بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 36 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 36 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
أثر الزكاة في الفرد والمجتمع
صفحة 1 من اصل 1
أثر الزكاة في الفرد والمجتمع
أثر الزكاة في الفرد والمجتمع - خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
---------------------
الحمد لله رب العالمين لله ربِّ العالمين، أنزل لنا ديناً قيماً، فيه العقيدة الحقة، والعبادات الخالصة، والمعاملات الحسنة، والأخلاق الكريمة، وكل ما ينفع الإنسان في دنياه، ويرفعه في الآخرة يوم لقاء الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزل لنا تشريعاً إلهياً قيماً فيما يوثق علاقة العبد بمولاه، وما ينظم الحياة والروابط الاجتماعية بين خلق الله، وما ينظم للمرء كل ما يحتاجه في دنياه وكل ما يريد تحققه من الله في أخراه، فنعم الدين ونعم الربُّ العظيم الكريم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، اصطفاه الله عزَّ وجلَّ وحباه، ورقاه وأعلى شأنه وأدناه، وجعله إماماً فارقاً بين الحق والباطل، نظم به الشرائع، وقوَّى به العلاقات بين الأفراد، ووثق فيه روابط المجتمعات، حتى صار العرب في عصره وهم الأمة الفقيرة الذليلة – صاروا بعد الذلة أعزَّة، وبعد الفاقة أغنياء، وبعد الضعف أقوياء، وبعد الفرقة جمعاء، حتى انفردوا في الوجود وصاروا خير أمة أخرجها الخالق المعبود.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وأرشدنا جميعاً إلى هداه، ووفقنا أجمعين لإحياء شرعه يا الله، واجعلنا عاملين بسنته، محافظين على طاعته، وبلغنا في الدنيا منازل الاقتداء به، وبلغنا في الآخرة منازل شفاعته أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن ننظر في أحوال مجتمعنا الآن، والكل يرى المشكلات التي نعاني منها جميعاً، والبعض يقترح الحلول لها من نفسه، والبعض يريد أن يأتي بتجارب الآخرين من أهل الغرب أو الأمريكان واليابانيين وغيرهم – لنقضي على مشكلة الفقر، ونقضي على مشكلة البطالة، ونقضي على الأمور المستحكمة في مجتمعنا والتي بسببها فقدنا الأمن والأمان، وأصبحنا كأننا في غابةٍ يأكل القويُّ – الذي معه السلاح ودجج به – الفقير الذي لا يعتمد إلا على العليِّ القدير عزَّ وجلَّ.
بينما الله عزَّ وجلَّ وضع لنا في كتابه، ونفذ النبي صلى الله عليه وسلم ذاك في أيام عصره ونبوته، وسار على هديه الخلفاء الراشدون، والولاة الصالحون، فكانت الأمة كلها في سعادة وارفة.
وضع الله عزَّ وجلَّ لنا علاجاً لمشكلة الفقر، وعلاجاً لمشكلة الأحقاد والأحساد والبغضاء التي استقرت في القلوب، وعلاجاً لمشكلة الأمن والأمان الذي ترتعب منه القلوب، جعل ذلك في أمر واحد، قال فيه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (103التوبة)
فرض على المسلمين فريضة الزكاة، وفريضة الزكاة هي حقٌّ لله جلَّ في علاه، فالزارع كل ما عليه أن يضع النبات أو الحبة في أرض الله، ثم بعد ذلك يتولى النبات مولاه؛ هو الذي يحضر له الماء، وهو الذي يأتي له بالهواء، وهو الذي يغذيه من باطن الأرض حتى يحدث له النماء، وهو الذي يراقبه ويلحظه من كل آفات الزراعة، وهو الذي يضع له الطعم، وهو الذي يضع له اللون، وهو الذي يضع له الحجم، وهو الذي يتولى إنضاجه. ويطلب مقابل ذلك من المرء أن يخرج عُشر أو نصف عشر ما حصده ليعطيه للفقراء، ليس تكرماً من عنده، وليس تشريفاً له عليهم، وإنما هي الحقوق يعطيها لأهلها، وقد قال المولى العظيم في شأنها:
(الأغنياء وكلائي، والفقراء عيالي، فإذا بخل وكلائي على عيالي أذقتهم نكالي ولا أبالي){1}.
فيخرج الزكاة التي هي حق الفقير.
هذه الزكاة تطهر أولاً قلب المزكي وهو الغني من مرض الشُّح، ومرض البخل، ومرض الأنانية، ومرض الأثرة، ليكون عبداً يحبه الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن المؤمنين بالله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه){2}. لابد أن يكون يحب الخير لأخيه وللناس أجمعين كما يحبه لنفسه.
وتعالج الزكاة مرض الحقد والحسد عند الفقير، لأنه يعلم أن له حقاً رتبه له العليُّ القدير، فإذا الخيرات زاد نصيبه فيفرح للزيادة، وإن قلت الخيرات يحزن لأنه يقل نصيبه في الحصاد، فلا يشمت في الغني إذا خسر، ولا يحقد عليه إذا جنى، ولا ينفطر قلبه حسداً إذا رآه، لأنه يعلم أن له نصيباً فيما جنت يداه، تريبٌ إلهيٌّ رتبه له الله جلَّ في علاه.
ثم الزكاة تزكي هذا المال، فتكون كشركة تأمين عقدها ربُّ العالمين مع المزكين والمتصدقين – ضد الحريق، وضد الغرق، وضد الآفات، وضد كل العثرات، ماداموا أخرجوا النسبة التي طالبهم بها رب الأرض والسماوات عزَّ وجلَّ. ولذلك حذر نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم من لم يخرجها فقال: (مامنع قوم الزكاة الا ابتلاهم الله بالسّنين){3} ، فإذا أخرجوها فقد عملوا بقول الحبيب: (حصنوا أموالكم بالزكاة){4}.
لا تحصين كتحصين ربِّ العالمين، وشرطه أن يدفع ما طالبه به الربُّ المكين، ويؤدي حق الله عزَّ وجلَّ للفقراء والمساكين. إذا فعلنا ذلك، كيف تحلُّ مشكلاتنا الاقتصادية؟
تعالوا معي في عجالة سريعة إلى تطبيق لهذه الشريعة الإلهية في خطة نصف خمسية، فقد طبقها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في سنتين ونصف هي مدة خلافته.
خصص قوماً يجمعون الزكاة وينفقونها في مصارفها التي حددها الله، في قوله جلَّ في علاه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) إلى آخر الآية (60التوبة)، فجمعوا الزكاة في كل بلد، وغطوا الفقراء حتى لم يجدوا فقيراً واحداً في أي بلد من بلاد الخلافة، وكانت من الصين إلى المحيط الأطلسي، ومن أوربا إلى بلاد الهند، كلها دولة واحدة، دولة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
لم يجدوا فقيراً واحداً بعد ذلك يستحق الزكاة، فرجعوا إليه فقال: ابحثوا في شأن المدينين، فأعلنوا في البلاد: كل من عليه دين يتقدم بدينه، وسددوا الديون لكل أفراد الشعب من هذه الزكاةن وبقي رصيد كبير من هذه الزكاة، فقال رضي الله عنه: انظروا الشباب الذي يريد الزواج وأعرضوا عليه أن يختار فتاةً يريد نكاحها والزواج بها ويكون الجهاز والمهر من بيت مال المسلمين من الزكاة.
زوَّج شباب الأمة وفتياتها وبقي رصيد من الزكاة، فقال: مهِّدوا الطرق للمسافرين، واجعلوا على كل مرحلة دار ضيافة، واجعلوا بها إدارة فيها طاهٍ يطبخ الطعام للمسافرين، فإذا نزلوا وجدوا طعاماً مجاناً يأكلوه، وفراشاً ينامون عليه، ومكاناً لخيولهم ودوابهم، ومخزناً به علف لدوابهم طوال مراحل الطريق.
وبقي هناك أموال من أموال الزكاة، فقال: افتحوا حلقات في مساجد المسلمين لتعليم الأميين القراءة والكتابة مجاناً من بيت مال المسلمين، وأتوا بمعلمين يأخذون أجورهم من مال الزكاة، وأتوا بالألواح – وكانت هي التي يكتب عليها في هذا الزمان – والطباشير، واجعلوا ذلك كله من باقي أموال الزكاة التي في بيت مال المسلمين.
فتمكن رضي الله عنه وأرضاه من القضاء على الأمية للرجال والنساء من الزكاة ولم يكلف خزانة الدولة شيئاً، ولم يطلب قروضاً من جيرانه، ولا معونات من أصدقائه، لأن الله أنزل للمؤمن شرعاً يغنيه، إذا طبق شرع الله وأخرج الزكاة.
ونحن في موسم الحصاد – حصاد القمح، كل إنسان حصد من زرعه خمسين كيلة أو يزيد علي أن يخرج حق الله؛ إن كان يسقيها من غير آلة يخرج العُشر، وإن كان يسقيها بآلة يخرج نصف العُشر – قبل أن يدخل الحب إلى بيته، لأن الله قال في القرآن: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (141الأنعام). قال العلماء: الإسراف هنا يعني التأخير، يقول: لا أخرجها حتى أدخلها البيت، فإذا أدخلها البيت يتباطئ، وربما حدث مشادة بينه وبين زوجه، أو بينه وبين أولاده فلا يخرجون حق الله، ثم يشكون بعد ذلك مما ينتابهم من عقوبات إلهية جعلها الله عزَّ وجلَّ لمن لم يخرج الزكاة.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانوا ينظرون في زكاة أموالهم في شهر شعبان)، جعلوا شهر شعبان شهر إخراج زكاة الأموال، وزكاة المال تخرج كل عام هجري – ولا يجوز أن تمشي على التأريخ الميلادي – فجعلوا عام إخراج الزكاة هو الهجري، موعدها هو شهر شعبان، وكانت حجتهم كما قال: (ليستعين بها الفقراء والمساكين على صوم رمضان)، فإذا وصله حق الله خفف عن نفسه العمل في رمضان، ووسَّع على أهله بعض الحاجات والتي يحتاجونها في شهر رمضان، فشارك المسلمين في الصيام فرحاً مستبشراً لأنه وصله حقُّ مولاه.
والمال الذي يجب فيه الزكاة هو المال الذي يصل إلى ثمن خمسة وثمانين جراماً من الذهب عيار واحد وعشرين ويمرُّ عليه عام. إذا بلغ مع الإنسان هذا النصاب – وهو يزيد عن العشرين ألف جنيهاً ومر عليه عام – لابد أن يخرج الزكاة.
الذي يتعلل بأنه يدخر هذا المال للبناء أو للزواج أو للحج، أو لأي غرض آخر ويريد أن يتنصل من الزكاة، نقول له: هذا لا يجيزخ لك شرع الله جلَّ وعلا، عليك أن تخرج الزكاة، وتوقن بقول الله عزَّ وجلَّ: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39سبأ)، وقوله صلى الله عله وسلم: (ما نقصت صدقة من مال){5}.
الصدقة لا تنقص المال بل تزيد فيه، لأنه تنزل فيه البركة من الله، والنماء من عند الله، ويكون له الحفظ والصيانة من الله، فتقضي به ما تريد بإذن الله، لأنك تمتثل لهدي الله جلَّ في علاه. قال صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ){6}.
أو كما قال: (أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين لله، الحمد لله على هداه، والشكر لله عزَّ وجلَّ على نعمة الإسلام والهداية والإيمان بالله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعزَّنا بدينه، وقوَّانا بقرآنه، وهدانا بهداه لاتباع حبيبه ومصطفاه. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، جاءنا بصلاح الدنيا والآخرة، جاءنا بما ينفعنا في أنفسنا وبما فيه مصلحة أولادنا في الدنيا، وبما فيه صلاح مجتمعاتنا كلها في هذه الحياة، وبما فيه نفعنا ورفعتنا يوم لقاء الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المحبوب، الذي تقر به الأعين في الدنيا والآخرة وتمحو به عنا الذنوب، واجعله صلى الله عليه وسلم مهجة أفئدتنا وحياة قلوبنا، وشفيعاً لنا يوم حشرنا أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في أول يوم من أيام شهر شعبان المبارك، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعود علينا هذا الشهر ومن بعده رمضان بالخيرات والبركات، والأمن والأمان لنا ولإخواننا، ولأولادنا وبناتنا، وجميع المسلمين والمسلمات- نريد أن نعرف الروشتة النبوية التي كان يمشي عليها خير البرية في هذا الشهر الكريم، فقد كان له صلى الله عليه وسلم خصوصيات يحافظ عليها في هذا الشهر، ونحن يلزم علينا أن نتأسى بحضرته، وأن نتابعه صلى الله عليه وسلم في هديه وسيرته.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان){7}.
إذن كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، فأرادوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أن يعرفوا السبب في ذلك، وكانوا يهابونه ويستحيون أن يسألوا حضرته، فجاءوا بأسامة بن زيد الذي رباه منذ صباه في بيته، وكان يحبه، حتى كان يقال عنه: ((حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم)) – وطلبوا منه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكشف لهم هذا السرَّ. فقال أسامة: يا رسول الله، ما ريناك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شهر شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم:
(ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم){8}.
إذن أول بند في هذه الروشتة النبوية نتدرب على الصيام، نجهز أنفسنا للصيام، حتى إذا جاء شهر رمضان كنا قد استعددنا وتجهزنا فلا نتملل من الصيام، ولا نشكو ضجراً ولا مللاً من الصيام لأننا تعودنا على ذلك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم لنا ذلك.
الأمر الثاني: كان صلى الله عليه وسلم يديم القيام بين يدي الله في شهر شعبان، وخاصة في الثلث الأخير من الليل، وكان أدبه صلى الله عليه وسلم أن يستأذن زوجاته ويخرج لمناجة الله في الوقت الذي يتنزل فيه الله إلى السماء الدنيا، ويقول فيه صلى الله عليه وسلم:
(إن ربنا تبارك وتعالى يتنزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل في كل ليلة وينادي: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مسترزق فأرزقه، هل من مبتلى فأعافيه، هل من كذا هل من كذا، حتى مطلع الفجر){9}.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الشاكرين الذاكرين الفاكرين الحاضرين بين يديه في كل وقتٍ وحين، وأن يجعلنا بين يديه من الخاشعين الضارعين المخبتين المنيبين إليه بصدقٍ على الدوام أجمعين.
يا من تشكو من قلة الإجابة رغم كثرة الدعاء، هل دعوتم في الوقت الذي تحقق فيه إجابة الدعاء؟. إن نداء الله في وقت السحر لا يرد، دعاؤه يستجاب، لأن هذا كلام النبي، وهذا ما أشار إليه كتاب رب العالمين عزَّ وجلَّ.
أضاف إلى هذا البرنامج سلفنا الصالح والصحابة المباركين؛ علموا أن الله أنزل في هذا الشهر المبارك آية لنا جماعة المسلمين، تدعونا إلى طاعة محببة إلى ربِّ العالمين، فيها شكر لله على بعثة سيد الأولين والآخرين، نزلت هذه الآية في هذا الشهر:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56الأحزاب)
فكانوا يكثرون من الصلاة والتسليم على الرءوف الرحيم في هذا الشهر الكريم، لأن الله فرض علينا ذلك في هذا الشهر. وكانوا يبدأون هذا الشهر الميمون بالتوبة النصوح، ورد المظالم إلى أهلها، وصلة الأرحامن والاستعداد بالفقه في الصيام لدخول شهر رمضان. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعيننا على شعبان، وأن يبلغنا رمضان، وقولوا جميعاً:
((تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، زندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً، وبرئنا من كل شيء يخالف دين الإسلام).
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واجعلنا من عبادك التائبين، واجعلنا من عبادك المتطهرين، وأحبنا حبًّا خالصاً يباعد بيننا وبين الذنوب والمعاصي يا أكرم الأكرمين.
اللهم اشرح صدورنا للطاعات، وافتح قلوبنا للبرِّ والخيرات، واملأ أفئدتنا بمحبتك وحب جميع المسلمين والمسلمات، واجعلنا في هذا الشهر الكريم من عبادك المرحومين.
اللهم حبب إلينا فعل الطاعات، وعمل الخيرات، واستباق الصالحات، وبغِّض إلينا المعاصي والسيئات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوالنا، وأحوال أولادنا وبناتنا، وأحوال حكامنا وولاة أمورنا، وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين.
اللهم أصلح الراعي والرعية، واجمعنا جامعة إسلامية، واقض على فتن الطغاة والتمردين والتمربصين بهذا البلد سوءً يا خبر الناصرين.
اللهم لا تبقِ في أرض الكنانة إلا كل قلب تقي نقي، وأخرج منها كل قلب يحب الغيَّ لغيره من المؤمنين، واقضِ على اليهود ومن عاونهم أجمعين، وطهِّر أرض بيت المقدس وأرض فلسطين، ووحد صفوف المسلمين في العراق وليبيا والصومال وأفغانستان، واجمع شمل المسلمين في كل مكان، وردهم إلى شرعك ودينك وسنة نبيك يا حنان يا منان.
عباد الله اتقوا الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
{1} ورد في الأثر عن الإمام جعفر الصادق
{2} رواه البخاري ومسلم
{3} رواه الطبرانى والحاكم والبيهقى
{4} رواه الطبراني في الأوسط والكبير
{5} رَوَاهُ مُسْلِمٌ
{6} رَوَاهُ مُسْلِمٌ
{7} رواه البخاري ومسلم
{8} مسند أحمد وسُنن النسائي
{9} ﺍﻟﺮﺍﻭﻱ: ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﺤﺪﺙ: ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻱ - ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ: ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ
---------------------
الحمد لله رب العالمين لله ربِّ العالمين، أنزل لنا ديناً قيماً، فيه العقيدة الحقة، والعبادات الخالصة، والمعاملات الحسنة، والأخلاق الكريمة، وكل ما ينفع الإنسان في دنياه، ويرفعه في الآخرة يوم لقاء الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزل لنا تشريعاً إلهياً قيماً فيما يوثق علاقة العبد بمولاه، وما ينظم الحياة والروابط الاجتماعية بين خلق الله، وما ينظم للمرء كل ما يحتاجه في دنياه وكل ما يريد تحققه من الله في أخراه، فنعم الدين ونعم الربُّ العظيم الكريم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، اصطفاه الله عزَّ وجلَّ وحباه، ورقاه وأعلى شأنه وأدناه، وجعله إماماً فارقاً بين الحق والباطل، نظم به الشرائع، وقوَّى به العلاقات بين الأفراد، ووثق فيه روابط المجتمعات، حتى صار العرب في عصره وهم الأمة الفقيرة الذليلة – صاروا بعد الذلة أعزَّة، وبعد الفاقة أغنياء، وبعد الضعف أقوياء، وبعد الفرقة جمعاء، حتى انفردوا في الوجود وصاروا خير أمة أخرجها الخالق المعبود.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وأرشدنا جميعاً إلى هداه، ووفقنا أجمعين لإحياء شرعه يا الله، واجعلنا عاملين بسنته، محافظين على طاعته، وبلغنا في الدنيا منازل الاقتداء به، وبلغنا في الآخرة منازل شفاعته أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن ننظر في أحوال مجتمعنا الآن، والكل يرى المشكلات التي نعاني منها جميعاً، والبعض يقترح الحلول لها من نفسه، والبعض يريد أن يأتي بتجارب الآخرين من أهل الغرب أو الأمريكان واليابانيين وغيرهم – لنقضي على مشكلة الفقر، ونقضي على مشكلة البطالة، ونقضي على الأمور المستحكمة في مجتمعنا والتي بسببها فقدنا الأمن والأمان، وأصبحنا كأننا في غابةٍ يأكل القويُّ – الذي معه السلاح ودجج به – الفقير الذي لا يعتمد إلا على العليِّ القدير عزَّ وجلَّ.
بينما الله عزَّ وجلَّ وضع لنا في كتابه، ونفذ النبي صلى الله عليه وسلم ذاك في أيام عصره ونبوته، وسار على هديه الخلفاء الراشدون، والولاة الصالحون، فكانت الأمة كلها في سعادة وارفة.
وضع الله عزَّ وجلَّ لنا علاجاً لمشكلة الفقر، وعلاجاً لمشكلة الأحقاد والأحساد والبغضاء التي استقرت في القلوب، وعلاجاً لمشكلة الأمن والأمان الذي ترتعب منه القلوب، جعل ذلك في أمر واحد، قال فيه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (103التوبة)
فرض على المسلمين فريضة الزكاة، وفريضة الزكاة هي حقٌّ لله جلَّ في علاه، فالزارع كل ما عليه أن يضع النبات أو الحبة في أرض الله، ثم بعد ذلك يتولى النبات مولاه؛ هو الذي يحضر له الماء، وهو الذي يأتي له بالهواء، وهو الذي يغذيه من باطن الأرض حتى يحدث له النماء، وهو الذي يراقبه ويلحظه من كل آفات الزراعة، وهو الذي يضع له الطعم، وهو الذي يضع له اللون، وهو الذي يضع له الحجم، وهو الذي يتولى إنضاجه. ويطلب مقابل ذلك من المرء أن يخرج عُشر أو نصف عشر ما حصده ليعطيه للفقراء، ليس تكرماً من عنده، وليس تشريفاً له عليهم، وإنما هي الحقوق يعطيها لأهلها، وقد قال المولى العظيم في شأنها:
(الأغنياء وكلائي، والفقراء عيالي، فإذا بخل وكلائي على عيالي أذقتهم نكالي ولا أبالي){1}.
فيخرج الزكاة التي هي حق الفقير.
هذه الزكاة تطهر أولاً قلب المزكي وهو الغني من مرض الشُّح، ومرض البخل، ومرض الأنانية، ومرض الأثرة، ليكون عبداً يحبه الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن المؤمنين بالله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه){2}. لابد أن يكون يحب الخير لأخيه وللناس أجمعين كما يحبه لنفسه.
وتعالج الزكاة مرض الحقد والحسد عند الفقير، لأنه يعلم أن له حقاً رتبه له العليُّ القدير، فإذا الخيرات زاد نصيبه فيفرح للزيادة، وإن قلت الخيرات يحزن لأنه يقل نصيبه في الحصاد، فلا يشمت في الغني إذا خسر، ولا يحقد عليه إذا جنى، ولا ينفطر قلبه حسداً إذا رآه، لأنه يعلم أن له نصيباً فيما جنت يداه، تريبٌ إلهيٌّ رتبه له الله جلَّ في علاه.
ثم الزكاة تزكي هذا المال، فتكون كشركة تأمين عقدها ربُّ العالمين مع المزكين والمتصدقين – ضد الحريق، وضد الغرق، وضد الآفات، وضد كل العثرات، ماداموا أخرجوا النسبة التي طالبهم بها رب الأرض والسماوات عزَّ وجلَّ. ولذلك حذر نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم من لم يخرجها فقال: (مامنع قوم الزكاة الا ابتلاهم الله بالسّنين){3} ، فإذا أخرجوها فقد عملوا بقول الحبيب: (حصنوا أموالكم بالزكاة){4}.
لا تحصين كتحصين ربِّ العالمين، وشرطه أن يدفع ما طالبه به الربُّ المكين، ويؤدي حق الله عزَّ وجلَّ للفقراء والمساكين. إذا فعلنا ذلك، كيف تحلُّ مشكلاتنا الاقتصادية؟
تعالوا معي في عجالة سريعة إلى تطبيق لهذه الشريعة الإلهية في خطة نصف خمسية، فقد طبقها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في سنتين ونصف هي مدة خلافته.
خصص قوماً يجمعون الزكاة وينفقونها في مصارفها التي حددها الله، في قوله جلَّ في علاه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) إلى آخر الآية (60التوبة)، فجمعوا الزكاة في كل بلد، وغطوا الفقراء حتى لم يجدوا فقيراً واحداً في أي بلد من بلاد الخلافة، وكانت من الصين إلى المحيط الأطلسي، ومن أوربا إلى بلاد الهند، كلها دولة واحدة، دولة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
لم يجدوا فقيراً واحداً بعد ذلك يستحق الزكاة، فرجعوا إليه فقال: ابحثوا في شأن المدينين، فأعلنوا في البلاد: كل من عليه دين يتقدم بدينه، وسددوا الديون لكل أفراد الشعب من هذه الزكاةن وبقي رصيد كبير من هذه الزكاة، فقال رضي الله عنه: انظروا الشباب الذي يريد الزواج وأعرضوا عليه أن يختار فتاةً يريد نكاحها والزواج بها ويكون الجهاز والمهر من بيت مال المسلمين من الزكاة.
زوَّج شباب الأمة وفتياتها وبقي رصيد من الزكاة، فقال: مهِّدوا الطرق للمسافرين، واجعلوا على كل مرحلة دار ضيافة، واجعلوا بها إدارة فيها طاهٍ يطبخ الطعام للمسافرين، فإذا نزلوا وجدوا طعاماً مجاناً يأكلوه، وفراشاً ينامون عليه، ومكاناً لخيولهم ودوابهم، ومخزناً به علف لدوابهم طوال مراحل الطريق.
وبقي هناك أموال من أموال الزكاة، فقال: افتحوا حلقات في مساجد المسلمين لتعليم الأميين القراءة والكتابة مجاناً من بيت مال المسلمين، وأتوا بمعلمين يأخذون أجورهم من مال الزكاة، وأتوا بالألواح – وكانت هي التي يكتب عليها في هذا الزمان – والطباشير، واجعلوا ذلك كله من باقي أموال الزكاة التي في بيت مال المسلمين.
فتمكن رضي الله عنه وأرضاه من القضاء على الأمية للرجال والنساء من الزكاة ولم يكلف خزانة الدولة شيئاً، ولم يطلب قروضاً من جيرانه، ولا معونات من أصدقائه، لأن الله أنزل للمؤمن شرعاً يغنيه، إذا طبق شرع الله وأخرج الزكاة.
ونحن في موسم الحصاد – حصاد القمح، كل إنسان حصد من زرعه خمسين كيلة أو يزيد علي أن يخرج حق الله؛ إن كان يسقيها من غير آلة يخرج العُشر، وإن كان يسقيها بآلة يخرج نصف العُشر – قبل أن يدخل الحب إلى بيته، لأن الله قال في القرآن: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (141الأنعام). قال العلماء: الإسراف هنا يعني التأخير، يقول: لا أخرجها حتى أدخلها البيت، فإذا أدخلها البيت يتباطئ، وربما حدث مشادة بينه وبين زوجه، أو بينه وبين أولاده فلا يخرجون حق الله، ثم يشكون بعد ذلك مما ينتابهم من عقوبات إلهية جعلها الله عزَّ وجلَّ لمن لم يخرج الزكاة.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانوا ينظرون في زكاة أموالهم في شهر شعبان)، جعلوا شهر شعبان شهر إخراج زكاة الأموال، وزكاة المال تخرج كل عام هجري – ولا يجوز أن تمشي على التأريخ الميلادي – فجعلوا عام إخراج الزكاة هو الهجري، موعدها هو شهر شعبان، وكانت حجتهم كما قال: (ليستعين بها الفقراء والمساكين على صوم رمضان)، فإذا وصله حق الله خفف عن نفسه العمل في رمضان، ووسَّع على أهله بعض الحاجات والتي يحتاجونها في شهر رمضان، فشارك المسلمين في الصيام فرحاً مستبشراً لأنه وصله حقُّ مولاه.
والمال الذي يجب فيه الزكاة هو المال الذي يصل إلى ثمن خمسة وثمانين جراماً من الذهب عيار واحد وعشرين ويمرُّ عليه عام. إذا بلغ مع الإنسان هذا النصاب – وهو يزيد عن العشرين ألف جنيهاً ومر عليه عام – لابد أن يخرج الزكاة.
الذي يتعلل بأنه يدخر هذا المال للبناء أو للزواج أو للحج، أو لأي غرض آخر ويريد أن يتنصل من الزكاة، نقول له: هذا لا يجيزخ لك شرع الله جلَّ وعلا، عليك أن تخرج الزكاة، وتوقن بقول الله عزَّ وجلَّ: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39سبأ)، وقوله صلى الله عله وسلم: (ما نقصت صدقة من مال){5}.
الصدقة لا تنقص المال بل تزيد فيه، لأنه تنزل فيه البركة من الله، والنماء من عند الله، ويكون له الحفظ والصيانة من الله، فتقضي به ما تريد بإذن الله، لأنك تمتثل لهدي الله جلَّ في علاه. قال صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ){6}.
أو كما قال: (أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين لله، الحمد لله على هداه، والشكر لله عزَّ وجلَّ على نعمة الإسلام والهداية والإيمان بالله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعزَّنا بدينه، وقوَّانا بقرآنه، وهدانا بهداه لاتباع حبيبه ومصطفاه. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، جاءنا بصلاح الدنيا والآخرة، جاءنا بما ينفعنا في أنفسنا وبما فيه مصلحة أولادنا في الدنيا، وبما فيه صلاح مجتمعاتنا كلها في هذه الحياة، وبما فيه نفعنا ورفعتنا يوم لقاء الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المحبوب، الذي تقر به الأعين في الدنيا والآخرة وتمحو به عنا الذنوب، واجعله صلى الله عليه وسلم مهجة أفئدتنا وحياة قلوبنا، وشفيعاً لنا يوم حشرنا أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في أول يوم من أيام شهر شعبان المبارك، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعود علينا هذا الشهر ومن بعده رمضان بالخيرات والبركات، والأمن والأمان لنا ولإخواننا، ولأولادنا وبناتنا، وجميع المسلمين والمسلمات- نريد أن نعرف الروشتة النبوية التي كان يمشي عليها خير البرية في هذا الشهر الكريم، فقد كان له صلى الله عليه وسلم خصوصيات يحافظ عليها في هذا الشهر، ونحن يلزم علينا أن نتأسى بحضرته، وأن نتابعه صلى الله عليه وسلم في هديه وسيرته.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان){7}.
إذن كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، فأرادوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أن يعرفوا السبب في ذلك، وكانوا يهابونه ويستحيون أن يسألوا حضرته، فجاءوا بأسامة بن زيد الذي رباه منذ صباه في بيته، وكان يحبه، حتى كان يقال عنه: ((حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم)) – وطلبوا منه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكشف لهم هذا السرَّ. فقال أسامة: يا رسول الله، ما ريناك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شهر شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم:
(ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم){8}.
إذن أول بند في هذه الروشتة النبوية نتدرب على الصيام، نجهز أنفسنا للصيام، حتى إذا جاء شهر رمضان كنا قد استعددنا وتجهزنا فلا نتملل من الصيام، ولا نشكو ضجراً ولا مللاً من الصيام لأننا تعودنا على ذلك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم لنا ذلك.
الأمر الثاني: كان صلى الله عليه وسلم يديم القيام بين يدي الله في شهر شعبان، وخاصة في الثلث الأخير من الليل، وكان أدبه صلى الله عليه وسلم أن يستأذن زوجاته ويخرج لمناجة الله في الوقت الذي يتنزل فيه الله إلى السماء الدنيا، ويقول فيه صلى الله عليه وسلم:
(إن ربنا تبارك وتعالى يتنزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل في كل ليلة وينادي: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مسترزق فأرزقه، هل من مبتلى فأعافيه، هل من كذا هل من كذا، حتى مطلع الفجر){9}.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الشاكرين الذاكرين الفاكرين الحاضرين بين يديه في كل وقتٍ وحين، وأن يجعلنا بين يديه من الخاشعين الضارعين المخبتين المنيبين إليه بصدقٍ على الدوام أجمعين.
يا من تشكو من قلة الإجابة رغم كثرة الدعاء، هل دعوتم في الوقت الذي تحقق فيه إجابة الدعاء؟. إن نداء الله في وقت السحر لا يرد، دعاؤه يستجاب، لأن هذا كلام النبي، وهذا ما أشار إليه كتاب رب العالمين عزَّ وجلَّ.
أضاف إلى هذا البرنامج سلفنا الصالح والصحابة المباركين؛ علموا أن الله أنزل في هذا الشهر المبارك آية لنا جماعة المسلمين، تدعونا إلى طاعة محببة إلى ربِّ العالمين، فيها شكر لله على بعثة سيد الأولين والآخرين، نزلت هذه الآية في هذا الشهر:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56الأحزاب)
فكانوا يكثرون من الصلاة والتسليم على الرءوف الرحيم في هذا الشهر الكريم، لأن الله فرض علينا ذلك في هذا الشهر. وكانوا يبدأون هذا الشهر الميمون بالتوبة النصوح، ورد المظالم إلى أهلها، وصلة الأرحامن والاستعداد بالفقه في الصيام لدخول شهر رمضان. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعيننا على شعبان، وأن يبلغنا رمضان، وقولوا جميعاً:
((تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، زندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً، وبرئنا من كل شيء يخالف دين الإسلام).
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واجعلنا من عبادك التائبين، واجعلنا من عبادك المتطهرين، وأحبنا حبًّا خالصاً يباعد بيننا وبين الذنوب والمعاصي يا أكرم الأكرمين.
اللهم اشرح صدورنا للطاعات، وافتح قلوبنا للبرِّ والخيرات، واملأ أفئدتنا بمحبتك وحب جميع المسلمين والمسلمات، واجعلنا في هذا الشهر الكريم من عبادك المرحومين.
اللهم حبب إلينا فعل الطاعات، وعمل الخيرات، واستباق الصالحات، وبغِّض إلينا المعاصي والسيئات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوالنا، وأحوال أولادنا وبناتنا، وأحوال حكامنا وولاة أمورنا، وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين.
اللهم أصلح الراعي والرعية، واجمعنا جامعة إسلامية، واقض على فتن الطغاة والتمردين والتمربصين بهذا البلد سوءً يا خبر الناصرين.
اللهم لا تبقِ في أرض الكنانة إلا كل قلب تقي نقي، وأخرج منها كل قلب يحب الغيَّ لغيره من المؤمنين، واقضِ على اليهود ومن عاونهم أجمعين، وطهِّر أرض بيت المقدس وأرض فلسطين، ووحد صفوف المسلمين في العراق وليبيا والصومال وأفغانستان، واجمع شمل المسلمين في كل مكان، وردهم إلى شرعك ودينك وسنة نبيك يا حنان يا منان.
عباد الله اتقوا الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
{1} ورد في الأثر عن الإمام جعفر الصادق
{2} رواه البخاري ومسلم
{3} رواه الطبرانى والحاكم والبيهقى
{4} رواه الطبراني في الأوسط والكبير
{5} رَوَاهُ مُسْلِمٌ
{6} رَوَاهُ مُسْلِمٌ
{7} رواه البخاري ومسلم
{8} مسند أحمد وسُنن النسائي
{9} ﺍﻟﺮﺍﻭﻱ: ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﺤﺪﺙ: ﺍﻟﻤﻨﺬﺭﻱ - ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ: ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ
مواضيع مماثلة
» ( الإشاعة وخطرها على الفرد والمجتمع) (2)
» العفة وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع
» خطبة بعنوان ” رسالة المسجد وأثرها في صلاح الفرد منتديات ملتقى الدعاه
» على من تجب الزكاة؟
» حكم دفع الزكاة للوالدين
» العفة وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع
» خطبة بعنوان ” رسالة المسجد وأثرها في صلاح الفرد منتديات ملتقى الدعاه
» على من تجب الزكاة؟
» حكم دفع الزكاة للوالدين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin