بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 5 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 5 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
[ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ]
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن
يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن
إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، "
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا "
فيطمع أبو بكر أن يكونه.
[ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت
له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ،
عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا
فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له
وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه
بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟
قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن
لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل .
ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة .
ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام .
ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام .
ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش .
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما
نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال
فتشاوروا .
ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ،
ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء
الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من
أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في
غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ،
فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا
منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب
الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ،
فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى
يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه
رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم
وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة
فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم
يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا
فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب
قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي :
القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم
مجمعون له .
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه
الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل
اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب ( نم على فراشي وتسج ببردي هذا
الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ) وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن
إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له
وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه
على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان
كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم
جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى
على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو
هؤلاء الآيات من يس : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط
مستقيم تنزيل العزيز الرحيم " إلى قوله " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " حتى
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا
وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم
يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله
خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق
لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه
تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا
كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان
صدقنا الذي حدثنا .
[ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ]
قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما
كانوا أجمعوا له " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وقول الله عز وجل " أم يقولون
شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " .
قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها .
قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة .
[ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك .
[ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت
أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن
فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري
قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي
فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول
الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في
الخروج والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت
فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر
يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ،
فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما ).
[ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر .
أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه
وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة
أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله
عليه وسلم .
[ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ]
قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا
بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور -
جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع
لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم
من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما
، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام
إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه .
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
[ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ]
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن
يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن
إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، "
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا "
فيطمع أبو بكر أن يكونه.
[ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت
له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ،
عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا
فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له
وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه
بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟
قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن
لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل .
ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة .
ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام .
ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام .
ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش .
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما
نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال
فتشاوروا .
ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ،
ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء
الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من
أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في
غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ،
فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا
منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب
الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ،
فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى
يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه
رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم
وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة
فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم
يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا
فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب
قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي :
القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم
مجمعون له .
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه
الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل
اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب ( نم على فراشي وتسج ببردي هذا
الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ) وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن
إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له
وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه
على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان
كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم
جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى
على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو
هؤلاء الآيات من يس : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط
مستقيم تنزيل العزيز الرحيم " إلى قوله " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " حتى
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا
وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم
يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله
خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق
لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه
تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا
كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان
صدقنا الذي حدثنا .
[ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ]
قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما
كانوا أجمعوا له " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وقول الله عز وجل " أم يقولون
شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " .
قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها .
قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة .
[ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك .
[ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت
أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن
فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري
قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي
فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول
الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في
الخروج والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت
فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر
يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ،
فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما ).
[ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر .
أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه
وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة
أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله
عليه وسلم .
[ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ]
قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا
بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور -
جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع
لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم
من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما
، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام
إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه .
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضى الله عنه
لما علم كفار قريش أن رسول الله صلى عليه وسلم صارت له شيعة وأنصار من
غيرهم، ورأوا مهاجرة أصحابه إلى أولئك الأنصار الذين بايعوه على المدافعة
عنه حتى الموت، اجتمع رؤساهم وكبارهم في دار الندوة، وهي دار بناها قصي بن
كلاب، كانوا يجتمعون فيها عند ما ينزل بهم حادث مهم، اجتمعوا ليتشاوروا
فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال قائل منهم: نحبسه
مكبلا بالحديد حتى يموت، وقال آخر: نخرجه وننفيه من بلادنا، فقال أحد
كبرائهم: ما هذا ولا ذاك برأي؛ لأنه إن حُبس ظهر خبره فيأتي أصحابه
وينتزعونه من بين أيديكم، وإن نُفي لم تأمنوا أن يتغلب على من يحل بحيهم من
العرب؛ بحسن حديثه وحلاوة منطقه حتى يتبعوه فيسير بهم إليكم، فقال الطاغية
أبو جهل: الرأي أن نختار من كل قبيلة فتى جلداً ثم يضربه أولئك الفتيان
ضربة رجل واحد؛ فيتفرق دمه في القبائل جميعاً؛ فلا يقدر بنو عبد مناف على
حرب جميع القبائل.
فأعجبهم هذا الرأي واتفقوا جميعاً وعينوا
الفتيان والليلة التي أرادوا تنفيذ هذا الأمر في سَحَرها، فأعلم الله تعالى
رسوله صلى الله عليه وسلم بما أجمع عليه أعداؤه، وأذنه سبحانه وتعالى
بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة)، فذهب إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه
وأخبره وأذن له أن يصحبه، واتفقا على إعداد الراحلتين اللتين هيأهما أبو
بكر الصديق لذلك، واختارا دليلا يسلك بهما أقرب الطرق، وتواعدا على أن
يبتدئا السير في الليلة التي اتفقت قريش عليها.
وفي تلك الليلة
أمر عليه الصلاة والسلام ابن عمه على ابن أبي طالب أن ينام في مكانه ويتغطى
بغطائه حتى لا يشعر أحد بمبارحته بيته. ثم خرج صلى الله عليه وسلم، وفتيان
قريش متجمهرون على باب بيته وهو يتلو سورة (يس)، فلم يكد يصل إليهم حتى
بلغ قوله تعالى: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)، فجعل يكررها
حتى ألقى الله تعالى عليهم النوم وعميت أبصارهم فلم يبصروه ولم يشعروا به،
وتوجه إلى دار أبي بكر وخرجا معاً من خوخة في ظهر البيت، وتوجها إلى جبل
ثور بأسفل مكة فدخلا في غاره.
وأصبحت فتيان قريش تنتظر خروجه صلى
الله عليه وسلم، فلما تبين لقريش أن فتيانهم إنما باتوا يحرسون على بن أبي
طالب لا محمداً صلى الله عليه وسلم هاجت عواطفهم، وارتبكوا في أمرهم، ثم
أرسلوا رسلهم في طلبه والبحث عنه من جميع الجهات، وجعلوا لمن يأتيهم به
مائة ناقة، فذهبت رسلهم تقتفي أثره، وقد وصل بعضهم إلى ذلك الغار الصغير
الذي لو التفت فيه قليلا لرأى من فيه.
فحزن أبو بكر الصديق رضى
الله عنه لظنه أنهم قد أدركوهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)، فصرف الله تعالى أبصار هؤلاء القوم
وبصائرهم حتى لم يلتفت إلى داخل ذلك الغار أحد منهم، بل جزم طاغيتهم أمية
بن خلف بأنه لا يمكن اختفاؤهما به لِمَا رأوه من نسج العنكبوت وتعشيش
الحمام على بابه.
وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه
بالغار ثلاث ليال حتى ينقطع طلب القوم عنهما، وكان يبيت عندهما عبد الله بن
أبي بكر ثم يصبح في القوم ويستمع منهم الأخبار عن رسول الله وصاحبه
فيأتيهما كل ليلة بما سمع، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام في كل
ليلة من هذه الليالي، وقد أمر عبد الله بن أبي بكر غلامه بأن يرعى الغنم
ويأتى بها إلى ذلك الغار ليختفي أثره وأثر أسماء.
وفي صبيحة
الليلة الثالثة من مبيت رسول الله عليه وسلم وصاحبه بالغار، وهي صبيحة يوم
الاثنين في الأسبوع الأول من ربيع الأول سنة الهجرة (وهي سنة ثلاث وخمسين
من مولده صلى الله عليه وسلم، وسنة ثلاث عشرة من البعثة المحمدية) جاءهما
بالراحلتين عامر بن فهيرة مولى أبي بكر؛ وعبد الله بن أريقط الذي استأجراه
ليدلهما على الطريق، فركبا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة ليخدمهما، وسلك
بهما الدليل أسفل مكة، ثم مضى بهما في طريق الساحل.
وبينما هم في
الطريق إذ لحقهم سراقة بن مالك المدلجى؛ لأنه سمع في أحد مجالس قريش قائلا
يقول: إني رأيت أسودة بالساحل أظنها محمدا وأصحابه. فلما قرب منهم عثرت
فرسه حتى سقط عنها، ثم ركبها وسار حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
وهو لايلتفت وأبوبكر يكثر الالتفات، فساخت قوائم فرس سراقة في الأرض فسقط
عنها، ولم تنهض إلا بعد أن استغاث صاحبها بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد
شاهد غباراً يتصاعد كالدخان من آثار خروج قوائم فرسه من الأرض، فداخله رعب
شديد ونادى بطلب الأمان، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى
جاءهم وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يقبلا منه شيئاً؛ وإنما قالا له: اكتم
عنا، فسألهم كتاب أمن؛ فكتب له أبو بكر ما طلب بأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وعاد سراقة من حيث أتى كاتما ما رأى، وقد أخبر أبا جهل فيما
بعد، وقد أسلم سراقة يوم فتح مكة وحسن إسلامه.
[ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ]
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن
يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن
إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، "
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا "
فيطمع أبو بكر أن يكونه.
[ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت
له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ،
عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا
فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له
وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه
بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟
قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن
لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل .
ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة .
ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام .
ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام .
ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش .
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما
نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال
فتشاوروا .
ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ،
ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء
الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من
أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في
غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ،
فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا
منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب
الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ،
فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى
يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه
رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم
وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة
فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم
يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا
فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب
قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي :
القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم
مجمعون له .
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه
الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل
اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب ( نم على فراشي وتسج ببردي هذا
الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ) وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن
إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له
وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه
على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان
كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم
جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى
على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو
هؤلاء الآيات من يس : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط
مستقيم تنزيل العزيز الرحيم " إلى قوله " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " حتى
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا
وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم
يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله
خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق
لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه
تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا
كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان
صدقنا الذي حدثنا .
[ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ]
قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما
كانوا أجمعوا له " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وقول الله عز وجل " أم يقولون
شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " .
قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها .
قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة .
[ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك .
[ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت
أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن
فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري
قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي
فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول
الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في
الخروج والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت
فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر
يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ،
فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما ).
[ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر .
أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه
وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة
أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله
عليه وسلم .
[ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ]
قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا
بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور -
جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع
لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم
من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما
، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام
إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه .
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
[ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ]
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن
يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن
إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، "
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا "
فيطمع أبو بكر أن يكونه.
[ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت
له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ،
عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا
فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له
وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه
بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟
قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن
لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها
أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو
سفيان بن حرب .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل .
ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة .
ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام .
ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام .
ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش .
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما
نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال
فتشاوروا .
ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ،
ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة
ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء
الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من
أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في
غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ،
فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا
منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا
والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب
الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ،
فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى
يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه
رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم
وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة
فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم
يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا
فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب
قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي :
القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم
مجمعون له .
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه
الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل
اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب ( نم على فراشي وتسج ببردي هذا
الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ) وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن
إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له
وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه
على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان
كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم
جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى
على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو
هؤلاء الآيات من يس : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط
مستقيم تنزيل العزيز الرحيم " إلى قوله " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " حتى
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا
وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم
يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله
خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق
لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه
تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا
كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان
صدقنا الذي حدثنا .
[ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ]
قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما
كانوا أجمعوا له " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وقول الله عز وجل " أم يقولون
شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " .
قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها .
قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة .
[ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك .
[ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت
أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن
فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري
قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي
فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول
الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في
الخروج والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت
فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر
يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من
بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ،
فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما ).
[ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر .
أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه
وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة
أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله
عليه وسلم .
[ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ]
قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا
بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور -
جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع
لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم
من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما
، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام
إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه .
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضى الله عنه
لما علم كفار قريش أن رسول الله صلى عليه وسلم صارت له شيعة وأنصار من
غيرهم، ورأوا مهاجرة أصحابه إلى أولئك الأنصار الذين بايعوه على المدافعة
عنه حتى الموت، اجتمع رؤساهم وكبارهم في دار الندوة، وهي دار بناها قصي بن
كلاب، كانوا يجتمعون فيها عند ما ينزل بهم حادث مهم، اجتمعوا ليتشاوروا
فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال قائل منهم: نحبسه
مكبلا بالحديد حتى يموت، وقال آخر: نخرجه وننفيه من بلادنا، فقال أحد
كبرائهم: ما هذا ولا ذاك برأي؛ لأنه إن حُبس ظهر خبره فيأتي أصحابه
وينتزعونه من بين أيديكم، وإن نُفي لم تأمنوا أن يتغلب على من يحل بحيهم من
العرب؛ بحسن حديثه وحلاوة منطقه حتى يتبعوه فيسير بهم إليكم، فقال الطاغية
أبو جهل: الرأي أن نختار من كل قبيلة فتى جلداً ثم يضربه أولئك الفتيان
ضربة رجل واحد؛ فيتفرق دمه في القبائل جميعاً؛ فلا يقدر بنو عبد مناف على
حرب جميع القبائل.
فأعجبهم هذا الرأي واتفقوا جميعاً وعينوا
الفتيان والليلة التي أرادوا تنفيذ هذا الأمر في سَحَرها، فأعلم الله تعالى
رسوله صلى الله عليه وسلم بما أجمع عليه أعداؤه، وأذنه سبحانه وتعالى
بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة)، فذهب إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه
وأخبره وأذن له أن يصحبه، واتفقا على إعداد الراحلتين اللتين هيأهما أبو
بكر الصديق لذلك، واختارا دليلا يسلك بهما أقرب الطرق، وتواعدا على أن
يبتدئا السير في الليلة التي اتفقت قريش عليها.
وفي تلك الليلة
أمر عليه الصلاة والسلام ابن عمه على ابن أبي طالب أن ينام في مكانه ويتغطى
بغطائه حتى لا يشعر أحد بمبارحته بيته. ثم خرج صلى الله عليه وسلم، وفتيان
قريش متجمهرون على باب بيته وهو يتلو سورة (يس)، فلم يكد يصل إليهم حتى
بلغ قوله تعالى: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)، فجعل يكررها
حتى ألقى الله تعالى عليهم النوم وعميت أبصارهم فلم يبصروه ولم يشعروا به،
وتوجه إلى دار أبي بكر وخرجا معاً من خوخة في ظهر البيت، وتوجها إلى جبل
ثور بأسفل مكة فدخلا في غاره.
وأصبحت فتيان قريش تنتظر خروجه صلى
الله عليه وسلم، فلما تبين لقريش أن فتيانهم إنما باتوا يحرسون على بن أبي
طالب لا محمداً صلى الله عليه وسلم هاجت عواطفهم، وارتبكوا في أمرهم، ثم
أرسلوا رسلهم في طلبه والبحث عنه من جميع الجهات، وجعلوا لمن يأتيهم به
مائة ناقة، فذهبت رسلهم تقتفي أثره، وقد وصل بعضهم إلى ذلك الغار الصغير
الذي لو التفت فيه قليلا لرأى من فيه.
فحزن أبو بكر الصديق رضى
الله عنه لظنه أنهم قد أدركوهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)، فصرف الله تعالى أبصار هؤلاء القوم
وبصائرهم حتى لم يلتفت إلى داخل ذلك الغار أحد منهم، بل جزم طاغيتهم أمية
بن خلف بأنه لا يمكن اختفاؤهما به لِمَا رأوه من نسج العنكبوت وتعشيش
الحمام على بابه.
وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه
بالغار ثلاث ليال حتى ينقطع طلب القوم عنهما، وكان يبيت عندهما عبد الله بن
أبي بكر ثم يصبح في القوم ويستمع منهم الأخبار عن رسول الله وصاحبه
فيأتيهما كل ليلة بما سمع، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام في كل
ليلة من هذه الليالي، وقد أمر عبد الله بن أبي بكر غلامه بأن يرعى الغنم
ويأتى بها إلى ذلك الغار ليختفي أثره وأثر أسماء.
وفي صبيحة
الليلة الثالثة من مبيت رسول الله عليه وسلم وصاحبه بالغار، وهي صبيحة يوم
الاثنين في الأسبوع الأول من ربيع الأول سنة الهجرة (وهي سنة ثلاث وخمسين
من مولده صلى الله عليه وسلم، وسنة ثلاث عشرة من البعثة المحمدية) جاءهما
بالراحلتين عامر بن فهيرة مولى أبي بكر؛ وعبد الله بن أريقط الذي استأجراه
ليدلهما على الطريق، فركبا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة ليخدمهما، وسلك
بهما الدليل أسفل مكة، ثم مضى بهما في طريق الساحل.
وبينما هم في
الطريق إذ لحقهم سراقة بن مالك المدلجى؛ لأنه سمع في أحد مجالس قريش قائلا
يقول: إني رأيت أسودة بالساحل أظنها محمدا وأصحابه. فلما قرب منهم عثرت
فرسه حتى سقط عنها، ثم ركبها وسار حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
وهو لايلتفت وأبوبكر يكثر الالتفات، فساخت قوائم فرس سراقة في الأرض فسقط
عنها، ولم تنهض إلا بعد أن استغاث صاحبها بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد
شاهد غباراً يتصاعد كالدخان من آثار خروج قوائم فرسه من الأرض، فداخله رعب
شديد ونادى بطلب الأمان، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى
جاءهم وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يقبلا منه شيئاً؛ وإنما قالا له: اكتم
عنا، فسألهم كتاب أمن؛ فكتب له أبو بكر ما طلب بأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وعاد سراقة من حيث أتى كاتما ما رأى، وقد أخبر أبا جهل فيما
بعد، وقد أسلم سراقة يوم فتح مكة وحسن إسلامه.
مواضيع مماثلة
» وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
» الرسول – صلى الله عليه وسلم- القدوة
» معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
» بعض من حياة الرسول"صلى الله عليه وسلم
» سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
» الرسول – صلى الله عليه وسلم- القدوة
» معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
» بعض من حياة الرسول"صلى الله عليه وسلم
» سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin