بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 28 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 28 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
ماذا بعد رمضان وماذا أفدنا منه
صفحة 1 من اصل 1
ماذا بعد رمضان وماذا أفدنا منه
ماذا بعد رمضان وماذا أفدنا منه
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
______________________________________
الحمد لله ربِّ العالمين، يربِّي عباده المؤمنين على أخلاق القرآن، وصفات الإيمان، وأعمال أهل الجنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ شفوقٌ بعباده، لطيفٌ بخلقه، بالمؤمنين رءوفٌ رحيم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أول من أسس مدرسة الإيمان، وشيدها متينة البنيان، عالية الأركان، وقسَّم فصولها ووزَّع طلابها ووضَّح مناهجها، ووضع لها شهادات التقدير التي تخرج للمبرزين فيها من العلي القدير.
صلوات الله وسلامه على هذا النَّبيِّ، البشير النذير، السراج المنير، وآله الكرام، وأصحابه العظام، وعلى كل من سار على نهجه إلى يوم الزحام.
(أما بعد) ..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
وبعد الانتهاء من هذه الدورة الإيمانية التي عقدها لنا ربُّ البرية، هذه الدورة التي ليس لها مثيل في دنيا الناس، فنريد أن نتلمس بعض البواعث التي من أجلها فرض علينا الله هذه الدورة الإيمانية.
إن كل ما وقف عنده الحكماء والأطباء أن هذه الدورة الغرض منها تنقية المعدة وإصلاح شأنها، ثم بعد ذلك إصلاح الجسد الحامل لها، وهذا شئٌ عظيم، وأمرٌ كريم، ولكنه ليس الهدف الأساسي كما بيّن الله في قرار التخصيص. فقد قال في قرار إنشاء هذه الدورة
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( (183-البقرة) .
فكان الهدف من هذه الدورة أن يصل المؤمن إلى مقام التقوى، وأن يتعلق بحبل التقوى، وأن ينضم إلى كتيبة الأتقياء، وإلى صفوف الأنقياء، وأن يكون فرداً في جيش سيد الأنبياء، يحارب جحافل الظلام، ويحارب كتائب الشيطان، ويحارب الضلال في أي مكان، ويحارب الرذيلة أينما توجهت، وينشر الفضيلة أينما حلَّ أو ذهب. يسعى بين الناس بالأخلاق، ويزيل من بينهم النفور والخلاف والشقاق، يمشي بعد هذه الدورة في دنيا الناس طبيباً ربَّانياً، معه الأدوية المحمدية، والأشفية الربانية، يعالج الناس بها من أمراض النفوس.
ولو بحثنا في الكون ما وجدنا مصحات لعلاج النفوس من أمراض الأخلاق. نعم نجد مستشفيات لعلاج الأجسام وما أكثرها، وما أوسعها وما أكثر العاملين بها، لكن علاج النفوس من أمراض الأخلاق، وسوء الطباع، من الغضب ومن الغيظ، ومن الحقد ومن الحسد، ومن الحرص ومن الطمع، ومن الغِيرَةِ ومن النفور، ومن الشقاق.
أروني في العالم كله مصحة نفسية تعالج الناس من هذه الأمراض الأخلاقية، مع أنها سبب ما نحن فيه من مشكلات، وكل ما نحن فيه من خلافات ومنازعات.
وغيرها من أنواع المشكلات، إنما سببها فساد الأخلاق وسوء الطباع، وعدم اهتدائنا بهدى النبي المختار، وشمائل أصحابه الأبرار. ولا يوجد مصحة في عالم البشر تعالج هذه الفِطَر إلا المصحة الإيمانية التي خلقها وأوجبها علينا فاطر البشر، وخالق القدر، وأوجب علينا جميعاً أن ندخلها بالاحتساب وصدق الإيمان، ونتنبّه إلى ما فيها من طوابير أخلاقية بيّنها لنا النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
وهذه هى الغاية الكبرى من هذه الدورة، أن نأتي بنفوسنا وندخلها في ورشة الإصلاح الربانية لتنصلح أخلاقها، ليذهب شرُّها، وليكمل خيرها، وليظهر برُّها، حتى إذا خرجت من هذه الدورة سارت النفس طوال العام على هدى من كتاب الله، وعلى هدى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هدى من أخلاق السلف الصالح رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
إن النفس في غيبتها عن التُّقى، وغيبتها عن مراقبة الرقيب، تفعل أعاجيب الشرور، تسطو على الضعيف، وتسرق القوي، وتضرب بيد من حديد على الضعفاء والمساكين لخلوها من نوازع الرحمة التي تأتي من مراقبة رب العالمين عزّ وجل، ولذلك نجد كل يوم صفحات المجلات والجرائد تأتي لنا بالأخبار التى لا تُصَدَّق، والأحوال الغريبة التي عندما نقرأها نتذكر أننا في غابة من الغابات، ولسنا في مجتمع إسلامي، أو مجتمع إيماني.
لأن ما يحدث في هذه المنازعات هو أدنى من أحوال الحيوانات، بل إن الحيوانات بعضها عنده فضائل تغلب على بني الإنسان، فالكلب - مثلاً - لا يأكل لحم أخيه الكلب الميت أبداً!!، يأكل لحم الميتة، ويأكل الجيف، ويأكل القاذورات، لكنه لو وجد أخاه مُلقىً على مزبلة لا يقرب منه، ولا يقترب من لحمه، ولا يمضغه بأسنانه!!
فما بالك بالإنسان الذي يأكل لحم أخيه ميتاً!! يجلس مع أخيه على نهش لحم أخيه، وعلى الكلام في عرض أخيه، وعلى الحديث بما يسوء أخاه، وعلى محاولة جلب الشر لأخيه، وعلى محاولة العمل على إفساد شأن أخيه. أليس هو في هذا الخُلُق يتدنى عن مرتبة الكلب؟
مرتبة آدمية لكنها في الحقيقة أخلاق حيوانية.
إن هذا هو ما يعالجه الصيام، يجعل النفوس تَطْهُرُ لحضرة القدوس، وتراقب الله وتصل إلى مقام مراقبة الله عزّ وجل، وإلى مقام يعتقد صاحبه أن الله مطلع عليه ويراه، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه في الخلوات كما يراقبه في الجلوات، وأنه سبحانه وتعالى يعلم منه خفيَّات الصدور وحركات العيون، ويعلم منه سبحانه وتعالى حتى الخواطر القلبية التي لم تخرج إلى حيِّز التنفيذ.
فإذا علم أن الله مطلع عليه ويراه، فإنه يتَّجِه بالعمل إلى الله، يعامل الله في الخلق، ويعامل الخلق في الله، فيقوم مراقباً لله، يعمل لأن الله يراه ولا ينتظر الأجر في عمله إلا من الله. إذا صنع معروفاً فإنما يصنعه من أجل الله، ولا ينتظر الأجر عليه إلا من الله، وإذا امتنع عن شرٍّ فلمعرفته أن الله يراه، وهو لا يريد أن يسوء نفسه أو يشوه صورته أمام خالقه وباريه، فإنه إذا اطلع عليه وهو في المعصية غضب عليه، وإذا غضب عليه حلَّ به عذابه وسخطه، وهو لا يريد أن يخرج من هذه الحياة إلا بقول الله: ( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ( (8-البينة).
فيخرج الإنسان من هذا الشهر وقد زال ما في جعبته من الحقد على فلان، أو الكره لفلان، أو البغض لفلان، أو حُبِّ الشَّرِّ لفلان، أو الرغبة في الانتقام من فلان، أو غش فلان وفلان.. يُفْرغ ما في جعبته - ما في جعبة النفس - والنفس هي التي فيها هذه الجعبة القذرة تملؤها بالشرور، وتغمرها بالآثام، وتلقي إليك بما فيها - آناء الليل وأطراف النهار - عن طريق الوساوس الشيطانية، والإذاعة النفسانية.
وفي هذا الشهر الكريم، يقوم المولى العظيم - إذا ألقيت نفسك في ورشة القرآن الكريم - بإفراغ ما في النفس من هذه الأوحال، ومن هذه الخصال، ويملؤها بخصال الخير، وبصفات البرِّ، يملؤها بالحبِّ لكل مسلم، ويملؤها بالرحمة لكل مؤمن، ويملؤها بالرغبة في صلة الأرحام، ويملؤها بالرغبة في برِّ الوالدين، ويملؤها بالرغبة في حبور عباد الله، وإدخال السرور على الفقراء والمساكين منهم في شتى بقاع الأرض.
فيخرج الإنسان من هذا الشهر الكريم وقد امتلأ من رأسه إلى أخمص قدميه بتقوى الله، وبمراقبة الله، وبالرغبة في العمل لما يرضي الله، ولما ينال به الشرف بعدما يخرج من هذه الحياة. هذا هو الغرض الأساسي من مدرسة التقوى.
مدرسة التقوى التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً لنا المنهاج فيها: { إذا صمت ليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك }، وتقوم المدرسة الإيمانية بالتدريب العملي على هذه الأعمال التَّقية النَّقية، لمدة شهر كامل، تأمرك فيه تعاليم المدرسة: ألا تغضب إذا استغضبت، وألا ترد إذا شُتمت! حتى إذا شُتمت تقول لك: لا ترد بالمثل! بل قل { إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ }. أى إنى طالب فى هذه المدرسة الإيمانية، ومشترك فى هذه الدورة الروحانية، ومن مواد دراستى التى ألتزم بها وبتطبيقها، أننى صائم عن الخطايا، وصائم عن الدنايا، وصائم عن الأخلاق الفاسدة - بالإضافة بالطبع إلى صيام المعدة عن الطعام والشراب.
فإذا خرجت من هذا الشهر وقد طبقت هذا البرنامج التدريبى شهراً كاملاً، كنت كذلك إذا خاطبك إنسان بالقبيح انصرفت عنه ولم تقابله إلا بكل خير ومليح!! وكنت كما قال ربُّ العالمين: ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ( (63-الفرقان).
أو كما قال {توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير، وادفع عنا الشرّ، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: هنيئاً لكم بصيام هذا الشهر الكريم، فإن الصيام جعله الله عزَّ وجل علاجاً لمشكلاتنا، فإن مشكلاتنا التي تؤرقنا - مشكلة القوت، ومشكلة الغش، ومشكلة الكذب، ومشكلة الخيانة - وكلها مشكلات جعلناها على الهامش من ديننا، أي أن الرجل في زعمه أنه إذا أدَّى الصلاة وكذب فلا شئ عليه!! وإذا أدَّى الصلاة وخان فلا شئ عليه!! وإذا صام رمضان وغشَّ فلا شئ عليه!!
لكن ديننا لا يفرق بين ترك الصلاة والكذب، ولا يفرق بين ترك الصلاة والغش، ولا يفرق بين ترك الصلاة والخديعة، ولا يفرق بين ترك الصلاة وترك الأمانة، ولا يفرق بين ترك الصلاة والتهاون بكل هذه الفضائل، فقد قيل له ذات مرة: {إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّار (1)
مع صلاتها ومع صيامها لا خير فيها!! لأنها فرَّقت بين العبادات وبين الأخلاق والمعاملات التي جاء بها صلى الله عليه وسلم.
و{ سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا - ثم أتبعها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم - {إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}(2) وورد: {قال أبو الدرداء: يا رسول الله، هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدَّث كذب}[3] وفى رواية: { قال: لا، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب}.
انظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم!! تجد جريمة الكذب أخطر في نظره من القتل، ومن السرقة، ومن الزنا، لأنها أفقدتنا الثقة في بعضنا، فلم يعد الواحد منا يأمن أخاه، ولا يثق في كلام أخيه حتى ولو حلف له بالله لا يصدقه! بل إنه أحياناً - لأنه يعلم ضعف إيمانه - لا يرضى له الحلف بربِّه ويحلفه بزوجه!! وكأن زوجه أغلى عليه من ربِّه! ويقول له لا أرضى حتى تحلف بالطلاق. والذي يحلف بالطلاق معناه أن زوجته عنده أغلى من الله عزَّ وجل.
يا قوم ما هذا الذي نحن فيه؟!! وما هذا الذي وصلنا إليه؟!! إن هذا لأن قوماً زعموا أنهم إذا أدُّوا الصلاة، وحافظوا على الصيام، ووقعوا في هذه الذنوب العظام، فلا عليهم شئ!! وهذا يقول فيه الله عزَّ وجل: ] إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ (45-العنكبوت). فالحكمة من الصلاة أن تنهى صاحبها عن الفحشاء. والفحشاء: هي الغيبة والنميمة، والكذب وقول الزور، وجميع الشرور وجميع الفجور، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً}[4]. يعني لا صلاة مقبولة له، مع أنه يؤديها!! ولكنه يؤديها حركات، يضحك بها على نفسه، أو يضحك بها على من حوله: ] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ (9-البقرة).
في الصيام درَّبنا الله على الإخلاص لله، فلو دخل واحد منا في حجرة وأغلق عليه الباب وأكل، لا يطلع عليه إلا الواحد الأحد، الفرد الصمد. وكذا درِّبْ نفسك على هذا الأمر، أنت لو كذبت ولم يطلع عليك أحد فسيطلع عليك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي سيحاسبك على كل شئ. وإذا اغتبت أو سرقت، وإذا خنت، وإذا غللت، وإذا غششت، فأنت خارج هذه الأمة،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[5]. وإن صلى وإن صام، وإن حج البيت الحرام، فليس من أمة الإسلام لأنه أباح لنفسه أن يغشَّ أمة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الغش في نصيحة - كأن يستنصحك رجل فتغشه في نصيحة - وما أكثر هذا في أيامنا هذه.
يقول: ما رأيك في هذه التجارة؟ تقول له لا فائدة فيها لتصرفه عنها وتأخذها لنفسك. ما رأيك في هذا العمل؟ تسفهه له وتحرِّمه عليه وتبيحه لنفسك، لأنك تريد أن تستأثر به لنفسك. أو كان الغش في كيل، أو كان الغش في وزن، أو كان الغش في بيع، أو كان الغش في شراء. وإني أعجب ممن يتباهون ويفتخرون بأنه غش فلاناً وضحك عليه في بيعه كذا، وأنه غشَّ فلاناً وضحك عليه فى كذا، وهؤلاء يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَىً إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ} [6].
أي الذين يتباهون بالفضائح!! وهذه الأعمال القبيحة لا توبة لهم إلا إذا رجعوا إلى الله نادمين أشدَّ الندم، وتابوا توبة نصوحة بشروطها ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه.
فلو أننا خرجنا من شهر الصيام - وهذه النصيحة الصادقة - بالإخلاص لله في السرِّ والعلانية، وأن نراقبه في حركاتنا وسكناتنا، ونعلم أنه مطَّلعٌ على أعمالنا، وهو وحده الذي سيحاسبنا ويجزينا عليه، وكان كل واحد منا في أذنه: ] وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( [ (105-التوبة)، لانْصَلَحَ حال مجتمعنا في الحال، لأن كل الأدواء التي فيه من نسيان مراقبة الرقيب، ومن نسيان أن هناك حساباً شديدا،ً يحاسب فيه المولى على القليل والكثير، على النقير والحقير.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون من هذه النوايا وهذه القبائح، . وأعلنوا له عزَّ وجل، أنكم لن تملُّوا من الصيام، ولكن تريدون استمرار طاعته عزَّ وجل، وذلك بصيام أيام من شهر شوال، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ بستٍّ مِنْ شَوَّالَ فكأنما صَامَ الدَّهْرَ}[7].
فضل كبير في عمل يسير، فإن الحسنة بعشر أمثالها، ورمضان ثلاثون يوماً بثلاثمائة يوم، وست من شوال بستين يوماً، فتوازي ثلاثمائة وستين يوماً، وهي عدد أيام السنة الهجرية، لأن عددها بين ثلاثمائة وخمس وخمسوين وثلاثمائة وستين (355 : 360)، فيكون الإنسان منا صائماً طوال عمره وطوال دهره، وإن كان مفطراً يأكل أو يشرب!! ولا عليك أن تصومها متتالية أو تصومها متفرقة. المهم أن تصومها خلال هذا الشهر. ....... ثم الدعاء
.
******************************
(1) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه
(2)أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق وابن عساكر في تاريخه، عن عبد الله بن جراد، كذا فى الدر المنثور.
(3)أخرجه الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن جراد
(4) رواه الطبراني في الكبير
(5) رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه
(6)رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن أبي قتادة الأنصاري
(7) رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه وأبو داود والطبراني والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
______________________________________
الحمد لله ربِّ العالمين، يربِّي عباده المؤمنين على أخلاق القرآن، وصفات الإيمان، وأعمال أهل الجنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ شفوقٌ بعباده، لطيفٌ بخلقه، بالمؤمنين رءوفٌ رحيم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أول من أسس مدرسة الإيمان، وشيدها متينة البنيان، عالية الأركان، وقسَّم فصولها ووزَّع طلابها ووضَّح مناهجها، ووضع لها شهادات التقدير التي تخرج للمبرزين فيها من العلي القدير.
صلوات الله وسلامه على هذا النَّبيِّ، البشير النذير، السراج المنير، وآله الكرام، وأصحابه العظام، وعلى كل من سار على نهجه إلى يوم الزحام.
(أما بعد) ..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:
وبعد الانتهاء من هذه الدورة الإيمانية التي عقدها لنا ربُّ البرية، هذه الدورة التي ليس لها مثيل في دنيا الناس، فنريد أن نتلمس بعض البواعث التي من أجلها فرض علينا الله هذه الدورة الإيمانية.
إن كل ما وقف عنده الحكماء والأطباء أن هذه الدورة الغرض منها تنقية المعدة وإصلاح شأنها، ثم بعد ذلك إصلاح الجسد الحامل لها، وهذا شئٌ عظيم، وأمرٌ كريم، ولكنه ليس الهدف الأساسي كما بيّن الله في قرار التخصيص. فقد قال في قرار إنشاء هذه الدورة
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( (183-البقرة) .
فكان الهدف من هذه الدورة أن يصل المؤمن إلى مقام التقوى، وأن يتعلق بحبل التقوى، وأن ينضم إلى كتيبة الأتقياء، وإلى صفوف الأنقياء، وأن يكون فرداً في جيش سيد الأنبياء، يحارب جحافل الظلام، ويحارب كتائب الشيطان، ويحارب الضلال في أي مكان، ويحارب الرذيلة أينما توجهت، وينشر الفضيلة أينما حلَّ أو ذهب. يسعى بين الناس بالأخلاق، ويزيل من بينهم النفور والخلاف والشقاق، يمشي بعد هذه الدورة في دنيا الناس طبيباً ربَّانياً، معه الأدوية المحمدية، والأشفية الربانية، يعالج الناس بها من أمراض النفوس.
ولو بحثنا في الكون ما وجدنا مصحات لعلاج النفوس من أمراض الأخلاق. نعم نجد مستشفيات لعلاج الأجسام وما أكثرها، وما أوسعها وما أكثر العاملين بها، لكن علاج النفوس من أمراض الأخلاق، وسوء الطباع، من الغضب ومن الغيظ، ومن الحقد ومن الحسد، ومن الحرص ومن الطمع، ومن الغِيرَةِ ومن النفور، ومن الشقاق.
أروني في العالم كله مصحة نفسية تعالج الناس من هذه الأمراض الأخلاقية، مع أنها سبب ما نحن فيه من مشكلات، وكل ما نحن فيه من خلافات ومنازعات.
وغيرها من أنواع المشكلات، إنما سببها فساد الأخلاق وسوء الطباع، وعدم اهتدائنا بهدى النبي المختار، وشمائل أصحابه الأبرار. ولا يوجد مصحة في عالم البشر تعالج هذه الفِطَر إلا المصحة الإيمانية التي خلقها وأوجبها علينا فاطر البشر، وخالق القدر، وأوجب علينا جميعاً أن ندخلها بالاحتساب وصدق الإيمان، ونتنبّه إلى ما فيها من طوابير أخلاقية بيّنها لنا النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
وهذه هى الغاية الكبرى من هذه الدورة، أن نأتي بنفوسنا وندخلها في ورشة الإصلاح الربانية لتنصلح أخلاقها، ليذهب شرُّها، وليكمل خيرها، وليظهر برُّها، حتى إذا خرجت من هذه الدورة سارت النفس طوال العام على هدى من كتاب الله، وعلى هدى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هدى من أخلاق السلف الصالح رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
إن النفس في غيبتها عن التُّقى، وغيبتها عن مراقبة الرقيب، تفعل أعاجيب الشرور، تسطو على الضعيف، وتسرق القوي، وتضرب بيد من حديد على الضعفاء والمساكين لخلوها من نوازع الرحمة التي تأتي من مراقبة رب العالمين عزّ وجل، ولذلك نجد كل يوم صفحات المجلات والجرائد تأتي لنا بالأخبار التى لا تُصَدَّق، والأحوال الغريبة التي عندما نقرأها نتذكر أننا في غابة من الغابات، ولسنا في مجتمع إسلامي، أو مجتمع إيماني.
لأن ما يحدث في هذه المنازعات هو أدنى من أحوال الحيوانات، بل إن الحيوانات بعضها عنده فضائل تغلب على بني الإنسان، فالكلب - مثلاً - لا يأكل لحم أخيه الكلب الميت أبداً!!، يأكل لحم الميتة، ويأكل الجيف، ويأكل القاذورات، لكنه لو وجد أخاه مُلقىً على مزبلة لا يقرب منه، ولا يقترب من لحمه، ولا يمضغه بأسنانه!!
فما بالك بالإنسان الذي يأكل لحم أخيه ميتاً!! يجلس مع أخيه على نهش لحم أخيه، وعلى الكلام في عرض أخيه، وعلى الحديث بما يسوء أخاه، وعلى محاولة جلب الشر لأخيه، وعلى محاولة العمل على إفساد شأن أخيه. أليس هو في هذا الخُلُق يتدنى عن مرتبة الكلب؟
مرتبة آدمية لكنها في الحقيقة أخلاق حيوانية.
إن هذا هو ما يعالجه الصيام، يجعل النفوس تَطْهُرُ لحضرة القدوس، وتراقب الله وتصل إلى مقام مراقبة الله عزّ وجل، وإلى مقام يعتقد صاحبه أن الله مطلع عليه ويراه، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه في الخلوات كما يراقبه في الجلوات، وأنه سبحانه وتعالى يعلم منه خفيَّات الصدور وحركات العيون، ويعلم منه سبحانه وتعالى حتى الخواطر القلبية التي لم تخرج إلى حيِّز التنفيذ.
فإذا علم أن الله مطلع عليه ويراه، فإنه يتَّجِه بالعمل إلى الله، يعامل الله في الخلق، ويعامل الخلق في الله، فيقوم مراقباً لله، يعمل لأن الله يراه ولا ينتظر الأجر في عمله إلا من الله. إذا صنع معروفاً فإنما يصنعه من أجل الله، ولا ينتظر الأجر عليه إلا من الله، وإذا امتنع عن شرٍّ فلمعرفته أن الله يراه، وهو لا يريد أن يسوء نفسه أو يشوه صورته أمام خالقه وباريه، فإنه إذا اطلع عليه وهو في المعصية غضب عليه، وإذا غضب عليه حلَّ به عذابه وسخطه، وهو لا يريد أن يخرج من هذه الحياة إلا بقول الله: ( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ( (8-البينة).
فيخرج الإنسان من هذا الشهر وقد زال ما في جعبته من الحقد على فلان، أو الكره لفلان، أو البغض لفلان، أو حُبِّ الشَّرِّ لفلان، أو الرغبة في الانتقام من فلان، أو غش فلان وفلان.. يُفْرغ ما في جعبته - ما في جعبة النفس - والنفس هي التي فيها هذه الجعبة القذرة تملؤها بالشرور، وتغمرها بالآثام، وتلقي إليك بما فيها - آناء الليل وأطراف النهار - عن طريق الوساوس الشيطانية، والإذاعة النفسانية.
وفي هذا الشهر الكريم، يقوم المولى العظيم - إذا ألقيت نفسك في ورشة القرآن الكريم - بإفراغ ما في النفس من هذه الأوحال، ومن هذه الخصال، ويملؤها بخصال الخير، وبصفات البرِّ، يملؤها بالحبِّ لكل مسلم، ويملؤها بالرحمة لكل مؤمن، ويملؤها بالرغبة في صلة الأرحام، ويملؤها بالرغبة في برِّ الوالدين، ويملؤها بالرغبة في حبور عباد الله، وإدخال السرور على الفقراء والمساكين منهم في شتى بقاع الأرض.
فيخرج الإنسان من هذا الشهر الكريم وقد امتلأ من رأسه إلى أخمص قدميه بتقوى الله، وبمراقبة الله، وبالرغبة في العمل لما يرضي الله، ولما ينال به الشرف بعدما يخرج من هذه الحياة. هذا هو الغرض الأساسي من مدرسة التقوى.
مدرسة التقوى التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً لنا المنهاج فيها: { إذا صمت ليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك }، وتقوم المدرسة الإيمانية بالتدريب العملي على هذه الأعمال التَّقية النَّقية، لمدة شهر كامل، تأمرك فيه تعاليم المدرسة: ألا تغضب إذا استغضبت، وألا ترد إذا شُتمت! حتى إذا شُتمت تقول لك: لا ترد بالمثل! بل قل { إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ }. أى إنى طالب فى هذه المدرسة الإيمانية، ومشترك فى هذه الدورة الروحانية، ومن مواد دراستى التى ألتزم بها وبتطبيقها، أننى صائم عن الخطايا، وصائم عن الدنايا، وصائم عن الأخلاق الفاسدة - بالإضافة بالطبع إلى صيام المعدة عن الطعام والشراب.
فإذا خرجت من هذا الشهر وقد طبقت هذا البرنامج التدريبى شهراً كاملاً، كنت كذلك إذا خاطبك إنسان بالقبيح انصرفت عنه ولم تقابله إلا بكل خير ومليح!! وكنت كما قال ربُّ العالمين: ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ( (63-الفرقان).
أو كما قال {توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله،
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير، وادفع عنا الشرّ، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا أيها الأخوة المؤمنون: هنيئاً لكم بصيام هذا الشهر الكريم، فإن الصيام جعله الله عزَّ وجل علاجاً لمشكلاتنا، فإن مشكلاتنا التي تؤرقنا - مشكلة القوت، ومشكلة الغش، ومشكلة الكذب، ومشكلة الخيانة - وكلها مشكلات جعلناها على الهامش من ديننا، أي أن الرجل في زعمه أنه إذا أدَّى الصلاة وكذب فلا شئ عليه!! وإذا أدَّى الصلاة وخان فلا شئ عليه!! وإذا صام رمضان وغشَّ فلا شئ عليه!!
لكن ديننا لا يفرق بين ترك الصلاة والكذب، ولا يفرق بين ترك الصلاة والغش، ولا يفرق بين ترك الصلاة والخديعة، ولا يفرق بين ترك الصلاة وترك الأمانة، ولا يفرق بين ترك الصلاة والتهاون بكل هذه الفضائل، فقد قيل له ذات مرة: {إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّار (1)
مع صلاتها ومع صيامها لا خير فيها!! لأنها فرَّقت بين العبادات وبين الأخلاق والمعاملات التي جاء بها صلى الله عليه وسلم.
و{ سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا - ثم أتبعها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم - {إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}(2) وورد: {قال أبو الدرداء: يا رسول الله، هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدَّث كذب}[3] وفى رواية: { قال: لا، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب}.
انظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم!! تجد جريمة الكذب أخطر في نظره من القتل، ومن السرقة، ومن الزنا، لأنها أفقدتنا الثقة في بعضنا، فلم يعد الواحد منا يأمن أخاه، ولا يثق في كلام أخيه حتى ولو حلف له بالله لا يصدقه! بل إنه أحياناً - لأنه يعلم ضعف إيمانه - لا يرضى له الحلف بربِّه ويحلفه بزوجه!! وكأن زوجه أغلى عليه من ربِّه! ويقول له لا أرضى حتى تحلف بالطلاق. والذي يحلف بالطلاق معناه أن زوجته عنده أغلى من الله عزَّ وجل.
يا قوم ما هذا الذي نحن فيه؟!! وما هذا الذي وصلنا إليه؟!! إن هذا لأن قوماً زعموا أنهم إذا أدُّوا الصلاة، وحافظوا على الصيام، ووقعوا في هذه الذنوب العظام، فلا عليهم شئ!! وهذا يقول فيه الله عزَّ وجل: ] إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ (45-العنكبوت). فالحكمة من الصلاة أن تنهى صاحبها عن الفحشاء. والفحشاء: هي الغيبة والنميمة، والكذب وقول الزور، وجميع الشرور وجميع الفجور، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً}[4]. يعني لا صلاة مقبولة له، مع أنه يؤديها!! ولكنه يؤديها حركات، يضحك بها على نفسه، أو يضحك بها على من حوله: ] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ (9-البقرة).
في الصيام درَّبنا الله على الإخلاص لله، فلو دخل واحد منا في حجرة وأغلق عليه الباب وأكل، لا يطلع عليه إلا الواحد الأحد، الفرد الصمد. وكذا درِّبْ نفسك على هذا الأمر، أنت لو كذبت ولم يطلع عليك أحد فسيطلع عليك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي سيحاسبك على كل شئ. وإذا اغتبت أو سرقت، وإذا خنت، وإذا غللت، وإذا غششت، فأنت خارج هذه الأمة،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[5]. وإن صلى وإن صام، وإن حج البيت الحرام، فليس من أمة الإسلام لأنه أباح لنفسه أن يغشَّ أمة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الغش في نصيحة - كأن يستنصحك رجل فتغشه في نصيحة - وما أكثر هذا في أيامنا هذه.
يقول: ما رأيك في هذه التجارة؟ تقول له لا فائدة فيها لتصرفه عنها وتأخذها لنفسك. ما رأيك في هذا العمل؟ تسفهه له وتحرِّمه عليه وتبيحه لنفسك، لأنك تريد أن تستأثر به لنفسك. أو كان الغش في كيل، أو كان الغش في وزن، أو كان الغش في بيع، أو كان الغش في شراء. وإني أعجب ممن يتباهون ويفتخرون بأنه غش فلاناً وضحك عليه في بيعه كذا، وأنه غشَّ فلاناً وضحك عليه فى كذا، وهؤلاء يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَىً إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ} [6].
أي الذين يتباهون بالفضائح!! وهذه الأعمال القبيحة لا توبة لهم إلا إذا رجعوا إلى الله نادمين أشدَّ الندم، وتابوا توبة نصوحة بشروطها ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه.
فلو أننا خرجنا من شهر الصيام - وهذه النصيحة الصادقة - بالإخلاص لله في السرِّ والعلانية، وأن نراقبه في حركاتنا وسكناتنا، ونعلم أنه مطَّلعٌ على أعمالنا، وهو وحده الذي سيحاسبنا ويجزينا عليه، وكان كل واحد منا في أذنه: ] وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( [ (105-التوبة)، لانْصَلَحَ حال مجتمعنا في الحال، لأن كل الأدواء التي فيه من نسيان مراقبة الرقيب، ومن نسيان أن هناك حساباً شديدا،ً يحاسب فيه المولى على القليل والكثير، على النقير والحقير.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون من هذه النوايا وهذه القبائح، . وأعلنوا له عزَّ وجل، أنكم لن تملُّوا من الصيام، ولكن تريدون استمرار طاعته عزَّ وجل، وذلك بصيام أيام من شهر شوال، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ بستٍّ مِنْ شَوَّالَ فكأنما صَامَ الدَّهْرَ}[7].
فضل كبير في عمل يسير، فإن الحسنة بعشر أمثالها، ورمضان ثلاثون يوماً بثلاثمائة يوم، وست من شوال بستين يوماً، فتوازي ثلاثمائة وستين يوماً، وهي عدد أيام السنة الهجرية، لأن عددها بين ثلاثمائة وخمس وخمسوين وثلاثمائة وستين (355 : 360)، فيكون الإنسان منا صائماً طوال عمره وطوال دهره، وإن كان مفطراً يأكل أو يشرب!! ولا عليك أن تصومها متتالية أو تصومها متفرقة. المهم أن تصومها خلال هذا الشهر. ....... ثم الدعاء
.
******************************
(1) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه
(2)أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق وابن عساكر في تاريخه، عن عبد الله بن جراد، كذا فى الدر المنثور.
(3)أخرجه الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن جراد
(4) رواه الطبراني في الكبير
(5) رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه
(6)رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن أبي قتادة الأنصاري
(7) رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه وأبو داود والطبراني والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه
مواضيع مماثلة
» ماذا بعد رمضان؟
» اقوال المالكيه وادلتهم فى من اكل او شرب ناسيا فى نهار رمضان ماذا عليه
» صيام رمضان ركن من أركان الإسلام .. ولا يكتمل إسلام المرء إلا بصيام شهر رمضان .
» الدرس الاول ( إلى الزوجين في رمضان ) من دروس ( واحة رمضان )
» البسلمه وماذا فيها.....
» اقوال المالكيه وادلتهم فى من اكل او شرب ناسيا فى نهار رمضان ماذا عليه
» صيام رمضان ركن من أركان الإسلام .. ولا يكتمل إسلام المرء إلا بصيام شهر رمضان .
» الدرس الاول ( إلى الزوجين في رمضان ) من دروس ( واحة رمضان )
» البسلمه وماذا فيها.....
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin