بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
اهمية الوقت الشيخ عبدالناصر بليغ
صفحة 1 من اصل 1
اهمية الوقت الشيخ عبدالناصر بليغ
ممكن- يلقيها فضيلة الشيخ/ عبد الناصر بليح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعـــــــــــد :
فيقول الله تعالي :” وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ “(العصر).
من خلال هذه المقدمة في كليات العقيدة يتضح أن الزمن الذي هو عمر الإنسان هو رأس ماله الوحيد، وهو وعاء عمله الصالح الذي جعله الله ثمناً للجنة،
و العصر هو الزمن، بل مطلق الزمن وهو من خلق الله تعالى، إذ لا يصح أن نسأل: متى كان الله ؟ لأنه خالق الزمان، ولا أين الله ؟ لأنه خالق المكان، وقد أقسم الله به:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ومن الثابت لدى المفسرين أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك ليلفت أنظارهم إليه، ولينبههم إلى جليل منفعته وعظيم أثره، وما أقسم الله للإنسان بالعصر إلا لأن الإنسان في حقيقته زمن، إنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أو لأن أثمن ما يملكه الإنسان هو الزمن.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
ويلٌ لمن انقضت آجالهم وآثامهم باقية من بعدهم:
وويل لمن انقضت آجالهم وضلالاتهم وآثامهم باقية من بعدهم، وهنيئاً لمن كانوا تحت الثرى، والناس مهتدون بهديهم سعداء بأعمالهم.
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: << إنه ليس شيء شر من الشر إلا العقاب، وإنه ليس شيء خير من الخير إلا الثواب، وكل شيء في الدنيا سماعه خير من عيانه، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العيان السماع، ومن الغيب الخبر، واعلموا أن ما نقص من الدنيا، وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة، وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح، وكم من مزيد خاسر، واعلموا أن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حُرم عليكم، ذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع وقد تُكُفِّل لكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكن المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم، فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل ولقد شاءت إرادة الله وحكمته أن يكون الموت نهاية كل حي:
فكل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت
والليل مهما طـــال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طـــال فلا بد من نزول القبر
كل ابن أُنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباءَ محمولُ
فإذا حملت إلى القبور جنـازة فاعلم بأنك بعدها محمــولُ
إذاً: فرأس مال الإنسان عُمُره، ومضي الزمن وحده.. مضي الثواني والدقائق والساعات، مضي الأيام والشهور والسنوات، يستهلك رأسماله شيئاً فشيئاً، فإذا استهلكت حركة الزمن كل عمره، فَقَدَ رأسماله، وتحقَّقت خسارته، قال تعالى:
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾( سورة الزمر )
وقال تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾( سورة الكهف )
خسارة الإنسان أن ينفق عمره الذي هو رأسماله الوحيد إنفاقاً استهلاكياً في غير ما خلق له. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته:
(( أيها الناس، لا خير في العيش إلا لعالم ناطق، أو مستمع واعٍ، أيها الناس، إنكم في زمن هدنة، وإن السير بكم لسريع، وقد رأيتم الليل والنهار يُبليان كل جديد، ويُقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال له المقداد: يا رسول الله، وما الهدنة ؟ قال: (( دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الأمور، كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفَّع، وشاهد مصدق، فمـن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل )
خصائص الوقت :
هذا الوقت الذي هو رأسمال الإنسان، له خصائص منها:
سرعة انقضائه:
فهو يمر مرَّ السحاب، ويجري جري الرياح، سواء أكان زمن مسرةٍ أو فرح، أم كان زمن اكتئاب وترح، وإن كانت أيام السرور تمرُّ أسرع، وأيام الهموم تسير أبطأ، لا في الحقيقة، ولكن في شعور صاحبها، ومهما طال عمر الإنسان، فهو قصير، مادام الموت نهاية كل حي.
وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود، حتى لكأنها لحظات كالبرق الخاطف، قال تعالى:” وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ “( يونس )
ما مضى منه لا يعُود ولا يُعوَّض:
ومن خصائص الوقت أن ما مضى منه لا يعود ولا يُعوض، قال الحسن البصري: ” ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة “.
ولما كان الوقت سريع الانقضاء وكان ما مضى منه لا يرجع ولا يعوض كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل، فهو رأسمال الإنساني الحقيقي، إنه الحياة من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، قال الحسن البصري: ” يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك “.
موقفان خطيران: ساعة الاحتضار، اليوم الآخر:
ومن جهل قيمة الوقت فسيأتي عليه حينٌ يعرف قيمته ونفاسته، ولكن بعد فوات الأوان، وقد ذكر القرآن موقفين يندم فيهما الإنسان على ضياع وقته، حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار، حين يودع الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن وأُخر إلى أجل قريب، ليُصلح ما أفسد، وليتدارك ما فات.. قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(9)وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ(10)وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “( المنافقون )
ويأتي الرد على هذه الأمنية الفارغة قاطعاً ومانعاً، بقوله تعالى:” وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ( المنافقون )
الموقف الثاني: في الآخرة، حيث تُوفى كل نفس ما عملت، وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون إلى دار التكليف، ليعملوا عملاً صالحاً، ولكن هَيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى:” وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ(36)وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ “(فاطر )
القرآن يحذر من الغفلة والتسويف:
والقرآن يحذر من الغفلة أشد التحذير، قال تعالى:”وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ “( الأعراف )
وآفة أخرى هي التسويف، قال الحسن البصري رحمه الله: ” إياك والتسويف، فإنك بيومك، ولست بغدك، فإن يكن غدٌ لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لن تندم على ما فرطت في اليوم “.
وقيل لعالم: أوصنا، قال: ” احذروا ( سوف ) فهي جند من جنود إبليس “.
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمناً وقد نُسجت أكفانه و هو لا يـدري
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(( لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))[ الحاكم وصححه ] طول العمر:
طول العمر مع العمل الصالح نعمة من الله:
أكثر الناس يدعون لمن يحبونهم، أو لمن يُسدي لهم معروفاً، يدعون له بطول العمر، وهل يطول العمر ؟ وإذا كان العمر يطول فما الذي يطيله ؟
إن الإنسان مفطور على حب وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، قال تعالى:”قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ “( البقرة )
والدين نفسه يعدّ طول العمر نعمة إذا اقترن بالعمل الصالح، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم( أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ فَقَالَ: طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) رواه الترمذي عن عبد الله بن بسر، وقال: حديث حسن ] العمر محدود، والموت ينغص على الإنسان حياته:
لكن الموت ينغص على الإنسان حياته، فكثيراً ما يختطف الشاب، وهو في ريعان شبابه، والعروس ليلة زفافها، والوحيد لمدلل من بين يدي أهله، والغني المترف من أحضان نعمته، والقوي المرهوب من بين يدي خدمه وحشمه، لهذا سُمي الموت هادم اللذات، مُفرِّق الأحباب، مُشتت الجماعات، وفي الحديث الشريف عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ( يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ لاَقِيهِ ))
[ قال العجلوني في كشف الخفاء: رواه أبو الشيخ وأبو نعيم والحاكم وصحح إسناده، وحسنه العراقي] ولم يصل الطب الذي وصل إلى زرع قلب مكان قلب، ولا العلم الذي وصل بالإنسان إلى سطح القمر أن يُقاوم الهرم، ويُعيد إلى الشيخ الشباب بعد أن رُدَّ إلى أرذل العمر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ))[ أخرجه البخاري ] إذاً: فما دام عمر الإنسان محدوداً بهذه الصورة فأنى له أن يُطيله ؟ وكيف يستطيع ؟ـ عمر الإنسان الحقيقي هو حجم عمله الصالح الخالص:
الحقيقة أنه ليس عمر الإنسان الحقيقي هو تلك السنوات التي يعيشها الإنسان من يوم ولادته إلى يوم وفاته، إن عمره الزمني أتفه أعماره، إنما عمره الحقيقي هو حجم العمل الصالح الخالص لله عز وجل.
قال صاحب الحكم: ” رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آماده، وقلَّت أمداده، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آماده، كثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره، أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة، ولا تلحقه وَمضةُ الإشارة “.
لهذا ورد في بعض الأدعية:
(( لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قُرباً ))[ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ٍ،
فالإنسان يستطيع أن يُطيل عمره بمقدار ما يُوفقُ إليه من عباده الله تعالى، والإحسان إلى خلقه، وكلما توافر لعمله الإخلاص والإتقان كان الأحر والفضل أعظم عند الله.
وكلما اتسعت رقعة العمل فشملت أعداداً كبيرة من البشر حتى دخلت فيه الأمم والشعوب، وكلما امتد أمد العمل، وطال حتى توارثت ثماره أجيال وأجيال، وكلما تغلغل العمل في كيان الإنسان كله المادي والنفسي والاجتماعي والروحي، حتى تحقق به وجود الإنسان وتألقت من خلال إنسانيته، وكان كما أريد له أن يكون إذاً كلما اتسعت رقعة العمل وعمَّ خيره وطال أمده، واشتد تأثيره كان أعظم عند الله.
النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن دركات الجاهلية إلى أعلى مراتب الإنسانية، وغير وجه التاريخ البشري كله، إلى اليوم وإلى ما شاء الله، في ثلاث وعشرين سنة أقام فيها دينا جديداً، وربى عليه جيلاً فريداً، وأنشأ أمة مثالية، وأسس دولة عالمية في هذا الزمن اليسير، على الرغم من كل الصعوبات والمعوقات التي اعترضت سبيله من أول يوم.
العمل الصالح تزداد أهميته بالمعوقات وفساد المجتمعات:
ويزداد ثقل العمل في ميزان الحق، وتتضاعف قيمته ومثوبته عند الله كلما كثرت المعوقات في سبيله، وعظمت الصوارف عنه قلّ المُعين عليه.
ويزداد ثقـل العمل في ميزان الحق وتتضاعف قيمته ومثوبته عند الله حينما تفسد المجتمعات، وتضطرب الأحوال، فيجور الأمراء، ويتجبر الأقوياء، ويترف الأغنياء، ويداهن العلماء، وتشيع الفاحشة، ويظهر المنكر، ويختفي المعروف، عَن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))[ أخرجه مسلم، والترمذي ] ـ للإنسان أن يطيل عمره بعد موته:
وهنا محلُّ الإشارة إلى أن الإنسان إذا رُزق التوفيق في إنفاق وقته يستطيع أن يُطيل عمره إلى ما شاء الله بعد موته، فيحيا وهو ميت، ويؤدي رسالةً وهو تحت التراب، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))[رواه مسلم عن أبي هريرة] وفي حديث آخر تضمن تفصيلات لهذه الثلاث، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))[رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه ](( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ))[رواه مسلم، والنسائي عن جرير ] والحمد لله رب العالمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعـــــــــــد :
فيقول الله تعالي :” وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ “(العصر).
من خلال هذه المقدمة في كليات العقيدة يتضح أن الزمن الذي هو عمر الإنسان هو رأس ماله الوحيد، وهو وعاء عمله الصالح الذي جعله الله ثمناً للجنة،
و العصر هو الزمن، بل مطلق الزمن وهو من خلق الله تعالى، إذ لا يصح أن نسأل: متى كان الله ؟ لأنه خالق الزمان، ولا أين الله ؟ لأنه خالق المكان، وقد أقسم الله به:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ومن الثابت لدى المفسرين أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك ليلفت أنظارهم إليه، ولينبههم إلى جليل منفعته وعظيم أثره، وما أقسم الله للإنسان بالعصر إلا لأن الإنسان في حقيقته زمن، إنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أو لأن أثمن ما يملكه الإنسان هو الزمن.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
ويلٌ لمن انقضت آجالهم وآثامهم باقية من بعدهم:
وويل لمن انقضت آجالهم وضلالاتهم وآثامهم باقية من بعدهم، وهنيئاً لمن كانوا تحت الثرى، والناس مهتدون بهديهم سعداء بأعمالهم.
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: << إنه ليس شيء شر من الشر إلا العقاب، وإنه ليس شيء خير من الخير إلا الثواب، وكل شيء في الدنيا سماعه خير من عيانه، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العيان السماع، ومن الغيب الخبر، واعلموا أن ما نقص من الدنيا، وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة، وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح، وكم من مزيد خاسر، واعلموا أن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حُرم عليكم، ذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع وقد تُكُفِّل لكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكن المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم، فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل ولقد شاءت إرادة الله وحكمته أن يكون الموت نهاية كل حي:
فكل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت
والليل مهما طـــال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طـــال فلا بد من نزول القبر
كل ابن أُنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباءَ محمولُ
فإذا حملت إلى القبور جنـازة فاعلم بأنك بعدها محمــولُ
إذاً: فرأس مال الإنسان عُمُره، ومضي الزمن وحده.. مضي الثواني والدقائق والساعات، مضي الأيام والشهور والسنوات، يستهلك رأسماله شيئاً فشيئاً، فإذا استهلكت حركة الزمن كل عمره، فَقَدَ رأسماله، وتحقَّقت خسارته، قال تعالى:
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾( سورة الزمر )
وقال تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾( سورة الكهف )
خسارة الإنسان أن ينفق عمره الذي هو رأسماله الوحيد إنفاقاً استهلاكياً في غير ما خلق له. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته:
(( أيها الناس، لا خير في العيش إلا لعالم ناطق، أو مستمع واعٍ، أيها الناس، إنكم في زمن هدنة، وإن السير بكم لسريع، وقد رأيتم الليل والنهار يُبليان كل جديد، ويُقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال له المقداد: يا رسول الله، وما الهدنة ؟ قال: (( دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الأمور، كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفَّع، وشاهد مصدق، فمـن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل )
خصائص الوقت :
هذا الوقت الذي هو رأسمال الإنسان، له خصائص منها:
سرعة انقضائه:
فهو يمر مرَّ السحاب، ويجري جري الرياح، سواء أكان زمن مسرةٍ أو فرح، أم كان زمن اكتئاب وترح، وإن كانت أيام السرور تمرُّ أسرع، وأيام الهموم تسير أبطأ، لا في الحقيقة، ولكن في شعور صاحبها، ومهما طال عمر الإنسان، فهو قصير، مادام الموت نهاية كل حي.
وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود، حتى لكأنها لحظات كالبرق الخاطف، قال تعالى:” وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ “( يونس )
ما مضى منه لا يعُود ولا يُعوَّض:
ومن خصائص الوقت أن ما مضى منه لا يعود ولا يُعوض، قال الحسن البصري: ” ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة “.
ولما كان الوقت سريع الانقضاء وكان ما مضى منه لا يرجع ولا يعوض كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل، فهو رأسمال الإنساني الحقيقي، إنه الحياة من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، قال الحسن البصري: ” يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك “.
موقفان خطيران: ساعة الاحتضار، اليوم الآخر:
ومن جهل قيمة الوقت فسيأتي عليه حينٌ يعرف قيمته ونفاسته، ولكن بعد فوات الأوان، وقد ذكر القرآن موقفين يندم فيهما الإنسان على ضياع وقته، حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار، حين يودع الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن وأُخر إلى أجل قريب، ليُصلح ما أفسد، وليتدارك ما فات.. قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(9)وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ(10)وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “( المنافقون )
ويأتي الرد على هذه الأمنية الفارغة قاطعاً ومانعاً، بقوله تعالى:” وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ( المنافقون )
الموقف الثاني: في الآخرة، حيث تُوفى كل نفس ما عملت، وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون إلى دار التكليف، ليعملوا عملاً صالحاً، ولكن هَيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى:” وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ(36)وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ “(فاطر )
القرآن يحذر من الغفلة والتسويف:
والقرآن يحذر من الغفلة أشد التحذير، قال تعالى:”وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ “( الأعراف )
وآفة أخرى هي التسويف، قال الحسن البصري رحمه الله: ” إياك والتسويف، فإنك بيومك، ولست بغدك، فإن يكن غدٌ لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لن تندم على ما فرطت في اليوم “.
وقيل لعالم: أوصنا، قال: ” احذروا ( سوف ) فهي جند من جنود إبليس “.
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمناً وقد نُسجت أكفانه و هو لا يـدري
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(( لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))[ الحاكم وصححه ] طول العمر:
طول العمر مع العمل الصالح نعمة من الله:
أكثر الناس يدعون لمن يحبونهم، أو لمن يُسدي لهم معروفاً، يدعون له بطول العمر، وهل يطول العمر ؟ وإذا كان العمر يطول فما الذي يطيله ؟
إن الإنسان مفطور على حب وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، قال تعالى:”قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ “( البقرة )
والدين نفسه يعدّ طول العمر نعمة إذا اقترن بالعمل الصالح، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم( أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ فَقَالَ: طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) رواه الترمذي عن عبد الله بن بسر، وقال: حديث حسن ] العمر محدود، والموت ينغص على الإنسان حياته:
لكن الموت ينغص على الإنسان حياته، فكثيراً ما يختطف الشاب، وهو في ريعان شبابه، والعروس ليلة زفافها، والوحيد لمدلل من بين يدي أهله، والغني المترف من أحضان نعمته، والقوي المرهوب من بين يدي خدمه وحشمه، لهذا سُمي الموت هادم اللذات، مُفرِّق الأحباب، مُشتت الجماعات، وفي الحديث الشريف عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ( يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ لاَقِيهِ ))
[ قال العجلوني في كشف الخفاء: رواه أبو الشيخ وأبو نعيم والحاكم وصحح إسناده، وحسنه العراقي] ولم يصل الطب الذي وصل إلى زرع قلب مكان قلب، ولا العلم الذي وصل بالإنسان إلى سطح القمر أن يُقاوم الهرم، ويُعيد إلى الشيخ الشباب بعد أن رُدَّ إلى أرذل العمر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ))[ أخرجه البخاري ] إذاً: فما دام عمر الإنسان محدوداً بهذه الصورة فأنى له أن يُطيله ؟ وكيف يستطيع ؟ـ عمر الإنسان الحقيقي هو حجم عمله الصالح الخالص:
الحقيقة أنه ليس عمر الإنسان الحقيقي هو تلك السنوات التي يعيشها الإنسان من يوم ولادته إلى يوم وفاته، إن عمره الزمني أتفه أعماره، إنما عمره الحقيقي هو حجم العمل الصالح الخالص لله عز وجل.
قال صاحب الحكم: ” رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آماده، وقلَّت أمداده، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آماده، كثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره، أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة، ولا تلحقه وَمضةُ الإشارة “.
لهذا ورد في بعض الأدعية:
(( لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قُرباً ))[ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ٍ،
فالإنسان يستطيع أن يُطيل عمره بمقدار ما يُوفقُ إليه من عباده الله تعالى، والإحسان إلى خلقه، وكلما توافر لعمله الإخلاص والإتقان كان الأحر والفضل أعظم عند الله.
وكلما اتسعت رقعة العمل فشملت أعداداً كبيرة من البشر حتى دخلت فيه الأمم والشعوب، وكلما امتد أمد العمل، وطال حتى توارثت ثماره أجيال وأجيال، وكلما تغلغل العمل في كيان الإنسان كله المادي والنفسي والاجتماعي والروحي، حتى تحقق به وجود الإنسان وتألقت من خلال إنسانيته، وكان كما أريد له أن يكون إذاً كلما اتسعت رقعة العمل وعمَّ خيره وطال أمده، واشتد تأثيره كان أعظم عند الله.
النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن دركات الجاهلية إلى أعلى مراتب الإنسانية، وغير وجه التاريخ البشري كله، إلى اليوم وإلى ما شاء الله، في ثلاث وعشرين سنة أقام فيها دينا جديداً، وربى عليه جيلاً فريداً، وأنشأ أمة مثالية، وأسس دولة عالمية في هذا الزمن اليسير، على الرغم من كل الصعوبات والمعوقات التي اعترضت سبيله من أول يوم.
العمل الصالح تزداد أهميته بالمعوقات وفساد المجتمعات:
ويزداد ثقل العمل في ميزان الحق، وتتضاعف قيمته ومثوبته عند الله كلما كثرت المعوقات في سبيله، وعظمت الصوارف عنه قلّ المُعين عليه.
ويزداد ثقـل العمل في ميزان الحق وتتضاعف قيمته ومثوبته عند الله حينما تفسد المجتمعات، وتضطرب الأحوال، فيجور الأمراء، ويتجبر الأقوياء، ويترف الأغنياء، ويداهن العلماء، وتشيع الفاحشة، ويظهر المنكر، ويختفي المعروف، عَن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))[ أخرجه مسلم، والترمذي ] ـ للإنسان أن يطيل عمره بعد موته:
وهنا محلُّ الإشارة إلى أن الإنسان إذا رُزق التوفيق في إنفاق وقته يستطيع أن يُطيل عمره إلى ما شاء الله بعد موته، فيحيا وهو ميت، ويؤدي رسالةً وهو تحت التراب، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))[رواه مسلم عن أبي هريرة] وفي حديث آخر تضمن تفصيلات لهذه الثلاث، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))[رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه ](( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ))[رواه مسلم، والنسائي عن جرير ] والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» قل: مديرون، ومديرين ولا تقل: مدراء ش عبدالناصر بليغ
» (خطبة عن أهمية الوقت والمحافظ علية الشيخ احمد جاد
» الشيخ أشرف الفيل يهاجم الشيخ حسان في المعونة الأمريكية
» من شرح الشيخ صالح عبدالعزيز ال الشيخ امرت ان اقاتل الناس
» أكد مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن المشكك في فرضية الزكاة أو من لا يرى ركنيتها مرتد عن الإسلام.
» (خطبة عن أهمية الوقت والمحافظ علية الشيخ احمد جاد
» الشيخ أشرف الفيل يهاجم الشيخ حسان في المعونة الأمريكية
» من شرح الشيخ صالح عبدالعزيز ال الشيخ امرت ان اقاتل الناس
» أكد مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن المشكك في فرضية الزكاة أو من لا يرى ركنيتها مرتد عن الإسلام.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin