بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 7 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 7 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
بناء الجملة في شعر الخنساء زكريا إبراهيم زكي محمد
صفحة 1 من اصل 1
بناء الجملة في شعر الخنساء زكريا إبراهيم زكي محمد
ملخص الرسالة
المقدمة
الحمد لله الذي منَّ بعلمه علينا، فأهدى قرآنَه إلينا، فأرشدنا سواء السبيل، ووضَّح لنا الطريق القويم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلِين سيدنا ونبينا محمد- صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا بحث بعنوان: "بناء الجملة في شعر الخنساء" أردت من خلاله تحقيق بعض الأهداف، منها:
1- الوقوف على لغة الخنساء- رضي الله عنها- ومعرفة كيفية استخدامها للقواعد وتصرفها في الأساليب، والوقوف- أيضًا- على شواهد جديدة تفتح أمامنا أبوابًا في الاستعمال اللغوي.
2- دراسة بناء الجملة عندَ الخنساء من خلال قصائدها في ديوانها، وبيان أنواع هذه الجمل، وبيان حركة الجملة لديها من تقديم وتأخير، وذِكْر وحذف وربط، إلى آخر ما يظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذه الشَّاعرة، خاصَّة أنَّ للشعر لغتَه الخاصة المتوقِّدة بمجريات الانتقاء والاختيار؛ فبناء الجملة هو الذي يُظهر عبقرية الشاعر، ويكشف تفرُّده وامتيازه، والاعتماد على بناء الجملة الشعرية في دراسة النص وتفسيره لا محيد عنه، ولا بديلَ له لمن يريد أن يقدِّم دراسة نصية مقنعة[1].
إضافةً إلى أنَّ فهم أي نص وتحليله لا بدَّ من فهْم بنائه النحوي على مُستوى الجملة في المقام الأول.
3- توظيف النحو فيما وجد من أجله، وهو جلاء النَّصِّ وفهمه، الأمر الذي يعد مدخلاً جيِّدًا للوقوف على الطاقات الإبداعية لدى الخنساء.
4- ألا تعتمد الدراسة على المقولات النظرية المجرَّدة، وإنَّما على معرفة التطبيقات العملية للقواعد من خلال استقراء النص وتحليله عدديًّا.
ولعلَّ من الأسباب التي دَفَعت الباحث إلى تناوُل شعر الخنساء خاصَّة: ما تتمتع به الشاعرة المخضرمة من مكانة عالية، ومنزلة رفيعة في الشِّعر العربي، فقد قال لها النابغة بعد سماعه لشعرها: "اذهبي فأنت أشعر مِن كل ذات ثديَين..."[2]، وقال عنها بشار بن برد: "تلك التي غلبت الفحول من الشعراء"[3].
كما يرجع سبب اختيار الخنساء- رضي الله عنها- لدراسة شِعْرها إلى اهتمام النُّحاة بشعرها والاستشهاد به، فهي من شعراء عصور الاحتجاج، فقد استشهد إمامُ النحاة سيبويه بشعرها[4]، والمبرد[5]، والزجَّاجي[6]، وأبو علي الفارسي[7]، وابن جني[8]، وابن يعيش[9]، وعبدالقاهر الجرجاني[10]، والسيوطي[11]، وغيرهم من علماء النحو والبلاغة.
والشعر القديم أحوج من غيره لدراسة بنائه القائم على بناء جُمَله؛ وذلك لما تتسم به الجملة في هذا الشعروهل يُمكن فَهْم الصورة الشعرية دون فهم تركيبها أولاً، أو دون الالتفات إلى هذا التركيب وطريقة بناء الجمل في القصيدة، وتدرج هذا البناء[12]؟ من نموٍّ وتداخُل، وإحكام تجعل ظاهر بناء الجملة فيه أدعى لإعادة النَّظر والتأمل،
وقد قامت إحدى الدِّراسات المعاصرة بدراسة شِعر الخنساء في ضوء عِلم اللغة التطبيقي[13]، تحدثتْ فيه صاحبةُ الدراسة عن مفهوم اللغة وعلم اللغة التطبيقي، والفونيم، ثم التعريف بالخنساء، وأسرتها وبيئتها من خلال شعرها، ثم تناولت صورَ الحيوان والطبيعة في شعر الخنساء، ثم تحدَّثت عن ثقافة الخنساء وتجاربها إلى غير ذلك، مما يتعلَّق بعلم اللغة التطبيقي.
واعتمد البحث في استخراج نصوص الدِّراسة على "ديوان الخنساء"، شرح وتحقيق: كَرَم البستاني، طبعة دار صادر، بيروت، 1960م.
وقد اقتضتْ طبيعة البحث أن يأتي في مقدِّمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة وفهارس فنية، أمَّا المقدمة، فقد تناولت فيها أهداف الموضوع وأهميته وسبب اختياره.
واختص التمهيدُ بتقديم ترجمة موجزة للخنساء ولشعرها، ثم الحديث عن أسس التحليل النحوي للشعر.
وأمَّا الباب الأول: الجملة الخبرية، فقد وقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الجملة المثبتة: أنماطها ومكوناتها، ويضم ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: الجملة الاسمية المطلقة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثاني: الجملة الاسمية المقيدة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثالث: الجملة الفعلية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: الجملة المنفية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة المؤكدة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثاني: الجملة الطَّلبية، جاء في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: جملة النداء: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: جملة الاستفهام: أنماطُها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة في الأساليب الخاصة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثالث: الجملة الشرطية، ويقع في فصلين:
الفصل الأول: الأنماط التركيبية للجملة الشرطية ومكوناتها.
الفصل الثاني: قضايا الجملة الشرطية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: القضايا التركيبية في الجملة الشرطية.
المبحث الثاني: القضايا الدلالية في الجملة الشرطية.
وأما الباب الرابع: مكملات الجمل، فقد وقع في فصلين:
الفصل الأول: مكملات الجمل الفعليَّة، ويشمل المفعول المطلق، المفعول لأجله، المفعول فيه، المستثنى، الحال، التمييز.
الفصل الثاني: المكملات المشتركة بين الجملتين الاسمية والفعلية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: الأسماء التي تعمل عمل الفعل، وتشمل: المصدر، اسم الفاعل، اسم المفعول، صيغ المبالغة، الصفة المشبَّهة.
المبحث الثاني: التوابع، ويشتمل على: النعت، العطف، البدل.
وأخيرًا: الخاتمة، وتشتمل على أهمِّ النتائج التي توصَّل البحث إليها.
وبعد، فقد حاول البحثُ أن يحقق غايتَه المرجوَّة المتمثلة في دراسته لبناء الجملة في شِعر الخنساء، وبيان مدى أهمية تناول شعرها في الدِّراسات النحْوية.
وبهذا أرجو أن أكون قد أعطيتُ دراسة وافية عن بناء الجملة في شعر الخنساء، وأن تكون هذه الدِّراسة لبنةً مع غيرها من الدِّراسات التي تنظر للقضايا النحْوية من خلال نصوص لُغوية ناصعة، وليكون النَّص اللغوي هو أصلَ القاعدة، لا كما فعل النُّحاة -أحيانًا- بأن جعلوا النص فرعًا للقاعدة، كما أرجو أن أكونَ قد أسهمتُ بهذا الجهد في خدمة لغتنا العربية لغة القرآن الكريم.
ولا أدعي أنني قد بلغت في عملي الكمال، فإن الكمال لله، ولكن كل ما أرجوه من الله- عزَّ وجلَّ- أن أكون قد وُفِّقت فيما بذلت من جهد، وليلتمس لي كلُّ مَن وقف على قصور في العمل العذرَ.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وصلِّ اللهمَّ وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّمْ.
أسس التحليل النحوي
للنص الشعري
اتِّصال النحو بالنص الشعري مجال خصب جدير بالبحث والدِّراسة المنهجية المتأنية، فهذا الاتِّصال يكشف عن كثير مما يزخر به النحوُ العربي من إمكانات تعبيريَّة، تتيح للشاعر التصرف في الأساليب، وتَمُدُّه بالتراكيب المختلفة والبدائل الأسلوبيَّة المتنوعة التي يختار من بينها ما يتناسب مع غرضه، ويتَّسق مع غايته، فالنحو جزء أساسي من ذكاء الشَّاعر وفطنته وروعته، وليس جانبًا خارجيًّا، ولا طلاء يطلي به المعنى، النحو جزء أساسي مما نُسميه نشاط الكلمات في الشِّعر، إن الشعراء يتخلَّون عن أنظمة نحوية كثيرة مُمكنة، ويصعدون إلى نظام نحوي لا يُمكن الغضُّ منه، ما دمنا حريصين على أن نقرأَ الشِّعر قراءة دقيقة..."[14].
فالشعر إبداع، وتتسم حركته الإبداعيَّة بأنَّها دائمًا متوقدة بمجريات الانتقاء والاختيار، فإذا كانت اللغة هي المادةَ الأساسيَّة للأديب، فإنَّ الشاعر له لغته الخاصَّة التي يُمكن أن نطلق عليها (لغة الشِّعر)؛ لأنَّها لغة إبداعية، فهو يستخدم ما يعرفونه من اللُّغة الإبداعية من قبل مفرداتٍ ونظامٍ، لكنَّه يستخدم ما يعرفونه بطريقة تختلف عن الطريقة التي يعرفون، فيتولَّد منها ما يدهش ويوقف على سرٍّ جديد من أسرار الرُّوح الإنساني الغامض، والحياة الإنسانيَّة الولود، ويكشف جانبًا من جوانب هذين العالَمَيْن: الروح والحياة، إنَّهم يعنون بذلك أنَّ لغة الشعر تختلف في أسلوبها عن لغة الكلام العادي، بما تكون عليه وبما تثيره فينا[15].
ففي لغة الشِّعر يُستهْلَك المضمونُ الشِّعري، ويُفْنَى في البناء اللُّغوي الذي يتضمنه؛ بحيث يستحيل الفصل بينهما، فالمشاعر والأحاسيس والأفكار، وكل العناصر الشُّعورية والذِّهنية تتحوَّل في الشِّعر إلى عناصر لُغوية، بحيث إذا تَقَوَّضَ البناء اللغوي في الشِّعر، تقوض معه الكيان النفسي والشُّعوري المتضمن فيه[16].
وقد أشار سيبويه إمام النُّحاة إلى تميُّز لغة الشعر بما تحتمله ما لا يحتمله غيرُه من الأساليب؛ حيث عقد بابًا في كتابه سماه: هذا باب ما يحتمل الشِّعر[17]، وقد ختم هذا الباب بمبدأ عام كذلك هو قوله: "وليس شَيْءٌ يضطرون إليه إلاَّ وهم يُحاولون به وجهًا"[18]؛ أي: إنَّ ما يرد في الشِّعر محكوم بقوانين لغوية خاصَّة تسمح به وتجيزه في هذا المستوى من مستويات الكلام، وليس شيْءٌ يُلْجِئهم إليه الوزن، وتضطرهم نحوَه القافية، أو أنَّ هذه الأمور الجائزة متروكة لعَبثِ العابثين، ولغو اللاَّغين، بل إنَّها خصائص خاصَّة يُجيزها النظام اللغوي في هذا الضرب المخصوص من الكلام، ولها وجه يُطلب، ومعنى يراد[19].
ونتبين من هذا أن اللُّغة في الشعر لها خصوصيتها؛ لأنَّها ترتدي ثوب الشِّعر منذ اللحظة الأولى، فالإبداع والجمال وسيلة وغاية في الشِّعر، خاصَّة أنَّ الشعراء أمراءُ الكلام "يصرفونه أنَّى شاؤوا، وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللَّفظ وتعقيده، ومد مقصوره، وقصر الممدود، والجمع بين لُغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه"[20]، أو كما يرى الأستاذ الدكتور أحمد كشك: "تُعدُّ اللغة في بنيان الشعر قيمةً إيقاعية ومعنوية تمنح الشاعر فيضًا من العطاء، ويمنحها الشاعر من طاقته الإبداعيَّة وحسه الصادق مذاقًا خاصًّا، وهذا ما جعلها أحيانًا طوع يديه تخضع لسياقه، وإن خالفت نواميسها التي وضعت لها، والأصل أن تكون طاقة الشاعر الإبداعيَّة وإلهامه الصافي مع نظام اللُّغة والسياق الإيقاعي صنوَين متآلفين لا يخرج أحدهما عن ناموس الآخر"[21].
ومِن خلال هذا المزيج يُعاد صياغة الوجود على نحوٍ يتسم بالجمال والثَّراء، كذلك يكشف اتِّصال النحو بالنص الشعري عن وسائله التفسيرية التي تُعين الناظرَ في النصِّ الشعري على التوصُّل إلى دلالاته الخافية والوقوف على أسراره الكامنة في بنيته الداخليَّة، فإنَّ النص الأدبي: "فن لغوي قبل كل شيء وبعده، وإنَّ فهمه لن يكون على الصورةِ الصحيحة المفيدة، إلاَّ إذا كان هذا الفهم قائمًا في أول أمره على فهم بنائه، وبناء الشعر لا يقوم إلاَّ على بناء جمله المسلوكة في وزنه وقوافيه أو موسيقاه"[22].
أو كما يقول الدكتور إبراهيم خليل: "إنَّ النص الأدبي نسيجٌ من الألفاظ والعبارات التي تطَّرِد في بناء منظمٍ متناسق، يعالج موضوعًا أو موضوعات عدَّة في أداء يتميَّز على أنماط الكلام والكتابة غير الأدبية بالجمالية، التي تعتمد على التخيُّل والإيقاع والتصوير والإيحاء والرمز"[23].
فالنَّص: "حدث لغوي متماسك نحويًّا ودلاليًّا، مؤلف من جزء واحد أو أكثر، وهذه الأجزاء مقسمة تبعًا لمعايير نحوية ودلالية"[24].
ولا شكَّ أن هناك دراسات قديمة اتَّصلت بالنص الأدبي تتناوله من حيثُ الصِّحة اللغوية، وتحاول أن تستمد منه كثيرًا من الشواهد التي تفيد في مجال الدَّرس النحوي، وأن تتخذه دليلاً على صحة رأيٍ معيَّن أو قاعدة خاصَّة، وهناك دراسات أخرى تجاوزت مسألة الصواب والخطأ، واتصلت بالعملية الإبداعية بدءًا بالمفرد، وصولاً إلى الجملة مع ربطها بالطاقة التعبيريَّة في اللغة من ناحية والطاقة العاطفية في المبدع من ناحية أخرى، انطلاقًا من الحقيقة الفنيَّة للصياغة، وهي كونها تعبر وتؤثر في آن واحد"[25].
إنَّ المتتبع لكتبِ النحو يرى أنَّهم قد حاولوا وصفَ النظام اللغوي الموجود في النصوص الأدبيَّة، والبحث عن عِلل مجيئه على هذا النحوِ دون سواه، كما حاولوا تفسيرَ الشاذِّ، أو ما يتسم بالخروج عن القاعدة بردِّه إليها، أو بعلل أُخر تعود إلى النِّظام نفسه في نهاية الأمر، "وقد أوجد النظام اللغوي عددًا من وسائل الترابط في الجملة، بعضها يعتمد على الفَهْم والإدراك الخفي للعلاقات، وبعضها الآخر يعتمد على الوسائل اللغوية المحسوسة، وسواء أكانتْ هذه الوسائل المعنوية واللفظية بين العناصر الإسنادية في الجملة، أم بين العناصر الإسنادية وغير الإسنادية في الجملة، فإنَّها تؤدِّي غايتها بالقدر المقسوم لها"[26].
ورَغْمَ أنَّ هذه المعالجة والكشف عن وسائل الترابُط كانت على مستوى الجملة، فإنَّ هذا يُمثل اللبنة الأولى في البحث عن وسائل الترابط على مستوى النص، وأنَّ النص ليس إلا تتابع سلسلة من الجمل، كل منها يفيد السامع فائدةً يحسن السكوت عليها، والنصُّ مجرَّد حاصل جمع لهذه الجمل، والنَّاظر في كتاب "دلائل الإعجاز" لعبدالقاهر الجرجاني يرى أنَّه كان يحتفل بالنَّظْم احتفالاً بالغًا، والنظم عنده كما هو معلوم ليس إلاَّ أن تضع كلامَك الموضع الذي يَرتضيه علمُ النحو[27].
وبطبيعة الحال، فإنَّ الكشف عن هذا النظام يعني الكشف عن البنية الحقيقيَّة للنص، ويترتَّب على هذا تحديدُ العلاقات بين البنية النحويَّة التي تصل بين الدوالِّ أو بين التراكيب، ثم تفسيرها في الوقت نفسه، وعلى هذا فجزئيات التراكيب لا يُمكن إدراكها حقيقةً إلاَّ من خلال تعلقها بغيرها؛ أي: من خلال دَورِها في خَلْق النظم، فالوقوف عند الجزئيات لا يُفيد كثيرًا؛ لأنَّنا لا نتكلَّم لنفهم المتلقي معنى كلِّ جزئية على حدة، بل لننقل إليه الدلالةَ المفادة من شبكة العلاقات النحويَّة[28].
وقد أدرك عبدالقاهر الجرجاني: "أنه من خلال النحوِ يمكنه أن يُدرِك نظام اللغة، وهو نظام يختلف في تركيبه من جنس إلى جنس، فالشِّعر له نظامه النحوي الذي تكاد تكون إمكاناته نسقًا مغلقًا على ذاته، بحيث لا يتداخلُ هذا النسق مع غيرِه من أنساق فنون القول"[29].
والنحو ليس غايةً في ذاته، بل هو وسيلة لاستكناه الطاقات الإبداعيَّة للنصِّ، سواء أكان شعرًا أم كان نثرًا، فالنحو إبداع، وقد ميَّز المتقدِّمون بين مستويين للدراسة النحوية، يتمثَّل المستوى الأول في رصْد الصَّواب والخطأ في الأداء، أمَّا المستوى الثاني فيتجاوز هذا المجالَ إلى ناحية الجمال والإبداع، فمِن المعروف أنَّ حيوية النحو في القديم نبعتْ من أنه علمٌ نصي، وغير خافٍ أنه نشأ في حِضْنِ القرآن الكريم، ومِن أنَّ النحاة لم يوقفوا دراستَهم على الجانب النظري فحسب، بل تخطوا ذلك إلى الجانب التطبيقي، وقد اتَّخذوا من القرآن الكريم والشِّعر القديم وشِعر معاصريهم- أحيانًا- مادة خصبة للتطبيق النحوي[30].
وإذا كان النحو يُعنى بدراسةِ العلاقات التي تربط بين الكلمات في الجملة الواحدة، وبيان وظائفها؛ إذ إنَّه وسيلة نحو التفسير النهائي لتعقيدات التركيب اللغوي[31]، فإنَّ الدلالة كذلك تؤدي دورًا كبيرًا في التفرقة بين التركيب، فالنحو والدلالة إذًا لا يستغني أحدهما عن الآخر في توضيح النص وتفسيره وإنارته[32].
خلاصة القول: إنَّ النحو عند المتقدمين تجاوُز مستوى الصَّواب والخطأ ليُحلِّق في سماء الإبداع[33]، أو كما يقول الأستاذ الدكتور مصطفى ناصف: "فالنَّحو ليس موضوعًا يحفل به المشتغلون بالمثل اللغوية، والذين يروْن إقامة الحدود بين الصواب والخطأ، أو يرون الصواب رأيًا واحدًا، فالنحو مشغلة الفنانين والشُّعراء، والشعراء والفنانون هم الذين يفهمون النحو، أو هم الذين يُبدعون النحو، فالنحو إبداع"[34].
وفي العصر الحديث ظهرتِ المدرسة التحويليَّة التوليدية التي اهتمت بالجانبين: الإبداعي المعنوي في اللُّغة، فأعادتْ إلى المعنى مكانتَه من الدراسة، ولجوهرية اللغة أهميتها في النظر، وكان على رأسِ هؤلاء تشومسكي، وتشارلز فليمور[35].
ويوضح الدكتور محمد حماسة رؤيةَ المدرسة التحويليَّة التوليدية لمهمَّة النحو، فيقول: "لقد صارت مهمة النحو هي الربطَ بين عالمي (الأفكار)، و(الأصوات)، والاهتمام بوسائل الربط بين هذين العالَمين والكشف عنها[36]، ويتَّسم البحث النحْوي التوليدي بإدراكه لِمَا يُسمَّى بالإبداع اللغوي، ومحاولة الوصول إلى النِّظام والقانون الذي يحكم هذا الإبداع، كما يقول جون ليونز مفسرًا المقصود بهذا الإبداع اللغوي: "والإبداع اللغوي من وجهة نظر تشومسكي خاصَّة إنسانية مميزة، تُميِّز البشر عن الماكينات كما تميزه إلى الحدِّ الذي تعرفه عن سائر الحيوانات، لكنَّه إبداع يحكمه قانون، وهو ما يبحثه النحو التوليدي"[37].
وهنا تلتقي النظرية التوليدية من حيثُ المفهوم والغاية في إجمال مع النحو العربي بالمفهوم الذي قدَّمه سيبويه وابن جني، وغيرهما من نحاتنا الأوائل؛ حيث كان مفهوم النحو وغايته يتَّسمان عندهم بالنضج[38]، كما يقول صاحب النحو والدلالة.
فقد كان هَمُّ تشومسكي موجَّهًا إلى ربط اللغة بالجانب العقلي في محاولة توفيقية لحلِّ الإشكال نفسِه، الذي سبق أن واجه عبدالقاهر، وقد تبلوَر جهد كل منهما في إعطاء النحو إمكاناتٍ تركيبيةً مستمدة من قواعده العقلية[39].
إذًا؛ ثبت لدينا العلاقة الوثيقة بين النحو والدلالة، فتجاوز النحو مستوى الصواب والخطأ هو أمر مفروغ منه، وإذا كان النصُّ يتكون من جمل، فإنَّه يختلف عنها نوعيًّا، فالنص وَحدة دلالية، وليست الجمل إلاَّ الوسيلة التي يتحقَّق بها النص، أضفْ إلى هذا أنَّ كل نص يتوفَّر على خاصية كونه نصًّا يُمكن أن يطلق عليه "النصية"، وهذا ما يميزه عمَّا ليس نصًّا، فلكي يكون لأي نص نصية ينبغي أن يعتمدَ على مجموعة من الوسائل اللُّغوية التي تخلق النصية، بحيث تُسْهِم هذه الوسائل في وحدته الشاملة[40].
وإذا كان نحو النص يُعنى- فيما يُعنى به- برصْد الإمكانات النحوية ودورها في خلق الدلالة، فإن هناك تبادلاً بين النحو بمعناه التقعيدي والنحو بمعناه الجمالي، بل إنَّ العلاقة بينهما قد أخذت شكلاً جدليًّا بهدف إيجاد رابطة بين المعنى العقلي، أو ما يدور في الباطن تشكيلاً للدلالة والصياغة الملفوظة التي تُجسِّد هذا التشكيل الباطني، وقد وجد الجرجاني هذه الرَّابطة في العلاقات القائمة بين الألفاظ ذاتها، وعلى هذا أصبح التعبيرُ الأدبي ذا مكونات شبيهة بالعَلاقات ينشأ بتعليق بعضها ببعض نظام أو نظم، واكتشاف هذا النِّظامِ يقتضي الكشفَ عن هذه العَلاقات أولاً، ثم ربطها برموزها اللفظيَّة ثانيًا، وهذا يُتيح لنا تجميعَ خيط نظري لنظرية متكاملة في فَهْم النص الأدبي، من خلال صياغته، بالرجوع إلى الحركة العقلية للمعنى، ثم العودة إلى طريقة التنفيذ أو التجسيد اللفظي له[41].
هكذا نرى تركيز علمائنا على النحو باعتباره المدخلَ الصحيح للنص، ويقصد بالنحو هنا "النحو باعتباره البنية العميقة التي تعطي الجملة معناها، والنحو كما قدَّمه علماؤنا الأُول عِلم نصي؛ لأنه يتعامل مع التراكيب، ولا يُمكن فهْم تركيبٍ ما إلاَّ من خلال بنيته النحوية، فبالنحو تنكشف (حجب المعاني)، وبه تتم (جلوة المفهوم) كما يقول ابن مالك[42]، والنحو هو الركيزةُ الأساسية للمعنى كما يقرر جاكبسون،[43]Rene Wellek في "مفاهيم نقدية"[44]. ولا بدَّ لدارس الأسلوب أن يعتمد عليه؛ لأنه لا يُمكنه التقدمُ في حقله ما لم يلمَّ بالنحو بكل فروعه: الصوتيات، وعلم الأصوات الدالة بالصَّرْف والتراكيب، وعلم المعاجم، وعلم المعاني- كما يقول رينيه ويلك
ولا يمكن فهْمُ تركيبٍ ما إلاَّ من خلال بنيته النحوية والمفردات التي تشغل هذه البنية، والتفاعل القائم بين المفْرد ووظيفته النحويَّة من خلال سياقه النَّصي، وهذا تركيزٌ يحتاج إلى شرح طويل، خلاصته أنَّ التحليل النحوي هو في الوقت نفسه تحليل دلالي[45].
فالنحو كما يقول صاحبُ "البلاغة والأسلوبية": "أصبح سرَّ صناعة العربية، فهو رابطُ الصيغ الذهنية، وهو الذي يُساعد اللُّغة على تخطِّي كل الصِّعاب؛ وصولاً إلى عملية الإبداع"[46]، أو كما يرى الدكتور أحمد كشك: "فالنحو؛ أي: التركيب، طريق إبداعي آخرُ موصول بحبل الدلالة التي تمثِّل المطلب الأخير البادي في ثَوْب فنِّي يحقق الجمال والمتعة والإثارة"[47].
أو كما يقول الأستاذ إبراهيم مصطفى: "فإنَّ النحو هو قانون تأليف الكلام ببيان لكلِّ ما يجب أن تكون عليه الكلمةُ في الجملة، والجملة مع الجملة حتى تتسق العبارة، ويمكن أن تؤدِّيَ معناها"[48].
وإن أي منهج لقراءة النَّص ينبغي أن يكونَ هدفُه الأساسي- بل الوحيد- هو تحليلَ النص الأدبي في ذاته؛ أي: من حيث هو نص أدبي، دون أن نفرض عليه تفسيراتٍ سابقة، أو تخضعه لعوامل واعتبارات خارجية"[49].
فالنص وحدة كلية مترابطة الأجزاء، فالجمل يتبع بعضُها بعضًا وَفْقًا لنظام سديد؛ حيث تُسهم كلُّ جملة في فهم الجملة التي تليها فهْمًا معقولاً، كما تسهم الجملة التالية من ناحية أخرى في فهم الجمل السابقة عليها فهْمًا أفضل"[50].
وإذا كان النَّحو إبداعًا، فلا بدَّ من الانطلاق من النحو في تفسير النص الشعري؛ إذ إنَّ "النص لا يُمكن أن يتنصص إلاَّ بفتل جديلة من البنية النحويَّة والمفردات، وهذه الجديلة هي التي تخلق سياقًا لغويًّا خاصًّا بالنص نفسه، وعند مُحاولة فهم أيِّ نص وتحليله لا بدَّ من فهم بنائه النحوي على مستوى الجملة أوَّلاً، وعلى مستوى النص كله ثانيًا"[51].
وإذا كان النحو نبعتْ حيويته من أنَّه علم نصي، فمِن هنا "يصبح المدخل النحوي أكثر انفتاحًا من أيِّ منهج آخر؛ لأنَّه يتيح حُرِّية في التطبيق تتوازى مع حرية الشعر نفسِه في الإبداع، المدخل النحوي يأخذ النصَّ كلَّه بوصفه وحدة التحليل، فلا يجتزئ بشذرات من النص للاستشهاد؛ لأنَّ كل جزء فيه يشكل جزءًا من بنيته الدلالية"[52]، أو كما يقول الأستاذ الدكتور محمود الربيعي: "بأنَّنا إذا دخلنا إلى الشِّعر من باب لغته نكون قد دخلْنا إليه من بابه الطَّبيعي، وإذا دخلْنا إليه من أبواب أخرى... نكون قد دخلنا إليه من الباب غير الطبيعي، فنكون قد أخطأْنا المدخل، أو على الأقل نكون قد أخطأنا في ترتيب أوَّليات الدُّخول إليه"[53].
وفي هذا الإطار لا يُمكن بأيِّ حال أن نُقلِّل من قيمةِ المداخل الأخرى ما دامتْ تنطلق مِن بنية النص ذاته دونَ أن تفرضَ عليه تفسيرات سابقة لا عَلاقة لها بالبنية التركيبة.
والنحو يَمتلك إمكانيَّة تفسيرية هائلة لتحليل النص، وهذه الإمكانيَّات هي الوسائل التي يَمتلكها النحو وتزخر بها أبوابُه ومباحثه في سبيل نهوضه بدوره في تفسير النصوص والكشف عن أسرارها ومعانيها، بما تُتيحه هذه الإمكانيَّات من دلالات كاشفة تُظهر المعاني والعلاقات التي تربط بين عناصرِه في سياقها، وتأمَّل سمات التراكيب، وما يعرض لها من عوارض تُخرجه من صورته إلى صور أخرى، لأغراض فنيَّة أخرى، وتتبَّع هذه الصُّور، وتأمَّل دلالاتها الجديدة.
وأهم هذه الإمكانات التفسيرية النحوية لتحليل النص الشعري[54]:
1- الوظائف النحوية: التي تَمُدُّ الناظر في النص الشِّعري بالمعاني التركيبية لهذا النَّص، وتتيح له الوقوفَ على جميع الاحتمالات الممكِنة لتفسيره، بما يفيد في تعدُّد تفاسير النص الشعري الذي لا يكتفي- بطبيعته- بتفسير واحد لِمَا يتميَّز به بناؤه اللغوي من تكثيف.
2- عوارض التَّراكيب: التي تُعين على معرفة طرائق الشُّعراء في وجوه تصرُّفهم بالأساليب، والتراكيب في صور خاصَّة بهم، لا تخضع للعُرْف، ولا تلتزم القياس، وتكشف عن دلالات هذا التصرف وأغراضه.
3- حروف المعاني وأثرها في الأساليب؛ إذ إنَّ معرفة حروف المعاني، وتحديد دورها في الأساليب النَّحوية، يُساعد على تعرُّف هذه الأساليب، والوقوف على دقائقها وأسرارها.
واعتماد هذه الإمكانات مجتمعة، واكتشاف آثارها، ودلالاتها في النص الشعري، يُقدِّم تفسيرًا موضوعيًّا لهذا النص، نابعًا من بنيته الداخليَّة، وصادرًا عن تأمُّل عناصره، وعلاقاته وأسلوب بنائه بصفته بناء لغويًّا خاصًّا، يُفضي إلى معانٍ بعينها، يتَّخذ له موضوعًا من داخل تراكيبه، يُعبِّر عن رُؤية الشاعر الفنية، لا عن موقفِه السياسي أو الاجتماعي؛ لأنَّ الوقوف على أسلوب البناء في القصيدة أَوْلَى بالرعاية دائمًا من محاكمتها طبقًا لمقاييس مجلوبة من خارجها [55]؛ "لأنَّ عدم التفسير الصحيح للنص إهمالٌ للنص، والتفسير الملتوي إرهاق له"[56].
وإمكانات النحو التفسيرية هي السبيل لتحقيق هذه الغاية بما تكشف عنه مِن جوانبِ البناء اللُّغوي في القصيدة، وأسرار هذا البناء، لكنَّها لا تنهض بهذه الغاية الجليلة إلاَّ إذا وجدت من يحسن استغلالها، ويُجيد توظيفها بدقة واقتدار، بطريقة موائمة، ومناسبة للنص المراد تفسيرُه، على أن يتحلَّى بذوق أدبي خاص، وفَهم واعٍ لطبيعة النص حتَّى تؤتِيَ الإمكانات التفسيرية ثمرتَها في مجال تفسير النص الشعري[57].
فالنُّصوص الشِّعرية متباينة ومُتفاوتة، وكل نص منها يَمتلك وسائلَ خاصَّة به، بحيث تكون له وحْدَه، وعلى المفسر أن يُحاول اكتشافَها، والإمساك بها، والولوج من خلالها إلى عالَم النص.
فالعمليَّة الإبداعيَّة في تحليل النص الشعري لا تكتمل إلاَّ بوجود القارئ المنتج؛ لأنَّ النص الأدبي "يتشكَّل في هيكل أو بنية مؤطَّرة تقوم في أجزاء منها على الإبهام الناشئ عمَّا تشتمل عليه من فجوات أو فراغات يتعيَّن على القارئ ملؤها؛ ولذلك فهو في حاجة دائمًا إلى القارئ المنتج الذي يكمل هذا العلم ويحققه عيانيَّا"[58].
وفي هذا يقول الدكتور علي عشري: "القصيدة الحديثة نوعٌ من الإبداع المشترك بين الشاعر والقارئ، فهي تحمل معنى محدَّدًا وحيدًا، والقارئ الجاد هو الذي يُكسبها معناها... ولا شكَّ أنَّه بمقدار وَعْي القارئ وإخلاصه يعمق معنى القصيدة، ويتضاعف عطاؤها الفني"[59].
وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور محمد حماسة بقوله: "فالشاعر بعد أن يُنشئ قصيدتَه يصبح أمامَها مثل أيّ متلقٍّ آخر، ولا يكون الشاعر بالضرورة أقدرَ على تفسيرها من غيره، فهو قد قال ما قاله بالطريقة التي يُجيدها، وأما التفسير فهو مهمَّة نَوْع آخرَ من المتلقين"[60].
وقد أدركَ علماء النَّص هذه الأهميةَ للمتلقي، فللقارئ مكان جوهري في عملية التفسير لا يقلُّ عن دور المنتج[61].
الخاتمة
وبعد هذه الدراسة التي قام بها الباحثُ لبناء الجملة في شعر الخنساء، توصَّلت الدِّراسة إلى النتائج الآتية:
بلغ عدد أبيات الديوان تسعمائة وخمسة عشر بيتًا، فاستوعب شعر الخنساء معظمَ أنواع الجملة العربية، وتحققت فيه جُلُّ الظواهر النحوية.
في الباب الأول الخاص بالجملة الخبرية:
تناولت في الفصل الأول منه الجملة المثبتة بأنماطها الثلاثة: الاسمية المطلقة، والاسمية المقيدة، والجملة الفعلية، وبلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة الاسمية المطلقة خمسمائة واثنين وسبعين موضعًا، ووردت الجملة الاسمية المقيدة في مائتين وخمسة وخمسين موضعًا، بينما جاءت الجملة الفعليَّة في ثمانمائة وخمسة وأربعين موضعًا.
ويتَّضح من ذلك أن جُلَّ شعر الخنساء قائم في بناء تركيبه على الجملتين الاسمية والفعلية والمزاوجة بينهما؛ حيثُ عملت هذه المزاوجة على إكساب النَّص دلالاتٍ ثرية، ومعانِيَ دقيقة ومتداخلة.
في المبحث الأوَّل الخاص بالجملة الاسمية المطلقة:لا وجودَ للمبتدأ الوصف ذي المرفوع الذي يسد مسد الخبر.
حذف المبتدأ جوازًا: في ثمانية وعشرين موضعًا، وحذف المبتدأ وجوبًا في ثمانية وستين موضعًا، كان معظمها عند قطع النَّعت للمدح أو الرِّثاء، وفي هذا زيادة تنبيه وإيقاظ للسامع، وتحريك عن رغبته في الاستماع.
قلَّ حذف الخبر؛ حيثُ حذف جوازًا في خمسة مواضع، ووجوبًا في ستة مواضع، وهذا يدلُّ على إدراك واعٍ لطبيعة التراكيب، فالخبر هو مناط الحكم.
وفي المبحث الثاني الخاص بالجملة الاسمية المقيدة، لم يَرِد من أخوات كان في شِعر الخنساء الفعل (ما فتئ).
أمَّا (كاد) وأخواتها، فلم يَرِد منها في شعر الخنساء من أفعال المقاربة إلاَّ (كاد)، ومن أفعال الشروع لم يَرِد إلاَّ (قام، هب).
أمَّا (ظن) وأخواتها، فقد ورد الفِعل (درى) دون غيره من أفعال هذا الباب في شِعر الخنساء معلَّقًا عن العمل في موضع واحد؛ وذلك لمجيء الاستفهام بعد الفعل دون غيره من المعلقات التي ذكرها النُّحاة.
كان أكثرُ هذه الأفعال ورودًا هو الفعل (رأى)؛ حيثُ ورد في ثمانية وعشرين موضعًا، موزعة على الأنماط المدروسة، وهذا يدلُّ على أنَّ مضمون الجملة مع هذا الفعل يُشكِّل رؤية يقينية ومعتقدًا لدى صاحبه.
وأمَّا التقييدُ بالحروف، فكان أكثر الحروف ورودًا فيه هو الحرف (كأن)؛ حيثُ ورد في خمسة وثلاثين موضعًا، وَفْقَ الأنماط المختلفة في الدِّراسة، ووظفته الخنساء توظيفًا بارعًا في تكوين صور تشبيهيَّة متماسكة الأطراف، ولم يرد الحرف (لعلَّ) في شعر الخنساء.
أوضح المبحث الثالث الخاص بالجملة الفعلية: أنَّ الجملة الفعليَّة ذات الفعل المتعدي لواحد أكثر شيوعًا؛ حيثُ جاءت في ثلاثمائة وسبعة عشر موضعًا، ورد الفعل فيها مضارعًا متعديًا في مائة وخمسة وستين موضعًا، وماضيًا متعددًا في مائة واثنين وخمسين موضعًا، ووردت الجملة الفعلية ذات الفعل اللاَّزم في مائتين وتسعة وتسعين موضعًا.
وأمَّا الفصل الثاني (الجملة المنفية)، فقد بلغ عددُ المواضع التي بلغت فيها الجملة المنفية مائتين وأربعة وخمسين موضعًا.
رجح البحث استعمال (ليس) حرفًا عند مباشرتها للفِعل المضارع.
أفادت (غير) النفي المطلق للمضاف إليه مع وقوعها في مواقع إعرابيَّة مختلفة.
وفي الفصل الثالث (الجملة المؤكدة): بلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة المؤكدة بأدواتِها المختلفة مائتين وتسعةً وسبعين موضعًا، وهذا يدلُّ على أنَّ الخنساء أرادت من وراء هذه المؤكدات إبراز حزنها، وألمها، وشدة وجدها لفراق آل بيتها، وبخاصَّة أخوها صخر، وإبراز الصفات التي كان يتحلَّى بها، والرد على من يُشكِّكون في ذلك.
جاء التوكيد بالحرف الزَّائد في سبعة وعشرين موضعًا؛ ليؤكدَ أن الزيادة لم تكُن من حشو الكلام عند الخنساء، ولكنَّها أَثْرَتْ الدلالة، وأسهمت في توافُق النظام النحوي، والنسيج الشعري وحققت مقولةَ أنَّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
أسهمت ألفاظُ القسم في إبراز مدى تأثر الخنساء بالإسلام؛ حيثُ وردت ألفاظٌ للمقسم به ذات مرجعيَّة دينية.
وأمَّا الباب الثاني (الجملة الطلبيَّة):
فقد قسمته ثلاثةَ فصول، وبلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة الطلبيَّة في شعر الخنساء ثلاثمائة وخمسة وأربعين موضعًا، وهذا يشكِّل مساحةً كبيرة في الدِّيوان؛ مما يدلُّ على أن الخنساء حاولت من خلال الجملة الطلبيَّة التنفيسَ عن آلامها، وتسلية نفسها، والترجمة عن خواطرها الجيَّاشة؛ لذا نجدها في شِعْرها تلحُّ على طلب البكاء بمشتقاته، وكأنَّها جذور غارتْ في وجدانها، فتجد في هزِّها ما يخفف في آلامها الكظيمة؛ ولهذا كانت جملة الأمر أكثرَ أنواع الطلب ورودًا؛ حيثُ وردت في مائة وأحد عشر موضعًا، يليها جملة النداء في ثمانين موضعًا، وجملة الاستفهام في تسعة وستين موضعًا، وجملة الدُّعاء في أربعة وثلاثين موضعًا، ثم جملة النهي في خمسة وعشرين موضعًا.
حذف حرف النداء في ستة عشر موضعًا، وكان لهذا الحذف دلالات خاصَّة ذكرت في مواضعها.
رجَّح البحثُ استعمال (يا) حرف تنبيه مخلوعًا عنها دلالة النِّداء في قولها (يا حبذا).
حذفت أداة الاستفهام في موضع واحد، ودلَّ عليها التنغيم مع معاونة السياق.
وأمَّا الباب الثالث الخاص بالجملة الشرطيَّة:
فقد بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها مائة وثمانين موضعًا، تنوَّعت فيها الأنماطُ الشرطيَّة، وتنوعت الأدوات الشرطيَّة التي يحصل بها الربط والتعليق، وكان أكثرها ورودًا أداة الشرط غير الجازمة (إذا)؛ حيثُ وردتْ في مائة وأربعة مواضع، يليها أداة الشرط الجازمة (إنْ) في ثلاثة وأربعين موضعًا، ثم أداة الشرط غير الجازمة (لو) في تسعة عشر موضعًا، ثم (لما) الحينيَّة غير الجازمة في تسعة مواضع، ثم (مَن) الجازمة، و(لولا) غير الجازمة، ولكل منها ثلاثة مواضع، ثم (متى)، و(أنَّى) الجازمتان، ولكلٍّ منهما موضع واحد، وهذا يتناسب مع الأغراض الدلالية التي وضعت لها هذه الأدوات، وجاء متناسبًا مع السياق الذي وردت فيه.
وفي الباب الرابع الخاص بمكمِّلات الجُمل الفعلية والاسمية، قسمتُه قسمين:
الفصل الأول: مكملات الجمل الفعليَّة، كان للمفعول فيه بنوعيه النصيبُ الأوفر؛ حيث بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها ظروفُ الزمان مائةً وأربعين موضعًا؛ مما يدلُّ على اهتمام الخنساء بالزمن في بناء جملها، وورد ظرف المكان في أربعة وستين موضعًا.
كان لهذه المكملات دورٌ كبير في بناء الجملة، وإيضاح كبير لمعناها، بل إنَّ المعنى في كثير من الأحيان يتوقَّف عليها، فتُصبِح عمدةً في المعنى، وهذا يكشف عن وعْي الخنساء بطبيعة هذه التراكيب.
وفي الفصل الثاني: المكملات المشتركة بين الجملتين: الفعليَّة والاسمية، انطوى على مبحثين: الأول: الأسماء التي تعمل عملَ الفِعل، كان اسم الفاعل أكثرَ تردُّدًا؛ حيثُ ورد في ثلاثة وثمانين موضعًا، يليه صيغ المبالغة في واحد وستين موضعًا، ثم الصِّفة المشبَّهة في خمسة وخمسين موضعًا، ثم المصدر في أربعة وأربعين موضعًا، واسم المفعول في خمسة عشر موضعًا، ولعلَّها تريد من وراء هذا الاستعمال المتفاوت أن تربطَ الحاضر بالماضي والحاضر بالمستقبل، فتظلُّ صورة أحبتها أمامَها لا تفارقها.
وفي المبحث الثاني الخاص بالتوابع أوضح أنَّ لها دورًا كبيرًا، وأهميةً خاصة في بناء الجملة وتماسكها، والربط بين أجزاء القصيدة بما تَمتلكه هذه التَّوابع من سمات مشتركة وبما يميزها عن غيرها.
كان لعطف النسق النصيب الأوفر بين التَّوابع في شِعر الخنساء؛ حيثُ ورد في أربعمائة وثمانية مواضع، يليه النعتُ؛ حيثُ ورد في ثلاثمائة وأربعين موضعًا، ثم البدل في واحد وعشرين موضعًا.
العطف في شِعر الخنساء يردُّ على من يقول: إنَّ أبيات القصيدة في الشعر القديم لا رابط بينها.
جاء الوصف بالجملة الفعليَّة في خمسةٍ وستين موضعًا، جاء الوصف فيها بالفعل المضارع في ثلاثة وأربعين موضعًا، وبالماضي في اثنين وعشرين موضعًا، وهذا يردُّ على مَن زعم من النُّحاة أنَّ الوصف بالفعل الماضي أكثر من المضارع.
أدَّى النعت إلى طول الجملة بسبب تعدُّد النعوت وتنوعها وتداخُلها، وتركيب صور شِعرية متماسكة في القصيدة تعمل على تماسُك النص واتِّساق أجزائه.
أظهر البحث، أثر الإسلام في لغة الخنساء:
ونستطيع أن نقول: إنَّ الخنساء قد برعت في توظيف تراكيبها اللُّغوية، وبناء جملتها وَفْقًا للمعنى الذي أرادتْه، والغرض الأساسي الذي ساقتْ من أجله هذا الشِّعر، ألاَ وهو الرثاء.
والحمد لله أولاً وآخر، وعلى الله قصد السبيل.
مستخلص البحث
هذا بحث بعنوان: "بناء الجملة في شعر الخنساء" لنيل درجة الدكتوراه، ويهدف إلى دراسة بناء الجملة عندَ الخنساء من خلال قصائدها في ديوانها، وبيانِ أنواع هذه الجمل، وبيان حركة الجملة لديها من تقديم وتأخير، وذِكْر وحذف وربط، إلى آخر ما يُظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذه الشاعرة، كما يهدُف البحث إلى الوقوف على لغة الخنساء - رضي الله عنها - ومعرفة كيفيَّة استخدامها للقواعد وتصرُّفها في الأساليب، والوقوف - أيضًا - على شواهد جديدة تفتح أمامنا أبوابًا في الاستعمال اللُّغوي.
وقد جاء في هذا البحث في مقدِّمة وتمهيد، وأربعة أبواب وخاتمة، وفهارس فنية.
أمَّا المقدمة، فقد تناولت فيها أهدافَ الموضوع وأهميته وسبب اختياره، وخطة البحث ومنهجه.
واختص التمهيد بتقديم ترجمة موجزة للخنساء وشعرها، ثم الحديث عن أسس التحليل النحوي للشعر.
وأمَّا الباب الأول (الجملة الخبرية)، فقد وقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الجملة المثبتة: أنْماطها ومكوناتُها، ويضم ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الجملة الاسمية المطلقة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثاني: الجملة الاسمية المقيدة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثالث: الجملة الفعلية ومكوناتها.
الفصل الثاني: الجملة المنفية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة المؤكدة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثاني: الجملة الطلبيَّة، وجاء في ثلاثة فصول.
الفصل الأول: جملة النداء، أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: جملة الاستفهام: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة في الأساليب الخاصة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثالث: الجملة الشرطية ويقع في فصلين:
الفصل الأول: الأنماط التركيبية للجملة الشرطية ومكوناتها.
الفصل الثاني: قضايا الجملة الشرطية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: القضايا التركيبية في الجملة الشرطية.
[1] "بناء الجملة العربية"، (ص 246 - 249)، د. محمد حماسة، طبعة دار الشروق الطبعة الأولى، القاهرة 1416هـ، 1996 م.
[2] "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، 9/876، د. جواد علي، طبعة دار العلم للملايين.
[3] "خزانة الأدب"، (1/414)، للبغدادي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م.
[4] "الكتاب"، 1/337، تحقيق: عبدالسلام هارون، طبعة دار الجيل، بيروت.
[5] "المقتضب"، 3/230، تحقيق: محمد عبدالخالق عضيمة، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[6] "مجالس العلماء"، 260، وانظر: "شواهد الشعراء المخضرمين في التراث النحوي"، ص 142، توثيق ودراسة: مجدي إبراهيم يوسف، القاهرة، طبعة دار الكتاب المصري، 2001 م.
[7] "كتاب الشعر"، 489، لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م.
[8] "المحتسب"، 2/43، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[9] "شرح المفصل"، 1/115، مكتبة المتنبي، القاهرة.
[10] "دلائل الإعجاز"، 181، 300 - 302، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، بالقاهرة.
[11] "همع الهوامع في شرح جمع الجوامع"، 1/290، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
[12] "بناء الجملة العربية"، 254.
[13] "شعر الخنساء في ضوء عِلم اللغة التطبيقي"، رسالة ماجستير، لثناء محمد أحمد سالم، إشراف: د. عبدالمجيد عابدين، 1986، بمكتبة كلية الآداب، الإسكندرية، برقم: 4730.
[14] "النحو والشعر: قراءة في دلائل الإعجاز"، للدكتور: مصطفى ناصف، ص 36، مجلَّة فصول، ع: 3، أبريل، 1981م.
[15] "الجملة في الشعر العربي"، ص5، د. محمد حماسة، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1410هـ.
[16] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، د. علي عشري زايد، ص 45، مكتبة الشباب، الطبعة الرابعة 1419هـ - 1999م.
[17] "الكتاب"، لسيبويه، 1/26، دار الجيل، بيروت، طبعة أولى.
[18] "الكتاب"، 1/32.
[19] "الجملة في الشعر العربي"، ص 21.
[20] "نظرية اللغة في النقد العربي"، د. عبدالحكيم راضي، ص 46، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980م.
[21] "القافية تاج الإيقاع الشعري"، د. أحمد كشك، ص 95، مكتبة دار العلوم، 1983.
[22] "بناء الجملة العربية"، د. محمد حماسة، ص249، طبعة دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416 هـ/ 1996م.
[23] "النص الأدبي: تحليله وبناؤه"، د. إبراهيم خليل، ص 13، عمان، الأردن، طبعة أولى، 1995م.
[24] "المعنى النحوي الدلالي وأثره في تفسير النص، وبيان تماسكه"، ص 1014، رسالة ماجستير لمحروس السيد، دار العلوم، رقم 1423.
[25] "جدلية الإفراد والتركيب"، د. محمد عبدالمطلب، ص 82، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، الطبعة الثانية، 2004م.
[26] "بناء الجملة العربية"، ص 74.
[27] "دلائل الإعجاز"، ص 55، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1992م.
[28] "قضايا الحداثة عند عبدالقاهر الجرجاني"، د. محمد عبدالمطلب، ص 84، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، طبعة أولى، 1995م.
[29] "البلاغة والأسلوبية"، د. محمد عبدالمطلب، ص 45، الشركة المصرية للنشر لونجمان، ط1 سنة 1994م.
[30] "اللغة وبناء الشعر"، د. محمد حماسة: ص 17.
[31] "التعريف بعلم اللغة"، دافيد كريستال، ص110، ترجمة: حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993 م.
[32] "علم اللغة بين القديم والحديث"، د. عاطف مدكور، ص 176، دار الثقافة للنشر 1986 م.
[33] "بناء الجملة العربية في شعر أبي العتاهية"، ص 34، رسالة دكتوراه، لحامد العزيز، مكتبة دار العلوم، 2005.
[34] "النحو والشعر"، ص 36.
[35] "في علم اللغة"، 74، 75، د. غالب المطلبي.
[36] "النحو والدلالة"، د. محمد حماسة، ص 23، المدينة، دار السلام، ط1، 1983 م.
[37] "بعض المدارس والاتجاهات الحديثة في علم اللغة"، جون ليونز، ترجمة د. زكي حسن التوني، مجلة البيان الكويتية، العدد: 250، يناير سنة 1987.
[38] النحو والدلالة: ص 26.
[39] النحو بين عبدالقاهر، وتشومسكي د. محمد عبدالمطلب، ص 28 فصول، العدد الأول، 1984 م.
[40] "لسانيات النص، مدخل لانسجام النص"، محمد خطابي، ص 97، وما بعدها، المركز الثقافي الغربي، المغرب، 1990 م.
[41] "جدلية الإفراد والتركيب"، ص 282.
[42] "شرح الكافية الشافية"، لابن مالك، 1/ 155، تحقيق: د. عبدالمنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، 1982 م.
[43] "النظرية الألسنية عند جاكبسون: دراسة ونصوص"، (ص: 92)، فاطمة الطبَّال بركة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط.1، 1993م.
[44] "مفاهيم نقدية"، رينيه ويلك، ص 51، ترجمة د. محمد عصفور، سلسة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير، 1987.
[45] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، د. محمد حماسة، ص11، دار غريب، الطبعة الأولى، 2001 م.
[46] "البلاغة والأسلوبية"، ص42.
[47] "التدوير في الشعر"، د. أحمد كشك، ص5.
[48] "إحياء النحو"، ص5.
[49] "النص الشعري وآليات القراءة"، د. فوزي مسعود، ص9، منشأة المعارف، بالإسكندرية، د. ت.
[50] "اللغة والإبداع الأدبي"، د. محمد العبد (ص: 36)، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط.1، 1989م.
[51] "اللغة وبناء الشعر"، ص9.
[52] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، ص11.
[53] "الشعر والنقد"، د. محمود الربيعي، ص 279، مجلة فصول، المجلد السادس عشر، العدد الأول، صيف، 1997م.
[54] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص158 وما بعدها، رسالة ماجستير، لمصطفى عراقي، دار العلوم.
[55] "توازن البناء في شعر شوقي"، د. محمود الربيعي، ص 69، 77، مجلة فصول، العدد الأول، 1982م.
[56] "لغة الشعر: دراسة في الضرورة الشعرية"، ص 5، د. محمد حماسة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1996م.
[57] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص 154.
[58] "نظرية التلقي مقدمة نقدية"، روبرت هولب، ص 12، 13، ترجمة د. عزالدين إسماعيل، المكتبة الأكاديمية، ط 1، 2000.
[59] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، ص 17.
[60] "الإبداع الموازي"، ص 37.
[61] "علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات"، د. سعيد البحيري، ص 140 - 141، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، ط1، 2004، "بلاغة الخطاب وقلم النص"، د. صلاح فضل، ص 230، دار عالم المعرفة، القاهرة، ط1، 1994م، 1414هـ.
المقدمة
الحمد لله الذي منَّ بعلمه علينا، فأهدى قرآنَه إلينا، فأرشدنا سواء السبيل، ووضَّح لنا الطريق القويم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلِين سيدنا ونبينا محمد- صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا بحث بعنوان: "بناء الجملة في شعر الخنساء" أردت من خلاله تحقيق بعض الأهداف، منها:
1- الوقوف على لغة الخنساء- رضي الله عنها- ومعرفة كيفية استخدامها للقواعد وتصرفها في الأساليب، والوقوف- أيضًا- على شواهد جديدة تفتح أمامنا أبوابًا في الاستعمال اللغوي.
2- دراسة بناء الجملة عندَ الخنساء من خلال قصائدها في ديوانها، وبيان أنواع هذه الجمل، وبيان حركة الجملة لديها من تقديم وتأخير، وذِكْر وحذف وربط، إلى آخر ما يظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذه الشَّاعرة، خاصَّة أنَّ للشعر لغتَه الخاصة المتوقِّدة بمجريات الانتقاء والاختيار؛ فبناء الجملة هو الذي يُظهر عبقرية الشاعر، ويكشف تفرُّده وامتيازه، والاعتماد على بناء الجملة الشعرية في دراسة النص وتفسيره لا محيد عنه، ولا بديلَ له لمن يريد أن يقدِّم دراسة نصية مقنعة[1].
إضافةً إلى أنَّ فهم أي نص وتحليله لا بدَّ من فهْم بنائه النحوي على مُستوى الجملة في المقام الأول.
3- توظيف النحو فيما وجد من أجله، وهو جلاء النَّصِّ وفهمه، الأمر الذي يعد مدخلاً جيِّدًا للوقوف على الطاقات الإبداعية لدى الخنساء.
4- ألا تعتمد الدراسة على المقولات النظرية المجرَّدة، وإنَّما على معرفة التطبيقات العملية للقواعد من خلال استقراء النص وتحليله عدديًّا.
ولعلَّ من الأسباب التي دَفَعت الباحث إلى تناوُل شعر الخنساء خاصَّة: ما تتمتع به الشاعرة المخضرمة من مكانة عالية، ومنزلة رفيعة في الشِّعر العربي، فقد قال لها النابغة بعد سماعه لشعرها: "اذهبي فأنت أشعر مِن كل ذات ثديَين..."[2]، وقال عنها بشار بن برد: "تلك التي غلبت الفحول من الشعراء"[3].
كما يرجع سبب اختيار الخنساء- رضي الله عنها- لدراسة شِعْرها إلى اهتمام النُّحاة بشعرها والاستشهاد به، فهي من شعراء عصور الاحتجاج، فقد استشهد إمامُ النحاة سيبويه بشعرها[4]، والمبرد[5]، والزجَّاجي[6]، وأبو علي الفارسي[7]، وابن جني[8]، وابن يعيش[9]، وعبدالقاهر الجرجاني[10]، والسيوطي[11]، وغيرهم من علماء النحو والبلاغة.
والشعر القديم أحوج من غيره لدراسة بنائه القائم على بناء جُمَله؛ وذلك لما تتسم به الجملة في هذا الشعروهل يُمكن فَهْم الصورة الشعرية دون فهم تركيبها أولاً، أو دون الالتفات إلى هذا التركيب وطريقة بناء الجمل في القصيدة، وتدرج هذا البناء[12]؟ من نموٍّ وتداخُل، وإحكام تجعل ظاهر بناء الجملة فيه أدعى لإعادة النَّظر والتأمل،
وقد قامت إحدى الدِّراسات المعاصرة بدراسة شِعر الخنساء في ضوء عِلم اللغة التطبيقي[13]، تحدثتْ فيه صاحبةُ الدراسة عن مفهوم اللغة وعلم اللغة التطبيقي، والفونيم، ثم التعريف بالخنساء، وأسرتها وبيئتها من خلال شعرها، ثم تناولت صورَ الحيوان والطبيعة في شعر الخنساء، ثم تحدَّثت عن ثقافة الخنساء وتجاربها إلى غير ذلك، مما يتعلَّق بعلم اللغة التطبيقي.
واعتمد البحث في استخراج نصوص الدِّراسة على "ديوان الخنساء"، شرح وتحقيق: كَرَم البستاني، طبعة دار صادر، بيروت، 1960م.
وقد اقتضتْ طبيعة البحث أن يأتي في مقدِّمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة وفهارس فنية، أمَّا المقدمة، فقد تناولت فيها أهداف الموضوع وأهميته وسبب اختياره.
واختص التمهيدُ بتقديم ترجمة موجزة للخنساء ولشعرها، ثم الحديث عن أسس التحليل النحوي للشعر.
وأمَّا الباب الأول: الجملة الخبرية، فقد وقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الجملة المثبتة: أنماطها ومكوناتها، ويضم ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: الجملة الاسمية المطلقة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثاني: الجملة الاسمية المقيدة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثالث: الجملة الفعلية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: الجملة المنفية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة المؤكدة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثاني: الجملة الطَّلبية، جاء في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: جملة النداء: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: جملة الاستفهام: أنماطُها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة في الأساليب الخاصة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثالث: الجملة الشرطية، ويقع في فصلين:
الفصل الأول: الأنماط التركيبية للجملة الشرطية ومكوناتها.
الفصل الثاني: قضايا الجملة الشرطية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: القضايا التركيبية في الجملة الشرطية.
المبحث الثاني: القضايا الدلالية في الجملة الشرطية.
وأما الباب الرابع: مكملات الجمل، فقد وقع في فصلين:
الفصل الأول: مكملات الجمل الفعليَّة، ويشمل المفعول المطلق، المفعول لأجله، المفعول فيه، المستثنى، الحال، التمييز.
الفصل الثاني: المكملات المشتركة بين الجملتين الاسمية والفعلية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: الأسماء التي تعمل عمل الفعل، وتشمل: المصدر، اسم الفاعل، اسم المفعول، صيغ المبالغة، الصفة المشبَّهة.
المبحث الثاني: التوابع، ويشتمل على: النعت، العطف، البدل.
وأخيرًا: الخاتمة، وتشتمل على أهمِّ النتائج التي توصَّل البحث إليها.
وبعد، فقد حاول البحثُ أن يحقق غايتَه المرجوَّة المتمثلة في دراسته لبناء الجملة في شِعر الخنساء، وبيان مدى أهمية تناول شعرها في الدِّراسات النحْوية.
وبهذا أرجو أن أكون قد أعطيتُ دراسة وافية عن بناء الجملة في شعر الخنساء، وأن تكون هذه الدِّراسة لبنةً مع غيرها من الدِّراسات التي تنظر للقضايا النحْوية من خلال نصوص لُغوية ناصعة، وليكون النَّص اللغوي هو أصلَ القاعدة، لا كما فعل النُّحاة -أحيانًا- بأن جعلوا النص فرعًا للقاعدة، كما أرجو أن أكونَ قد أسهمتُ بهذا الجهد في خدمة لغتنا العربية لغة القرآن الكريم.
ولا أدعي أنني قد بلغت في عملي الكمال، فإن الكمال لله، ولكن كل ما أرجوه من الله- عزَّ وجلَّ- أن أكون قد وُفِّقت فيما بذلت من جهد، وليلتمس لي كلُّ مَن وقف على قصور في العمل العذرَ.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وصلِّ اللهمَّ وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّمْ.
أسس التحليل النحوي
للنص الشعري
اتِّصال النحو بالنص الشعري مجال خصب جدير بالبحث والدِّراسة المنهجية المتأنية، فهذا الاتِّصال يكشف عن كثير مما يزخر به النحوُ العربي من إمكانات تعبيريَّة، تتيح للشاعر التصرف في الأساليب، وتَمُدُّه بالتراكيب المختلفة والبدائل الأسلوبيَّة المتنوعة التي يختار من بينها ما يتناسب مع غرضه، ويتَّسق مع غايته، فالنحو جزء أساسي من ذكاء الشَّاعر وفطنته وروعته، وليس جانبًا خارجيًّا، ولا طلاء يطلي به المعنى، النحو جزء أساسي مما نُسميه نشاط الكلمات في الشِّعر، إن الشعراء يتخلَّون عن أنظمة نحوية كثيرة مُمكنة، ويصعدون إلى نظام نحوي لا يُمكن الغضُّ منه، ما دمنا حريصين على أن نقرأَ الشِّعر قراءة دقيقة..."[14].
فالشعر إبداع، وتتسم حركته الإبداعيَّة بأنَّها دائمًا متوقدة بمجريات الانتقاء والاختيار، فإذا كانت اللغة هي المادةَ الأساسيَّة للأديب، فإنَّ الشاعر له لغته الخاصَّة التي يُمكن أن نطلق عليها (لغة الشِّعر)؛ لأنَّها لغة إبداعية، فهو يستخدم ما يعرفونه من اللُّغة الإبداعية من قبل مفرداتٍ ونظامٍ، لكنَّه يستخدم ما يعرفونه بطريقة تختلف عن الطريقة التي يعرفون، فيتولَّد منها ما يدهش ويوقف على سرٍّ جديد من أسرار الرُّوح الإنساني الغامض، والحياة الإنسانيَّة الولود، ويكشف جانبًا من جوانب هذين العالَمَيْن: الروح والحياة، إنَّهم يعنون بذلك أنَّ لغة الشعر تختلف في أسلوبها عن لغة الكلام العادي، بما تكون عليه وبما تثيره فينا[15].
ففي لغة الشِّعر يُستهْلَك المضمونُ الشِّعري، ويُفْنَى في البناء اللُّغوي الذي يتضمنه؛ بحيث يستحيل الفصل بينهما، فالمشاعر والأحاسيس والأفكار، وكل العناصر الشُّعورية والذِّهنية تتحوَّل في الشِّعر إلى عناصر لُغوية، بحيث إذا تَقَوَّضَ البناء اللغوي في الشِّعر، تقوض معه الكيان النفسي والشُّعوري المتضمن فيه[16].
وقد أشار سيبويه إمام النُّحاة إلى تميُّز لغة الشعر بما تحتمله ما لا يحتمله غيرُه من الأساليب؛ حيث عقد بابًا في كتابه سماه: هذا باب ما يحتمل الشِّعر[17]، وقد ختم هذا الباب بمبدأ عام كذلك هو قوله: "وليس شَيْءٌ يضطرون إليه إلاَّ وهم يُحاولون به وجهًا"[18]؛ أي: إنَّ ما يرد في الشِّعر محكوم بقوانين لغوية خاصَّة تسمح به وتجيزه في هذا المستوى من مستويات الكلام، وليس شيْءٌ يُلْجِئهم إليه الوزن، وتضطرهم نحوَه القافية، أو أنَّ هذه الأمور الجائزة متروكة لعَبثِ العابثين، ولغو اللاَّغين، بل إنَّها خصائص خاصَّة يُجيزها النظام اللغوي في هذا الضرب المخصوص من الكلام، ولها وجه يُطلب، ومعنى يراد[19].
ونتبين من هذا أن اللُّغة في الشعر لها خصوصيتها؛ لأنَّها ترتدي ثوب الشِّعر منذ اللحظة الأولى، فالإبداع والجمال وسيلة وغاية في الشِّعر، خاصَّة أنَّ الشعراء أمراءُ الكلام "يصرفونه أنَّى شاؤوا، وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللَّفظ وتعقيده، ومد مقصوره، وقصر الممدود، والجمع بين لُغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه"[20]، أو كما يرى الأستاذ الدكتور أحمد كشك: "تُعدُّ اللغة في بنيان الشعر قيمةً إيقاعية ومعنوية تمنح الشاعر فيضًا من العطاء، ويمنحها الشاعر من طاقته الإبداعيَّة وحسه الصادق مذاقًا خاصًّا، وهذا ما جعلها أحيانًا طوع يديه تخضع لسياقه، وإن خالفت نواميسها التي وضعت لها، والأصل أن تكون طاقة الشاعر الإبداعيَّة وإلهامه الصافي مع نظام اللُّغة والسياق الإيقاعي صنوَين متآلفين لا يخرج أحدهما عن ناموس الآخر"[21].
ومِن خلال هذا المزيج يُعاد صياغة الوجود على نحوٍ يتسم بالجمال والثَّراء، كذلك يكشف اتِّصال النحو بالنص الشعري عن وسائله التفسيرية التي تُعين الناظرَ في النصِّ الشعري على التوصُّل إلى دلالاته الخافية والوقوف على أسراره الكامنة في بنيته الداخليَّة، فإنَّ النص الأدبي: "فن لغوي قبل كل شيء وبعده، وإنَّ فهمه لن يكون على الصورةِ الصحيحة المفيدة، إلاَّ إذا كان هذا الفهم قائمًا في أول أمره على فهم بنائه، وبناء الشعر لا يقوم إلاَّ على بناء جمله المسلوكة في وزنه وقوافيه أو موسيقاه"[22].
أو كما يقول الدكتور إبراهيم خليل: "إنَّ النص الأدبي نسيجٌ من الألفاظ والعبارات التي تطَّرِد في بناء منظمٍ متناسق، يعالج موضوعًا أو موضوعات عدَّة في أداء يتميَّز على أنماط الكلام والكتابة غير الأدبية بالجمالية، التي تعتمد على التخيُّل والإيقاع والتصوير والإيحاء والرمز"[23].
فالنَّص: "حدث لغوي متماسك نحويًّا ودلاليًّا، مؤلف من جزء واحد أو أكثر، وهذه الأجزاء مقسمة تبعًا لمعايير نحوية ودلالية"[24].
ولا شكَّ أن هناك دراسات قديمة اتَّصلت بالنص الأدبي تتناوله من حيثُ الصِّحة اللغوية، وتحاول أن تستمد منه كثيرًا من الشواهد التي تفيد في مجال الدَّرس النحوي، وأن تتخذه دليلاً على صحة رأيٍ معيَّن أو قاعدة خاصَّة، وهناك دراسات أخرى تجاوزت مسألة الصواب والخطأ، واتصلت بالعملية الإبداعية بدءًا بالمفرد، وصولاً إلى الجملة مع ربطها بالطاقة التعبيريَّة في اللغة من ناحية والطاقة العاطفية في المبدع من ناحية أخرى، انطلاقًا من الحقيقة الفنيَّة للصياغة، وهي كونها تعبر وتؤثر في آن واحد"[25].
إنَّ المتتبع لكتبِ النحو يرى أنَّهم قد حاولوا وصفَ النظام اللغوي الموجود في النصوص الأدبيَّة، والبحث عن عِلل مجيئه على هذا النحوِ دون سواه، كما حاولوا تفسيرَ الشاذِّ، أو ما يتسم بالخروج عن القاعدة بردِّه إليها، أو بعلل أُخر تعود إلى النِّظام نفسه في نهاية الأمر، "وقد أوجد النظام اللغوي عددًا من وسائل الترابط في الجملة، بعضها يعتمد على الفَهْم والإدراك الخفي للعلاقات، وبعضها الآخر يعتمد على الوسائل اللغوية المحسوسة، وسواء أكانتْ هذه الوسائل المعنوية واللفظية بين العناصر الإسنادية في الجملة، أم بين العناصر الإسنادية وغير الإسنادية في الجملة، فإنَّها تؤدِّي غايتها بالقدر المقسوم لها"[26].
ورَغْمَ أنَّ هذه المعالجة والكشف عن وسائل الترابُط كانت على مستوى الجملة، فإنَّ هذا يُمثل اللبنة الأولى في البحث عن وسائل الترابط على مستوى النص، وأنَّ النص ليس إلا تتابع سلسلة من الجمل، كل منها يفيد السامع فائدةً يحسن السكوت عليها، والنصُّ مجرَّد حاصل جمع لهذه الجمل، والنَّاظر في كتاب "دلائل الإعجاز" لعبدالقاهر الجرجاني يرى أنَّه كان يحتفل بالنَّظْم احتفالاً بالغًا، والنظم عنده كما هو معلوم ليس إلاَّ أن تضع كلامَك الموضع الذي يَرتضيه علمُ النحو[27].
وبطبيعة الحال، فإنَّ الكشف عن هذا النظام يعني الكشف عن البنية الحقيقيَّة للنص، ويترتَّب على هذا تحديدُ العلاقات بين البنية النحويَّة التي تصل بين الدوالِّ أو بين التراكيب، ثم تفسيرها في الوقت نفسه، وعلى هذا فجزئيات التراكيب لا يُمكن إدراكها حقيقةً إلاَّ من خلال تعلقها بغيرها؛ أي: من خلال دَورِها في خَلْق النظم، فالوقوف عند الجزئيات لا يُفيد كثيرًا؛ لأنَّنا لا نتكلَّم لنفهم المتلقي معنى كلِّ جزئية على حدة، بل لننقل إليه الدلالةَ المفادة من شبكة العلاقات النحويَّة[28].
وقد أدرك عبدالقاهر الجرجاني: "أنه من خلال النحوِ يمكنه أن يُدرِك نظام اللغة، وهو نظام يختلف في تركيبه من جنس إلى جنس، فالشِّعر له نظامه النحوي الذي تكاد تكون إمكاناته نسقًا مغلقًا على ذاته، بحيث لا يتداخلُ هذا النسق مع غيرِه من أنساق فنون القول"[29].
والنحو ليس غايةً في ذاته، بل هو وسيلة لاستكناه الطاقات الإبداعيَّة للنصِّ، سواء أكان شعرًا أم كان نثرًا، فالنحو إبداع، وقد ميَّز المتقدِّمون بين مستويين للدراسة النحوية، يتمثَّل المستوى الأول في رصْد الصَّواب والخطأ في الأداء، أمَّا المستوى الثاني فيتجاوز هذا المجالَ إلى ناحية الجمال والإبداع، فمِن المعروف أنَّ حيوية النحو في القديم نبعتْ من أنه علمٌ نصي، وغير خافٍ أنه نشأ في حِضْنِ القرآن الكريم، ومِن أنَّ النحاة لم يوقفوا دراستَهم على الجانب النظري فحسب، بل تخطوا ذلك إلى الجانب التطبيقي، وقد اتَّخذوا من القرآن الكريم والشِّعر القديم وشِعر معاصريهم- أحيانًا- مادة خصبة للتطبيق النحوي[30].
وإذا كان النحو يُعنى بدراسةِ العلاقات التي تربط بين الكلمات في الجملة الواحدة، وبيان وظائفها؛ إذ إنَّه وسيلة نحو التفسير النهائي لتعقيدات التركيب اللغوي[31]، فإنَّ الدلالة كذلك تؤدي دورًا كبيرًا في التفرقة بين التركيب، فالنحو والدلالة إذًا لا يستغني أحدهما عن الآخر في توضيح النص وتفسيره وإنارته[32].
خلاصة القول: إنَّ النحو عند المتقدمين تجاوُز مستوى الصَّواب والخطأ ليُحلِّق في سماء الإبداع[33]، أو كما يقول الأستاذ الدكتور مصطفى ناصف: "فالنَّحو ليس موضوعًا يحفل به المشتغلون بالمثل اللغوية، والذين يروْن إقامة الحدود بين الصواب والخطأ، أو يرون الصواب رأيًا واحدًا، فالنحو مشغلة الفنانين والشُّعراء، والشعراء والفنانون هم الذين يفهمون النحو، أو هم الذين يُبدعون النحو، فالنحو إبداع"[34].
وفي العصر الحديث ظهرتِ المدرسة التحويليَّة التوليدية التي اهتمت بالجانبين: الإبداعي المعنوي في اللُّغة، فأعادتْ إلى المعنى مكانتَه من الدراسة، ولجوهرية اللغة أهميتها في النظر، وكان على رأسِ هؤلاء تشومسكي، وتشارلز فليمور[35].
ويوضح الدكتور محمد حماسة رؤيةَ المدرسة التحويليَّة التوليدية لمهمَّة النحو، فيقول: "لقد صارت مهمة النحو هي الربطَ بين عالمي (الأفكار)، و(الأصوات)، والاهتمام بوسائل الربط بين هذين العالَمين والكشف عنها[36]، ويتَّسم البحث النحْوي التوليدي بإدراكه لِمَا يُسمَّى بالإبداع اللغوي، ومحاولة الوصول إلى النِّظام والقانون الذي يحكم هذا الإبداع، كما يقول جون ليونز مفسرًا المقصود بهذا الإبداع اللغوي: "والإبداع اللغوي من وجهة نظر تشومسكي خاصَّة إنسانية مميزة، تُميِّز البشر عن الماكينات كما تميزه إلى الحدِّ الذي تعرفه عن سائر الحيوانات، لكنَّه إبداع يحكمه قانون، وهو ما يبحثه النحو التوليدي"[37].
وهنا تلتقي النظرية التوليدية من حيثُ المفهوم والغاية في إجمال مع النحو العربي بالمفهوم الذي قدَّمه سيبويه وابن جني، وغيرهما من نحاتنا الأوائل؛ حيث كان مفهوم النحو وغايته يتَّسمان عندهم بالنضج[38]، كما يقول صاحب النحو والدلالة.
فقد كان هَمُّ تشومسكي موجَّهًا إلى ربط اللغة بالجانب العقلي في محاولة توفيقية لحلِّ الإشكال نفسِه، الذي سبق أن واجه عبدالقاهر، وقد تبلوَر جهد كل منهما في إعطاء النحو إمكاناتٍ تركيبيةً مستمدة من قواعده العقلية[39].
إذًا؛ ثبت لدينا العلاقة الوثيقة بين النحو والدلالة، فتجاوز النحو مستوى الصواب والخطأ هو أمر مفروغ منه، وإذا كان النصُّ يتكون من جمل، فإنَّه يختلف عنها نوعيًّا، فالنص وَحدة دلالية، وليست الجمل إلاَّ الوسيلة التي يتحقَّق بها النص، أضفْ إلى هذا أنَّ كل نص يتوفَّر على خاصية كونه نصًّا يُمكن أن يطلق عليه "النصية"، وهذا ما يميزه عمَّا ليس نصًّا، فلكي يكون لأي نص نصية ينبغي أن يعتمدَ على مجموعة من الوسائل اللُّغوية التي تخلق النصية، بحيث تُسْهِم هذه الوسائل في وحدته الشاملة[40].
وإذا كان نحو النص يُعنى- فيما يُعنى به- برصْد الإمكانات النحوية ودورها في خلق الدلالة، فإن هناك تبادلاً بين النحو بمعناه التقعيدي والنحو بمعناه الجمالي، بل إنَّ العلاقة بينهما قد أخذت شكلاً جدليًّا بهدف إيجاد رابطة بين المعنى العقلي، أو ما يدور في الباطن تشكيلاً للدلالة والصياغة الملفوظة التي تُجسِّد هذا التشكيل الباطني، وقد وجد الجرجاني هذه الرَّابطة في العلاقات القائمة بين الألفاظ ذاتها، وعلى هذا أصبح التعبيرُ الأدبي ذا مكونات شبيهة بالعَلاقات ينشأ بتعليق بعضها ببعض نظام أو نظم، واكتشاف هذا النِّظامِ يقتضي الكشفَ عن هذه العَلاقات أولاً، ثم ربطها برموزها اللفظيَّة ثانيًا، وهذا يُتيح لنا تجميعَ خيط نظري لنظرية متكاملة في فَهْم النص الأدبي، من خلال صياغته، بالرجوع إلى الحركة العقلية للمعنى، ثم العودة إلى طريقة التنفيذ أو التجسيد اللفظي له[41].
هكذا نرى تركيز علمائنا على النحو باعتباره المدخلَ الصحيح للنص، ويقصد بالنحو هنا "النحو باعتباره البنية العميقة التي تعطي الجملة معناها، والنحو كما قدَّمه علماؤنا الأُول عِلم نصي؛ لأنه يتعامل مع التراكيب، ولا يُمكن فهْم تركيبٍ ما إلاَّ من خلال بنيته النحوية، فبالنحو تنكشف (حجب المعاني)، وبه تتم (جلوة المفهوم) كما يقول ابن مالك[42]، والنحو هو الركيزةُ الأساسية للمعنى كما يقرر جاكبسون،[43]Rene Wellek في "مفاهيم نقدية"[44]. ولا بدَّ لدارس الأسلوب أن يعتمد عليه؛ لأنه لا يُمكنه التقدمُ في حقله ما لم يلمَّ بالنحو بكل فروعه: الصوتيات، وعلم الأصوات الدالة بالصَّرْف والتراكيب، وعلم المعاجم، وعلم المعاني- كما يقول رينيه ويلك
ولا يمكن فهْمُ تركيبٍ ما إلاَّ من خلال بنيته النحوية والمفردات التي تشغل هذه البنية، والتفاعل القائم بين المفْرد ووظيفته النحويَّة من خلال سياقه النَّصي، وهذا تركيزٌ يحتاج إلى شرح طويل، خلاصته أنَّ التحليل النحوي هو في الوقت نفسه تحليل دلالي[45].
فالنحو كما يقول صاحبُ "البلاغة والأسلوبية": "أصبح سرَّ صناعة العربية، فهو رابطُ الصيغ الذهنية، وهو الذي يُساعد اللُّغة على تخطِّي كل الصِّعاب؛ وصولاً إلى عملية الإبداع"[46]، أو كما يرى الدكتور أحمد كشك: "فالنحو؛ أي: التركيب، طريق إبداعي آخرُ موصول بحبل الدلالة التي تمثِّل المطلب الأخير البادي في ثَوْب فنِّي يحقق الجمال والمتعة والإثارة"[47].
أو كما يقول الأستاذ إبراهيم مصطفى: "فإنَّ النحو هو قانون تأليف الكلام ببيان لكلِّ ما يجب أن تكون عليه الكلمةُ في الجملة، والجملة مع الجملة حتى تتسق العبارة، ويمكن أن تؤدِّيَ معناها"[48].
وإن أي منهج لقراءة النَّص ينبغي أن يكونَ هدفُه الأساسي- بل الوحيد- هو تحليلَ النص الأدبي في ذاته؛ أي: من حيث هو نص أدبي، دون أن نفرض عليه تفسيراتٍ سابقة، أو تخضعه لعوامل واعتبارات خارجية"[49].
فالنص وحدة كلية مترابطة الأجزاء، فالجمل يتبع بعضُها بعضًا وَفْقًا لنظام سديد؛ حيث تُسهم كلُّ جملة في فهم الجملة التي تليها فهْمًا معقولاً، كما تسهم الجملة التالية من ناحية أخرى في فهم الجمل السابقة عليها فهْمًا أفضل"[50].
وإذا كان النَّحو إبداعًا، فلا بدَّ من الانطلاق من النحو في تفسير النص الشعري؛ إذ إنَّ "النص لا يُمكن أن يتنصص إلاَّ بفتل جديلة من البنية النحويَّة والمفردات، وهذه الجديلة هي التي تخلق سياقًا لغويًّا خاصًّا بالنص نفسه، وعند مُحاولة فهم أيِّ نص وتحليله لا بدَّ من فهم بنائه النحوي على مستوى الجملة أوَّلاً، وعلى مستوى النص كله ثانيًا"[51].
وإذا كان النحو نبعتْ حيويته من أنَّه علم نصي، فمِن هنا "يصبح المدخل النحوي أكثر انفتاحًا من أيِّ منهج آخر؛ لأنَّه يتيح حُرِّية في التطبيق تتوازى مع حرية الشعر نفسِه في الإبداع، المدخل النحوي يأخذ النصَّ كلَّه بوصفه وحدة التحليل، فلا يجتزئ بشذرات من النص للاستشهاد؛ لأنَّ كل جزء فيه يشكل جزءًا من بنيته الدلالية"[52]، أو كما يقول الأستاذ الدكتور محمود الربيعي: "بأنَّنا إذا دخلنا إلى الشِّعر من باب لغته نكون قد دخلْنا إليه من بابه الطَّبيعي، وإذا دخلْنا إليه من أبواب أخرى... نكون قد دخلنا إليه من الباب غير الطبيعي، فنكون قد أخطأْنا المدخل، أو على الأقل نكون قد أخطأنا في ترتيب أوَّليات الدُّخول إليه"[53].
وفي هذا الإطار لا يُمكن بأيِّ حال أن نُقلِّل من قيمةِ المداخل الأخرى ما دامتْ تنطلق مِن بنية النص ذاته دونَ أن تفرضَ عليه تفسيرات سابقة لا عَلاقة لها بالبنية التركيبة.
والنحو يَمتلك إمكانيَّة تفسيرية هائلة لتحليل النص، وهذه الإمكانيَّات هي الوسائل التي يَمتلكها النحو وتزخر بها أبوابُه ومباحثه في سبيل نهوضه بدوره في تفسير النصوص والكشف عن أسرارها ومعانيها، بما تُتيحه هذه الإمكانيَّات من دلالات كاشفة تُظهر المعاني والعلاقات التي تربط بين عناصرِه في سياقها، وتأمَّل سمات التراكيب، وما يعرض لها من عوارض تُخرجه من صورته إلى صور أخرى، لأغراض فنيَّة أخرى، وتتبَّع هذه الصُّور، وتأمَّل دلالاتها الجديدة.
وأهم هذه الإمكانات التفسيرية النحوية لتحليل النص الشعري[54]:
1- الوظائف النحوية: التي تَمُدُّ الناظر في النص الشِّعري بالمعاني التركيبية لهذا النَّص، وتتيح له الوقوفَ على جميع الاحتمالات الممكِنة لتفسيره، بما يفيد في تعدُّد تفاسير النص الشعري الذي لا يكتفي- بطبيعته- بتفسير واحد لِمَا يتميَّز به بناؤه اللغوي من تكثيف.
2- عوارض التَّراكيب: التي تُعين على معرفة طرائق الشُّعراء في وجوه تصرُّفهم بالأساليب، والتراكيب في صور خاصَّة بهم، لا تخضع للعُرْف، ولا تلتزم القياس، وتكشف عن دلالات هذا التصرف وأغراضه.
3- حروف المعاني وأثرها في الأساليب؛ إذ إنَّ معرفة حروف المعاني، وتحديد دورها في الأساليب النَّحوية، يُساعد على تعرُّف هذه الأساليب، والوقوف على دقائقها وأسرارها.
واعتماد هذه الإمكانات مجتمعة، واكتشاف آثارها، ودلالاتها في النص الشعري، يُقدِّم تفسيرًا موضوعيًّا لهذا النص، نابعًا من بنيته الداخليَّة، وصادرًا عن تأمُّل عناصره، وعلاقاته وأسلوب بنائه بصفته بناء لغويًّا خاصًّا، يُفضي إلى معانٍ بعينها، يتَّخذ له موضوعًا من داخل تراكيبه، يُعبِّر عن رُؤية الشاعر الفنية، لا عن موقفِه السياسي أو الاجتماعي؛ لأنَّ الوقوف على أسلوب البناء في القصيدة أَوْلَى بالرعاية دائمًا من محاكمتها طبقًا لمقاييس مجلوبة من خارجها [55]؛ "لأنَّ عدم التفسير الصحيح للنص إهمالٌ للنص، والتفسير الملتوي إرهاق له"[56].
وإمكانات النحو التفسيرية هي السبيل لتحقيق هذه الغاية بما تكشف عنه مِن جوانبِ البناء اللُّغوي في القصيدة، وأسرار هذا البناء، لكنَّها لا تنهض بهذه الغاية الجليلة إلاَّ إذا وجدت من يحسن استغلالها، ويُجيد توظيفها بدقة واقتدار، بطريقة موائمة، ومناسبة للنص المراد تفسيرُه، على أن يتحلَّى بذوق أدبي خاص، وفَهم واعٍ لطبيعة النص حتَّى تؤتِيَ الإمكانات التفسيرية ثمرتَها في مجال تفسير النص الشعري[57].
فالنُّصوص الشِّعرية متباينة ومُتفاوتة، وكل نص منها يَمتلك وسائلَ خاصَّة به، بحيث تكون له وحْدَه، وعلى المفسر أن يُحاول اكتشافَها، والإمساك بها، والولوج من خلالها إلى عالَم النص.
فالعمليَّة الإبداعيَّة في تحليل النص الشعري لا تكتمل إلاَّ بوجود القارئ المنتج؛ لأنَّ النص الأدبي "يتشكَّل في هيكل أو بنية مؤطَّرة تقوم في أجزاء منها على الإبهام الناشئ عمَّا تشتمل عليه من فجوات أو فراغات يتعيَّن على القارئ ملؤها؛ ولذلك فهو في حاجة دائمًا إلى القارئ المنتج الذي يكمل هذا العلم ويحققه عيانيَّا"[58].
وفي هذا يقول الدكتور علي عشري: "القصيدة الحديثة نوعٌ من الإبداع المشترك بين الشاعر والقارئ، فهي تحمل معنى محدَّدًا وحيدًا، والقارئ الجاد هو الذي يُكسبها معناها... ولا شكَّ أنَّه بمقدار وَعْي القارئ وإخلاصه يعمق معنى القصيدة، ويتضاعف عطاؤها الفني"[59].
وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور محمد حماسة بقوله: "فالشاعر بعد أن يُنشئ قصيدتَه يصبح أمامَها مثل أيّ متلقٍّ آخر، ولا يكون الشاعر بالضرورة أقدرَ على تفسيرها من غيره، فهو قد قال ما قاله بالطريقة التي يُجيدها، وأما التفسير فهو مهمَّة نَوْع آخرَ من المتلقين"[60].
وقد أدركَ علماء النَّص هذه الأهميةَ للمتلقي، فللقارئ مكان جوهري في عملية التفسير لا يقلُّ عن دور المنتج[61].
الخاتمة
وبعد هذه الدراسة التي قام بها الباحثُ لبناء الجملة في شعر الخنساء، توصَّلت الدِّراسة إلى النتائج الآتية:
بلغ عدد أبيات الديوان تسعمائة وخمسة عشر بيتًا، فاستوعب شعر الخنساء معظمَ أنواع الجملة العربية، وتحققت فيه جُلُّ الظواهر النحوية.
في الباب الأول الخاص بالجملة الخبرية:
تناولت في الفصل الأول منه الجملة المثبتة بأنماطها الثلاثة: الاسمية المطلقة، والاسمية المقيدة، والجملة الفعلية، وبلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة الاسمية المطلقة خمسمائة واثنين وسبعين موضعًا، ووردت الجملة الاسمية المقيدة في مائتين وخمسة وخمسين موضعًا، بينما جاءت الجملة الفعليَّة في ثمانمائة وخمسة وأربعين موضعًا.
ويتَّضح من ذلك أن جُلَّ شعر الخنساء قائم في بناء تركيبه على الجملتين الاسمية والفعلية والمزاوجة بينهما؛ حيثُ عملت هذه المزاوجة على إكساب النَّص دلالاتٍ ثرية، ومعانِيَ دقيقة ومتداخلة.
في المبحث الأوَّل الخاص بالجملة الاسمية المطلقة:لا وجودَ للمبتدأ الوصف ذي المرفوع الذي يسد مسد الخبر.
حذف المبتدأ جوازًا: في ثمانية وعشرين موضعًا، وحذف المبتدأ وجوبًا في ثمانية وستين موضعًا، كان معظمها عند قطع النَّعت للمدح أو الرِّثاء، وفي هذا زيادة تنبيه وإيقاظ للسامع، وتحريك عن رغبته في الاستماع.
قلَّ حذف الخبر؛ حيثُ حذف جوازًا في خمسة مواضع، ووجوبًا في ستة مواضع، وهذا يدلُّ على إدراك واعٍ لطبيعة التراكيب، فالخبر هو مناط الحكم.
وفي المبحث الثاني الخاص بالجملة الاسمية المقيدة، لم يَرِد من أخوات كان في شِعر الخنساء الفعل (ما فتئ).
أمَّا (كاد) وأخواتها، فلم يَرِد منها في شعر الخنساء من أفعال المقاربة إلاَّ (كاد)، ومن أفعال الشروع لم يَرِد إلاَّ (قام، هب).
أمَّا (ظن) وأخواتها، فقد ورد الفِعل (درى) دون غيره من أفعال هذا الباب في شِعر الخنساء معلَّقًا عن العمل في موضع واحد؛ وذلك لمجيء الاستفهام بعد الفعل دون غيره من المعلقات التي ذكرها النُّحاة.
كان أكثرُ هذه الأفعال ورودًا هو الفعل (رأى)؛ حيثُ ورد في ثمانية وعشرين موضعًا، موزعة على الأنماط المدروسة، وهذا يدلُّ على أنَّ مضمون الجملة مع هذا الفعل يُشكِّل رؤية يقينية ومعتقدًا لدى صاحبه.
وأمَّا التقييدُ بالحروف، فكان أكثر الحروف ورودًا فيه هو الحرف (كأن)؛ حيثُ ورد في خمسة وثلاثين موضعًا، وَفْقَ الأنماط المختلفة في الدِّراسة، ووظفته الخنساء توظيفًا بارعًا في تكوين صور تشبيهيَّة متماسكة الأطراف، ولم يرد الحرف (لعلَّ) في شعر الخنساء.
أوضح المبحث الثالث الخاص بالجملة الفعلية: أنَّ الجملة الفعليَّة ذات الفعل المتعدي لواحد أكثر شيوعًا؛ حيثُ جاءت في ثلاثمائة وسبعة عشر موضعًا، ورد الفعل فيها مضارعًا متعديًا في مائة وخمسة وستين موضعًا، وماضيًا متعددًا في مائة واثنين وخمسين موضعًا، ووردت الجملة الفعلية ذات الفعل اللاَّزم في مائتين وتسعة وتسعين موضعًا.
وأمَّا الفصل الثاني (الجملة المنفية)، فقد بلغ عددُ المواضع التي بلغت فيها الجملة المنفية مائتين وأربعة وخمسين موضعًا.
رجح البحث استعمال (ليس) حرفًا عند مباشرتها للفِعل المضارع.
أفادت (غير) النفي المطلق للمضاف إليه مع وقوعها في مواقع إعرابيَّة مختلفة.
وفي الفصل الثالث (الجملة المؤكدة): بلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة المؤكدة بأدواتِها المختلفة مائتين وتسعةً وسبعين موضعًا، وهذا يدلُّ على أنَّ الخنساء أرادت من وراء هذه المؤكدات إبراز حزنها، وألمها، وشدة وجدها لفراق آل بيتها، وبخاصَّة أخوها صخر، وإبراز الصفات التي كان يتحلَّى بها، والرد على من يُشكِّكون في ذلك.
جاء التوكيد بالحرف الزَّائد في سبعة وعشرين موضعًا؛ ليؤكدَ أن الزيادة لم تكُن من حشو الكلام عند الخنساء، ولكنَّها أَثْرَتْ الدلالة، وأسهمت في توافُق النظام النحوي، والنسيج الشعري وحققت مقولةَ أنَّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
أسهمت ألفاظُ القسم في إبراز مدى تأثر الخنساء بالإسلام؛ حيثُ وردت ألفاظٌ للمقسم به ذات مرجعيَّة دينية.
وأمَّا الباب الثاني (الجملة الطلبيَّة):
فقد قسمته ثلاثةَ فصول، وبلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة الطلبيَّة في شعر الخنساء ثلاثمائة وخمسة وأربعين موضعًا، وهذا يشكِّل مساحةً كبيرة في الدِّيوان؛ مما يدلُّ على أن الخنساء حاولت من خلال الجملة الطلبيَّة التنفيسَ عن آلامها، وتسلية نفسها، والترجمة عن خواطرها الجيَّاشة؛ لذا نجدها في شِعْرها تلحُّ على طلب البكاء بمشتقاته، وكأنَّها جذور غارتْ في وجدانها، فتجد في هزِّها ما يخفف في آلامها الكظيمة؛ ولهذا كانت جملة الأمر أكثرَ أنواع الطلب ورودًا؛ حيثُ وردت في مائة وأحد عشر موضعًا، يليها جملة النداء في ثمانين موضعًا، وجملة الاستفهام في تسعة وستين موضعًا، وجملة الدُّعاء في أربعة وثلاثين موضعًا، ثم جملة النهي في خمسة وعشرين موضعًا.
حذف حرف النداء في ستة عشر موضعًا، وكان لهذا الحذف دلالات خاصَّة ذكرت في مواضعها.
رجَّح البحثُ استعمال (يا) حرف تنبيه مخلوعًا عنها دلالة النِّداء في قولها (يا حبذا).
حذفت أداة الاستفهام في موضع واحد، ودلَّ عليها التنغيم مع معاونة السياق.
وأمَّا الباب الثالث الخاص بالجملة الشرطيَّة:
فقد بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها مائة وثمانين موضعًا، تنوَّعت فيها الأنماطُ الشرطيَّة، وتنوعت الأدوات الشرطيَّة التي يحصل بها الربط والتعليق، وكان أكثرها ورودًا أداة الشرط غير الجازمة (إذا)؛ حيثُ وردتْ في مائة وأربعة مواضع، يليها أداة الشرط الجازمة (إنْ) في ثلاثة وأربعين موضعًا، ثم أداة الشرط غير الجازمة (لو) في تسعة عشر موضعًا، ثم (لما) الحينيَّة غير الجازمة في تسعة مواضع، ثم (مَن) الجازمة، و(لولا) غير الجازمة، ولكل منها ثلاثة مواضع، ثم (متى)، و(أنَّى) الجازمتان، ولكلٍّ منهما موضع واحد، وهذا يتناسب مع الأغراض الدلالية التي وضعت لها هذه الأدوات، وجاء متناسبًا مع السياق الذي وردت فيه.
وفي الباب الرابع الخاص بمكمِّلات الجُمل الفعلية والاسمية، قسمتُه قسمين:
الفصل الأول: مكملات الجمل الفعليَّة، كان للمفعول فيه بنوعيه النصيبُ الأوفر؛ حيث بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها ظروفُ الزمان مائةً وأربعين موضعًا؛ مما يدلُّ على اهتمام الخنساء بالزمن في بناء جملها، وورد ظرف المكان في أربعة وستين موضعًا.
كان لهذه المكملات دورٌ كبير في بناء الجملة، وإيضاح كبير لمعناها، بل إنَّ المعنى في كثير من الأحيان يتوقَّف عليها، فتُصبِح عمدةً في المعنى، وهذا يكشف عن وعْي الخنساء بطبيعة هذه التراكيب.
وفي الفصل الثاني: المكملات المشتركة بين الجملتين: الفعليَّة والاسمية، انطوى على مبحثين: الأول: الأسماء التي تعمل عملَ الفِعل، كان اسم الفاعل أكثرَ تردُّدًا؛ حيثُ ورد في ثلاثة وثمانين موضعًا، يليه صيغ المبالغة في واحد وستين موضعًا، ثم الصِّفة المشبَّهة في خمسة وخمسين موضعًا، ثم المصدر في أربعة وأربعين موضعًا، واسم المفعول في خمسة عشر موضعًا، ولعلَّها تريد من وراء هذا الاستعمال المتفاوت أن تربطَ الحاضر بالماضي والحاضر بالمستقبل، فتظلُّ صورة أحبتها أمامَها لا تفارقها.
وفي المبحث الثاني الخاص بالتوابع أوضح أنَّ لها دورًا كبيرًا، وأهميةً خاصة في بناء الجملة وتماسكها، والربط بين أجزاء القصيدة بما تَمتلكه هذه التَّوابع من سمات مشتركة وبما يميزها عن غيرها.
كان لعطف النسق النصيب الأوفر بين التَّوابع في شِعر الخنساء؛ حيثُ ورد في أربعمائة وثمانية مواضع، يليه النعتُ؛ حيثُ ورد في ثلاثمائة وأربعين موضعًا، ثم البدل في واحد وعشرين موضعًا.
العطف في شِعر الخنساء يردُّ على من يقول: إنَّ أبيات القصيدة في الشعر القديم لا رابط بينها.
جاء الوصف بالجملة الفعليَّة في خمسةٍ وستين موضعًا، جاء الوصف فيها بالفعل المضارع في ثلاثة وأربعين موضعًا، وبالماضي في اثنين وعشرين موضعًا، وهذا يردُّ على مَن زعم من النُّحاة أنَّ الوصف بالفعل الماضي أكثر من المضارع.
أدَّى النعت إلى طول الجملة بسبب تعدُّد النعوت وتنوعها وتداخُلها، وتركيب صور شِعرية متماسكة في القصيدة تعمل على تماسُك النص واتِّساق أجزائه.
أظهر البحث، أثر الإسلام في لغة الخنساء:
ونستطيع أن نقول: إنَّ الخنساء قد برعت في توظيف تراكيبها اللُّغوية، وبناء جملتها وَفْقًا للمعنى الذي أرادتْه، والغرض الأساسي الذي ساقتْ من أجله هذا الشِّعر، ألاَ وهو الرثاء.
والحمد لله أولاً وآخر، وعلى الله قصد السبيل.
مستخلص البحث
هذا بحث بعنوان: "بناء الجملة في شعر الخنساء" لنيل درجة الدكتوراه، ويهدف إلى دراسة بناء الجملة عندَ الخنساء من خلال قصائدها في ديوانها، وبيانِ أنواع هذه الجمل، وبيان حركة الجملة لديها من تقديم وتأخير، وذِكْر وحذف وربط، إلى آخر ما يُظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذه الشاعرة، كما يهدُف البحث إلى الوقوف على لغة الخنساء - رضي الله عنها - ومعرفة كيفيَّة استخدامها للقواعد وتصرُّفها في الأساليب، والوقوف - أيضًا - على شواهد جديدة تفتح أمامنا أبوابًا في الاستعمال اللُّغوي.
وقد جاء في هذا البحث في مقدِّمة وتمهيد، وأربعة أبواب وخاتمة، وفهارس فنية.
أمَّا المقدمة، فقد تناولت فيها أهدافَ الموضوع وأهميته وسبب اختياره، وخطة البحث ومنهجه.
واختص التمهيد بتقديم ترجمة موجزة للخنساء وشعرها، ثم الحديث عن أسس التحليل النحوي للشعر.
وأمَّا الباب الأول (الجملة الخبرية)، فقد وقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الجملة المثبتة: أنْماطها ومكوناتُها، ويضم ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الجملة الاسمية المطلقة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثاني: الجملة الاسمية المقيدة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثالث: الجملة الفعلية ومكوناتها.
الفصل الثاني: الجملة المنفية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة المؤكدة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثاني: الجملة الطلبيَّة، وجاء في ثلاثة فصول.
الفصل الأول: جملة النداء، أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: جملة الاستفهام: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة في الأساليب الخاصة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثالث: الجملة الشرطية ويقع في فصلين:
الفصل الأول: الأنماط التركيبية للجملة الشرطية ومكوناتها.
الفصل الثاني: قضايا الجملة الشرطية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: القضايا التركيبية في الجملة الشرطية.
[1] "بناء الجملة العربية"، (ص 246 - 249)، د. محمد حماسة، طبعة دار الشروق الطبعة الأولى، القاهرة 1416هـ، 1996 م.
[2] "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، 9/876، د. جواد علي، طبعة دار العلم للملايين.
[3] "خزانة الأدب"، (1/414)، للبغدادي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م.
[4] "الكتاب"، 1/337، تحقيق: عبدالسلام هارون، طبعة دار الجيل، بيروت.
[5] "المقتضب"، 3/230، تحقيق: محمد عبدالخالق عضيمة، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[6] "مجالس العلماء"، 260، وانظر: "شواهد الشعراء المخضرمين في التراث النحوي"، ص 142، توثيق ودراسة: مجدي إبراهيم يوسف، القاهرة، طبعة دار الكتاب المصري، 2001 م.
[7] "كتاب الشعر"، 489، لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م.
[8] "المحتسب"، 2/43، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[9] "شرح المفصل"، 1/115، مكتبة المتنبي، القاهرة.
[10] "دلائل الإعجاز"، 181، 300 - 302، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، بالقاهرة.
[11] "همع الهوامع في شرح جمع الجوامع"، 1/290، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
[12] "بناء الجملة العربية"، 254.
[13] "شعر الخنساء في ضوء عِلم اللغة التطبيقي"، رسالة ماجستير، لثناء محمد أحمد سالم، إشراف: د. عبدالمجيد عابدين، 1986، بمكتبة كلية الآداب، الإسكندرية، برقم: 4730.
[14] "النحو والشعر: قراءة في دلائل الإعجاز"، للدكتور: مصطفى ناصف، ص 36، مجلَّة فصول، ع: 3، أبريل، 1981م.
[15] "الجملة في الشعر العربي"، ص5، د. محمد حماسة، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1410هـ.
[16] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، د. علي عشري زايد، ص 45، مكتبة الشباب، الطبعة الرابعة 1419هـ - 1999م.
[17] "الكتاب"، لسيبويه، 1/26، دار الجيل، بيروت، طبعة أولى.
[18] "الكتاب"، 1/32.
[19] "الجملة في الشعر العربي"، ص 21.
[20] "نظرية اللغة في النقد العربي"، د. عبدالحكيم راضي، ص 46، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980م.
[21] "القافية تاج الإيقاع الشعري"، د. أحمد كشك، ص 95، مكتبة دار العلوم، 1983.
[22] "بناء الجملة العربية"، د. محمد حماسة، ص249، طبعة دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416 هـ/ 1996م.
[23] "النص الأدبي: تحليله وبناؤه"، د. إبراهيم خليل، ص 13، عمان، الأردن، طبعة أولى، 1995م.
[24] "المعنى النحوي الدلالي وأثره في تفسير النص، وبيان تماسكه"، ص 1014، رسالة ماجستير لمحروس السيد، دار العلوم، رقم 1423.
[25] "جدلية الإفراد والتركيب"، د. محمد عبدالمطلب، ص 82، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، الطبعة الثانية، 2004م.
[26] "بناء الجملة العربية"، ص 74.
[27] "دلائل الإعجاز"، ص 55، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1992م.
[28] "قضايا الحداثة عند عبدالقاهر الجرجاني"، د. محمد عبدالمطلب، ص 84، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، طبعة أولى، 1995م.
[29] "البلاغة والأسلوبية"، د. محمد عبدالمطلب، ص 45، الشركة المصرية للنشر لونجمان، ط1 سنة 1994م.
[30] "اللغة وبناء الشعر"، د. محمد حماسة: ص 17.
[31] "التعريف بعلم اللغة"، دافيد كريستال، ص110، ترجمة: حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993 م.
[32] "علم اللغة بين القديم والحديث"، د. عاطف مدكور، ص 176، دار الثقافة للنشر 1986 م.
[33] "بناء الجملة العربية في شعر أبي العتاهية"، ص 34، رسالة دكتوراه، لحامد العزيز، مكتبة دار العلوم، 2005.
[34] "النحو والشعر"، ص 36.
[35] "في علم اللغة"، 74، 75، د. غالب المطلبي.
[36] "النحو والدلالة"، د. محمد حماسة، ص 23، المدينة، دار السلام، ط1، 1983 م.
[37] "بعض المدارس والاتجاهات الحديثة في علم اللغة"، جون ليونز، ترجمة د. زكي حسن التوني، مجلة البيان الكويتية، العدد: 250، يناير سنة 1987.
[38] النحو والدلالة: ص 26.
[39] النحو بين عبدالقاهر، وتشومسكي د. محمد عبدالمطلب، ص 28 فصول، العدد الأول، 1984 م.
[40] "لسانيات النص، مدخل لانسجام النص"، محمد خطابي، ص 97، وما بعدها، المركز الثقافي الغربي، المغرب، 1990 م.
[41] "جدلية الإفراد والتركيب"، ص 282.
[42] "شرح الكافية الشافية"، لابن مالك، 1/ 155، تحقيق: د. عبدالمنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، 1982 م.
[43] "النظرية الألسنية عند جاكبسون: دراسة ونصوص"، (ص: 92)، فاطمة الطبَّال بركة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط.1، 1993م.
[44] "مفاهيم نقدية"، رينيه ويلك، ص 51، ترجمة د. محمد عصفور، سلسة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير، 1987.
[45] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، د. محمد حماسة، ص11، دار غريب، الطبعة الأولى، 2001 م.
[46] "البلاغة والأسلوبية"، ص42.
[47] "التدوير في الشعر"، د. أحمد كشك، ص5.
[48] "إحياء النحو"، ص5.
[49] "النص الشعري وآليات القراءة"، د. فوزي مسعود، ص9، منشأة المعارف، بالإسكندرية، د. ت.
[50] "اللغة والإبداع الأدبي"، د. محمد العبد (ص: 36)، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط.1، 1989م.
[51] "اللغة وبناء الشعر"، ص9.
[52] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، ص11.
[53] "الشعر والنقد"، د. محمود الربيعي، ص 279، مجلة فصول، المجلد السادس عشر، العدد الأول، صيف، 1997م.
[54] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص158 وما بعدها، رسالة ماجستير، لمصطفى عراقي، دار العلوم.
[55] "توازن البناء في شعر شوقي"، د. محمود الربيعي، ص 69، 77، مجلة فصول، العدد الأول، 1982م.
[56] "لغة الشعر: دراسة في الضرورة الشعرية"، ص 5، د. محمد حماسة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1996م.
[57] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص 154.
[58] "نظرية التلقي مقدمة نقدية"، روبرت هولب، ص 12، 13، ترجمة د. عزالدين إسماعيل، المكتبة الأكاديمية، ط 1، 2000.
[59] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، ص 17.
[60] "الإبداع الموازي"، ص 37.
[61] "علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات"، د. سعيد البحيري، ص 140 - 141، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، ط1، 2004، "بلاغة الخطاب وقلم النص"، د. صلاح فضل، ص 230، دار عالم المعرفة، القاهرة، ط1، 1994م، 1414هـ.
مواضيع مماثلة
» العوازل الحرارية(محمد بن إبراهيم النعيم)
» من قدوات المرأة المسلمة ((الخنساء بنت عمرو))
» الجملة الفعلية
» الجملة المفيدة
» الخبر شبه الجملة والمفرد .
» من قدوات المرأة المسلمة ((الخنساء بنت عمرو))
» الجملة الفعلية
» الجملة المفيدة
» الخبر شبه الجملة والمفرد .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin