نماذج مِن إيثار الصَّحابة رضوان الله عليهم
ضرب الصَّحابة أروع أمثلة الإيثَار وأجملها، ومَن يتأمَّل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربًا مِن خيال، لولا أنَّه منقولٌ لنا عن طريق الأثبات، وبالأسانيد الصَّحيحة الصَّريحة.
وإليك بعضًا مِن النَّماذج التي تروي لنا صورًا رائعة مِن الإيثَار:
ضيف رسول الله صل الله عليه وسلم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صل الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلَّا الماء. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: مَن يضمُّ- أو يضيف- هذا؟ فقال رجل مِن الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صل الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلَّا قوت صبياني. فقال: هيِّئي طعامك، وأصبحي سراجك (1) ، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيَّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثمَّ قامت كأنَّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنَّهما يأكلان، فباتا طاويين (2) ، فلمَّا أصبح غدا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله اللَّيلة- أو عجب مِن فعالكما-، فأنزل الله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9])) (3)
.
الأنصار... إيثار منقطع النَّظير:
أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون مِن أمر الدُّنْيا شيئًا، قد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم، وأقبلوا على ما عند الله عزَّ وجلَّ يرجون رحمته ويخافون عذابه، فاستقبلهم الأنصار الذين تبوَّؤوا الدَّار، وأكرموهم أيَّما إكرام، ولم يبخلوا عليهم بشيء مِن حطام الدُّنْيا... في صورة يعجز عن وصفها اللِّسان، ويضعف عن تعبيرها البيان:
- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ (4) وكفونا المؤنة، ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كلِّه. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: كلَّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم)) (5) .
- وهذا عبد الرَّحمن بن عوف ((لـمَّا قدم المدينة آخى النَّبيُّ صل الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرَّبيع الأنصاريِّ، وعند الأنصاريِّ امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السُّوق...
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا