بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 27 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ
صفحة 1 من اصل 1
أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ
فضلُ أمهاتِ المؤمنين:
أمهات المؤمنين: كنية كرَّم بها القرآن الكريم أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية على أزواج النبي تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلَّى الله عليه وسلم وهو الحكم الوارد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وكان اعتبار زوجات النبي صلَّى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين بمثابة وسامٍ وُضِعَ على صدورهنَّ تكريمًا لهن، وتقديرًا لدورهن في مسيرة الدعوة.
وضعت الشريعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دائرة الأمومة، بمعنى أن كل امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحمل لقب "أم المؤمنين" فيقال: أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين أم سلمة وأم المؤمنين حفصة وأم المؤمنين صفية وأم المؤمنين مارية... الخ، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.
قال صاحب الميزان: معنى قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} جعل تشريعي؛ أي: أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة، لا في جميع الآثار؛ كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم، وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادًا وجدات، وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين.
وقال ابن كثير في تفسير الآية: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام. ولكن لا تجوز الخلوة بهن. ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وإخواتهن بالإجماع.
لقد ادعى بعض المُغرضين أن رسول الإسلام صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يَقنع بما شرعه لأمته من زواج أربع نسوة، حتى تعدى إلى أكثر من عشرة نسوة، وقالوا: إنَّ تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة، ونحن هنا سنلقي بعض الضوء على تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة التي من ورائه، كما نقدم نبذة من تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ونرجو من وراء ذلك أن يرى الباحث المتعمق المنصف أن الزواج لم يكن لداعي الشهوة، وإنما كان جزءًا لا يتجزأ من حركة الدعوة وهي تقيم حجتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى السداد والرشاد فإنه خير معين وهاد.
حكمة تشريع الزواج من أربع نساء:
من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة، فهذا التعدد كان سنة جارية في الهند والصين والفرس ومصر، وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها، ومما لا شك فيه أن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزْيَد، ولقد ذكرت التوراة الحاضرة أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة، موآبية وعمونية وأدومية وصيدونية وحيثية ومصرية إلى غير ذلك.
ولقد جرت سنة اتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر، وأن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته، وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه، فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بُعِثَ النبُي الخاتم صلَّى الله عليه وآله وسلم، وجاء بالدين الفطري قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية، ولما كان المجتمع العائلي ــ الذي هو نفس الحياة الزوجية ــ قاعدة للمجتمع، فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الازدواج موضعه الطبيعي، فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وأقام الإسلام نظامًا للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية، وجعل جميع الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد؛ لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة، ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والانهدام إلا بابتعادها عن التربية الحقة.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على امتداد المسيرة البشرية، فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط، والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما يعرض لهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظًا لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد اعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة؛ لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء، فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج، ونظرًا لأن المرأة الواحدة ربما تعذَّرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة، كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك، رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقا لشروطه، ولم يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب.
واعتمدت الشريعة أيضًا في مقاصدها من ناحية التعدد تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد، وكما ذكرنا أن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنما تقوم قاعدته على العدل، فالإسلام استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها، وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظا لمصلحة المجتمع الإنساني، وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد.
قال صاحب تفسير الميزان: إن الإسلام شرع الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع، بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش، وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك، لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته، فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء، ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة، فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه؛ لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع، فالتعدد دواء لداء معين، ولا يكون صحيا إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة، والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.
حكمة تعدد أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
مما سبق يرى الباحث المتدبر أن الإسلام شرع للمسلمين الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن وإصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، فهذا على مستوى القاعدة ويعم جميع المسلمين، والتعدد على مستوى القاعدة غير التعدد على مستوى القمة وأقصد بها النبوة؛ لأن النبي توفرت فيه جميع الشروط التي تجعله يسوق الناس إلى صراط الله الحميد، فهو أول شخص يخلص الدين لله ويسلم بما يدعو الآخرين إليه.
وعلى هذه الخلفية لا يمكن بحال أن ينطلق التعدد من داعي الشهوة أو يقود إلى داعي الشهوة كما قال بعضهم، ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرسول مؤيد بالعصمة، مصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه، والله تعالى يصونه من الخطأ في جميع أمور الدين وتشريع القوانين، وعلى هذه الخلفية لا يجوز لمقولة داعي الشهوة أن تُطرَح على مائدة البحث.
إن الإسلام أنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن، وفي هذا الباب كان للنبي صلى الله عليه وآله مختصات منعت عنها الأمة، وكان التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة من وسائل تشريع القوانين، ومن باب التعدد خرجت أحاديث عن أمهات المؤمنين تبين حركة الرسول وسكونه في بيته، ورويت الأحاديث الذي تبين قمة العدل والقسط بين النساء، وتبين حسن معاشرتهن ورعاية جانبهن. ورويت أحاديث الإخبار بالغيب وفيها حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه من الفتن، وبين لأمته الأعمال التي تحقق سعادة الدارين.
وهذه الأحاديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث بها وهو يبكي في فراشه، أو وهو يبكي في وجود جبريل عليه السلام، وأن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحته وسكونه وبكائه وما شرعه للمرأة وللطفل وللأسرة، يستند أول ما يستند على تعدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى خلفية تعدد الرواة يمكن للباحث المنصف أن يفهم الحكمة التي وراء تعدد الزوجات في هذا الشأن.
وبالنظر في المسيرة النبوية، وفي تراجم الرجال نجد أن الكفار والمشركين والمنافقين لم يعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعدد زوجاته على الرغم من أنهم كانوا يتربصون به الدوائر، ومن المعروف أنه صلى الله عليه وآله وسلم له مختصات منعت عنها الأمة، وإن حكم الزيادة على الأربع كصوم الوصال وغيره من الأمور التي تختص بالنبي وعلموها وشاهدوها زمن البعثة النبوية.
والباحث في حركة الدعوة يعلم أن مسألة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن الكريم، وللوقوف على الحكمة التي وراء التعدد يجب البحث في كل جهة من الجهات التي أشار إليها القرآن، وبينتها السنة المطهرة، وعلى سبيل المثال ذكر القرآن أن الله تعالى هو الذي زوَّج رسوله صلى الله عليه وآله امرأة زيد، وقد كان زيد هذا يُُدعَى ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني، وكانت زوجة المدعو ابنا في ذلك الحين كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب، فكان حكم الله تعالى وطلق زيد زوجه، وتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله ونزل فيها آيات، وكما أخبر القرآن بأن الله تعالى هو الذي زوج رسوله.
بيَّن القرآن أن الله تعالى حرم على رسوله بعد اللاتي اخترن الله ورسوله، ولا أن يطلق بعضهن ويتزوج مكانها من غيرهن.
وبالجملة: أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي أمر بالزواج، وإنه تعالى زوج إحداهن من رسوله، وأنه جل شأنه هو الذي حرم على الرسول الزيادة والتبديل، فما لهؤلاء لا يفقهون حديثًا، ومن الآيات القرآنية التي تدلل على ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا. لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 50 ـــ 52].
قال صاحب تفسير الميزان: أحل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أصناف من النساء:
الصنف الأول: ما في قوله: {أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] والمراد بالأجور: المهور.
الثاني: ما في قوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أي: من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال، وذكر ابن كثير في تفسيره: إن الله أباح له التسري مما أخذ من المغانم، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك مارية القبطية أم ابنه إبراهيم وكانت من السراري رضي الله عنها.
الثالث، والرابع: ما في قوله: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} قيل: يعني نساء قريش.
الخامس، والسادس: ما في قوله: {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} قيل: يعني نساء بني زهرة، وقوله: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قال في المجمع: هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.
السابع: ما في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بمعنى: إن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر، فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها، وقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} إيذانًا بأن هذا الحكم، أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس، من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجرى في المؤمنين.
وقوله تعالى بعده: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} تقرير لحكم الاختصاص وقوله تعالى: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} تعليل لقوله في صدر الآية: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص، وذكر ابن كثير قول قتادة في قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} بالسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده، وقال ابن كثير: إن المراد بقوله: {تُرْجِي} أي تؤخر في: {مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ}؛ أي: من الواهبات {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} أي من شئت قَبِلْتَهَا ومن شئت رددتها، وقوله تعالى: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي: ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها، فلا إثم عليك ولا لوم، أي: يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد، ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه، وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء، ويعزل بعضهن من القسم، فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل، وهو أفقه لقوله بعده: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ...} الآية؛ وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له، ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد.
وذكر ابن كثير في معنى الآية: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ} أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم، لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيار منك لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به وحملن معروفك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها؛ تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من خيرهن فاخترن الله، ونفي التبدل بهن يؤيد ذلك، لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} الآية، كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات.
وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت إن المراد بالآية: محرمات النساء المعدودة في قوله تعالى من سورة النساء [آية 23]: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الآية، وقوله تعالى: {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} أي: أن تطلق بعضهن، وتزوج مكانها من غيرهن، وقوله{إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني: الإماء، وهو استثناء من قوله في صدر الآية {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ}.
وذكر ابن كثير في تفسيره: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ}؛ أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك.وبنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات والواهبة، وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك، وهذا مروي عن أبيِّ بن كعب ومجاهد، وروي عن رجل من الأنصار قال، قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج؟ فقال: وما يمنعه من ذلك؟ قال: قلت: قول الله تعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ} فقال: إنما أحل له ضربًا من النساء، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إلى قوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} ثم قيل له: {يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ}.
وروى ابن كثير عن أبي النضر عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم، وذكر ابن كثير لدى قوله تعالى: {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قال: نهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن واستبدال غيرها بها، إلا ما ملكت يمينه.
مما سبق يعلم الباحث المتدبر، أن الأمر لله، أحل سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من أصناف النساء الوارد ذكرهن في الآية، وأحل له أن ينكح بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وكان تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدد ترى حكمته عند النظر في حركة الدعوة.
عدد زوجات النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
اختلف أهل العلم في عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال البعض: تزوج بخمس وعشرين امرأة وخطب خمسًا وعشرين، وقال البعض: تزوج خمسًا وعشرين امرأة، وكان في ملك يمينه إحدى وعشرين امرأة، وقال البعض: تزوج بخمس عشرة امرأة وقال البعض الآخر: تزوج بثلاث عشرة امرأة غير ما كان في ملك يمينه.
روى صاحب الميزان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة امرأة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم يدخل بهما: فعمرة، وسبا، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن، فأولهن: خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم أم سلمة؛ واسمها هند بنت أبي أمية، ثم أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر، ثم حفصة بنت عمر، ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم زينب بنت عميس، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي بن أخطب، والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية، وريحانة الخندقية.
والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث، وأم حبيب بنت أبي سفيان، وجويرية، وسودة، وصفية، وأفضلهن: خديجة بنت خويلد. ثم أم سلمة ثم ميمونة.
وقال أبو عمر في الاستيعاب: اللواتي لم يختلف أهل العلم فيهن، هن إحدى عشر امرأة تزوجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب، وتوفي في حياته صَلَّى الله عليه وسلم من أزواجه اثنتان: خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده.
وأما اللواتي اختُلِف فيهن ممن ابتنى بها أو فارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد معها، فقد اختُلِف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن، وعن ابن هشام في السيرة: لم يختلف أهل العلم على أنه صَلَّى الله عليه وسلم، تزوج ستًّا من قريش هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وإنه تزوج من العربيات وغيرهن أربع هن: زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وجويرية بنت الحارث، وتزوج من بني إسرائيل واحدة هي: صفية بنت حيي من ولد هارون عليه السلام، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه هما: مارية القبطية، وريحانة.
وبقراءة السيرة وبالنظر في الدعوة في زمن البعثة، يقف الباحث على أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكمه البلاغ، والإنذار، والدعوة إلى الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ببعض هؤلاء الأزواج؛ اكتسابًا للقوة وازديادًا للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء؛ استمالةً للقلوب وتوقيًا من بعض الشرور، وببعض هؤلاء؛ ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش، وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها؛ لتثبيت حكم مشروع وإجراء عملي لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس، كما في تزوجه بزينب بنت جحش.
وبالنظر في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء، نجد أنه تزوج أول ما تزوج بخديجة رضي الله عنها، وعاش معها مقتصرًا عليها نيفا وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة، وكانت سودة مؤمنة مهاجرة، ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر، وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبيدة بن الحارث يوم بدر شهيدًا، وكانت من السيدات الفاضلات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين، فصان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزواجها ماء وجهها، وتزوج بأم سلمة؛ واسمها هند، وكانت من قبل زوجة عبد الله بن عبد الأسد أبي سلمة؛ أول من هاجر إلى الحبشة، توفي من أثر جرح أصابه يوم أحد، وكانت أم سلمة زاهدة فاضلة ذات دين ورأي، فلما توفي عنها زوجها وكانت ذات أيتام تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتزوج بجويرية، واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق، فتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها، فقال المسلمون: هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم جميعا، فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جمعًا غفيرًا، وأثر ذلك أثرا حسنا في سائر العرب، وكان هذا العمل من الأسباب الرئيسة لتصدع جبهة المشركين، وفتح الطريق أمام الدعوة بعد ذلك وأرسلت الرسائل إلى القادة والملوك، وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب من نسل هارون عليه السلام، وكانت في سبي خيبر، فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها، وأقيمت بهذا الزواج حجة دامغة على اليهود كما سيأتي، وتزوج أم حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان، وكانت زوجة عبيد الله بن جحش، وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصَّر عبيد الله هناك، وثبتت هي على الإسلام، وكان أبوها أبو سفيان في مكة يجمع الجموع على الإسلام يومئذ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها، وتزوج بحفصة بنت عمر، وقد مات زوجها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر، وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهى بِكْر، لقد قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة، فأين هذا الانقياد وهذا الداعي؟
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما تزوج بخديجة وعاش معها مقتصرا عليها نيفا وعشرين سنة وهذه المدة هي ثلثا عمره الشريف بعد الزواج، ومن هذه المدة ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين.
وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة، وكان ذلك ما يقرب من عشر سنين، ثم حُرِّم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أن هذه الفعال على هذه الخصوصيات، لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن، والوله بالقرب منهن.
فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك؛ ووفقا لما نشاهده من العادة الجارية بين الناس. إن الرجل المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن؛ هذا الرجل تراه مجذوبا إلى الزينة عشيقا للجمال، حنينا إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة، فإذا نظرنا إلى هذه الخواص التي تتوفر في الرجل المتولع بالنساء نجد أنها لا تنطبق على سيرة النبي الأعظم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بني بالثيب بعد البكر، وبالعجوز بعد الفتاة الشابة؛ فقد بنى بسودة بنت زمعة وهي مسنة. وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يقرب على الخمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وأم حبيبة. وهكذا.
فإذا أضفنا إلى هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم خير نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كُنَّ يردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة؛ على ما يشهد به قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29].
فهذا المعنى أيضا أمام الباحث المتدبر لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صابٍ إلى وصالهن، فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق ــ إذا أنصف ــ إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بين أول أمره وآخر أمره، بعوامل أخرى غير عامل الانقياد لداعي الشهوة حيث الشره والشبق والتلهي.
في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سار النبي بالدعوة في طريق الزهد وترك الزينة وندب نساءه إلى ذلك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 28 ـــ 33].
قال صاحب تفسير الميزان: آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولًا: أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانيًا: أنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف، فإن اتقين الله يؤتين أجرهن مرتين، وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج، والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة.
ونتبين من الآيات أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله تعالى، وإنما الكرامة المقارنة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى، ولذلك لما ذكر سبحانه ثانيا: علو منزلتهن، قيده أيضا بالتقوى فقال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وهذا كقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}، إلى أن قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]؛ حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولًا، ثم قيد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح.
وإتماما للفائدة وإكمالا للغرض، نقدم بعضا من سير أمهات المؤمنين.
أمهات المؤمنين: كنية كرَّم بها القرآن الكريم أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية على أزواج النبي تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلَّى الله عليه وسلم وهو الحكم الوارد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وكان اعتبار زوجات النبي صلَّى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين بمثابة وسامٍ وُضِعَ على صدورهنَّ تكريمًا لهن، وتقديرًا لدورهن في مسيرة الدعوة.
وضعت الشريعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دائرة الأمومة، بمعنى أن كل امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحمل لقب "أم المؤمنين" فيقال: أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين أم سلمة وأم المؤمنين حفصة وأم المؤمنين صفية وأم المؤمنين مارية... الخ، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.
قال صاحب الميزان: معنى قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} جعل تشريعي؛ أي: أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة، لا في جميع الآثار؛ كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم، وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادًا وجدات، وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين.
وقال ابن كثير في تفسير الآية: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام. ولكن لا تجوز الخلوة بهن. ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وإخواتهن بالإجماع.
لقد ادعى بعض المُغرضين أن رسول الإسلام صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يَقنع بما شرعه لأمته من زواج أربع نسوة، حتى تعدى إلى أكثر من عشرة نسوة، وقالوا: إنَّ تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة، ونحن هنا سنلقي بعض الضوء على تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة التي من ورائه، كما نقدم نبذة من تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ونرجو من وراء ذلك أن يرى الباحث المتعمق المنصف أن الزواج لم يكن لداعي الشهوة، وإنما كان جزءًا لا يتجزأ من حركة الدعوة وهي تقيم حجتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى السداد والرشاد فإنه خير معين وهاد.
حكمة تشريع الزواج من أربع نساء:
من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة، فهذا التعدد كان سنة جارية في الهند والصين والفرس ومصر، وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها، ومما لا شك فيه أن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزْيَد، ولقد ذكرت التوراة الحاضرة أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة، موآبية وعمونية وأدومية وصيدونية وحيثية ومصرية إلى غير ذلك.
ولقد جرت سنة اتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر، وأن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته، وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه، فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بُعِثَ النبُي الخاتم صلَّى الله عليه وآله وسلم، وجاء بالدين الفطري قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية، ولما كان المجتمع العائلي ــ الذي هو نفس الحياة الزوجية ــ قاعدة للمجتمع، فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الازدواج موضعه الطبيعي، فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وأقام الإسلام نظامًا للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية، وجعل جميع الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد؛ لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة، ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والانهدام إلا بابتعادها عن التربية الحقة.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على امتداد المسيرة البشرية، فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط، والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما يعرض لهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظًا لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد اعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة؛ لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء، فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج، ونظرًا لأن المرأة الواحدة ربما تعذَّرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة، كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك، رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقا لشروطه، ولم يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب.
واعتمدت الشريعة أيضًا في مقاصدها من ناحية التعدد تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد، وكما ذكرنا أن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنما تقوم قاعدته على العدل، فالإسلام استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها، وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظا لمصلحة المجتمع الإنساني، وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد.
قال صاحب تفسير الميزان: إن الإسلام شرع الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع، بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش، وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك، لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته، فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء، ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة، فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه؛ لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع، فالتعدد دواء لداء معين، ولا يكون صحيا إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة، والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.
حكمة تعدد أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
مما سبق يرى الباحث المتدبر أن الإسلام شرع للمسلمين الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن وإصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، فهذا على مستوى القاعدة ويعم جميع المسلمين، والتعدد على مستوى القاعدة غير التعدد على مستوى القمة وأقصد بها النبوة؛ لأن النبي توفرت فيه جميع الشروط التي تجعله يسوق الناس إلى صراط الله الحميد، فهو أول شخص يخلص الدين لله ويسلم بما يدعو الآخرين إليه.
وعلى هذه الخلفية لا يمكن بحال أن ينطلق التعدد من داعي الشهوة أو يقود إلى داعي الشهوة كما قال بعضهم، ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرسول مؤيد بالعصمة، مصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه، والله تعالى يصونه من الخطأ في جميع أمور الدين وتشريع القوانين، وعلى هذه الخلفية لا يجوز لمقولة داعي الشهوة أن تُطرَح على مائدة البحث.
إن الإسلام أنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن، وفي هذا الباب كان للنبي صلى الله عليه وآله مختصات منعت عنها الأمة، وكان التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة من وسائل تشريع القوانين، ومن باب التعدد خرجت أحاديث عن أمهات المؤمنين تبين حركة الرسول وسكونه في بيته، ورويت الأحاديث الذي تبين قمة العدل والقسط بين النساء، وتبين حسن معاشرتهن ورعاية جانبهن. ورويت أحاديث الإخبار بالغيب وفيها حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه من الفتن، وبين لأمته الأعمال التي تحقق سعادة الدارين.
وهذه الأحاديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث بها وهو يبكي في فراشه، أو وهو يبكي في وجود جبريل عليه السلام، وأن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحته وسكونه وبكائه وما شرعه للمرأة وللطفل وللأسرة، يستند أول ما يستند على تعدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى خلفية تعدد الرواة يمكن للباحث المنصف أن يفهم الحكمة التي وراء تعدد الزوجات في هذا الشأن.
وبالنظر في المسيرة النبوية، وفي تراجم الرجال نجد أن الكفار والمشركين والمنافقين لم يعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعدد زوجاته على الرغم من أنهم كانوا يتربصون به الدوائر، ومن المعروف أنه صلى الله عليه وآله وسلم له مختصات منعت عنها الأمة، وإن حكم الزيادة على الأربع كصوم الوصال وغيره من الأمور التي تختص بالنبي وعلموها وشاهدوها زمن البعثة النبوية.
والباحث في حركة الدعوة يعلم أن مسألة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن الكريم، وللوقوف على الحكمة التي وراء التعدد يجب البحث في كل جهة من الجهات التي أشار إليها القرآن، وبينتها السنة المطهرة، وعلى سبيل المثال ذكر القرآن أن الله تعالى هو الذي زوَّج رسوله صلى الله عليه وآله امرأة زيد، وقد كان زيد هذا يُُدعَى ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني، وكانت زوجة المدعو ابنا في ذلك الحين كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب، فكان حكم الله تعالى وطلق زيد زوجه، وتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله ونزل فيها آيات، وكما أخبر القرآن بأن الله تعالى هو الذي زوج رسوله.
بيَّن القرآن أن الله تعالى حرم على رسوله بعد اللاتي اخترن الله ورسوله، ولا أن يطلق بعضهن ويتزوج مكانها من غيرهن.
وبالجملة: أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي أمر بالزواج، وإنه تعالى زوج إحداهن من رسوله، وأنه جل شأنه هو الذي حرم على الرسول الزيادة والتبديل، فما لهؤلاء لا يفقهون حديثًا، ومن الآيات القرآنية التي تدلل على ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا. لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 50 ـــ 52].
قال صاحب تفسير الميزان: أحل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أصناف من النساء:
الصنف الأول: ما في قوله: {أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] والمراد بالأجور: المهور.
الثاني: ما في قوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أي: من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال، وذكر ابن كثير في تفسيره: إن الله أباح له التسري مما أخذ من المغانم، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك مارية القبطية أم ابنه إبراهيم وكانت من السراري رضي الله عنها.
الثالث، والرابع: ما في قوله: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} قيل: يعني نساء قريش.
الخامس، والسادس: ما في قوله: {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} قيل: يعني نساء بني زهرة، وقوله: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قال في المجمع: هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.
السابع: ما في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بمعنى: إن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر، فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها، وقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} إيذانًا بأن هذا الحكم، أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس، من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجرى في المؤمنين.
وقوله تعالى بعده: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} تقرير لحكم الاختصاص وقوله تعالى: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} تعليل لقوله في صدر الآية: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص، وذكر ابن كثير قول قتادة في قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} بالسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده، وقال ابن كثير: إن المراد بقوله: {تُرْجِي} أي تؤخر في: {مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ}؛ أي: من الواهبات {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} أي من شئت قَبِلْتَهَا ومن شئت رددتها، وقوله تعالى: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي: ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها، فلا إثم عليك ولا لوم، أي: يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد، ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه، وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء، ويعزل بعضهن من القسم، فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل، وهو أفقه لقوله بعده: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ...} الآية؛ وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له، ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد.
وذكر ابن كثير في معنى الآية: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ} أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم، لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيار منك لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به وحملن معروفك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها؛ تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من خيرهن فاخترن الله، ونفي التبدل بهن يؤيد ذلك، لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} الآية، كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات.
وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت إن المراد بالآية: محرمات النساء المعدودة في قوله تعالى من سورة النساء [آية 23]: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الآية، وقوله تعالى: {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} أي: أن تطلق بعضهن، وتزوج مكانها من غيرهن، وقوله{إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني: الإماء، وهو استثناء من قوله في صدر الآية {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ}.
وذكر ابن كثير في تفسيره: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ}؛ أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك.وبنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات والواهبة، وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك، وهذا مروي عن أبيِّ بن كعب ومجاهد، وروي عن رجل من الأنصار قال، قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج؟ فقال: وما يمنعه من ذلك؟ قال: قلت: قول الله تعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ} فقال: إنما أحل له ضربًا من النساء، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إلى قوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} ثم قيل له: {يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ}.
وروى ابن كثير عن أبي النضر عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم، وذكر ابن كثير لدى قوله تعالى: {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قال: نهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن واستبدال غيرها بها، إلا ما ملكت يمينه.
مما سبق يعلم الباحث المتدبر، أن الأمر لله، أحل سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من أصناف النساء الوارد ذكرهن في الآية، وأحل له أن ينكح بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وكان تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدد ترى حكمته عند النظر في حركة الدعوة.
عدد زوجات النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
اختلف أهل العلم في عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال البعض: تزوج بخمس وعشرين امرأة وخطب خمسًا وعشرين، وقال البعض: تزوج خمسًا وعشرين امرأة، وكان في ملك يمينه إحدى وعشرين امرأة، وقال البعض: تزوج بخمس عشرة امرأة وقال البعض الآخر: تزوج بثلاث عشرة امرأة غير ما كان في ملك يمينه.
روى صاحب الميزان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة امرأة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم يدخل بهما: فعمرة، وسبا، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن، فأولهن: خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم أم سلمة؛ واسمها هند بنت أبي أمية، ثم أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر، ثم حفصة بنت عمر، ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم زينب بنت عميس، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي بن أخطب، والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية، وريحانة الخندقية.
والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث، وأم حبيب بنت أبي سفيان، وجويرية، وسودة، وصفية، وأفضلهن: خديجة بنت خويلد. ثم أم سلمة ثم ميمونة.
وقال أبو عمر في الاستيعاب: اللواتي لم يختلف أهل العلم فيهن، هن إحدى عشر امرأة تزوجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب، وتوفي في حياته صَلَّى الله عليه وسلم من أزواجه اثنتان: خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده.
وأما اللواتي اختُلِف فيهن ممن ابتنى بها أو فارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد معها، فقد اختُلِف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن، وعن ابن هشام في السيرة: لم يختلف أهل العلم على أنه صَلَّى الله عليه وسلم، تزوج ستًّا من قريش هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وإنه تزوج من العربيات وغيرهن أربع هن: زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وجويرية بنت الحارث، وتزوج من بني إسرائيل واحدة هي: صفية بنت حيي من ولد هارون عليه السلام، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه هما: مارية القبطية، وريحانة.
وبقراءة السيرة وبالنظر في الدعوة في زمن البعثة، يقف الباحث على أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكمه البلاغ، والإنذار، والدعوة إلى الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ببعض هؤلاء الأزواج؛ اكتسابًا للقوة وازديادًا للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء؛ استمالةً للقلوب وتوقيًا من بعض الشرور، وببعض هؤلاء؛ ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش، وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها؛ لتثبيت حكم مشروع وإجراء عملي لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس، كما في تزوجه بزينب بنت جحش.
وبالنظر في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء، نجد أنه تزوج أول ما تزوج بخديجة رضي الله عنها، وعاش معها مقتصرًا عليها نيفا وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة، وكانت سودة مؤمنة مهاجرة، ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر، وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبيدة بن الحارث يوم بدر شهيدًا، وكانت من السيدات الفاضلات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين، فصان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزواجها ماء وجهها، وتزوج بأم سلمة؛ واسمها هند، وكانت من قبل زوجة عبد الله بن عبد الأسد أبي سلمة؛ أول من هاجر إلى الحبشة، توفي من أثر جرح أصابه يوم أحد، وكانت أم سلمة زاهدة فاضلة ذات دين ورأي، فلما توفي عنها زوجها وكانت ذات أيتام تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتزوج بجويرية، واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق، فتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها، فقال المسلمون: هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم جميعا، فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جمعًا غفيرًا، وأثر ذلك أثرا حسنا في سائر العرب، وكان هذا العمل من الأسباب الرئيسة لتصدع جبهة المشركين، وفتح الطريق أمام الدعوة بعد ذلك وأرسلت الرسائل إلى القادة والملوك، وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب من نسل هارون عليه السلام، وكانت في سبي خيبر، فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها، وأقيمت بهذا الزواج حجة دامغة على اليهود كما سيأتي، وتزوج أم حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان، وكانت زوجة عبيد الله بن جحش، وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصَّر عبيد الله هناك، وثبتت هي على الإسلام، وكان أبوها أبو سفيان في مكة يجمع الجموع على الإسلام يومئذ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها، وتزوج بحفصة بنت عمر، وقد مات زوجها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر، وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهى بِكْر، لقد قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة، فأين هذا الانقياد وهذا الداعي؟
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما تزوج بخديجة وعاش معها مقتصرا عليها نيفا وعشرين سنة وهذه المدة هي ثلثا عمره الشريف بعد الزواج، ومن هذه المدة ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين.
وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة، وكان ذلك ما يقرب من عشر سنين، ثم حُرِّم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أن هذه الفعال على هذه الخصوصيات، لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن، والوله بالقرب منهن.
فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك؛ ووفقا لما نشاهده من العادة الجارية بين الناس. إن الرجل المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن؛ هذا الرجل تراه مجذوبا إلى الزينة عشيقا للجمال، حنينا إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة، فإذا نظرنا إلى هذه الخواص التي تتوفر في الرجل المتولع بالنساء نجد أنها لا تنطبق على سيرة النبي الأعظم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بني بالثيب بعد البكر، وبالعجوز بعد الفتاة الشابة؛ فقد بنى بسودة بنت زمعة وهي مسنة. وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يقرب على الخمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وأم حبيبة. وهكذا.
فإذا أضفنا إلى هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم خير نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كُنَّ يردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة؛ على ما يشهد به قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29].
فهذا المعنى أيضا أمام الباحث المتدبر لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صابٍ إلى وصالهن، فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق ــ إذا أنصف ــ إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بين أول أمره وآخر أمره، بعوامل أخرى غير عامل الانقياد لداعي الشهوة حيث الشره والشبق والتلهي.
في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سار النبي بالدعوة في طريق الزهد وترك الزينة وندب نساءه إلى ذلك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 28 ـــ 33].
قال صاحب تفسير الميزان: آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولًا: أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانيًا: أنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف، فإن اتقين الله يؤتين أجرهن مرتين، وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج، والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة.
ونتبين من الآيات أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله تعالى، وإنما الكرامة المقارنة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى، ولذلك لما ذكر سبحانه ثانيا: علو منزلتهن، قيده أيضا بالتقوى فقال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وهذا كقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}، إلى أن قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]؛ حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولًا، ثم قيد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح.
وإتماما للفائدة وإكمالا للغرض، نقدم بعضا من سير أمهات المؤمنين.
مواضيع مماثلة
» جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي
» "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى
» قوله صلى الله عليه وسلم : (( بني الإسلام على خمس ))
» عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى طيب
» عن المسيب ان ابا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلي الله عليه وسلم وعنده ابوجهل فقال
» "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى
» قوله صلى الله عليه وسلم : (( بني الإسلام على خمس ))
» عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى طيب
» عن المسيب ان ابا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلي الله عليه وسلم وعنده ابوجهل فقال
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin