في المجالس عن فلانة وعلانة ولربما كالت لها كثيراً من السب والشتم عياذاً بالله، وكأنها تتكلم عن كافرة من الكفار، لا تشعر أنها تتكلم عن مسلمة، وعائشة رضي الله عنها لما أشارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها فقط عن صفية أنها قصيرة قال: (ألا إنك قلت كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)! فقط تعني: أنها قصيرة، فهلا تنبه لهذا الأمر نساؤنا؟! فكم من الحسنات تذهب في مثل هذه الكلمات.
أعلى الصفحة
الصورة السادسة: انشغال قلب الحاقد بما لا ينفع
صورة قصيرة لكنها كبيرة المعاني: قال رجل لـعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك! يعني بالكيد والتشفي والانتقام وغير ذلك، فماذا كان رد عمرو ؟! فقال عمرو بن العاص بذكائه وعقله: [إذن تقع في الشغل.. إذن تقع في الشغل!]. نعم. إن الذي يتفرغ لينال من الناس ويشتم الناس لا يكون فارغاً أبداً، إنما تشغله نفسه وحقده بالناس، فيضيع عمره فيما لا ينفع، ولا شك أن قول عمرو هو الصواب وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] كم نحب أن نسمع مثل هذه الكلمات لمن وقع بينه وبين أحد خصومة أو من هدده وتوعده، (إذن تقع في الشغل)؛ لأن القلب الذي امتلأ بالحسد والانتقام من الناس، وتتبع زلاتهم والتشفي منهم، قلب مشغول دائماً، أما القلب السليم الذي امتلأ بسلامة الصدر وحب الناس وجمع القلوب فهو لا يفكر إلا فيما ينفعه: كطلب علم أو عمل خير ونحوهما، أما أعراض الناس فهو بريء منها؛ لأنه عاهد الله أن يترك مثل ذلك.
أعلى الصفحة
الصورة السابعة: تواضع جمّ
أيضاً موقف قصير ولكنه كبير بمعانيه. في سيرة سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: [أن رجلاً زاحمه في منى -وأنتم تعلمون حال الناس في منى كيف يكون؟ وكيف تبلغ النفوس مبلغها في مثل هذه المواقف نظراً للزحام الشديد؟- فالتفت الرجل إلى سالم -وسالم هذا علامة التابعين رضي الله عنه، فقال الرجل لـسالم : إنني لأظنك رجل سوء! فبماذا أجاب سالم رضي الله عنه؟! قال كلمتين: قال: ما عرفني إلا أنت!]. سبحان الله! هكذا كان إزراؤهم بأنفسهم رضوان الله عليهم؛ مع سعة علمهم وكثرة عبادتهم وجهادهم، وكثرة خوفهم وبكائهم من الله جل وعلا إلا أنهم يحتقرون ذواتهم رضي الله تعالى عنهم، أين العجب والغرور الذي يصيب أنفسنا؟ إذا فعل الإنسان منا فعلاً أو عبادة أو قام بعمل خير أعجبته نفسه وأصبح عند نفسه زاهد الزهاد. لا إله إ لا الله!
أعلى الصفحة
الصورة الثامنة: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
ذكر الذهبي في السير في ترجمة البخاري محمد بن إسماعيل ، صاحب الصحيح رضي الله عنه، قال: -أي الذهبي -: وكان كثير من أصحابه يقولون له -أي البخاري-: إن بعض الناس يقع فيك! - لو قيلت هذه الكلمة لأحدنا ماذا سيقول؟ ربما يبادر ويقول مباشرةً: ماذا يقولون؟! ومتى؟! ومن هم؟! أما الإمام البخاري رحمه الله تعالى لما قيلت له هذه الكلمة: إن بعض الناس يقع فيك، قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]، ويتلو أيضاً قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. هذا والله هو الفقه، وهذه والله هي البصيرة والحكمة، ولكن من يؤتى هذه البصيرة؟! ومن يؤتى هذه الحكمة؟! ولذلك إذا قلنا للناس تعلموا واقرؤوا في سير الرجال واستفيدوا منها، رأينا كثيراً منهم يعرض عن هذا، وما علم أولئك المساكين أنه في النظر حياة الأولين وتراجمهم حياة للقلوب، فإذا سمعت الناس يغتابونك أو يذكرونك بسوء وأنت أعلم بنفسك وأعلم بما بينك وبين الله جل وعلا، فاعف عنهم واصفح، وسترى أثر ذلك ومن كاد لك، فإن الله تعالى يقول: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. فقال عبد المجيد بن إبراهيم للبخاري : كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك؟! فقال البخاري : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وقال أيضاً: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا على ظالمه فقد انتصر). إنه رحمه الله لا يفكر بمجرد الدعاء على من ظلمه وبهته، فضلاً عن أن يشغل نفسه أو يضيع وقته في التقصي وتتبع الزلات منهم، فرضي الله عن أولئك الأنقياء ورحمهم الله رحمةً واسعةً.
أعلى الصفحة
الصورة التاسعة: هضم النفس وحقوقها
ذكر الذهبي في السير قال: عن أبي يعقوب المدني أنه قال: كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين -يعني زين العابدين - بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين زين العابدين وهو جالس مع أصحابه في المسجد، فما ترك حسن شيئاً إلا قاله له -يعني ما ترك سباً ولا شتماً إلا قاله لـزين العابدين وهو جالس مع أصحابه-، قال -أي أبي يعقوب المدني -: وعلي ساكت، فانصرف حسن فلما كان من الليل أتاه في منزله -زين العابدين ذهب إلى حسن بن حسن - فقرع عليه بابه فقال له: يا أخي! إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم! هذا الموقف! وهل انتهى؟! لا. فانظر لنتيجة الصبر وحسن الخلق! وكيف يكون الإنسان داعية وقدوة لغيره دون أن يشعر: قال: فإذا بـالحسن يتبعه ويلزمه من الخلف ويبكي بكاءً شديداً، حتى رثى زين العابدين لحاله، فقال الحسن لـزين العابدين: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال زين العابدين: وأنت في حل مما قلت لي.ا.هـ.
وإذا تشاجر في فؤادك مرة أمران فاعمد للأعف الأجمل
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد وإذا هممت بأمر خير فافعل!
أيها الأحبة: إنه الصبر على أذى الخلق، وهضم النفس حتى ولو كان الحق معها، وهذه صفة الرجال، وهكذا من أراد العلياء وعزة النفس!
طلقت تطليق الثلاث رغائبي وكتبت للعلياء عقد نكاح
وانظر أيضاً لإنصاف الذهبي رحمه الله تعالى لـابن حزم عندما ترجم له في السير، قال الذهبي عن ابن حزم: قد أخذ المنطق -أبعده الله من علم- عن محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه، فزلزله في أشياء، ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال، والعلل، والمسائل البشعة، في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه.اهـ. هكذا يكون المؤمن الذي يأتمر بأمر الله: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] فهل سمع شبابنا مثل هذا الموقف؟! وهل اقتدى شبابنا غفر الله لنا ولهم بسلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم؟! لا تبخسوا جهود بعضكم بعضاً، ولا تحقروا أعمال بعضكم لبعض، فكل منكم على ثغر، وعلى خير، والميدان يتسع للجميع، بل هو بأمس الحاجة لكل عمل وكلمة طيبة وجهد وافق الكتاب والسنة، مهما كان صاحبه، فهلا سمعنا وعقلنا؟! وانظر لهذا الموقف أيضاً وتدبره جيداً، فكم نحن بحاجة إليه! قال الذهبي : قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد : هذا كتبته من حفظي وغاب عن أصلي: أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر .اهـ. فيا شباب الأمة! نحن بحاجة للجميع، فهذا يحفظ القرآن ويعلمه، وهذا يطلب العلم وينشره، وهذا يعظ الناس في المساجد والقرى، وهذا ينكر المنكرات في الأسواق وفي الأماكن العامة، وهذا على منبره وذاك بقلمه والآخر بماله، وهذا بتوزيع الشريط والكتاب، وذلك بتوزيع الطعام واللباس، وهذا بالرحلات والمخيمات، وهذا بالدعوات الصادقات، ولا يخلو الجميع أبداً من خطأ، (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فهذا يصحح لهذا وهذا يوجه هذا، وهذا يعين هذا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، مع التماس الأعذار والعفو والصفح. هكذا يجب أن نكون ويجب أن نتعامل، بل يجب أن ننشر في مجالسنا ومنتدياتنا هذه المفاهيم لدى الكبار والصغار، والرجال والنساء، ليشرق أعداء الإسلام بتراص الصفوف، وبجمع القلوب، وبتوحيد الكلمة. فإن قال قائل: لا! فنقول: على أقل تقدير إن لم تكن من هؤلاء فقل خيراً أو اصمت، واعلم يا أخي الحبيب! أن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فكف عن المسلمين لسانك ويدك واتركهم يعملون كل بما يستطيع، فالله جل وعلا مطلع على عباده وهو وحده يعلم ما تكن القلوب.
أعلى الصفحة
الصورة العاشرة: كلام الناقد الورع نصح لدين الله
قال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي : سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه سمعت علي بن الحسين بن الجنيد سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مائتي سنة! قال ابن مهرويه: فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل، فحدثته بهذا فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية. سبحان الله! والله إن القلب ليقشعر ونحن نقرأ مثل هذه المواقف، بكى رضي الله عنه وأرضاه لماذا؟! يقول الذهبي معلقاً على هذا الموقف: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله والذب عن السنة. ا هـ. وهذا مطلوب منه يؤجر عليه، ومع ذلك ترتعد يداه ويبكي رضي الله تعالى عنه؛ لأنه تكلم في رجال في أمر واجب، فماذا نقول ونحن في المجلس، بل ربما في الساعة الواحدة نتكلم عن عشرات الناس؟! ماذا نقول ونحن نسمع كثيراً من إخواننا -عفا الله عنهم وصفح لهم وغفر لهم- وما يذكرونه في كثير من المشايخ والعلماء وطلبة العلم بل والصالحين؟! سبحان الله! ما وجدنا إلا هؤلاء نخوض في أعراضهم ونتكلم عنهم؟! أين أنت عن المنافقين؟ وأين أنت من اليهود ومن النصارى من أعداء الدين الذين يكيدون للدين ليلاً ونهاراً؟! رحم الله ابن المبارك يوم أن جاءه ذلك الرجل فذكر له قولاً في إخوانه، فقال له ابن المبارك : عجباً! سلم منك اليهود والنصارى، ولم يسلم منك إخوانك! كلمات تكتب بمداد الذهب!
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
أعلى الصفحة
تكامل الشخصية في حياة السلف رضوان الله تعالى عليهم
Real Palyer الاستماع بواسطة
في العنصر السابق تكلمنا عن صور ومواقف متناثرة، وإليك في هذا العنصر وقفة سريعة لحياة علمين فاضلين. فإنك إذا نظرت لحياة هؤلاء الرجال؛ وجدتها مدرسةً في جميع الجوانب: في العلم، في الجهاد، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في العبادة، في الحرص على النوافل، في الخوف من الله، في الزهد، في الورع، في التواضع، في حسن الخلق، في كل شيء!
حدث بما شئت من حلم ومن كرم وانشر مآثرهم فالباب متسع
أما اليوم، فتعال وانظر لحالنا! فإن ظاهرنا الصلاح وقد نحسب في القدوات والسادات، والله وحده أعلم بسرائرنا، نعجب بأقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وانتصارنا لأنفسنا وتصدرنا وعجبنا بذواتنا، وإذا وقفت مع حالنا مع النوافل والطاعات؛ أصابتك الحسرات والآهات، وقل مثل ذلك في طلبنا للعلم وفي أمرنا ونهينا عن المنكر، وإهمالنا لقلوبنا وحملنا على الآخرين وجرحهم ونبزهم، وأستغفر الله أن أعمم، ولكن كل منا أعلم بنفسه: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ [هود:88]. أخي الحبيب! تعال أقف وإياك للنظر في جانب سلامة الصدر فقط، وطهارة القلب في حياة هذين الرجلين في أكثر من موقف في حياتهما، إنهما: الإمامان أحمد بن حنبل ، وابن تيمية رحمهما الله تعالى جميعاً، ففي حياتهما مثل أعلى للعاملين والدعاة المصلحين والعباد المخلصين، فمع كثرة الأذى لهما والنيل منهما وسجنهما وجلدهما، والتعرض للفتن بل وللتكفير والتفسيق والتبديع عياذاً بالله، ومع ذلك كله فاقرأ وتفكر لتعرف من أنت أيها المسكين! اقرأ وصارح نفسك وكن لها من الناصحين، فأنت إذا رماك أحد بتهمة ما تركت صغيرةً ولا كبيرةً إلا وذكرتها في قائلك! ......
مواقف من حياة الإمام أحمد بن حنبل
ذكر عبد الغني المقدسي في كتابه محنة الإمام أحمد بسنده إلى أبي علي حنبل قال: حضرت أبا عبد الله -أي أحمد بن حنبل -، وأتاه رجل في مسجدنا، وكان الرجل حسن الهيئة كأنه كان مع السلطان، فجلس حتى انصرف من كان عند أبي عبد الله ، ثم دنا منه فرفعه أبو عبد الله لما رأى من هيئته، فقال الرجل: يا أبا عبد الله! اجعلني في حل، قال أحمد : من ماذا؟! قال: كنت حاضراً يوم ضربت، وما أعنت ولا تكلمت، إلا أني حضرت ذلك. فأطرق أبو عبد الله ثم رفع رأسه إليه فقال: أحدث لله توبةً ولا تعد إلى مثل ذلك الموقف، فقال له: يا أبا عبد الله! أنا تائب إلى الله تعالى من السلطان، قال له أبو عبد الله : فأنت في حل وكل من ذكرني إلا مبتدع، قال أبو عبد الله : وقد جعلت أبا إسحاق - المعتصم - في حل، ورأيت الله عز وجل يقول: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قضية مسطح . ثم قال أبو عبد الله : العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك، لكن لتعف وتصفح عنه فيغفر الله لك كما وعدك. ا هـ. أيها الأخ! إن سمعت أحداً قال فيك قولاً أو حتى آذاك، فلا شك أن النفس ببشريتها تغضب وتفكر في الانتقام، لكن اعلم أن صدق الأخلاق لا يظهر إلا في المواقف العصيبة الشديدة، أما في المواقف الهينة اللينة فلا فخر ولا فضل. ساق المقدسي رحمه الله بسنده إلى أبي علي الحسن بن عبد الله الخرقي قال: بت مع أحمد بن حنبل ليلةً، فلم أره ينام إلا يبكي إلى أن أصبح، فقلت: يا أبا عبد الله كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال أحمد : ذكرت ضرب المعتصم إياي ومر بي في الدرس قوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] فسجدت وأحللته من ضربي في السجود. ا.هـ. رحم الله الإمام أحمد ، إمام أهل السنة والجماعة ، هكذا والله هي القلوب، وهكذا والله هو التعلق بالله عز وجل، والتدبر لهذا الكتاب، فما منا أحد إلا ويريد أن يعفو الله عنه ويصفح الله جل وعلا عنه. ذكر ابن رجب في طبقات الحنابلة عن أبي محمد فوزان قال: جاء رجل إلى الإمام أحمد فقال له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي؟! فقال: إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعمن يكون ذلك؟! قالها مراراً، فقال الرجل: إنه يتكلم فيك، فقال أحمد رحمه الله تعالى: رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل؟!. وما أعجب! مواقف الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، اقرؤوا هذا الكتاب محنة الإمام أحمد بن حنبل ، انظروا مواقفه مع من عاداه ومع من ضربه ومع من سبه وشتمه، فرحم الله الإمام أحمد.
أضحى ابن حنبل محنةً مأمونةً وبحب أحمد يعرف المتنسك
فإذا رأيت لأحمد مستـنقصاً فاعلم بأن ستوره ستـهتك
أعلى الصفحة
مواقف من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
ومن مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع مخالفيه بالرغم من إيذائهم له وتعديهم عليه بالباطل، إلا أنه لم يقابل ذلك رحمه الله تعالى إلا بالإحسان. فها هو يقول في الفتاوى : وأنا والله من أعظم الناس معاونةً على إطفاء كل شر فيها وفي غيرها -يقصد الفتنة التي حصلت في وقته- وإقامة كل خير، وابن مخلوف - الذي يقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية : هو عدوي، ولما بلغه أن الناس يترددون لـابن تيمية في سجنه قال ابن مخلوف عن ابن تيمية : يجب التضييق عليه وإن لم يقبل وإلا فقد ثبت كفره- لو عمل مهما عمل والله ما أقدر على خيرٍ إلا وأعمله معه، ولا أعين عليه عدوه قط، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عوناً للشيطان على إخواني المسلمين. ا هـ. ويقول -أيضاً- في موضع آخر: هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية: فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدىً للناس، حاكماً فيما اختلفوا فيه. ا هـ. ويقول رحمه الله أيضاً: فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكوراً على سوء عمله، لكنت أشكر كل من كان سبباً في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة، ولكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له. ا هـ. ويقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى: وما رأيت أحداً قط أجمع لهذه الخصال -يعني: سلامة الصدر وتنقية القلب والعفو عن الناس- من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم، وجئته يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوةً وأذىً له فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضي الله عنه.
كرر علي حديثهم يا حادي فحديثهم يجلو الفؤاد الصادي
هكذا هم -رضوان الله تعالى عليهم- في مواقفهم، وفي حياتهم، وفي أحوالهم مع من عاداهم أو حتى كفرهم أو فسقهم أو بدعهم أو آذاهم، هكذا تكون القلوب المؤمنة المتعلقة الخائفة الراجية من الله العفو والصفح، والتي تنظر للدنيا أنها دار ممر لا دار مقر، هكذا التعلق بالله جل وعلا وطلب العفو ومرضاته سبحانه وتعالى.
أعلى الصفحة
نتائج سلامة الصدر ونقاوة القلب وآثاره
Real Palyer الاستماع بواسطة
لو لم يكن من آثار سلامة الصدر وتنقية القلب إلا أنه سبب لدخول الجنة -كما ذكرنا في حديث أنس - لكفى، فإن سلامة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة، قال ابن القيم في مدارج السالكين : وهاهنا للعبد أحد عشر مشهداً فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم ..ثم قال: المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم، فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته، لم يعدل عنه إلا لعشىً في بصيرته، فإنه (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالتجربة والوجود، وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل، هذا وفي العفو والصفح والحلم من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام؛ ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام. ا هـ. ويقول أيضاً رحمه الله تعالى في المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو ألا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، والرشيد لا يرضى بذلك، ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوسواس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام. ا هـ. ثم أثر آخر ونتيجة أخرى من نتائج تنقية القلب من الغل والحسد، وهي: لو لم يكن في هذا القلب -كما أشار ابن القيم رحمه الله- إلا الطمأنينة والأمن وراحة البال لصاحبه لكفى به شرفاً ونتيجةً، فصاحب القلب الخالي من الأحقاد والظنون تجده مطمئناً مرتاحاً هادئاً. ولا ينشغل إلا بطاعة أو بعمل خير. فمتى نتحرر من هذا الأسر أيها الإخوة؟ قال زيد بن أسلم : دخلت على أبي دجانة رضى الله تعالى عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى: كان قلبي للمسلمين سليماً. ويقول سفيان بن دينار : قلت لـأبي بشر -وكان من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه-: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: [كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً -ليست العبرة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم وصدقاتهم- قال: قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم]. وذكر هذا الأثر هناد بن السري في كتابه الزهد . وذكر ابن رجب في كتابه جامع العلوم : قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لم يدرك من عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.......
سبب لدخول الجنة
لو لم يكن من آثار سلامة الصدر وتنقية القلب إلا أنه سبب لدخول الجنة -كما ذكرنا في حديث أنس - لكفى، فإن سلامة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة، قال ابن القيم في مدارج السالكين : وهاهنا للعبد أحد عشر مشهداً فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم ..ثم قال: المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم، فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته، لم يعدل عنه إلا لعشىً في بصيرته، فإنه (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالتجربة والوجود، وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل، هذا وفي العفو والصفح والحلم من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام؛ ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام. ا هـ. ويقول أيضاً رحمه الله تعالى في المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو ألا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، والرشيد لا يرضى بذلك، ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوسواس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام. ا هـ.
أعلى الصفحة
الطمأنينة والأمن
ثم أثر آخر ونتيجة أخرى من نتائج تنقية القلب من الغل والحسد، وهي: لو لم يكن في هذا القلب -كما أشار ابن القيم رحمه الله- إلا الطمأنينة والأمن وراحة البال لصاحبه لكفى به شرفاً ونتيجةً، فصاحب القلب الخالي من الأحقاد والظنون تجده مطمئناً مرتاحاً هادئاً. ولا ينشغل إلا بطاعة أو بعمل خير. فمتى نتحرر من هذا الأسر أيها الإخوة؟ قال زيد بن أسلم : دخلت على أبي دجانة رضى الله تعالى عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟، فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى: كان قلبي للمسلمين سليماً. ويقول سفيان بن دينار : قلت لـأبي بشر -وكان من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه-: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: [كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً -ليست العبرة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم وصدقاتهم-، قال: قلت: ولم ذاك؟، قال: لسلامة صدورهم]. وذكر هذا الأثر هناد بن السري في كتابه الزهد . وذكر ابن رجب في كتابه جامع العلوم : قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لم يدرك من عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.
أعلى الصفحة
أسباب امتلاء الصدر وغلّ القلب
Real Palyer الاستماع بواسطة
أسباب امتلاء الصدر وغل القلب تنقسم قسمين: أسباب مباشرة. وأسباب غير مباشرة . ......
الأسباب المباشرة
فمن الأسباب المباشرة وعلى رأسها: الشيطان: فإن الفرقة والخلاف وملء الصدر بالشحناء وضيق الصدر غاية من غاياته، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، كتاب المنافقين باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً: من حديث جابر رضى الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم). أي: بالخصومات وبالشحناء والحروب والفتن وغيرها، ومن نظر لحال المسلمين اليوم عرف كيف نجح الشيطان في التحريش بين المسلمين في كل مكان؟ وسبب ثان مباشر هي أمراض القلوب بأنواعها: بدءاً بسوء الظن، والنجوى، والحسد، والغرور، والهوى، وحب التصدر وغيرها كثير، وجماع ذلك: الغفلة عن القلب وإهماله، ونشكو إلى الله حالنا مع قلوبنا وإطلاق العنان لها، فإننا نهتم بمظهرنا ومركبنا وأكلنا وشربنا، ونغفل كثيراً عن قلوبنا فتجتمع عليها النكت نكتةً نكتةً، (حتى يصبح القلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً) عياذاً بالله. ولذلك أقول: إن المسلم لو اهتم بقلبه أكثر مما يهتم حقيقة بمظهره وبيته وأكله وشربه؛ لوجد أن الله سبحانه وتعالى وفقه في كل صغيرة وكبيرة. فخذ مثلاً: سوء الظن! وهو ترجيح ما يخطر في النفس من احتمال السوء، ويبدأ سوء الظن بخاطرة تنقدح في الذهن، ثم لا يزال الشيطان ينفخ فيها حتى ينزلها منزلة الحقيقة، فنقول مثلاً: فلان يريد كذا، ويقصد من كلامه كذا، فدخلنا في النوايا والمقاصد، وكأننا أصبحنا نعلم الغيب بما يدور في صدور هؤلاء وفي نفوسهم. وما أجمل قول محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: [إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له فقل: لعل له عذراً لا أعلمه!].
أعلى الصفحة
الأسباب غير المباشرة
أولاً: الاختلاف في وجهات النظر وطريقة سير العمل: فقد يؤدي الخلاف في الآراء والتصورات إلى اختلاف القلوب وجفوتها وامتلائها بالشحناء، فليس شرطاً -أخي الحبيب- أن يوافقك الناس بكل ما تريد: فإما أن توافقني وإلا فأنت عدوي! وأنت معي وإلا فأنت ضدي! خطأ أن نأخذ هذه القاعدة في حياتنا؛ لأن كل إنسان له وجهة نظر، المهم أن نتفق في الأصول، أما في الفروع والخلاف فيها، واختلاف وجهات نظر، وطريقة سير العمل هذا يدعو على كذا، وهذا يدعو على كذا، فهذا لا يدعي أبداً إلى أن نملئ قلوبنا بغضاً وحقداً وشحناءً على بعض -والعياذ بالله- بل ننصح أخانا وننبه على ما وقع فيه من خطأ، فهذا هو واجبنا، أما أن نظلمه فنحقد عليه ونهجره، فلا. ذكر الذهبي في السير قال: قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟!. انظروا للنفوس! ألا يسعنا ما وسعهم؟! وقال أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي : سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق ، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس مازال يخالف بعضهم بعضاً. هكذا كانوا رحمهم الله تعالى. إذاً فالخلاف في المسألة الفرعية لا يفسد للود قضيةً أبداً، فقد كان يعذر بعضهم بعضاً فيقول: لعل له تأويلاً، ويقول: لعل ذلك الحديث لم يبلغه أو لم يصله، أو غير ذلك من الأعذار التي كانوا يبحثونها لبعضهم رحمهم الله تعالى. ولذلك قال الذهبي في السير : مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل. ثانياً: التنافس: ولاشك أن التنافس أمر محمود، لكنه قد يتعدى إلى الحسد والغل على الآخرين، خاصةً بين الأقران، ولذلك يقول الذهبي : استفق ويحك وسل ربك العافية، فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب وقع فيه سادة، فرحم الله الجميع. ويقول أيضاً: كلام الأقران يطوى ولا يروى. ويقول أيضاً: كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل، وطيه أولى من بثه، إلا أن يتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتمد قولهم. إذاً فالتنافس مطلوب، ولكن بطبيعة البشر قد يصل إلى قلب قرينك أو زميلك شيء من الحقد عليك، فانتبه لهذا الأمر! وليس هذا الكلام على إطلاقه، فهناك من الأقران من يهتم بقرينه بل ويفضله على نفسه، فهذا هشام بن يوسف يقول: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا. فهذه صورة جميلة لحال الأقران المنصفين، بل وهناك صور كثيرة ولله الحمد والمنة. ثالثاً: التناصح: وكيف يكون التناصح سبباً للحسد والحقد؟! فبعض الناس لا يحتمل النصيحة، فيبدأ بالكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها، مع أنك حرصت على أن تكون الوسيلة صحيحةً: بانفراد بينك وبينه، وبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ومع ذلك وجد في نفسه شيئاً عليك، ولا يزال يتحرى ويبحث عن أخطائك، حتى يرد الصاع صاعين. رابعاً: التجارة والبيع والشراء والتعامل مع الآخرين: (ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى وإذا اقتضى) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره البخاري في باب السهولة والسماحة في البيع والشراء.
أعلى الصفحة
السبيل إلى سلامة الصدر وتنقية القلب
Real Palyer الاستماع بواسطة
......
الدعاء
أن تدعو الله بصدق وإلحاح أن يرزقك قلباً سليماً محباً للآخرين، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك قلباً سليماً) وردد يا أخي الحبيب! رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] واسأل الله حسن الخلق، (فإن العبد ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم)، وما وصل أولئك الرجال إلى ما وصلوا إليه إلا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة كما ذكرنا. فاحرص على الدعاء لإخوانك، وما أجمل العفو، فقل قبل منامك: اللهم من سبني أو شتمني أو ضربني فإني قد عفوت عنه لوجهك الكريم، ما أجمل أن تردد هذه الكلمات في نفسك كل ليلة، فإذا نمت نمت بقلب سليم، وإذا مت مت بقلب سليم. ثم أتبع هذه الكلمات بقولك: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، أسألك بالله يا أخي الحبيب! هل ستكون أحلم من الله جل وعلا؟! فكما عفوت أنت عن خلقه فسيعفو الله عنك إن شاء الله، ثقةً بالله، فالله أحلم وأعظم وأكرم، فاعف عن عباد الله يعف الله عنك، طهر قلبك من الحقد والغل على الآخرين؛ تجد أن الله سبحانه وتعالى يحفظك ويوفقك ويعلي درجتك.
أعلى الصفحة
الحذر من غفلة القلب
احذر! الغفلة عن القلب، وراقبه مراقبةً جيدةً، واعلم أن تنقية القلب من الغل والحقد يحتاج إلى ترويض نفس وطول مجاهدة ومراقبة، فإذا وجدت في قلبك على أحد، فابحث عن الأسباب، وصارح نفسك ولا تستجب لباعث الهوى فيها، وعليك بهضم النفس، واسأل الله العون والتوفيق.
أعلى الصفحة
إحسان الظن بالآخرين
أحسن الظن بالآخرين والتمس لهم الأعذار، فإن لم تجد فقل: لعل لأخي عذراً لا أعلمه. قيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته يوماً وكانت بعشرين ديناراً، وتوضأ في دجلة فجاء لص فأخذها وترك عمامةً رديئةً بدلها، فطلع الشيخ فلبسها وما شعر حتى سألوه وهو يدرس في درسه! فقال: لعل الذي أخذها محتاج!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أعلى الصفحة
الصبر والتحمل
فإن الاحتمال مقبرة المتاعب، وتمثل قول الشاعر:
إذا أدمت قوارصكم فؤادي صبرت على أذاكـم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
أعلى الصفحة
العفو والصفح
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]. ومن علامته -كما ذكرنا- الدعاء لإخوانك، خاصةً من كان بينك وبينه جفوة أو شحناء، حاول أن تدعو له مع أنني أعلم أن هذا لا يطاق، لكن جرب وحاول أن تدعو لإخوانك، وأرغم نفسك والشيطان على الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والتوفيق والهداية. وكما يقول عبد الله بن أحمد : ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم. وإني لأعجب أن ينام المسلم ملء جفنيه، وبينه وبين أخيه شحناء أو جفوة، وقد تأتيه المنية تلك الليلة، وما أجمل قول المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمخـتلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كريم القوم من يحمل الحقدا
أعلى الصفحة
ثلاثة قبل النهاية
Real Palyer الاستماع بواسطة
......
ضرورة تصحيح الأخطاء بالضوابط الشرعية
إن ما تقدم لا يعني أننا ننهى عن تصحيح الأخطاء وتقويم الآراء، ونأمر بالتغاضي عن الزلات وعدم التنبيه عليها وتقويم الآراء، بل إننا نطالب بذلك، ولكن بالضوابط الشرعية المقررة عند سلفنا الصالح وعلمائنا الأفاضل رحمهم الله، وليكن القصد الوصول للحق، لا الانتصار للنفس والهوى.
أعلى الصفحة
تربية الأجيال على سلامة الصدر
هذا الموضوع رسالة إليكم جميعاً، وإلى العلماء وإلى طلاب العلم والمدرسين والآباء والمربين وجميع من يعنيهم الأمر، فلنحرص على تربية الشباب والأجيال والنفوس على صفاء النفس، وطهارة القلب، وصدق العمل وتقدير العلماء والدعاة وسلامة الصدر، وإن أهم أساليب التربية هي القدوة الحسنة.
أعلى الصفحة
سلامة الصدر أمانة في أعناقكم
إن هذا الموضوع دعوة عامة لطهارة القلب، وسلامة الصدر وصفاء النفس، فهو أمانة عند كل من قرأه، لنشره وبثه بين الناس في جميع طبقاتهم ومختلف أحوالهم، لننشر مثل هذا الموضوع، ولنتحدث عنه كثيراً، ليحصل الحب والمودة وجمع القلوب، وتوحيد الكلمة بين المسلمين، فيشرق بذلك أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم. فبادر بنشره، وليكن حديث مجالسنا ومدارسنا وأسواقنا، ورب مبلغ أوعى من سامع. اللهم إني بلغت؛ اللهم فاشهد! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والحمد لله رب العالمين.
مواضيع مماثلة
» صور مشرقة في عالم الصفاء والنقاء 1
» عالم الجن والشياطين عالم غيبي، لا نراه ولا نسمعه،
» سأل عالم تلميذه...
» نبذة عن عالم ... الأمام الألوسي
» اختيار عالم أزهري مصري مفتيا عاما لأستراليا
» عالم الجن والشياطين عالم غيبي، لا نراه ولا نسمعه،
» سأل عالم تلميذه...
» نبذة عن عالم ... الأمام الألوسي
» اختيار عالم أزهري مصري مفتيا عاما لأستراليا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin