الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد ...
فنستأنف أيها الأحبة آداب طلب العلم التي سبق وأن ذكرنا بعضها في اللقاءات السابقة وهذا اللقاء هو خاتمة هذه الآداب التي يسر الله إعدادها ، نبدأ اليوم بالأدب التاسع .الأدب التاسع وهو : عدم اصدار صوت عند تقليب أوراق الكتاب: قال الشافعي رحمه الله: كنت أقلب الورق بين يدي الإمام مالك قلباً خفيفاً لئلا يتأثر الشيخ من سماع صوت الورق .
الأدب العاشر : الإنصات للشـرح وعدم الاشتغال عنه بالحديث أو الجوال وغيرهما : يقول نصر بن عاصم أتيت اليشكري في رهطٍ من بني ليث ، فقال: قدمت الكوفة ، فدخلت المسجد ، فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رءوسهم من خفض الرؤوس والخشوع والصمت ، يستمعون إلى حديث رجلٍ ، فقمت عليهم، فقلت: من هذا ؟ قيل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، فدنوت منه فسمعته يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر... في الحديث المعروف.
قال أحمد بن سنان : كان لا يُتحدث في مجلس عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله ، ولا يُبرى قلم ، ولا يتبسم أحد ، ولا يقوم أحد قائماً ، كأن على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة ، فإذا رأى أحداً منهم تبسم أو تحدث لبس نعله وخرج.
الأدب الحادي عشر : عدم مقاطعة الشيخ في حديث حتى يفرغ من مسألته :قال الإمام البخاري: باب من سُئِل عِلمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث, ثم ساق الحديث وفيه (( أن أعرابيًا قال والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب : متى الساعة؟ فمضى الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه وأعرض عنه حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة ؟ )) .
فدل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه ولكنه أعرض عنه تأديباً له وزجراً له .
الأدب الثاني عشر: الاكتساب من خلق الشيخ وهديه وسمته: ذكر السمعاني وغيره أن مجلس الإمام أحمد رحمه الله كان يحضره خمسة آلاف ، قال الناقل : فكان خمسمئة يكتبون والباقي يستمدون من سمته وخلقه وأدبه .
وقال أبوبكر المطوعي رحمه الله : حضرت مجلس أبي عبد الله وهو يقرئ أبنائه المسند اثنتي عشرة سنه ولم أكن أكتب إنما أنظر إلى أدبه وخلقه .
هذا ما تيسر جمعه وإعداده وأعان الله على بيانه ، رزقنا الله حسن الإقتداء والإتساء بسلفنا الصالح ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
.:إضاءات:.
* قال سفيان الثوري رحمه الله:
" إنما يُتعلّمُ العلم ليُتّقى اللهُ عزَّ وجلَّ به " [ المدخل للبيهقي (٤٧٠) ] .
*قال عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله :
"ما زال القلم في يد أبي حتى مات"! [الكفاية، ص١٨٧]
* قال الإمام الماوردي رحمه الله تعالى :
" لا يُدرك العلم من لا يُطيل درسه ، ويكدُّ نَفْسَه ، وكثرةُ الدرس كَدٌّ ، لا يصبِرُ عليه إلا من يرى العلم مَغْنَماً ، والجهالة مَغْرَماَ ، فيحتمِلُ تَعَبَ الدرس ، لِيُدرِك راحة العلم ، ويَنْفي عنه مَعَرَّةَ الجهل " [أدَبُ الدنيا والدين / ( ص65 )] .
*قال العلامة الزُّرْنوجي رحمه الله تعالى:
"مَنْ تَأَذَّى منه أُستاذُهُ يُحْرَم بَرَكَةَ العلم، ولا يَنْتَفِع به إلا قليلا"] تعليم المتعلِّم(ص/42) [.
قال ابن المبارك رحمه الله : " طلبت العلم فأصبت منه شيئا وطلبت الأدب فإذا أهله قد ماتوا " [الأداب الشرعية 208/4] .
وكتــــبه مـــحب الدعــوة والـــدعــاة
وعضــو مــركـــز الـدعـوة والإرشاد
بالمـملــكة العـــربـــية الــسـعـــوديـــة
عــبـد الـعـــزيــز بـن عـلي الـــقــرني
27 / 8 / 1437هـ