بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 21 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 21 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
الإسراء والمعراج دروس وعبر
صفحة 1 من اصل 1
الإسراء والمعراج دروس وعبر
الإسراء والمعراج دروس وعبر
الحمد لله ربِّ العالمين، مَنْ توكَّل عليه كفاه، ومَنْ تحصَّن بحضرته حصَّنه ووقاه، ومَنْ سأله أعطاه، ومَنْ دعاه عزَّ وجلَّ أجاب دعاه. سبحانه .. سبحانه، لا يخيِّب عبدًا ارتجاه، ولا يردُّ صِفْراً من عطائه عبدًا رفع يديه سائلاً مولاه، قال صلى الله عليه وسلم: {إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما صفراً}[1]. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عليٌّ عن الزمان، مُنَزَّهٌ عن المكان والحيطة والإمكان، لا تلحقه العبارات، ولا تحيط به الإشارات، ولا يعبر عن حضرته معبِّرٌ إلا بما ورد في صريح الآيات: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [11الشورى].
وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، جعله الله عزَّ وجلَّ رحمةً مهداة، ونعمةً مسداة، وأسوةً طيِّبةً وقدوةً حسنةً لكلِّ مَنْ آمن بالله. رفع شأنه، ورفع ذكره، ووضع وزره، وأثنى عليه في خطابه له ولنا: ?أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ? [1: 4الشرح].
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد؛ صلاة تشرح بها لنا الصدور، وتيسر بها لنا الأمور، وتزيد بها الإيمان في قلوبنا وتجعله نورًا على نور، وتمنحنا بها رضوانك ومغفرتك، وتجعلنا يوم القيامة من أهل الحبور والسرور، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين. أما بعد ...
فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في ذكرى ليالي الإسراء والمعراج بالحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، نريد أن نأخذ من هذه القصة الإلهية عبرةً لنا في نفوسنا، ودرسًا لنا في حياتنا نتمسك بهديه، ونسير على ضوئه، فيصلح الله عزَّ وجلَّ به جميع شئوننا، لأن قصص الأنبياء والمرسلين؛ يقول الله عزَّ وجلَّ عنها لنا أجمعين: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ? [111يوسف].
وسنأخذ عبرةً واحدة على قَدْرِ ما يسمح به الوقت حتى لا نطيل عليكم:
النبيُّ صلى الله عليه وسلم طلب منه مولاه أن يبلِّغ دعوة الله، فقام بهذا الأمر لا يرجو من ورائه إلاَّ رضا الله جلَّ في علاه، لا يريد بسبب دعوة الله منصباً دنيوياً، ولا مالاً فانياً، ولا أحدوثةً أو سمعةً أو شهرةً عند الناس، وإنما لا يريد به إلا رضا الله جلَّ في علاه، وذلك ما تجلَّى عندما عرض عليه أهل مكة عرضهم، وأرسلوا من يفاوضه ويقول له: (يا محمد إن كنت تريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا جميعاً، وإن كنت تريد بما جئت به مُلْكًا ملَّكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئياً من الجنِّ - أي مسًّا من الشيطان - جلبنا لك الأطباء والحكماء حتى يشفوك من هذا الداء. فقال صلى الله عليه وسلم لمن كان يفاوضه: هل انتهيت من قولك؟ قال: نعم. قال اسمع: وتلا عليه آيات بينات من كتاب الله عزَّ وجلَّ)[2].
ولما وجد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن قومه لا يستجيبون لدعوته، بل يشتطون في محاربته ومحاولة القضاء على رسالته؛ بَحَثَ عن مكانٍ آخر يذهب إليه لينشر دعوة الله ودِينَ الله عزَّ وجلَّ، فذهب إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، ويشرح لهم نور مبادئ القرآن، وأحكام التعاليم الإلهية التي أرسله به خالق الأرض والزمان والمكان وهو الرحمن عزَّ وجلَّ، ما كان منهم إلاَّ أن كذبوه، بل زادوا على ذلك وآذوه، وأمروا - بعد أن مكث فيهم أسبوعاً يدعوهم إلى الله - أمروه أن يخرج من مدينتهم، وأمروا خَدَمَهُمْ وعَبِيدَهُمْ أن يقفوا صفين على جانبي الطريق، ويمسكون بالأحجار ويقذفونه صلوات ربي وسلامه عليه بالأحجار وهو خارج من قريتهم ومدينتهم، حتى دميت قدماه، حتى لم يستطع السير بها عليها من شدة الألم، وذلك لأنه يدعو الخلق إلى الله جلَّ وعلا. ماذا فعل؟ لجأ إلى الله، ودعا الله جلَّ في علاه؛ لأن الله قال للمؤمنين أجمعين في أي ضيق، وفي أي شدة، وفي أي ملمة، وفي أي نكبة، وفي أي همٍّ، وفي أي غمّ، وفي أي ضنك: ?ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ? [60غافر]. وتدعو الله جلَّ في علاه وتضرع إليه. وكان مما قاله: {اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يَحِلَّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك}. ماذا فعل وصنع به مولاه؟ ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ? [2، 3الطلاق]. قيَّض الله عزَّ وجلَّ له رجلاً في هذه المدينة، ذهب إليه بقطف من العنب، فأخذه صلى الله عليه وسلم وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال الرجل إن هذه الكلمة لا تقال في هذه الأرض، ولا في هذه البلاد: فقال صلى الله عليه وسلم: ومن أي بلد أنت؟ قال: من نينوى - قرية قريبة من الموصل في بلاد العراق - قال: بلدة أخي يونس. ولقد تركت نينوى وليس فيها أربعة نفر يعرفون شيئاً عن يونس وهم أكابر البلدة وشيوخها، فقال: أنه نبيٌّ وأنا نبيّ، فما كان من الرجل إلا أن ألقى نفسه على أقدامه، وأخذ يقبل أقدامه ويمسح بها وجهه وأعلن إيمانه بالله، وكان مؤمنا بالله جلَّ في علاه)[3]، حتى لا يخرج النَّبِيُّ خائبا من سفرته، وأنه رجع برجل يؤمن بالله عزَّ وجلَّ. لابد وأن الله عزَّ وجلَّ يجبر ويطيِّب خاطره، وآمن بالنَّبِيِّ رجل واحد، فقد فاز بالفوز العظيم، والأجر الكبير لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يهدي بك الله رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم}[4]، وفي رواية: {خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت}[5]. ثم سار النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خطواته في طريق رجوعه إلى مكة، وأخذ يتلو كتاب الله عزَّ وجلَّ، فإذا بطائفة من الجِنِّ من بلدة تسمى نصيبين من بلاد الشام يستمعون إلى هذا القرآن، فقالوا كما قال الرحمن: ?إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ? [1، 2الجن]. فجاءوا إلى حضرة النَّبِيِّ وأعلنوا إيمانهم بدعوته وتصديقهم برسالته، وأنهم رسلٌ إلى قومهم سيدعونهم جميعاً إلى هذا الدِّين ليكونوا مسلمين، فكان ذلك فتحاً لدعوة سيد الأولين والآخرين في عوالم الجِنِّ، فقد كان إلى هذا الوقت يدعو في عالم الإنس، ففتح الله له عوالم الجنِّ ليؤمنوا به أجمعين، لأن دعوته للإنس والجنِّ والملائكة وخلق الله أجمعين، قال له الله: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا? [28سبأ]
فكان في هذا التقرير الإلهي، والإخراج الرباني، شرحاً لصدره، وتفريجاً لكربه، وكأن الله يقول له بفعله: إن لم يؤمن لك الإنس فقد آمن بك عوالم الجن، لأنك رسول الثقلين ولست مرسلاً للإنس فقط، ولكنك مرسلٌ للإنس والجن وجميع خلق الله عزَّ وجلَّ. ثم زاده الله عزَّ وجلَّ تكريمًا، وأدام عن كرم شرفه تعظيما، وبيَّن جلَّ جلاله مكانته، ورقَّي درجته وعظيم نبوته ورسالته، فأخذه في رحلة الإسراء والمعراج، وجَمَعَ له النبيِّين والمرسلين السابقين أجمعين، وأمسك بيده الأمين جبريل - بعد أن اصطف النبيون والمرسلون - وقال: يا محمد تقدَّم فصلِّ بهم فأنت الإمام لهم.
فأعلمه الله عزَّ وجلَّ وأعلمهم أنه إمام النبيِّين، وزعيم المرسلين، لأنه هو الذي صلَّى بهم إمامًا، وصلوا خلفه أجمعين. بل وزاده فرفعه إلى العوالم العلوية، وكاشفه بالملائكة في كلِّ العوالم السماوية، ذلك ليعلم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم قَدْرَهُ عند ربِّه، ومكانته عند الله عزَّ وجلَّ. وصدق الله إذ يقول: ?وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا? [113النساء].
قال صلى الله عليه وسلم: {أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا ، وَخَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا , وَقَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا , وَشَافِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا , وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَبْلَسُوا , لِوَاءُ الْكَرَمِ بِيَدِي ، وَمَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي , وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَبِّي وَلا فَخْرَ ، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ}[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: {ألا وأنا حبيب الله ولا فخر}[7].
فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين الذي اختارنا لدينه وجعلنا من عباده المسلمين، وزادنا من فيض فضله وبرِّه وزيَّن لنا الإيمان في قلوبنا، وملأ قلوبنا بالنور واليقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من أحبَّه رضي له الإسلام دينا، والحبيب المصطفى رسولا، والقرآن كتابا، ووفَّقه في حياته لما يحبُّه ويرضاه، وختم له بخاتمة السعادة يوم يلقاه. نسأل الله أن نكون من أهل هذا المقام أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، جعله الله عزَّ وجلَّ فارقاً بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، قال صلى الله عليه وسلم: {بينما أنا ذات يوم نائما، إذا بكبكبة من السماء ينزل فقال بعضهم: إنه نائم. وقال البعض الآخر: تنام عينه وقلبه لا تنام، فقال الأولون: اضربوا له مثلاً لأمته، فقالوا: مثله مع أمته كمثل رجل أقام عُرساً وصنع وليمةً، وأرسل داعياً يدعو الناس إليها، فمن أجاب الداعي دخل المنزل وأكل من الوليمة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل المنزل ولم يأكل من الوليمة. فقال الآخرون: أوِّلوها له يَفْقَهُهَا. قالوا: أما الوليمة فهي الجنة، وأما صاحب الوليمة فهو اله عزَّ وجلَّ، وأما الداعي إليها فهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أجاب محمداً دخل الجنة، ومن لم يجبه لم يدخل الجنة، فَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بين الناس}[8].
اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا للعمل بشرعه في الدنيا يا الله وألحقنا به يوم لقائه واجعلنا من أهل جواره في جنات النعيم أجمعين.
أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنون: الدرس والعظة والعبرة الذي نأخذها مما ذكرناه، أن المؤمن والمسلم إذا أراد أن يعمل عملاً، أو أراد شيئاً، أو أراد تحقيق أمر، لابد أن لا يجعل نيته في هذا الأمر لله جلَّ في علاه. لا ينوي عملاً إن كان لنفسه أو كان لأهل بيته أو كان لعائلته أو كان لمجتمعه، أو كان لوطنه، إلا إذا كانت النية في هذا العمل أولاً إرضاء الله، ابتغاء وجه الله، ثم بعد ذلك خُلق الله على اختلاف صورهم وأجسامهم. فإذا صدق في هذه النيَّة، وجعله قوله وفعله وعمله كلَّه لله أولاً، ثم لخلق الله ثانياً، أعانه الله وقوَّاه، وبولايته تولاه، وجعل له دائماً وأبداً توفيقاً وحفظاَ وصيانة من الله، فلا يخيب مسعاه، ولا يرد رجاءه الذي ارتجاه، ولا يستغلق في وجهه أبواب الأمل في تحقيق ما يتمناه، لأنه يريد بعمله وقوله وفعله وجه الله عزَّ وجل، وذاك هو الإخلاص الذي يعلمه لنا الله في القرآن، وكان يسير عليه النبي العدنان، وورد فى الخبر: (الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي أَسْتَوْدِعُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي)[9]. ويقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: {يا أبا ذر، أخلص يكفك القليل من العمل}[10]. فإذا أخلص المرء العمل لله يعني جعل نيته في أي عمل أن تكون لله، حقَّق الله له الأمل، وبلَّغه ما يرجوه من وراء هذا العمل، وجنَّبه كل ذلل. وورد أن رجلاً وامرأة متزوجان حدث بينهما خلافٌ شديد، فذهبا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: انتخبوا رجلاً من أهلها ورجلاً من أهله يقوما بالإصلاح بينهما، فانتدب الرجلين، وذهبا للصلح بينهما، ثم رجعا ولم يتم الصلح. فقال عمر رضي الله عنه: هل أتممتم الصلح بينهما؟. قالا: لا، قال: إنكما لم تكونوا تريدا صلحاً!! لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: ?إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا? [35النساء]. توبا إلى الله، وجدِّدا النية، واجعلوا نيتكم إصلاح ما بينهما، ثم اذهبا. فذهبا وعادا مستبشرين، فقالا: أبشر يا أمير المؤمنين فقد اصطلحا!! فعلم المؤمنون أجمعون أن الصلح يكون حسب النوايا. بل إن الأرزاق في الأرض قال فيها الله تكون على حسب النوايا: ?وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا? [58الأعراف]. (إذا صدقت النيَّة حقَّقت الأمنية)، أي أمنية يريدها المرء في دنياه وأخراه لابد أولاً من إخلاص القصد، ويتحقق من طِيبِ النية، وطِيبُ النية أن يريد بها وجه الله ورضاء الله والدار الآخرة، لا يريد بها شهرة ولا سمعة ولا رياء، ولا مالاً ولا جاهاً ولا منصباً، ولا شيئا من خلق الله، وإنما يريد بها وجه الله جلاَّ في علاه. من تحقق بذلك فله في الدنيا كل ما يريده من الله: ?لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ? [34الزمر]
وله في الآخرة كل ما يرجوه من مولاه!! لأنه صدق مع الله فصدق الله معه.
كيف يلجأ الإنسان إلى الله عزَّ وجل في أوقات المُلمات والنكبات والهموم والغموم؟ ذاك ما سنشرحه عقب الصلاة إن شاء الله حتى لا نطيل عليكم.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوحد شمل أمة الإسلام وأن يجمع شتاتها وأن يجعلنا في كل ربوع الوطن أخوة متكاتفين متعاونين متباذلين عاملين بالبر والتقوى كما يحبه الله منا في كل وقت وحين. اللهم ارزقنا العمل بشريعتك واتباع سنة خير بريتك واعصمنا من الفرقة والخلاف واحفظ بلادنا وخيراتنا في الإسلام واجعل حصوننا في أمنك أجمعين يا أكرم الأكرمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم ولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم بشرعك عاملين وبسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم مستمسكين.
اللهم اجعل بلادنا مصر سخاء رخاء يا أكرم الأكرمين وأغننا بخيرك وبرك عن الخلق أجمعين حتى لا نحتاج إلى مدد الأصدقاء ولا معونة الكافرين. اللهم اغننا بخيرك وبرِّك في بلدنا عمن سواك، ولا تجعلنا نرجو إلا إياك، ولا نتوجه بالسؤال لسواك، ولا نطلب إلا منك، يا أكرم الأكرمين. اللهم احفظ قطرنا وبلدنا من الأعداء المتربصين ومن اليهود الغاصبين ومن المنافقين والمندسين واجعلنا في بلدنا في ألقة ووئام دائم يا أكرم الأكرمين.
عباد الله اتقوا الله: ?إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? [90النحل].
اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
[1] جاء في الدر المنثور للإمام السيوطي: وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان الْفَارِسِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما صفراً)، وَفِي لفظ: (يستحي أَن يبسط العَبْد إِلَيْهِ فَيَرُدهُمَا خائبين).
[2] الطبري وابن كثير وغيرهما
[3] سيرة ابن هشام
[4] البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
[5] راوه السيوطي عن أسلم القبطي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجامع الصغير
[6] روى الترمذي والدارمي وأحمد عن أنس رضي الله عنه: (أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا ، وَخَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا , وَقَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا , وَشَافِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا , وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَبْلَسُوا , لِوَاءُ الْكَرَمِ بِيَدِي ، وَمَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي , وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَبِّي وَلا فَخْرَ ، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ).
[7] رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[8] البخاري عن جابر رضي الله عنه
[9] رواه القزويني في " مسلسلاته " – كما قال العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " ( 4 / 365 ) من حديث حذيفةرضي الله عنه
ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 3 / 187 ) عن علي وابن عباس
[10] أحمد والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه.
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد- مسحد البركة – فنارة -
الحمد لله ربِّ العالمين، مَنْ توكَّل عليه كفاه، ومَنْ تحصَّن بحضرته حصَّنه ووقاه، ومَنْ سأله أعطاه، ومَنْ دعاه عزَّ وجلَّ أجاب دعاه. سبحانه .. سبحانه، لا يخيِّب عبدًا ارتجاه، ولا يردُّ صِفْراً من عطائه عبدًا رفع يديه سائلاً مولاه، قال صلى الله عليه وسلم: {إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما صفراً}[1]. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عليٌّ عن الزمان، مُنَزَّهٌ عن المكان والحيطة والإمكان، لا تلحقه العبارات، ولا تحيط به الإشارات، ولا يعبر عن حضرته معبِّرٌ إلا بما ورد في صريح الآيات: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [11الشورى].
وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، جعله الله عزَّ وجلَّ رحمةً مهداة، ونعمةً مسداة، وأسوةً طيِّبةً وقدوةً حسنةً لكلِّ مَنْ آمن بالله. رفع شأنه، ورفع ذكره، ووضع وزره، وأثنى عليه في خطابه له ولنا: ?أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ? [1: 4الشرح].
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد؛ صلاة تشرح بها لنا الصدور، وتيسر بها لنا الأمور، وتزيد بها الإيمان في قلوبنا وتجعله نورًا على نور، وتمنحنا بها رضوانك ومغفرتك، وتجعلنا يوم القيامة من أهل الحبور والسرور، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين. أما بعد ...
فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في ذكرى ليالي الإسراء والمعراج بالحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، نريد أن نأخذ من هذه القصة الإلهية عبرةً لنا في نفوسنا، ودرسًا لنا في حياتنا نتمسك بهديه، ونسير على ضوئه، فيصلح الله عزَّ وجلَّ به جميع شئوننا، لأن قصص الأنبياء والمرسلين؛ يقول الله عزَّ وجلَّ عنها لنا أجمعين: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ? [111يوسف].
وسنأخذ عبرةً واحدة على قَدْرِ ما يسمح به الوقت حتى لا نطيل عليكم:
النبيُّ صلى الله عليه وسلم طلب منه مولاه أن يبلِّغ دعوة الله، فقام بهذا الأمر لا يرجو من ورائه إلاَّ رضا الله جلَّ في علاه، لا يريد بسبب دعوة الله منصباً دنيوياً، ولا مالاً فانياً، ولا أحدوثةً أو سمعةً أو شهرةً عند الناس، وإنما لا يريد به إلا رضا الله جلَّ في علاه، وذلك ما تجلَّى عندما عرض عليه أهل مكة عرضهم، وأرسلوا من يفاوضه ويقول له: (يا محمد إن كنت تريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا جميعاً، وإن كنت تريد بما جئت به مُلْكًا ملَّكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئياً من الجنِّ - أي مسًّا من الشيطان - جلبنا لك الأطباء والحكماء حتى يشفوك من هذا الداء. فقال صلى الله عليه وسلم لمن كان يفاوضه: هل انتهيت من قولك؟ قال: نعم. قال اسمع: وتلا عليه آيات بينات من كتاب الله عزَّ وجلَّ)[2].
ولما وجد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن قومه لا يستجيبون لدعوته، بل يشتطون في محاربته ومحاولة القضاء على رسالته؛ بَحَثَ عن مكانٍ آخر يذهب إليه لينشر دعوة الله ودِينَ الله عزَّ وجلَّ، فذهب إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، ويشرح لهم نور مبادئ القرآن، وأحكام التعاليم الإلهية التي أرسله به خالق الأرض والزمان والمكان وهو الرحمن عزَّ وجلَّ، ما كان منهم إلاَّ أن كذبوه، بل زادوا على ذلك وآذوه، وأمروا - بعد أن مكث فيهم أسبوعاً يدعوهم إلى الله - أمروه أن يخرج من مدينتهم، وأمروا خَدَمَهُمْ وعَبِيدَهُمْ أن يقفوا صفين على جانبي الطريق، ويمسكون بالأحجار ويقذفونه صلوات ربي وسلامه عليه بالأحجار وهو خارج من قريتهم ومدينتهم، حتى دميت قدماه، حتى لم يستطع السير بها عليها من شدة الألم، وذلك لأنه يدعو الخلق إلى الله جلَّ وعلا. ماذا فعل؟ لجأ إلى الله، ودعا الله جلَّ في علاه؛ لأن الله قال للمؤمنين أجمعين في أي ضيق، وفي أي شدة، وفي أي ملمة، وفي أي نكبة، وفي أي همٍّ، وفي أي غمّ، وفي أي ضنك: ?ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ? [60غافر]. وتدعو الله جلَّ في علاه وتضرع إليه. وكان مما قاله: {اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يَحِلَّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك}. ماذا فعل وصنع به مولاه؟ ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ? [2، 3الطلاق]. قيَّض الله عزَّ وجلَّ له رجلاً في هذه المدينة، ذهب إليه بقطف من العنب، فأخذه صلى الله عليه وسلم وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال الرجل إن هذه الكلمة لا تقال في هذه الأرض، ولا في هذه البلاد: فقال صلى الله عليه وسلم: ومن أي بلد أنت؟ قال: من نينوى - قرية قريبة من الموصل في بلاد العراق - قال: بلدة أخي يونس. ولقد تركت نينوى وليس فيها أربعة نفر يعرفون شيئاً عن يونس وهم أكابر البلدة وشيوخها، فقال: أنه نبيٌّ وأنا نبيّ، فما كان من الرجل إلا أن ألقى نفسه على أقدامه، وأخذ يقبل أقدامه ويمسح بها وجهه وأعلن إيمانه بالله، وكان مؤمنا بالله جلَّ في علاه)[3]، حتى لا يخرج النَّبِيُّ خائبا من سفرته، وأنه رجع برجل يؤمن بالله عزَّ وجلَّ. لابد وأن الله عزَّ وجلَّ يجبر ويطيِّب خاطره، وآمن بالنَّبِيِّ رجل واحد، فقد فاز بالفوز العظيم، والأجر الكبير لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يهدي بك الله رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم}[4]، وفي رواية: {خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت}[5]. ثم سار النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خطواته في طريق رجوعه إلى مكة، وأخذ يتلو كتاب الله عزَّ وجلَّ، فإذا بطائفة من الجِنِّ من بلدة تسمى نصيبين من بلاد الشام يستمعون إلى هذا القرآن، فقالوا كما قال الرحمن: ?إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ? [1، 2الجن]. فجاءوا إلى حضرة النَّبِيِّ وأعلنوا إيمانهم بدعوته وتصديقهم برسالته، وأنهم رسلٌ إلى قومهم سيدعونهم جميعاً إلى هذا الدِّين ليكونوا مسلمين، فكان ذلك فتحاً لدعوة سيد الأولين والآخرين في عوالم الجِنِّ، فقد كان إلى هذا الوقت يدعو في عالم الإنس، ففتح الله له عوالم الجنِّ ليؤمنوا به أجمعين، لأن دعوته للإنس والجنِّ والملائكة وخلق الله أجمعين، قال له الله: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا? [28سبأ]
فكان في هذا التقرير الإلهي، والإخراج الرباني، شرحاً لصدره، وتفريجاً لكربه، وكأن الله يقول له بفعله: إن لم يؤمن لك الإنس فقد آمن بك عوالم الجن، لأنك رسول الثقلين ولست مرسلاً للإنس فقط، ولكنك مرسلٌ للإنس والجن وجميع خلق الله عزَّ وجلَّ. ثم زاده الله عزَّ وجلَّ تكريمًا، وأدام عن كرم شرفه تعظيما، وبيَّن جلَّ جلاله مكانته، ورقَّي درجته وعظيم نبوته ورسالته، فأخذه في رحلة الإسراء والمعراج، وجَمَعَ له النبيِّين والمرسلين السابقين أجمعين، وأمسك بيده الأمين جبريل - بعد أن اصطف النبيون والمرسلون - وقال: يا محمد تقدَّم فصلِّ بهم فأنت الإمام لهم.
فأعلمه الله عزَّ وجلَّ وأعلمهم أنه إمام النبيِّين، وزعيم المرسلين، لأنه هو الذي صلَّى بهم إمامًا، وصلوا خلفه أجمعين. بل وزاده فرفعه إلى العوالم العلوية، وكاشفه بالملائكة في كلِّ العوالم السماوية، ذلك ليعلم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم قَدْرَهُ عند ربِّه، ومكانته عند الله عزَّ وجلَّ. وصدق الله إذ يقول: ?وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا? [113النساء].
قال صلى الله عليه وسلم: {أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا ، وَخَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا , وَقَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا , وَشَافِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا , وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَبْلَسُوا , لِوَاءُ الْكَرَمِ بِيَدِي ، وَمَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي , وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَبِّي وَلا فَخْرَ ، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ}[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: {ألا وأنا حبيب الله ولا فخر}[7].
فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين الذي اختارنا لدينه وجعلنا من عباده المسلمين، وزادنا من فيض فضله وبرِّه وزيَّن لنا الإيمان في قلوبنا، وملأ قلوبنا بالنور واليقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من أحبَّه رضي له الإسلام دينا، والحبيب المصطفى رسولا، والقرآن كتابا، ووفَّقه في حياته لما يحبُّه ويرضاه، وختم له بخاتمة السعادة يوم يلقاه. نسأل الله أن نكون من أهل هذا المقام أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، جعله الله عزَّ وجلَّ فارقاً بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، قال صلى الله عليه وسلم: {بينما أنا ذات يوم نائما، إذا بكبكبة من السماء ينزل فقال بعضهم: إنه نائم. وقال البعض الآخر: تنام عينه وقلبه لا تنام، فقال الأولون: اضربوا له مثلاً لأمته، فقالوا: مثله مع أمته كمثل رجل أقام عُرساً وصنع وليمةً، وأرسل داعياً يدعو الناس إليها، فمن أجاب الداعي دخل المنزل وأكل من الوليمة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل المنزل ولم يأكل من الوليمة. فقال الآخرون: أوِّلوها له يَفْقَهُهَا. قالوا: أما الوليمة فهي الجنة، وأما صاحب الوليمة فهو اله عزَّ وجلَّ، وأما الداعي إليها فهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أجاب محمداً دخل الجنة، ومن لم يجبه لم يدخل الجنة، فَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بين الناس}[8].
اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا للعمل بشرعه في الدنيا يا الله وألحقنا به يوم لقائه واجعلنا من أهل جواره في جنات النعيم أجمعين.
أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنون: الدرس والعظة والعبرة الذي نأخذها مما ذكرناه، أن المؤمن والمسلم إذا أراد أن يعمل عملاً، أو أراد شيئاً، أو أراد تحقيق أمر، لابد أن لا يجعل نيته في هذا الأمر لله جلَّ في علاه. لا ينوي عملاً إن كان لنفسه أو كان لأهل بيته أو كان لعائلته أو كان لمجتمعه، أو كان لوطنه، إلا إذا كانت النية في هذا العمل أولاً إرضاء الله، ابتغاء وجه الله، ثم بعد ذلك خُلق الله على اختلاف صورهم وأجسامهم. فإذا صدق في هذه النيَّة، وجعله قوله وفعله وعمله كلَّه لله أولاً، ثم لخلق الله ثانياً، أعانه الله وقوَّاه، وبولايته تولاه، وجعل له دائماً وأبداً توفيقاً وحفظاَ وصيانة من الله، فلا يخيب مسعاه، ولا يرد رجاءه الذي ارتجاه، ولا يستغلق في وجهه أبواب الأمل في تحقيق ما يتمناه، لأنه يريد بعمله وقوله وفعله وجه الله عزَّ وجل، وذاك هو الإخلاص الذي يعلمه لنا الله في القرآن، وكان يسير عليه النبي العدنان، وورد فى الخبر: (الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي أَسْتَوْدِعُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي)[9]. ويقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: {يا أبا ذر، أخلص يكفك القليل من العمل}[10]. فإذا أخلص المرء العمل لله يعني جعل نيته في أي عمل أن تكون لله، حقَّق الله له الأمل، وبلَّغه ما يرجوه من وراء هذا العمل، وجنَّبه كل ذلل. وورد أن رجلاً وامرأة متزوجان حدث بينهما خلافٌ شديد، فذهبا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: انتخبوا رجلاً من أهلها ورجلاً من أهله يقوما بالإصلاح بينهما، فانتدب الرجلين، وذهبا للصلح بينهما، ثم رجعا ولم يتم الصلح. فقال عمر رضي الله عنه: هل أتممتم الصلح بينهما؟. قالا: لا، قال: إنكما لم تكونوا تريدا صلحاً!! لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: ?إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا? [35النساء]. توبا إلى الله، وجدِّدا النية، واجعلوا نيتكم إصلاح ما بينهما، ثم اذهبا. فذهبا وعادا مستبشرين، فقالا: أبشر يا أمير المؤمنين فقد اصطلحا!! فعلم المؤمنون أجمعون أن الصلح يكون حسب النوايا. بل إن الأرزاق في الأرض قال فيها الله تكون على حسب النوايا: ?وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا? [58الأعراف]. (إذا صدقت النيَّة حقَّقت الأمنية)، أي أمنية يريدها المرء في دنياه وأخراه لابد أولاً من إخلاص القصد، ويتحقق من طِيبِ النية، وطِيبُ النية أن يريد بها وجه الله ورضاء الله والدار الآخرة، لا يريد بها شهرة ولا سمعة ولا رياء، ولا مالاً ولا جاهاً ولا منصباً، ولا شيئا من خلق الله، وإنما يريد بها وجه الله جلاَّ في علاه. من تحقق بذلك فله في الدنيا كل ما يريده من الله: ?لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ? [34الزمر]
وله في الآخرة كل ما يرجوه من مولاه!! لأنه صدق مع الله فصدق الله معه.
كيف يلجأ الإنسان إلى الله عزَّ وجل في أوقات المُلمات والنكبات والهموم والغموم؟ ذاك ما سنشرحه عقب الصلاة إن شاء الله حتى لا نطيل عليكم.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوحد شمل أمة الإسلام وأن يجمع شتاتها وأن يجعلنا في كل ربوع الوطن أخوة متكاتفين متعاونين متباذلين عاملين بالبر والتقوى كما يحبه الله منا في كل وقت وحين. اللهم ارزقنا العمل بشريعتك واتباع سنة خير بريتك واعصمنا من الفرقة والخلاف واحفظ بلادنا وخيراتنا في الإسلام واجعل حصوننا في أمنك أجمعين يا أكرم الأكرمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم ولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم بشرعك عاملين وبسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم مستمسكين.
اللهم اجعل بلادنا مصر سخاء رخاء يا أكرم الأكرمين وأغننا بخيرك وبرك عن الخلق أجمعين حتى لا نحتاج إلى مدد الأصدقاء ولا معونة الكافرين. اللهم اغننا بخيرك وبرِّك في بلدنا عمن سواك، ولا تجعلنا نرجو إلا إياك، ولا نتوجه بالسؤال لسواك، ولا نطلب إلا منك، يا أكرم الأكرمين. اللهم احفظ قطرنا وبلدنا من الأعداء المتربصين ومن اليهود الغاصبين ومن المنافقين والمندسين واجعلنا في بلدنا في ألقة ووئام دائم يا أكرم الأكرمين.
عباد الله اتقوا الله: ?إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? [90النحل].
اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
[1] جاء في الدر المنثور للإمام السيوطي: وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان الْفَارِسِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما صفراً)، وَفِي لفظ: (يستحي أَن يبسط العَبْد إِلَيْهِ فَيَرُدهُمَا خائبين).
[2] الطبري وابن كثير وغيرهما
[3] سيرة ابن هشام
[4] البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
[5] راوه السيوطي عن أسلم القبطي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجامع الصغير
[6] روى الترمذي والدارمي وأحمد عن أنس رضي الله عنه: (أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا ، وَخَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا , وَقَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا , وَشَافِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا , وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَبْلَسُوا , لِوَاءُ الْكَرَمِ بِيَدِي ، وَمَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي , وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى رَبِّي وَلا فَخْرَ ، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ).
[7] رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[8] البخاري عن جابر رضي الله عنه
[9] رواه القزويني في " مسلسلاته " – كما قال العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " ( 4 / 365 ) من حديث حذيفةرضي الله عنه
ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 3 / 187 ) عن علي وابن عباس
[10] أحمد والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه.
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد- مسحد البركة – فنارة -
مواضيع مماثلة
» هناك سؤال مهم يفرض نفسه حول حقيقة الإسراء والمعراج، هل كان الإسراء بالرُّوح والجسد، أم كان
» الإسراء والمعراج سنة 621 م
» ]الإسراء والمعراج
» دروس وعبر
» حقيقة الإسراء والمعراج 1
» الإسراء والمعراج سنة 621 م
» ]الإسراء والمعراج
» دروس وعبر
» حقيقة الإسراء والمعراج 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin