بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
قصة قوم لوط عليه السلام 2
صفحة 1 من اصل 1
قصة قوم لوط عليه السلام 2
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومحمد بن إسحاق : شديد بلاؤه ، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم ، كما كان يصنع بغيرهم معهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا ، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه . وذكر ue]ص: 416 ] قتادة أنهم وردوا عليه ، وهو في أرض له يعمل فيها ، فتضيفوه فاستحيى منهم وانطلق أمامهم ، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية ، وينزلون في غيرها ، فقال لهم فيما قال : والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء ، ثم مشى قليلا ، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات قال : وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك . وقال السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قوم لوط فأتوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت له ابنتان اسم الكبرى أريثا ، والصغرى دغوثا فقالوا لها : يا جارية هل من منزل ؟ فقالت لهم : مكانكم ، لا تدخلوا حتى آتيكم . فرقت عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم . وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا ، فجاء بهم ، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط . فجاءه قومه يهرعون إليه .
ue]ص: 417 ] وقوله : ومن قبل كانوا يعملون السيئات . أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم . يرشدهم إلى غشيان نسائهم ، وهن بناته شرعا ؛ لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، كما ورد في الحديث ، وكما قال تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] . وفي قراءة بعض الصحابة والسلف : " وهو أب لهم " . وهذا كقوله : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ الشعراء : 165 - 166 ] . وهذا هو الذي نص عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وهو الصواب . والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب . وقد تصحف عليهم ، كما أخطئوا في قولهم : إن الملائكة كانوا اثنين ، وإنهم تعشوا عنده ، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما .
وقوله : فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد نهي لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة ، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ، ولا فيه خير ، بل الجميع سفهاء فجرة أقوياء كفرة أعتياء . وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوا منه من قبل ue]ص: 418 ] أن يسألوه عنه فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد . يقولون : عليهم لعائن الله لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا ، وإنك لتعلم مرادنا ، وغرضنا ، واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ، ولم يخافوا سطوة العظيم ذي العذاب الأليم ؛ ولهذا قال عليه السلام : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . ود أن لو كان له بهم قوة أو له منعة ، وعشيرة ينصرونه عليهم ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب ، وقد قال الزهري : عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرةمرفوعا نحن أحق بالشك من إبراهيم ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي . ورواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وقال محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد . يعني الله عز وجل فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه . وقال تعالى : وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين . فأمرهم بقربان نسائهم ، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيئاتهم ، هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون ، ue]ص: 419 ] بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون ، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون ، وصبيحة ليلتهم منتقلون ؛ ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمدصلوات الله وسلامه عليه : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وقال تعالى : ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر . ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم ، والباب مغلق ، وهم يرومون فتحه وولوجه وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب ، فلما ضاق الأمر ، وعسر الحال قال ما قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . لأحللت بكم النكال قالت الملائكة : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك . وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل : إنها غارت بالكلية ، ولم يبق لها محل ، ولا عين ، ولا أثر فرجعوا يتجسسون مع الحيطان ، ويتوعدون رسول الرحمن ويقولون : إذا كان الغد كان لنا وله شأن قال الله تعالى : ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر . فذلك ue]ص: 420 ] أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليهم السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل ولا يلتفت منكم أحد يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه . وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم . وقوله : إلا امرأتك على قراءة النصب يحتمل أن يكون مستثنى من قوله : فأسر بأهلك كأنه يقول : إلا امرأتك فلا تسر بها . ويحتمل أن يكون من قوله : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أي فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ، ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع ، ولكن الأول أظهر في المعنى ، والله أعلم .
قال السهيلي : واسم امرأة لوط والهة ، واسم امرأة نوح والغة . وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب : إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب . فلما خرج لوط عليه السلام بأهله ، وهم ابنتاه ، ولم يتبعه منهم رجل واحد ، ويقال : إن امرأته خرجت معه فالله أعلم . فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد ، وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك فاستبعده ، وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم ، فقالوا : اذهب فإنا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها ثم نحل بهم العذاب فذكروا أنه ذهب إلى قرية صغر التي يقول الناس : غور زغر . فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب قال الله تعالى : فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد .
ue]ص: 421 ] قالوا : اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم يقال : إنهم كانوا أربعمائة ألف نسمة . وقيل : أربعة آلاف ألف نسمة . وما معهم من الحيوانات ، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات ، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها . قال مجاهد : فكان أول ما سقط منها شرفاتها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل . والسجيل فارسي معرب ، وهو الشديد الصلب القوي منضود أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء مسومة أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ، كما قال : مسومة عند ربك للمسرفين . وكما قال تعالى : وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . وقال تعالى : والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى [ النجم : 53 - 54 ] . يعني قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها ، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة مسومة مرقوم على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها .
ويقال : إن امرأة لوط مكثت مع قومها ، ويقال : إنها خرجت مع زوجها وبنتيها ، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة ، والتفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها قديما وحديثا ، ue]ص: 422 ] وقالت : واقوماه . فسقط عليها حجر فدمغها ، وألحقها بقومها إذ كانت على دينهم ، وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان ، كما قال تعالى : ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين [ التحريم : 10 ] . أي خانتاهما في الدين فلم تتبعاهما فيه ، وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة حاشا وكلا ، فإن الله لا يقدر على نبي أن تبغي امرأته ، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف : ما بغت امرأة نبي قط .ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا . قال الله تعالى في قصة الإفك لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ، ووعظ وحذر . وقال فيما قال : إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم [ النور : 15 - 16 ] . أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة ، وقوله هاهنا : وما هي من الظالمين ببعيد . أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم ؛ ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا ، نص عليه الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وطائفة ue]ص: 423 ] كثيرة من الأئمة ، واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة ، كما فعل بقوملوط لقوله تعالى : وما هي من الظالمين ببعيد .
وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها لرداءتها ودناءتها ، فصارت عبرة ومثلة ، وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله ، واتبع هواه وعصى مولاه ، ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في إنجائه إياهم من المهلكات ، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات ، كما قال تعالى : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ الشعراء : 8 - 9 ] . وقال تعالى : فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين [ الحجر : 73 - 77 ] . أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم كيف غير الله تلك البلاد وأهلها ؟ وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالكة غامرة ؟ كما روى الترمذي ، وغيره مرفوعا اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . ثم قرأ :إن في ذلك لآيات للمتوسمين . ue]ص: 424 ] وقوله : وإنها لبسبيل مقيم أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن ، كما قال : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ الصافات : 137 - 138 ] . وقال تعالى : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ العنكبوت : 35 ] . وقال تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم [ الذاريات : 35 - 37 ] . أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب ، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فانزجر عن محارم الله ، وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه ؛ كما قال بعضهم .
ue]ص: 417 ] وقوله : ومن قبل كانوا يعملون السيئات . أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم . يرشدهم إلى غشيان نسائهم ، وهن بناته شرعا ؛ لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، كما ورد في الحديث ، وكما قال تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] . وفي قراءة بعض الصحابة والسلف : " وهو أب لهم " . وهذا كقوله : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ الشعراء : 165 - 166 ] . وهذا هو الذي نص عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وهو الصواب . والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب . وقد تصحف عليهم ، كما أخطئوا في قولهم : إن الملائكة كانوا اثنين ، وإنهم تعشوا عنده ، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما .
وقوله : فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد نهي لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة ، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ، ولا فيه خير ، بل الجميع سفهاء فجرة أقوياء كفرة أعتياء . وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوا منه من قبل ue]ص: 418 ] أن يسألوه عنه فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد . يقولون : عليهم لعائن الله لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا ، وإنك لتعلم مرادنا ، وغرضنا ، واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ، ولم يخافوا سطوة العظيم ذي العذاب الأليم ؛ ولهذا قال عليه السلام : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . ود أن لو كان له بهم قوة أو له منعة ، وعشيرة ينصرونه عليهم ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب ، وقد قال الزهري : عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرةمرفوعا نحن أحق بالشك من إبراهيم ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي . ورواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وقال محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد . يعني الله عز وجل فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه . وقال تعالى : وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين . فأمرهم بقربان نسائهم ، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيئاتهم ، هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون ، ue]ص: 419 ] بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون ، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون ، وصبيحة ليلتهم منتقلون ؛ ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمدصلوات الله وسلامه عليه : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وقال تعالى : ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر . ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم ، والباب مغلق ، وهم يرومون فتحه وولوجه وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب ، فلما ضاق الأمر ، وعسر الحال قال ما قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . لأحللت بكم النكال قالت الملائكة : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك . وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل : إنها غارت بالكلية ، ولم يبق لها محل ، ولا عين ، ولا أثر فرجعوا يتجسسون مع الحيطان ، ويتوعدون رسول الرحمن ويقولون : إذا كان الغد كان لنا وله شأن قال الله تعالى : ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر . فذلك ue]ص: 420 ] أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليهم السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل ولا يلتفت منكم أحد يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه . وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم . وقوله : إلا امرأتك على قراءة النصب يحتمل أن يكون مستثنى من قوله : فأسر بأهلك كأنه يقول : إلا امرأتك فلا تسر بها . ويحتمل أن يكون من قوله : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أي فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ، ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع ، ولكن الأول أظهر في المعنى ، والله أعلم .
قال السهيلي : واسم امرأة لوط والهة ، واسم امرأة نوح والغة . وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب : إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب . فلما خرج لوط عليه السلام بأهله ، وهم ابنتاه ، ولم يتبعه منهم رجل واحد ، ويقال : إن امرأته خرجت معه فالله أعلم . فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد ، وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك فاستبعده ، وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم ، فقالوا : اذهب فإنا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها ثم نحل بهم العذاب فذكروا أنه ذهب إلى قرية صغر التي يقول الناس : غور زغر . فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب قال الله تعالى : فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد .
ue]ص: 421 ] قالوا : اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم يقال : إنهم كانوا أربعمائة ألف نسمة . وقيل : أربعة آلاف ألف نسمة . وما معهم من الحيوانات ، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات ، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها . قال مجاهد : فكان أول ما سقط منها شرفاتها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل . والسجيل فارسي معرب ، وهو الشديد الصلب القوي منضود أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء مسومة أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ، كما قال : مسومة عند ربك للمسرفين . وكما قال تعالى : وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . وقال تعالى : والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى [ النجم : 53 - 54 ] . يعني قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها ، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة مسومة مرقوم على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها .
ويقال : إن امرأة لوط مكثت مع قومها ، ويقال : إنها خرجت مع زوجها وبنتيها ، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة ، والتفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها قديما وحديثا ، ue]ص: 422 ] وقالت : واقوماه . فسقط عليها حجر فدمغها ، وألحقها بقومها إذ كانت على دينهم ، وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان ، كما قال تعالى : ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين [ التحريم : 10 ] . أي خانتاهما في الدين فلم تتبعاهما فيه ، وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة حاشا وكلا ، فإن الله لا يقدر على نبي أن تبغي امرأته ، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف : ما بغت امرأة نبي قط .ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا . قال الله تعالى في قصة الإفك لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ، ووعظ وحذر . وقال فيما قال : إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم [ النور : 15 - 16 ] . أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة ، وقوله هاهنا : وما هي من الظالمين ببعيد . أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم ؛ ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا ، نص عليه الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وطائفة ue]ص: 423 ] كثيرة من الأئمة ، واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة ، كما فعل بقوملوط لقوله تعالى : وما هي من الظالمين ببعيد .
وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها لرداءتها ودناءتها ، فصارت عبرة ومثلة ، وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله ، واتبع هواه وعصى مولاه ، ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في إنجائه إياهم من المهلكات ، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات ، كما قال تعالى : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ الشعراء : 8 - 9 ] . وقال تعالى : فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين [ الحجر : 73 - 77 ] . أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم كيف غير الله تلك البلاد وأهلها ؟ وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالكة غامرة ؟ كما روى الترمذي ، وغيره مرفوعا اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . ثم قرأ :إن في ذلك لآيات للمتوسمين . ue]ص: 424 ] وقوله : وإنها لبسبيل مقيم أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن ، كما قال : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ الصافات : 137 - 138 ] . وقال تعالى : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ العنكبوت : 35 ] . وقال تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم [ الذاريات : 35 - 37 ] . أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب ، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فانزجر عن محارم الله ، وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه ؛ كما قال بعضهم .
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد
فالعاقل اللبيب الخائف من ربه الفاهم يمتثل ما أمره الله به عز وجل ، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال ، والجواري من السراري ذوات الجمال ، وإياه أن يتبع كل شيطان مريد فيحق عليه الوعيد ، ويدخل في قوله تعالى : وما هي من الظالمين ببعيد [ هود : 83 ] . مواضيع مماثلة
» قصة قوم لوط عليه السلام 1
» ذو الكفل عليه السلام
» إلياس (عليه السلام)
» اليسع (عليه السلام)
» آدم (عليه السلام
» ذو الكفل عليه السلام
» إلياس (عليه السلام)
» اليسع (عليه السلام)
» آدم (عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin