بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 34 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 34 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
فتنة الدجال
صفحة 1 من اصل 1
فتنة الدجال
فتنة الدجال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعـد
ومن علامات الساعة فتنة الدجال، ولكن هذه العلامة لها شأن آخر غير سابقاتها من العلامات، حيث إن كل ما سبق الحديث عنه من أشراط الساعة كان يندرج تحت علامات الساعة الصغرى، ولكن هنا سنتكلم بمشيئة الله تعالى عن أول علامة من علامات الساعة الكبرى، وهي ظهور الدجال - عليه لعنة الله - ولعله تجدر الإشارة هنا إلى الاختلاف بين علامات الساعة الكبرى والصغرى منها:
أن علامات الساعة الكبرى متتابعة - يتبع بعضُها بعضاً الواحدة تلوالآخرى كما أخبر بذلك رسول الله × قائلا: {الآيات خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضا}[1].
ومعنى الحديث أن النبي r شبه أشراط الساعة كسلسلة فيها خرزات أوكالمسبحة إذا انقطعت السلسلة تتابع الحبات بالسقوط، وهذه إشارة منه r على سرعة تتابع علامات الساعة الكبرى بل قد تجتمع أكثر من علامة في آن واحد مثل خروج المسيح الدجال عليه لعنة الله، ونزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويعاصر عيسى # أيضاً خروج ويأجوج ومأجوج لعنهم الله لعناً كبيرا.
كما أن علامات الساعة الصغرى تختلف عن الكبرى في كونها كثيرة ومتباعدة وقد اختلف بعض اهل العلم على بعضها من حيث التصحيح والتضعيف وكذلك التأويل، أما علامات الساعة الكبرى فهي محصورة منظومة لا يكاد يختلف عليها اثنان من أهل العلم بل لم يختلفوا عليها، لأنها جاءت محصورة في هذا الحديث الذي رواه مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي r علينا ونحن نتذاكر فقال: {ما تذكرون}؟. قالوا: نذكر الساعة. قال: {إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم} . وفي رواية: {نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر} وفي رواية في العاشرة {وريح تلقي الناس في البحر} .
وفي هذا الحديث ذكر رسول الله r العلامات دون ترتيب، ولكن جاء من طرق أخرى من أحاديث الصحابة ومن أقوال أهل العلم ما بين ذلك الترتيب وكذلك جاءت أحاديث نبوية تبين ضمنياً ترتيب تلك العلامات والتي سيكون أولها (خروج المسيح الدجال)، وهوما سنبدأ الحديث عنه إن شاء الله تعالى.
ومما يميز هذه العلامات– أي علامات الساعة الكبرى عن أخواتها الصغرى - أنَّ في أشراط الساعة الصغرى لا يحدث أي تغير يذكر في هذا الكون من الأمور المعلومة بين الناس مما كان عليه الكون منذ أن أوجده الله تعالى، أما في علامات الساعة الكبرى سيحدث هناك تغيير لبعض الأمور التي هي مألوفة عند الناس، مثل: تغيير في شروق للشمس وغروبها، ومن تَكَلُّم الدواب والمواشي والسباع للإنس، ومن تسيير الجبال ووقوفها وكذلك النار تقيل مع الناس حيث قالوا وتسير معهم حيث ساروا، إلى غير ذلك مما سنذكره إن شاء الله تعالى في هذه العلامات. وإليكم التفاصيل:
المسيح الدجال: لماذا سميَّ بالمسيح وما أصل اشتقاق كلمة الدجال؟
كلمة (المسيح) تطلق على الدجال وتطلق على عيسى بن مريم #، فإذا أريد بها الدجال، قيل (المسيح الدجال) أو- مسيح الضلالة -، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، وإذا أريد بها عيسى بن مريم #، قيل (المسيح ابن مريم)، أو- مسيح الهدى -، وبعض الناس يتنطعون في هذا ويكلِّفون أنفسهم بما لا علم لها به حيث أرادوا أن يفرِّقوا بين المسيح الدجال والمسيح عيسى بن مريم فقالوا بدل كلمة (المسيح)، - المسيخ-: غير الحاء إلى خاء وهذا من بدع القول ومن المحدثات التي لم يأت بها نص شرعي من حديث للنبي r ولا من الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون فيجب التوقف على ما سمَّاه به الحبيب المصطفى r (المسيح الدجال) أو- مسيح الضلالة - وجاء في فتح الباري قال الحافظ ابن حجر(20/136): وبالغ القاضي بن العربي فقال: ضل قوم فرووه المسيخ بالخاء المعجمة وشدد بعضهم السين ليفرقوا بينه وبين المسيح عيسى بن مريم بزعمهم، وقد فرق النبي r بينهما بقوله في الدجال مسيح الضلالة فدل على أن عيسى مسيح الهدى فأراد هؤلاء تعظيم عيسى فحرفوا الحديث.
ومعنى المسيح المنسوبة للدجال إما أن يكون سمي بها لأنه ممسوح العين اليمنى طافئة لا شعاع لها، ممسوح الحاجب الأيمن، أولأنه يسيح في الأرض كلها.
وكلمة (الدجال): أصلها التغطية كما أورد صاحب كتاب لسان العرب، ومعنى الدجال أي الكذَّاب، والكذَّاب هوالذي يغطي حقيقة الشيء بالكذب ويموِّهه، يموه الحق بالباطل.
وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي r التي تخبر عن الدجال وخروجه ووصفه إلى غير ذلك ما بلغ منها درجة التواتر، فقد نقل أحاديثه أكثر من ثلاثين صحابيا رضوان الله عليهم أجمعين، والمسيح الدجال حي الآن يرزق بل كان حياً في عصر النبوة، نبوة محمد r، ولكنه محبوس إلى أجل مسمى، إلى أجل موقوت وقته الله تعالى لخروجه، الله أعلم به.
وهناك علامة عامة ومعنوية لموعد خروجه أوقرب خروجه وهي: قوله عليه الصلاة والسلام: {لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر}. رواه عبد الله بن أحمد وصححه ابن معين وذكر الألباني في كتاب قصة المسيح الدجال.
وقال رحمه الله تعالى: ولقد صدق هذا الخبر على أئمة المساجد، فتركوا ذكر الدجال على المنابر وهم خاصَّة الناس؛ فماذا يكون عامتهم؟! وإذا كان الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سبباً؛ فلست أشك أن سبب هذا الإهمال لذكره – مع اهتمام الرسول r أشد الاهتمام في التحذير من فتته، كما ستراه فيما يأتي في أول قصته – إنما هوتشكيك بعض الخَّاصة في الأحاديث الواردة فيه، تارة في ثبوتها وعدم ورودها بطريق التواتر – زعموا – وتارة في دلالتها كما تقدم بيانه، فكان من الواجب أن يقوم أهل العلم بواجبهم، فيبينوا للأمة ما حدثهم به رسول الله r من فتنة الدجال وقتل عيسى # إياه؛ بنفس الطريق التي تتلقي الأمة به عن النبي r كل ما يتعلق بدينها – من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وغيرها، ألا وهوالحديث النبوي.
وهناك علامتان فعليتان بيَّنها لنا الحبيب المصطفىr أول تلك العلامتين أن وقت خروجه بعد فتح المؤمنين لقسطنطينة كما بينا آنفاً وهذه العلامة الأكثر تأكيداً ، حيث جاء عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهr : {عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجال}[2].
والعلامة الثانية: تبدأ قبل خروج الدجال بثلاث سنوات وهي مجيء سنوات الجدب والقحط والجوع والبلاء والغلاء كما بينه الحبيب المصطفىr في هذا الحديث الذي قال فيه: {… وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظلف التهليل والتكبير والتحميد ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام} [3].
فعلامة خروج الدجال إذاً الفساد العام في الأرض والاضطرابات، والفتن والحروب والمجاعات، وجفاف الأنهار والبحيرات، وتزايد المشاكل والأزمات العالمية، هذا هوالمناخ المناسب لظهور هذا الكائن الشيطاني الذي تكون عامة فتنته في المأكل والمشرب، نسأل الله العافية.
الدجال إذن هومحبوس الآن ومكان حبسه دَيْر بجزيرة، أين هذا الدير؟ ومن الذي حبسه؟ استمع لهذا الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس حيث قالت: سمعت منادي رسول الله r : ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول اللهr جلس على المنبر وهويضحك؛ فقال: {ليلزم كل إنسان مصلاه} . ثم قال: {هل تدرون لم جمعتكم}؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: {إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، فأرفؤوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب سفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرا، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا في الدير، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال: أخبروني عن نخل بيسان – وهي منطقة في فلسطين يكثر فيها زراعة النخيل – قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما أنها توشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية – وهذه البحيرة في فلسطين وقريبة من الأراضي السورية - قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قلنا هي كثيرة الماء. قال: أما أن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر – وهذه العين في فلسطين أيضاً قريبة من الحدود السورية -. قالوا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهله يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونزل يثرب - أي المدينة المنورة -. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما أن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال، وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، هما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أوواحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها}. قال رسول الله r - وطعن بمخصرته في المنبر -: {هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة} يعني -المدينة - {ألا هل كنت حدثتكم}؟ فقال الناس: نعم! فإنه أعجبني حديث تميم{ أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشأم أوبحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ماهو، من قبل المشرق ماهو، من قبل المشرق ماهو}(وأومأ بيده إلى المشرق) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى في سنن الترمذي وهي صحيحة، عن فاطمة بنت قيس أن نبي اللهr صعد المنبر فضحك فقال: {إن تميما الداري حدثني بحديث ففرحت فأحببت أن أحدثكم، حدثني أن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها فقالوا ما أنت قالت أنا الجساسة قالوا فأخبرينا قالت لا أخبركم ولا أستخبركم ولكن ائتوا أقصى القرية فإن ثم من يخبركم ويستخبركم فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة فقال أخبروني عن عين زغر قلنا ملأى تدفق قال أخبروني عن البحيرة قلنا ملأى تدفق قال أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين هل أطعم قلنا نعم قال أخبروني عن النبي هل بعث قلنا نعم قال أخبروني كيف الناس إليه قلنا سراع قال فنزى نزوة حتى كاد قلنا فما أنت قال أنا الدجال وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة وطيبة المدينة}.
إخوتي في الله! نعلق على بعض النقط في هذا الحديث بإيجاز حيث إن فقرات هذا الحديث مفهومة على الأغلب عند الجميع.
أولاً: هل الدجال الذي رآه تميم الداري هوابن صياد اليهودي؟ وابن صياد هذا غلام يهودي كان يسكن المدينة المنورة في عهد رسول الله r ، وكان فيه صفات المسيح الدجال وكان كاهناً ودجالاً من الدجاجلة واشتبه أمره على الصحابة بل وعلى النبيr حيث لم يوح إليه فيه شيء. قال النووي: (قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي لم يوح إليه من أمره بشيء، وذلك استناداً لما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي مر بابن صائد في نفر من أصحابه، فيهم عمر بن الخطاب، وهويلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة - الأطم بناء من الحجارة مرفوع كالقصر - وهوغلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله r ظهره بيده ثم قال: {أتشهد أني رسول الله}؟ قال: فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد للنبيr : أتشهد أني رسول الله؟ فقال له النبي: {آمنت بالله ورسله} ثم قال له النبيr : {ما يأتيك}؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، - أي من أمور الشياطين والسحر - فقال له النبيr : {خلط عليك الأمر} ثم قال رسول الله: {إني قد خبأت لك خبيئة}وخبأ له {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال ابن صياد: هوالدخ، فقال رسول الله r : {اخسأ فلن تعدوقدرك} حيث كان ابن صياد هذا يتعامل مع الشياطين شأنه شأن الكهنة، يأخذ خبر السماء منهم، وقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن عائشة < أن النبيr قال: {إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم}.
وروى البخاري عن أبي هريرة >، أن النبي: {إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهوالعلي الكبير فيسمعها مسترقوالسمع ومسترقوالسمع هكذا واحد فوق آخر فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هوأسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مئة كذبة فيصدق فيقولون: ألم تخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء} .
ومما يدل أيضاً على أن ابن صياد كان يتعامل مع الشياطين وأنه دجال من الدجاجلة، لما جاء في هذا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا حجاجاً أوعماراً ومعنا ابن صياد قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي. فقلت: إن الحر شديد؛ فلووضعته تحت تلك الشجرة. قال: ففعل … إلى أن قال ابن صائد لأبي سعيد: أبا سعيد لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه في شجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفيَ عليه حديث رسول الله r ما خفيَ عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله r ؟ أليس قد قال رسول اللهr : هوكافر – أي الدجال – وأنا مسلم؟ أوليس قد قال رسول اللهr : هوعقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي في المدينة؟ أوليس قد قال رسول اللهr : لا يدخل مكة ولا المدينة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبوسعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: - وهنا الشاهد من أنه يتعامل مع الشياطين بأخذ الأخبار منهم – أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هوالآن. قال: قلت تباً لك سائر اليوم}، وفي رواية {أما والله إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه. وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ فقال: لوعرض علي ما كرهت} رواه مسلم.
فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله r : {إن يكن هوفلن تسلط عليه} يعني الدجال {وإلا يكن هوفلا خير في قتله}.
فهذا يعني – إن يكن هوفلن تسلط عليه لأن الذي سيقتل الدجال هوفقط المسيح ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإن لم يكن هوفلا جدوى من قتله لأن الذي نتحدث عنه وعن فتنته هوالدجال ولم يكن هوالذي نريد – يعني ذلك أن الله تعالى لم يوح لنبيه من أمر ابن صياد بشيء، ولذلك نحن نتوقف في هذه المسألة ونكل علم ذلك إلى الله تعالى، ونقول إنه من العلم الذي لا يضر الجهل به، فهولا ينبني عليه عمل، ولكن للمعلومة الصحيحة أن الدجال هومحبوس الآن في الدير وكان كذلك في عهدهr استناداً لهذا الحديث والذي نحن بصدده.
ثانياً: من الذي حبسه؟ هذا مما ليس لنا به علم حيث لم يصح أثر عن النبيr ولا عن السلف الصالح تقام به الحجة، المهم في هذه المسألة أنه قد حبس في دير، بوثاق من حديد قد أُحكِم، وشُدت الأغلال عليه إلى أن يأتي اليوم الموعود لخروجه.
ثالثاً: أين مكان الدير المحبوس فيه؟ هومن قبل المشرق جزماً، لقوله r {ويأتي المسيح – أي المسيح الدجال – من قبل المشرق …} [4].
ويتوجه إلى إقليم (خراسان) تحديداً، بعد خروجه من حبسه الذي كان فيه مقيد بالأغلال – حيث وكما علمنا من حديث تميم الداري أنه رآه محبوس في جزية من الجزر، وتلك الجزيرة قد تكون أقرب بلد يابسي لها هي إقليم خراسان والله أعلم.
حيث قال عليه الصلاة والسلام: {إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها خراسان} [5]، - ما تعني كلمة خراسان وأين موقعها؟: خراسان هي كلمة فارسية، معناها بلاد الشمس المشرقة - أي الشرق - وهي بلاد واسعة تشكل الشمال الشرقي في إيران وتمتد بين جرجان وطبرستان من جهة، وبين ما وراء النهر من جهة أخرى. وكان يتبعها من الناحية السياسية بلاد ما وراء النهر وسجستان – أفغانستان الحالية – وفي أيام العرب كان هذا الإقليم ينقسم إلى أربعة أرباع، نسب كل ربع إلى إحدى المدن الكبرى وهي: نيسابور، ومرو، وهراة، وبلخ. وفي العهد الطاهري نقل الأمراء الطاهريون دار الإمارة إلى ناحية الغرب فجعلوا مدينة نيسابور عاصمة الإقليم والذي يعرف الآن بإسم خراسان، وهويضم أكثر من نصف خراسان القديمة أما بقية الإقليم فتابع لأفغانستان، وهي البلاد التي تمتد شرقاً من الخط الذي يبدأ من سرخس في الشمال ويتجه صوب الجنوب مباشرة ماراً بمنتصف المسافة بين مشهد وهراة. أما المنطقة الممتدة من مروحتى نهر جيحون فتدخل في الأراضي الروسية). قاصداً قرية يهودية تدعى - أصبهان–
وعرَّف الدكتور يحيى سامي في كتابه (موسوعة المدن العربية والإسلامية) أصبهان بقوله: (إنها من كبيرات مدن إيران - حوالي مليون نسمة - وهي بوابة التاريخ كما تسمى وتقع في وسط هضبة إيران، وتبعد عن العاصمة طهران حوالي- 700 كلم- باتجاه الجنوب، ويمر بها نهر زندروذ، كلمة أصبهان مركبة من شطرين: الأول أصب: وهي تعني البلد،
والثاني: هان وتعني الفارس، فمعناها: بلد الفرسان .
وتنقسم أصبهان إلى مدينتين وبين كل مدينة مقدار ميلين، المدينة الأولى وهي أكبرها تعرف باليهودية)
وهي التي نتكلم عنها. والثانية تُعرف بــ شهرستان وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. قال عليه الصلاة والسلام: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا، عليهم الطيالسة} [6].
أما بالنسبة لقصة الجساسة والتي أتى ذكرها في الحديث، فإنها دابة كثيرة الشعر، ومن كثرة الشعر التي عليها لا يعرف مقدمتها من مؤخرتها، ومهمتها مراقبة الدجال لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى.
ونأخذ من هذا الحديث أن الدجال حي وموجود الآن، بل ومنذ عهد رسول الله r ، كما بيَّنا ذلك، وأنَّه موثق وثاقاً شديدا بالحديد. ومهما تقدم العلم وتطورت التقنية فإنَّ أحداً لن يستطع الوصول إليه فضلاً من أن يطلق سراحه، - وكذلك الحال بالنسبة ليأجوج ومأجوج وسيأتي الحديث عنهما لاحقا إن شاء الله تعالى - لأن له وقتاً مقدراً من قبل علاَّم الغيوب قد كتبه سبحانه فلا يتقدم عنه ساعة ولا يتأخر . وأن خروج الدجال سيسبقه علامات يعرفها هو، منها جفاف بحيرة طبريا ونخل بيسان وغيرها كما جاء في هذا الحديث، وكذلك في حديث- الثلاث سنين شداد والتي تسبق خروج الدجال لعنه الله.
وكما نستفيد من هذا الحديث أن المكان الآمن من الدجال مكة والمدينة فهما محرمتان عليه أن يدخلهما وكذلك بيت المقدس وجبل الطور في فلسطين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وكذلك نستفيد من هذا الحديث أن رؤية الدجال من قبل تميم الداري وهوفلسطيني من فلسطين هووأصحابه كان ذلك سبباً في إسلامه.
نأتي إلى فقرة أخرى من هذه الحلقة، وهي وصف المسيح الدجال كما جاء ذلك من أحاديث الحبيب المصطفىr ، نذكر منها الآتي:
الدجال رجل من بني آدم يهودي ممسوخ الخلقة شيطاني النشأة والنزعة، شيطاني الشكل والصورة، تحيط به الشياطين، حيث جاء من حديث جابر أن النبيr قال: {…ويبعث الله معه الشياطين تكلم الناس …} [7]. ذكره الألباني واستشهد به رحمه الله في قصة المسيح الدجال.
وأما عن شكله وصورته فقد بيَّنها لنا رسول الله r بياناً شافياً كافياً، لا يدع معه شكاً ولا تردداً في التعرف عليه، ففيه علامات تظهر من بعيد، وعلامات تظهر عن قريب.
فإذا نظرت إليه قادماً من بعيد رأيت رجلاً قصيراً ضخم الجثة جداً، آدم – أسمر- أحمر - أدمته صافية قد احمرت وجنته عظيم الرأس كأن رأسه أصلة – أي الأفعى - وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة – جعد الشعر قطط - شديد الجعودة - كأنه مضروب بالماء والرمل، جفال، جفال - حبك، حبك - كثير ملتف – كأن شعره أغصان شجرة، أفحج) تدانت صدور قدميه وتباعدت عقباها.
فإذا اقتربت منه رأيت شبهاً شيطانياً فشق وجهه الأيسر ممسوح العين والحاجب، وعينه اليمنى متقدة خضراء كأنَّها كوكب دري، كأنها زجاجة خضراء ، ليست بناتئة ولا حجراء، جاحظة متدلية على وجنته كأنها عنبة طافية.
فهوإذن أعور العينين، اليسرى طائفة لا شعاع فيها واليمنى ناتئة طافية جاحظة متدلية على وجنته.
وكان هذا القدر من وصفه الدقيق كافياً، ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته شاء أن يستبين لنا أمره فلا يخفى طرفة عين فوصف رسول الله r أبلغ وصف وبينه شافياً فقال r : {مكتوب بين عينيه (كفر) تهجَّاها رسول الله r : (ك، ف، ر) يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ ، ولا أظنه يخفى بعد ذلك على أحد.
وإليك أخي في الله الأحاديث الصحيحة والتي من خلالها استندنا إلى ما وصفنا به المسيح الدجال، لعنه الله لعناً كبيرا.
فعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله r قال: {… ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينة عنبة طافية، … فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال} [8]، متفق عليه. وفي رواية: قال في الدجال: {رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عين اليمنى، أقرب الناس به شبها ابن قطن}.
وجاء في كتاب السنة المجلد الأول عن عبادة أن رسول اللهr قال: {إني قد حذرتكم الدجال حتى قد خشيت أن لا تعقلوا إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج أدعج ممسوح العين ليس بناتئة ولا حجرا فإن ألبس عليكم فأعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا}[9].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك'' ثلاث مرات} 3.
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال تأليف المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، من قوله عليه الصلاة والسلام: {فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي}،وفي حديث عبادة: {إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، ...إنه أعور، - ممسوح - العين اليسرى -، - عليها ظفرة غليظة -، - خضراء كأنها كوكب دري -، -عينه اليمنى كأنها عنبة طافية -، - ليست بناتئة، ولا حجراء-، - جفال الشعر - …} .
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال: {ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته، لقد أنذره نوح r أمته، والنبيون عليهم الصلاة والسلام من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور} [10]. وزاد في رواية: {وأنه بين عينيه مكتوب: كافر؛ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب}[11]. وجاء أيضاً: عن أنس، قال: قال رسول الله r : {ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر} [12]. وجاء أيضاً في سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد الثالث عن النبي r قوله: {الدجال أعور، هجان أزهر - وفي رواية: أقمر، كأن رأسه أصلة، …}. وجاء أيضاً في كتاب قصة المسيح الدجال عن النبي r قوله: {ما خفي عليكم من شأنه؛ فلا يخفين عليكم - إن ربكم ليس بأعور-، ألا ما خفي عليكم من شأنه، - فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور-، - ثلاثا -، - وأشار بيده إلى عينيه -، - وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا -، - إنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله - إنه شاب قطط، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن -، - قصير، أفحج، دعج -، - هجان -، - وإنه آدم، جعد -، - جفال الشعر}. وجاء أيضاً في صحيح ابن ماجه عن حذيفة قال: قال رسول الله r : {الدجال أعور عين اليسرى جفال الشعر …}.
انظر أخي في الله وفقني الله وإياك إلى مايحب ويرضاه إلى هذه الأحاديث الصحيحة التي نطق بها من لا ينطق عن الهوى عن وصف الدجال والتي وصفه بها مما جعل القارئ لهذه الأحاديث كأنه يراه رأي العين، هذا وإن دل على شيء يدل على الحرص الشديد للحبيب المصطفى r وخوفه من أن يقع أحد من أمته في شباك هذا الدجال الخبيث عدوالله، وكل مؤمن سيعاصر زمن الدجال سَيُعصَم بإذن الله إلا من أبى، قياساً على ما جاء في الحديث: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى} 4.
سيُعصَم من أخذ أحاديث رسول الله r الواضحة والجلية عن الدجال وعن وصفه مأخذ الجد بل وصدَّقها وآمن بها وعرفها كما يعرف أبناءه، فهذا سيعصمه سبحانه وتعالى بعونه جلَّ وعلا.
وأما من أعرض عن هذه الأحاديث، وعطَّلها وأولها؛ بأن الدجال هوالتلفاز أومثابة الشر والحرب والفتنة إلى غير ذلك مما أسلفنا الذكر عنه، هذا لا محالة ستدركه فتنة الدجال ويقع في شراكه والعياذ بالله، أعاذنا الله وإياكم من فتنته. هذه الفتنة والتي طالما حذَّرَ منها الحبيب المصطفى r أصحابه، بل وعلَّمهم من الأدعية والأذكار والتي بها يتعوذون بالله العظيم من هذا العدواللَّئيم، وجعل ذلك ورداً لهم يدعون ربهم به في كل صلاة كما يقرؤون السورة من القرآن الكريم وذلك من عظم فتنته قاتله الله ولعنه لعناً كبيرا، حيث مما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والتي تحذِّر من فتنته: فعن إبي أمامة > قال، قال r : {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم} [13] وفي رواية: عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله r : {ما أهبط الله تعالى إلى الأرض- منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة- فتنة أعظم من فتنة الدجال، وقد قلت فيه قولا لم يقله أحد قبلي: إنه آدم جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويقول: أنا ربكم. فمن قال: ربي الله، فلا فتنة عليه، ومن قال: أنت ربي. فقد افتتن، يلبث فيكم ما شاء الله، ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد > على ملته، إماما مهديا، وحكما عدلا، فيقتل الدجال}[14]. وجاء أيضاً: عن عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله r يقول: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال}[15]. وفي رواية: {ولا تكون حتى تقوم الساعة} ، وقال أيضاً: {وهوخارج فيكم لا محالة، إنه لحق، وأما إنه قريب، فكل ما هوآت قريب، وإنما يخرج لغضبة يغضبها، ولا يخرج حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة} [16].
وجاء أيضاً: عن سالم، عن أبيه قال: قام رسول الله r في الناس فأثنى على الله بما هوأهله، فذكر الدجال فقال: {إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه …}[17].
وجاء أيضاً: عن النواس بن سمعان الكلابي قال: {ذكر رسول الله r الدجال الغداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل …}[18]. يشير الحديث إلى المبالغة في تحذير رسول الله r أصحابه من الدجال حتى أعتقدوا رضوان الله عليهم أجمعين أنه في طائفة النخل، وهي ناحية من نواحي المدينة.
وأخبر رسول الله r ، أن الناس يهربون منه في الجبال خوفاً من فتنته، فقد جاء عن جابر بن عبد الله قال حدثتني أم شريك أن رسول الله r قال: {ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال} قالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟! قال: {هم قليل}.
وأما ما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والذي يأمر بها أمته ويرشدهم بالتعوذ من فتنه:
أولاً: الاستعاذة بالله تعالى من شر فتنته، والإكثار منها؛ لا سيما في التشهد الأخير في الصلاة، فقد جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا: {إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أ ربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال}[19]. وثبت في (الصحيحين) وغيرهما عن جمع من الصحابة – منهم عائشة < -: أن النبي r كان يستعيذ من فتنته، بل إنه أمر بالاستعاذة من فتنته أمراً عاماً كما جاء في سلسة الأحاديث الصحيحة من حديثه r لأصحابه: {إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، - أي تتركوا أمواتكم بالعراء من غير دفن - لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر. قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال} 4.
ثانياً: أن يحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، فقد جاء عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللهr : {من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال}[20].
ثالثاً: أن يبتعد عنه، ولا يتعرض له؛ إلا إن كان يعلم من نفسه أنه لن يضره؛ لثقته بربه، ومعرفته بعلاماته التي وصفه بها النبي r بها؛ لما جاء من سنن أبي داود أول كتاب الملاحم بسند صحيح عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله r : {من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهويحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أولما يبعث به من الشبهات}.
رابعاً: أن يسكن مكة والمدينة، فإنهما حرمان آمنان، لقوله عليه الصلاة والسلام: {يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة} [21].
ومثلهما المسجد الأقصى والطور، حيث جاء في كتاب قصة المسيح الدجال وصححه الألباني، قال عليه الصلاة والسلام: {وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه؛ إلا أربع مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، والطور، والمسجد الأقصى}.
واعلم أن هذه البلاد المقدسة إنما جعلها الله عصمة من الدجال لمن سكنها وهومؤمن ملتزم، وإلا مجرد استيطانها وهوفي حياته بعيد عن التأدب بآداب المؤمن فيها فمما لا يجعله في عصمة منه، حيث وكما جاء في حديث الإمام الباهلي وسيأتي سياقه إن شاء الله قريباً في هذه الرسالة، أن الدجال عليه لعنات الله، حين يأتي المدينة النبوية وتمنعه الملائكة من دخولها؛ ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وصاروا من أتباعه كاليهود! وعلى العكس من ذلك؛ فمن كان فيها من المؤمنين الصادقين في إيمانهم؛ فهم مع كونهم أنهم في عصمة من فتنته؛ فقد يخرج إليه بعضهم متحدياً وينادي في وجهه: هذا هوالدجال الذي كان رسول اللهr يحدثنا حديثه، وسيأتي الحديث عنه في هذا السياق أيضاً إن شاء الله تعالى، فالعبرةإذن بالإيمان والعمل الصالح، فذلك هوالسبب الأكبر في النجاة، وأما السكن في هذه الأماكن المقدسة، فهوسبب ثانوي، فمن لم يأخذ بالسبب الأكبر، لم يفده تمسكه بالسبب الأصغر، وقد أشار إلى هذا النبي r بقوله للذي سأله عن الهجرة: {ويحك! إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤتي صدقتها؟. قال: نعم. قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا}[22].
وما أحسن ما رواه الإمام مالك في (الموطأ 2 / 235) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة. – يعني الشام -. فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض المقدسة لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسانَ عملهُ). وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [23].
* نأتي الآن إلى الحديث عن الأحداث والفتن التي تكون بخروج هذا الخبيث اللعين.
انتهينا في الحلقة الماضية والتي تحدثنا فيها عن المهدي إلى حين وصولهم الشام – أي جيش المهدي - بعد رجوعهم من قسطنطينة، عندها يكون قد ظهر الدجال اللعين، فَيُسمَع به عند وصوله، منطقة بين الشام والعراق، كما قال عليه الصلاة والسلام: {إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا..}[24]. وبالطبع ليس هذا المكان، مصدر خروجه، وإنما يسمع المؤمنون بخروجه عند وصوله هذا المكان، وأما مصدر خروجه هي الجزيرة والتي جاء ذكرها في قصة تميم الداري، والله أعلم أين تلك الجزيرة، ويكون سبب خروجه غضبة يغضبها فتنحل عنه تلك الأغلال التي كانت عليه، ولا يكون ذلك إلا بعلم الله تعالى ومشيئته حيث جاء عن حفصة زوج النبيr، إنها قالت لأخيها عبد الله بن عمر: {أما علمت أن رسول الله r قال: {إنما يخرج من غضبة يغضبها} [25].
ثم يكون أول اتجاه له منطقة خراسان كما جاء في الحديث، والشياطين تحيط به تعينه على ضلالته قاصداً منطقة أصبهان حيث السبعون ألفا من يهودها بانتظاره، كلهم ذوسيف محلى وساج، لاعتقاد يعتقدونه عندهم أنه هومخلصهم وأنه هومن سيعيد لهم الأرض المقدسة أرض الميعاد بزعمهم، بعد تحريرها من نجسهم ودنسهم-كما بيَّنا ذلك في رسالتنا والتي أسميناها - نهاية دولة اليهود على ضوء الكتاب والسنة فراجعها).
وجاء في الحديث من قوله r: {إن الدجال يخرج من قبل المشرق من مدينة يقال لها: خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة}[26].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة}[27]. ومعه أيضاً: جنة مزعومة ونار، وكذلك جبلان من طعام وماء ليغوي بهما من لم يعصمهم الله منهم منتهزاً حالة القحط والجفاف والتي عمت الكرة الأرضية بدأت قبل خروجه بثلاث سنوات وبلغت ذروتها في سنة خروجه كما أسلفنا ذكره سابقاً، وأما المؤمنون الصابرون المحتسبون يكون شأنهم في هذه الظروف كشأن الملائكة، حيث التسبيح والتهليل والتكبير يجري فيهم مجرى الطعام والشراب.
استمع معي إلى هذه الأحاديث:
قال عليه الصلاة والسلام يوماً لأصحابه: {أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا وقد أنذره أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعد آدم، ممسوح العين اليسرى، وإن معه جنة ونارا، فناره جنة وجنته نار، وإن معه نهر ماء، وجبل خبز، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، لا يسلط على غيرها، وإنه يمطر السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يقرب أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد المقدس والطور، وما شبه عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور - مرتين} 3.
وجاء أيضاً: {وإن من فتنته، أن معه جنة ونارا، - ونهرا وماء -، - وجبل خبز -، - وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار -، فناره جنة، وجنته نار} انظر قصة الدجال للألباني (1/133)،- وسأله المغيرة بن شعبة عنه؟ فقال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء؟ قال: {هوأهون على الله من ذلك}4.
وفي حديث آخر: {معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج} 5 .
وجا أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت؛ إلا ما شاء الله. قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام} . وفي رواية أخرى عن أسماء بنت يزيد < سألت رسول الله r: {وما يجزي المؤمنين يومئذ؟ قال: يجزيهم ما يجزي أهل السماء , قالت: يا نبي الله! ولقد علمنا أن لا تأكل الملائكة ولا تشرب. قال: ولكنهم يسبحون ويقدسون، وهوطعام المؤمنين يومئذ وشرابهم} [28].
كم الفترة الزمنية التي سيمكثها في الأرض بعد خروجه؟ هذا السؤال سأله الصحابة لحبيبهم المصطفى r، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: {أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم قال فاقدروا له قدره قال قلنا فما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح} [29]. وهنا إشارة إلى أنَّ هناك تغييرات حقيقية ستكون، تبدأ في العالم السفلي - أي في أرضنا هذه - ثم بعد ذلك تتبعها تغييرات في العالم العلوي، كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك، وكل ذلك يبدأ بخروج الدجال لعنه الله، ومن تلكم التغييرات: أن يوماً واحداً من الأربعين يوما والتي سيمكثها الدجال في الأرض بعد خروجه هومقدار سنة على الحقيقة وليس مجازاً أومعنوياً، والشاهد لذلك هوسؤال أصحابه له عليه الصلاة والسلام: أيكفي فيه الخمس صلوات؟ قال عليه الصلاة والسلام فاقدروا له قدره، وهذا نص الحديث والذي رواه أبوداود عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: ذكر رسول الله r الدجال فقال: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته}،
قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: {أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم}، فقلنا: يارسول الله، هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: {لا، اقدروا له قدره، …} [30].
أي سيكون ذلك اليوم كسنة على الحقيقة وليس على المجاز، وكذلك اليوم الذي هوكشهر واليوم الذي هوكجمعة، ثم سائر الأيام كما هي، أي يكون مكثه في الأرض حوالي: سنة - شهر - جمعة (أي سبعة أيام) - سبع وثلاثين-، وهي المتبقية من الأربعين يوما، = أربعة عشر شهراً وستة أيام، هذا مكثه في الأرض.
وأما سرعته في الأرض – وهذه إفادة إلى سرعة فتنته أيضاً – وصفها النبي r: {كالغيث - أي المطر - استدبرته الريح} .
وما وسيلة التنقل له هل بواسطة حاملة الطائرات أوالغواصات أوالطائرات أوالسيارات، بالطبع كل ذلك لا يكون لأن ذلك يصبح في وقته في خبر كان، إذن ما وسيلة التنقل له؟ وسيلة التنقل له تكون عجيبة غريبة خبيثة على شاكلته، هي: حمار عجيب جاء وصفه على لسان رسول الله r، حيث قال: {وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا} [31] , ولا يبقى مكان إلا ووطئه هذا اللعين إلا الأماكن التي حماها الله منه (مكة المكرمة – المدينة المنورة – بيت المقدس – جبل الطور بالقدس). قال ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط "وجبل طور سيناء الذي ببيت المقدس 1/424
فما الذي يفعله هذا الخبيث في الأرض؟ استمع إلى هذا الحديث والذي جمع فأوعى: قال عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال} أي فتنة الدجال الخبيث ليس لها نظير من الفتن التي حدثت على وجه الأرض، من فتنة فرعون، إلى فتنة النمرود إلى فتنة أصحاب الأخدود، إلى فتنة اليهود وأمريكا وأسلحة الدمار الشامل، وغير هذا من الفتن والبلاء الذي حدث والذي سيحدث مستقبلاً، كل ذلك لا يعتد إذا ما قورنت بفتنة الدجال والعياذ بالله من فتنته. وقال r: {وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم}.
فلعظم فتنة هذا اللعين ما بعث الله نبياً إلاَّ وأوحى إليه أن أنذر قومك من هذا اللعين الدجال، علماً أن الله سبحانه وتعالى قدَّر أن يكون خروج الدجال في أمة محمد، ولكن لهول أمره ولعظيم فتنته أن كان وحي الله لجميع الأنبياء والمرسلين أن يحذِّروا قومهم منه، وكان يعطيهم بعض صفاته وليست كلها والتي بينها لها الحبيب المصطفى r، والتي بينها لكم في هذه الرسالة. وقال أيضاً: {وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا وشمالا}، ذكرنا أن أول ما يسمع بخروجه المؤمنون عندما يصل إلى أرض بين الشام والعراق فيعيث فساداً يميناً وشمالاً فلا يدع بيت حجر ولا شجر إلا وقد أصيب من فتنته إلا من عصمه الله منه. وقال أيضاً: {يا عباد الله! أيها الناس! فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أوغير كاتب}، يحث عليه الصلاة والسلام الناس جميعاً عباد الله المؤمنين أن يثبتوا بالإيمان بالله والعمل الصالح من شر هذا الخبيث، ووصفه عليه الصلاة والسلام بوصف خَلقي وهذا ما بيَّناه في هذه الرسالة وبوصف قولي، حيث أول ما يبدأ بفتنته أنه يدعي النبوة، وبالطبع لا نبي بعد محمد r، لقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [32].
وجاء عن أبي أمامة إنه قال: سمعت رسول الله r يقول: {إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم …}[33]. ثم لا يلبث إلا قليلا، وإذا به يدعي الألوهية، تعالى الله الواحد الأحد الفرد الصمد، حيث هذا الخبيث معه ما يفتتن الناس به، فقال عليه الصلاة والسلام ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وهذا مما قضاه سبحانه وتعالى على نفسه أنه سبحانه لا يري ذاته لأحد من خلقه إلا بعد قيام الساعة والوقوف بين يديه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلأ وَحْياً أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَويُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [34].
وجاء عن أبي ذر قال: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: {نور أنى أراه؟! } . وفي رواية: {رأيت نورا} [35]. وأما قوله تعالى: ?ثم دنا فتدلى?: إنما هوجبريل #، كما ثبت في (الصحيحين) عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هوفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا). و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعـد
ومن علامات الساعة فتنة الدجال، ولكن هذه العلامة لها شأن آخر غير سابقاتها من العلامات، حيث إن كل ما سبق الحديث عنه من أشراط الساعة كان يندرج تحت علامات الساعة الصغرى، ولكن هنا سنتكلم بمشيئة الله تعالى عن أول علامة من علامات الساعة الكبرى، وهي ظهور الدجال - عليه لعنة الله - ولعله تجدر الإشارة هنا إلى الاختلاف بين علامات الساعة الكبرى والصغرى منها:
أن علامات الساعة الكبرى متتابعة - يتبع بعضُها بعضاً الواحدة تلوالآخرى كما أخبر بذلك رسول الله × قائلا: {الآيات خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضا}[1].
ومعنى الحديث أن النبي r شبه أشراط الساعة كسلسلة فيها خرزات أوكالمسبحة إذا انقطعت السلسلة تتابع الحبات بالسقوط، وهذه إشارة منه r على سرعة تتابع علامات الساعة الكبرى بل قد تجتمع أكثر من علامة في آن واحد مثل خروج المسيح الدجال عليه لعنة الله، ونزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويعاصر عيسى # أيضاً خروج ويأجوج ومأجوج لعنهم الله لعناً كبيرا.
كما أن علامات الساعة الصغرى تختلف عن الكبرى في كونها كثيرة ومتباعدة وقد اختلف بعض اهل العلم على بعضها من حيث التصحيح والتضعيف وكذلك التأويل، أما علامات الساعة الكبرى فهي محصورة منظومة لا يكاد يختلف عليها اثنان من أهل العلم بل لم يختلفوا عليها، لأنها جاءت محصورة في هذا الحديث الذي رواه مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي r علينا ونحن نتذاكر فقال: {ما تذكرون}؟. قالوا: نذكر الساعة. قال: {إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم} . وفي رواية: {نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر} وفي رواية في العاشرة {وريح تلقي الناس في البحر} .
وفي هذا الحديث ذكر رسول الله r العلامات دون ترتيب، ولكن جاء من طرق أخرى من أحاديث الصحابة ومن أقوال أهل العلم ما بين ذلك الترتيب وكذلك جاءت أحاديث نبوية تبين ضمنياً ترتيب تلك العلامات والتي سيكون أولها (خروج المسيح الدجال)، وهوما سنبدأ الحديث عنه إن شاء الله تعالى.
ومما يميز هذه العلامات– أي علامات الساعة الكبرى عن أخواتها الصغرى - أنَّ في أشراط الساعة الصغرى لا يحدث أي تغير يذكر في هذا الكون من الأمور المعلومة بين الناس مما كان عليه الكون منذ أن أوجده الله تعالى، أما في علامات الساعة الكبرى سيحدث هناك تغيير لبعض الأمور التي هي مألوفة عند الناس، مثل: تغيير في شروق للشمس وغروبها، ومن تَكَلُّم الدواب والمواشي والسباع للإنس، ومن تسيير الجبال ووقوفها وكذلك النار تقيل مع الناس حيث قالوا وتسير معهم حيث ساروا، إلى غير ذلك مما سنذكره إن شاء الله تعالى في هذه العلامات. وإليكم التفاصيل:
المسيح الدجال: لماذا سميَّ بالمسيح وما أصل اشتقاق كلمة الدجال؟
كلمة (المسيح) تطلق على الدجال وتطلق على عيسى بن مريم #، فإذا أريد بها الدجال، قيل (المسيح الدجال) أو- مسيح الضلالة -، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، وإذا أريد بها عيسى بن مريم #، قيل (المسيح ابن مريم)، أو- مسيح الهدى -، وبعض الناس يتنطعون في هذا ويكلِّفون أنفسهم بما لا علم لها به حيث أرادوا أن يفرِّقوا بين المسيح الدجال والمسيح عيسى بن مريم فقالوا بدل كلمة (المسيح)، - المسيخ-: غير الحاء إلى خاء وهذا من بدع القول ومن المحدثات التي لم يأت بها نص شرعي من حديث للنبي r ولا من الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون فيجب التوقف على ما سمَّاه به الحبيب المصطفى r (المسيح الدجال) أو- مسيح الضلالة - وجاء في فتح الباري قال الحافظ ابن حجر(20/136): وبالغ القاضي بن العربي فقال: ضل قوم فرووه المسيخ بالخاء المعجمة وشدد بعضهم السين ليفرقوا بينه وبين المسيح عيسى بن مريم بزعمهم، وقد فرق النبي r بينهما بقوله في الدجال مسيح الضلالة فدل على أن عيسى مسيح الهدى فأراد هؤلاء تعظيم عيسى فحرفوا الحديث.
ومعنى المسيح المنسوبة للدجال إما أن يكون سمي بها لأنه ممسوح العين اليمنى طافئة لا شعاع لها، ممسوح الحاجب الأيمن، أولأنه يسيح في الأرض كلها.
وكلمة (الدجال): أصلها التغطية كما أورد صاحب كتاب لسان العرب، ومعنى الدجال أي الكذَّاب، والكذَّاب هوالذي يغطي حقيقة الشيء بالكذب ويموِّهه، يموه الحق بالباطل.
وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي r التي تخبر عن الدجال وخروجه ووصفه إلى غير ذلك ما بلغ منها درجة التواتر، فقد نقل أحاديثه أكثر من ثلاثين صحابيا رضوان الله عليهم أجمعين، والمسيح الدجال حي الآن يرزق بل كان حياً في عصر النبوة، نبوة محمد r، ولكنه محبوس إلى أجل مسمى، إلى أجل موقوت وقته الله تعالى لخروجه، الله أعلم به.
وهناك علامة عامة ومعنوية لموعد خروجه أوقرب خروجه وهي: قوله عليه الصلاة والسلام: {لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر}. رواه عبد الله بن أحمد وصححه ابن معين وذكر الألباني في كتاب قصة المسيح الدجال.
وقال رحمه الله تعالى: ولقد صدق هذا الخبر على أئمة المساجد، فتركوا ذكر الدجال على المنابر وهم خاصَّة الناس؛ فماذا يكون عامتهم؟! وإذا كان الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سبباً؛ فلست أشك أن سبب هذا الإهمال لذكره – مع اهتمام الرسول r أشد الاهتمام في التحذير من فتته، كما ستراه فيما يأتي في أول قصته – إنما هوتشكيك بعض الخَّاصة في الأحاديث الواردة فيه، تارة في ثبوتها وعدم ورودها بطريق التواتر – زعموا – وتارة في دلالتها كما تقدم بيانه، فكان من الواجب أن يقوم أهل العلم بواجبهم، فيبينوا للأمة ما حدثهم به رسول الله r من فتنة الدجال وقتل عيسى # إياه؛ بنفس الطريق التي تتلقي الأمة به عن النبي r كل ما يتعلق بدينها – من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وغيرها، ألا وهوالحديث النبوي.
وهناك علامتان فعليتان بيَّنها لنا الحبيب المصطفىr أول تلك العلامتين أن وقت خروجه بعد فتح المؤمنين لقسطنطينة كما بينا آنفاً وهذه العلامة الأكثر تأكيداً ، حيث جاء عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهr : {عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجال}[2].
والعلامة الثانية: تبدأ قبل خروج الدجال بثلاث سنوات وهي مجيء سنوات الجدب والقحط والجوع والبلاء والغلاء كما بينه الحبيب المصطفىr في هذا الحديث الذي قال فيه: {… وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظلف التهليل والتكبير والتحميد ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام} [3].
فعلامة خروج الدجال إذاً الفساد العام في الأرض والاضطرابات، والفتن والحروب والمجاعات، وجفاف الأنهار والبحيرات، وتزايد المشاكل والأزمات العالمية، هذا هوالمناخ المناسب لظهور هذا الكائن الشيطاني الذي تكون عامة فتنته في المأكل والمشرب، نسأل الله العافية.
الدجال إذن هومحبوس الآن ومكان حبسه دَيْر بجزيرة، أين هذا الدير؟ ومن الذي حبسه؟ استمع لهذا الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس حيث قالت: سمعت منادي رسول الله r : ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول اللهr جلس على المنبر وهويضحك؛ فقال: {ليلزم كل إنسان مصلاه} . ثم قال: {هل تدرون لم جمعتكم}؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: {إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، فأرفؤوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب سفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرا، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا في الدير، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال: أخبروني عن نخل بيسان – وهي منطقة في فلسطين يكثر فيها زراعة النخيل – قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما أنها توشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية – وهذه البحيرة في فلسطين وقريبة من الأراضي السورية - قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قلنا هي كثيرة الماء. قال: أما أن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر – وهذه العين في فلسطين أيضاً قريبة من الحدود السورية -. قالوا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهله يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونزل يثرب - أي المدينة المنورة -. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما أن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال، وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، هما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أوواحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها}. قال رسول الله r - وطعن بمخصرته في المنبر -: {هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة} يعني -المدينة - {ألا هل كنت حدثتكم}؟ فقال الناس: نعم! فإنه أعجبني حديث تميم{ أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشأم أوبحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ماهو، من قبل المشرق ماهو، من قبل المشرق ماهو}(وأومأ بيده إلى المشرق) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى في سنن الترمذي وهي صحيحة، عن فاطمة بنت قيس أن نبي اللهr صعد المنبر فضحك فقال: {إن تميما الداري حدثني بحديث ففرحت فأحببت أن أحدثكم، حدثني أن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها فقالوا ما أنت قالت أنا الجساسة قالوا فأخبرينا قالت لا أخبركم ولا أستخبركم ولكن ائتوا أقصى القرية فإن ثم من يخبركم ويستخبركم فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة فقال أخبروني عن عين زغر قلنا ملأى تدفق قال أخبروني عن البحيرة قلنا ملأى تدفق قال أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين هل أطعم قلنا نعم قال أخبروني عن النبي هل بعث قلنا نعم قال أخبروني كيف الناس إليه قلنا سراع قال فنزى نزوة حتى كاد قلنا فما أنت قال أنا الدجال وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة وطيبة المدينة}.
إخوتي في الله! نعلق على بعض النقط في هذا الحديث بإيجاز حيث إن فقرات هذا الحديث مفهومة على الأغلب عند الجميع.
أولاً: هل الدجال الذي رآه تميم الداري هوابن صياد اليهودي؟ وابن صياد هذا غلام يهودي كان يسكن المدينة المنورة في عهد رسول الله r ، وكان فيه صفات المسيح الدجال وكان كاهناً ودجالاً من الدجاجلة واشتبه أمره على الصحابة بل وعلى النبيr حيث لم يوح إليه فيه شيء. قال النووي: (قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي لم يوح إليه من أمره بشيء، وذلك استناداً لما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي مر بابن صائد في نفر من أصحابه، فيهم عمر بن الخطاب، وهويلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة - الأطم بناء من الحجارة مرفوع كالقصر - وهوغلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله r ظهره بيده ثم قال: {أتشهد أني رسول الله}؟ قال: فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد للنبيr : أتشهد أني رسول الله؟ فقال له النبي: {آمنت بالله ورسله} ثم قال له النبيr : {ما يأتيك}؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، - أي من أمور الشياطين والسحر - فقال له النبيr : {خلط عليك الأمر} ثم قال رسول الله: {إني قد خبأت لك خبيئة}وخبأ له {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال ابن صياد: هوالدخ، فقال رسول الله r : {اخسأ فلن تعدوقدرك} حيث كان ابن صياد هذا يتعامل مع الشياطين شأنه شأن الكهنة، يأخذ خبر السماء منهم، وقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن عائشة < أن النبيr قال: {إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم}.
وروى البخاري عن أبي هريرة >، أن النبي: {إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهوالعلي الكبير فيسمعها مسترقوالسمع ومسترقوالسمع هكذا واحد فوق آخر فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هوأسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مئة كذبة فيصدق فيقولون: ألم تخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء} .
ومما يدل أيضاً على أن ابن صياد كان يتعامل مع الشياطين وأنه دجال من الدجاجلة، لما جاء في هذا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا حجاجاً أوعماراً ومعنا ابن صياد قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي. فقلت: إن الحر شديد؛ فلووضعته تحت تلك الشجرة. قال: ففعل … إلى أن قال ابن صائد لأبي سعيد: أبا سعيد لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه في شجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفيَ عليه حديث رسول الله r ما خفيَ عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله r ؟ أليس قد قال رسول اللهr : هوكافر – أي الدجال – وأنا مسلم؟ أوليس قد قال رسول اللهr : هوعقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي في المدينة؟ أوليس قد قال رسول اللهr : لا يدخل مكة ولا المدينة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبوسعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: - وهنا الشاهد من أنه يتعامل مع الشياطين بأخذ الأخبار منهم – أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هوالآن. قال: قلت تباً لك سائر اليوم}، وفي رواية {أما والله إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه. وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ فقال: لوعرض علي ما كرهت} رواه مسلم.
فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله r : {إن يكن هوفلن تسلط عليه} يعني الدجال {وإلا يكن هوفلا خير في قتله}.
فهذا يعني – إن يكن هوفلن تسلط عليه لأن الذي سيقتل الدجال هوفقط المسيح ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإن لم يكن هوفلا جدوى من قتله لأن الذي نتحدث عنه وعن فتنته هوالدجال ولم يكن هوالذي نريد – يعني ذلك أن الله تعالى لم يوح لنبيه من أمر ابن صياد بشيء، ولذلك نحن نتوقف في هذه المسألة ونكل علم ذلك إلى الله تعالى، ونقول إنه من العلم الذي لا يضر الجهل به، فهولا ينبني عليه عمل، ولكن للمعلومة الصحيحة أن الدجال هومحبوس الآن في الدير وكان كذلك في عهدهr استناداً لهذا الحديث والذي نحن بصدده.
ثانياً: من الذي حبسه؟ هذا مما ليس لنا به علم حيث لم يصح أثر عن النبيr ولا عن السلف الصالح تقام به الحجة، المهم في هذه المسألة أنه قد حبس في دير، بوثاق من حديد قد أُحكِم، وشُدت الأغلال عليه إلى أن يأتي اليوم الموعود لخروجه.
ثالثاً: أين مكان الدير المحبوس فيه؟ هومن قبل المشرق جزماً، لقوله r {ويأتي المسيح – أي المسيح الدجال – من قبل المشرق …} [4].
ويتوجه إلى إقليم (خراسان) تحديداً، بعد خروجه من حبسه الذي كان فيه مقيد بالأغلال – حيث وكما علمنا من حديث تميم الداري أنه رآه محبوس في جزية من الجزر، وتلك الجزيرة قد تكون أقرب بلد يابسي لها هي إقليم خراسان والله أعلم.
حيث قال عليه الصلاة والسلام: {إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها خراسان} [5]، - ما تعني كلمة خراسان وأين موقعها؟: خراسان هي كلمة فارسية، معناها بلاد الشمس المشرقة - أي الشرق - وهي بلاد واسعة تشكل الشمال الشرقي في إيران وتمتد بين جرجان وطبرستان من جهة، وبين ما وراء النهر من جهة أخرى. وكان يتبعها من الناحية السياسية بلاد ما وراء النهر وسجستان – أفغانستان الحالية – وفي أيام العرب كان هذا الإقليم ينقسم إلى أربعة أرباع، نسب كل ربع إلى إحدى المدن الكبرى وهي: نيسابور، ومرو، وهراة، وبلخ. وفي العهد الطاهري نقل الأمراء الطاهريون دار الإمارة إلى ناحية الغرب فجعلوا مدينة نيسابور عاصمة الإقليم والذي يعرف الآن بإسم خراسان، وهويضم أكثر من نصف خراسان القديمة أما بقية الإقليم فتابع لأفغانستان، وهي البلاد التي تمتد شرقاً من الخط الذي يبدأ من سرخس في الشمال ويتجه صوب الجنوب مباشرة ماراً بمنتصف المسافة بين مشهد وهراة. أما المنطقة الممتدة من مروحتى نهر جيحون فتدخل في الأراضي الروسية). قاصداً قرية يهودية تدعى - أصبهان–
وعرَّف الدكتور يحيى سامي في كتابه (موسوعة المدن العربية والإسلامية) أصبهان بقوله: (إنها من كبيرات مدن إيران - حوالي مليون نسمة - وهي بوابة التاريخ كما تسمى وتقع في وسط هضبة إيران، وتبعد عن العاصمة طهران حوالي- 700 كلم- باتجاه الجنوب، ويمر بها نهر زندروذ، كلمة أصبهان مركبة من شطرين: الأول أصب: وهي تعني البلد،
والثاني: هان وتعني الفارس، فمعناها: بلد الفرسان .
وتنقسم أصبهان إلى مدينتين وبين كل مدينة مقدار ميلين، المدينة الأولى وهي أكبرها تعرف باليهودية)
وهي التي نتكلم عنها. والثانية تُعرف بــ شهرستان وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. قال عليه الصلاة والسلام: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا، عليهم الطيالسة} [6].
أما بالنسبة لقصة الجساسة والتي أتى ذكرها في الحديث، فإنها دابة كثيرة الشعر، ومن كثرة الشعر التي عليها لا يعرف مقدمتها من مؤخرتها، ومهمتها مراقبة الدجال لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى.
ونأخذ من هذا الحديث أن الدجال حي وموجود الآن، بل ومنذ عهد رسول الله r ، كما بيَّنا ذلك، وأنَّه موثق وثاقاً شديدا بالحديد. ومهما تقدم العلم وتطورت التقنية فإنَّ أحداً لن يستطع الوصول إليه فضلاً من أن يطلق سراحه، - وكذلك الحال بالنسبة ليأجوج ومأجوج وسيأتي الحديث عنهما لاحقا إن شاء الله تعالى - لأن له وقتاً مقدراً من قبل علاَّم الغيوب قد كتبه سبحانه فلا يتقدم عنه ساعة ولا يتأخر . وأن خروج الدجال سيسبقه علامات يعرفها هو، منها جفاف بحيرة طبريا ونخل بيسان وغيرها كما جاء في هذا الحديث، وكذلك في حديث- الثلاث سنين شداد والتي تسبق خروج الدجال لعنه الله.
وكما نستفيد من هذا الحديث أن المكان الآمن من الدجال مكة والمدينة فهما محرمتان عليه أن يدخلهما وكذلك بيت المقدس وجبل الطور في فلسطين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وكذلك نستفيد من هذا الحديث أن رؤية الدجال من قبل تميم الداري وهوفلسطيني من فلسطين هووأصحابه كان ذلك سبباً في إسلامه.
نأتي إلى فقرة أخرى من هذه الحلقة، وهي وصف المسيح الدجال كما جاء ذلك من أحاديث الحبيب المصطفىr ، نذكر منها الآتي:
الدجال رجل من بني آدم يهودي ممسوخ الخلقة شيطاني النشأة والنزعة، شيطاني الشكل والصورة، تحيط به الشياطين، حيث جاء من حديث جابر أن النبيr قال: {…ويبعث الله معه الشياطين تكلم الناس …} [7]. ذكره الألباني واستشهد به رحمه الله في قصة المسيح الدجال.
وأما عن شكله وصورته فقد بيَّنها لنا رسول الله r بياناً شافياً كافياً، لا يدع معه شكاً ولا تردداً في التعرف عليه، ففيه علامات تظهر من بعيد، وعلامات تظهر عن قريب.
فإذا نظرت إليه قادماً من بعيد رأيت رجلاً قصيراً ضخم الجثة جداً، آدم – أسمر- أحمر - أدمته صافية قد احمرت وجنته عظيم الرأس كأن رأسه أصلة – أي الأفعى - وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة – جعد الشعر قطط - شديد الجعودة - كأنه مضروب بالماء والرمل، جفال، جفال - حبك، حبك - كثير ملتف – كأن شعره أغصان شجرة، أفحج) تدانت صدور قدميه وتباعدت عقباها.
فإذا اقتربت منه رأيت شبهاً شيطانياً فشق وجهه الأيسر ممسوح العين والحاجب، وعينه اليمنى متقدة خضراء كأنَّها كوكب دري، كأنها زجاجة خضراء ، ليست بناتئة ولا حجراء، جاحظة متدلية على وجنته كأنها عنبة طافية.
فهوإذن أعور العينين، اليسرى طائفة لا شعاع فيها واليمنى ناتئة طافية جاحظة متدلية على وجنته.
وكان هذا القدر من وصفه الدقيق كافياً، ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته شاء أن يستبين لنا أمره فلا يخفى طرفة عين فوصف رسول الله r أبلغ وصف وبينه شافياً فقال r : {مكتوب بين عينيه (كفر) تهجَّاها رسول الله r : (ك، ف، ر) يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ ، ولا أظنه يخفى بعد ذلك على أحد.
وإليك أخي في الله الأحاديث الصحيحة والتي من خلالها استندنا إلى ما وصفنا به المسيح الدجال، لعنه الله لعناً كبيرا.
فعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله r قال: {… ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينة عنبة طافية، … فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال} [8]، متفق عليه. وفي رواية: قال في الدجال: {رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عين اليمنى، أقرب الناس به شبها ابن قطن}.
وجاء في كتاب السنة المجلد الأول عن عبادة أن رسول اللهr قال: {إني قد حذرتكم الدجال حتى قد خشيت أن لا تعقلوا إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج أدعج ممسوح العين ليس بناتئة ولا حجرا فإن ألبس عليكم فأعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا}[9].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك'' ثلاث مرات} 3.
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال تأليف المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، من قوله عليه الصلاة والسلام: {فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي}،وفي حديث عبادة: {إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، ...إنه أعور، - ممسوح - العين اليسرى -، - عليها ظفرة غليظة -، - خضراء كأنها كوكب دري -، -عينه اليمنى كأنها عنبة طافية -، - ليست بناتئة، ولا حجراء-، - جفال الشعر - …} .
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال: {ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته، لقد أنذره نوح r أمته، والنبيون عليهم الصلاة والسلام من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور} [10]. وزاد في رواية: {وأنه بين عينيه مكتوب: كافر؛ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب}[11]. وجاء أيضاً: عن أنس، قال: قال رسول الله r : {ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر} [12]. وجاء أيضاً في سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد الثالث عن النبي r قوله: {الدجال أعور، هجان أزهر - وفي رواية: أقمر، كأن رأسه أصلة، …}. وجاء أيضاً في كتاب قصة المسيح الدجال عن النبي r قوله: {ما خفي عليكم من شأنه؛ فلا يخفين عليكم - إن ربكم ليس بأعور-، ألا ما خفي عليكم من شأنه، - فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور-، - ثلاثا -، - وأشار بيده إلى عينيه -، - وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا -، - إنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله - إنه شاب قطط، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن -، - قصير، أفحج، دعج -، - هجان -، - وإنه آدم، جعد -، - جفال الشعر}. وجاء أيضاً في صحيح ابن ماجه عن حذيفة قال: قال رسول الله r : {الدجال أعور عين اليسرى جفال الشعر …}.
انظر أخي في الله وفقني الله وإياك إلى مايحب ويرضاه إلى هذه الأحاديث الصحيحة التي نطق بها من لا ينطق عن الهوى عن وصف الدجال والتي وصفه بها مما جعل القارئ لهذه الأحاديث كأنه يراه رأي العين، هذا وإن دل على شيء يدل على الحرص الشديد للحبيب المصطفى r وخوفه من أن يقع أحد من أمته في شباك هذا الدجال الخبيث عدوالله، وكل مؤمن سيعاصر زمن الدجال سَيُعصَم بإذن الله إلا من أبى، قياساً على ما جاء في الحديث: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى} 4.
سيُعصَم من أخذ أحاديث رسول الله r الواضحة والجلية عن الدجال وعن وصفه مأخذ الجد بل وصدَّقها وآمن بها وعرفها كما يعرف أبناءه، فهذا سيعصمه سبحانه وتعالى بعونه جلَّ وعلا.
وأما من أعرض عن هذه الأحاديث، وعطَّلها وأولها؛ بأن الدجال هوالتلفاز أومثابة الشر والحرب والفتنة إلى غير ذلك مما أسلفنا الذكر عنه، هذا لا محالة ستدركه فتنة الدجال ويقع في شراكه والعياذ بالله، أعاذنا الله وإياكم من فتنته. هذه الفتنة والتي طالما حذَّرَ منها الحبيب المصطفى r أصحابه، بل وعلَّمهم من الأدعية والأذكار والتي بها يتعوذون بالله العظيم من هذا العدواللَّئيم، وجعل ذلك ورداً لهم يدعون ربهم به في كل صلاة كما يقرؤون السورة من القرآن الكريم وذلك من عظم فتنته قاتله الله ولعنه لعناً كبيرا، حيث مما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والتي تحذِّر من فتنته: فعن إبي أمامة > قال، قال r : {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم} [13] وفي رواية: عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله r : {ما أهبط الله تعالى إلى الأرض- منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة- فتنة أعظم من فتنة الدجال، وقد قلت فيه قولا لم يقله أحد قبلي: إنه آدم جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويقول: أنا ربكم. فمن قال: ربي الله، فلا فتنة عليه، ومن قال: أنت ربي. فقد افتتن، يلبث فيكم ما شاء الله، ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد > على ملته، إماما مهديا، وحكما عدلا، فيقتل الدجال}[14]. وجاء أيضاً: عن عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله r يقول: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال}[15]. وفي رواية: {ولا تكون حتى تقوم الساعة} ، وقال أيضاً: {وهوخارج فيكم لا محالة، إنه لحق، وأما إنه قريب، فكل ما هوآت قريب، وإنما يخرج لغضبة يغضبها، ولا يخرج حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة} [16].
وجاء أيضاً: عن سالم، عن أبيه قال: قام رسول الله r في الناس فأثنى على الله بما هوأهله، فذكر الدجال فقال: {إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه …}[17].
وجاء أيضاً: عن النواس بن سمعان الكلابي قال: {ذكر رسول الله r الدجال الغداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل …}[18]. يشير الحديث إلى المبالغة في تحذير رسول الله r أصحابه من الدجال حتى أعتقدوا رضوان الله عليهم أجمعين أنه في طائفة النخل، وهي ناحية من نواحي المدينة.
وأخبر رسول الله r ، أن الناس يهربون منه في الجبال خوفاً من فتنته، فقد جاء عن جابر بن عبد الله قال حدثتني أم شريك أن رسول الله r قال: {ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال} قالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟! قال: {هم قليل}.
وأما ما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والذي يأمر بها أمته ويرشدهم بالتعوذ من فتنه:
أولاً: الاستعاذة بالله تعالى من شر فتنته، والإكثار منها؛ لا سيما في التشهد الأخير في الصلاة، فقد جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا: {إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أ ربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال}[19]. وثبت في (الصحيحين) وغيرهما عن جمع من الصحابة – منهم عائشة < -: أن النبي r كان يستعيذ من فتنته، بل إنه أمر بالاستعاذة من فتنته أمراً عاماً كما جاء في سلسة الأحاديث الصحيحة من حديثه r لأصحابه: {إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، - أي تتركوا أمواتكم بالعراء من غير دفن - لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر. قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال} 4.
ثانياً: أن يحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، فقد جاء عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللهr : {من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال}[20].
ثالثاً: أن يبتعد عنه، ولا يتعرض له؛ إلا إن كان يعلم من نفسه أنه لن يضره؛ لثقته بربه، ومعرفته بعلاماته التي وصفه بها النبي r بها؛ لما جاء من سنن أبي داود أول كتاب الملاحم بسند صحيح عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله r : {من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهويحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أولما يبعث به من الشبهات}.
رابعاً: أن يسكن مكة والمدينة، فإنهما حرمان آمنان، لقوله عليه الصلاة والسلام: {يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة} [21].
ومثلهما المسجد الأقصى والطور، حيث جاء في كتاب قصة المسيح الدجال وصححه الألباني، قال عليه الصلاة والسلام: {وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه؛ إلا أربع مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، والطور، والمسجد الأقصى}.
واعلم أن هذه البلاد المقدسة إنما جعلها الله عصمة من الدجال لمن سكنها وهومؤمن ملتزم، وإلا مجرد استيطانها وهوفي حياته بعيد عن التأدب بآداب المؤمن فيها فمما لا يجعله في عصمة منه، حيث وكما جاء في حديث الإمام الباهلي وسيأتي سياقه إن شاء الله قريباً في هذه الرسالة، أن الدجال عليه لعنات الله، حين يأتي المدينة النبوية وتمنعه الملائكة من دخولها؛ ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وصاروا من أتباعه كاليهود! وعلى العكس من ذلك؛ فمن كان فيها من المؤمنين الصادقين في إيمانهم؛ فهم مع كونهم أنهم في عصمة من فتنته؛ فقد يخرج إليه بعضهم متحدياً وينادي في وجهه: هذا هوالدجال الذي كان رسول اللهr يحدثنا حديثه، وسيأتي الحديث عنه في هذا السياق أيضاً إن شاء الله تعالى، فالعبرةإذن بالإيمان والعمل الصالح، فذلك هوالسبب الأكبر في النجاة، وأما السكن في هذه الأماكن المقدسة، فهوسبب ثانوي، فمن لم يأخذ بالسبب الأكبر، لم يفده تمسكه بالسبب الأصغر، وقد أشار إلى هذا النبي r بقوله للذي سأله عن الهجرة: {ويحك! إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤتي صدقتها؟. قال: نعم. قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا}[22].
وما أحسن ما رواه الإمام مالك في (الموطأ 2 / 235) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة. – يعني الشام -. فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض المقدسة لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسانَ عملهُ). وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [23].
* نأتي الآن إلى الحديث عن الأحداث والفتن التي تكون بخروج هذا الخبيث اللعين.
انتهينا في الحلقة الماضية والتي تحدثنا فيها عن المهدي إلى حين وصولهم الشام – أي جيش المهدي - بعد رجوعهم من قسطنطينة، عندها يكون قد ظهر الدجال اللعين، فَيُسمَع به عند وصوله، منطقة بين الشام والعراق، كما قال عليه الصلاة والسلام: {إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا..}[24]. وبالطبع ليس هذا المكان، مصدر خروجه، وإنما يسمع المؤمنون بخروجه عند وصوله هذا المكان، وأما مصدر خروجه هي الجزيرة والتي جاء ذكرها في قصة تميم الداري، والله أعلم أين تلك الجزيرة، ويكون سبب خروجه غضبة يغضبها فتنحل عنه تلك الأغلال التي كانت عليه، ولا يكون ذلك إلا بعلم الله تعالى ومشيئته حيث جاء عن حفصة زوج النبيr، إنها قالت لأخيها عبد الله بن عمر: {أما علمت أن رسول الله r قال: {إنما يخرج من غضبة يغضبها} [25].
ثم يكون أول اتجاه له منطقة خراسان كما جاء في الحديث، والشياطين تحيط به تعينه على ضلالته قاصداً منطقة أصبهان حيث السبعون ألفا من يهودها بانتظاره، كلهم ذوسيف محلى وساج، لاعتقاد يعتقدونه عندهم أنه هومخلصهم وأنه هومن سيعيد لهم الأرض المقدسة أرض الميعاد بزعمهم، بعد تحريرها من نجسهم ودنسهم-كما بيَّنا ذلك في رسالتنا والتي أسميناها - نهاية دولة اليهود على ضوء الكتاب والسنة فراجعها).
وجاء في الحديث من قوله r: {إن الدجال يخرج من قبل المشرق من مدينة يقال لها: خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة}[26].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة}[27]. ومعه أيضاً: جنة مزعومة ونار، وكذلك جبلان من طعام وماء ليغوي بهما من لم يعصمهم الله منهم منتهزاً حالة القحط والجفاف والتي عمت الكرة الأرضية بدأت قبل خروجه بثلاث سنوات وبلغت ذروتها في سنة خروجه كما أسلفنا ذكره سابقاً، وأما المؤمنون الصابرون المحتسبون يكون شأنهم في هذه الظروف كشأن الملائكة، حيث التسبيح والتهليل والتكبير يجري فيهم مجرى الطعام والشراب.
استمع معي إلى هذه الأحاديث:
قال عليه الصلاة والسلام يوماً لأصحابه: {أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا وقد أنذره أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعد آدم، ممسوح العين اليسرى، وإن معه جنة ونارا، فناره جنة وجنته نار، وإن معه نهر ماء، وجبل خبز، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، لا يسلط على غيرها، وإنه يمطر السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يقرب أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد المقدس والطور، وما شبه عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور - مرتين} 3.
وجاء أيضاً: {وإن من فتنته، أن معه جنة ونارا، - ونهرا وماء -، - وجبل خبز -، - وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار -، فناره جنة، وجنته نار} انظر قصة الدجال للألباني (1/133)،- وسأله المغيرة بن شعبة عنه؟ فقال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء؟ قال: {هوأهون على الله من ذلك}4.
وفي حديث آخر: {معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج} 5 .
وجا أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت؛ إلا ما شاء الله. قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام} . وفي رواية أخرى عن أسماء بنت يزيد < سألت رسول الله r: {وما يجزي المؤمنين يومئذ؟ قال: يجزيهم ما يجزي أهل السماء , قالت: يا نبي الله! ولقد علمنا أن لا تأكل الملائكة ولا تشرب. قال: ولكنهم يسبحون ويقدسون، وهوطعام المؤمنين يومئذ وشرابهم} [28].
كم الفترة الزمنية التي سيمكثها في الأرض بعد خروجه؟ هذا السؤال سأله الصحابة لحبيبهم المصطفى r، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: {أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم قال فاقدروا له قدره قال قلنا فما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح} [29]. وهنا إشارة إلى أنَّ هناك تغييرات حقيقية ستكون، تبدأ في العالم السفلي - أي في أرضنا هذه - ثم بعد ذلك تتبعها تغييرات في العالم العلوي، كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك، وكل ذلك يبدأ بخروج الدجال لعنه الله، ومن تلكم التغييرات: أن يوماً واحداً من الأربعين يوما والتي سيمكثها الدجال في الأرض بعد خروجه هومقدار سنة على الحقيقة وليس مجازاً أومعنوياً، والشاهد لذلك هوسؤال أصحابه له عليه الصلاة والسلام: أيكفي فيه الخمس صلوات؟ قال عليه الصلاة والسلام فاقدروا له قدره، وهذا نص الحديث والذي رواه أبوداود عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: ذكر رسول الله r الدجال فقال: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته}،
قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: {أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم}، فقلنا: يارسول الله، هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: {لا، اقدروا له قدره، …} [30].
أي سيكون ذلك اليوم كسنة على الحقيقة وليس على المجاز، وكذلك اليوم الذي هوكشهر واليوم الذي هوكجمعة، ثم سائر الأيام كما هي، أي يكون مكثه في الأرض حوالي: سنة - شهر - جمعة (أي سبعة أيام) - سبع وثلاثين-، وهي المتبقية من الأربعين يوما، = أربعة عشر شهراً وستة أيام، هذا مكثه في الأرض.
وأما سرعته في الأرض – وهذه إفادة إلى سرعة فتنته أيضاً – وصفها النبي r: {كالغيث - أي المطر - استدبرته الريح} .
وما وسيلة التنقل له هل بواسطة حاملة الطائرات أوالغواصات أوالطائرات أوالسيارات، بالطبع كل ذلك لا يكون لأن ذلك يصبح في وقته في خبر كان، إذن ما وسيلة التنقل له؟ وسيلة التنقل له تكون عجيبة غريبة خبيثة على شاكلته، هي: حمار عجيب جاء وصفه على لسان رسول الله r، حيث قال: {وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا} [31] , ولا يبقى مكان إلا ووطئه هذا اللعين إلا الأماكن التي حماها الله منه (مكة المكرمة – المدينة المنورة – بيت المقدس – جبل الطور بالقدس). قال ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط "وجبل طور سيناء الذي ببيت المقدس 1/424
فما الذي يفعله هذا الخبيث في الأرض؟ استمع إلى هذا الحديث والذي جمع فأوعى: قال عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال} أي فتنة الدجال الخبيث ليس لها نظير من الفتن التي حدثت على وجه الأرض، من فتنة فرعون، إلى فتنة النمرود إلى فتنة أصحاب الأخدود، إلى فتنة اليهود وأمريكا وأسلحة الدمار الشامل، وغير هذا من الفتن والبلاء الذي حدث والذي سيحدث مستقبلاً، كل ذلك لا يعتد إذا ما قورنت بفتنة الدجال والعياذ بالله من فتنته. وقال r: {وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم}.
فلعظم فتنة هذا اللعين ما بعث الله نبياً إلاَّ وأوحى إليه أن أنذر قومك من هذا اللعين الدجال، علماً أن الله سبحانه وتعالى قدَّر أن يكون خروج الدجال في أمة محمد، ولكن لهول أمره ولعظيم فتنته أن كان وحي الله لجميع الأنبياء والمرسلين أن يحذِّروا قومهم منه، وكان يعطيهم بعض صفاته وليست كلها والتي بينها لها الحبيب المصطفى r، والتي بينها لكم في هذه الرسالة. وقال أيضاً: {وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا وشمالا}، ذكرنا أن أول ما يسمع بخروجه المؤمنون عندما يصل إلى أرض بين الشام والعراق فيعيث فساداً يميناً وشمالاً فلا يدع بيت حجر ولا شجر إلا وقد أصيب من فتنته إلا من عصمه الله منه. وقال أيضاً: {يا عباد الله! أيها الناس! فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أوغير كاتب}، يحث عليه الصلاة والسلام الناس جميعاً عباد الله المؤمنين أن يثبتوا بالإيمان بالله والعمل الصالح من شر هذا الخبيث، ووصفه عليه الصلاة والسلام بوصف خَلقي وهذا ما بيَّناه في هذه الرسالة وبوصف قولي، حيث أول ما يبدأ بفتنته أنه يدعي النبوة، وبالطبع لا نبي بعد محمد r، لقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [32].
وجاء عن أبي أمامة إنه قال: سمعت رسول الله r يقول: {إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم …}[33]. ثم لا يلبث إلا قليلا، وإذا به يدعي الألوهية، تعالى الله الواحد الأحد الفرد الصمد، حيث هذا الخبيث معه ما يفتتن الناس به، فقال عليه الصلاة والسلام ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وهذا مما قضاه سبحانه وتعالى على نفسه أنه سبحانه لا يري ذاته لأحد من خلقه إلا بعد قيام الساعة والوقوف بين يديه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلأ وَحْياً أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَويُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [34].
وجاء عن أبي ذر قال: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: {نور أنى أراه؟! } . وفي رواية: {رأيت نورا} [35]. وأما قوله تعالى: ?ثم دنا فتدلى?: إنما هوجبريل #، كما ثبت في (الصحيحين) عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هوفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا). و
مواضيع مماثلة
» فتنة الدجال و وصف الدجال
» قصة بلعم بن باعوراء وأول فتنة في بني إسرائيل - فتنة النساء
» "ألا إنها ستكون فتنة.
» ثبات أبي بكر على فتنة الطاعة والعبادة
» خطر فتنة الشبهات والشهوات على الشباب" منتديات ملتقى الدعاه
» قصة بلعم بن باعوراء وأول فتنة في بني إسرائيل - فتنة النساء
» "ألا إنها ستكون فتنة.
» ثبات أبي بكر على فتنة الطاعة والعبادة
» خطر فتنة الشبهات والشهوات على الشباب" منتديات ملتقى الدعاه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin