بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 28 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 28 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
هل جملة الله موجود صحيحه لغويا ؟
صفحة 1 من اصل 1
هل جملة الله موجود صحيحه لغويا ؟
ومما قد ينفع في هذا المقام من كلام المحققين من أهل العلم :
قوله ابن تيمية رحمه الله :
"وَكَذَلِكَ "الْوُجُودُ" وَ "الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ" فِينَا : يَسْتَلْزِمُ احْتِيَاجًا إلَى خَالِقٍ يَجْعَلُنَا مَوْجُودِينَ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ فِي وُجُودِهِ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وُجُودُنَا فَنَحْنُ وَصِفَاتُنَا وَأَفْعَالُنَا مَقْرُونُونَ بِالْحَاجَةِ إلَى الْغَيْرِ وَالْحَاجَةُ لَنَا أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ نَخْلُوَ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْغَنِيُّ لَهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْهُ ؛ فَهُوَ بِنَفْسِهِ حَيٌّ قَيُّومٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ وَنَحْنُ بِأَنْفُسِنَا مُحْتَاجُونَ فُقَرَاءُ" . اهــ من "مجموع الفتاوى"
فهذا وجود واجب يفيد الثبوت المطلق للشيء في الخارج برسم الغنى المطلق عن كل سبب موجِد من العدم أو آخر واق من الآفات فذلك مما تنزه عنه رب الأرض والسماوات جل وعلا .
وذاك وجود ممكن يفتقر إلى موجد ، أو مرجح ، كما يقول بعض أهل النظر ، فيفتقر إلى مرجح يخرجه من حيز العدم إلى حيز الوجود ، وذلك مئنة من الافتقار الذاتي المتأصل في كل المخلوقات فهي جميعا ممكنة ، إن شاء الرب ، جل وعلا ، أوجبها فأوجدها بكلماته الكونية النافذة ، وإن شاء لم يوجبها فلم يوجدها ، فوجوبها أو وجودها لغيرها لا لذاتها ، وهو مع ذلك وجود ناقص قد سبق بالعدم ويلحقه الفناء وتعرض له الآفات ويفتقر إلى الأسباب التي تحفظه من مطعوم ومشروب ومنكوح به تحفظ الأنواع ...... إلخ ، وبذلك رد أهل العلم على النصارى لما زعموا أن الرب ، جل وعلا ، قد حل بوصفه علما في أقنوم الابن الحادث ، أو حياة في أقنوم الروح القدس الحادث ، فحدوثهما محل إجماع من الفريقين فلا يوجد أحد من النصارى يزعم أن ذات المسيح عليه السلام أو ناسوته الأرضي الكائن في رحم البتول عليها السلام أزلي يقارن الأب أو الإله الذي في السماء وإنما غايتهم أن يقولوا هو صورة أرضية حل فيها وصف الإله كما يقول الكاثوليك أو ذاته القدسية كما يقول الأرثوذكس ومقالتهم أفسد وأفحش بداهة ، وكذلك الشأن في أقنوم الروح القدس فهو حادث بالإجماع فلا يقارن أيضا الأب في أوليته المطلقة ، فإنه لم يقل أحد من عقلاء الأمم بأن في الكون أولان قديمان متساويان من كل وجه ، كما أشار إلى ذلك شارح الطحاوية رحمه الله ، وحتى الفلاسفة الذين قالوا بقدم العالم ، واقترانه بذات الرب ، جل وعلا ، اقتران المعلول بعلته ، فجعلوه صادرا عن الذات القدسية ، والصحيح أنه صادر عن كلمات الرب ، جل وعلا ، التكوينية النافذة ، فهي أثر صفاته الفاعلة في الكون خلقا وتدبيرا ....... إلخ ، حتى هؤلاء مع بطلان مقالتهم نقلا وعقلا ، لم يقولوا بأن المعلول كعلته تماما فهو مقارن لها من كل وجه ، بل جعلوا العلة متقدمة عليه ولو رتبة لا زمنا ، فتحصل من ذلك أن كل وجود غير وجود الرب ، جل وعلا ، وجود حادث ناقص فهو دون وجود واجب الوجود الأول ، جل وعلا ، فهذا وصفه في دين المسلمين ، فظهر أن الوجود منقسم ، كما تقدم من نقل الأخ عبد الملك ، حفظه الله وسدده ، فوجود كامل ذاتي ، ووجود ناقص يفتقر إلى غيره ، فالقول بحلول الكامل أو اتحاده بالناقص مع ما جبل عليه من نقص في الذات والوصف وعروض لآفات الجوع والعطش والسنة والنوم والمرض والموت ....... إلخ ، قول يباين ما تقرر في العقل بل وفي الفطرة الضرورية التي لا يجد عاقل فكاكا منها من تنزه رب البرية ، جل وعلا ، عن كل نقص في ذاته ووصفه ، فله كمال الذات والوصف أزلا وأبدا ، وهذا معنى يستحسنه كل ذي عقل صريح وفطرة سليمة وإن لم يكن له رصيد من النقل الصحيح من علوم النبوات ، فذلك أمر قد ركز في نفوس كل البرية ، فهو أثر الميثاق الأول ومقتضى الفطرة التوحيدية قبل طروء التبديل عليها بتشريك أو تثليث ....... إلخ ، وذلك ما استدل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وفد نصارى نجران ، فقد ردهم إلى لازم ضروري لا يحيد عنه إلا مكابر أو مسفسط ، فردهم إلى عوارض النقص الجبلي في وجود المسيح عليه السلام ، فهو وجود ممكن ابتداء ، قد سبق بالعدم وسيلحقه الفناء لزوما فذلك وصف كل خلق حادث إلا ما كان من خلق أعيان النعيم في الجنة من حور عين وغيرها فلا يلحقها ما يلحق البشر في عالم الشهادة من الفناء بعد الوجود ، ووجودها مع ذلك مفتقر إلى الرب ، جل وعلا ، فهي باقية بإبقائه لها بمشيئته ، تبارك وتعالى ، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين ، فلا يوجد ، كما تقدم ، وجود ذاتي مستغن عن غيره من الأسباب من كل وجه إلا وجود الرب ، جل وعلا ، فردهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك وإلى عوارض النقص الجبلي في ناسوت المسيح عليه السلام الأرضي ، فبان بذلك ضرورة القدر الفارق بين واجب الوجود برسم الكمال المطلق ، وهو الرب ، جل وعلا ، وممكن الوجود برسم الحدوث والفناء والنقص الجبلي ، فكيف يحل الأول في الثاني أو يتحد به ، فذلك محال ذاتي لا وجود له ولو في الذهن تصورا وإنما يفرضه العقل فرضا كسائر المحالات ، فهو في الحقيقة عدم غير ممكن فكيف يؤمر العباد بالإيمان بما لا وجود له أصلا ، إلا على طريقة الإيمان فوق المناقشة ، ولو كان إيمانا بــ : لا شيء ! ، فلا وجود له لا في التصور ولا في الخارج ومن يفرضه فإنه يفرضه مضطرا مكرها في معرض التنزل في الجدال مع الخصم فيجد في نفسه حرجا ، أي حرج ، بل وعقلاء النصارى يجدون الحرج نفسه ، فلا تطمئن النفس بمقولة كهذه تردها النبوات وتردها العقول ، وتردها الفطر ، وتردها كل مدارك الحس السليم بل وتردها كل مدارك الاستدلال .
فيمكن تقسيم الوجود ، كما تقدم ، إلى :
الوجود الواجب المتصف بكمال الذات والصفات أزلا وأبدا فلا يسبق بعدم ولا يلحقه فناء ولا يعرض له نقص أو آفة ، وهو وجود الرب جل وعلا .
والوجود الممكن وهو وجود سائر المخلوقات فهو ممكن يفتقر إلى موجب مرجح يخرجه من العدم إلى الوجود ، وهذا المرجح هو وصف الرب ، جل وعلا ، الفاعل في الكون بالخلق ، فأثره كلمة تكوينية يخلق الشيء بها فــ : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
والوجود المحال في الخارج فلا يثبت إلا في الذهن على حد التصور إن كان ممكنا لم يشأ الرب ، جل وعلا ، وقوعه كخلق ولد لعقيم ، فهو محال لغيره لا لذاته فاستحالته كاستحالة إيمان أبي جهل مع تكليفه به فيمكن ابتداء ويستحيل لتعلقه بعلم الرب ، جل وعلا ، أن أبا جهل لن يؤمن ، فكذلك خلق الولد للعقيم فهو ممكن ، فلو شاء الرب ، جل وعلا ، لجعلها ولودا فذلك ممكن بداهة ، ولكنه ، جل وعلا ، لم يشأ ذلك ، فــ : "في كلام الله بيان ما كان وما سيكون وما لا يكون أبدا لو كان كيف كان يكون" . اهــ من كلام السجزي ، رحمه الله ، في "الإبانة" نقلا عن "درء التعارض" ، فتعلق العلم بالمعلوم الممكن لا يلزم منه وقوعه ، فلا بد من قدر زائد هو الإرادة والمشيئة ، فكم من معلومات علمها الرب ، جل وعلا ، بعلمه الأول المحيط ولم يشأ وقوعها في عالم الشهادة فلا تعلق للعلم الثاني ، الذي يكون بعد وقوع المعلوم ، لا تعلق له بها ، إذ لم تقع في الكون فهي محض عدم سواء أكانت من أفعال التقدير أم أفعال المكلفين ، وهذا من رحمة الرب ، جل وعلا ، بنا فلا يؤاخذنا بالمقدور الأول مما سطر عنده في اللوح ، فلما يزل عدم ، حتى يقع منا برسم الاختيار فتكتبه الحفظة ، فهو متعلق العلم الثاني : علم الإحصاء ، والشاهد أنه لا بد من ذلك القدر الزائد الذي نفاه الفلاسفة الذين جفوا في حق الرب ، جل وعلا ، فنفوا عنه صفات الكمال إلا صفة العلم ، وليتهم أثبتوها إثباتا صحيحا بل قد أثبتوا علما كليا مجملا ، وجعلوه عين الذات القدسية ، وجعلوه علة صدور الكون ، فمجرد العلم بالشيء عندهم يستلزم وقوعه ، وذلك ، كما تقدم ، أمر ممتنع حتى في أفعال البشر فكم من بشر قد علموا الحق ، ولم يكن مجرد علمهم به كافيا في ثبوت الإيمان في حقهم ، بل لا بد ، كما يقول بعض المحققين ، من قدر زائد من الإرادة والمحبة لهذا الحق وما يستلزمه ذلك بداهة من العمل بموجبه ظاهرا وباطنا فهو تأويله اللازم ، فالعمل تأويل العلم ، ثم زادوا ، كما تقدم ، فجعلوا ذات الرب ، جل وعلا ، هي علة صدور الكون ، فجعلوه موجبا بذاته لا بصفاته الفاعلة ، والصحيح أنه واجب ، جل وعلا ، بذاته ، فله الأولية الذاتية والوصفية برسم الكمال المطلق ، وموجب بصفاته الفاعلة وآثارها من كلماته الكونيات النافذة ، فكل ممكن كخلق أي إنسان يفتقر إلى مرجح ، وذلك من أدلة الفلاسفة المعروفة ، وهو دليل صحيح في الجملة فلا بد لكل ممكن من مرجح يخرجه من حيز العدم إلى الوجود فيرجح وجوده ، وإنما وقع الخلاف في تعيين هذا الموجب فعند الفلاسفة نفاة الصفات : هو ذات الرب ، جل وعلا ، القدسية نفسها ، وعند أهل الإسلام : هو صفات الرب ، جل وعلا ، الفاعلة ، المتعلقة بمشيئته النافذة ، فأثرها كلمات التكوين ، كما تقدم ، التي يكون بها الشيء كما قد قدر ، جل وعلا ، في الأزل ، فيكون قضاء الشيء في الشهادة ثانيا هو تأويل تقديره في الغيب أولا .
فتوحيد الفلاسفة : إثبات وجود مطلق بشرط الإطلاق ، وهذا أمر لا وجود له إلا في الأذهان ، فمآل قولهم : إثبات عدم ! ، فــ "وَصَفُوهُ بِالسُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ دُونَ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ وَجَعَلُوهُ هُوَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِيمَا خَرَجَ عَنْهُ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَجَعَلُوا الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفَ ، فَجَعَلُوا الْعِلْمَ عَيْنَ الْعَالِمِ مُكَابَرَةً لِلْقَضَايَا الْبَدِيهَاتِ وَجَعَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى فَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ جَحْدًا لِلْعُلُومِ الضَّرُورِيَّاتِ" . اهــ من "مجموع الفتاوى" ، وكذلك الشأن في غلاة الباطنية الذين قالوا بسلب النقيضين ، فيقولون : ليس بحي ، وليس بميت ! ، وهكذا في كل الصفات ، فيرفعون الوصف ونقيضه ، تعالى ، عز وجل ، عن ذلك الوصف العدمي علوا كبيرا ، فذلك ، أيضا ، أمر عدمي ، فــ : "غُلَاتُهُمْ يَسْلُبُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ فَيَقُولُونَ : لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ وَلَا حَيَّ وَلَا مَيِّتَ وَلَا عَالِمَ وَلَا جَاهِلَ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إذَا وَصَفُوهُ بِالْإِثْبَاتِ شَبَّهُوهُ بِالْمَوْجُودَاتِ وَإِذَا وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ شَبَّهُوهُ بِالْمَعْدُومَاتِ" . اهــ من "مجموع الفتاوى" ، وقد سار على طريقتهم غلاة النفاة ممن نفى وجود الله ، عز وجل ، داخل العالم أو خارجه ، عن يمينه أو عن يساره ، فوقه أو تحته .......... إلخ من صفات السلب العدمية .
ومثله الإله الذي حده النصارى باللاهوت المتجسد في الناسوت ، فكل تلك الأنماط من الأنماط المحالة ، فلزم تقسيم مادة الوجود تبعا لأحكام العقل إيجابا أو تجويزا أو امتناعا قبل الخوض في جدال المخالف في هذه المسألة لا سيما من النصارى فإنهم أظهر من ينتحل ذلك ولو بلازم مقالتهم .
والله أعلى وأعلم .
قوله ابن تيمية رحمه الله :
"وَكَذَلِكَ "الْوُجُودُ" وَ "الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ" فِينَا : يَسْتَلْزِمُ احْتِيَاجًا إلَى خَالِقٍ يَجْعَلُنَا مَوْجُودِينَ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ فِي وُجُودِهِ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وُجُودُنَا فَنَحْنُ وَصِفَاتُنَا وَأَفْعَالُنَا مَقْرُونُونَ بِالْحَاجَةِ إلَى الْغَيْرِ وَالْحَاجَةُ لَنَا أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ نَخْلُوَ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْغَنِيُّ لَهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْهُ ؛ فَهُوَ بِنَفْسِهِ حَيٌّ قَيُّومٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ وَنَحْنُ بِأَنْفُسِنَا مُحْتَاجُونَ فُقَرَاءُ" . اهــ من "مجموع الفتاوى"
فهذا وجود واجب يفيد الثبوت المطلق للشيء في الخارج برسم الغنى المطلق عن كل سبب موجِد من العدم أو آخر واق من الآفات فذلك مما تنزه عنه رب الأرض والسماوات جل وعلا .
وذاك وجود ممكن يفتقر إلى موجد ، أو مرجح ، كما يقول بعض أهل النظر ، فيفتقر إلى مرجح يخرجه من حيز العدم إلى حيز الوجود ، وذلك مئنة من الافتقار الذاتي المتأصل في كل المخلوقات فهي جميعا ممكنة ، إن شاء الرب ، جل وعلا ، أوجبها فأوجدها بكلماته الكونية النافذة ، وإن شاء لم يوجبها فلم يوجدها ، فوجوبها أو وجودها لغيرها لا لذاتها ، وهو مع ذلك وجود ناقص قد سبق بالعدم ويلحقه الفناء وتعرض له الآفات ويفتقر إلى الأسباب التي تحفظه من مطعوم ومشروب ومنكوح به تحفظ الأنواع ...... إلخ ، وبذلك رد أهل العلم على النصارى لما زعموا أن الرب ، جل وعلا ، قد حل بوصفه علما في أقنوم الابن الحادث ، أو حياة في أقنوم الروح القدس الحادث ، فحدوثهما محل إجماع من الفريقين فلا يوجد أحد من النصارى يزعم أن ذات المسيح عليه السلام أو ناسوته الأرضي الكائن في رحم البتول عليها السلام أزلي يقارن الأب أو الإله الذي في السماء وإنما غايتهم أن يقولوا هو صورة أرضية حل فيها وصف الإله كما يقول الكاثوليك أو ذاته القدسية كما يقول الأرثوذكس ومقالتهم أفسد وأفحش بداهة ، وكذلك الشأن في أقنوم الروح القدس فهو حادث بالإجماع فلا يقارن أيضا الأب في أوليته المطلقة ، فإنه لم يقل أحد من عقلاء الأمم بأن في الكون أولان قديمان متساويان من كل وجه ، كما أشار إلى ذلك شارح الطحاوية رحمه الله ، وحتى الفلاسفة الذين قالوا بقدم العالم ، واقترانه بذات الرب ، جل وعلا ، اقتران المعلول بعلته ، فجعلوه صادرا عن الذات القدسية ، والصحيح أنه صادر عن كلمات الرب ، جل وعلا ، التكوينية النافذة ، فهي أثر صفاته الفاعلة في الكون خلقا وتدبيرا ....... إلخ ، حتى هؤلاء مع بطلان مقالتهم نقلا وعقلا ، لم يقولوا بأن المعلول كعلته تماما فهو مقارن لها من كل وجه ، بل جعلوا العلة متقدمة عليه ولو رتبة لا زمنا ، فتحصل من ذلك أن كل وجود غير وجود الرب ، جل وعلا ، وجود حادث ناقص فهو دون وجود واجب الوجود الأول ، جل وعلا ، فهذا وصفه في دين المسلمين ، فظهر أن الوجود منقسم ، كما تقدم من نقل الأخ عبد الملك ، حفظه الله وسدده ، فوجود كامل ذاتي ، ووجود ناقص يفتقر إلى غيره ، فالقول بحلول الكامل أو اتحاده بالناقص مع ما جبل عليه من نقص في الذات والوصف وعروض لآفات الجوع والعطش والسنة والنوم والمرض والموت ....... إلخ ، قول يباين ما تقرر في العقل بل وفي الفطرة الضرورية التي لا يجد عاقل فكاكا منها من تنزه رب البرية ، جل وعلا ، عن كل نقص في ذاته ووصفه ، فله كمال الذات والوصف أزلا وأبدا ، وهذا معنى يستحسنه كل ذي عقل صريح وفطرة سليمة وإن لم يكن له رصيد من النقل الصحيح من علوم النبوات ، فذلك أمر قد ركز في نفوس كل البرية ، فهو أثر الميثاق الأول ومقتضى الفطرة التوحيدية قبل طروء التبديل عليها بتشريك أو تثليث ....... إلخ ، وذلك ما استدل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وفد نصارى نجران ، فقد ردهم إلى لازم ضروري لا يحيد عنه إلا مكابر أو مسفسط ، فردهم إلى عوارض النقص الجبلي في وجود المسيح عليه السلام ، فهو وجود ممكن ابتداء ، قد سبق بالعدم وسيلحقه الفناء لزوما فذلك وصف كل خلق حادث إلا ما كان من خلق أعيان النعيم في الجنة من حور عين وغيرها فلا يلحقها ما يلحق البشر في عالم الشهادة من الفناء بعد الوجود ، ووجودها مع ذلك مفتقر إلى الرب ، جل وعلا ، فهي باقية بإبقائه لها بمشيئته ، تبارك وتعالى ، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين ، فلا يوجد ، كما تقدم ، وجود ذاتي مستغن عن غيره من الأسباب من كل وجه إلا وجود الرب ، جل وعلا ، فردهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك وإلى عوارض النقص الجبلي في ناسوت المسيح عليه السلام الأرضي ، فبان بذلك ضرورة القدر الفارق بين واجب الوجود برسم الكمال المطلق ، وهو الرب ، جل وعلا ، وممكن الوجود برسم الحدوث والفناء والنقص الجبلي ، فكيف يحل الأول في الثاني أو يتحد به ، فذلك محال ذاتي لا وجود له ولو في الذهن تصورا وإنما يفرضه العقل فرضا كسائر المحالات ، فهو في الحقيقة عدم غير ممكن فكيف يؤمر العباد بالإيمان بما لا وجود له أصلا ، إلا على طريقة الإيمان فوق المناقشة ، ولو كان إيمانا بــ : لا شيء ! ، فلا وجود له لا في التصور ولا في الخارج ومن يفرضه فإنه يفرضه مضطرا مكرها في معرض التنزل في الجدال مع الخصم فيجد في نفسه حرجا ، أي حرج ، بل وعقلاء النصارى يجدون الحرج نفسه ، فلا تطمئن النفس بمقولة كهذه تردها النبوات وتردها العقول ، وتردها الفطر ، وتردها كل مدارك الحس السليم بل وتردها كل مدارك الاستدلال .
فيمكن تقسيم الوجود ، كما تقدم ، إلى :
الوجود الواجب المتصف بكمال الذات والصفات أزلا وأبدا فلا يسبق بعدم ولا يلحقه فناء ولا يعرض له نقص أو آفة ، وهو وجود الرب جل وعلا .
والوجود الممكن وهو وجود سائر المخلوقات فهو ممكن يفتقر إلى موجب مرجح يخرجه من العدم إلى الوجود ، وهذا المرجح هو وصف الرب ، جل وعلا ، الفاعل في الكون بالخلق ، فأثره كلمة تكوينية يخلق الشيء بها فــ : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
والوجود المحال في الخارج فلا يثبت إلا في الذهن على حد التصور إن كان ممكنا لم يشأ الرب ، جل وعلا ، وقوعه كخلق ولد لعقيم ، فهو محال لغيره لا لذاته فاستحالته كاستحالة إيمان أبي جهل مع تكليفه به فيمكن ابتداء ويستحيل لتعلقه بعلم الرب ، جل وعلا ، أن أبا جهل لن يؤمن ، فكذلك خلق الولد للعقيم فهو ممكن ، فلو شاء الرب ، جل وعلا ، لجعلها ولودا فذلك ممكن بداهة ، ولكنه ، جل وعلا ، لم يشأ ذلك ، فــ : "في كلام الله بيان ما كان وما سيكون وما لا يكون أبدا لو كان كيف كان يكون" . اهــ من كلام السجزي ، رحمه الله ، في "الإبانة" نقلا عن "درء التعارض" ، فتعلق العلم بالمعلوم الممكن لا يلزم منه وقوعه ، فلا بد من قدر زائد هو الإرادة والمشيئة ، فكم من معلومات علمها الرب ، جل وعلا ، بعلمه الأول المحيط ولم يشأ وقوعها في عالم الشهادة فلا تعلق للعلم الثاني ، الذي يكون بعد وقوع المعلوم ، لا تعلق له بها ، إذ لم تقع في الكون فهي محض عدم سواء أكانت من أفعال التقدير أم أفعال المكلفين ، وهذا من رحمة الرب ، جل وعلا ، بنا فلا يؤاخذنا بالمقدور الأول مما سطر عنده في اللوح ، فلما يزل عدم ، حتى يقع منا برسم الاختيار فتكتبه الحفظة ، فهو متعلق العلم الثاني : علم الإحصاء ، والشاهد أنه لا بد من ذلك القدر الزائد الذي نفاه الفلاسفة الذين جفوا في حق الرب ، جل وعلا ، فنفوا عنه صفات الكمال إلا صفة العلم ، وليتهم أثبتوها إثباتا صحيحا بل قد أثبتوا علما كليا مجملا ، وجعلوه عين الذات القدسية ، وجعلوه علة صدور الكون ، فمجرد العلم بالشيء عندهم يستلزم وقوعه ، وذلك ، كما تقدم ، أمر ممتنع حتى في أفعال البشر فكم من بشر قد علموا الحق ، ولم يكن مجرد علمهم به كافيا في ثبوت الإيمان في حقهم ، بل لا بد ، كما يقول بعض المحققين ، من قدر زائد من الإرادة والمحبة لهذا الحق وما يستلزمه ذلك بداهة من العمل بموجبه ظاهرا وباطنا فهو تأويله اللازم ، فالعمل تأويل العلم ، ثم زادوا ، كما تقدم ، فجعلوا ذات الرب ، جل وعلا ، هي علة صدور الكون ، فجعلوه موجبا بذاته لا بصفاته الفاعلة ، والصحيح أنه واجب ، جل وعلا ، بذاته ، فله الأولية الذاتية والوصفية برسم الكمال المطلق ، وموجب بصفاته الفاعلة وآثارها من كلماته الكونيات النافذة ، فكل ممكن كخلق أي إنسان يفتقر إلى مرجح ، وذلك من أدلة الفلاسفة المعروفة ، وهو دليل صحيح في الجملة فلا بد لكل ممكن من مرجح يخرجه من حيز العدم إلى الوجود فيرجح وجوده ، وإنما وقع الخلاف في تعيين هذا الموجب فعند الفلاسفة نفاة الصفات : هو ذات الرب ، جل وعلا ، القدسية نفسها ، وعند أهل الإسلام : هو صفات الرب ، جل وعلا ، الفاعلة ، المتعلقة بمشيئته النافذة ، فأثرها كلمات التكوين ، كما تقدم ، التي يكون بها الشيء كما قد قدر ، جل وعلا ، في الأزل ، فيكون قضاء الشيء في الشهادة ثانيا هو تأويل تقديره في الغيب أولا .
فتوحيد الفلاسفة : إثبات وجود مطلق بشرط الإطلاق ، وهذا أمر لا وجود له إلا في الأذهان ، فمآل قولهم : إثبات عدم ! ، فــ "وَصَفُوهُ بِالسُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ دُونَ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ وَجَعَلُوهُ هُوَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِيمَا خَرَجَ عَنْهُ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَجَعَلُوا الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفَ ، فَجَعَلُوا الْعِلْمَ عَيْنَ الْعَالِمِ مُكَابَرَةً لِلْقَضَايَا الْبَدِيهَاتِ وَجَعَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى فَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ جَحْدًا لِلْعُلُومِ الضَّرُورِيَّاتِ" . اهــ من "مجموع الفتاوى" ، وكذلك الشأن في غلاة الباطنية الذين قالوا بسلب النقيضين ، فيقولون : ليس بحي ، وليس بميت ! ، وهكذا في كل الصفات ، فيرفعون الوصف ونقيضه ، تعالى ، عز وجل ، عن ذلك الوصف العدمي علوا كبيرا ، فذلك ، أيضا ، أمر عدمي ، فــ : "غُلَاتُهُمْ يَسْلُبُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ فَيَقُولُونَ : لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ وَلَا حَيَّ وَلَا مَيِّتَ وَلَا عَالِمَ وَلَا جَاهِلَ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إذَا وَصَفُوهُ بِالْإِثْبَاتِ شَبَّهُوهُ بِالْمَوْجُودَاتِ وَإِذَا وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ شَبَّهُوهُ بِالْمَعْدُومَاتِ" . اهــ من "مجموع الفتاوى" ، وقد سار على طريقتهم غلاة النفاة ممن نفى وجود الله ، عز وجل ، داخل العالم أو خارجه ، عن يمينه أو عن يساره ، فوقه أو تحته .......... إلخ من صفات السلب العدمية .
ومثله الإله الذي حده النصارى باللاهوت المتجسد في الناسوت ، فكل تلك الأنماط من الأنماط المحالة ، فلزم تقسيم مادة الوجود تبعا لأحكام العقل إيجابا أو تجويزا أو امتناعا قبل الخوض في جدال المخالف في هذه المسألة لا سيما من النصارى فإنهم أظهر من ينتحل ذلك ولو بلازم مقالتهم .
والله أعلى وأعلم .
مواضيع مماثلة
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 2
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 3
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 4
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 5
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 2
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 3
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 4
» ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولاجهة 5
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin