أسس التشريع الإسلامي في الدور الأول:
لقد قام التشريع الإسلامي على أساس كبير، هو: مراعاة مصالح الناس، وذلك بدرء المفاسد والأضرارعنهم، وجلب المصالح إليهم. وهذا الأصل جامع لجميع أحكام الشريعة، فإنك لا تجد حكما من أحكام الإسلام، إلا وفيه جلب لمصلحة، أو دفع لمفسدة. وهذا من حيث الإجمال، أما من حيث التفصيل، فيمكن أن يقال: إن التشريع الإسلامي في دوره الأول قد قام على أسس عدة، من أهمها ما يلي:
أولا: رفع الحرج :
"الحرج" في لغة العرب هو: الضيق. وليس المراد من رفع الحرج في الشريعة: أن تُرفع كل مشقة تواجه المكلف في أداء التكاليف الشرعية، فإن كل عبادة أو تكليف لا يخلو من مشقة، قلّت أو كثرت.
فالمشقة على نوعين:
مشقة معتادة، فلا أثر لها في التخفيف عن المكلف.
ومشقة غير معتادة، وهذه على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مشقة عظيمة، كتلف نفس أو عضو، أو حدوث ضرر بالغ غير محتمل، فهذه يحصل بها التخفيف.
القسم الثاني: مشقة خفيفة، كأدنى وجع الضّرس، أو وجع الرأس، أو ألم خفيف في عضو، فهذه لا أثر لها في التخفيف.
والقسم الثالث: مشقة متوسطة بين القسمين السابقين: فما قرب منها من القسم الأول ألحقت به.
هذا وإنك تجد هذا الأصل الأصيل _وهو رفع الحرج في التكاليف الشرعية_ واضحا لكل ذي رأي بصير. فلا تجد تكليفا إلا وهو في متناول المكلف، يفعله بلا عسر ولا مشقة.
والأدلة على رفع الحرج كثيرة و منها:
ـ قوله تعالى(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)المائدة:6
ـ قوله تعالى(يريدالله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)البقرة180.
قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري[يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا] رواه البخاري.
ومن أمثلة رفع الحرج:
ـ استعمال الماء عند فقد الماء.
ـ أداء الصلاة على الهيئة التي يقدر عليها المصلي، فمن لم يستطع قائما فله القعود، ومن لم يستطع قاعدا فعلى جنب. وهكذا.
ـ الفطر في رمضان للمسافر، والمريض.
ـ مشروعية مسح الخف لمشقة نزعه.
ـ مشروعية الطلاق، ومشروعية الرجعة، وتحديد عدد الطلاق فيها بألا يبلغ الثلاث.
ـ مشروعية اللعان.
وغير ذلك مما يطول ذكره من التخفيفات على المكلف.