بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
بولــس الرســول قراءة جديدة و منظور مغاير
صفحة 1 من اصل 1
بولــس الرســول قراءة جديدة و منظور مغاير
بولــس الرســول
قراءة جديدة و منظور مغاير
كان لابد من أن تكون هناك قراءة جديدة و منظور مغاير تماما لما هو معهود من التراث المسيحى فى الشروحات المعاصرة و القديمة فى أعمال الرسل, هى الحاجة لإعادة انتاج فهم جديد حول نصوص الانجيل و التى تتضمن الجزء الخاص بأعمال الرسل و رسائل بولس المختلفة و رسالتى القديس بطرس بشىء من التدقيق و الاستفاضة و المرور الملزم على بعض ما ورد فى الاناجيل الاربعة التى تعتمدها المسيحية .
هى الرغبة الملحة فى قراءة تلك النصوص بعيدا عن اى قدسية يحيط بها الاخوة المسيحين تلك النصوص و يعملون جاهدين على فرض قدسية و رؤية اسطورية على تلك النصوص و ينعكس ذلك أيضا على تفسيراتهم و شروحاتهم لتلك النصوص و المحاولات التوفيقية التى يبذلونها لتغطية و تمرير بعض النصوص التى تمثل إشكالية واضحة لا يمكن المرور بها دون توفير الوقت اللازم من التدقيق و التمحيص و أيضا الكثير جدا من التأمل و طرح أداة الاستفهام التى كثيرا ما نخاف من استخدامها و هى ” لماذا ؟ ”
و إن كان هناك شخص يجب ان يحاط بقدسية فهى حق للمسيح وحده باعتباره رسول مبعوث من الله سبحانه و تعالى , و لا يدخل فى ذلك المحيط القدسى اى شخص آخر حتى حواريين النبى عيسى لأنهم من البشر و عصمتهم هو امر غير جائز فالعصمة للانبياء فقط و لا تجوز لأى شخص أخرمهما كانت مرتبته و لا احد مقدس فوق الله سبحانه و تعالى و ملائكته و انبيائه المصطفين.
لذا نحن فى حاجة ماسة لإعادة انتاج فهم جديد لتلك النصوص من اجل فهمها على نحو أوفق و اكثر موضوعية و عقلانية تتعلق بالطبائع البشرية و ألا نرسمها فى سياق اسطورى منفصل عن البشرية و الواقع الفعلى , و البعد عن التفسيرات التى تلوى عنق الحقيقة لتصنع منه حقيقة مغايرة لما هو واقع بالفعل و تتجلى تلك الشروحات التوفيقية فى محاولتها لتبرير خصومة (بطرس/بولس) فى انطاكية على أنها خلافات بينهما فى عملية التطبيق و ليس فى المضمون الدينى و التى نجد مثيلا لها فى أعمال الخورى بولس الغفالى !!
أن رفع القدسية عن تلك الشخصيات يعطى مساحة واسعة لمعرفة أرحب و أفق مفتوح لكشف الحقيقة كاملة, و أضافة معرفية لتلك الحقبة الهامة من التاريخ المسيحى و التى يتم تصويرها فى محيط مبالغ فيه من الميتافيزيقا و أشكال الأسطرة المتنوعة التى تتلون بها اعمال الرسل , أذن فالمطلب هو تخليص النظرة و المنظور فى تفهم سيرة الرسل و أعمالهم من كل أشكال المبالغات التى يرفضها العقل و ذلك يفتح الباب واسعا أمام تفسيرات جديدة طليعية تؤسس فكر جديد فى شرح تلك المرحلة الهامة من التاريخ المسيحى و هى حقبة اعمال الرسل.
بالأضافة إلى أن أعمال الرسل تعتبر نصوص تاريخية و هى التى تقابل الدين الأسلامى فى السير و المغازى و التراجم للاشخاص, سرد تاريخى بحت لا يمت لأى صلة بنصوص قدسية من قريب او بعيد, فلوقا كاتب اعمال الرسل و خصوصا أعمال الرسول بولس يؤرخ لتاريخ عاصره و أحداث عاصرها و لا يتلقى معرفة لادنية توحى له و لكنه يسجل كل ما يمر من احداث عصره مثل أى مؤرخ كهوميروس اليونانى أبو المؤرخين, و كذلك كتب الأناجيل الأربعة لا يمكن اعتبارها نصوص مقدسة و لكنها نصوص تاريخية فى المقام الأول و الأخير تؤرخ لسيرة المسيح مثل كل السير التى كتبها المؤرخين المسلمين عن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم أمثال ابن كثير و الطبرى و ابن هشام و ابن اسحاق و غيرهم من الرواة المسلمين, و لا تعتبر نصوص مقدسة و لكنها تاريخ يؤرخ لسيرة نبى الاسلام , ليس أكثر و ليس أقل, لذا ما الداعى لتلك القدسية المفتعلة التى لامبرر لها من أحاطة تلك النصوص بقدسية غير موجبة.
لماذا بولس الرسول ؟
قد يثار هنا تساؤل , لماذا يقوم شخص مسلم بعمل دراسة قصيرة عن السيرة الذاتية لبولس الرسول المعروف عنه فى المسيحية انه مؤسس المسيحية الثالثوية و ينسب إليه الفلسفة و علم اللاهوت المسيحى.
الذى يدفعنى إلى دراسة شخصية و سيرة الرسول بولس هو مدى أهمية هذه الشخصية و توغل دورها فى تاسيس العقيدة المسيحية و أفكاره التى بنيت عليها الفلسفة و اللاهوت المسيحى حتى أنه تخطى باهميته و تعاليمه المسيح ذات نفسه و اصبح اعلى شأنا و مرجعية كبرى لدى الاخوة المسيحين و بدونه لا تقضى و لا تسير الامور و الاحوال لدى المسيحين و هذا يدعو للغرابة و عشرات علامات الاستفهام .
لذلك لفت نظرى ان ادرس تلك الشخصية المؤثرة بكل هذه القوة و العمق فى الديانة المسيحية و ذلك الذى دفع كاتب امريكى مثل مايكل هـ. هارت أن يجعل بولس الرسول فى كتابه المئة الخالدون فى المرتبة الثانية بعد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و قبل المسيح الذى يحوز المرتبة الثالثة !!
فهو يرى أن بولس الرسول اكثر أهمية و فاعلية فى الدين المسيحى من المسيح صاحب الرسالة ذات نفسه و لقد اصابنى هذا بالدهشة و بالفضول فى ذات الوقت اللذان دفعانى للبحث فى سيرة هذا الرجل الذى جعلت ذلك الكاتب الامريكى يضعه فى المرتبة الثانية قبل المسيح.
بولس يعتبر مؤسس علم اللاهوت المسيحى و علم الفلسفة و الداعى لعقيدة التثليث و الفضل يرجع اليه بالأول و الاخير فى نشرها فى روما فى حين أن الرسول محمد صلوات الله عليه و سلامه هو مؤسس العقيدة و التشريع و ما تضمن ذلك من اوامر و نواهى و حلال و حرام و حدود و تعاليم اجتماعية و عبادات و كل ما يحتويه الدين الاسلامى من مجالات و كتب العلم الدينى التى حققها علماء أمتنا على مر أربعة عشر قرن ترتكز فى كل كتابتها و اجتهاداتها و علومها على الرسول كمرجعية اولى و أخيرة و لا يشاركه هذا الفضل شخص أخر و التى هى فى الاول و الأخير وحى من الله سبحانه و تعالى و الجيل الاسلامى الاول الذى شهد رسول الله ما هو ألا متبع لكتاب الله و لسنة الرسول و فقط .
بينما بولس الرسول بحسب ما اطلعت و قرأت من كتاب الأنجيل ينفرد بما يزيد عن نصف الانجيل بما تحتويه من رسائله المختلفة و سيرته الشخصية فى اعمال الرسل و القارىء لأعمال الرسل يرى و كأن لا يوجد من هو اتقى من بولس الرسول و لا من هو فى مثل نشاطه لنشر الدعوة او فى الدفاع عنها و شرحها بوسائل ابتكارية لم يصل إليها حوارى الرسول عيسى عليه السلام الذين رافقوه طوال مشواره على الأرض و الذى وعدهم بالروح القدس التى ستؤيدهم من بعد رفعه , أثنى عشر حوارى لم تذكر اعمالهم فى اعمال الرسل الا فئة قليلة جدا على رأسها بطرس الرسول ثم لعدد محدود من اتباع الحواريين امثال حنانيا الذى كان له دور فى هداية شاول الذى هو بولس الرسول و من ثم تجد اكثر من نصف سيرة اعمال الرسل مكرسة فقط لاعمال القديس بولس الذى كان من الد اعداء المسيح ثم أكبر المضطهدين لاتباع المسيح بعد رفعه من على الارض حتى انه لما اهتدى و تاب أرتاب بعض اتباع التلاميذ فى إيمانه فكان لبرنابا الرسول دور فى ان يقدمه لهؤلاء التلاميذ و يهدىء من روعهم و رغم أنه من دواعى المنطق و الايمان المطلوب هو ان يكون دور الحواريين فى نشر رسالة المسيحية اعظم و اهم و ان يفرد لهم الانجيل القدر الاكبر من الذكر ألا أن ذلك لا يحدث بل ينفرد بهذا القدر الكبير من الاهمية و تسليط الاضواء القديس بولس الذى هو تلميذ لتلامذة الحواريين , هل رايتم المسافة الأيمانية و المكانية و العلمية التى تفصله عن الحواريين و لكنه على الرغم من ذلك أهم منهم جميعا حتى ان من علو مكانته كما تقرأ فى رسالته إلى أهل غلاطيه أنه انتقد بطرس فى انطاكية و اتهمه هو و برنابا بأنهما حادا عن الطريق المستقيم و نصب نفسه المرشد الروحى للدين المسيحى و انه الذى سيزود عن هذ الدين و يدافع عنه ضد من يسيئون إليه بسلوكهم كما اتهم بطرس بانه يعيش مثل الاممين و ليس كيهوديا !!
يقول الداعية أحمد ديدات فى كتابه (محمد صلى الله عليه و سلم اعظم العظماء)ص 26: و طبقا لما يقوله هارت يتقاسم القديس بولس و المسيح عليه السلام شرف تأسيس الديانة المسيحة و هو هارت يعتقد أن القديس بولس هو المؤسس الحقيقى للديانة المسيحية.
و انا لا أستطيع أن اتفادى و اتجنب الاتفاق تمام الاتفاق مع هارت من بين الكتب السبعة و العشرين التى يتكون منها العهد الجديد, نجد ان اكثر من نصفها أنما هو من تأليف القديس بولس و لو عقدنا مقارنة بين المسيح عليه السلام و بين القديس بولس فى هذا الصدد, سنجد ان المسيح عليه السلام لم يكتب كلمة واحدة من الكتب السبعة و العشرين التى يتكون منها العهد الجديد.
يقول الداعية احمد ديدات ص 26 فى فقرة أخرى: كان القديس بولس هو المسئول الرئيسى عن تطوير اللاهوت المسيحى و هو الذى وضع أسس الدعوة إلى الدين المسيحى و القديس بولس هو الذى كتب كمية كبيرة من العهد الجديد
يقول أيضا ص 27 : هذا هو الاعتراف االصحيح بشأن ما يطلقون عليه أسم الانجيل و عند المواجهة الفعلية مع الإرساليات المسيحية سنجد أنهم يقتبسون 100 % مما يذكرونه باتبهار انه من نصوص الكتاب المقدس مما كتبه القديس بولس.
يقول فى ص 27,28 : و فى كل مرة تواجه فيها اى شخص مسيحى بما قاله ربه و سيده المسيح عليه السلام, فهو سيواجهك بشىء مما قاله بولس فى رسائله إلى الكورنثيين او اهل غلاطية أو اهل أفسوس أو الى الفليبين او غير ذلك.
يقول فى فقرة اخرى ص 28 : و لا يوجد مسيحى مثقف واحد يعارض حقيقة أن المؤسس الحقيقيى للمسيحية هو القديس بولس و بناء على ذلك وضع مايكل هـ.هارت المسيح عليه السلام بالكاد باعتبار أنه رقم ثلاثة.
و نجد ان لوقا الذى ينفرد بكتابة الجزء الاكبر من اعمال الرسل كان احد المرافقين لبولس الرسول و المقربين إليه يفرد مساحة واسعة لتعديد مآثر و امجاد و براكات بولس الرسول لذا فالسيرة تمت كتابتها من وجه نظر بولس و اتباعه دون وجه نظر الباقين مما يفقد السيرة الذاتية لاعمال الرسل حياديتها و وجوب نزع الهالة القدسية من عليها و دراستها دراسة موضوعية باعتباره نص تاريخى و ليس نص مقدس.
من هو بولس الرسول ؟
قد يدهش الكثيرون عندما يعرفون أن بولس هذا لم يكن أحد حوارى السيد المسيح و لكنه اهتدى على يد اتباع الحواريين! , مما يدعو إلى تساؤل آخر كيف يمكن أن يكون تابع لتابع للحواريين أن يفوقهم مكانة و علما و اهمية , هذا ما ستجيب عنه سطور الدراسة, ولد بولس فى مدينة طرسوس من كيليكية كما يقول هو بنفسه :
” أنا رجل يهودى ولدت فى طرسوس كيليكية” أعمال الرسل, الاصحاح 22 , الآية (3)
“أنا رجل يهودى طرسوسى, من اهل مدينة غير دنية من كليليكية” أعمال الرسل, الاصحاح 21, الآية (39)
و ما هى نوع الوظيفة التى كان يشغلها بولس قبل أن يتحول إلى المسيحية , كان يعمل فريسى فى الهيكل عدوا للمسيح الذى سمع به و لكنه لم يؤمن على يديه ” أنا فريسى ابن فريسى. على رجاء قيامة الأموات أنا أحاكم” اعمال الرسل , الاصحاح 23 , الآية رقم ( 6)
و فى الانجيل / العهد الجديد – دار الكتاب المقدس فى معجم الكلمات الصعبة نجد تحت الحرف (ف) شرح معنى كلمة فريسى و هى كالتالى:
فريسى/ فريسيون مت 20:5 الفريسى كلمة تعنى: معتزل, و هى طائفة دينية متشددة, و اتصفوا بالكبرياء و الرياء و التمسك بالتقاليد اليهودية.
هذا هو تفسير معجم الكلمات الصعبة فى كتاب الانجيل و لكن لنرى ماذا يقول السيد المسيح عن الفريسين حيث يلعنهم و يتوعدهم بالويلات و الدينونة الأعظم و يتهمهم بالرياء و غيرها و من انجيل متى و لوقا نورد عدد من الامثلة للتاكيد على كلامنا
” فقال له الرب: ” انتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكاس و القصعة, و أما باطنكم فمملوء اختطافا و خبثا . يا اغبياء”
أنجيل لوقا الآية رقم (40,39)
” فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكى يهلكوه, فعلم يسوع و انصرف من هناك” الآية رقم ( 15,14) أنجيل متى
” لكن ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون!لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس, فلا تدخلون أنتم و لا تدعون الداخلين يدخلون, ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المروؤان!لأنكم تأكلون بيوت الأرامل , ولعلة تطيلون صلواتكم, لذلك تاخذون دينونة اعظم” أنجيل متى , الآية رقم (14,13)
نكتفى بهذه الامثلة التى تبين لنا طبيعة الفريسين و التى تتميز بالقسوة و التشدد و الاعتزال و الرياء و اكل أموال اليتامى و تصنع الطهارة الجسدية دون الطهارة الروحية و ويلات لهم من الله سبحانه على ما يقترفون من آثام و هم الذين عذبوا اتباع المسيح.
و هو من اكبر المضطهدين لاتباع المسيح بين سجن و تعذيب و تجديف عليهم من رجال و نساء و قديسين.
” أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا و قتلا على تلاميذ الرب, فتقدم إلى رئيس الكهنة و طلب منه رسائل إلى دمشق, إلى الجماعات , حتى إذا وجد أناسا من الطريق, رجالا و نساء, يسوقهم موثقين إلى أورشليم” أعمال الرسل, الاصحاح 9 , الاية (2,1)
” و أخرجوه – المقصود به استفانوس – خارج المدينه و رجموه. و الشهود خلعوا ثيابهم عند رجلى شاب يقال له شاول – الذى هو بولس الرسول-. فكانوا يرجمون استفانوس و هو يدعو و يقول: ” أيها الرب يسوع اقبل روحى” . ثم جثا على ركبتيه و صرخ بصوت عظيم : ” يا رب, لا تقم لهم هذه الخطيئة” و إذا قال هذا رقد. و كان شاول راضيا بقتله” أعمال الرسل, الاصحاح 7, الاية رقم(60,58)
و هو يفخر أنه لا يزال فريسى بل و يتقلب فى نسل من الفريسين كما يقول هو عن نفسه ” فريسى ابن فريسى”اعمال الرسل , الاصحاح 23 , الآية رقم ( 6)
و الغريب فى الامر انه يعترف امام الصدوقيون و الفريسيون فى المجمع أنه فريسى ابن فريسى برغم أنه اهتدى و تاب عن طريق الضلال بعد ان عرف طريق النور الذى ظهر له فى الطريق إلى دمشق و هو يعلم تمام العلم أن السيد المسيح لعن الفريسين و لكن ليس هناك مشكلة فى ان يستعين ببعض ماضيه لينقذ نفسه فى المجمع و لنا فى ذلك شرح مطول عندما تحين مناسبته.
يقول عنه الاستاذ الفيلسوف / خواجة أفندى كمال الدين فى كتابه ” ينابيع المسيحية” ص 98,99 : شاول الطرسوسى ( شاول هو اسم بولس الرسول عندما كان يهوديا و بلده طرسوس و يقول الكتاب المقدس إنه كان أشد الناس عداءا للسيد المسيح و المسيحية و المسيحين) شاول هذا الذى يقول ان عيسى ظهر له كنور و أرسله للكافرين, شاول الذى كان ألد أعداء السيد المسيح, و أعظم مضطهد لمتبعيه, عندما كان المسيح حيا على الأرض,شاول الذى لم يسمح له الوقت ان يتعلم شيئا من المسيح, شاول هذا المارق من اليهودية الممقوت من قومه, شاول الذى سمى نفسه فيما بعد بولس الرسول, شاول هذا لم يترك فرصة دون أن يشتغل فيها بين الفصائل الضالة, تلك الفصائل التى أرسل لها عيسى فقط, و كان من حيله و ختله أن يتجاهل الناموس( الشريعة) عندما يعمل بين الذين ليس لهم ناموس و يظهره عند من لهم ناموس كما يقول عن نفسه فى الكتاب المقدس.
أذن فهذا هو شاول ذلك اليهودى المتشدد المعتزل كما يقول معجم الكلمات الصعبة فى الأنجيل عن الفريسى , شاول ألد اعداء المسيح و من بعده اتباعه , شاول الذى يحكى قصة هداه و التى تبدا من نور ظهر له فى الطريق و هو ذاهب إلى دمشق ليهديه إلى النور و يرسله من بعد ذلك لأداء مهام الدعوة التى يقوم بها بكفاءة منقطعة النظير لا تتناسب أبدا مع عداءه المستميت للسيد المسيح ,شاول الذى لم يترك فرصة سواء كانت شرعية أو غير شرعية ألا و استغلها لصالح اهداف دعوته و احيانا لينقذ نفسه من الموت و القتل والتعذيب و ذلك لا نفتريه عليه و لكنه قراءة موضوعية لما اعترف به هو شخصيا على نفسه
” فصرت لليهود كيهودى لاربح اليهود. و للذين تحت الناموس كانى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. و للذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس – مع انى لست بلا ناموس الله, بل تحت ناموس للمسيح – لاربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شىء” اعمال الرسل , الاصحاح 9 , الاية رقم ( 22,20)
بولس الذى رفضه التلاميذ بعد هدايته لما عرف عنه فى ماضيه من قسوة فى التعذيب و القتل و الافتراء و سجن الرجال و النساء على السواء و انه احد الذين شهدوا رجم استفانوس و حرضوا على فعل ذلك و طلبوا منه أن يعود إلى بلده فى طرسوس و لم يقبلوا ضمنيا أنضمامه إليهم.
“و حدث لى بعد ما رجعت إلى أورشليم و كنت اصلى فى الهيكل , أنى حصلت فى غيبة, فرأيته قائلا لى: أسرع! و أخرج عاجلا من أورشليم, لأنهم لا يقبلون شهادتك عنى. فقلت: يا رب, هم يعلمون أنى كنت احبس و أضرب فى كل مجمع الذين يؤمنون بك. و حين سفك دم استفانوس شهيدك كنت انا واقفا و راضيا بقتله , و حافظا ثياب الذين قتلوه. فقال لى : اذهب, فأنى سأرسلك إلى الأمم بعيدا”اعمال الرسل , الاصحاح 22 , الآية رقم ( 21,17)
يقول خواجة أفندى كمال الدين ص 100 ,101: لو درست كل الادبيات البوليسية بتعقل و تدبر, لظهر ان ما كان يوحى إليه, كان آتيا من مصادر اخرى بعيدة عن المصادر المسيحية و البناؤون الذين تلوا بولس فى بناء الكنيسة, وجدوا أن الطريقة البوليسية خير طريقة تحرز النجاح فى نشر الدين الجديد و تجعله شائعا بين الوثنين فاتخذوها سبيلا و ساروا عليها حتى فقد دين السيد المسيح بعد قرون قليلة كل جماله و أصبح دينا كالدين الذى تراه الآن.
فهل يدهشك إذن أن ترى مؤتمر كامبردج لرجال الكنيسة العصرين يصل سنة 1917 إلى ان كنيسة المسيح الحالية لم يؤسسها عيسى عليه السلام !
أذن بروية و تمهل دعونا نبدا تاريخ بولس و الترجمة لتلك الشخصية ذات الاهمية الغير منطقية فى التاريخ المسيحى , هو كما تقدم فى الذكر فريسى و هى مرتبة دينية متقدمة فى الدين المسيحى و هى المرتبة الثانية مباشرة بعد الصدوقين الذين معظمهم يكونون روؤساء المعبد أو المجمع اليهودى و هم معرفون بالاعتزال و التشدد و الكبرياء و الرياء كما تقدم ذكره فى الكتاب المقدس و هو معاصر للسيد المسيح و تصله أخباره باعتباره عدوا لليهودية و داعى لخرابها من وجه نظر اليهود و خصوصا طبقة علماء الدين فيها و مهدد لسلطتهم الدينية و عرف عن بولس ولاءه الشديد لدين اليهودية و تعصبه البالغ و كيف أنه عادى اتباع المسيح و عذبهم كما علمنا من الكتاب المقدس و من اعترافاته الشخصية و كيف أنه بعد تحوله للمسيحية عندما قبض عليه و عرض فى المجمع ذكرهم بأنه كان فريسى مخلص و معادى بقسوة و عنف للمسيحية حتى يسترق قلوبهم عليه و كانت هذه أحدى حيله و ختله كما قال خواجة أفندى كمال الدين .
” و كنت غيورا لله كما انتم جميعكم اليوم. و اضطهدت هذا الطريق حتى الموت, مقيدا و مسلما إلى السجون رجالا و نساء, كما يشهد لى أيضا رئيس الكهنة و جميع المشيخة,الذين إذ اخذت أيضا منهم رسائل للاخوة إلى دمشق, ذهبت لأتى بالذين هناك إلى اورشليم مقيدين لكى يعاقبوا” اعمال الرسل, الأصحاح 22 , الآية رقم (5,3)
” و فعلت ذلك أيضا فى أورشليم, فحبست فى سجون كثيرين من القديسين , آخذا السلطان من قبل رؤساء الكهنة. و لما كانوا يقتلون ألقيت قرعة بذلك. و فى كل المجامع كنت اعاقبهم مرارا كثيرة, و اضطرهم إلى التجديف. و إذا أفرط حنقى عليهم كنت اطردهم إلى المدن التى فى الخارج” الاصحاح 26, اعمال الرسل , رقم (10,11)
و فيما هو ماضيا إلى دمشق ادعى أنه رأى نورا ظهر له فى السماء و أن المسيح يعاتبه برفق على عداءه الشديد لاتباعه و يدعوه لأن يتبعه و يعده بمكانة كبيرة عنده أذا أتبعه و من هنا تغيرت حياة بولس 180 درجة و انقلب إلى المسيحية مارقا عن اليهودية ممقوتا من قومه كما قال خواجة أفندى كمال الدين.
” فقال: أنا يسوع الذى انت تضطهده و لكن قم و قف على رجليك لأنى لهذا اظهرت لك, لانتخبك خادما و شاهدا بما رأيت و بما ساظهر لك به, منقذا أياك من الشعب و من الأمم الذين انا الآن أرسلك إليهم , لتفتح عيونهم كى يرجعوا من ظلمات إلى نور, و من سلطان الشيطان إلى الله” الاصحاح 26 , الآية رقم (18,15) , اعمال الرسل.
و يلجأ الى أحد أتباع المسيح و هو التلميذ حنانيا التى تأتيه هو الاخر رؤية من السيد المسيح تخبره أن يذهب إلى شاول لبداية تأسيسه لطريق الهداية و يدخل عليه حنانيا فيزيل الغشاوة عن عينيه فيبصر شاول الحقيقة و لكن تلاميذ المسيح يرتابون فى أمره و يظنون أنها أحدى حيله و ختله و يرفضون التعامل معه و هذا يلقى الضوء على شخصية بولس فى أنه قبل تحوله الى المسيحية كان مشهورا بالختل و الحيل و الالاعيب و تدبير المكايد لاتباع المسيح و الذى أصبح وسيلته و منهجه بعد تحوله للمسيحية حيث أتبع نفس الأسلوب و ياتى هنا دور الرسول برنابا فى توطيد العلاقة بينه و بين تلاميذ المسيح و توثيق الصلة و يكون همزة الوصل بين بولس و تلاميذ المسيح و ينقلب عليه قومه من اليهود بعدما علموا ما كان من أمره فيساعده تلاميذ المسيح على الهروب و يعود الى مدينته و مسقط رأسه طرسوس بينما يتجه برنابا الى انطاكية الواقعة فى المنطقة اليهودية و يكرز فى الناس و يدعوهم الى المسيحية حتى ينجح فى تكوين جماعة متبعة لدين المسيح يقول عنها الكتاب المقدس أنها جمع غفير ثم يتجه برنابا إلى طرسوس يبحث عن شاول و يدعوه لان يكرز معه فى الناس بانطاكية فيذهب معه شاول يكرز فى الناس فى انطاكية و يهتدى على ايديهم جمع غفير من الناس.
و ينبغى هنا ألا نمر سريعا على دور برنابا قبل أن يصاحبه بولس فى الدعوة الى المسيحية فى انطاكية و تأسيس جماعة تتبعه هناك و هو ما سيفيدنا فى قراءة الاحداث القادمة ذات الاهمية البالغة لأنها من شانها ان تبين المفارقة العجيبة فى صراعه مع بطرس الرسول و برنابا و اتهامه لهما بالخروج عن الطريق المستقيم و التى يفسرها الخورى بولس الغفالى على أنها أختلاف فى التطبيق و ليس فى المنهج و هو تبرير توفيقى لا علاقة له باحداث الواقع الفعلية.
و نجد ان بولس من خلال أعمال الرسل يتلون فى خطاباته على حسب الظروف و الشعب الذى يخاطبه أو الفئة التى يتوجه إليها بكلامه, فما يذكره فى موضع يتجاهله فى موضع آخر متلونا على حسب المناخ و الظروف و المتلقى فهو أحيانا يتمسك بالناموس أشد التمسك مع الناموسين و يتخلى عنه فى مواضع اخرى للذين بلا ناموس مبررا أن الناموس يبرر الخطيئة و ان الايمان بالناموس ليس الهدف و لكن بفكرة صلب المسيح و ألوهيته و من خلال قراءتى لخطبه و مواقفه المختلفة فى المواضع المختلفة التى تتكشف فى رحالاته و انتقالاته بين الأقوام أصبت فى البداية بارتباك فى الفهم فاحيانا كثيرة يدافع عن الناموس و فى مواضع اخرى يستهجن الناموس و ينكر دوره بشده , و تصورت ان الفهم قد اختلط على و التبس على الامر فأعود لقراءة هذه المواضع مرة و ثانية و ثالثة فيتبين لى أن هذا ما يقوله فعلا و أن ما فهمته صحيحا و لكن ذهب عنى كل التباس و غموض بشان هذا الامر عندما قرات اعترافه بنفسه حيث يقول : ” فصرت لليهود كيهودى لاربح اليهود. و للذين تحت الناموس كانى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس.و للذين بلا ناموس كانى بلا ناموس – مع انى لست بلا ناموس لله, بل تحت ناموس للمسيح – لأربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف كى اربح الضعفاء. صرت للكل كل شىء” الاصحاح التاسع الآية رقم (20,23) أعمال الرسل
أذن هذه هى حيل بولس لكى ينشر دعوته الخاصة عن المسيحية ان يتشكل و يتلون وفق كل شعب و بلد و وفق شرائعهم و معتقداتهم و طبائعهم حتى يستميلهم و يدعوهم إلى صفه, فليخبرنى مبشر مسيحى هل يتبع المبشر طريقة التلون كالحرباء مع الاقوام الغير مؤمنين بالمسيحية حتى يكسبهم فى صفه و يدعوهم إلى دين المسيحية , لا احسبهم يتقبلوا ذلك , لان التشكل و التلون وفق أبسط معانيه هو اتخاذ شكل المظاهر الخارجية و خصائصه الشكلية الظاهرة غير قائلين متخذ للجوهر و هو فى حد ذاته شىء منبوذ و مرفوض لاى مبشر أن يتلون بأطباع أقوام ضالة و يتخذها سبيلا فى الدعوة إلى دينه لأن دور المبشر لدينه أن يناى بنفسه عن أن يتخلق بطبائع اقوام مغايرة له ثابتا على جوهره و شكله الخارجى حتى يصبح صادقا مع نفسه و مع الآخرين و الا فقد المصداقية و لكن بولس لا يجد ضررا فى ذلك و هو القائل على نفسه ” صرت للكل كل شىء”
قراءة جديدة و منظور مغاير
كان لابد من أن تكون هناك قراءة جديدة و منظور مغاير تماما لما هو معهود من التراث المسيحى فى الشروحات المعاصرة و القديمة فى أعمال الرسل, هى الحاجة لإعادة انتاج فهم جديد حول نصوص الانجيل و التى تتضمن الجزء الخاص بأعمال الرسل و رسائل بولس المختلفة و رسالتى القديس بطرس بشىء من التدقيق و الاستفاضة و المرور الملزم على بعض ما ورد فى الاناجيل الاربعة التى تعتمدها المسيحية .
هى الرغبة الملحة فى قراءة تلك النصوص بعيدا عن اى قدسية يحيط بها الاخوة المسيحين تلك النصوص و يعملون جاهدين على فرض قدسية و رؤية اسطورية على تلك النصوص و ينعكس ذلك أيضا على تفسيراتهم و شروحاتهم لتلك النصوص و المحاولات التوفيقية التى يبذلونها لتغطية و تمرير بعض النصوص التى تمثل إشكالية واضحة لا يمكن المرور بها دون توفير الوقت اللازم من التدقيق و التمحيص و أيضا الكثير جدا من التأمل و طرح أداة الاستفهام التى كثيرا ما نخاف من استخدامها و هى ” لماذا ؟ ”
و إن كان هناك شخص يجب ان يحاط بقدسية فهى حق للمسيح وحده باعتباره رسول مبعوث من الله سبحانه و تعالى , و لا يدخل فى ذلك المحيط القدسى اى شخص آخر حتى حواريين النبى عيسى لأنهم من البشر و عصمتهم هو امر غير جائز فالعصمة للانبياء فقط و لا تجوز لأى شخص أخرمهما كانت مرتبته و لا احد مقدس فوق الله سبحانه و تعالى و ملائكته و انبيائه المصطفين.
لذا نحن فى حاجة ماسة لإعادة انتاج فهم جديد لتلك النصوص من اجل فهمها على نحو أوفق و اكثر موضوعية و عقلانية تتعلق بالطبائع البشرية و ألا نرسمها فى سياق اسطورى منفصل عن البشرية و الواقع الفعلى , و البعد عن التفسيرات التى تلوى عنق الحقيقة لتصنع منه حقيقة مغايرة لما هو واقع بالفعل و تتجلى تلك الشروحات التوفيقية فى محاولتها لتبرير خصومة (بطرس/بولس) فى انطاكية على أنها خلافات بينهما فى عملية التطبيق و ليس فى المضمون الدينى و التى نجد مثيلا لها فى أعمال الخورى بولس الغفالى !!
أن رفع القدسية عن تلك الشخصيات يعطى مساحة واسعة لمعرفة أرحب و أفق مفتوح لكشف الحقيقة كاملة, و أضافة معرفية لتلك الحقبة الهامة من التاريخ المسيحى و التى يتم تصويرها فى محيط مبالغ فيه من الميتافيزيقا و أشكال الأسطرة المتنوعة التى تتلون بها اعمال الرسل , أذن فالمطلب هو تخليص النظرة و المنظور فى تفهم سيرة الرسل و أعمالهم من كل أشكال المبالغات التى يرفضها العقل و ذلك يفتح الباب واسعا أمام تفسيرات جديدة طليعية تؤسس فكر جديد فى شرح تلك المرحلة الهامة من التاريخ المسيحى و هى حقبة اعمال الرسل.
بالأضافة إلى أن أعمال الرسل تعتبر نصوص تاريخية و هى التى تقابل الدين الأسلامى فى السير و المغازى و التراجم للاشخاص, سرد تاريخى بحت لا يمت لأى صلة بنصوص قدسية من قريب او بعيد, فلوقا كاتب اعمال الرسل و خصوصا أعمال الرسول بولس يؤرخ لتاريخ عاصره و أحداث عاصرها و لا يتلقى معرفة لادنية توحى له و لكنه يسجل كل ما يمر من احداث عصره مثل أى مؤرخ كهوميروس اليونانى أبو المؤرخين, و كذلك كتب الأناجيل الأربعة لا يمكن اعتبارها نصوص مقدسة و لكنها نصوص تاريخية فى المقام الأول و الأخير تؤرخ لسيرة المسيح مثل كل السير التى كتبها المؤرخين المسلمين عن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم أمثال ابن كثير و الطبرى و ابن هشام و ابن اسحاق و غيرهم من الرواة المسلمين, و لا تعتبر نصوص مقدسة و لكنها تاريخ يؤرخ لسيرة نبى الاسلام , ليس أكثر و ليس أقل, لذا ما الداعى لتلك القدسية المفتعلة التى لامبرر لها من أحاطة تلك النصوص بقدسية غير موجبة.
لماذا بولس الرسول ؟
قد يثار هنا تساؤل , لماذا يقوم شخص مسلم بعمل دراسة قصيرة عن السيرة الذاتية لبولس الرسول المعروف عنه فى المسيحية انه مؤسس المسيحية الثالثوية و ينسب إليه الفلسفة و علم اللاهوت المسيحى.
الذى يدفعنى إلى دراسة شخصية و سيرة الرسول بولس هو مدى أهمية هذه الشخصية و توغل دورها فى تاسيس العقيدة المسيحية و أفكاره التى بنيت عليها الفلسفة و اللاهوت المسيحى حتى أنه تخطى باهميته و تعاليمه المسيح ذات نفسه و اصبح اعلى شأنا و مرجعية كبرى لدى الاخوة المسيحين و بدونه لا تقضى و لا تسير الامور و الاحوال لدى المسيحين و هذا يدعو للغرابة و عشرات علامات الاستفهام .
لذلك لفت نظرى ان ادرس تلك الشخصية المؤثرة بكل هذه القوة و العمق فى الديانة المسيحية و ذلك الذى دفع كاتب امريكى مثل مايكل هـ. هارت أن يجعل بولس الرسول فى كتابه المئة الخالدون فى المرتبة الثانية بعد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و قبل المسيح الذى يحوز المرتبة الثالثة !!
فهو يرى أن بولس الرسول اكثر أهمية و فاعلية فى الدين المسيحى من المسيح صاحب الرسالة ذات نفسه و لقد اصابنى هذا بالدهشة و بالفضول فى ذات الوقت اللذان دفعانى للبحث فى سيرة هذا الرجل الذى جعلت ذلك الكاتب الامريكى يضعه فى المرتبة الثانية قبل المسيح.
بولس يعتبر مؤسس علم اللاهوت المسيحى و علم الفلسفة و الداعى لعقيدة التثليث و الفضل يرجع اليه بالأول و الاخير فى نشرها فى روما فى حين أن الرسول محمد صلوات الله عليه و سلامه هو مؤسس العقيدة و التشريع و ما تضمن ذلك من اوامر و نواهى و حلال و حرام و حدود و تعاليم اجتماعية و عبادات و كل ما يحتويه الدين الاسلامى من مجالات و كتب العلم الدينى التى حققها علماء أمتنا على مر أربعة عشر قرن ترتكز فى كل كتابتها و اجتهاداتها و علومها على الرسول كمرجعية اولى و أخيرة و لا يشاركه هذا الفضل شخص أخر و التى هى فى الاول و الأخير وحى من الله سبحانه و تعالى و الجيل الاسلامى الاول الذى شهد رسول الله ما هو ألا متبع لكتاب الله و لسنة الرسول و فقط .
بينما بولس الرسول بحسب ما اطلعت و قرأت من كتاب الأنجيل ينفرد بما يزيد عن نصف الانجيل بما تحتويه من رسائله المختلفة و سيرته الشخصية فى اعمال الرسل و القارىء لأعمال الرسل يرى و كأن لا يوجد من هو اتقى من بولس الرسول و لا من هو فى مثل نشاطه لنشر الدعوة او فى الدفاع عنها و شرحها بوسائل ابتكارية لم يصل إليها حوارى الرسول عيسى عليه السلام الذين رافقوه طوال مشواره على الأرض و الذى وعدهم بالروح القدس التى ستؤيدهم من بعد رفعه , أثنى عشر حوارى لم تذكر اعمالهم فى اعمال الرسل الا فئة قليلة جدا على رأسها بطرس الرسول ثم لعدد محدود من اتباع الحواريين امثال حنانيا الذى كان له دور فى هداية شاول الذى هو بولس الرسول و من ثم تجد اكثر من نصف سيرة اعمال الرسل مكرسة فقط لاعمال القديس بولس الذى كان من الد اعداء المسيح ثم أكبر المضطهدين لاتباع المسيح بعد رفعه من على الارض حتى انه لما اهتدى و تاب أرتاب بعض اتباع التلاميذ فى إيمانه فكان لبرنابا الرسول دور فى ان يقدمه لهؤلاء التلاميذ و يهدىء من روعهم و رغم أنه من دواعى المنطق و الايمان المطلوب هو ان يكون دور الحواريين فى نشر رسالة المسيحية اعظم و اهم و ان يفرد لهم الانجيل القدر الاكبر من الذكر ألا أن ذلك لا يحدث بل ينفرد بهذا القدر الكبير من الاهمية و تسليط الاضواء القديس بولس الذى هو تلميذ لتلامذة الحواريين , هل رايتم المسافة الأيمانية و المكانية و العلمية التى تفصله عن الحواريين و لكنه على الرغم من ذلك أهم منهم جميعا حتى ان من علو مكانته كما تقرأ فى رسالته إلى أهل غلاطيه أنه انتقد بطرس فى انطاكية و اتهمه هو و برنابا بأنهما حادا عن الطريق المستقيم و نصب نفسه المرشد الروحى للدين المسيحى و انه الذى سيزود عن هذ الدين و يدافع عنه ضد من يسيئون إليه بسلوكهم كما اتهم بطرس بانه يعيش مثل الاممين و ليس كيهوديا !!
يقول الداعية أحمد ديدات فى كتابه (محمد صلى الله عليه و سلم اعظم العظماء)ص 26: و طبقا لما يقوله هارت يتقاسم القديس بولس و المسيح عليه السلام شرف تأسيس الديانة المسيحة و هو هارت يعتقد أن القديس بولس هو المؤسس الحقيقى للديانة المسيحية.
و انا لا أستطيع أن اتفادى و اتجنب الاتفاق تمام الاتفاق مع هارت من بين الكتب السبعة و العشرين التى يتكون منها العهد الجديد, نجد ان اكثر من نصفها أنما هو من تأليف القديس بولس و لو عقدنا مقارنة بين المسيح عليه السلام و بين القديس بولس فى هذا الصدد, سنجد ان المسيح عليه السلام لم يكتب كلمة واحدة من الكتب السبعة و العشرين التى يتكون منها العهد الجديد.
يقول الداعية احمد ديدات ص 26 فى فقرة أخرى: كان القديس بولس هو المسئول الرئيسى عن تطوير اللاهوت المسيحى و هو الذى وضع أسس الدعوة إلى الدين المسيحى و القديس بولس هو الذى كتب كمية كبيرة من العهد الجديد
يقول أيضا ص 27 : هذا هو الاعتراف االصحيح بشأن ما يطلقون عليه أسم الانجيل و عند المواجهة الفعلية مع الإرساليات المسيحية سنجد أنهم يقتبسون 100 % مما يذكرونه باتبهار انه من نصوص الكتاب المقدس مما كتبه القديس بولس.
يقول فى ص 27,28 : و فى كل مرة تواجه فيها اى شخص مسيحى بما قاله ربه و سيده المسيح عليه السلام, فهو سيواجهك بشىء مما قاله بولس فى رسائله إلى الكورنثيين او اهل غلاطية أو اهل أفسوس أو الى الفليبين او غير ذلك.
يقول فى فقرة اخرى ص 28 : و لا يوجد مسيحى مثقف واحد يعارض حقيقة أن المؤسس الحقيقيى للمسيحية هو القديس بولس و بناء على ذلك وضع مايكل هـ.هارت المسيح عليه السلام بالكاد باعتبار أنه رقم ثلاثة.
و نجد ان لوقا الذى ينفرد بكتابة الجزء الاكبر من اعمال الرسل كان احد المرافقين لبولس الرسول و المقربين إليه يفرد مساحة واسعة لتعديد مآثر و امجاد و براكات بولس الرسول لذا فالسيرة تمت كتابتها من وجه نظر بولس و اتباعه دون وجه نظر الباقين مما يفقد السيرة الذاتية لاعمال الرسل حياديتها و وجوب نزع الهالة القدسية من عليها و دراستها دراسة موضوعية باعتباره نص تاريخى و ليس نص مقدس.
من هو بولس الرسول ؟
قد يدهش الكثيرون عندما يعرفون أن بولس هذا لم يكن أحد حوارى السيد المسيح و لكنه اهتدى على يد اتباع الحواريين! , مما يدعو إلى تساؤل آخر كيف يمكن أن يكون تابع لتابع للحواريين أن يفوقهم مكانة و علما و اهمية , هذا ما ستجيب عنه سطور الدراسة, ولد بولس فى مدينة طرسوس من كيليكية كما يقول هو بنفسه :
” أنا رجل يهودى ولدت فى طرسوس كيليكية” أعمال الرسل, الاصحاح 22 , الآية (3)
“أنا رجل يهودى طرسوسى, من اهل مدينة غير دنية من كليليكية” أعمال الرسل, الاصحاح 21, الآية (39)
و ما هى نوع الوظيفة التى كان يشغلها بولس قبل أن يتحول إلى المسيحية , كان يعمل فريسى فى الهيكل عدوا للمسيح الذى سمع به و لكنه لم يؤمن على يديه ” أنا فريسى ابن فريسى. على رجاء قيامة الأموات أنا أحاكم” اعمال الرسل , الاصحاح 23 , الآية رقم ( 6)
و فى الانجيل / العهد الجديد – دار الكتاب المقدس فى معجم الكلمات الصعبة نجد تحت الحرف (ف) شرح معنى كلمة فريسى و هى كالتالى:
فريسى/ فريسيون مت 20:5 الفريسى كلمة تعنى: معتزل, و هى طائفة دينية متشددة, و اتصفوا بالكبرياء و الرياء و التمسك بالتقاليد اليهودية.
هذا هو تفسير معجم الكلمات الصعبة فى كتاب الانجيل و لكن لنرى ماذا يقول السيد المسيح عن الفريسين حيث يلعنهم و يتوعدهم بالويلات و الدينونة الأعظم و يتهمهم بالرياء و غيرها و من انجيل متى و لوقا نورد عدد من الامثلة للتاكيد على كلامنا
” فقال له الرب: ” انتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكاس و القصعة, و أما باطنكم فمملوء اختطافا و خبثا . يا اغبياء”
أنجيل لوقا الآية رقم (40,39)
” فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكى يهلكوه, فعلم يسوع و انصرف من هناك” الآية رقم ( 15,14) أنجيل متى
” لكن ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون!لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس, فلا تدخلون أنتم و لا تدعون الداخلين يدخلون, ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المروؤان!لأنكم تأكلون بيوت الأرامل , ولعلة تطيلون صلواتكم, لذلك تاخذون دينونة اعظم” أنجيل متى , الآية رقم (14,13)
نكتفى بهذه الامثلة التى تبين لنا طبيعة الفريسين و التى تتميز بالقسوة و التشدد و الاعتزال و الرياء و اكل أموال اليتامى و تصنع الطهارة الجسدية دون الطهارة الروحية و ويلات لهم من الله سبحانه على ما يقترفون من آثام و هم الذين عذبوا اتباع المسيح.
و هو من اكبر المضطهدين لاتباع المسيح بين سجن و تعذيب و تجديف عليهم من رجال و نساء و قديسين.
” أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا و قتلا على تلاميذ الرب, فتقدم إلى رئيس الكهنة و طلب منه رسائل إلى دمشق, إلى الجماعات , حتى إذا وجد أناسا من الطريق, رجالا و نساء, يسوقهم موثقين إلى أورشليم” أعمال الرسل, الاصحاح 9 , الاية (2,1)
” و أخرجوه – المقصود به استفانوس – خارج المدينه و رجموه. و الشهود خلعوا ثيابهم عند رجلى شاب يقال له شاول – الذى هو بولس الرسول-. فكانوا يرجمون استفانوس و هو يدعو و يقول: ” أيها الرب يسوع اقبل روحى” . ثم جثا على ركبتيه و صرخ بصوت عظيم : ” يا رب, لا تقم لهم هذه الخطيئة” و إذا قال هذا رقد. و كان شاول راضيا بقتله” أعمال الرسل, الاصحاح 7, الاية رقم(60,58)
و هو يفخر أنه لا يزال فريسى بل و يتقلب فى نسل من الفريسين كما يقول هو عن نفسه ” فريسى ابن فريسى”اعمال الرسل , الاصحاح 23 , الآية رقم ( 6)
و الغريب فى الامر انه يعترف امام الصدوقيون و الفريسيون فى المجمع أنه فريسى ابن فريسى برغم أنه اهتدى و تاب عن طريق الضلال بعد ان عرف طريق النور الذى ظهر له فى الطريق إلى دمشق و هو يعلم تمام العلم أن السيد المسيح لعن الفريسين و لكن ليس هناك مشكلة فى ان يستعين ببعض ماضيه لينقذ نفسه فى المجمع و لنا فى ذلك شرح مطول عندما تحين مناسبته.
يقول عنه الاستاذ الفيلسوف / خواجة أفندى كمال الدين فى كتابه ” ينابيع المسيحية” ص 98,99 : شاول الطرسوسى ( شاول هو اسم بولس الرسول عندما كان يهوديا و بلده طرسوس و يقول الكتاب المقدس إنه كان أشد الناس عداءا للسيد المسيح و المسيحية و المسيحين) شاول هذا الذى يقول ان عيسى ظهر له كنور و أرسله للكافرين, شاول الذى كان ألد أعداء السيد المسيح, و أعظم مضطهد لمتبعيه, عندما كان المسيح حيا على الأرض,شاول الذى لم يسمح له الوقت ان يتعلم شيئا من المسيح, شاول هذا المارق من اليهودية الممقوت من قومه, شاول الذى سمى نفسه فيما بعد بولس الرسول, شاول هذا لم يترك فرصة دون أن يشتغل فيها بين الفصائل الضالة, تلك الفصائل التى أرسل لها عيسى فقط, و كان من حيله و ختله أن يتجاهل الناموس( الشريعة) عندما يعمل بين الذين ليس لهم ناموس و يظهره عند من لهم ناموس كما يقول عن نفسه فى الكتاب المقدس.
أذن فهذا هو شاول ذلك اليهودى المتشدد المعتزل كما يقول معجم الكلمات الصعبة فى الأنجيل عن الفريسى , شاول ألد اعداء المسيح و من بعده اتباعه , شاول الذى يحكى قصة هداه و التى تبدا من نور ظهر له فى الطريق و هو ذاهب إلى دمشق ليهديه إلى النور و يرسله من بعد ذلك لأداء مهام الدعوة التى يقوم بها بكفاءة منقطعة النظير لا تتناسب أبدا مع عداءه المستميت للسيد المسيح ,شاول الذى لم يترك فرصة سواء كانت شرعية أو غير شرعية ألا و استغلها لصالح اهداف دعوته و احيانا لينقذ نفسه من الموت و القتل والتعذيب و ذلك لا نفتريه عليه و لكنه قراءة موضوعية لما اعترف به هو شخصيا على نفسه
” فصرت لليهود كيهودى لاربح اليهود. و للذين تحت الناموس كانى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. و للذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس – مع انى لست بلا ناموس الله, بل تحت ناموس للمسيح – لاربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شىء” اعمال الرسل , الاصحاح 9 , الاية رقم ( 22,20)
بولس الذى رفضه التلاميذ بعد هدايته لما عرف عنه فى ماضيه من قسوة فى التعذيب و القتل و الافتراء و سجن الرجال و النساء على السواء و انه احد الذين شهدوا رجم استفانوس و حرضوا على فعل ذلك و طلبوا منه أن يعود إلى بلده فى طرسوس و لم يقبلوا ضمنيا أنضمامه إليهم.
“و حدث لى بعد ما رجعت إلى أورشليم و كنت اصلى فى الهيكل , أنى حصلت فى غيبة, فرأيته قائلا لى: أسرع! و أخرج عاجلا من أورشليم, لأنهم لا يقبلون شهادتك عنى. فقلت: يا رب, هم يعلمون أنى كنت احبس و أضرب فى كل مجمع الذين يؤمنون بك. و حين سفك دم استفانوس شهيدك كنت انا واقفا و راضيا بقتله , و حافظا ثياب الذين قتلوه. فقال لى : اذهب, فأنى سأرسلك إلى الأمم بعيدا”اعمال الرسل , الاصحاح 22 , الآية رقم ( 21,17)
يقول خواجة أفندى كمال الدين ص 100 ,101: لو درست كل الادبيات البوليسية بتعقل و تدبر, لظهر ان ما كان يوحى إليه, كان آتيا من مصادر اخرى بعيدة عن المصادر المسيحية و البناؤون الذين تلوا بولس فى بناء الكنيسة, وجدوا أن الطريقة البوليسية خير طريقة تحرز النجاح فى نشر الدين الجديد و تجعله شائعا بين الوثنين فاتخذوها سبيلا و ساروا عليها حتى فقد دين السيد المسيح بعد قرون قليلة كل جماله و أصبح دينا كالدين الذى تراه الآن.
فهل يدهشك إذن أن ترى مؤتمر كامبردج لرجال الكنيسة العصرين يصل سنة 1917 إلى ان كنيسة المسيح الحالية لم يؤسسها عيسى عليه السلام !
أذن بروية و تمهل دعونا نبدا تاريخ بولس و الترجمة لتلك الشخصية ذات الاهمية الغير منطقية فى التاريخ المسيحى , هو كما تقدم فى الذكر فريسى و هى مرتبة دينية متقدمة فى الدين المسيحى و هى المرتبة الثانية مباشرة بعد الصدوقين الذين معظمهم يكونون روؤساء المعبد أو المجمع اليهودى و هم معرفون بالاعتزال و التشدد و الكبرياء و الرياء كما تقدم ذكره فى الكتاب المقدس و هو معاصر للسيد المسيح و تصله أخباره باعتباره عدوا لليهودية و داعى لخرابها من وجه نظر اليهود و خصوصا طبقة علماء الدين فيها و مهدد لسلطتهم الدينية و عرف عن بولس ولاءه الشديد لدين اليهودية و تعصبه البالغ و كيف أنه عادى اتباع المسيح و عذبهم كما علمنا من الكتاب المقدس و من اعترافاته الشخصية و كيف أنه بعد تحوله للمسيحية عندما قبض عليه و عرض فى المجمع ذكرهم بأنه كان فريسى مخلص و معادى بقسوة و عنف للمسيحية حتى يسترق قلوبهم عليه و كانت هذه أحدى حيله و ختله كما قال خواجة أفندى كمال الدين .
” و كنت غيورا لله كما انتم جميعكم اليوم. و اضطهدت هذا الطريق حتى الموت, مقيدا و مسلما إلى السجون رجالا و نساء, كما يشهد لى أيضا رئيس الكهنة و جميع المشيخة,الذين إذ اخذت أيضا منهم رسائل للاخوة إلى دمشق, ذهبت لأتى بالذين هناك إلى اورشليم مقيدين لكى يعاقبوا” اعمال الرسل, الأصحاح 22 , الآية رقم (5,3)
” و فعلت ذلك أيضا فى أورشليم, فحبست فى سجون كثيرين من القديسين , آخذا السلطان من قبل رؤساء الكهنة. و لما كانوا يقتلون ألقيت قرعة بذلك. و فى كل المجامع كنت اعاقبهم مرارا كثيرة, و اضطرهم إلى التجديف. و إذا أفرط حنقى عليهم كنت اطردهم إلى المدن التى فى الخارج” الاصحاح 26, اعمال الرسل , رقم (10,11)
و فيما هو ماضيا إلى دمشق ادعى أنه رأى نورا ظهر له فى السماء و أن المسيح يعاتبه برفق على عداءه الشديد لاتباعه و يدعوه لأن يتبعه و يعده بمكانة كبيرة عنده أذا أتبعه و من هنا تغيرت حياة بولس 180 درجة و انقلب إلى المسيحية مارقا عن اليهودية ممقوتا من قومه كما قال خواجة أفندى كمال الدين.
” فقال: أنا يسوع الذى انت تضطهده و لكن قم و قف على رجليك لأنى لهذا اظهرت لك, لانتخبك خادما و شاهدا بما رأيت و بما ساظهر لك به, منقذا أياك من الشعب و من الأمم الذين انا الآن أرسلك إليهم , لتفتح عيونهم كى يرجعوا من ظلمات إلى نور, و من سلطان الشيطان إلى الله” الاصحاح 26 , الآية رقم (18,15) , اعمال الرسل.
و يلجأ الى أحد أتباع المسيح و هو التلميذ حنانيا التى تأتيه هو الاخر رؤية من السيد المسيح تخبره أن يذهب إلى شاول لبداية تأسيسه لطريق الهداية و يدخل عليه حنانيا فيزيل الغشاوة عن عينيه فيبصر شاول الحقيقة و لكن تلاميذ المسيح يرتابون فى أمره و يظنون أنها أحدى حيله و ختله و يرفضون التعامل معه و هذا يلقى الضوء على شخصية بولس فى أنه قبل تحوله الى المسيحية كان مشهورا بالختل و الحيل و الالاعيب و تدبير المكايد لاتباع المسيح و الذى أصبح وسيلته و منهجه بعد تحوله للمسيحية حيث أتبع نفس الأسلوب و ياتى هنا دور الرسول برنابا فى توطيد العلاقة بينه و بين تلاميذ المسيح و توثيق الصلة و يكون همزة الوصل بين بولس و تلاميذ المسيح و ينقلب عليه قومه من اليهود بعدما علموا ما كان من أمره فيساعده تلاميذ المسيح على الهروب و يعود الى مدينته و مسقط رأسه طرسوس بينما يتجه برنابا الى انطاكية الواقعة فى المنطقة اليهودية و يكرز فى الناس و يدعوهم الى المسيحية حتى ينجح فى تكوين جماعة متبعة لدين المسيح يقول عنها الكتاب المقدس أنها جمع غفير ثم يتجه برنابا إلى طرسوس يبحث عن شاول و يدعوه لان يكرز معه فى الناس بانطاكية فيذهب معه شاول يكرز فى الناس فى انطاكية و يهتدى على ايديهم جمع غفير من الناس.
و ينبغى هنا ألا نمر سريعا على دور برنابا قبل أن يصاحبه بولس فى الدعوة الى المسيحية فى انطاكية و تأسيس جماعة تتبعه هناك و هو ما سيفيدنا فى قراءة الاحداث القادمة ذات الاهمية البالغة لأنها من شانها ان تبين المفارقة العجيبة فى صراعه مع بطرس الرسول و برنابا و اتهامه لهما بالخروج عن الطريق المستقيم و التى يفسرها الخورى بولس الغفالى على أنها أختلاف فى التطبيق و ليس فى المنهج و هو تبرير توفيقى لا علاقة له باحداث الواقع الفعلية.
و نجد ان بولس من خلال أعمال الرسل يتلون فى خطاباته على حسب الظروف و الشعب الذى يخاطبه أو الفئة التى يتوجه إليها بكلامه, فما يذكره فى موضع يتجاهله فى موضع آخر متلونا على حسب المناخ و الظروف و المتلقى فهو أحيانا يتمسك بالناموس أشد التمسك مع الناموسين و يتخلى عنه فى مواضع اخرى للذين بلا ناموس مبررا أن الناموس يبرر الخطيئة و ان الايمان بالناموس ليس الهدف و لكن بفكرة صلب المسيح و ألوهيته و من خلال قراءتى لخطبه و مواقفه المختلفة فى المواضع المختلفة التى تتكشف فى رحالاته و انتقالاته بين الأقوام أصبت فى البداية بارتباك فى الفهم فاحيانا كثيرة يدافع عن الناموس و فى مواضع اخرى يستهجن الناموس و ينكر دوره بشده , و تصورت ان الفهم قد اختلط على و التبس على الامر فأعود لقراءة هذه المواضع مرة و ثانية و ثالثة فيتبين لى أن هذا ما يقوله فعلا و أن ما فهمته صحيحا و لكن ذهب عنى كل التباس و غموض بشان هذا الامر عندما قرات اعترافه بنفسه حيث يقول : ” فصرت لليهود كيهودى لاربح اليهود. و للذين تحت الناموس كانى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس.و للذين بلا ناموس كانى بلا ناموس – مع انى لست بلا ناموس لله, بل تحت ناموس للمسيح – لأربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف كى اربح الضعفاء. صرت للكل كل شىء” الاصحاح التاسع الآية رقم (20,23) أعمال الرسل
أذن هذه هى حيل بولس لكى ينشر دعوته الخاصة عن المسيحية ان يتشكل و يتلون وفق كل شعب و بلد و وفق شرائعهم و معتقداتهم و طبائعهم حتى يستميلهم و يدعوهم إلى صفه, فليخبرنى مبشر مسيحى هل يتبع المبشر طريقة التلون كالحرباء مع الاقوام الغير مؤمنين بالمسيحية حتى يكسبهم فى صفه و يدعوهم إلى دين المسيحية , لا احسبهم يتقبلوا ذلك , لان التشكل و التلون وفق أبسط معانيه هو اتخاذ شكل المظاهر الخارجية و خصائصه الشكلية الظاهرة غير قائلين متخذ للجوهر و هو فى حد ذاته شىء منبوذ و مرفوض لاى مبشر أن يتلون بأطباع أقوام ضالة و يتخذها سبيلا فى الدعوة إلى دينه لأن دور المبشر لدينه أن يناى بنفسه عن أن يتخلق بطبائع اقوام مغايرة له ثابتا على جوهره و شكله الخارجى حتى يصبح صادقا مع نفسه و مع الآخرين و الا فقد المصداقية و لكن بولس لا يجد ضررا فى ذلك و هو القائل على نفسه ” صرت للكل كل شىء”
مواضيع مماثلة
» الأبراج من منظور الإسلام
» الاسراءوالمعراج من منظور علمى.
» الكونية من منظور إسلامي
» الهداية في منظور الإسلام
» فضل قراءة القران
» الاسراءوالمعراج من منظور علمى.
» الكونية من منظور إسلامي
» الهداية في منظور الإسلام
» فضل قراءة القران
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin