بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
بطلان قصة الغرانيق
صفحة 1 من اصل 1
بطلان قصة الغرانيق
عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في تلقي الوحي وتبليغه
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
لا زال الكلام عن أصول وخصائص أهل السنة والجماعة موصولاً، ومن تلك الأصول: عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46]، فلما لم يأخذ منه اليمين، ولم يقطع منه الوتين تبين أنه لم يتقول على ربه بالزيادة ولا بالنقصان.
وقال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى:6-7]، وهذا الاستثناء يدل على أن النسيان هو الترك، ومنه النسخ، فيكون المعنى: سنقرئك يا محمد! أي: سنتلو عليك الكتاب فلا تتركن منه شيئاً إلا ما أمرناك بتركه تلاوة أو حكماً، فالاستثناء لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى شيئاً من الوحي؛ لأن أصابع الكفار لا تزال تعمل عملها في الأمة، وأصابع الملاحدة وأفكار الملاحدة لا تزال تلعب في رءوس وأدمغة شباب الأمة، ولما تكلمت في الدرس الماضي منذ شهر عن عصمة الأنبياء وأثبتنا بفضل الله أنهم معصومون في تلقي الوحي وتبليغه، كما أنهم معصومون من الكبائر، اختلط على كثير من الشباب، فهاتفوني وسألوني مشافهة ما قصة الغرانيق التي تفيد بظاهر لفظها أن النبي عليه الصلاة والسلام وقع في شرك صريح مع الله عز وجل، فأحببت أن أذكر هذه الشبهة في هذا اليوم على جهة الخصوص، وإن كانت هناك شبهات كثيرة؛ لكن هذه أعظم شبهة، ولذلك استحسنت جداً طرحها والسؤال عنها لإزالة الإشكال فيها وبيان أمرها، وإثبات براءة صفحة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب مما سمي في السنة بقصة الغرانيق.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أقسم الله تبارك وتعالى على عصمته بعظيم من عظائم مخلوقاته فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4].. وغير ذلك من الآيات التي أفادت عصمته عليه الصلاة والسلام، والله تبارك وتعالى أراد أن يبرئ نبيه عن أن يكون زاد في القرآن شيئاً أو نقص منه، فقال: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ [الإسراء:73]، حاول المشركون فتنة النبي عليه الصلاة والسلام، حتى يدخل في القرآن أو يتقول على الله عز وجل ما لم يقله وما لم يأمره به: وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73] أي: لو أنك فعلت ذلك يا محمد! لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ، ولما لم يتخذوه خليلاً دل على أنه لم يفتر على الله عز وجل الكذب، والله تعالى يمتن على نبيه فيقول: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء:74]، فلما لم يركن إليهم شيئاً قليلاً، ومن باب أولى لم يركن إليهم شيئاً كثيراً؛ دل هذا على أن الله تعالى هو الذي ثبته وعصمه: إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [الإسراء:75]، فلما لم يكن ذلك؛ دل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتقول على ربه بحرف واحد زائد، ولم ينس شيئاً من الوحي تلقياً أو بلاغاً.
والله تعالى كذلك أثنى على نبيه فقال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15]، يا محمد! ائتنا بقرآن غير القرآن الذي تأتينا به واقرأه على مسامعنا، أو بدل كلام الله عز وجل وحرفه وأوله، ثم قال الله تعالى: قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس:16]، ألستم الذين قلتم: إنني صادق وإنني مصدوق أَفَلا تَعْقِلُونَ إذا كنت لا أكذب عليكم فمن باب أولى ألا أكذب ولا أفتري على الله عز وجل، وهذا باب عظيم جداً من أبواب العصمة؛ لأنه لو ثبت جدلاً أو عقلاً أن الشيطان يوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيتبع وحي شيطان؛ لكان لزاماً أن نقول: إنه لا وثوق قط بشرع قليله ولا كثيره، فالله عز وجل عصم نبيه أن يوحي إليه الشيطان؛ حفاظاً على الوثوق بالشريعة والعقيدة والسلوك والأخلاق، وإلا لكان الأمر في غاية الضنك والمشقة، ولعاش الناس في تيه إلى قيام الساعة، ولذلك عافى الله تبارك وتعالى الخلق من ذلك بعصمة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ [يونس:17-18] أي: عن الأصنام؛ عن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18].
قصة الغرانيق وما نزل من القرآن حولها
فما هي قصة الغرانيق؟ قصة عظيمة جداً في ضلالها وبطلانها وفسادها، قصة مناقضة لأصول استقرت عند العقلاء فضلاً عن أهل السنة والجماعة، قصة لا يقبلها عقل محترم قط، قصة الغرانيق هي افتراء من الشيطان على ألسنة المشركين في العهد المكي، قصة الغرانيق إذا طبقها عبد كاد يهدم الشريعة من أصلها ولا يبقى له من إيمانه ذرة، قصة الغرانيق لها حكاية في سورة النجم، كما أن لها حكاية وتكملة وسبباً للنزول في سورة الحج.
قال الله تعالى في سورة النجم في بيان قصة الغرانيق: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى [النجم:19-21]، يخاطب الله تعالى المشركين: أتجعلون لله تبارك وتعالى الأنثى وتجعلون لكم الذكور؟ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:22] قسمة جائرة فاسدة أن تجعلوا لكم الذكور ولله تعالى الإناث، قال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى * أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:23-26]، إذا كان هذا في شأن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فكيف بشفاعة أصنام وأوثان صنعتها أيدي المخلوقين، فعبدوها من دون الله عز وجل؟ كيف يكون لها الشفاعة وهي لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها نفعاً ولا ضراً؟ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:27-28]، ثم ينبه الله تعالى نبيه بالإعراض عن هذا المعتقد الفاسد والطغيان والبغي، فقال سبحانه: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:29-30].
هذه الآيات لما نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام تلاها في ناد من نوادي المشركين. قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، فزعموا أن الشيطان أوحى على لسان النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تلا هاتين الآيتين: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فيزعمون أنهم سمعوا هذا من النبي عليه الصلاة والسلام.
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20] تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى؛ يزعمون أنهم سمعوا هذا من النبي عليه الصلاة والسلام، وليس الأمر كذلك؛ وأنه لما سمع بهذا النبي عليه الصلاة والسلام شق عليه ذلك، وبلغت المشقة مبلغها في نفسه عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله تبارك وتعالى آياته في سورة الحج التي مطلعها: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ [الحج:52-55] أي في شك: مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الحج:55-57].
هذه الآيات من سورة النجم وسورة الحج قضت قضاء مبرماً على قصة الغرانيق التي افتراها الشيطان على ألسنة المشركين.
بيان معنى قول الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ...)
قبل الدخول لرواية القصة لا بد من بيان معنى قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ [الحج:52].
إن التمني يمكن أن يكون بالقلب كأن تقول: تمنيت على الله كذا وكذا، ولكن التمني في هذه الآية بمعنى: التلاوة والقراءة والذكر، فيكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ كتاب الله المنزل إليه ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منها، هذا التقدير.
والدليل على ذلك: أن العرب تستخدم لفظ التمني بمعنى القراءة، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه لما قتل القتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يذكر الله ويقرأ القرآن:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
(تمنى كتاب الله) أي: تلا كتاب الله من (أول ليلة)، حتى إذا بلغ آخر الليل قام عليه القتلة فقتلوه، فتلقى حمام قدره رضي الله تبارك وتعالى عنه؛ ولذلك ينقل غير واحد عن أكثر المفسرين والمحققين أن التمني بمعنى: القراءة والتلاوة، بل عزاه ابن القيم إلى السلف قاطبة، فقال في إغاثة اللهفان: والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا النبي عليه الصلاة والسلام ألقى الشيطان في تلاوته، وكذلك قال القرطبي في تفسيره العظيم وهو أحكام القرآن.
فتأويل كلامه في هذه الآية: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ أو حدث ألقى الشيطان في تلاوته، فينسخ الله عز وجل ما ألقاه الشيطان في تلاوة ذلك النبي ويبطله. هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وبالتالي لا أظن أنه قد بقي فيها إشكال؛ لأن الإشكال كما في صدور الإخوة وعقولهم أنهم حملوا التمني على تمني القلب، وإذا عرفت أن التمني هو التلاوة وأن الله تبارك وتعالى أبطل ما ألقاه الشيطان في تلاوة النبي، وأحكم الله تعالى آياته بغير زيادة ولا نقصان زالت الشبهة بإذن الله تعالى.
ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق وترصدوا له عند كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله عليه الصلاة والسلام، فذكروا ما ستراه في الروايات مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وذلك ديدنهم منذ القديم، كما فعلوا في غيرما آية وردت على ألسنة الرسل والأنبياء السابقين، كداود وسليمان ويوسف عليهم السلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلاً عن نبي مكرم، كما هو مبين في محله من كتب التفسير والقصص، وإن شئت فقل: من كتب الإسرائيليات والضلالات كما في كتاب التلمود والإنجيل والتوراة المحرفة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
لا زال الكلام عن أصول وخصائص أهل السنة والجماعة موصولاً، ومن تلك الأصول: عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46]، فلما لم يأخذ منه اليمين، ولم يقطع منه الوتين تبين أنه لم يتقول على ربه بالزيادة ولا بالنقصان.
وقال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى:6-7]، وهذا الاستثناء يدل على أن النسيان هو الترك، ومنه النسخ، فيكون المعنى: سنقرئك يا محمد! أي: سنتلو عليك الكتاب فلا تتركن منه شيئاً إلا ما أمرناك بتركه تلاوة أو حكماً، فالاستثناء لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى شيئاً من الوحي؛ لأن أصابع الكفار لا تزال تعمل عملها في الأمة، وأصابع الملاحدة وأفكار الملاحدة لا تزال تلعب في رءوس وأدمغة شباب الأمة، ولما تكلمت في الدرس الماضي منذ شهر عن عصمة الأنبياء وأثبتنا بفضل الله أنهم معصومون في تلقي الوحي وتبليغه، كما أنهم معصومون من الكبائر، اختلط على كثير من الشباب، فهاتفوني وسألوني مشافهة ما قصة الغرانيق التي تفيد بظاهر لفظها أن النبي عليه الصلاة والسلام وقع في شرك صريح مع الله عز وجل، فأحببت أن أذكر هذه الشبهة في هذا اليوم على جهة الخصوص، وإن كانت هناك شبهات كثيرة؛ لكن هذه أعظم شبهة، ولذلك استحسنت جداً طرحها والسؤال عنها لإزالة الإشكال فيها وبيان أمرها، وإثبات براءة صفحة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب مما سمي في السنة بقصة الغرانيق.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أقسم الله تبارك وتعالى على عصمته بعظيم من عظائم مخلوقاته فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4].. وغير ذلك من الآيات التي أفادت عصمته عليه الصلاة والسلام، والله تبارك وتعالى أراد أن يبرئ نبيه عن أن يكون زاد في القرآن شيئاً أو نقص منه، فقال: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ [الإسراء:73]، حاول المشركون فتنة النبي عليه الصلاة والسلام، حتى يدخل في القرآن أو يتقول على الله عز وجل ما لم يقله وما لم يأمره به: وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73] أي: لو أنك فعلت ذلك يا محمد! لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ، ولما لم يتخذوه خليلاً دل على أنه لم يفتر على الله عز وجل الكذب، والله تعالى يمتن على نبيه فيقول: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء:74]، فلما لم يركن إليهم شيئاً قليلاً، ومن باب أولى لم يركن إليهم شيئاً كثيراً؛ دل هذا على أن الله تعالى هو الذي ثبته وعصمه: إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [الإسراء:75]، فلما لم يكن ذلك؛ دل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتقول على ربه بحرف واحد زائد، ولم ينس شيئاً من الوحي تلقياً أو بلاغاً.
والله تعالى كذلك أثنى على نبيه فقال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15]، يا محمد! ائتنا بقرآن غير القرآن الذي تأتينا به واقرأه على مسامعنا، أو بدل كلام الله عز وجل وحرفه وأوله، ثم قال الله تعالى: قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس:16]، ألستم الذين قلتم: إنني صادق وإنني مصدوق أَفَلا تَعْقِلُونَ إذا كنت لا أكذب عليكم فمن باب أولى ألا أكذب ولا أفتري على الله عز وجل، وهذا باب عظيم جداً من أبواب العصمة؛ لأنه لو ثبت جدلاً أو عقلاً أن الشيطان يوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيتبع وحي شيطان؛ لكان لزاماً أن نقول: إنه لا وثوق قط بشرع قليله ولا كثيره، فالله عز وجل عصم نبيه أن يوحي إليه الشيطان؛ حفاظاً على الوثوق بالشريعة والعقيدة والسلوك والأخلاق، وإلا لكان الأمر في غاية الضنك والمشقة، ولعاش الناس في تيه إلى قيام الساعة، ولذلك عافى الله تبارك وتعالى الخلق من ذلك بعصمة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ [يونس:17-18] أي: عن الأصنام؛ عن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18].
قصة الغرانيق وما نزل من القرآن حولها
فما هي قصة الغرانيق؟ قصة عظيمة جداً في ضلالها وبطلانها وفسادها، قصة مناقضة لأصول استقرت عند العقلاء فضلاً عن أهل السنة والجماعة، قصة لا يقبلها عقل محترم قط، قصة الغرانيق هي افتراء من الشيطان على ألسنة المشركين في العهد المكي، قصة الغرانيق إذا طبقها عبد كاد يهدم الشريعة من أصلها ولا يبقى له من إيمانه ذرة، قصة الغرانيق لها حكاية في سورة النجم، كما أن لها حكاية وتكملة وسبباً للنزول في سورة الحج.
قال الله تعالى في سورة النجم في بيان قصة الغرانيق: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى [النجم:19-21]، يخاطب الله تعالى المشركين: أتجعلون لله تبارك وتعالى الأنثى وتجعلون لكم الذكور؟ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:22] قسمة جائرة فاسدة أن تجعلوا لكم الذكور ولله تعالى الإناث، قال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى * أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:23-26]، إذا كان هذا في شأن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فكيف بشفاعة أصنام وأوثان صنعتها أيدي المخلوقين، فعبدوها من دون الله عز وجل؟ كيف يكون لها الشفاعة وهي لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها نفعاً ولا ضراً؟ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:27-28]، ثم ينبه الله تعالى نبيه بالإعراض عن هذا المعتقد الفاسد والطغيان والبغي، فقال سبحانه: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:29-30].
هذه الآيات لما نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام تلاها في ناد من نوادي المشركين. قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، فزعموا أن الشيطان أوحى على لسان النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تلا هاتين الآيتين: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فيزعمون أنهم سمعوا هذا من النبي عليه الصلاة والسلام.
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20] تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى؛ يزعمون أنهم سمعوا هذا من النبي عليه الصلاة والسلام، وليس الأمر كذلك؛ وأنه لما سمع بهذا النبي عليه الصلاة والسلام شق عليه ذلك، وبلغت المشقة مبلغها في نفسه عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله تبارك وتعالى آياته في سورة الحج التي مطلعها: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ [الحج:52-55] أي في شك: مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الحج:55-57].
هذه الآيات من سورة النجم وسورة الحج قضت قضاء مبرماً على قصة الغرانيق التي افتراها الشيطان على ألسنة المشركين.
بيان معنى قول الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ...)
قبل الدخول لرواية القصة لا بد من بيان معنى قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ [الحج:52].
إن التمني يمكن أن يكون بالقلب كأن تقول: تمنيت على الله كذا وكذا، ولكن التمني في هذه الآية بمعنى: التلاوة والقراءة والذكر، فيكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ كتاب الله المنزل إليه ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منها، هذا التقدير.
والدليل على ذلك: أن العرب تستخدم لفظ التمني بمعنى القراءة، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه لما قتل القتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يذكر الله ويقرأ القرآن:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
(تمنى كتاب الله) أي: تلا كتاب الله من (أول ليلة)، حتى إذا بلغ آخر الليل قام عليه القتلة فقتلوه، فتلقى حمام قدره رضي الله تبارك وتعالى عنه؛ ولذلك ينقل غير واحد عن أكثر المفسرين والمحققين أن التمني بمعنى: القراءة والتلاوة، بل عزاه ابن القيم إلى السلف قاطبة، فقال في إغاثة اللهفان: والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا النبي عليه الصلاة والسلام ألقى الشيطان في تلاوته، وكذلك قال القرطبي في تفسيره العظيم وهو أحكام القرآن.
فتأويل كلامه في هذه الآية: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ أو حدث ألقى الشيطان في تلاوته، فينسخ الله عز وجل ما ألقاه الشيطان في تلاوة ذلك النبي ويبطله. هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وبالتالي لا أظن أنه قد بقي فيها إشكال؛ لأن الإشكال كما في صدور الإخوة وعقولهم أنهم حملوا التمني على تمني القلب، وإذا عرفت أن التمني هو التلاوة وأن الله تبارك وتعالى أبطل ما ألقاه الشيطان في تلاوة النبي، وأحكم الله تعالى آياته بغير زيادة ولا نقصان زالت الشبهة بإذن الله تعالى.
ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق وترصدوا له عند كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله عليه الصلاة والسلام، فذكروا ما ستراه في الروايات مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وذلك ديدنهم منذ القديم، كما فعلوا في غيرما آية وردت على ألسنة الرسل والأنبياء السابقين، كداود وسليمان ويوسف عليهم السلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلاً عن نبي مكرم، كما هو مبين في محله من كتب التفسير والقصص، وإن شئت فقل: من كتب الإسرائيليات والضلالات كما في كتاب التلمود والإنجيل والتوراة المحرفة
مواضيع مماثلة
» من المتحدث ؟ بطلان عقيده الثالوث
» واقع قصة الغرانيق المقبولة
» الروايات التي ساقت قصة الغرانيق
» رد ابن العربي على روايات قصة الغرانيق ونقضه لها
» بطلان دعوى المسيحيين للتوحيد مع إيمانهم بالتثليث
» واقع قصة الغرانيق المقبولة
» الروايات التي ساقت قصة الغرانيق
» رد ابن العربي على روايات قصة الغرانيق ونقضه لها
» بطلان دعوى المسيحيين للتوحيد مع إيمانهم بالتثليث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin