اللطيفة السادسة(6)
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم
بظهور طائفة منكري السنة(القرآنيون) وهم كذبة.
روى المقدام بن معد يكرب الكندي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثله معه، ألا يوشِكُ رجُلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتُم فيه من حلالٍ فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّمُوه))؛
أخرجه أبوداود والترمذؤ وأحمد بسند صحيح
هذا حديث نبويٌّ دوَّنه بعض أهل العلم في دلالات النبوَّة، فكأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ بيننا الآن يصف حالَ أناس يأتون إلى المسلمين ممسِكين بأياديهم السوداء خُطُم الضلال والتدليس والطعن قائلين: ((عليكُم بهذا القُرآن، فما وجدتُم فيه من حلالٍ فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّمُوه))؛ يُريدون بهذا القول إنكار السُنَّة، مُدَّعين أنَّ الحلال والحرام يُعيَّن من كتاب الله فقط، ((ألا إنَّ ما حرَّم رسولُ الله مثلُ ما حرَّم الله)).
وفي كتاب الله ما يوجِّه القلوبَ والعقولَ للتمسُّك بالسنَّة توجيهًا واضحًا لا يأباه إلاَّ من عُجن قلبه بالفتن فتشرَّبها بهواه، فقد ذكر الله في كتابه هذا البيان الواضِح فقال سبحانه: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، فإن كانوا يحرصون على العمل بكلام الله، لألزَمهم هذا البيانُ الواضِح طاعةَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، فأمَّا هؤلاء فسلَّموا قلوبهم تسليمًا، ولكن ليس لحكم الله ورسوله، إنَّما لِما يوافِق هواهم، ويراعي مسالِكَهم الباطلة، ويُجلسهم على أريكتهم في شبعٍ وغَواية.
قال الشيخ المباركفوري في شرحه للحديث: "وهذا الحديث دليل من دلائل النبوَّة وعلامة من علاماتها؛ فقد وقع ما أَخبر به، فإنَّ رجلاً قد خَرج في الفنجاب من إقليم الهند وسمَّى نفسه بأهل القرآن، وشتَّان بينه وبين أهل القرآن، بل هو من أهل الإلحاد، وكان قَبل ذلك من الصَّالحين فأضلَّه الشيطانُ وأغواه وأبعده عن الصِّراط المستقيم، فتفوَّه بما لا يتكلَّم به أهلُ الإسلام، فأطال لسانَه في ردِّ الأحاديث النبويَّة بأسرها ردًّا بليغًا، وقال: هذه كلها مكذوبة ومفتريات على الله تعالى، وإنَّما يجب العمل على القرآن العظيم فقط دون أحاديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحة متواتِرة، ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحت قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وغير ذلك من أقواله الكفريَّة، وتَبِعه على ذلك كثيرٌ من الجُهَّال، وجعلوه إمامًا، وقد أفتى علماءُ العصر بكفره وإلحادِه، وخرَّجوه عن دائرة الإسلام، والأمرُ كما قالوا"؛ اهـ. [تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 7/ 354، 355].