بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 25 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 25 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
العدل الالهى
صفحة 1 من اصل 1
العدل الالهى
المقدمة
يوجد خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في مجالات ومواضيع مختلفة ومتعددة. ومن هذه المواضيع، موضوع الكلام والإرادة الإلهية، والتوحيد الصفاتي والجبر والاختيار والقضاء والقدر، وقد كانت اراءهما على الغالب، تقع في طرفي الإفراط والتفريط.
ومن محاور الخلاف الأساسية بين هاتين الفرقتين، موضوع العدل الإلهي، وقد لوحظ توافق الشيعة مع المعتزلة في رأيهم حول هذا الموضوع، واطلق عليهما مططلح "العدلية" مقابل الأشاعرة، ولأجل أهمية هذا الموضوع، اعتبر من المواضيع الرئيسة في علم الكلام، بل إنه اعتبر من أصول العقائد، ومن مميزات المذهب الكلامي للشيعة والمعتزلة.
ويلزم التأكيد على أن الأشاعرة أيضا، لا يرفضون العدل الإلهي، فإنهم لا يعتبرون الله ظالم (نستغفر الله) مع أن الايات القرانية الصريحة التي لا تقبل التأويل تثبت العدل الإلهي، وتنفي كل لون من ألوان الظلم عن الله سبحانه وتعالى عن ذلك، ولكن البحث في هذا الموضوع يدور حول ما اذا كان يمكن للعقل بنفسه
يوجد خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في مجالات ومواضيع مختلفة ومتعددة. ومن هذه المواضيع، موضوع الكلام والإرادة الإلهية، والتوحيد الصفاتي والجبر والاختيار والقضاء والقدر، وقد كانت اراءهما على الغالب، تقع في طرفي الإفراط والتفريط.
ومن محاور الخلاف الأساسية بين هاتين الفرقتين، موضوع العدل الإلهي، وقد لوحظ توافق الشيعة مع المعتزلة في رأيهم حول هذا الموضوع، واطلق عليهما مططلح "العدلية" مقابل الأشاعرة، ولأجل أهمية هذا الموضوع، اعتبر من المواضيع الرئيسة في علم الكلام، بل إنه اعتبر من أصول العقائد، ومن مميزات المذهب الكلامي للشيعة والمعتزلة.
ويلزم التأكيد على أن الأشاعرة أيضا، لا يرفضون العدل الإلهي، فإنهم لا يعتبرون الله ظالم (نستغفر الله) مع أن الايات القرانية الصريحة التي لا تقبل التأويل تثبت العدل الإلهي، وتنفي كل لون من ألوان الظلم عن الله سبحانه وتعالى عن ذلك، ولكن البحث في هذا الموضوع يدور حول ما اذا كان يمكن للعقل بنفسه
87 |
وبدون الاعتماد على المصادر الشرعية (الكتاب والسنة) أن يدرك ويتوصل إلى ضوابط للأفعال، وخاصة الأفعال الإلهية، يحكم على أساسها بلزوم القيام بهذا الفعل، وترك الفعل الآخر، فمثلا يحكم العقل "أنه يلزم على الله تعالى أن يدخل المؤمنين الجنة، والكفار النار" أو ان أمثال هذه الأحكام لا يمكن أن تتم إلا اعتمادا على الوحي، وأما لو غض النظر عن الوحي، فلا يتمكن العقل من الحكم والقضاء.
إذ فالمحور الأساسي للخلاف، هو الموضوع الذي يعبر عنه ب"الحسن والقبح العقليين" وقد أنكره الأشاعرة، واعتقدوا بأن الحسن في الأمور التكوينية هو ما يفعله الله، وأما في الأمور التشريعية فالحسن ما يأمر به الله. وليس الفعل في ذاته حسنا، ولأجل ذلك يفعله الله، أو يأمر به.
وأما العدلية، فيعتقدون بأن الأفعال تتصف في ذاتها بالحسن والقبح بعض النظر عن انتسابها التكويني والتشريعي لله تعالى. ويمكن للعقل إلى حد ما أن يدرك جهات الحسن والقبح في الأفعال، وتنزيه الذات الإلهية عن الافعال القبيحة، ولكن هذا الإدراك العقلي لا يعني أن العقل (ونستغفر الله) يأمر الله أو ينهاه، بل يعني، أن العقل يكتشف تناسب فعل ما مع الصفات الكمالية الالهية، وعدم تناسب فعل اخر معها، وعلى هذا الأساس يرى استحالة صدور الأفعال القبيحة من الله.
ومن الواضح أن الدراسة التفصيلية لهذا الموضوع، والجواب عن الشبهات التي دفعت الأشاعرة لإنكار الحسن والقبح العقليين، وليمثلوا الاتجاه المعارض للعدلية، والبحث في كل ذلك طويل، يعسر التعرض له في هذا الكتاب، وكذلك من الممكن أن تكون في أحاديث المعتزلة بعض النقاط الضعيفة التي يلزم التعرض لها ومناقشتها في محله، ولكن أصل الإعتقاد بالحسن والقبح العقليين يتقبله الشيعة، ويؤمنون به، ويدعمه الكتاب والسنة وتأكيدات الأئمة المعصومين عليهم السلام.
ولذلك فنحن هنا نوضع في البداية مفهوم العدل، وبعد ذلك نشير إلى الدليل
إذ فالمحور الأساسي للخلاف، هو الموضوع الذي يعبر عنه ب"الحسن والقبح العقليين" وقد أنكره الأشاعرة، واعتقدوا بأن الحسن في الأمور التكوينية هو ما يفعله الله، وأما في الأمور التشريعية فالحسن ما يأمر به الله. وليس الفعل في ذاته حسنا، ولأجل ذلك يفعله الله، أو يأمر به.
وأما العدلية، فيعتقدون بأن الأفعال تتصف في ذاتها بالحسن والقبح بعض النظر عن انتسابها التكويني والتشريعي لله تعالى. ويمكن للعقل إلى حد ما أن يدرك جهات الحسن والقبح في الأفعال، وتنزيه الذات الإلهية عن الافعال القبيحة، ولكن هذا الإدراك العقلي لا يعني أن العقل (ونستغفر الله) يأمر الله أو ينهاه، بل يعني، أن العقل يكتشف تناسب فعل ما مع الصفات الكمالية الالهية، وعدم تناسب فعل اخر معها، وعلى هذا الأساس يرى استحالة صدور الأفعال القبيحة من الله.
ومن الواضح أن الدراسة التفصيلية لهذا الموضوع، والجواب عن الشبهات التي دفعت الأشاعرة لإنكار الحسن والقبح العقليين، وليمثلوا الاتجاه المعارض للعدلية، والبحث في كل ذلك طويل، يعسر التعرض له في هذا الكتاب، وكذلك من الممكن أن تكون في أحاديث المعتزلة بعض النقاط الضعيفة التي يلزم التعرض لها ومناقشتها في محله، ولكن أصل الإعتقاد بالحسن والقبح العقليين يتقبله الشيعة، ويؤمنون به، ويدعمه الكتاب والسنة وتأكيدات الأئمة المعصومين عليهم السلام.
ولذلك فنحن هنا نوضع في البداية مفهوم العدل، وبعد ذلك نشير إلى الدليل
88 |
العقلي على هذه الصفة التي هي من الصفات الالهية الفعلية، وأخيرا سوف نناقش أهم الشبهات في هذه المسألة ونجيب عنها.
مفهوم العدل
العدل في اللغة بمعنى السوية، والتسوية وفي العرف العام استعمل بمعنى رعاية حقوق الاخرين، في مقابل الظلم (الاعتداء على حقوق الآخرين)، وعلى ضوء ذلك عرف العدل بأنه "إعطاء كل ذي حق حقه" إذن فلا بأن نتصور أولاً موجودا له حق، لتكون رعاية حقه "عدل" والاعتداء عليه "ظلم" ولكن أحيانا يوسع مفهوم العدل، ويستعمل بمعنى "وضع الشيء في موضعه أو القيام بكل فعل على وجه حسن" وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفا للحكمة، والفعل العادل مساويا للفعل الحكيم.
وما يجب علينا التأكيد عليه هنا: هن أن كل عاقل يدرك بأن أي أحد لو اختطف قطعة خبز من طفل يتيم، وبدون مبرر، أو أنه أراق دم إنسان برى فقد ارتكب ظلما واقترف عملا قبيحا، وعلى العكس من ذلك، لو أخذ أحد قطعة الخبز المختطفة من يد الغاصب وأعادها إلى الطفل اليتيم، أو أنه عاقب القاتل الجاني، العقوبة التي يستحقها، فإنه قد عمل عملا حسنا وصائبا، ولا يعتمد هذا الحكم بالحسن والقبح بالعدل والظلم، على الأمر والنهي الإلهي، فإن هذا الحكم يحكم به حتى من لايؤمن بوجود الله.
إذن يمكن أن يتصور للعدل مفهومان، خاص وعام أحدهما: رعاية حقوق الآخرين، والثاني: إصدار الفعل على وجه الحكمة، بحيث تعتبر رعاية حقوق الاخرين من مصاديقه وعلى ضوء ذلك، فلا يلازم العدل، القول بالتسوية بين البشر جميعا، أو بين الأشياء كلها، فليس المعلم العادل من يتخذ موقفا واحدا من جميع طلابه، فيساوي بين الجميع في التأنيب أو التشجيع سواء المجد من طلابه
مفهوم العدل
العدل في اللغة بمعنى السوية، والتسوية وفي العرف العام استعمل بمعنى رعاية حقوق الاخرين، في مقابل الظلم (الاعتداء على حقوق الآخرين)، وعلى ضوء ذلك عرف العدل بأنه "إعطاء كل ذي حق حقه" إذن فلا بأن نتصور أولاً موجودا له حق، لتكون رعاية حقه "عدل" والاعتداء عليه "ظلم" ولكن أحيانا يوسع مفهوم العدل، ويستعمل بمعنى "وضع الشيء في موضعه أو القيام بكل فعل على وجه حسن" وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفا للحكمة، والفعل العادل مساويا للفعل الحكيم.
وما يجب علينا التأكيد عليه هنا: هن أن كل عاقل يدرك بأن أي أحد لو اختطف قطعة خبز من طفل يتيم، وبدون مبرر، أو أنه أراق دم إنسان برى فقد ارتكب ظلما واقترف عملا قبيحا، وعلى العكس من ذلك، لو أخذ أحد قطعة الخبز المختطفة من يد الغاصب وأعادها إلى الطفل اليتيم، أو أنه عاقب القاتل الجاني، العقوبة التي يستحقها، فإنه قد عمل عملا حسنا وصائبا، ولا يعتمد هذا الحكم بالحسن والقبح بالعدل والظلم، على الأمر والنهي الإلهي، فإن هذا الحكم يحكم به حتى من لايؤمن بوجود الله.
إذن يمكن أن يتصور للعدل مفهومان، خاص وعام أحدهما: رعاية حقوق الآخرين، والثاني: إصدار الفعل على وجه الحكمة، بحيث تعتبر رعاية حقوق الاخرين من مصاديقه وعلى ضوء ذلك، فلا يلازم العدل، القول بالتسوية بين البشر جميعا، أو بين الأشياء كلها، فليس المعلم العادل من يتخذ موقفا واحدا من جميع طلابه، فيساوي بين الجميع في التأنيب أو التشجيع سواء المجد من طلابه
89 |
والكسول، وليس القاضي العادل هو الذي يقسم المال المتنازع عليه بين المتخاصمين بل إن المعلم العادل هو الذي يشجع كل طالب أو يؤنبه بمقدار ما يستحقه، والقاضي، العادل هو الذي يوصل المال المتنازع فيه إلى صاحبه، وكذلك، فإن مقتضى الحكمة والعدل الإلهي، لا يعني خلق المخلوقات بصورة متساوية، فيخلق مثلا للانسان القرون، أو الأجنحة أو غيرها، بل إن مقتضى حكمة الخالق أن يخلق العالم بصورة تترتب عليها أكثر ما يمكن تحققه من الخير والكمال، وأن يخلق المخلوقات التي تشكل أجزاءه المترابطة بصورة تتناسب وذلك الهدف النهائي وكذلك مقتضى الحكمة والعدل الإلهي، أن يكلف كل إنسان بمقدار استعداده وقابليته1، وأن يقضي ويحكم فيه على حسب قدرته، وجهده الاختياري2، وأن يجازيه ثوابا أو عقابا يتلاءم وأفعاله3.
الدليل على العدل الإلهي
ذكرنا أن العدل الإلهي يعتبر مصداقا من مصاديق الحكمة الإلهية، وفقا لأحد التفاسير، ووفقا لتفسير اخر فإن العدل هو الحكمة الإلهية نفسها. وبطبيعة الحال يكون الدليل لإثبات العدل هو الدليل نفسه الذي يثبت الحكمة الإلهية، وتوضيح ذلك:
علمنا مما سبق أن الله تعالى يمتلك أسمى مراتب القدرة والاختيار، وأنه قادر على أن يفعل أي عمل ممكن الوجود أولاً يفعله، دون أن يخضع لتأثير أية قوة تجبره وتقهره، ولكن الله تعالى لا يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال، بل إنما يفعل الذي يريده.
الدليل على العدل الإلهي
ذكرنا أن العدل الإلهي يعتبر مصداقا من مصاديق الحكمة الإلهية، وفقا لأحد التفاسير، ووفقا لتفسير اخر فإن العدل هو الحكمة الإلهية نفسها. وبطبيعة الحال يكون الدليل لإثبات العدل هو الدليل نفسه الذي يثبت الحكمة الإلهية، وتوضيح ذلك:
علمنا مما سبق أن الله تعالى يمتلك أسمى مراتب القدرة والاختيار، وأنه قادر على أن يفعل أي عمل ممكن الوجود أولاً يفعله، دون أن يخضع لتأثير أية قوة تجبره وتقهره، ولكن الله تعالى لا يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال، بل إنما يفعل الذي يريده.
90 |
وعلمنا أيضا أن إرادته تعالى ليست عابثة جزافية، بل إنه تعالى لا يريد إلا ما يتناسب وما تقتضيه صفاته الكمالية، وإذا لم تقتض صفاته الكمالية فعلا ما، فلا يصدر منه ذلك الفعل إطلاقا، وبما أن الله تعالى هو الكمال المحض، فإرادته بالأصالة إنما تتعلق بجهة كمال المخلوقات وخيرها، وإذا لزم من وجود مخلوق حدوث بعض الشرور والنقائص في العالم، فإن جهة الشر هذه مقصودة بالتبع، بمعنى أن هذا الشر بما أنه لا ينفك عن الخير الغالب، لذلك تتعلق الإرادة بهذا الشر تبعا لتعلق الإرادة بالخير الغالب أصالة.
إذن فمقتضى الصفات الإلهية الكمالية أن يخلق العالم بصورة يتوفر في مجموعه الكمال الغالب، والخير الممكن الحصول، ومن هنا تثبت صفة الحكمة لله تعالى.
وعلى هذا الأساس فإن الإرادة الإلهية إنما تعلقت بخلق الإنسان، لأن الإنسان ممكن الوجود في ذاته، وأن وجوده للخير الغالب، ولأكثر الخيرات، ومن المميزات الرئيسة للإنسان، اختياره، وإرادته الحرة، ولا شك بأن التوفر على قوة الإرادة والاختيار يعد من الكمالات الوجودية، حيث يعد الواجد لها أكمل من الفاقد لها، ولكن ما يلازم اختيارية الإنسان، أن يكون قادرا على ممارسة الأفعال الحسنة الخيرة التي توصله إلى كماله النهائي والأبدي، وكذلك يكون قادرا على ارتكاب الأفعال القبيحة والمنكرة، لتتجه به إلى السقوط في حضيض الخسران والشقاء الأبدي وبطبيعة الحال فما تتعلق به الإرادة الإلهية أصالة هو تكامله، ولكن بما أنه يلزم من التكامل الاختياري للإنسان، إمكان السقوط والانحطاط أيضا، والذي يحصل نتيجة الانصياع للأهواء النفسية، والنزوات الشيطانية، لذلك تتعلق الإرادة الإلهية بالتبع بهذا السقوط الاختياري.
وبما أن الاختيار الواعي الشعوري محتاج إلى المعرفة الصحيحة السليمة لطرق الخير والشر، لذلك أمر الله تعالى الإنسان بكل ما فيه خيره ومصلحته ونهاه عن
إذن فمقتضى الصفات الإلهية الكمالية أن يخلق العالم بصورة يتوفر في مجموعه الكمال الغالب، والخير الممكن الحصول، ومن هنا تثبت صفة الحكمة لله تعالى.
وعلى هذا الأساس فإن الإرادة الإلهية إنما تعلقت بخلق الإنسان، لأن الإنسان ممكن الوجود في ذاته، وأن وجوده للخير الغالب، ولأكثر الخيرات، ومن المميزات الرئيسة للإنسان، اختياره، وإرادته الحرة، ولا شك بأن التوفر على قوة الإرادة والاختيار يعد من الكمالات الوجودية، حيث يعد الواجد لها أكمل من الفاقد لها، ولكن ما يلازم اختيارية الإنسان، أن يكون قادرا على ممارسة الأفعال الحسنة الخيرة التي توصله إلى كماله النهائي والأبدي، وكذلك يكون قادرا على ارتكاب الأفعال القبيحة والمنكرة، لتتجه به إلى السقوط في حضيض الخسران والشقاء الأبدي وبطبيعة الحال فما تتعلق به الإرادة الإلهية أصالة هو تكامله، ولكن بما أنه يلزم من التكامل الاختياري للإنسان، إمكان السقوط والانحطاط أيضا، والذي يحصل نتيجة الانصياع للأهواء النفسية، والنزوات الشيطانية، لذلك تتعلق الإرادة الإلهية بالتبع بهذا السقوط الاختياري.
وبما أن الاختيار الواعي الشعوري محتاج إلى المعرفة الصحيحة السليمة لطرق الخير والشر، لذلك أمر الله تعالى الإنسان بكل ما فيه خيره ومصلحته ونهاه عن
91 |
كل ما يؤدي إلى الفساد والإنحراف والانحطاط، وبذلك وفر تعالى مستلزمات الحركة التكاملية. وبما أن التكاليف الإلهية إنما وضعت وشرعت لهدف توصل الإنسان إلى نتائج العمل بهذه التكاليف الإلهية دون أن يصل منها أي نفع وفائدة لله تعالى ذاته، ومن هنا اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه التكاليف متلائمة ومتناسبة مع قدرات المكلفين، وذلك لأن التكليف الذي لا يقدر على امتثاله، لغو لا فائدة فيه.
إذن فالمرحلة الأولى للعدل (بالمعنى الخاص) أي العدالة في مجال التكليف، تثبت بهذا الدليل وهو: أن الله لو كلف العبد بما لا يطيقه ولا يقدر عليه فإن هذا التكليف لا يمكن امتثاله، ويكون عملا لا فائدة فيه. وأما العدالة في مجال الحكم والقضاء بين العباد، فإنها تثبت مع الالتفات لهذه الملاحظة: بأن الحكم والقضاء إنما يتم لأجل تعيين استحقاق الأفراد لأنواع الثواب والعقاب، وإذا تم على خلاف القسط والعدل، فسوف يلزم منه نقض الغرض.
وأخيرا العدالة في مجال تنفيذ المجازاة ثوابا وعقابا، فإنها تثبت بملاحظة الهدف النهائي للخلق، لأن من خلق الإنسان بهدف التوصل لنتائج أفعاله الحسنة أو القبيحة لو أثابه أو عاقبه على خلاف ما تقتضيه هذه الأفعال، فإنه لن يصل إلى هدفه.
إذن فالدليل على العدل بمعانيه الصحيحة، وفي جميع مظاهره هو: أن صفات الله الذاتية، تقتضي أن تكون أفعاله تعالى حكيمة وعادلة، ولا توجد في الله تعالى أية صفة تقتضي الظلم والجور، أو اللغو والعبث.
شبهات وحلول
1- كيف تتلاءم الفروق والإختلافات الموجودة في المخلوقات وخاصة البشر، مع العدل والحكمة الإلهية؟ ولماذا لم يخلق الله الحكيم العادل
إذن فالمرحلة الأولى للعدل (بالمعنى الخاص) أي العدالة في مجال التكليف، تثبت بهذا الدليل وهو: أن الله لو كلف العبد بما لا يطيقه ولا يقدر عليه فإن هذا التكليف لا يمكن امتثاله، ويكون عملا لا فائدة فيه. وأما العدالة في مجال الحكم والقضاء بين العباد، فإنها تثبت مع الالتفات لهذه الملاحظة: بأن الحكم والقضاء إنما يتم لأجل تعيين استحقاق الأفراد لأنواع الثواب والعقاب، وإذا تم على خلاف القسط والعدل، فسوف يلزم منه نقض الغرض.
وأخيرا العدالة في مجال تنفيذ المجازاة ثوابا وعقابا، فإنها تثبت بملاحظة الهدف النهائي للخلق، لأن من خلق الإنسان بهدف التوصل لنتائج أفعاله الحسنة أو القبيحة لو أثابه أو عاقبه على خلاف ما تقتضيه هذه الأفعال، فإنه لن يصل إلى هدفه.
إذن فالدليل على العدل بمعانيه الصحيحة، وفي جميع مظاهره هو: أن صفات الله الذاتية، تقتضي أن تكون أفعاله تعالى حكيمة وعادلة، ولا توجد في الله تعالى أية صفة تقتضي الظلم والجور، أو اللغو والعبث.
شبهات وحلول
1- كيف تتلاءم الفروق والإختلافات الموجودة في المخلوقات وخاصة البشر، مع العدل والحكمة الإلهية؟ ولماذا لم يخلق الله الحكيم العادل
92 |
المخلوقات جميعا بصورة متساوية؟
والرد هذه الشبهة: أن اختلاف المخلوقات في المعطيات الوجودية، امر لازم لنظام الخلق، وخاضع لقوانين العلية والمعلولية الحاكمة على ذلك النظام، وافتراض تساويها هو افتراض ساذج، ولو تأملنا جيدا في ذلك لأدركنا أن هذا الافتراض يعني ترك الخلق! ذلك لأنه لو كان أفراد البشر رجالا، أو نساء لما تحقق التوالد والتناسل أبدا، ولا نقرض النوع الإنساني، ولو كانت المخلوقات جميعا من نوع الإنسان لما وجدت شيئا للغذاء، أو ما يوفر لها سائر متطلباتها وحاجاتها، وكذلك لو كانت جميع الحيوانات والنباتات نوعا واحدا، وبلون واحد، ولها صفات وخصائص واحدة، لما وجدت كل هذه الفوائد والمعطيات التي لا تحصى، والمناظر الخلابة الجميلة، وظهور هذا النوع أو ذاك، من الظواعر، بهذا الشكل أو ذاك، وهذه الصفات أو تلك، خاضع للعوامل والظروف والشروط المتوفرة في مسيرة حركة المادة وتبدلها، وليس لأحد حق قبل خلقه على الخالق، يفرض عليه تعالى طريقة خلقه بأن يخلقه بهذه الصورة أو تلك، وفي هذا المكان أو ذاك، أو في هذا الزمان أو ذاك، ليكون هناك مجال للعدل والظلم.
2- إذا كانت الحكمة الإلهية مقتضية لحياة الإنسان في هذا العالم، إذن لماذا بعد ذلك يميته وينهي حياته؟
والرد لهذه الشبهة: أولا: إن حياة الموجودات أو موتها في هذا العالم خاضع أيضا للقوانين التكوينية، والعلاقات العلية والمعلولية، وهي لازمة لنظام الخلق.
ثانياً: إذا لم تمت الموجودات الحية، فسوف لن تتوفر الأرضية لوجود الموجودات اللاحقة وبذلك يحرم القادمون والاجيال اللاحقة من نعمة الوجود والحياة.
ثالثاً: إذا افترضنا استمرارية الحياة للبشر جميعا فسوف لن يمضي زمان طويل إلا ونرى الأرض كلها قد امتلأت بالناس، وتضيق عليهم الأرض برحبها، ليتمنى كل واحد منهم الموت لما يشعر به من متاعب وألم وجوع.
والرد هذه الشبهة: أن اختلاف المخلوقات في المعطيات الوجودية، امر لازم لنظام الخلق، وخاضع لقوانين العلية والمعلولية الحاكمة على ذلك النظام، وافتراض تساويها هو افتراض ساذج، ولو تأملنا جيدا في ذلك لأدركنا أن هذا الافتراض يعني ترك الخلق! ذلك لأنه لو كان أفراد البشر رجالا، أو نساء لما تحقق التوالد والتناسل أبدا، ولا نقرض النوع الإنساني، ولو كانت المخلوقات جميعا من نوع الإنسان لما وجدت شيئا للغذاء، أو ما يوفر لها سائر متطلباتها وحاجاتها، وكذلك لو كانت جميع الحيوانات والنباتات نوعا واحدا، وبلون واحد، ولها صفات وخصائص واحدة، لما وجدت كل هذه الفوائد والمعطيات التي لا تحصى، والمناظر الخلابة الجميلة، وظهور هذا النوع أو ذاك، من الظواعر، بهذا الشكل أو ذاك، وهذه الصفات أو تلك، خاضع للعوامل والظروف والشروط المتوفرة في مسيرة حركة المادة وتبدلها، وليس لأحد حق قبل خلقه على الخالق، يفرض عليه تعالى طريقة خلقه بأن يخلقه بهذه الصورة أو تلك، وفي هذا المكان أو ذاك، أو في هذا الزمان أو ذاك، ليكون هناك مجال للعدل والظلم.
2- إذا كانت الحكمة الإلهية مقتضية لحياة الإنسان في هذا العالم، إذن لماذا بعد ذلك يميته وينهي حياته؟
والرد لهذه الشبهة: أولا: إن حياة الموجودات أو موتها في هذا العالم خاضع أيضا للقوانين التكوينية، والعلاقات العلية والمعلولية، وهي لازمة لنظام الخلق.
ثانياً: إذا لم تمت الموجودات الحية، فسوف لن تتوفر الأرضية لوجود الموجودات اللاحقة وبذلك يحرم القادمون والاجيال اللاحقة من نعمة الوجود والحياة.
ثالثاً: إذا افترضنا استمرارية الحياة للبشر جميعا فسوف لن يمضي زمان طويل إلا ونرى الأرض كلها قد امتلأت بالناس، وتضيق عليهم الأرض برحبها، ليتمنى كل واحد منهم الموت لما يشعر به من متاعب وألم وجوع.
93 |
رابعاً: إن الهدف الأصلي من خلق الإنسان، هو الوصول إلى السعادة الأبدية، وإذا لم ينتقل الناس من هذا العالم بالموت إلى الحياة الأخرى، فسوف لن يمكنهم الوصول لذلك الهدف النهائي.
3- إن وجود كل هذه المصائب والأمراض والكوارث الطبيعية (كالسيل والزلزلة) والمتاعب الإجتماعية (كالحروب وألوان الظلم المختلفة) كيف يتلاءم هذا كله مع العدل الإلهي؟
والجواب: أولاً: إن الحوادث الطبيعية المؤلمة ملازمة لأفعال العوامل المادية وانفعالاتها وتصادمها والتزاحم بينها، وبما أن خيرات هذه العوامل أكثر من شرورها، لذلك لا تكون مخالفة للحكمة. وكذلك ظهور المتاعب والمفاسد الإجتماعية مما تقتضيها اختيارية الإنسان، هذه الاختيارية التي تقتضيها الحكمة الإلهية. ولكن الملاحظ أن فوائد الحياة الإجتماعية وإيجابياتها أكثر من مفاسدها، ولو كانت المفاسد هي الأكثر لما بقي انسان على وجه الأرض.
ثانيا: ان وجود هذه المتاعب والكوارث والمصائب، تدفع الإنسان من جهة إلى البحث عن معرفة أسرار الطبيعة والكشف عنها، وبذلك تظهر الثقافات والكشوفات والصناعات المختلفة ومن جهة أخرى، فإن خوض هذه المتاعب ومواجهتها وعلاجها، له دور كبير في تنمية الطاقات والاستعدادات ورشدها وتفجيرها، وفي تكامل الإنسان ورقية وتقدمه.
وأخيرا فإن تحمل أية مصيبة أو ألم، والصبر عليه، إذا كان لتحمله ما يبرره من مبررات صحيحة ومشروعة، سوف يكون له الثواب الجزيل في لعالم الأبدي، وسوف لا يذهب هدرا، بل يتم جبرانه بصورة أفضل.
4- كيف يتلاءم العذاب ألابدي للذنوب المحدودة والمؤقتة، التي يرتكبها المذنبون في هذا العالم، مع العدل الإلهي؟
الجواب: هناك علاقة علية بين الأعمال الحسنة والقبيحة وبين الثواب والعقاب
3- إن وجود كل هذه المصائب والأمراض والكوارث الطبيعية (كالسيل والزلزلة) والمتاعب الإجتماعية (كالحروب وألوان الظلم المختلفة) كيف يتلاءم هذا كله مع العدل الإلهي؟
والجواب: أولاً: إن الحوادث الطبيعية المؤلمة ملازمة لأفعال العوامل المادية وانفعالاتها وتصادمها والتزاحم بينها، وبما أن خيرات هذه العوامل أكثر من شرورها، لذلك لا تكون مخالفة للحكمة. وكذلك ظهور المتاعب والمفاسد الإجتماعية مما تقتضيها اختيارية الإنسان، هذه الاختيارية التي تقتضيها الحكمة الإلهية. ولكن الملاحظ أن فوائد الحياة الإجتماعية وإيجابياتها أكثر من مفاسدها، ولو كانت المفاسد هي الأكثر لما بقي انسان على وجه الأرض.
ثانيا: ان وجود هذه المتاعب والكوارث والمصائب، تدفع الإنسان من جهة إلى البحث عن معرفة أسرار الطبيعة والكشف عنها، وبذلك تظهر الثقافات والكشوفات والصناعات المختلفة ومن جهة أخرى، فإن خوض هذه المتاعب ومواجهتها وعلاجها، له دور كبير في تنمية الطاقات والاستعدادات ورشدها وتفجيرها، وفي تكامل الإنسان ورقية وتقدمه.
وأخيرا فإن تحمل أية مصيبة أو ألم، والصبر عليه، إذا كان لتحمله ما يبرره من مبررات صحيحة ومشروعة، سوف يكون له الثواب الجزيل في لعالم الأبدي، وسوف لا يذهب هدرا، بل يتم جبرانه بصورة أفضل.
4- كيف يتلاءم العذاب ألابدي للذنوب المحدودة والمؤقتة، التي يرتكبها المذنبون في هذا العالم، مع العدل الإلهي؟
الجواب: هناك علاقة علية بين الأعمال الحسنة والقبيحة وبين الثواب والعقاب
94 |
الآخرويين، قد كشف عنها الوحي الإلهي، ونبه الناس عليها، وكما أننا نلاحظ في عالم الدنيا، أن هناك بعض الجرائم، تعقبها اثار سيئة تمتد إلى مدة طويلة، رغم قصر مدة الجريمة، فمثلا لو فقأ الإنسان عينه هو، أو عيون الاخرين فأعماها، فإن هذا الفعل يتم في مدة قصيرة جدا، ولكن نتيجته وهي العمى تمتد إلى نهاية العمر، وكذلك الذنوب الكبيرة لها اثارها الأخروية الأبدية، وإذا لم يوفر الإنسان في هذه الدنيا مستلزمات جبرانها، (كالتوبة مثلا) فإنه سوف يعيش اثارها السيئة وإلى الأبد فكما أن بقاء عمى الإنسان إلى نهاية العمر بجريمة لم تستغرق إلا لحظة واحدة لا ينافي العدل الإلهي، فكذالك الابتلاء بالعذاب الأبدي نتيجة لارتكاب الذنوب الكبيرة لا ينافي العدل الإلهي، وذلك لأنه نتيجة الذنب الذي ارتكبه المذنب عن سابق وعي وإصرار.
مواضيع مماثلة
» العدل وفوائده
» آفة القول ترك العدل
» مفهوم العدل والإحسان:
» لفاروق عمر.. ((((جامعة العدل والحب والإيمان )))))
» -- العدل وأثره في استقرار المجتمع--------خطبة الجمعة القادمة د. محمد عامر
» آفة القول ترك العدل
» مفهوم العدل والإحسان:
» لفاروق عمر.. ((((جامعة العدل والحب والإيمان )))))
» -- العدل وأثره في استقرار المجتمع--------خطبة الجمعة القادمة د. محمد عامر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin